واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قصي المعتصم-1
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip



عدد المساهمات : 21
نقاط : 45
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2010
العمر : 68

الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Empty
مُساهمةموضوع: الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)   الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Icon_minitimeالإثنين 25 أكتوبر 2010 - 12:34

الوفاء ... لزمن الحب والحرب (5)
حب ولقاء

قصي المعتصم

كانت غاية في الجمال والخلق ، ومن أسرة كريمة ، فاضلة ...تمنّاها الكثيرون ...وتقدم لها ماتتمنّاه كل شابّة...لكنّه...وحده من آمتلك قلبها ...شعرت بأنها أسعد امرأة في الدنيا ، حينما تقدم لخطبتها ...
ذلك عام 1942..كان طياراً ..وكانت الحرب العالمية الثانية قد طال تأثيرها ليصل إلى العراق آنذاك...وبالرغم من ذلك تزوجا....ومرّت السنين..أنجبت ولدين وبنتين..كانت تتمنى أكثر..لتراه في أولادها..حينما يغيب عن ناظرها..وجاء عام 1948 وكانت حرب فلسطين...ذهب ليشارك اخوانه المجاهدين ، في الدفاع عن مقدسات العرب والمسلمين..ودّعته بالدموع..وتمنّت أن يعود لها سالماً..كان يوم جمعة ،والوقت فجراً حينما غادر بيته، كانت ترتدي ثوب نومها، بلونه الوردي الذي يحبه ، وقال لها: "سأعود لأراك مرتدية نفس الثوب".....قبّل وجنتيها...ثم غادر ...
كانا عاشقين... يقضيان كل ليلة ..وكأنها الليلة الأولى التي يلتقيان فيها.......
ومرّت أيام ..وأيام..وبدأت تقلق لطول فترة الفراق..فلم تتعود أن يفترقا كل تلك المدّة.... كانت كل ليلة....ترتدي ما أحب ....وتنتظر عودته ....
وذات يوم..تطرق بابهم ..تفتح ..لترى ضابطاً طياراً يبدو انه احد زملاء زوجها ، كان يحمل بيده طرداً مغلقاً..سلّم عليها..ثم بادر قائلاً: "سيدتي الفاضلة، لا أدري ما أقول !..لا أعرف هل أواسيك، أم أواسي نفسي، ولكني كلّفت بمهمة صعبة، وهي إيصال أغراض (عبد الرحمن) لك".........
أصيبت بصدمة ..لا تعرف ماذا تقول، مفاجأةً لم تكن في حسبانها، سألته: "أرجوك اخبرني الحقيقة؟"..
أجابها: "كلّفنا بواجب القيام بطلعات جوية لضرب أهداف معادية ".. وأثناء عودتنا ودخولنا الأجواء العراقية....
كانت هناك عاصفةً رملية، حجبت الرؤية في تلك المنطقة..وآنقطع الأتصال بيني وبينه...ووصلت إلى القاعدة بصعوبة ...
انتظرت عودته ...لكنه لم يعد....بقينا عدة أيام نبحث في الأماكن التي يحتمل سقوط طائرته فيها، دون جدوى، ومرّت أيام أخرى، حين جاء إلى قاعدتنا الجوية، أحد رعاة الأغنام في المنطقة الغربية، ليعلمنا بوجود طائرة عراقية ، غطّت الرمال معظمها في منطقة قرب الحدود..ذهبنا إلى هناك..وبعد مسيرة عدّة ساعات، بأرض وعرة وقاحلة وصلنا إلى المكان الذي حدّده لنا..ووجدنا طائرته وقد هبطت بمنطقة نائية ولا يظهر منها إلاّ جزء صغير، قمنا بإزاحة الرمال وفتحنا مقطورة الطيار، فلم نجد (عبدالرحمن)...بل وجدنا أجزاء من بدلة الطيران وقلنسوته..وكفوف القيادة، ومحفظته، وصورة لسيدة كانت ملصقةً قرب مقاييس الطائرة معها أربعة أطفال...عرفت بعد أن رأيتك أنها لك ولأولادكم..جلبت كل ما وجدناه وهي بهذه الرزمة، وسنستمر بالبحث عنه ولكنك تعرفين أن تلك المناطق واسعة ولا تطئها قدم إنسان إلاّ نادراً كما حصل مع الذي دلنا على موقع تلك الطائرة..أتمنى أن لا يكون قد حصل له اي مكروه ( لم يخبرها بحالة اليأس التي يشعر بها هو وزملاءه لأن تلك المنطقة خطرة نتيجة تواجد الذئاب والضباع وغيرها)...وأكمل كلامه :.سأظل أتابع الموضوع حتى نصل إلى نتيجة، مع كل أسفي سيدتي، أتمنى أن لا تطول غيبته، لأننا أصدقاءه نفتقده قبل أن تفتقديه أنت، ولكونه رجل يحمل صفات تجعل من حوله يحبه ويحترمه ، تحياتي سيدتي، وإنشاء الله نسمع أخبار سارة قريباً".
