واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فتحية إبراهيم صرصور
الأعضاء
الأعضاء



عدد المساهمات : 137
نقاط : 381
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/11/2010
العمر : 71

في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب Empty
مُساهمةموضوع: في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب   في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب Icon_minitimeالإثنين 18 يوليو 2016 - 18:18

في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب

بسم الله الرحمن الرحيم

عند الخامسة والنصف من بعد عصر يوم الأحد الموافق السابع عشر من يوليو 2016م اجتمع عدد من مثقفي غزة رواد صالون نون الأدبي في جلسة فريدة من نوعها

بدأت الأستاذة فتحية صرصور الجلسة، مرحبة بالحضور المثقف الذي يسعى للمعرفة ويحرص على المشاركة في المشهد الثقافي فقالت: حضورنا الكريم أهلا وسهلا بكم في لقاء جديد، ودوما يحلو اللقاء بكم على موائد الثقافة والأدب
لقاء اليوم نتحدث به عن جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب
ثم قالت: بداية لابد أن نتعرف الى المنهج الذي تبنته يسرا لتكتب به نصوصها.
لأن كل شيء في حياتنا يتجدد، بل إن الحياة المعاصرة تجددنا نحن، وبعد القصائد الطوال والمعلقات، أصبحت قصيدة الهايكو والومضة هي ما يتناسب مع عصر السرعة للذي نحياه، تماما كالوجبات السريعة
يسرا أديبة تكتب الومضة الشعريّة التي هي وسيلة من وسائل التجديد الشعري، وشکل من أشکال الحداثة ظهر بفعل ابتعاد القراء عن القصائد الطوال
الومضة هي: لحظة أو مشهدٌ أو موقفٌ أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في المخيلة أو الذّهن يصوغُهُ الشاعرُ بألفاظٍ قليلةٍ
نستطيع القول أنها موجودة منذ القدم، فكانت العرب تقول أفخر بيت وأهجى بيت، وتختزل القصيدة في زبدتها الموجودة في أحد أبيات القصيدة، إلا أنها راجت كجنس أدبي مستقل في السبعينات من القرن العشرين وباتت تستقلّ بنفسها حتّى أصبحت شکلاً شعريّاً خاصّاً.

کان الدكتور عز الدين المناصرة أول من أسس لهذا النمط الشعريّ، وتبعه أحمد مطر، مظفر النواب، وغيرهم
يعرفها المناصرة بأنّها: «قصيدة قصيرة مکثفة؛ تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية، ولها ختام مدهش مفتوح، أو قاطع حاسم، وقد تکون قصيدة طويلة إلي حدّ معين،وتکون قصيدة توقيعة، إذ التزمت الکثافة والمفارقة والومضة، والقفلة المتقنة المدهشة»
مِن توقيعات المناصرة آنذاک:
»وصلتُ إلي المنفي / في کفي خُفُّ حُنين
حينَ وصلتُ إلي المنفي الثاني / سرقوُا منّي الخُفَّين.»

و يقول غالي شکري عن الومضة:
»إحدي ضرباتِ الشعر الحديثِ، الومضة وهي القصيدة القصيرة المرکزّة الغنية بالإيماء والرّمز والانسيابِ والتدفُّق»
- الومضة إحدي ضربات الشعر الحديث وهي القصيدة القصيرة المركّزة الغنية بالإيماء والرمز ولإنسياب والتدفّق. وهي عبارة عن دفقة شعورية سريعة تتناسب مع تسارع الأشياء المذهل في هذه الحقبة الزمنية التي تحاصرنا حالياً؛ إنّها أشبه ببرقية شعرية

أطلق عليها الكثير من الأسماء، فالبعض يسميها النثيرة، والقصيدة المضغوطة، القصيدة الکتلة والمرکّزة والمکثفة- وقصيدة الدّفقة وقصيدة الفقرة وقصيدة اللّمحة - وقصيدة المفارقة وقصيدة الأسئلة لأنّها في جواب سؤالٍ أو أسئلةٍ أو نفسُها سؤالٌ أو أسئلةٌ. وقصيدة القصّ الشعريّ کأنّها اقتصّت مِن قصيدة طويلة. وقصيدة تأملية - والقصيدة اللّافتة -. والقصيدة اللاقطة وقصيدة الصورة کأنّها صورة مِن صُور الفکر. وقصيدة الفکرة والقصيدة الخاطرة أو الخاطرة الشعريّة والقصيدة العنقودية کأنّها قسمٌ مِن قصيدة طويلة. والقصيدة اليومية - وشذرات شعريّة - والنصوص الفلاشية والاشراقية الشعريّة -وقطعٌ فنية - ويقال الشعر الأجدّ

وعن شکل الومضة قالت: جميع الومضات الشعريّة تکتب تارة علي شکل قصيدة التفعيلة، وتارة علي شکل قصيدة النثر ومنها ما يجمع بين التفعيله وقصيدة النثر
نحو قول نزار قباني في مجموعته «قالت لي السمراء» :
قَلبي کمنفَضة الرمادِ ... أنا
أن تنبشي ما فيه تحترقي
شعري أنا قلبي ... و يظلمُني
من لا يري قلبي علي الورق

ثم قالت: وتكتب يسرا نص الهايكو، فما هو الهايكو وأين ظهر؟
اليابان هي منشأ هذا الفن حيث ابتدع هذا النظام من كتابة الشعر مجموعة من شعراء اليابان وتم تبني هذه الطريقة في الكتابة بكل لغات العالم الحديثة بما فيها اللغة الإنجليزية.
وقد بدأ القارئ العربي ، والمثقف بخاصة، بالتعرف على أنماط الشعر الياباني وتقاليده الموروثة منذ وقت قريب لا يتجاوز العقدين تقريباً.
الهايكو شعر يجمع بين بساطة الألفاظ، وتدفق المشاعر، وتقضي قواعد هذا الفن أن يتألف شعر الهايكو من بيت واحد فقط، لا تزيد كلماته عن سبعة عشر مقطعا صوتيا
وتكتب في ثلاثة أسطر بترتيب معين وهو (خمسة، سبعة ثم خمسة)
قصائد الهايكو سُميت بالشعر غير المكتمل لأنه يتطلب من القراء إكمال القصيدة في قلوبهم
ويعتمد على اللغة الحسية ليصور إحساسا أو صورة، لذا فهي غالبا ما تتجه إلى الطبيعة والمشاهد الجمالية، مما جعل القصيدة نوعا من التأمل الروحي لحالة تنقل الصورة أو إحساس الشاعر بدون توظيفها لحكمه أو تحليله الشخصي.
تعتبر قصيدة الهايكو هي الاختيار الأمثل عندما تلحظ تجربة أو جمال يستحق أن يُنقل للآخرين فيوظَف لوصف لحظة عابرة أو صورة من الطبيعة مهما كانت بسيطة، كوصف نقطة مطر مثلا، إلا أن بعض شعر الهايكو المعاصر يبتعد في موضوعاته عن الطبيعة كما هو الحال في الشعر التقليدي. فهو يتناول أكثر المجتمعات الحديثة والمشاعر والعلاقات الإنسانية المتعددة وحتى المواقف الكوميدية التي يتعرض لها الشاعر، وعلى عكس القصائد الغربية، قصائد الهايكو لا تكون على نفس القافية

