هيا بنا الى اجواء الفلسفة لنعيش سويا في فصل آخر من فصولها لنتعرف على معنى الفضيلة والأخلاق . . ان تعريف الفضيلة ومصدر الالزام الخلقي اختلف فيه فلاسفة كثيرون شكلوا في اختلافهم مذاهب خاصة بهم ليخرجوا لنا صورة رائعة من التحليل والتفكير والتفسير
سنقابل في موضوعنا نماذج لفلاسفة كبار سنتعرف عليهم ونتعرف على وجهة نظرهم . . حول مصادر الالزام الخلقية . . ابقوا معنا . .
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
السلوك الانسانيان بصفة عامة ليس سلوكا عشوائيا ولايحدث بطريقة عفوية لكنه في جوهره سلوك ارادي منظم ويستطيع الانسان أن يتحكم في غالبيته بوسائل كثيرة ومتنوعة ...
وفيما يتصل بالسلوك الأخلاقي خاصة وهو الذي يدور حول الخير والشر والفضائل والرزائل وغير ذلك من أخلاقيات أخرى فانه يصدر عن دوافع معينة يمكن لأي فرد أن يلاحظها في حياته اليومية
ان الفرد قد ينساق وراء احدى نزواته ويقع في مهاوي الرزيلة كالكذب أو خيانة الأمانة مثلا لكنه قبل المشروع في تنفيذ هذا السلوك اللا أخلاقي يعيد التفكير والنظر بامعان لما هو مقبل عليه ثم يقرر التوقف عن ممارسة هذا السلوك ويلتزم في مقابل ذلك بسلوك أخلاقي يرى أنه هو الذي ينبغي الاقتداء به وهو الذي يجب اتباعه دون غيره من سلوك آخر
وعلى هذا فالالزام الخلقي يدور حول ما ينبغي وما يجب في السلوك الأخلاقي ان الفرد الذي يمتنع عن الكذب أو خيانة الأمانة حين نسأله عن سبب الامتناع يجيبنا بأنه أحس بدافع يوجب عليه الامتناع عن السلوك وأن هناك سلوكا آخر أخلاقيا ينبغي اليه اتباعه
ذلك هو الالزام الخلقي الذي يرجع مثالنا السابق الى نواهي الدين أو عقوبات القانون التي يحددها المجتمع أو غيرهما من مصادر أخرى للالزام الخلقي..
لذلك يمكنني القول بأن مصادر الالزام الخلقي اختلفت وتعددت تبعا للتركيز على أحد الجوانب المكونة للشخصية الانسانية حيث تفرق الفلاسفة في مذاهب متنوعة كل منها يرد الالزام الى أحد هذه الجوانب فالشخصية الانسانية تتكون من الجوانب الانسانية التالية والتي ارتبط كل جانب منها بنوع معين من مصادر الالزام الخلقي المتوافقة مع هذا الجانب وذلك كما يلي
الجانب الجسمي :- ويضم أعضاء الجسم والاحساسات والدوافع الآولية والشهوات وقد ذهب بعض الفلاسفة الى أن مصدر الالزام الخلقي هو اللذة الحسية المتوافقة مع الطبيعة المادية للجسم الانساني
الجانب الاجتماعي :- ويضم العلاقات الاجتماعية والضوابط القانونية والعادات والأعراف الاجتماعية التي تظهر نتيجة تجمع الأفراد مع بعضهم في مجتمع معين وقد ذهبت مجموعة من الفلاسفة الى أن مصدر الالزام الخلقي هو تلك الضوابط الاجتماعية
الجانب الوجداني :- ويضم الانفعالات والعواطف والميول وقد رد بعض الفلاسفة الالزام الخلقي الى هذا الجانب الوجدني وأسسوا الأخلاق على العاطفة الانسانية ( الحاسة الخلقية )
الجانب العقلي :- ويضم كافة القدرات العقلية والقوى الفكرية العليا عند الانسان ولذلك جعل بعض الفلاسفة مصدر الالزام الخلقي هو العقل بمبادئه المطلقة
أستطيع القول أني سأقدم لكم مجموعة من مذاهب تفسير الالزام الخلقي المتنوعة حسب تنوع مكونات الشخصية الانسانية وسوف أعرض كل مذهب انطلاقا من ظروف نشأته مع التعقيب النقدي على الموقف الأخلاقي للمذهب
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
أدى هذا الأمر الى ظهور ما يعرف بأسم " التيار التجريبي الانجليزي " الذي جعل من انجلترا معقلا للتجريبية التي ظلت تزدهر حتى القرن التاسع عشر والتي تدعمت ماديا بالاكتشافات الأولى لنظرية التطور
وكان من أبرز نتائج هذا الاهتمام بالعلم التجريبي في دراسة الانسان المحاولة التي قام بها بعض المفكرين الانجليز لتحويل درساة الأخلاق من المنهج التأملي الفلسفي الى المنهج العلمي التجريبي وذلك على يد أتباع مذهب المنفعة العامة أو المدرسة النفعية الانجليزية والتي كان من أشهر أعلامها اثنان هما جيرمي بنتام وجون ستيوارث ميل وهم أيضا من مشاهير رجال الاقتصاد في انجلترا.. من أجل ذلك كان تصدي أتباع هذه المدرسة النفعية لدراسة الأخلاق يتسم بالطابع التجريبي المادي الذي يتوافق مع ظروف العصر ومع اهتمامات أنصارها ..
