الأخت سارة المحترمة أشكرك لاختيارك قصيدتي عن رمضان وكانت سببا بتعرفي ودخولي إلى الموقع والواحات
أرفق لك قصة من قص
بطاقة تعريف
- محمود محمد أسد 1951 حلب
-إجازة في اللغة العربية ومدرِّ س لها
-يكتب الشعر والقصّة والدّراسة
صدرت له ستّ مجموعات شعرية
1-قطاف المواسم
2- اعترافات برسم القلق 3-نزيف الأرصفة المتعبة 4- أحزاني تعلن العصيان
5-من مقامات العشق الحلبي 6-تراتيل للموت المقدس
بمناسبة حلب عاصمة للثّقافة الإسلامية عام 2006 صدر له كتاب (قراءة في الإبداع الأدبي الحلبي )-جامعة حلب
-شارك في العديد من المهرجانات في الشعر والقصة والندوات الأدبية في القطر وخارجه( الأردن –إيران- اسبانيا-)
-حاز على عدّة جوائز في الشعر والقصّة والدّراسة -- يعدّ ديوان حلب المعاصر- شارك في العديد من المهرجانات والندوات في سوريا والأردن ومصر وإيران-عضو مؤسّس ومساهم في كتاب (من أدباء حلب في النصف الثاني من القرن العشرين صدر في أربعة كتب العنوان _ سوريا- حلب – ص-ب-12522 جوال 0933789233
ايميل :
mahmoudasad953@gmajl.com صي وبطاقة تعريف
صـدمــــــــــــــــة
محمود أسد
أمسكت رغيف الخبز بيدي لأوَلِ مرَّة بعد فترة زمنية . شعرتُ بصعوبة وضيق لم أعـــــــــرف سرَّهُما .
في هذه الفترة استسلمت فيها لسرير المرض وقواعد الطعام والدواء والعلاج الصارمة . وما زلت أعاني منها ، وتضايقني في كل يوم أجد دواءً جديداً ومطلباً جديداً من صورٍ وتحاليلَ لا تنتهي ....
استيقظتُ بل صحوتُ لأجدَ نفسي جسداً ممدوداً على السرير في مشفى يضجُّ بالحركة ، ومن حولي بعض الأهل . صحوت من غيبوبة ربَّما طالتْ . كلُّ ما أعرفه أنَّني كنتُ جالسةً مع والدي ووالدتي على سطح دارنا الجميل ، نستأنس بالقمر في ليل تمامه ، وبالسماء التي تظلنا بنجومها المتلألئة كفريق رياضيِّ يحمل كأس البطولة . وللقمر مكانة خاصة في قلبي لأن أعزَّ صديقاتي اسمها " قمر " وقد تألَّمت عندما زوَّجها والدها وهي في المدرسة لابن خالتها التاجر .. ويومها أعلَنْتُ غضبي على المال والتجارة ، وحمدتُ الله أنَّ والدي لا يفكر بهذا التفكير ..
والحديث أخذ يدور ببطءٍ ودراسةٍ وتحفظ . وبدأتُ أتضايقُ مما يلمَّح لي وأحببت أنْ أعرف الحقيقة بسرعة ولكننا لم نتعوَّدْ على مقاطعة والدي إذا كان يتكلم ..
- لماذا المدرسة يا فضيلة ؟ تعب وشقاء وانشغال عن البيت وتعلم أشياء لا تناسبنا . يكفي ما نسمعه ونراه في داخل بيتنا. اسألي " قمر " أهي سعيدة الآن أكثر أم أيام المدرسة ؟ لا ينقصها شيء .
قالها والدي وهو يتفحص عيني ويتابع ردود الفعل التي غالباً ما تكون سريعة وغاضبة .. بيني وبين نفسي راودتني أمور وهواجس .. لا بد أنَّ في الأمرِ سراً .
ما اعتدت من والدي البسيط الواعي المحب للعلم لدرجة العبادة . يصرف عليه بسخاء ، رغم ضيق يده دون تذمُّر وتأفُّف . فأختي " حميدة " يوم تخرجها من كلية العلوم الطبيعية أقام حفلة رنَّانة في البيت وفي دائرته حيث يعمل كاتب ديوان من عشرين عاماً . وعندما نالت " وردة " الثانوية العامة بفرعها الأدبي زغرد كالنساء وارتسمت على وجهه معالم الفرح وهو يقول لأمي :
" يا امرأة قطع لحم وضلع قاصر "
عند هذا الحد تذكَّرتُ مواقفه وهو يُلَقِّنُ أخي " خالد " دروس القراءة والإملاء والحساب إلى أن أصبح مدرِّساً مشهوراً لمادة الرياضيات وله شهرةٌ في بيوت أكثر الناس المرموقين يدرِّس بناتهم وأبناءهم وهو الآن في إنكلترا يقضي إجازة الصيف في " لندن " .