وهناك مواقع كثيرة تحاول أن تأخذ بيد من يرغب في كتابة قصيدة الهايكو التي يمكن تعلمها وإجادة الكتابة بها لكن يشترط توفر خاصية دقة الملاحظة والقدرة على تذوق الجمال لدى من يكتب في هذا الفن

إلى هنا أترك المجال لضيفتنا التي نشرف بمشاركتها في هذا اللقاء، وبما أنها تشاركنا للمرة الأولى كان لابد أن نقدمها لكم بتعريف سريع إنها، الدكتورة سهام عبد الوهاب مصطفى أبو العمرين، فلسطينية، من مواليد جمهورية مصر العربية.
* حصلت على درجة الماجستير في نقد الأدب العربي الحديث. بتقدير ممتاز، عن أطروحتها الموسومة بـــ (التشكيل السردي في روايات إبراهيم أصلان. تحت إشراف ا.د صلاح فضل).
* ثم حصلت على درجة الدكتوراه في النقد الأدب العربي الحديث بتقدير مرتبة الشرف الأولى. عن أطروحتها الموسومة بـــ (تقنيات التشكيل السردى فى الرواية النسوية المعاصرة . دراسة فى نماذج مختارة. تحت إشراف :ا.د صلاح فضل).
تعمل أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بجامعتي الأقصى وغزة.
لها كتب منشورة:
* الخطاب الروائي النسوي: دراسة في تقنيات التشكيل السردي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة كتابات أدبية،2011، القاهرة.
* شاعرية الرواية عند إبراهيم أصلان، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، تحت الطبع.
ولها: * عدد من الأبحاث المحكمة / * دراسات ومقالات أدبية منشورة
* شاركت في العديد من المؤتمرات واللقاءات الثقافية في جمهورية مصر وغزة
* شاركت في مناقشة خطط ماجستير
العضوية:
- عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين
- عضو مجمع اللغة العربية .
- عضو اللجنة التأسيسية لجمعية النقاد الفلسطينيين.
**
استهلت الدكتورة سهام حديثها معربة عن شكرها لصالون نون الأدبي والحضور الكريم، ثم بدأت الدكتورة سهام ورقتها فقالت: تتوقف هذه الدراسة لتناقش نقديًّا نصًا من النصوص الشعرية المشبعة بالدلالة، وهو نص "الكائن بيقيني" للشاعرة والقاصة يسرا الخطيب التي رسمت بنمط كتابتها المغاير شكلا إبداعيًّا متفردًا يستحق التأمل وطرحه للنقاش لما يتضمنه من تجربة فكرية وشكلية جديدة.
تتكون المجموعة الشعرية من قسيمين؛ الأول يتضمن نصوص الومضة الشعرية ويضم 164 مائة وأربعة وستين نصًا شعريًّا اقتطع من المساحة النصية الكلية حوالى 80 ثمانين صفحة، والقسم الثاني خصص لنصوص الهايكو وضمّ 136 مائة ستة وثلاثين نصًا اقتطع نصيًّا حوالى 70 سبعين صفحةَ.جاءت هذه النصوص دون عناوينَ داخلية بل أدرجت مرقمة، وضمت كل صفحة نصين. تشابك نصوص المجموعة وتتفاعل مع بعضها البعض وتلتقي في بؤرة محاولة بحث الذات الحداثية التائهة عن المعنى وتصيده من وسط التناقضات والخراب في محاولة لتفكيك وفهم الحقيقة المراوغة والملتبسة على الذات عبر الأسئلة المعرفية التي تطل على المتلقي من بين ثنايا النصوص.
دلالة العنوان:
يقول أبو هلال العسكري في العمدة: "الشعر قفل أوله مفتاحه". فمفاتيح القصائد هي مستودع معانيها، ومن ثم يمثل العنوان باعتباره مفتاح النص الأول بنية إشارية دالة لا يمكن تجاوزها فهو يحيل إلى ما لا يقوله النص من خلال سلطته الدلالية التي تعد انفجارية إذا ما استفزت قرائيًّا، فهو خطاب موجز اختزالي يحدد هوية النص، ويعد أوّل عتبات النص المعمارية التي يلج منها المتلقي إلى النص في محاولة أولى لاكتشاف كنهه واستجلاء دلالته،يقوم العنوان في الدراسات النقدية الحديثة بدور المنبه المحرض للقراءة وتوجيه بوصلة المتلقي لدلالة ما، إذ يمثل نقطة تقاطع بين النص والناص/ المرسل، وبين النص والمتلقي، وقد اهتم به علماء السيمياء اهتماًما كبيرًا لكونه نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفراته لذا اعتبر سيميائيًّا علما قائما بذاته يسمى "علم العنونة"titrologie. فهو بمثابة الرأس للجسد النصي بما يحمله من طاقات تعبيرية وجمالية ورمزية، فهو ليس معطى سلبيًّا مفرغًا من الدلالة بل ينسج علاقات تناصية/ تفاعلية مع بنية النص العميقة. فهو مفتاح أولي.
على الرغم من أهميته دلاليًّا إلى إنه قد يكون مربًكا ومضللا يضع المتلقي في حيرة من أمره، ويثير كثير من التساؤلات، فيخلق علامة استفهام كبيرة في ذهن المتلقي لا سيما إذا تضاد دلاليًا مع ما يؤسس له النص ويكرس له من معنى، ليصبح بداية اللذة لما فيه من مراوغة، لابتعاد الدال/ العنوان لأقصى درجة عن مدلوله/ النص.
لعبة العنوان هي لعبة اللغة ذاتها لعبة قائمة على المراوغة والمشاكسة يتم توريط القارئ بملأ فراغات النص ونسج الخيوط الدلالية بنفسه فلا شيء مجاني في الكتابات الحداثية، ومن ثم تصبح مهمة العنوان هي بلبلة الأفكار لا ترتيبها لتحقيق حالة التجاذب والاستنفار بين النص والمتلقي بهدف تحقيق المتعة القصوى، العنوان بحد ذاته فجوة يقع فيها القارئ ولا يخرج منها إلا بعصف ذهني وجهد كبير. لتصبح عملية القراءة حوار ديالكتيكي بين النص والمتلقي الذي أصبح هو المؤلف الجديد كما قال "ياوس"، هذا المؤلف الذي يملأ فجوات النص بأسئلته المتوالدة.
