رحيل الدكتور مصطفى عبد الشافي
وتغيب الشموس عن نهاراتنا، لتنطلق في السماء أقمارا تضيء ليالينا
ليس عن سابق إصرار، ودون ترصد مني تجدني أكتب نعيا لمعلم أو صديق، لعالم أو أديب، لأشخاص أثروا في حياتي وتأثرت بهم.
اليوم بمزيد من الحزن والألم أنعى للشعب الفلسطيني ولنفسي أولا وفاة
الأستاذ الدكتور الأديب مصطفى عبد الشافي.
عرفته؛ بل شرفت بالتعرف إليه قبل سنوات سبع، حين تنامى لعلمه – خلال جلساته في مكتبة الهاشمية - بأن صالونا أدبيا ولد على أرض غزة، يقول الدكتور مصطفى في أول جلسة حضرها في الصالون، لقد أتيت لأرى ما إذا كان يستحق أن نحضر جلساته أم أنه سيكون إهدار للوقت، لقد حدّثت نفسي قبل أن آتي: أيمكن لمشروع يُقام دون دعم من جهة مانحة أو سلطة أن يستمر طويلا، وأن صالونا يُقام على عاتق اثنتين فقط، إحداهما في سفر وتقوم واحدة بمفردها عليه، كيف سيكون مستواه؟
ولكن اليوم وأنا أحضر هذا اللقاء القيم والثري؛ فإني أسجل تقديري لهذه الجماعة التي تطوعت لصناعة مشهد ثقافي في غزة التي تفتقر للأنشطة الأدبية والثقافية.
قال عباراته تلك، وأظنه وقَّع مع نفسه من تلك الجلسة عهدا ووعدا بألا يتغيب عن أي جلسة من جلسات الصالون، ولو حدث ذلك لأمر أقوى من حرصه على الحضور– ونادرا ما يحدث - فلابد أن يعتذر، ودوما دعوتي له تُرد لي منه مع كلمات شكر وثناء لاجتهادنا ومواصلتنا العمل للأدب والثقافة.
جلستنا الأخيرة في حياته: كانت آخر جلستنا في حياته بتاريخ الرابع من يناير وكانت بعنوان: الاحتفال بإصدار كتاب قصة الخليل إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم، ولظروف خارجة عن إرادتنا، وكي لا نوقف نشاطاتنا؛ أقمنا جلستنا في الأكاديمية، ولمّا كان مدخلها غير مُعبد، والدخول إليها غير آمن لكبار السن، حضر الدكتور مصطفى ومرافقه بهدف حضور الجلسة، كان المصعد الكهربائي مُعطل، توجه إليّ مرافقه قائلا كيف سيصعد سلالم المركز وهي على هذا الحال؟ أرى أن نعود به ولا داعي لحضوره الجلسة.
قلت له: أجل لا تصعد به السلالم فهي غير آمنة، وأعدناه نحن، في حين لم يتأخر هو عن آخر جلسة لصالون نون الأدبي تُقام في حياته، وبعدها لم ولن أره إلى أن يشاء الله لنا اللقاء.
بعدها بيوم ذهبت للمكتبة الهاشمية حيث يجتمع الرعيل الأول من رجالات غزة وهو منهم؛ ظنّا منّي أني سأجده فأهديه كتابي.
للأسف لم أجده، فتركت له الكتاب مع الأستاذ أبو شعبان صاحب المكتبة.
لم يتصل بي، لم يبلغني بقراءته للكتاب وملاحظاته عليه.
فتيقنت أنه آخر كتاب يراه ولم يقرأه.
رحم الله فقيدنا الغالي؛ الدكتور الطبيب، والأستاذ الأديب، والإنسان الأب الصديق، الدكتور مصطفى عبد الشافي، وأعدّه - كما وعدنا سابقا – أعدّه أن أحافظ على ما تعلمته منه، لقد تعلمت الالتزام، تعلمت منه أن أكون مطلعه في كل المجالات الثقافية؛ ولا أقتصر على تخصصي فحسب، تعلمت منه احترام مَن يعمل وإن كان أصغر مني سنّا.
أقول له نم في مستقرك الأخير؛ هادئا كما كنت في الدنيا هادئا وديعا، لقد كنت في هدوءك معلما ومدرسة، اطمئن على غراسك؛ ستنبت سنابلا شامخات.
إلى جنات الخلد أيها القائد العظيم