أستطيع القول بأن معالم مذهب المنفعة العامة عند بنتام وباقي أنصار المذهب تتمثل في النقاط التالية
اللذة هي الخير الأقصى أخلاقيا
ان الغاية الأساسية في الأخلاق هي تحقيق الخير الأقصى وذلك باتفاق جميع الأراء التي أقرت أيضا أن هذا الخير الأقصى هو السعادة التي نحاول تحقيقها باستمرار لكن الخلاف بين الفلاسفة بدأ يظهر عند تحديد المعنى المقصود بالسعادة فهي عند البعض تتخذ طابعا عقليا وعند البعض الآخر تتخذ صورة التضحية بالذات . . وغير ذلك من أراء أخرى
أما المقصود بالسعادة في مذهب المنفعى العامة فانها كل فعل يحقق لصاحبه أو يتوقع أن يحقق لصاحبه أكبر قدر ممكن من اللذة والتي يقصد بها في نفس الوقت المنفعة أي أن اللذة هي المنفعة وقد اختلف النفعيون حول اللذة من ناحية هل هي حسية فقط أم عقلية ؟ الا أن اللذة المقصود بها هنا هي اللذة الحسية فهي متناسقة مع اسمها نفسه رغم ظهور محاولات من أنصار المذهب بعد ذلك لكي تصبح اللذة في نوع منها عقلية
الأنانية مبدأ الحياة الانسانية
ان الانسان بطبيعته يبحث عن سعادته الخاصة ولذته الشخصية ويتفادى تلقائيا ما يسبب له الأم والضرر دون حاجة الى توجيه من الآخرين لأن الانسان بفطرته أناني نفعي وكل السلوك الخيري المشاهد في المجتمع هو في حقيقته أنانية متنكرة بسبب قيود المجتمع ولأن الانسان يخاف اعلان الحقيقة تحاشيا للاستهجان الظاهري من الآخرين وأقصى أمل أخلاقي هو أن يحقق الفرد المنفعة العامة للمجموع من خلال منفعته الخاصة
ذهب النفعيون الى أن القيمة الأخلاقية للفعل تتحدد في نتائجه أي في الجزاء الذي يترتب على ممارسة الفعل وعلى هذا تكون جزاءات الأفعال هي مصدر الالزام الخلقي فمثلا اذا كان جزاء ممارستي لفعل معين هو العقاب والضرر فانني أتحاشى تكرار هذا الفعل بينما أميل الى ممارسة الأفعال الأخرى التي يكون جزاؤها ثوابا ونفعا ولذة تعود على نفسي
انتقاد المذهب
اللذة لا تصلح مصدرا للالزام الخلقي عند الانسان
اذا كانت شخصية الانسان تتكون من عدة جوانب متكاملة فان الجانب الجسمي هو احداها فقط وليس هو كل الشخصية بالاضافة الى أن هذا الجانب الجسمي بمشتملاته الداخلية العضوية يشترك فيها الانسان والحيوان لذلك فان اللذة الحسية مهما حاول البعض تطويرها لا يصح أبدا ان تكون هي مصدر الالزام الخلقي أو منبع القيم الأخلاقية فالأخلاق تكون انسانية بقدر ارتباطها بما يميز الانسان عن الحيوان
المنفعة اتجاه أناني رغم محاولات تطويره
قرر أنصار النفعية أن الانسان بطبيعته أناني يبحث عن مصلحته الخاصة تلقائيا قبل النظر الى مصلحة الآخرين في المجتمع فكيف ينادي هؤلاء الأنصار بتأسيس الأخلاق على هذه الأنانية وكيف يكون مصدر الالزام الخلقي مصدره المصلحة الشخصية للفرد ؟ وذلك رغم محاولة النفعيين تأكيد أن الأنانية يمكنها أن تجعلنا نحقق من خلالها المنفعة العامة لأكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع ... تلك مغالطة واضحة لتبرير الأنانية
اغفال القيم الانسانية السامية والأخلاق الرفيعة
ان اتجاه النفعيين الى اللذة والمنفعة والأنانية ليجعلوها أساس الأخلاق أدى بهم الى اغفال القيم الانسانية السامية والأخلاق الرفيعة وأهملوا قيمة العقل ودور الدين وضوابط المجتمع وهدموا المثل الأخلاقية التي تحوز التقديرعند كل البشرأدى اكتشاف المنهج التجريبي في عصر النهضة الى انبهار الفكر الأوروبي بهذا المنهج وبانجازاته في مجال عالم الطبيعة الأمر الذي دفع البعض هناك الى محاولة استخدام نفس المنهج التجريبي في دراسة عالم الانسان ليكشف حقيقته التي تعثرت بسبب استخدام المنهج الفلسفي التأملي على مدار قرون طويلة بدون احراز أية نتائج ايجابية
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
انتشرت في أوروبا خلال القرن التاسع عشر مختلف التيارات الفكرية التي كانت قد ظهرت تدريجيا منذ عصر النهضة الحديثة وكانت تتصارع فيما بينها باعتبار أن أنصار كل تيار كانوا يعتقدون أنهم أقوى من غيرهم وأقدر على تفسير مختلف حقائق الطبيعة والحياة ومن أمثلة هذه التيارات المثالية والواقعية والحرية والجبرية والرومانتيكية والتجريبية وغيرهما
الا أن التيار العلمي التجريبي كان يشق طريقه أسرع من التيارات الأخرى نظرا لقيمته العملية ودقة منهجه ونفعية نتائجه للفرد والمجتمع على السواء خاصة بعد أن أحرز نيوتن تقدما عظيما في كشف أسرار وقوانين الطبيعة لذلك أراد المفكرون أن يحرزوا بهذا المنهج التجريبي تقدما مماثلا في دراسة الانسان والمجتمع بعد أن فشلت مناهج التأمل الفلسفي في كشف قوانين السلوك الانساني والحياة الاجتماعية
وقد ظهر من هذا المنطلق مذهب علمي جديد في أوروبا هو المذهب الاجتماعي الوضعي الذي استخدم أنصاره الأسلوب العلمي والطريقة الوضعية في دراسة الظواهر الاجتماعية والأخلاقية ومحاولة تفسيرها وكشف القوانين التي تتحكم في نشأة وتطور المجتمع الانساني
وقد حمل لواء تأسيس هذا المذهب الاجتماعي الوضعي ثلاثة من علماء الاجتماع الفرنسيين هم أوجست كونت . اميل دور كايم . ليفي بريل والذي يطلق عليهم أيضا اسم " المدرسة الاجتماعية الفرنسية " التي استخدمت الأسلوب العلمي الوضعي في دراسة الظواهر الاجتماعية والأخلاقية
كانت الأخلاق حتى عصر المدرسة الاجتماعية تدخل في نطاق الدراسات الفلسفية بمنهجها التأملي التحليلي وذلك باعتبار أن الأخلاق أحد فروع مبحث القيم وهو من أحد المباحث الرئيسية لعلم الفلسفة وكان الفلاسفة يبحثون في الأخلاق بوصفها علما معياريا يحدد للانسان المباديء التي ينبغي أن يسير عليها ليكون سلوكه أخلاقيا ومتصفا بالخيرية .. ولكن المدرسة الاجتماعية رفضت هذه المعيارية الفلسفية في مجال علم الأخلاق وقرت نقل الدراسة الأخلاقية من الفلسفة التأملية الى علم الاجتماع الوضعي التجريبي وأصبحت الأخلاق هنا تهتم بدراسة ما هو قائم فعلا من ظواهر أخلاقية في المجتمع وطرحت جانبا دراسة ما ينبغي أن يكون من سلوك أخلاقي
ما سبق هو نبذة مختصرة عن ظروف نشأة هذا المذهب وما سأورده الآن هو أفكار المذهب الاجتماعيين الوضعيين