وعنوان المجموعة الشعرية التي نحن بصددها بمثابة بنية صغرى يتكون من اسم فاعل معرف (الكائن)+ حرف جر (الباء)+ اسم مجرور مضاف إلى ضمير المتكلم (بيقيني) ويبقى على المتلقي أن يخلق معنى ما قبل أن يدخل النص.
هذا العنوان في علاقته بالمتن النصي أسس لثنايتين الأولى هي ثنائية الشك/ واليقين، والثانية ثنائية الحضور والغياب؛ فاسم الفاعل (الكائن) أي الموجود استحضر مفهوم الكينونة وحضور الذات المتكلمة المتيقنة؛ فالعنوان يعلن يقينية المعرفة التي تحصلت عليها الذات الشاعرة.
إن أهم ما يميز الشعر في حقيقة الأمر أنه يفتقد لتلك العقلانية واليقينية التي يؤسس لها العنوان؛ فالشعر رحلة للبحث عن المعنى/ الحقيقة/ اليقين وسط اللا انسجام، والفوضى، محاولة خلق معنى من اللا معنى. فأى نص شعري لا يخضع لليقينية أو العقلانية بقدر ما يثير في ذهن المتلقى الأسئلة المعرفية.
فهل هذه الذات المعرفة الحاضرة الواثقة المتيقنة لها حضور في المتن النصي؟
فهل هناك علاقات تناصية بين المتن والعتبات، أم أن النص قائم على مفهوم المراوغة والزئبقية كما هو حال الذات التائهة في الفكر الحداثي؟
من خلال تتبع مفردة اليقين في نصوص المجموعة الشعرية وما يدور في فلكها من مفردات كالحقيقة والصدق والشك والوهم وتحولات معانيها السياقية لتبيان ملامح يقينية المعرفة التي يؤسس لها المتن النصي، يلاحظ أن كلمة "الشك" هي آخر ما خطته الشاعرة في نهاية نصوص الومضة:
"ستبقى احتمالاً/ طالما علقتني/ بدهاليزِ الشك" (ومضة 164، ص 90)
إن الآخر/ المخاطب هنا هو الفاعل (المحتمل) الذي مارس سطوته على الذات التي أضحت مفعولا به، وجعلها عالقةً في فخ الشك ودهاليزه. نصوص المجموعة تتلاقى في بؤرة بحث الذات (الحداثية) التائهة عن المعنى المراوغ في العالم الذى أضحت قيمه ومعاييره أشبه بالرمال المتحركة لا شيء ثابت، فعالم الكتابة الشعرية يتآمر ضد فكرة الثبات واليقينية.
إن المعرفة برمتها ذات طبيعة افتراضية، وقد شككت الفلسفة النيتشوية في سلطة العقل/ العقل الذي قدسته الفلسفة المثالية واعتبرته مصدرا للمعرفة الإنسانية، في ظل فلسفة نيتشه تصبح (اللغة) هي التي تحدد معرفة الإنسان بالعالم، أي أن المعرفة الوحيدة للعالم تأتي عن طريق اللغة، فاللغة تلعب دورًا رئيسيًّا في تكوين ما يمكن أن نسميه "حقيقة"، إن اللغة كذلك من وجهة نظر فيلسوف التأويلية "هيدجر" ليست مجرد أداة تواصل إنساني "لكنها البعد الحقيقي للوجود ذاته، وهي التي تحقق وجود العالم". فلا وجود خارج الشعر، ومن ثم تصبح الكتابة استراتيجية لتأسيس الوجود وعملية خلق يبحث فيها الشاعر عن المعنى المراوغ، والشاعر يخلق المعنى ويبحث عن الحقيقة التي تتكشف له تباعًا أثناء هذه الممارسة/ المغامرة الكتابية التي تسير ضد فكرة اليقين والثبات، تصبح "الحقيقة" كائنا زئبقيا متغيرا، ومجموعة من التشبيهات والمجازات، فالحقائق " أوهام نسى الناس أنها كذلك، مجازات تآكلت من طول الاستعمال"، وبالتالي فكأن الكاتبة تحاول ترسيخ مفهوم اليقين الذي أعلنه العنوان عبر ممارسة فعل الكتابة ذاتها.
أضحت المعرفة كيانا متغيرا ودائم التحول؛ لأن العالم الخارجي الذي يرتبط به الوجود في حالة تغير مستمرة، لغياب المركز الثابت/ الكينونة/ الوعي/ الحقيقة الذي تقف عليه متغيرات العالم الخارجي.
وبالتالي يضعنا العنوان أمام مفارقة أولية جوهرية، فاليقين هو الذي تبحث عنه الذات، كما أن الكائن/ الموجود لم نجده في النص بل وجدنا الغياب، لتبرز الثنائيات الضدية، الشك/ اليقين، الحضور/ والغياب في ظل البحث الدءوب للذات عن المعنى/ الوطن وسط الخراب:
وفي الومضات التالية تتشكل رؤية تتعلق بثنائية الشك واليقين التي أعلنها النص:
* لست على يقين/ بأنك وطنٌ/ وأنت تلفظني/ إلى بؤرة العفن" (ومضة 7، ص 12).
* "أمدُ يمناي/ للحظة فرحٍ/ تسبقني يسراي/ وتعلق بشرك الوهم" (ومضة6، ص 11).
* أودعتُك صدقي ويقيني/ فتركتَ يديّ الممدودةَ/ تشهدُ أنك الخاسر" (ومضة 66، ص41).(إيداع اليقين للآخر لا يفضى إلا إلى الخذلان والاستلاب).
* "تكتبُني بحرف متشككٍ/ أتوالدُ معنى يقاومُ الغرقَ/ في بحورِ قصائدك" (ومضة 88، ص 52).
* "تعشوشبُ كلماتك بقلبي/ تتعوسج حول وهمي/ فيدركني مخاض عسير" (ومضة 80، ص 48).
* "حمالة الصبرِ لم أزل/ تأسرُ بوهمِكَ عقلانيتي/ لألفَّ وعيك بحبالٍ من قلق" (ومضة122، ص 69).
* "حَمَلْنا وِزْرَ المسافاتِ/ ومرَّ الزمن سرابا/ فأفردت أسئلتُنا المغلقةُ/ للأجوبةِ المستحيلةِ/ مساحاتٍ واسعةً للشكِ" (ومضة 115، ص 115).
* "تعصفني ريحا/ لم تُدرِكْ بعدُ/ أنني زوبعةٌ/ من أسئلة" (ومضة 21، ص21).
* وحدَكم مسؤولونَ/ عن هذا التيه/ ووحدي... أغرق به" (ومضة 42، ص 29).
* "أتوسدُ هواجسي../ أصحو عل حلم/ لن يتحقق" (ومضة 43، ص30).
* "تائهون في قوافل الغروب/ لا ترحم نهارَنا المتعبَ/ شمسُ آب" (هايكو 11، ص98).
* "يبحث عن حقائقَ/ بسيلهِ الأسودِ/ قلمُ حبرٍ" (هايكو70، ص 127).
* "كونها حسنةُ النوايا/ تحترقُ بنورٍ وهمي/ الفراشةُ" (هايكو 73، ص129).
* "كحقيقةٍ مصلوبةٍ/ يشهدُ على تقلبات الفصولِ / خيالُ الحقلِ" (هايكو 79، ص 132).