- يا إلهي ما الذي غيَّر والدي ... أسمِعَ شيئاً عنِّي ؟ هل هناك من أخبره بأنني أسلِّم على ابن جارنا بطرف عيني ؟ هل علم بأنني أهديته أغنية من الإذاعة بمناسبة نجاحه وتفوقه ... ؟
أخذتني الوساوس والأهوال ... صحوت على حديث جديد من والدي :
- ما رأيك أن تجلسي في البيت ؟ يا بنتي أنا تعبت وأمك تعبت وهي تقاسي آلام المفاصل وبحاجة لمن يساعدها ولا يوجد سواك يا بنتي ، الدراسة أصبحت مكلفة ، وأنا موظف . أكلته الوظيفة لحماً وشحماً . وقضمته عظماً . انظري إلى أمك .
وكانت مستلقية على جنبها ومستسلمة لغفلة عميقة سبَّبها لها الألم والهواء العليل والرطوبة وأثر الدواء المسكن ..
شعرت بجبل عظيم انتصب على كاهلي وهدَّ مفاصلي .. رأسي يوشك أن ينفجر ، لساني يتلعثم ما عاد يطاوعني .. وجدتُ أنَّ أبي الوديع المحب غير الذي أعرفه . سرعان ما وجدتُ تغيُّر ملامحه ونظراته . حاولت التكلم بعد أن جحظت عيناي واصطكّتْ أسناني ولكن خطفني وبقوة ومن جديد . وبلهجة صارمة ما كنت أعهدها إلا عند ثورته لمبادئه :
- ابنتي، هناك من يطلب يدك. ومروان ابن مديرنا شاب وسيم تتمناه كلُّ فتيات الحي والجامعة لمنصب والده. يعتزُّ به والده وأمه وقد تركا له أموالاً كثيرة لا تأكلها النيران . ليس بحاجة للشهادة ومشاكلها ولا للعمل . إنه وريث شركة وقد يتزوجك . وهذا الزواج لا يطول ... وتأتيك الثروة طيعة بين يديك وقدميك . لا حاجة للتفكير . أنا قلق عليك من بعدي. أريد تأمين مستقبلك لأنام هادئاً مطمئناً .. وهذا ما سوف أفعله شئت أم أبيت ؟ فأنا أعرف مستقبلك ..
من جديد تحط على كاهلي جبال الدنيا . فجأةً تغيَّر والدي . ما الذي جعله على هذه الصورة ؟ أعرفه جيداً . وها هو الآن صورة أخرى لا يختلف عن جدار بيتنا . ومن مسح عقله وسرق مشاعره ؟
شعرت بدوار ورجفة ، وبعد هذا لا أعرف شيئاً ...
أنا الآن في المشفى أعجز عن تناول الطعام . كل أموري تتم بمساعدة الآخرين . حاولوا تقديم الحليب فشعرت بالوهن ولم أستطع مسك كأس الحليب ... أتلفَّتُ ببطءٍ .. أحاول قراءة الوجوه لمعرفة ما يجري ... العيون تتكلم وأنا عاجزة عن الكلام ... الممرضة تدخل من جديد .. تتوجه بلطف مصحوب بقسوةٍ تتطلَّبها المهنة :
- اخرجوا من فضلكم . وَدَعوها لوحدها . هي بحاجة لراحة وهدوء لوقت آخر ..."
أريد شيئاً ما ، لم أستطع . حاولت الحركة لم أقدر على تحريك رجلي اليمنى . لم أستطع النطق إلا بصعوبة .. نظرت إلى والدي فوجدت الدمعة تنساب محروقة من عينيه . يستحم بالحسرة والأسى هزَّ رأسه .. وتقدَّم مني :
- إن شاء الله تعودين إلى المدرسة كما تشائين . اغفري لي ...نظرت إليه الممرضة نظرة مشوبة بالحزن : يا عم . بإمكانكم إخراجها إلى البيت ولكنها بحاجة لرعاية تامة ومعالجة فيزيائية لرجلها ويدها اليمنى . والأمر والشفاء بأمر من الله تعالى .....
وما زلت أنتظر عودتي إلى المدرسة بل عودتي إلى سطح البيت ....