الأخلاق علم وضعي تجريبي
ان التحول الى استخدام الأسلوب العلمي في درسة الظواهر الأخلاقية كما هي موجودة في المجتمع يعني أن الأخلاق أصبحت علما وضعيا مثل باقي علوم الطبيعة مع مراعاة بعض الاختلافات النوعية مثل أن التجريب في على الاجتماع ليس معمليا وانما هو استقراء للظواهر الاجتماعية وتتبع واقعي لتطورها ومحاولة كشف القوانين التي تتحكم في مسارها ويصبح الحال كذلك في علم الأخلاق الوضعي فالتجريب فيه ليس معمليا وانما يعتمد على الملاحظات العلمية المقصودة لمختلف ظواهر المجتمع واكتشاف علاقتها التأثيرية في تشكيل القيم الأخلاقية وفقا لظروف المجتمع
المجتمع يحدد بعض القيم الأخلاقية
ان القيم الاساسية والفضائل الأخلاقية كالواجب والتعاون والعفة والطهارة وغيرها ليست فطرية عند الانسان ولا تنشأ في حياته من فراغ وانماهي ثمار تظهر نتيجة ظروف معينة في المجتمع الذي ينشأ فيه الانسان بمختلف أشكاله " الأسرة - الحي - المدرسة - العمل ...الخ " ويترتب على ذلك أن القيم الأخلاقية في مفهومها الوضعي لا تكون مطلقة بل هي نسبيو تختلف من مجتمع لآخر حسب اختلاف ظروف هذه المجتمعات فالفضيلة في مجتمع ما قد تكون رذيلة في مجتمع آخر والسلوك الخير هنا قد يكون سلوكا شريراهناك ويؤكد أنصار المذهب أن نسبية القيم الأخلاقية لا تعني زوال الأخلاق أو انحطاطها لأن ذلك تعبير عن الواقع الحقيقي للمجتمع الانساني
المجتمع هو مصدر الالزام الخلقي
يترتب على كل ما سبق نتيجة هامة تتمثل في أن المجتمع وحده فقط هو مصدر الالزام الخلقي ان الضمير أو العقل الجمعي يضم كافة المباديء والقيم والأوامر والنواهي وغيرها مما هو متعارف عليه ومتفق بخصوصه بين غالبية أفراد الجماعة ومما هو متوافق مع ظروف الجماعة . . هذا الضمير الجمعي هو الذي يحدد لنا ما يجب علينا أن نمارسه من سلوك ونؤديه من أعمال..
وتبدأ الحياة الأخلاقية حين تبدأ الحياة الاجتماعية وتتحدد أخلاقيات الفرد وفقا للمباديء السائدة في المجتمع وتنبثق القيم الأخلاقية من المجتمع لكي تجبر الأفراد وتلزمهم على اتباع سلوك أخلاقي معين وهذا الالزام الخلقي النابع من المجتمع يمثل قوة قهرية للأفراد تحمل وسائل عقاب الخارج عنها " كالاستهجان والعقاب المادي والمعنوي وغيرها " وتحمل أيضا وسائل تقدير المنصاع لها " كالاحترام والتقدير المادي والأدبي وغيرها "
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
ان الاصرار على التوسع في استخدام الأسلوب العلمي الوضعي حتى في دراسة الأخلاق أدى الى ظهور كثير من الانتقادات التي من أهمها
اغفال الدور الأخلاقي بوصفه وحيا الهيا
تطرف الاجتماعيون في رد سلطة الالزام الخلقي الى ظروف المجتمع وحده واعتبارهم أن الأخلاق مجرد ظواهر اجتماعية ترجع الى ظروف المجتمع وهم بذلك أهملوا جانبا أساسيا في الالزام الخلقي يتمثل في الدين بوصفه وحيا الهيا وليس ظاهرة اجتماعية ان الدين بما تضمنه من أوامر ونواهي يمثل مصدرا الهيا للالزام الخلقي لا يمكن اغفاله أو تقليل قيمته في تحديد المباديء والقيم الأخلاقية الصحيحة
الفرد ليس باستمرار دمية يحركها المجتمع
أطاح الاجتماعيون بدور الفرد تماما وجعلوه بمثابة دمية يحركها المجتمع وفقا لظروفه الخاصة فالضمير الفردي يحمل داخله ضمير الجماعة والسلوك الأخلاقي مجرد انعكاس لرغبات الجماعة وكلما تغيرت ظروف الجماعة تغير معها الفرد لكن هناك كثيرا من الأفراد هم الذين يؤثرون في المجتمع ويغيرون من شأنه ويتحكمون في طبيعته وظروفه وذلك مثل الثوارالمصلحين والزعماء والعلماء وغيرهم من الأفراد الذي يستطيعون التأثير في السلوك العام والقيم الأخلاقية في المجتمع
نسبيةالأخلاق وتغير مبادئها
ان التأكيد على نسبة الأخلاق في الدراسة الاجتماعية ومحاولة الدفاع عنها بوصفها حقيقة واقعية لا يعتبر ميزة تدعو للتفاخر في مجال الأخلاق لأن النسبية هنا قد تؤدي الى تفكك البناء الأخلاقي للانسانية عامة حيث تتحطم المعايير وتظهر الأخلاقيات الجزئية المتغيرة بتغير المواقف الاجتماعية وحيث يصعب التمييز حينئذ بين ما هو خير وما هو شر
طبيعة الأخلاق أن تكون معيارية عامة
ان علم الأخلاق منذ نشأته قديما سواء في الحضارات الشرقية أو اليونانية وطوال مسيرة تطوره حتى القرن العشرين كان علما معياريا مثل علم الجمال وعلم المنطق فهو يحدد المعايير أو المقاييس التي ينبغي أن يسير وفقا لها الفعل الأخلاقي دون أن يهتم بدراسة ما هو قائم من أخلاق بين الناس كما أن الانسانية تحتاج الى مباديء عامة ومشتركة وفضائل أخلاقية ثابته يهتدي بها كل أفراد البشرية في مختلف العصور وشتى المجتمعات وهذه هي المهمة الرئيسية لعلم الأخلاق في صورته المعيارية المثالية وبمنهجه الفلسفي التأملي دون أن يعيبه هذا في شيء مطلقا
أما تحويل علم الاخلاق عن رسالته الحقيقية ليصبح علما تجريبيا وضعيا يدرس ما هو قائم من ظواهر أخلاقية فانه لا يعتبر ميزة يتفاخر بها الاجتماعيون لأنهم أطفأوا بذلك شعلة تضيء الطريق أمام الأخلاق الانسانية وجعلوها تعيش في ظلمات ودهاليز المجتمع
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
بيكون " في مجال المنهج التجريبي والعلم الطبيعي خاصة بعد أن أدرك الجميع قيمة العلم في السيطرة على الطبيعة وكشف أسرارها ومعرفة قوانينها واتسع نطاق هذه النزعة التجريبية حتى بدأ البعض يتساءل عن مدى امكان تطبيقها في دراسة الانسان عامة والأخلاق والمجتمع خاصة
من هذا المنطلق بدأت تظهر اتجاهات فكرية جديدة في أوروبا . . خاصة فيما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر . . حيث كان شافتسبري 1671 - 1713 يعيش في انجلترا في ذلك الوقت وكان أبرز هذه الاتجاهات الجديدة الاتجاه التجريبي الواقعي الذي وضع " بيكون " مبادئه في عصر النهضة ثم كان رد الفعل بعد ذلك هو ظهور الاتجاه الوجداني الحدسي الذي قاوم التجريبييين وأراد تأكيد الكيان الانساني من الزاوية الوجدانية وكذلك ظهور الاتجاه العقلي والدعوة الى دراسة الانسان منفصلا عن الطبيعة ..