تؤسس النصوص السابقة للشك؛ لأن الحقيقة "مراوغة" تبدو "مصلوبة" تارة، و"غائبة" تارة أخرى، لذا تغرق الذات في الأسئلة التي تحاصرها، ولا تصطدم سوى بـ"الوهم" الذي يحاصرها، فتغرق في التيه وتفتقد بوصلة المعنى في العالم الخرب الذي يحيطها.
فكرة الثنائيات الضدية فكرة تتسق مع نسبية المعرفة، وإذا كان العنوان يؤسس لمفهوم حضور الذات، فإن المتن النصي يجاور بين الحضور والغياب وهذا ما يتسق مع فكرة اللايقينية التي يعلنها النص.
يصبح "اللايقين"هو السياج الذي يؤطر نصوص المجموعة وتلك النظرة تتسق مع وضع الوطن الذي يحكمه الخراب وعدم وضوح الرؤية بيقينية تحققه كما تراه الشاعرة وكما تحلم، مادام يغرق أبناؤه في إخفاقات متوالية.
رسمت الشاعرة عبر نصوصها صورةً قاتمة للوطن الذي قرنته بدال الموت وشعور الذات بالضياع، وقد تجلى ذلك عبر ثنائية الهنا/ والهنا:
* (ضيعتني / مدنٌ جاحدة/ عدتُ../ لتحتويني مقبرةٌ/ اسمها وطنْ) (ومضة 10، ص13). (الوطن/ المقبرة)فالهناك حيث المنفى كان الضياع، والهنا حيث الوطن الذي أضحى مقبرة.
* (هناك باب واحد للفرح/ هنا../ بوابات كثرٌ للتعازي) (ومضة 8، ص12). ( الهناك / الفرح المحدود والمحجم، والهنا الوطن/ الموت اللامحدود).
* (ضَيَعتْكَ.../دروبُ المنافي/ نفتني/ دروب الوطن) (ومضة 39، ص 23).(الهناك/ الضياع، الوطن/ المنفى، فما بين الهنا والهناك لا تجد الذات سوى الضياع)
* (للشمس.. هنا/ شروق محتمل/ ولكن ../ للغروب فعل أكيد) (ومضة 9، ص 13).(اقترن مفهوم الوطن بدال الأفول والغروب والتلاشي).
* (بأي ذنب شردوا؟/ وفي الأرضِ../ متسعٌ لمدفن) (ومضة 26، ص21).(الوطن/ المدفن)
فما بين الـ "هنا"حيثالوطن الذي آل إلى "مقبرةٍ" و"مدفن" ، والـ "هناك" حيث المنفى والتشريد تشعر الذات بالضياع والتلاشي، ليصبح الموت هو الإطار الذي تدور في فلكه الذات المتشظية بفعل غياب معنى الوطن، ومن ثم تسري مفردة "الموت" وتبعاتها في الجسد النصوصي سريانًا لافتًا لا يخلو من دلالة الاستكانة :
* (أتنفس الحياةَ مرةً/ يشهقني الموتُ/ مراتٍ.../ ومرات) (ومضة 14، ص15)، (بين موتك../ وموتي/ تتوالدُ/ هزائم لا تموتُ) (ومضة 45، ص 35).
* وعندما تريد الذات التحايل على واقعها في محاولة للخروج من أزمتها الملتبسة مع واقعها وشعورها بالمنفى والتشظي والهزيمة لا تجد سوى الموت الذي يتربص بها: (أتحايلُ على دروبكِ/ يتربصني الموتُ.../ في الزوايا) (ومضة 23، ص20).
ولأن الذات أضحت منهكة بفعل خيبات الوطن تتوجه الذات الشاعرة بالخطاب للموت الذي يحاصر الوطن وقد أنهكتها فواجعه طالبةً منه التوقف: (أيها الموتُ/ ترجلْ قليلاً/ الفواجعُ انتهكت دمي)(ومضة 50،ص33).
كما قرنت الشاعرة بين الوطن ودال الخراب:
* (كيف أهجعُ بأرضك/ وكلُ مدنُك / تؤولُ إلى خراب) (ومضة 51،ص34).
* (أيا موتنا/ اقبضنا مرةً واحدةً/ كي لا نصحوَ على/ وطنٍ من خراب) (ومضة 59، ص38).
* (تمطر قلبي دموعًا/ وعيني يبتليها الجفافُ/ خرائب مدني) (هايكو127، ص156).
كما اقترن الوطن بدال الذبح:
* ألتزمُ الصمتَ/ كوطني الذبيح/ لأني كما الدرويش/ حولي واقعٌ لا أجيدُ قراءَتَه) (ومضة 139، ص78). فالصمت هو الموقف الذي تتخذه الذات حيال ما تشهده عندما عجزت عن فهم واقعها الملتبس، هذا الصمت الذي قرنته بالوطن الذي يذبح في صمت.
* "الدمعتانِ العالقتان/ قابَ جفنين ووطن ذبيح/ تخدشانِ سكونَ الليلِ/ وتضجانِ نهارنا عويلاً) (ومضة 155، ص86).
اقترن دال الوطن كذلك بدال العطش إذ يحيل لمعنى الفقد:
(أراقوا الحبرَ.. / جف نبعُ الحروفِ/ ليبقى الوطنُ أسير العطش) (ومضة 137، ص77).
الديوان صرخة الذات الشاعرة من أجل القبض على المعنى/ الوطن من وسط الخراب بعد مجاوزتها عتبات الأسئلة الحائرة التي أشركت معها المتلقى، وجعلته يلتقط خيوط المعنى المتناثرة من فضاءات النص المشبع بالمفارقة.
كما يقف الإهداء كعتبة دلالية ثانية بعد عنوان المجموعة ليؤسس لمفهوم الانتظاروالذي يشير دلاليًّا لحالة الموات، كترجيع للصدى الدلالي الذي يصدح في فضاء النص، والذي يتسق مع الدلالات التي تبرقها ومضات المجموعة، تقول الشاعرة في إهدائها:
"إلى من هم مثلي
هم قومُ استوت حسناتهم وسيئاتهم
فقعدتْ بهم سيئاتُهم عن الجنةِ
وخَلَفَتْ بهم حسنتُهم عن النار
فوقفوا هنالك على السور
حتى يقضي الله فيهم"
يستدعي الإهداء، على سبيل من التناص القرآني مع سورة الأعراف، "رجال الأعراف" الذين يقفون في منطقة البين بين، بين الجنة والنار في انتظار الخلاص حيث استوت حسناتهم وسيئاتهم، فتهدي الشاعرة مجموعتها لمن هم مثلها من الشعراء الذين يبذرون كلماتهم في أرض الشعر، وينتظرون عند "السور" الذي يفرق بين الجنة/ الوطن كما تحلم به الشاعرة، والنار/ الوطن الذبيح الذي تتناوب عليه الهزائم وتتوالد إلى أن صار مقبرة، تقول الشاعرة في وصف حالة الانتظار:
