أخلاق رسول الله في الحروب وبعدها الحرب عند اليهود والنصارى إن الحرب ظاهرة اجتماعية قديمة،
صاحبت الإنسان منذ نشأته على الأرض، وتختلف الحرب من عقيدة إلى أخرى؛
فالحرب عند اليهود حرب تدميرية؛ لاعتقادهم أنهم أرقى الشعوب، وعند النصارى
هي نار تُلقى على الأرض لتشعلها، وهذا ما يقوله الإنجيل المحرّف: "لا تظنوا
أنني جئت أنشر السلام على الأرض، إنني لم آت أحمل السلام، وإنما السيف"[1].
بل إنه يقول: "إنني جئت لأُلقي على الأرض النار، وما أريد من ذلك إلاّ
اشتعالها"[2]،
وهذا ما فعله الصليبيون عندما استولوا على بيت المقدس فذبحوا سبعين ألف
مسلم!
الحرب عند المسلمين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أما الحرب عند المسلمين فهي دومًا اضطرارية؛
كضرورة لتأمين سُبُل الدعوة، والدفاع عن حرية العقيدة وحرمات المسلمين
وأعراضهم، لا مبادأة للقهر والتسلط، فليس الإسلام وحده هو المانع من القتل،
وليس الكفر وحده هو الموجب له، وهذا ما قرّره فقهاء المالكية والحنفية
والحنابلة، أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء وليس الكفر؛ فلا
يُقتل شخصٌ لمجرّد مخالفته للإسلام، إنما يُقتل لاعتدائه على الإسلام،
وغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يُلتزم معه جانب السلم[3].
ولسنا نعني بحتمية الحروب أننا نشتهيها أو نترقّب حدوثها،
بل نحن على العكس من ذلك، فنحن المسلمين لا نجعل الحرب إلاّ آخر القرارات،
ونهاية الحلول، ولا نسعى إليها إلا لردِّ حقٍّ، أو دفعِ شرٍّ، أو تأمينِ
حياة.
فإذا كانت الحرب ضرورية لا مهرب منها، فإن الإسلام
سعى إلى ضبط حروب المسلمين بضوابط أخلاقيّة تحميها من التدنِّي إلى رذائل
الأفعال، ومنكرات الأمور، وهذا الأمر حثّ عليه الإسلام كثيرًا في كتاب الله
الكريم، وفي سُنّة وسيرة الرسول العظيم محمد r.
دوافع الحرب في الإسلام إن مشروعية القتال في
الإسلام تختلف عن غيرها من الأنظمة والقوانين، ومن شاء أن يدرس طبيعة
الحروب الإسلامية؛ فليدرس طبيعة الإسلام ذاته حتى لا يُطبِّق على هذه
الحروب مقاييس غيرها من حروب التوسُّع والعدوان[4].
ورؤية رسول الله r
للدوافع التي ينبغي أن تقوم الحرب من أجلها واضحة؛ وهي دوافع لا يُنكرها
منصف، ولا يعترض عليها محايد، وهذه الدوافع تشمل ردّ العدوان، والدفاع عن
النفس والأهل والوطن والدين، وكذلك تأمين الدين والاعتقاد للمؤمنين الذين
يحاول الكافرون أن يفتنوهم عن دينهم، وأيضًا حماية الدعوة حتى تُبلّغ للناس
جميعًا، وأخيرًا تأديب ناكثي العهد[5].
ومع أن أهداف القتال في الإسلام كلها نبيلة إلاّ أن رسول
الله r
لم يكن متشوِّقًا لحرب الناس؛ وذلك على الرغم من بدايتهم للعدوان،
وعداوتهم الظاهرة للمسلمين، لذلك نرى ابن القيم -رحمه الله- يقول في زاد
المعاد تحت عنوان الدعوة قبل القتال: "وكان r يأْمُر أمير سريته أن يدعو
عدُوّه قبل القتال إمّا إلى الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة،
ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء نصيب، أو بذل الجزية، فإن هم
أجابوا إليه قبِل منهم، وإلا استعان بالله وقاتلهم"[6].
وباستقراء سيرة الرسول r
في المعارك الحربية المختلفة -سواء ما فعله بنفسه r،
أو ما كان يُوصِي به صحابته y
جميعًا في عملياتهم الحربية- تتّضح لنا ملامح منهج الأخلاق الرائع الذي
طبّقه عمليًّا في حياته.
وصايا الرسول في الحروب إن
المتأمل لحروب رسول الله r
مع أعدائه سواء من المشركين، أو اليهود، أو النصارى، ليجِد حُسن خُلق رسول
الله r
مع كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان
يعاملهم بعكس معاملاتهم له.
فإذا تأمّلْنا وصية رسول
الله r
لأصحابه المجاهدين الذين خرجوا لرد العدوان نجد في جنباتها كمال الأخلاق
ونُبل المقصد فها هو ذا رسولُ الله r
يوصي عبد الرحمن بن عوف t
عندما أرسله في شعبان سنة (6ه) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة
الجندل؛ قائلاً: "اغْزُوا جمِيعًا فِي سبِيلِ اللهِ، فقاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، لا تغُلُّوا، ولا
تغْدِرُوا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، فهذا عهْدُ اللهِ
وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ"[7].
وكذلك كانت وصية رسول الله r
للجيش المتّجه إلى معركة مؤتة؛ فقد أوصاهم r
قائلاً: "اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سبِيلِ اللّهِ، قاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، اغْزُوا ولا تغُلُّوا،
ولا تغْدِرُوا، ولا تمْثُلُوا، ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، أوِ امْرأةً،
ولا كبِيرًا فانِيًا، ولا مُنْعزِلاً بِصوْمعةٍ"[8].