كانت بداية ظهور هذا الاتجاه الوجداني الحدسي في ذلك الوقت المبكر في أوروبا تتمثل في دراسة الأخلاق الانسانية وأراد أتباع هذا الاتجاه الرجوع الى الوجدان الانساني والعاطفة البشرية وجعلوا الحدس هو وسيلة الادراك الصحيح دون الحواس والعقل وردوا الالزام الخلقي الى الوجدان والعاطفة وأصبح الحدس عندهم وسيلة التمييز بين الخير والشر
وقد ظهرت مذاهب أخلاقية متعددة في هذا التيار الوجداني الحدسي . . كان من أشهرها وأهمها مذهب الحاسة الخلقية عند شافتسبري
ايرل شافتسبري
ولد اللورد شافتسبري في عام 1671وتوفي عام 1713 وقد كان شافتسبري أحد المفكرين الارستقراطيين في انجلترا ومن مشاهير الفكر الانجليزي في عصره ورفض أن يرد الالزام الخلقي الى الحواس واحتياجات الجسم وظروف المجتمع لأن الأخلاق في نظره أعلى وأرقى من ذلك بمراحل كثيرة وهي أسمى من الخضوع للمحسوسات ورفض أيضا أن يرد الأخلاق الى الدين حتى لا يكون السلوك الأخلاقي في هيئة أوامر دينية خارجية مفروضة على الانسان بوراثة الدينكان التيار المادي قد بدأ ينتشر في أوروبا بعد عصر النهضة وبعد اكتشافات "
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
أراد شافتسبري أن يجعل السلوك الأخلاقي مستقلا بذاته ونابعا من الزام داخلي في الانسان وسمتهدفا حب الفضيلة لذاتها فقال بوجود " حاسة خلقية " عند الانسان كامنة في داخله وهي التي تجعله يميز بين الخير والشر وتدفعه الى عمل الخير وتحاشي الشر تلقائيا ودون أي تبرير
خصائص الحاسة الخلقية
معنوية باطنية :- ان الحاسة الخلقية ليست مادية مثل حواس الانسان الخمسة المشهورة وانما هي حاسة معنوية باطنية كامنة داخل الانسان وأقرب شبها بالحاسة السادسة التي يقول بها بعض الناس زهي أيضا تشبه الحاسة الجمالية عند الانسان
فطرية عامة :- ان الحاسة الخلقية ليست مكتسبة وانما هي فطرية يولد الانسان مزودا بها ولذلك فان أحكامها الأخلاقية عامة مطلقة وهي توجد في النوع الانساني فقط دون الأنواع الأخرى من الحيوانات
يمكن تنيمتها :- ان الحاسة الخلقية يمكن تنميتها عند الانسان بالتربية الحسنة والبيئة الطيبة ويمكن القضاء عليها بسوء التربية وانحطاط البيئة
تلقائية في تمييز الخير :- ان الحاسة الخلقية تؤدي تلقائيا الى ادراك الخير وتمييزه عن الشر من خلال الحدس المباشر ودون أي تفسير أو تبرير
مستقلة بذاتها :- ان الحاسة الخلقية مستقلة بذاتها دون أن ترتبط بأي مؤشرات أخرى مثل المصلحة الخاصة ولا ترتبط بالعقل ومباديء المنطق لأنها بطبيعتها وجدانية تقوم على الحدس المباشر لخيرية الفعل
تحمل جزائها في باطنها :- ان الحاسة الخلقية تحمل في ثنايا ذاتها الباطنية الجزاء الأخلاقي لصاحبها.. فان قيامي بفعل كذا يتوافق مع الحاسة الخلقية يحقق لي الشعور بالراحة النفسية والرضا الداخلي أما عكس ذلك فيسبب لي الضيق والألم الداخلي
بعض الأمثلة لمظاهر الحاسة الخلقية
ذكر شافتسبري العديد من الأمثلة التي توضح وجهة نظره في الحاسة الخلقية ومنها المثال التالي عن حب النظافة وكيف أنه يشبه تماما حب الخير المقصود في مذهبه
اذا سألني شخص لماذا تتجنب أن تكون قذرا وأنت بعيد عن الناس ؟ قلت له انني أحب النظافة لذاتها ولأن لي أنف تشمئز من شم القذارة
فاذا قال لي افترض أنك مصاب ببرد شديد وأن أنفك لا يستطيع أن يشم الروائح . . قلت له انني مجرد رؤية نفسي قذرا أتضايق وأسعى لأن أكون نظيفا لكي أشعر بالراحة
فاذا قال لي افترض أيضا أنك في مكان مظلم جدا لا ترى فيه جسمك مطلقا وذلك الى جانب عدم قدرتك السابقة على الشم . . قلت له انني في هذه الخالة سأظل أنفر من الذارة لأن احساسي الداخلي بأنني قذر سوف يسبب لي النفور والضيق والاشمئزاز الا اذا كانت طبيعتي نفسها فاسدة بسبب سوء التربية منذ الطفولة وأنا حينئذ لن أحترم نفسي
وينتقل شافتسبري من هذا المثال الى ذكر أمثلة أخرى متنوعة في مجال الأخلاق يؤكد بها ضرورة أن يمارس الانسان الخير ويطلب الفضيلة لذاتها تحقيقا للراحة النفسية الداخلية
فيقول ان الانسان لابد أن يكون شريفا مهما كانت أمامه الفرصة ليكون دنيئا ولو بعيدا عن الناس كذلك لا بد أن يحب الانسان الأمانة والعدل وغيرهما من الفضائل الأخرى لأن طبيعة الانسان وحاسته الخلقية الداخلية تدفعه تلقائيا الى هذه الفضائل التي يدركها بالحدس المباشر والتي تحمل في ذاتها جزاءها المتمثل في الشعور بالراحة النفسية والرضا الداخلي
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
تعرض هذا المذهب لكثير من أوجه النقد وفيما يلي أهم ثلاثة انتقادات وجهت لهذا المذهب
الوجدان نسبي متغير :- ان تأسيس الأخلاق على الوجدان ورد الالزام الخلقي الى العاطفة والاعتماد على مصدر داخلي فردي يؤدي الى ان تصبح الأحكام الخلقية فردية نسبية متغيرة لأن العاطفة نسبية والوجدان متغير والفرد متعدد ومن ثم فانها لا تصلح لتأسيس قانون أخلاقي عام يتفق عليه جميع البشر
خطأ فصل الأخلاق عن الدين :- هاجم رجال الدين دعوة شافتسبري الى فصل الأخلاق عن الدين واصراره على استبعاد الجزاء الديني للفعل الأخلاقي وكانت حجتهم في ذلك أن ترغيب الناس في الجنة وترهيبهم بالنار له فعالية أكثر مما لو تركناهم لشعورهم الداخلي واحساسهم الذاتي بالفضيلة بعيدا عن الدين