(لعينٌ هو انتظارُنا/ يتناسلُ روتينًا../ يغتالُ ما تبقى من روحٍ/ تبحثُ عن فرحٍ هاربٍ/ في مدائن المنفى) (ومضة 150، ص 83).
مفهوم الانتظار يتعالق مع مفهوم الموت ويتعانق في أكثر من موضع نصي، وهذا ما يضفي القتامة على المشاهد النصية ويفتح النص على آفاق كابوسية معتمة: (بين الموتِ../ وانتظار الموتِ/ تضيعُ أنفاسنا/ سدى) (ومضة 37، ص37)؛ فالموت في الحاضر يفضي لحالة أخرى من الموت المنتظر وهذه الحالة تؤذن بضياع الذات، وكأن هذا النص إجابة عن السؤال الذي ارتسم في ذهن المتلقي عند قراءة الإهداء بمصير الذات الواقفة مع مثيلاتها عند"السور" الفاصل بين الجنة والنار، فالموت هو المنتظر، وهذه النهاية تتشابك دلاليًّا مع نصوص المجموعة الأخرى التي تكرس من فلسفة النهايات المفجعة، تقول مؤكدة هذا المعنى: (أخشى أن أمدَ يدي/ للحظتي القادمة/ دقائقُ غيبنا ملغومةٌ بالكوارث) (ومضة 2، ص9)، وهنا استخدمت الشاعرة ضمير المتكلم الجمعي لأن المصير جمعي لا فردي، سيواجهه الجميع المصير ذاته مستقبلا، هذا المستقبل الملغوم بالكوارث والفواجع، تقول في نص آخر: (كيف أحبُّك؟!/ دون أن تكونَ/ نهايتي المعلقةُ/ جثةً تبحثُ/ عن منفى) (ومضة 55، ص36) ومن ثم فالنهاية المعلقة بفعل "الانتظار/ حالة الموات" اقترنت بحالة من استنكار التواصل بينها وبين المخاطب/ الوطن، بعدما استحالت الذات جثة تبحث عن منفى.
كذلك يقترن الموت ويتعالق دلاليًّا مع مفهوم الحياة: (الحياةُ.. الموتُ/ لا حدَ فاصلُ بينهما/ ما دمنا نتلاعب بالوطن) (ومضة 34، ص25)؛ فالموت والحياة رديفان بفعل تخريب الوطن والتلاعب به.
سرت مفردة "الموت" سريانًا واضحًا في الجسد النصي، وقد وظفت هذه المفردة دلاليًّا في سياقاتٍ تؤكد على معنى انهزامية الواقع وعقمه، وجاءت في عبارات من قبيل: "يشهقني الموت"، يتربصني الموت"، "في انتظار الموت"، أنزفك موتًا"، "أرقب موتًا يتعقبك"، "شهقة الموت المحتم"، "رائحة الموت"، "يتناسل الموت"، "أيَّا موتنا اقبضنا" وغيرها، وقد تردد دال "الموت" بلفظه اسمًا وفعلا 29 مرة، في حين تردد دال"الحتف" بلفظه مرة واحدة، في حين تردد دال "الحياة" اسمًا وفعلا 4 مرات فقط، وهذه النسبة تؤكد على انحياز النص لفكرة الموت المتربص عند الحديث عن الوطن المتآكل ومدنه الخربة، حتى عندما ذُكر دال "الحياة" فقد قرن بالموت وهذا ما يولد المفارقة القائمة والمعتمدة على إيراد الأضداد:
* (نموتُ/ لتحيا/ وتموتُ/ لأشقى) (ومضة 27، ص22)،
* (الحياةُ.. الموتُ/ لا حدَ فاصلُ بينهما/ ما دمنا نتلاعب بالوطن) (ومضة 34، ص25).
* (أحيا على حافةِ الزمنِ/ أتماهى مع دقائقِ الموتِ/ أغافلُ شفافية السماء/ وأخطف نجمة)(ومضة 1، ص9).
* (أتنفس الحياةَ مرةُ/ يشهقني الموتُ/ مراتٍ.../ ومراتٍ) (ومضة 14، ص15).
فالسطوة في الومضات السابقة كان للموت.
دلالة استخدام ضمير المخاطب:
أهم ما يلاحظ على نصوص مجموعة" الكائن بيقيني" هو توظيف تقنية ضمير المخاطب/ ضمير الشخص الثاني بشكل مكثف ولا سيما في مجموعة نصوص الومضة، مقارنة بالنصوص المنسوجة عبر تفعيل ضمير المتكلم أو الغائب؛ فقد استحضرت نصوص المجموعة ذاتًا أخرى ووجهت لها الخطاب وصلا ولومًا وجلدًا. وهذا الضمير يفترض مسافة معرفية بين (الأنا) المتكلمة، و(الأنت) المخاطب، إذ لم تكتفِ "الانا" / صوت الذات الشاعرة بالتعبير عن آمالها وآلامها، بل خرجت الأنا من عالم الداخل المحدود وشرنقة الذات الضيقة إلى عالم الخارج من أجل محاولة إقامة جسور تواصل مع العالم المحيط عبر تفعيل ضمير المخاطب.
واستخدام ضمير المخاطب يأخذ شكلين، إما أن تتوجه الذات بالخطاب مباشرة إلى اسم وكيان أو جهة مسماه ومحددة بأوصافها وهيئاتها، وإما أن تكون المخاطبة غير مباشرة، فيظهر القول الشعري غائمًا غامضًا، متوجها لكيان غير معلوم. وفي الحالتين يصبح توظيفه مقترنًا بدلالة هامة وهي محاولة الذات للتواصل مع الآخر/ المخاطب المتعين أو غير المتعين، ومجاوزة أزمة الذات الداخلية لعوالم خارجية من أجل الفهم بالمواجهة، فهي حالة وعي تمارسها الذات في التواصل مع الآخر حينًا واقتحامه وانتهاكه في بعض الأحيان .
وبهذا الشأن يرى الناقد الفرنسي "ميشال بوتور" أن ضمير المخاطب هو أقدر الضمائر على تمثل العالم والوعي، ولعل هذا ما يؤكد على رغبة الذات الأكيدة في التواصل مع العالم وعدم الاكتفاء بالحديث عن مكنونات الذات، وبذلك ابتعدت الذات عن مفهوم الهشاشة والضعف أو التقوقع والانكفاء على العالم الداخلي، في محاولة لاتخاذ موقف من ذلك العالم الكابوسي الملتبس بتناقضاته.
تعلن الذات نصيًّا عبر ومضاتها رغبتها في التواصل مع الأنت/ الآخر المخاطب، كما في الومضة التالية: (لا تكتبني على هامشِ نصك/ المتعب/ احتضن روحي/ بين قوسين ونجمة) (ومضة 114، ص65) معتمدة على أسلوبي النهي والأمر في توصيل الرسالة، فالذات لا تريد أن تحيا على هامش كتابة الآخر، بل تسعى للتواصل المعرفي والوجداني معه، فاستخدمت ضمير المخاطب حتى لا تكون مجرد أمنيات.