سلمها الطرد وهي لا تعرف ما تقول، هل هي في حلم؟ هل ما دار الآن حقيقة؟ هل أن غياب عبد الرحمن سيطول؟..
كان أولادها الأربعة أكبرهم بعمر 5 سنوات والصغرى بضعة أشهر..
لم تخبر الصغار بما دار حول غياب والدهم، أفهمتهم أنه مسافر لأداء عمله..وعندما ينتهي منه سيعود!!.
وتمر الأيام والشهور، وعبد الرحمن ما زال غائباً..حتى الأطفال باتوا لا يسألون ..لأنهم حفظوا الجواب!!!.
مر شهر ...وشهران ...حتى جاء من يبلغها بان البحث عنه قد اوقف ...واعتبر شهيدآ !!! لكنها لم تقتنع بما أخبروها ، وبقيت كلّ ليلة ترتدي ثوب النوم الوردي وتجلس على أريكة في إحدى زوايا الصالة ، وتبقى مستيقظة حتى الفجر ... وتضع الشمعدان الذي تتوسطه شمعة بيضاء كانت تستبدل كل يوم وسط غرفتها لتبقيها مضاءة طوال الليل....
كبر الأولاد..وصاروا شباباً..كانت لهم الأم والأب..لم يشعروا يوماً بمعنى الأبوة..وماذا يعني الأب..فهو بالنسبة لهم مجرد اسم يحملوه..ولولا الصور المعلقة في الصالة..وغرفة نوم والدتهم..لما تذكروا حتى شكله... إلاّ هي ..عشرات تقدموا لها بعد أن عرفوا باستشهاد زوجها..لأنها كانت امرأة صالحة وذات خلق عال ومن أسرة كريمة..إضافةً لما تحمله من جمال أخاذ..لكن ، لا أحد كان يجرؤ على مفاتحتها بالأمر..لأنه منذ المرة الأولى..كان ردها؛
هل جننتم؟! كيف أخون زوجي؟! كيف أخون من ذهب ليحمي شرفي وديني؟! وقال لي انتظريني..سأعود..
ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد على أن يعيد الأمر..
كافحت هذه المرأة العظيمة..وكان أولادها يضرب فيهم المثل بالخلق والسيرة الحسنة..بالصدق والأمانة..عندما كبروا عرفوا الحقيقة..عرفوا أن والدهم فقد في الحرب وآعتبر شهيداً..لكن أياً منهم لم يتطرق لهذا الموضوع أبداً..أبداً..لا بل عندما كانت أمهم لا تأتي إلى مائدة الطعام ، أو تتأخر لمناسبة ما..يقولون لها..إذا لم تفعلي فإننا سنشكوك لأبي حينما يأتي..وكانت تنصاع لما يريدون حين سماعها ذلك التهديد..وتجيبهم ..لا..لا..لكم ما تريدون..لا أريد أن تزعجوه عندما يأتي، فأكيد سيكون متعباً وبحاجة إلى الراحة.
كانت غرفة نومهما..والسرير الذي احتواهما معاً لسنوات عدة قبل رحيله ينظفان كل يوم..وتستبدل شراشفهما..وكل من يدخل إليها كان يشم عطراً زكياً..كان الضوء لا ينطفيء طوال الليل من خلال الشمعدان والذي تضع فيه كل ليلة شمعةً جديدةً..بانتظار أن يأتي .... لم تنم في تلك الغرفة منذ أعلموها بفقدانه..كانت تنام على أريكة في إحدى زوايا الصالة..وكان أولادها في البداية يستغربون لهذا الأمر..وكانت تقول لهم ، أنام هنا لأكون قربية من باب مدخل الدار، فقد يأتي والدكم بأية ساعة وأنتم نيام، وقد لا نسمع طرقاته على الباب..