من الخطأ القول أن ممارسة الفضيلة لا تتطلب أي عناء :- ان الفضيلة في جوهرها انكار للذات وهذا الانكار يأتي بعد معاناة من الفرد للتغلب على الأنانية والسعي الى تحقيق الفضيلة وحيث يصبح الانسان حينئذ أخلاقيا عن جدارة لكن شافتسبري قرر في مذهبه أن الانسان بطبيعته فاضل ومن ثم فانه يؤدي سلوكه الأخلاقي تلقائيا دون أية معاناة لذلك لا يكون للانسان أي فضل على نفسه في ممارسة الخير بينما تقوم الأخلاق الحقيقية على الارادة الانسانية المقصودة والناتجة عن المعاناة
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
" أبو علي بن يعقوب " الملقب بـ " مسكويه " ولد عام 932م وتوفي عام 421 هجرية أي 1030م اشتهر في بغداد حيث عاش في ظل ازدهار الحضارة الاسلامية ووضع مذهبا متكاملا في النفس الأخلاق أساسه السمو والارتقاء بالأخلاق الى المستوى العقلي الذي يميز الانسان عن الحيوان وقد صاغ هذا المذهب في واحد من أشهر كتبه المعروفة في التراث الاسلامي وهو كتاب " تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق "
كان الاتجاه العام السائد في ذلك الوقت خلال عصر مسكويه هو محاولة التوفيق بين الفلسفة اليونانية والدين الاسلامي فقد أدت حركة ترجمة التراث اليوناني الى انتشار فلسفة أفلاطون وأرسطو على الخصوص في العالم الاسلامي فتأثر بها فلاسفة الاسلام وحاولوا التوفيق بينها وبين الدين الاسلامي باعتبار أن كليهما يقوم على مبدأ واحد مشترك وهو العقل
قام مسكويه بمحاولته في وضع مذهب أخلاقي اسلامي تأثر في بعض جوانبه بتقسيمات النفس وفضائلها عند أفلاطون وأرسطو ثم زاد عليه الطابع الاسلامي الذي يرتكز على جانبين متكاملين الأول السمو بالأخلاق الى أرقى ما يميز الانسان وهو العقل والثاني ضرورة أن ترتبط تلك الأخلاق العقلية للفرد بالحياة الاجتماعية للبشر
يذهب مسكويه الى أن النفس الانسانية تنقسم الى ثلاث قوى أساسية لكل قوة وظائفها الخاصة
القوة الشهوانية :- ويسميها " البهيمية " نسبة الى البهائم ووظيفتها اشباع حاجات الجسد المادية فقط كالمأكل والمشرب وهو أدنى قوى النفس
القوة الغضبية :- ويسميها " السبعية " نسبة الى السباع ووظيفتها الانفعال والغضب واستخدام القوة وهي أوسط قوى النفس
القوة العاقلة :- ويسميها " الناطقة " نسبة الى النطق المميز للانسان ويسميها أيضا " الملكية " بفتح الميم نسبة الى الملائكة ووظيفتها التفكير والتعقل وادراك الحقائق وهي أرقى قوى النفس
واذا كانت القوى ثلاثا فأدناها النفس البهيمية وأوسطها النفس السبعية وأشرفها النفس الناطقة والانسان انما صار انسانا بافضل هذه النفوس أعني الناطقة وبها شارك الملائكة واختلف عن البهائم وأشرف الناس من كان حظه من هذه النفس أكثر وانصرافه اليها اتم وأوفر .. ومن غلبت عليه احدا النفسين انحط عن مرتبة الانسانية بحسب غلبة تلك النفس عليه "
ثم يسترسل مسكويه قائلا " فانظر أين تضع نفسك وأين تحب أن تنزل من المنازل التي رتبها الله تعالى للموجودات فان هذا أمر موكول اليك ومردود الى اختيارك فان شئت فانزل في منازل البهائم فانك تكون منهم وان شئت فانزل في منازل السباع فانك تكون منهم وان شئت فانزل منازل الملائكة وكن منهم "
جعل مسكويه لكل قوة من قوى النفس الثلاث السابقة فضيلة خاصة بها تتوافق مع طبيعتها ووظيفتها وذلك كما يلي
القوة الشهوانية وفضيلتها العفة وهي تنتج عن السخاء القوة الغضبية فضيلتها الشجاعة وهي تنتج عن الحلم القوة الناطقة فضيلتها الحكمة وهي تنتج عن العلم
وعندما يستطيع الانسان اشباع تلك القوى الثلاث بطريقة معتدلة تظهر حينئذ فضيلة رابعة هي " العدل " وبذلك تصبح الفضائل الاساسية في الأخلاق عند مسكويه أربعة هي " العفة والشجاعة والحكمة والعدل " وتتسم الفضائل عند مسكويه بالتوسط والاعتدال فهو يعرف الفضيلة بأنه وسط بين رذيلتين أو طرفين مذمومين
ويتبع مسكويه رأيه قائلا "
فضيلة العفة :- وسط بين الشره والخمود " أي انعدام الرغبات "
فضيلة الشجاعة :- وسط بين الجبن والتهور
فضيلة الحكمة :- وسط بين السفه والبله
فضيلة العدالة :- وسط بين الظلم والانظلام " أي تحمل الظلم "
وتكتمل الحياة الأخلاقية عند الانسان عندما يسمو بنفسه ويرتقي من القوة الشهوانية والقوة الغضبية الى القوة الناطقة وفضيلتها الحكمة لأن العقل هو الذي يميز الانسان عن الحيوان ومن ثم يجب أن تؤسس الأخلاق على تلك القوة العقلية وتصبح اللذات المعنوية هي الخير الحقيقي والهدف المطلوب في الأخلاق السامية أما اللذات الحسية المرتبطة بالقوة الشهوانية فليست خير على الاطلاق لأنها مشتركة مع الحيوان
" وأن من رضي لنفسه بتحصيل اللذات البدنية وجعلها غايته وأقصى سعادته فقد رضي بأخس العبودية لأخس الموالي لأنه جعل نفسه الكريمة العاقلة التي يناسب بها الملائكة جعلها عبدا للنفس الدنيئة الشهوية التي يناسب بها الخنازير وخسائس الحيوانات "
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
لكن هل يا ترى ذلك السلوك الأخلاقي الخير والقائم على القوة العقلية للانسان يمكن أن يظهر عند الفرد في حالة انعزاله عن الجماعة ؟
يجيب مسكويه على ذلك بالنفي تماما وهو يرى أن الخير الأسمى والسلوك الأخلاقي والفضائل الانسانية لا تتحقق ولا تظهر في حياة الفرد المنعزل عن الجماعة وانما لابد أن يكون ذلك الفرد عضوا في المجتمع لكي يمكن حينئذ وصف سلوكه بالأخلاقية والفضيلة أو باللا أخلاقية وانعدام الفضيلة ان الانسان عند مسكويه مدني بالطبع اجتماعي بالفطرة بالاضافة الى أن الاسلام دين عقلي اجتماعي يرفع من قدر اجتماع المسلمين في الصلاة والحج وتعمير الأرض والتراحم بين أفراد المجتمع..