وتوظف الذات الشاعرة تارة أخرى ضمير المخاطب لإبراز ضعف الذات وهشاشتها حيث الاستغناء عن المخاطب الذي يدور في حيز الفاعلية:
- (أتنفسُ هزائمك/ وأنت الموبوءُ/ بأنفاس الآخرين) (ومضة 20، ص18).
- (أنزفك موتًا/ ثم أتواطأُ/ مع احتمالات موتي) (ومضة 36،ص26).
- (فضاء أنا/ أرضٌ وانحسارٌ أنت/ أتأرجحُ/ بين فضائي وانحسارِك/ تجذبني أرضك العقيمة)(ومضة 4، ص10). تعتمد الومضة على المفارقة في رسم الصورتين المتضادتين، فعلى الرغم من علم الذات بعلوها إلا أن الآخر يقوم بجذبها لعالمه العقيم من موقع فاعليته وانقيادها المبطن له.
كما توظف الشاعرة ضمير المخاطب في انتهاك الآخر ومواجهته للنيل منه: (وحدكم مسؤولونَ/ عن هذا التيه/ ووحدي.. أغرق بهِ) (ومضة 42، ص29)، يحيل ضمير المخاطب الجمع "أنتم" إلى من تورط في ضياع الوطن
نصوص الهايكو ودلالة المفارقة:
لقد تأثر بالهايكو كبار شعراء القرن العشرين في أنحاء العالم، وشاعت كتابة هذا النمط الشعري بين أوساط الكتاب والشعراء الشباب الذين كونوا رابطة عبر الانترنت تضم كتاباتهم، فقد أخذ الاهتمام بالهايكو عقدا إثر عقد حتى انتشرت مجلاته وجمعياته في معظم بلدان العالم وظهرت المجلات المتخصصة اتي روجت له وعرفت به.
ارتبط الهايكو ببوذية الزن، حيث المتأمل الذي يصل عبر التجربة والممارسة إلى مرحلة الوعي المجاوز للعقل والذي يسمى بمرحلة الوعي الكوني عبر التزام الصمت أو التعبير بأقل الكلمات، وهذه التجربة محاولة للوصول لجوهر الوجود، وهذا ما يحاول كاتب الهايكو الوصول إليه، يعود الفصل لمقطوعات الهايكو للشاعر الياباني ماتسو باشو 1644- 1694، وقد وظف الشعر لنقل التجربة والوصول للوعي الكوني، تأتي قصيدة الهايكو كإشراقة في الوعي، هي قطرات من جوهر الشعر كما أسماها جورج سانسم، تصنع الدهشة عبر المفارقة.
والهايكو لحظة جمالية متوترة لا زمنية موجزة مكثفة، تحفز المخيلة للبحث عن دلالتها، وتعبر عن المألوف بشكل غير مألوف، وذلك عبر التقاط مشهد حسي طبيعي إنساني ينطلق عن حدس ورؤيا مفتوحة لتخاطب جوهر الإنسان. تتألّف قصيدة الهايكو من جملة شعرية تتآلف من 17 مقطعاً موزعة على ثلاثة سطور؛ السطر الأول يتكون من خمسة مقاطع، والسطر الثاني من سبعة مقاطع، والثالث من خمسة مقاطع، فهي مقطوعة قصيرة جداً ومختصرة الى أكثر حدود الاختصار لكنها تحمل كثافة وعمقاً، وتعتمد الهايكو على اللغة المباشرة التي تنقل التجربة دون الاعتماد على التشبيهات والمجازات والألاعيب اللفظية؛ فتظهر القصيدة الأشياء على حالها عارية تمامًا من عباءة اللغة دون زيادة، فالقمر والزهرة لا ترمزان إلى شيء سوى ذاتهما، فلا مسافة بين الدال والمدلول بل هما متطابقان، كما لا ينقل الشاعر موقفه الذاتي بل ينقل المشهد بحيادية ويبتعد عن الأوصاف والنعوت، فالشاعر لا يقول"صباح جميل" بل "تزقزق العصافير"، فضلا عن طريق تقديم مشهد حسي آني غير متخيل عبر مشهد مصاغ بأفعال المضارعة، تقوم لغته على التوازي والمقابلة والمفارقة، ويقوم الشعر فيها باقتناص لحظة جمالية يشتبك فيها الساكن بالمتحرك.
والهايكو قصيدة تتكون من جملة شعرية تتآلف من 17 مقطعاً موزعة على ثلاثة سطور؛ السطر الأول يتكون من خمسة مقاطع، والسطر الثاني من سبعة مقاطع، والثالث من خمسة مقاطع، فهي مقطوعة قصيرة جداً ومختصرة الى أكثر حدود الاختصار لكنها تحمل كثافة وعمقاً.
تقولة الشاعر الهايكو التالي:
"تعودُ إلى مخابئِها
كعرجونٍ قديم
أقواسُ نصرنا"
من السمات المهمة للهايكو أنه يقوم على بنية القطع التركيبي ثم الوصل الدلالي بين فلقتي الهايكو، وهذا القطع هو ما عرف، بلغة السينما، بالمونتاج، فما بين الحذف والوصف يُختصر الكثير ويُختزل، هذه المسافة بين اللقطتين والتي يمكن تسميتها مسافة التوتر تكمن الدلالة ويلعب المتلقي مع لنص لعبًا حرًا من أجل خلق اللقطة الثالثة التي ينتجها المتلقي في عقله ويحدد لها أطرًا زمانية ومكانية كذلك. تتجسد جمالية الهايكو السابق في الجمع بين دالين أو لقطتين يُعمل المتلقي ذهنه فيهما، فقد ماثلت الشاعرة على سبيل الترادف بين "العرجون" في تقوسه، وبين الـ "أقواس" وأشركتهما في صفة الانزواء والتلاشي والاختباء، لتؤكد على معنى الهزيمة بغياب النصر.
تقول في نص هايكو آخر:
"خرائط معقدةُ
مزقتها أنيابُ الحربِ
تجاعيد يديك" (هايكو 5، ص95).