كانت لا تأكل شيء بعد صلاة العشاء، وتنزوي بركن قريب من أريكتها وبيدها مسبحة، تقرأ القرآن تارة، وتسبح بالمسبحة تارةً أخرى، وتدعو الله في كل ليلة..أن يسهل أمره..وأن يحفظه..ويعيده سالماً ، كانوا أولادها يدعوها الى العشاء في باديء الأمر، لكنها كانت تجيبهم، قد يأتي والدكم وهو متعود أن نتناول العشاء معاً..ولا يتناول عشاءه إلا وأنا معه..فتركوا هذا الأمر ..كما الأمور الأخرى..واحترموا رغبة والدتهم لحبهم لها، وتقديرهم لوفائها.
تمر السنين وينهي أولادها الأربعة دراستهم، ويتزوجوا جميعاً..وبات البيت يمتليء بهم، وبأحفادها، وكانوا كآبائهم وأمهاتهم يسألون عن الشخص المعلقة صورته ببزته العسكرية وعنفوان الرجولة والابتسامة الخفيفة ..وكان الرد..نفس الذي سمعوه منذ كانوا بأعمارهم ..انه في العمل..وسيعود بعد ان ينتهي منه..
كانت في كل سنة من تلك السنين الطويلة، تحتفل مع أولادها باليوم الذي خرج فيه والدهم ووعدها بالعودة..
كانوا ينيرون الممر الذي تمتد على جانبيه الورود من بداية المدخل الخارجي للدار لغاية الباب الداخلي، وكانت تتأنق في ذلك اليوم وكأنها تستقبل عريسها ..
جار عليها الزمان، وأنهك قواها، فقد كانت الأعباء عليها ثقيلةً..سنين طويلة وهي تتحمل مسؤولية تلك الأسرة..
ولم تشكو همها لأحد يوماً..لم تغير أثاث غرفتها..لم تغير سريرها..لم تغير بيتها..بقيت تعيش لأمل قد يتحقق يوماً..بانتظار أن يعود من أحبّت.....من عشقت......ولكن!!
ذات مساء ..وبعد أن أنهت صلاتها..استدعت ولديها اللذان ما زالا يعيشان معها، وطلبت منهم أن يتصلوا بإخواتهم ليأتوا كي تراهم..استغربوا لطلبها..لأنهم منذ سنين يجتمعون كل يوم جمعة في بيت والدهم..واليوم خميس وغداً موعد مجيئهم.
سألها الأصغر: "أمي اليوم خميس، وغداً قبل الظهر سيأتون".
أجابته: "أشعر بأن والدك قد يأتي الليلة، وأريد أن يرانا مجتمعين!!"
نظر الى اخيه نظرةً غريبةً، ولم يكرر قوله الى أمه وهكذا تعودوا جميعاً..اتصل بأخواته وحضروا على عجل لأنهم استغربوا طلب أمهم المفاجيء..
لم يسالوا أمهم لماذا طلبتهم..وهل مثل هذه الأم تسأل أو يرد لها طلب؟!
جلسوا جميعاً يتسامرون ، وأولادهم خرجوا الى الحديقة يلعبون ..كانت تتوسطهم وتتطلع بوجوههم واحداً واحداً.
كانت نظراتها ليست كما اعتادوا ..كانت وكأنها لم ترهم من مدة طويلة ...ثم تحولت بنظرها صوب صورة والدهم..ظلت تحدّق بالصورة لفترة ليست بالقصيرة، والغريب أن عينيها لم ترمش أبداً..حتى بدأت تغرورق بالدموع..
أقلقت تلك الدموع أبناءها....تلك ، كانت المرّة الأولى التي يرون فيها دموع أمهم..للمرة الأولى يرون ضعفها..كانت تبكي بصمت طوال حياتها..في ركنها المنزوي وعينيها شاخصةً الى الأعلى..تدعو من الله أن يعود زوجها يوماً.
أخرجت ابنتها الكبرى منديلاً ومسحت دموع والدتها، لم يجرؤ أحد أن يسألها أي شيء......
أمسكت بيد ابنتها ووجهت كلاماً لأبنائها: "إن والدكم قريب مني، وقد يدخل بأية لحظة، لم أشعر بهذا الشعور منذ ودعني ذلك الفجر..لذا (وكلامها إلى ابنتها الكبرى) أريدك أن تساعديني بالاستحمام!!"
كانت تلك المرة الأولى التي تفعلها، لم تطلب من بناتها يوماً الدخول معها إلى الحمام..بدأ القلق يتسرب إلى نفوس أبنائها ولكن لم يتعودوا أن يخالفوا رغبة والدتهم أو يجادلوها بأمر ما..لقد كانت بالنسبة لهم. الحكمة..والحب ..والوفاء...والتفاني..ضحت بحياتها من أجل تربيتهم ووصولهم إلى ما هم عليه ومهما فعلوا فلن يردوا لها جزءاً مما قدمت..
نهضت البنت الكبرى ودخلت مع والدتها ..وبعد أن انهت استحمامها وخرجت..دخلوا معاً إلى غرفة نومها..وقالت الأم: "اليوم سأنام في هذه الغرفة".