لذلك أكد مسكويه عن أن السلوك الأخلاقي للفرد لا يظهر الا في ظل الحياة الاجتماعية وأن الفضائل الأساسية وهي العفو الشجاعة والحكمة والعدالة يرتبط ظهورها بتواجد الفرد في المجتمع وتتحدد في علاقات الأفراد الآخرين ولا تظهر في حياة الراهب أو الزاهد المنعزل وحيدا وبعيدا عن المجتمع
مما سبق يتبين لنا أن مسكويه وضع مذهبا اسلاميا في الأخلاق وهي محاولة طيبة الا أن سهام النقد وجهت اليه وذلك كما يلي
مسكويه تأثر كثيرا برأي أفلاطون في أقسام النفس ورأي أرسطو في الفضائل دون ان يدخل عليها أية تعديلات جوهرية جديدة
كان يمكنه ان يستخلص من القرآن الكريم مذهبا جديدا ومتكاملا في الأخلاق النظرية والعملية لكنه اكتفى ببعض الجوانب الاجتماعية البسيطة في الاسلام وترك كثيرا من الجوانب الأخلاقية الغزيرة
جعل الفضائل الأخلاقية محددة في قوالب ثابتة وصور جامدة بينما تتسم الحياة الأخلاقية في حقيقتها بالحيوية والنشاط والطاقة المتجددة
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
يعتبر الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط من كبار الشخصيات المؤثرة في تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة ومن أبرز مؤسسي المذهب العقلي في الفلسفة عامة عاش في ألمانيا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في الفترة ما بين " 1724 - 1804 " وتأثر بالظروف التي كانت سائدة في ذلك العصر الى جانب تأثره أيضا بنشأته الدينية الصارمة وتربيته العقلية الدقيقة
كان العلم الطبيعي حتى عصر كانط قد أحرز تقدما كبيرا خاصة على يد نيوتن الذي اكتشف قوانين الجاذبية وغيرها من القوانين الأخرى التي تفسر حركة الفلك بطريقة دقيقة وكان أساس هذا التفسير العلمي هو فكرة المطلق حيث قرر نيوتن أن الجسم يظل يسير في حركة مطلقة الا اذا أثرت فيه قوة أخرى ومن هنا بدأت هذه الفكرة عن المطلق تزداد قيمة وتأثيرا في المذاهب الفلسفية التي بدأت تنتشر في ذلك العصر والتي كان من بينها مذهب كانط العقلي
بالاضافة الى ذلك كانت التحليلات الرياضية قد ازدهرت في مختلف فروع الرياضيات في نفس ذلك العصر وأصبحت تلك التحليلات الرياضية تمثل الدقة الرياضية التامة التي لا تتوافر في أية معرفة أخرى وقد انبهر الفلاسفة بقوة اليقين الرياضي وحاولوا أن يسيروا على طريقه في فلسفاتهم وحيث كان كانط واحدا منهم وأراد أن يضفي اليقين الرياضي على مذهبه الفلسفي العقلي
والى جانب ذلك كله كانت ظروف نشأة كانط الصارمة من العوامل المؤثرة في تكوين فلسفته فقد كانت كانت نشأته العائلية دينية وتعليمه الثانوي دينيا أيضا وفي التعليم الجامعي جمع بين دراسة اللاهوت والفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية وكانت حياة الشخصية مثالا للدقة المتناهية والتنظيم التام والصرامة القوية حيث أثرت هذه الظروف السابقة كلها على تفكيره وأصبحت فلسفته تتسم بالتشدد ورفض أي استثناء
كان من محصلة الظروف السابقة كلها أن أصبحت فلسفة كانط تتسم بالسمات التالية :- العقلانية المطلقة " من العلم الطبيعي " اليقين الرياضي التحليلي " من العلم الرياضي " التشدد والصرامة " من حياته ونشأته العائلية وخرج من ذلك بفلسفة جديدة أطلق عليها اسم " الفلسفة النقدية " أو " المذهب النقدي "
ان هذا المذهب عند كانط عبارة عن منهج عقلي هدفه كشف المباديء الأساسية الكامنة في العقل الانساني عامة والتي تقوم عليها كل معرفة ممكنة
العقل عند كانط تم تقسيمه الى ثلاثة أقسام رئيسية العقل النظري " للمعرفة والعلم " العقل العملي " للاخلاق والدين " والعقل الجمالي " للفن والجمال " وفي مجال العقل العملي استهدف كانط بمنهجه النقدي التحليلي كشف المباديء الأساسية والشروط العامة التي يقوم عليها السلوك الأخلاقي الصحيح
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
الواجبقرر كانط أن هو المحور الأساسي للأخلاق والانسانية وهو مصدر الالزام وأن من الخطأ رد الالزام الى سلطة خارجية كالدين أو القانون أو المجتمع وانما يجب أن تكون السلطة داخلية تتمثل في الواجب العقلي ورأى كانط أيضا أن من الخطأ رد الالزام الخلقي الى الوجدان والعاطفة لأن الأحكام الخلقية ستكون حينئذ نسبية متغيرة بسبب سرعة تغير المشاعر الوجدانية وتقلبها عند الانسان وانما يجب أن تأسيس الأخلاق على مباديء العقل المطلق والتي تتمثل في فكرة الواجب ..
وقد رأى كانط أن تحليل مفهوم الارادة الخيرة يرتد بنا الى مبدأ أساسي واحد وهو الوجب الذي تنبع منه كل الأفعال الأخلاقية للانسان العاقل صاحب الارادة أما الأفعال العفوية التي تصدر عن الانسان بدون ارادته فانها لا تحمل أي قيم أخلاقية حتى لو حققت مصادفة بعض الأعمال الخيرة
تعريف الواجب عند كانط هو ضرورة أداء الفعل احتراما للقانون العقلي في ذاته فالواجب هنا مرادف للقانون والقانون المقصود هنا هو العقل بمبادئه المطلقة . . ان كل شيء في الوجود يسير وفق قوانين محددة تتناسق مع طبيعة هذه الأشياء وبما أن طبيعة الانسان هي العقل لذلك فان القوانين التي يجب أن يسير عليها الانسان في حياته وأخلاقه يجب أن تقوم على مباديء العقل وبذلك يصبح القانون الأخلاقي هو نفسه القانون العقلي عند الانسان
وتأسيسا على هذا المذهب العقلي للواجب الخلقي ميز كانط بين نوعين من الأوامر العقلية في المجال الأخلاقي . . أوامر شرطية وأوامر مطلقة
الأوامر الشرطية
هي التي يرتبط تنفيذها بشرط معين لذلك يكون الفعل الخلقي فيها مجرد وسيلة لتحقيق أهداف أخرى ومثل هذه الأوامر لا تصلح لتأسيس الأخلاق التي يجب أن تكون مطلوبة في ذاتها ومن أمثلة هذا النوع من الأوامر :-
اذا أردت أن تدخل الجنة في الآخرة أحسن الى الفقراء في الدنيا وأعمل أعمالا صالحة اذا أردت أن تحصل على تقدير المجتمع امتنع عن الكذب وقل الصدق دائما
الأوامر المطلقة
هي التي تخلو من أي شرط وتكون مطلوبة لذاتها ونابعة من العقل لذلك فانها هي وحدها تكون الأفعال الخلقية الحقيقية وللتمثيل لها سنذكر نفس المثالين السابقين بعد تجريدهما من الشرط ليصبحا أوامر مطلقة وذلك كما سأذكر
أحسن الى الفقراء واعمل أعمالا صالحة امتنع عن الكذب وقل الصدق دائما
الخصائص الأساسية للقانون الخلقي
نستخلص من العرض السابق أهم الخصائص المميزة للقانون الخلقي عند كانط والذي يقصد به الواجب
القانون الخلقي أو الواجب الكانطي مثالي عام ومطلق لأنه نابع من العقل الانساني ومتوافق مع طبيعته
القانون الخلقي العقلي صارم لا يسمح بأي استثناءات في الحياة الخلقية ولا يرتبط بالتجارب الفردية المتغيرة
القانون الخلقي أي الواجب مطلوب لذاته وليس لوسيلة لتحقيق أهداف أخرى أبعد منه كالحصول على المنفعة أو اللذة
القانون الخلقي ليس مشروطا بأي شرط والا فقد حينئذ السمة الأخلاقية وانحرف عن مباديء العقل المطلق
القانون الخلقي يفترض توافر حرية الارادة عند الانسان الذي يختار بارادته العاقلة أفعاله الخلقية وبدون تلك الحرية لا يكون السلوك أخلاقيا فالحرية عند كانط هي شرط أساسي لقيام الأخلاق الحقيقية
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
كانط " ونبل غايته في الارتقاء بالأخلاق الانسانية الا أن كثيرا من الفلاسفة وجهوا الى مذهبه سهام النقد والتي من أهمها
رغم سمو هدف "
ان الواجب بأوامره المطلقة لا يساعد الانسان العادي في حياته اليومية الواقعية على تدبير شئونه العملية لأن الواجب هنا يأخذ شكلا مثاليا متطرفا
يتصف الواجب الأخلاقي عند كانط بالصرامة العقلية الجامدة ويستبعد تماما العواطف الانسانية والخوف من الله وهذه خصائص انسانية طبيعية لها تأثيرها الواضح في سلوكنا ولا يمكن استبعادها بسهولة من حياة الانسان لكي نجعل العقل وحده بصرامته الجامدة يتحكم في سلوكنا الأخلاقي
ان رفض الاستثناءات في القواعد الأخلاقية يعني أن الظروف لابد أن تأتي دائما مواتية لمباديء العقل لكن في بعض الأحايين تكون الظروف عكس ذلك وتحتاج الى استثناء ويكون هذا الاستثناء أيضا من صميم الفعل الأخلاقي فمثلا عندما يقع الجندي أسيرا في أيدي الأعداء فانه لابد أن يكذب عليهم حتى لا يفشي أسرار وطنه الحربية لكنه من وجهة نظر كانط يجب أن يقول الصدق ويفشي أسرار وطنه للعدو ليصبح بذلك رجلا أخلاقيا مثاليا يقول الصدق لذاته دون أية منفعة
وكذلك الحال مع الطبيب الذي قد يضطر الى الكذب على المريض ويخفي عنه حقيقة مرضه الخطير التي لو عرفها لازدادت مضاعفات المرض وقد تؤدي به الى الموت . . ان الاستثناء هنا مطلوب أخلاقيا لكن كانط لا يقبل ذلك اطلاقا ولا يرضى للطبيب أن يكذب أبدا
هاجم رجال الدين فلسفة كانط الأخلاقية . . لأنه جعل الالزام الخلقي يصدر من العقل وحده دون النظر لأوامر الدين ودون خوف من عقاب الله وهذا يعني الاكتفاء بالعقل والاستغناء عن الدين الذي أنزله الله تعالى لتنظيم حياة الناس وأخلاقياتهم
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
من أعظم فلاسفة اليونان تتلمذ على يد أفلاطون في أكاديميته حوالي عشرين عاما يحاور أستاذه ويأخذ عنه ويتعلم منه ويتدرب على مهنة المعلم في حضور وغياب أستاذه وكان بارعا لدرجة جعلت أفلاطون يطلق عليه لقب " عقل " المدرسة ويلقبه بالقراء أي كثير الاطلاع
يعد أرسطو أول من وضع مذهبا فلسفيا في الأخلاق وقد حاول أن يوفق بين الواقع الأخلاقي كما يعيشه الناس ويفهمونه وبين المثال الأخلاقي الذي يطمع هو الى أن يرتقي اليه هؤلاء الناس ويسلكون طريقه حتى يقتربوا من الصورة المثالية للانسان الفاضل الكامل
بدأ أرسطو نظرياته الأخلاقية بالتأكيد على أن بالانسان جانب عاقل وجانب غير عاقل وأن الأخلاق عند الانسان تبدأ حينما يستطيع الجزء العاقل السيطرة على الجزء الغير العاقل والحد من تطرفه وميله الى الشهوانية الحسية ولقد آمن أرسطو بأن الفضيلة مكتسبة وليست فطرية الا أنه يؤكد أن الفضيلة ينبغي أن يكون لها ماهية ثابتة متفق عليها ولا يمكن أن تكون نسبية تختلف من شخص الى آخر
الفضيلة هي ذلك الفعل المكتسب الذي بفضله يتحسن سلوك الفرد ويسمو فوق غرائزه وانفعالاته ويميز أرسطو بين الفضائل الأخلاقية العملية التي تمكن الانسان من أن يعيش حياة اجتماعية وسياسية سليمة وبين الفضائل التي يمارسها الانسان بوصفه انسانا يريد أن يحقق ماهيته وأهم وظائفه وأهمها وهي التأمل والتفكير
الفضيلة الأخلاقية
استند أرسطو في بيان معناها على تعريفه للفضيلة بأنها " الحد الوسط بين طرفين كلاهما مرذول فالقتل رذيلة وبعض الأفعال ليست لها وسط والكذب رذيلة " وأكد تعريفه هذا من تحليل الفضائل الأخلاقية المختلفة فالشجاعة هي الحد الوسط بين الجبن والتهور والكرم بين البخل والاسراف وهكذا تكون الفضيلة الأخلاقية أيا كان اسمها وسط بين طرفين أحدهما افراط والآخر تفريط
فالسلوك الأخلاقي القويم يبدأ بتقدير هذا الوسط بين الافراط والتفريط جيدا ثم يقوم بالفعل الفاضل على هذا النحو وباستمرار أما مسألة تقدير الوسط فهي ترجع للتقدير الشخصي وبصورة عامة فان اكساب الفرد الفضيلة يكون بمحاولة التوسط بين الطرفين المرذولين اذا كان المرء بطبيعته معتدلا أما اذا كان بطبيعته وفطرته يميل الى أحد الطرفين فيكون اكتسابه للفضيلة كحد وسط بالاتجاه نحو الطرف الآخر
وبالرغم من هذا الا أن أرسطو قد نبه الى أن هناك فضائل أخلاقية لا تقبل أو لايمكن أن تكون وسطا لرذائل مثل الصدق فهو دائما ضد الكذب كما نبه الى أن هناك رذائل لا يصح أن تكون أطرافا لفضائل مثل السرقة والزنى والقتل فهي رذائل على طول الخط
الفضيلة النظرية
يؤكد أرسطو أن الفضائل الأخلاقية لا تحقق ماهية الانسان في نظره لأنها تتم بتحكم الجزء العاقل من الانسان في الجزء الشهواني غير العاقل منه ويبقى أن تكون هناك فضيلة خاصة بالعقل وهي الفضيلة النظرية فضيلة التأمل النظري باعتبارها فضيلة العقل لقد خلق العقل الانساني لا ليتحكم في أفعالنا ويوجهها فقط بل ليتأمل ويفكر فالتأمل والتفكير هما الوظيفة الأساسية للعقل ومن هنا كان تفضيل أرسطو للفضيلة النظرية على الفضائل الأخلاقية
أما السبب الذي جعل أرسطو يعلي من شأن هذه الفضيلة هو أنها السبيل الوحيد أمام الانسان ليعرف أسرار الوجود ويعرف الاله فلولا التأمل في الكون والتساؤل عن أسرار الوجود لما استطاع الانسان أن يعرف مبدع الوجود وعلته الأولى " الله سبحانه وتعالى "
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
أرسطويعد أول من وضع مذهبا فلسفيا في الأخلاق وقد حاول أن يوفق بين الواقع الأخلاقي كما يعيشه الناس ويفهمونه وبين المثال الأخلاقي الذي يطمع هو الى أن يرتقي اليه هؤلاء الناس ويسلكون طريقه حتى يقتربوا من الصورة المثالية للانسان الفاضل الكامل
والفضيلة عنده هي ذلك الفعل المكتسب الذي بفضله يتحسن سلوك الفرد ويسمو فوق غرائزه وانفعالاته ويميز أرسطو بين الفضائل الأخلاقية العملية التي تمكن الانسان من أن يعيش حياة اجتماعية وسياسية سليمة وبين الفضائل التي يمارسها الانسان بوصفه انسانا يريد أن يحقق ماهيته وأهم وظائفه وأهمها وهي التأمل والتفكير أراد شافتسبري أن يجعل السلوك الأخلاقي مستقلا بذاته ونابعا من الزام داخلي في الانسان وسمتهدفا حب الفضيلة لذاتها فقال بوجود " حاسة خلقية " عند الانسان كامنة في داخله وهي التي تجعله يميز بين الخير والشر وتدفعه الى عمل الخير وتحاشي الشر تلقائيا ودون أي تبرير
قام مسكويه بمحاولته في وضع مذهب أخلاقي اسلامي تأثر في بعض جوانبه بتقسيمات النفس وفضائلها عند أفلاطون وأرسطو ثم زاد عليه الطابع الاسلامي الذي يرتكز على جانبين متكاملين الأول السمو بالأخلاق الى أرقى ما يميز الانسان وهو العقل والثاني ضرورة أن ترتبط تلك الأخلاق العقلية للفرد بالحياة الاجتماعية للبشر
تعريف الواجب عند كانط هو ضرورة أداء الفعل احتراما للقانون العقلي في ذاته فالواجب هنا مرادف للقانون والقانون المقصود هنا هو العقل بمبادئه المطلقة . . ان كل شيء في الوجود يسير وفق قوانين محددة تتناسق مع طبيعة هذه الأشياء وبما أن طبيعة الانسان هي العقل لذلك فان القوانين التي يجب أن يسير عليها الانسان في حياته وأخلاقه يجب أن تقوم على مباديء العقل وبذلك يصبح القانون الأخلاقي هو نفسه القانون العقلي عند الانسان
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 52
وفي الختام لا نقول وداعا ولكن نقول الى اللقاء ونختم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
" سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا اله الا أنت نستغفرك ونتوب اليك "
المصادر
موسوعة ويكبيديا الحرة كتاب الفلسفة والمنطق للثانوية العامة كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق . . لابن مسكويهالأخلاق هي شكل من أشكال الوعي الإنساني كما تعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين
أحمد الهاشمي مدير عام
عدد المساهمات : 10896 نقاط : 13569 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 03/04/2010