فالدال الأول " خرائط قديمة ممزقة بفعل الحرب"، لكن الدال الثاني والذي يصدم حيادية المتلقي هو "تجاعيد يديك"، لكن هذه الصدمة والاستغراب التي ولدتها الشاعرة في ذهن المتلقي هي التي تشكل الدلالة، عبر الجمع بين المفردات المتناثرة، فالدالان يتماثلان في عمق اللحظة واستمرارها زمنيًّا لتصبح سمة ملازمة للذات، فالحرب مستمرة وقد مزقت بفعلها خريطة الوطن وجعلته مقسمًا مشرد أبنائه، كتلك التجاعيد الثابتة في يد المخاطب، وكلا الدالين يستدعيان معنى سطوة الزمن وبشاعة الحرب المستمرة.
كذلك تقول:
"تموتُ واقفةً
لا يطولها عبث العابرينَ
نخلةٌ لا تعرف الذبولَ"
فالدال الأول يستدعي "الموت بصمود/ تموت واقفةً (حيث معنى الثبات في المكان) بعيدة عن عبث العابرين العابثين غير المستقرين في المكان، هذا الدال ركبته الشاعرة مع دال "النخلة التي يعد الطول سمة لها وكذلك يستدعي التركيب اللغوي معنى الشموخ في إطار من التماثل الدلالي القائم على الترادف "واقفة، ونخلة"، والتضاد بين تموت، ولا تعرف الذبول"، فالدالان يشتركان في صفات الشموخ والعلو والثبات.
متلقي الهايكو يبذل مجهودًا لاقتناص الدلالة عبر التعارض بين المعنى الظاهر والمعنى الخفي، وكلما اشتد التعارض بين المعينين؛ الظاهري والباطني اشتدت حدة المفارقة وكانت أكثر وقعًا وإدهاشًا.
المفارقة هي نظرة فلسفية لحياة أكثر من كونها أسلوبًا بلاغيًّا؛ لأنها تؤكد على الرؤية المزدوجة للحياة، حيث الصراع بين الذات والموضوع، الحياة والموت، والخير والشر، الحضور والغياب؛ فالتناقضات قانون يحكم بنية الوجود ذاته، إذ أن العالم في جوهره يقوم على التناقض والصراع بين النسبي والمطلق كما قال "شليجل"، ولذلك قال الناقد أ.أ. ريشاردز: "المفارقة هي استحضار الدوافع المتضادة من أجل تحقيق وضع متوازن في الحياة"، وفي مجموعة "الكائن بيقيني" تشهد الذات قهرًا وموتًا واستلابًا، وتترجم الشاعرة هذه الأفعال نصيًّا بطريقة تكسر أفق توقع المتلقي عبر تصعيد حالة الانفعال والتوتر الوجداني ليحدث الانحراف الدلالي عبر الجمع بين المتناقضات الذي حكم الأنساق التركيبية والدلالية لقصائد الهايكو، فالمفارقة قامت بتحقيق التوتر الدلالي في قصائد المجموعة، تقول الشاعرة:
* "تركتني أجوبُ القاع وحيدةً (دال 1 حركة في القاع/ الأسفل)
أرتشف الندى
غيمةُ عابرة" (دال 2 حركة في السماء/ الأعلى)
فالتماثل تم بين الدالين، فكلا الدالين متحركين غير ثابتين(أجوب، وعابرة)، هذا التماثل اعتمد على التضاد بين حركة الذات في القاع وحيدة، وحركة الغيمة العابرة، وقد اجتمعا في الشعور بالوحدة.
" أمعاؤنا خاويةٌ
وأيديهم المأجورة
تغربل قمحنا للغريب"
ترشح دلالة النص من خلال المفارقة التي أحدثها النص بين حال الذات الجمعية (الجائعة)، وبين موقف المأجورين الذين يبيعون خيرات الوطن للآخر الغريب، فالجوع مقابل شعور المأجورين بالامتلاء، و(حضور) الذات الجمعية عبر ضمير الجمع (نا) مقابل غياب المأجورين الحاضرين بفسادهم.
استخدمت الشاعرة ضمير المتكلمين الجمع بكثرة في نصوصها، وبالتالي خرجت من عالمها الذاتي الخاص ومجاوزة همومها الذاتية للجمعية:
- "سماؤنا المثقلة بغيمات سوداء/ حبلى.../ بماء زلال"
المفارقة هنا فتحت النص على أفق التفاؤل بالتغيير، فالغيمة السوداء يأتي منها الماء الزلال فمن قلب الأزمات يأتي الفرج.
وعلى الرغم أن الهايكو أصله ياباني إلا أنه وجد طريقه إلى بيئات أخرى، وبالتالي كان من الطبيعي أن يتبدل الهايكو الياباني في البيئة الجديدة؛ فالفكر الياباني يختلف عن الفكر الغربي؛فاليابانيون متسقون بالطبيعة غير منفصلين عنها في حين أن الفكر الغربي لا يتوفر فيه هذا الانسجام وتلك الوحدة بين الإنسان والطبيعة، وبالتالي فالشعراء الغربيون لم يطبقوا شروط الهايكو الياباني كالتحرر من الأوزان والقوافي واعتمد التلميح والإيماء والاختصار في نقل التجربة، كما لم يستطع الغربيون التحرر من اللغة الاستعارية، في قصيدة الهايكو اليابانية التقليدية تختفي "الأنا" تماماً. فالشاعر لا يترك المجال لخياله أن يَســْرح ولا لعقله أن يتدخَّل ولا لأهوائه الشخصية أن تظهر. أما في الغرب فقد عمد بعض الشعراء الىاستخدام الهايكو في النقد الاجتماعي والأخلاقي والسياسي . رأى الشاعر الياباني أن الطبيعة امتداد للذات تؤثر على الوعي البشري وتحدده. لهذا كانت معظم قصائدهم تتمحور حول حدث في الطبيعة فجَّر عندهم لحظة وعي كوني . أما القصائد الغربية فكان الانسان محورها .والهايكو العربي تأثر بالهايكو الغربي، فقد ظل الهايكو يترجم إلى اللغة العربية عبر لغات وسيطة كالإنجليزية، حتى صدر كتاب (الهايكو) الذي ضم ألف هايكو ياباني وترجمته للعربية مباشرة للمترجم السوري الشعر محمد عضيمة، وصدر عن دار التكوين السوري عام 2010.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن نصوص مجموعة "الكائن بيقيني" للكاتبة يسرا الخطيب بلقطاتها البصرية المكتنزة بفتنة البساطة والعمق مثلت اتجاهًا جديدًا في ساحة الكتابة الفلسطينية وعلى النقد أن يراعيها ويواكبها.