فوجئت ابنتها بقرار والدتها، فهي لم تنم في هذه الغرفة منذ غادر والدها!! والسرير كما هو منذ ذلك الحين، لم ينم أو يجلس عليه أحد.
استغربت لهذا الأمر الغريب ليس ذلك فحسب ، بل طلبت من ابنتها أن تخرج لها ثوبها الوردي الذي كانت ترتديه ليلة ذهاب والدهم..وقالت: "أريده أن يراني كما أراد..قال لي أريد أن أراك مرتديةً نفس هذا الثوب....عندما أعود ....
لم يكن بيد البنت إلاّ أن تنصاع لرغبة والدتها..ساعدتها بارتداء الثوب، كان ما زال طرياً، ناعماً، لم يتغير طوال تلك السنين..جلست أمام المرآة ..وأمسكت المشط لتسرح خصلاتها ودارت بوجهها صوب صورته المعلقة وهي تقول: "كنت تحب هذا الثوب، وشعري الذهبي الطويل ..بقي الثوب كما هو... ولكن شعري صار أبيضاً..فقد أطلت بغيبتك..ولم ترحمني السنين...أتمنى أن لا أكون قد قصرت بحقك..فسامحني لأنك لن تجدني كما كنت ترغب، لقد انتظرت عودتك..كنت أعرف أنك لا بد آت يوماً..فأهلاً بك في بيتك..فكل شيء باق على حاله منذ أن غادرت..وهؤلاء أولادنا بانتظارك، لقد اشتاقوا لك كثيراً".
في تلك اللحظات أحست ابنتها بأن شيء ما سيحدث، أحست بشعور غريب ينتابها، بدأت الأفكار تتزاحم في مخيلتها..شعرت وكأن أمها على وشك أن تغادر هذه الدنيا..لم تعد تستطيع الوقوف وسماع المزيد، قالت لأمها: "لحظة وأعود" وخرجت دون أن تسمع رد أمها بالسّماح لها بالخروج من الغرفة..أجهشت بالبكاء حال خروجها من الباب، هرع الأخوة صوبها، ليعلموا ما حصل، منعتهم بيدها من الدخول..قالت: "لاشيء ..لا شيء..ولكن أشعر أنّ أمّي بوضع غير طبيعي..فلم أرها تتصرف هكذا طوال حياتها".
تجاوزها أخوتها وبكل أدب، نظروا من جانب الباب وشاهدوا ما لم يشاهدوه في حياتهم...
أمهم ترتدي فستاناً جميلاً..وشعرها الأبيض الذي يصل إلى خصرها بلونه الناصع البياض، ممسكة بالمشط وهي تجلس أمام المرآة وتعمل على ترتيبه، سحبوا رؤوسهم خشية أن تراهم، وذلك سيسبب حرجاً شديداً لهم..عادوا إلى أماكنهم في الصالة...كانوا أولادهم قد تعبوا من اللعب خارجاً والوقت قد تأخر، البعض منهم نام على الأريكة، وهم يتداولون الأمر الغريب فيما بينهم، وإذا بالأم تخرج إليهم، لم يروا أمهم بتلك الهيئة طيلة حياتهم.
لأول مرة يرون أنها امرأة حقاً!!! بثوبها الجميل، والروب المزركش والشعر الحريري الأبيض ينساب كأنه شلال ماء ينساب من قمة جبل..نهضوا جميعاً: "كيفك يا أمي، انشاء الله تكوني مرتاحة".
أجابتهم: "الحمد لله، أشعر أن هذا اليوم هو أسعد يوم في حياتي..فوالدكم قادم بإذن الله..أخيراً سنلتقي..أخيراً سيوفي بوعده..اذهبوا وخذوا أولادكم للنوم واتركوا الصالة مضاءة، وباب غرفتي سابقيه مفتوحاً قليلاً حتى أسمع رنّة الجرس حينما يأتي والدكم، عند ذهابه لم يكن لدينا جرس، كان يطرق الباب، فأسمعه..عسى أنه يعرف مكانه، وحتى لو طرق الباب سأسمعه لأني سأبقى مستيقظة بانتظاره..تصبحون على خير"..
وبصورة لا إرادية تقدم منها أولادها واحداً تلو الآخر، قبّلوا جبينها وقبّلوا يدها..وقال كبيرهم وهو يحاول كسر جدار الحزن الذي بدأ ينتابهم: "نرجوك أن لا تخبريه كل شيء عما فعلناه عندما كنا صغاراً"
وبادر بضحكة خفيفة يحاول التخفيف من الحزن الذي بات يسود المكان ..
ابتسمت الأم وقالت لهم: "..كلاّ...كلاّ....لا تقلقوا لقد كنتم وأصبحتم ..كما كان يتمنى....وسيفخر بكم....والآن اذهبوا للنوم..

عادت هي الى غرفتها، وقفت للحظات امام صورة زوجها ، يبدو انها كانت تشعر بقرب لفاءها به ....فرحة لاول مرة ، منذ غادرها ...جلست على فراشهما الذي لم تنم فيه منذ سبعآ وثلاثون عامآ ....تناولت المصحف الذي مازال في مكانه على الطاولة القريبة من الجهة التي ينام فيها زوجها ....فتحته ، وبدأت تقرأ فيه ....كان اولادها قلقين تلك الليلة ، لغرابة سلوك والدتهم الذي لم يألفوه منذ ان كانوا صغارآ ، تناوب الجميع للأطمئنان غليها خلسة ، كي لاتشعر والدتهم بتجاوزهم لخصوصيتها....لكن هي الام ...والأب...وهي أغلى مالديهم ..فمن حقهم ان يقلقوا ...
مضت ساعات طويلة من الليل ، حتى قارب على نهايته ، وكلما جاء احد ابنائها ، يراها ، ماتزال تقرأ القرآن...وبدا لهم ان وضعها هذا مطمئن ، وقد قارب الفجر على الطلوع ....حينها قرروا ان يخلدوا الى النوم ، لان يومهم كان طويلآ ، وهم متعبون ...
اشرقت شمس يوم الجمعة ، من ايام اوكتوبر عام 1985 ...كان من يصحو من ابنائها ، يذهب مباشرة للاطمئنان على والدته ، من خلال فتحة الباب ، لقد صحوا مبكرآ ذلك الصباح على غير عادتهم ، كل يوم جمعة ، ويبدو ان القلق لم يسمح لهم بنوم هانيء ، لأنهم كانوا يشعرون بان شيئآ ما سيحدث !!...كل من تطلع من فتحة الباب شعر بالأطمئنان ، كانت امهم نائمة بصورة طبيعية ، وقد وضعت القرآن الذي كانت تقرأ فيه طوال الليل على وسادة والدهم ، وهي مستلقية على جنبها الأيسر بمواجهة الجهة التي كان والدهم ينام ، ويدها اليمنى ممتدة لتلامس وسادةالاب....لم يكن هناك مايدعو للريبة ، فوضعية نومها طبيعية ، احدهم اغلق الباب لكي لايوقظ امهم صوت الاطفال الذين صحوا وبدؤا يصلون الى الصالة تباعآ ، بدأت البنت الكبرى بتحضير الفطور ، على ان تقوم بايقاظ والدتها بعد الانتهاء من اعداده ..
اكملت اعداد الفطور وتم وضعه على الطاولة في الصاله ، نبهت الصغار لعدم لمس اي شيء لحين مجيء جدتهم ...ذهبت لايقاظها ، فتحت الباب ، لم يكن وضع الأم قد تغير ، عزّ عليها ان توقظها من نومها ، ولو انها معتادة ان تصحو بمثل هذا الوقت ، ولكن هي تعرف انها كانت مستيقظة حتى قبل الفجر بقليل ، وتقرأ القرآن ، ولكنها بنفس الوقت ستزعل ان لم تشاركهم الأفطار وهم في بيتها ...تقدمت خطوات نحوها ...وضعت يدها على كتفها ، برقة ، ونادت: ماما ، الفطار جاهز ونحن بانتظارك ....لم ترد الأم !!!...كررت ندائها...لارد !!!...قلقت ..خوفها مما حدث ليلة امس جعلها تهزّ كتف أمها بقوة ، وتصيح بصوت أعلى ....لارد !!! ...سحبت يدها ، وأطلقت صرخة مدوّية ، وأجهشت بالبكاء ....هرع اخوتها جميعآ الى الغرفة ، بعد سماع صرختها ...وجدوا والدتهم مسجاة على سريرها ،كما شاهدوها عندما استيقظوا ...لايبدو عليها علامات الموت !!!...بل ، أبهرهم ! وهالهم ! ...تلك السكينة ، والعطر الزكي الذي أحسّوا به يملأ كل ارجاء الغرفة ...ومن جسدها بالذات ...وابتسامة خفيفة ، تكسو محيّاها ، كان السرير الذي تنام عليه ، وكأنّ هالة من الضّياء قد كسته....

مابين دموع على فراق من احبّوا ...وبين سعادة ، لأمّ ...طال آنتظارها لمن أحبّت ...كان الوداع الأبدي ...بعد سبعآ وثلاثون عامآ !!!...بقيت وفية لزوجها ، تنتظر عودته يومآ !!...لم ياتي ...فذهبت هي اليه ..بعد أن أدّت رسالتها في الحياة ...وكان اللّقاء الأبدي .....غادرها فجر يوم جمعة ..والتقته بنفس اليوم....
فأية آمرأة أنت ؟....وأية أم... كنت ؟... لك من كل العيون دمعة ...لك من كل القلوب ...دعاء بالهناء ...والسعادة ...للقاءك من أحببت ...وأوفيت ...وتمنّيت ..وداعآ ، ياامرأة ، شرّفت بصبرك ...وحبك ...كل نساء الدنيا ...وستبقين جبلآ ينساب على سفحه ، شلاّل الوفاء.... ايتها العربية، العراقية ... كنت أنت الوفاء ...وكان الوفاء ...بعضآ منك ...
فكم خلق الله ......مثلك في الدنيا ؟.......

والى قصة اخرى ..لبعض من الوفاء ...لزمن الحب والحرب (6)

قصي المعتصم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)   الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Icon_minitimeالثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 3:42

ياااااه

انها ملحمة وليست مجرد قصة

انها اسطورة للوفاء

رمز من رموز الكمال

استاذي قصي

بارك الله لك

لك خالص التحايا من القلب

وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قصي المعتصم-1
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip



عدد المساهمات : 21
نقاط : 45
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2010
العمر : 68

الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)   الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Icon_minitimeالثلاثاء 26 أكتوبر 2010 - 23:17

هكذا هم العراقيون نساء ورجال ياأستاذنا الفاضل ...أفلا يستحقون منّا أن نخلد وفاءهم ليكونوا قدوة لجيلنا وللأجيال القادمة ...اذا ماطال بنا العمر فهناك الكثير ليكتب ...فأهل العراق ، أهل الوفاء ، ولكن الحاقدون يشيعون الكثير ضده ، لأنهم لن يستطيعوا أن يصلوا الى ماوصل اليه ابناء الرافدين عبر التاريخ ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زينب بابان
مشرفة عامة
مشرفة عامة
زينب بابان


عدد المساهمات : 10543
نقاط : 16309
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
العمر : 52

الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)   الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) Icon_minitimeالجمعة 29 أكتوبر 2010 - 11:52

مشكور استاذي العزيز قصي المعتصم

والله يبارك فيك وبقلمك النير

تحياتي وتقديري

الوفاء...لزمن الحب والحرب (5) OUkE3-5Uh3_709219294
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوفاء...لزمن الحب والحرب (5)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوفاء...لزمن الحب والحرب(7)
» الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)
» الوفاء...لزمن الحب والحرب (10 )
» الوفاء...لزمن الحب والحرب (2)
» الوفاء ...لزمن الحب والحرب (3)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: أقسام الكتاب و الأدباء و الشعراء :: واحة الأديب قصي المعتصم-
انتقل الى: