الجملة الشرطية في الحديث النبوي الشريف محفوظ فرج

من كتابي ملامح الصورة الفنية في الاحاديث النبوية الجزء الثالث


وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) رياض الصالحين ص 284 ت 1116 سنن أبي داود ص208 ت 1269


أسلوب يعد أحد الأركان التي يعتمد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وهو أسلوب الجملة الشرطية، وهي طريقة تختزل المعاني

والحديث الشريف يقع في باب الترغيب في الصلاة فورد خطابا خاليا من التوكيد يوضح للمتلقي أن جزاء الشرط حاصل لا محالة، وذلك يعرف من خلال البنية الدلالية للجملة الشرطية

فإذا استقرأنا الحديث الشريف وجدنا أن فعله، وجوابه وردا ماضيان، ودلالة ذلك أنه قد أنزل هذا الخطاب بمنزلة الخبر المتيقن منه، والمؤكد . وكان خطابه صلى الله عليه وسلم للمسلمين كافة فكانت (مَنْ) أسم الشرط الجازم مطابقة لمقتضى الحال في أنها لعموم المسلمين ، وقد ورد فعل الشرط (حافظ) لازما دالا على موالاة الفعل والقيام به باستمرار من خلال متابعة الصلاة أربع قبل الظهر وأربع بعدها وجواب الشرط ( حرَّم) المتعدي ( فعَّل) إنما جاء على صيغة المزيد بتضعيف عين الفعل فكأنما هو توكيد بأن أصبح محرَّما على النار (وهذا وعد عظيم وخير كثير)

اما الناحية الأخرى فان الحديث على المستوى البلاغي، والصوتي جعل تعبيره صلى الله عليه وسلم قولا فصلا، وذلك مما فيه من الطباق في جملة فعل الشرط ( قبل وبعد) وهما ظرفا زمان في اختلافهما تجلت الصورة واتضحت وتحددت.

ولنا أن نلاحظ التكرار في ( أربع ،وعلى) كيف أمسك في زمام الحديث وسهل حفظه لسامعه، وكانت العين في التكرار هي ضمن حروف الحلق وما دخلت العين في لفظ إلا حسنته.
وإذا كانت الحاء هي من حروف الحلق أيضا وهذه الحروف تشير في أعماقها الى يقين الحدث، وأهمية الزمن في مسافاتها فقد وردت الحاء في فعل الشرط وجوابه ( حافظ ، حرَّم ) ومخرج الحاء من طرفين أي أنه يحيط في مخرجه بجوانب الحلق وذلك جاء في دلالته متوافقا مع مدلوله في فعل الشرط، وجوابه فالفعل (حافظ) جاء مدلوله للإحاطة بأربع ركعات قبل الظهر، وبعده وكذلك جواب الشرط( حرَّم ) فان الله سبحانه وتعالى قد أحاط بالعبد وأبعده عن النار

أما التركيب الصوتي الذي ارتفع في الحديث الشريف بأوتار موسيقية ساهمت أجراس الحروف في انسجامها فهي ملاحظة كيف ارتبط فعل الشرط منسجما مع جوابه حيث تناغما في ابتدائهما بحرف الحاء ثم هذه العين الرائعة التي تداعت ورصعت أصوات الحروف الأخرى بأعماقها في (على، وأربع، وركعات، وأربع وبعدها، وعلى) ولك ان تلاحظ الراء في تدفقها الذي يشير الى ان الاستمرار في الفعل والاسم من حيث دلالته كاستمراره في الصوت فأضاف ذلك على الحديث رقة ومرونة.[/color]



الهوامش

جملة الشرط تتألف من عبارتين لا استقلال لإحداهما عن الأخرى تسمى العبارة الأولى شرط وتسمى العبارة الثانية جوابا أو جزاءً فليست عبارة الشرط جملة كما يراد من الجملة وان تألفت في ذاتها من مسند إليه ومسند لأنها ـ على حدة ـ لا تعبر عن فكرة تامة وهذه الفكرة التامة إنما يعبر عنها بجملة الشرط التي تعتمد في وجودها على الشرط والجواب جميعا وكان عبد القاهر الجرجاني يجعل من الشرط وما عطف نحو قوله تعالى ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما عظيما ) جملة واحدة وكان يقول ( الشرط ـ كما لا يخفى ـ في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على الانفراد،ولا في واحدة دون الأخرى)/ النحو العربي نقد وتوجيه د. مهدي المخزومي ، دار الرائد العربي ،بيروت ـ لبنان ، ط2 1406 هـ ـ 1986م ص 284 / وقول عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز تحقيق احمد مصطفى المراغي ط2 المكتبة المحمودية التجارية ، مصر ، المطبعة العربية بدون ت
يبدو أن أفضل منطلق لفهم البنية الدلالية يكمن، لحد الآن، في التصور السوسوري لمستوى اللغة- مستوى التعبير ومستوى المحتوى- باعتبار وجود المعنى مشروطا بوجود التعبير.إن تصورا كهذا يمكن من :أ- افتراض التوازي بين التعبير والمحتوى، ثم تقديم فكرة تقريبية عن نمط وجود الدلالة وتمفصلها. ب- اعتبار مستوى التعبير مكونا من فوارق متغايرة تعتبر شروط وجود معنى متمفصل، ويترتب عن هذا أن تلك الفوارق] أدوات للحكم على كفاية النماذج المتبعة من أجل وصف المستوى الدلالي (طبق القاعدة المنبثقة عن مبدإ التوازي، والقاضية بأن كل تغيير في التعبير يطابقه تغيير في المحتوى)./ عرض ألقاه گريماص في ندوة " الدراسات المعرفية وأبحاث الذكاء الإصطناعي" التي نظمتها مؤسسة فينر گرين في شيكاغو في مارس 1969، وقد ضمنها كتابه " عن المعنى " Du sens الصادر عن منشورات سوي 1970، وفيها يربط بين البنية الدلالية والعالم الدال الذي يعيش الإنسان فيه. ترجمة أحمد الفوحي

ينظر في ذلك معاني النحو ج4 ص425
ينظر عمدة الصرف كمال إبراهيم ص33
ينظر المصدر نفسه ص30
هذا قول الشيخ ابن باز رحمه الله ينظر ذلك في رياض الصالحين ص284