بعد أن أنهت الدكتورة سهام ورقتها ألقت الشاعرة يسرا مجموعة من قصائد الومضة

ثم كانت الكلمة للأديب غريب عسقلاني الذي قال: بعد قراءة الدكتورة سهام لم يبق لي أي قول، لكن ما أود قوله هو أن على الأكاديميين والنقاد انتهاج منهج نقدي يتناسب والعصر الذي نحياه.

ثم ألقت الشاعرة يسرا مجموعة من قصائد الهايكو

بعدها فتحت الأستاذة فتحية الباب لتسجيل المداخلات فكانت المداخلة الأولى للصحفي أبو نادر الترك قدّم فيها الشكر للشاعرة يسرا، وثنى بالشكر والإعجاب بالورقة النقدية التي قدمتها الدكتورة سهام، ثم قال: عندما أنشئت جمعية النقد قلنا إنها مهزلة، لكن اليوم رأيت نشاط واحدة من أعضاء الجمعية، وأهيب بالدكتورة سهام أن تدفع بالجمعية نحو الرقي والعمل الجاد
ثم أشكر الأستاذ غريب الذي جعلني من عشاق الأدب بعد أن كنت من عشاق السياسة
اختتم أبو نادر مداخلته قائلا: كان وزير حرب العدو ديان يقول: لن أهاب العرب إلا إذا حملوا كتابا ووقفوا أمام محطة الأتوبيس بانتظام

وكانت المداخلة للدكتور محمد صلاح أبو حميدة قال فيها: أشكر الشاعرة يسرا، وأشكر الدكتورة سهام على هذا التحليل النقدي الجاد، فرغم أن الجمهور لا يميل الى الدراسات الجادة إلا أنه استمتع بما قدمته الدكتورة سهام من نقد هو من صلب النقد الأدبي، إلا أنني أرى أن الهايكو على النحو الذي قرأته الشاعرة لم يجد جمهورا يستمع إليه ويتذوقه جيدا، لكن ما قالته الدكتورة سهام هو فعلا يعبر عن مشاعر الشاعرة فهي موزعة بين الواقع والمثال، فأصبح الموت هو المهيمن على المشهد، وكأنها تقول: نحن في وطن لا معالم له.
أما العنوان فأختلف مع الدكتورة سهام فيما نحت إليه حيث أرى أنه يحمل معنى اليقين لا شك فيه.

ثم كانت مداخلات وقراءات من كل من الأستاذ جواد الهشيم والروائي خلوصي عويضة والأستاذ عبد الكريم عليان
أبرز ما قاله الأستاذ جواد: أنني رأيت في نقد الدكتورة سهام، سهام ناعمة، لم أجدها تذكر إخفاقة واحدة في الكتاب
أما الأستاذ عبد الكريم فتساءل لماذا نستورد لهذا النوع من الكتابة اسما أجنبيا؟ لماذا لا نسميها خاطرة؟

كذلك للأستاذة إيمان أبو شعبان مداخلة شكرت يسرا وشكرت الدكتورة سهام على هذا النقد المتميز والمتمكن، ومن ورقة نقدية أعدتها أجملت القول: سأتحدث في نقطتين: الأولى أتوقف فيها عند العنوان (الكائن بيقيني) اليقين الذي تتسع به ذات الشاعرة، ويضعنا أمام إضاءات سريعة، تضيء ثم تخفت، لكن ما يدهش أن هذه الإضاءات مجتمعة تشكل لوحة فنية متكاملة
الأمر الآخر الشمولية في الطرح، لقد أتت يسرا على كثير من المفردات المحلية والعربية ووظفتها توظيفا مهما وعميقا في فضاء الوطن
وأضافت: سألت يسرا لماذا لا تؤرخين ما تكتبين، فقالت: بعض النصوص كتبتها قبل الحرب، وبعضها بعد الحرب
لكنني أرى أن قصائد يسرا ما قبل الحرب تشبه قصائدها بعد الحرب

الدكتور أسامة أبو سلطان بدأ مداخلته قائلا: أشكر الظروف التي أتاحت لي حضور هذا اللقاء
ثم قال: رأيت اختلافا بين المداخلين في وجهات النظر والاختلاف ظاهرة صحية وتثري النقاش، قصيدة الهايكو جديدة، فلنفسح لها المجال ولتثبت نفسها
ثم توجه بسؤال للدكتورة سهام؛ هل لقصيدة الهايكو شكل معين؟
وللشاعرة يسرا سؤال: هل التقديم للديوان تعريف به، أم هو تمزق؟

الكاتب محمد نصار قال في مداخلته، شكري الجزيل لصالون نون الأدبي الذي أعدّ هذا اللقاء المميز، كما أتوجه بالشكر للدكتورة سهام على القراءة النقدية الجيدة، وقد أكدت لي مقولة أؤمن بها وهي أن النقد مواز للإبداع، وإلا خرج النقد جافا وممل
ثم أثني على قول أبو سامر بضرورة الاهتمام بالنقد الحقيقي الإبداعي المتميز
كما أشكر يسرا على هذا الجهد وتنقلها بين القصة والرواية والومضة والهايكو
رغم أنن نبهتها لهذا اللون من الهايكو يعتمد على المفارقة، ابن عربي عندما سأله تلاميذه لماذا لا نألف أشياء نسمعها؟
قال: لأنكم ألفتم الأشياء التي تسمعونها.

أجملت الدكتورة سهام ردودها على المداخلين فقالت: ما قدمته اليوم هو قراءتي للنصوص، حتى وإن كانت سهامي ناعمة فهذا ما رأيته في كتابات يسرا

وللأستاذ عبد الكريم أقول: لقد ذكرت الأستاذة فتحية أن دال خاطرة أحد أسماء قصيدة الومضة
أما أشكال الهايكو، فقد ذكرت أن الشاعرة خرجت عن قواعد الهايكو، فاستخدمت الاستعارة والمجاز وهذا ليس من قواعد الهايكو
في الهايكو الياباني اتساق بين الذات والموضوع، لكن عندما هاجر الهايكو إلى أوروبا وجد اختلافا في البنية فخرج عن موسيقى الشعر وهذا ما استثناه العرب
ما جذبني لقراءة هذا الكتاب أنه لكاتبة فلسطينية خاضت في مشروع جديد
وردا على الدكتور أسامة قالت: بالنسبة للشكل لا يوجد شكل ثابت، فالشكل الشعري بنية متغيرة، وعلينا ألا نخشى على القصيدة العربية من التغيير
أخيرا أقول إن الحداثة موجودة في كل زمن، فالعصر العباسي عرف الحداثة، وهكذا كل عصر يعتبر التجديد حداثة
رفعت الأستاذة فتحية الجلسة على أن يستمر عطاء الصالون، وتستمر جلساته القيمة والمثمرة، بصحبة النخبة من مثقفي الوطن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في صالون نون الأدبي الدكتورة سهام أبو العمرين تضيء جماليات التشكيل الدلالي في مجموعة "الكائن بيقيني" بين الومضة والهايكو لـ يسرا الخطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: الأقسام الأدبية :: واحة المقهى الادبي-
انتقل الى: