واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 فتوحات العراق وفارس

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 11:25

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 12:21

نتابع بشغف استاذة

شجرة الدر

مجهود طيب

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:51

شكرا على الاهتمام والمتابعه

احترامى وتقديرى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:54




بعد القادسية




مقدمة




في
الدرس السابق ذكرنا أن هناك معادلة إذا تحققت تحقق النصر، وهي الإيمان
بالله
والأخذ بالأسباب؛ فإذا تحقق هذان العاملان تم النصر للمسلمين على من ناوأهم
من
المشركين، مهما كانت قوتهم وعدتهم بالمقارنة لقوة
المسلمين.

وتحدثنا
فيه عن الإيمان بالله، وكيف كان متعمقًا في داخل كل جندي في الجيش من أصغر
جندي
حتى قائد الجيوش سيدنا سعد بن أبي وقاص، وحتى قائد الأمة الإسلامية في ذلك
الوقت
سيدنا عمر بن الخطاب ، فكل وصية من وصاياه كانت تحمل معنى كبيرًا من
الإيمان، وكل رسول
إلى يزدجرد أو غيره من قواد الفرس كان ينقل لهم تلك المعاني، وكل جندي بسيط
من
جنود المسلمين كان يحمل الإيمان بين جنبيه ويُفهَم ذلك من كلامه، وكل شيء
أمامه
واضح فهو في المعركة يبتغي إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة؛ وبذلك حقق
المسلمون الجانب الأول، والعامل المهم للانتصار في المعركة.


الأخذ بالأسباب من عوامل النصر




ونذكر
بإيجاز العامل الثاني في تحقيق النصر، وهو الأخذ بالأسباب:

لقد
أخذ المسلمون بكل الأسباب في هذه المعركة حسب طاقتهم،
وعملاً بقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:
60].

فقد
أعدوا العدة حسب الطاقة، وبدأ المسلمون التجهيز للمعركة في بدايات العام
الخامس
عشر الهجري، ووقعت الموقعة في شهر شعبان من
العام نفسه، فاستغرق التجهيز للمعركة تسعة أشهر ونصف.

وقد
أعدَّ سيدنا عمر بن الخطاب لهذه المعركة أكبر قوة للمسلمين، فلم يسمع ببطل
من
أبطال المسلمين في الجزيرة العربية إلا ألحقه بهذا الجيش، وأمدَّ الجيش
بالأسلحة
والأموال والخيول والعتاد، وألحق بالجيش الأطباء والشعراء والخطباء، ومن
لهم كلمة عند الناس،
ومن لهم سطوة وكل أمير، وأرسل في طلب المدد أيضًا من الشام بعد أن كتب الله
النصر
للمسلمين في الشام على الروم. واستنفد كل الطاقات البشرية لتجهيز الجيش
الإسلامي
في القادسية، وخرج بنفسه في بداية الأمر على رأس الجيش،
لولا أن نصحه الصحابة بالبقاء في المدينة حتى لا يهلك المسلمون بهلكة عمر
بن
الخطاب إذا قتل في موقعة القادسية، واستبدل بخروجه
سيدنا سعد بن أبي وقاص من صحابة النبي وخامس من أسلم، وصاحب القدر
العظيم في الإسلام.

وبعد
الإعداد والتجهيز أخذ المسلمون في وضع خطة مناسبة، وفي وضع الخطة كان هناك
آراء من
سيدنا عمر بن الخطاب، والمثنى بن حارثة، وكل من دخل أرض العراق أن يكون
القتال على
أرض الصحراء.

واختار
المسلمون القادسية مكانًا للمعركة رغم شدة هذا الأمر عليهم، فعسكروا في هذا
المكان
النائي في الصحراء منتظرين عبور الفرس إليهم ليحاربوهم على أبواب الصحراء
كما وضعت
الخطة، رغم بطء تقدم الفرس، فكانت الجيوش الفارسية تتقدم من المدائن بمعدل
كيلو
ونصف الكيلو متر في اليوم، إلا أن المسلمين كان لديهم صبر شديد، ودائمًا ما
أرسل
سيدنا عمر بن الخطاب الرسائل يحث فيها المسلمين على الصبر، وكان ذلك حديث
الخطباء
في القادسية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. فلم
يكن
هناك همجية في القتال أو عشوائية، بل كان أمر
الحرب يسير وفق نظام معين وأُطُرٍ خاصة، حتى إن بعض المسلمين تحمسوا للعبور
للفرس
ودخول المعركة، وكان سيدنا سعد يقابل ذلك بتصبيرهم حتى تأتيهم جيوش الفرس،
حتى إذا
هُزِمَ المسلمون -لا قدر الله- تكون الصحراء من خلفهم يفرون إليها، وإذا
هُزِم
الفرس -بإذن الله- يكون في ظهرهم الأنهار والمستنقعات والأشجار، فيجد الفرس
الصعوبة في الفرار من هذه الأرض المليئة
بالحواجز الطبيعية، وكان ذلك توفيقًا من الله I
في اختيار الخطة والمكان والتوقيت.

ومن
الأخذ بالأسباب في هذه المعركة إلحاق الكفاءة القتالية للمسلمين في هذه
الموقعة،
فالتحق بهذا الجيش أقوى المسلمين كفاءة في القتال، وقد ذكرنا من قبل
الأبطال
المشهورين كالقعقاع بن عمرو، وطليحة بن خويلد الأسدي، وعمرو بن معديكرب،
والرُّبَيْل بن عمرو، وعباد بن بشر، وخالد بن عرفطة، وسيدنا عاصم بن عمرو
التميمي
وغيرهم، وفي المبارزات الفردية في بدايات المعركة كان النصر حليفًا
للمسلمين،
فكانت لديهم مهارات قتالية بجوار قوة إيمانهم؛
مما جعلهم ينتصرون على أقرانهم من الفرس أيًّا كان هؤلاء القرناء، وقد
قُتِل
البيرزان قائد مؤخرة الفرس مبارزةً في بدايات القتال، وقُتِل أيضًا بهمن
جاذويه في
المبارزة.

كما
أن من المهارات القتالية التي سجلت في موقعة القادسية دقة الرمي التي أطاحت
بالفيل
الأبيض وأصابت الفيل الأجرب، فهذه العمليات توضح كفاءة ومهارة المسلمين في
القتال.

ومما
سجل في موقعة القادسية الشجاعة الفائقة، وفي
الحديث عن الشجاعة نذكر موقف طلحة بن خويلد الأسدي،
وإن كان في موقفه شجاعة زائدة قد تكون تهورًا، إلا أننا نذكر أن الجيش
الإسلامي
كانت به كفاءات عالية في جميع مجالات القتال.

ومن
ذوي الشجاعة في موقعة القادسية سيدنا عبد الله ابن أم مكتوم الذي نال
الشهادة وهو
أعمى، وكان يحمل راية المسلمين، وأصرَّ على
حملها في المعركة؛ لأنه لا يستطيع الفرار من المعركة لأنه لا يَرَ.

ونذكر
أيضًا شجاعة سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي،
وأخيه عاصم بن عمرو في اجتياحهما الجيش الفارسي من العمق.

ومن
الأخذ بالأسباب في موقعة القادسية الابتكارات المتكررة، ومن ذلك ابتكارات
القعقاع
بن عمرو في تقسيم الجيش إلى مجموعات؛ لِبَثِّ
الحمية في قلوب المسلمين وبَثِّ الرعب في قلوب الفرس، ثم تسريب الجيش
بالليل
ومجيئه في اليوم الثاني في شكل مدد للجيش الإسلامي، ثم الجمال
المُبَرْقَعة، ثم
الخطط المتكررة في الموقعة حسب الموقف.

ومن
الأخذ بالأسباب في موقعة القادسية الدقة المتناهية في متابعة الأمور، ومن
ذلك ما
حدث أثناء القتال في اليوم الثالث، فقد وصلت أنباء إلى سيدنا سعد بن أبي
وقاص أن
هناك مخاضة في يمين الجيش الإسلامي تُمكِّن الجيش الفارسي من الالتفاف حول
الجيش
الإسلامي، ولا بد أن يقف عليها أحد المسلمين،
فيأمر سيدنا سعد بن أبي وقاص طليحة بن خويلد الأسدي وعمرو بن معديكرب
بالوقوف
عليها، وذلك أثناء احتدام القتال.

ويلاحظ
على الجيش الإسلامي الطاعة للأمير منذ خروجه من المدينة وحتى وصوله
القادسية وفي
أثناء القتال، ولم تظهر مخالفة الأمير ومعصيته إلا في بعض الأمور التي كانت
محدودة
للغاية وذكرنا ذلك بالتفصيل، ويكفي الجيش فخرًا أن تعدّ معايبه وذلك من
قِلَّتها.


حكمة القائد




ونذكر
حكمة سيدنا سعد بن أبي وقاص القائد في التعامل مع معصية الجندي للقائد، وقد
أُثِرَ
في موقعة القادسية أربعة مواقف لهذه المعصية، وكان ردّ سيدنا سعد بن أبي
وقاص
مختلفًا من معصية لأخرى، وذلك بحسب المعصية التي
حدثت من الجندي للأمير.

وأول
هذه المواقف
استكثار عمرو بن معديكرب تولي قيس بن هبيرة إمرته، وذلك
عندما خرج عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد الأسدي في معركة مع الفرس
واشتبكوا في
القتال، وأرسل سيدنا سعد قيس بن هبيرة لينقذ المسلمين وأمَّره على الجيوش
الإسلامية، فاستكثر ذلك عمرو بن معديكرب، وقال: إن زمنًا تكون فيه أميرًا
عليَّ
لزمنُ سوء. فهذا اعتراض على الأمير ولم يصل إلى
المعصية، فرأى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن عمرو بن معديكرب ما زال بنفسه بعض
آثار
الجاهلية، وكان ردُّ سيدنا سعد على هذا الأمر بأن لامه على فعلته، ثم أخرجه
في جيش
تحت إمرة سيدنا قيس بن هبيرة مرة أخرى كنوع من التربية، ثم قال له: كيف
رأيت
أميرك؟ فقال: الأميرُ (يقصد سيدنا سعد بن أبي وقاص) أعلمُ منا بالرجال.

الموقف
الثاني:

مخالفة سيدنا طليحة بن خويلد، ومحاربته للفرس رغم نهي سيدنا سعد بن أبي
وقاص له عن
الاشتراك في قتال مع الفرس إلا بعد أن يأذن له، فما كان من سيدنا سعد بن
أبي وقاص
إلا أن لامه على ذلك بشيء من الرِّقَّة؛ لأنه كان يعلم أن هذا الأمر يبغي
به النصر
للمسلمين ولم يكن فيه استكبار على رأي الأمير، وتأليفًا لقلبه أعطاه سيدنا
سعد بن
أبي وقاص عطايا فوق ما أخذه من أنفال، وقال عنه: إنه من أهل البلاء في
القتال.

الموقف
الثالث:

وكان هذا الموقف في بداية المعركة فقد شغب أبو محجن الثقفي على سيدنا خالد
بن
عرفطة، وكان هذا الأمر شديدًا جدًّا على
المسلمين، فقد عصى الأمير في موقف القتال وأمام الفرس، فحبسه سيدنا سعد بن
أبي
وقاص في قصر قديس مع شدة حاجة المسلمين إليه؛ وكان من أشد المقاتلين ضراوة،
ومن أبسل المسلمين في القتال، وقد اشترك في الموقعة
خلسة من وراء سيدنا سعد بن أبي وقاص.

الموقف
الرابع:

وكانت هذه المعصية من القعقاع بن عمرو التميمي لسيدنا سعد بن أبي وقاص في
ليلة
الهرير في اليوم الثالث من أيام القادسية، وكانت معصيته تتمثل في حملته على
الفرس
بعد التكبيرة الأولى ولم ينتظر التكبيرة الثالثة، وقد فعل ذلك اجتهادًا
منه، فقد غلب على ظنه هجوم الفرس على المسلمين، وأن في
ذلك هلكة للمسلمين، فما كان منه إلا أن سارع
بالهجوم بفرقته على الفرس، فقال سيدنا سعد بن أبي وقاص: اللهم اغفر له
وانصره، قد
أذنت له إذ لم يستأذني.

وهذه
بعض الأسباب التي اسخلصناها من الموقعة، ومن يُعمِل فكره في كل موقف من
مواقف المعركة
سيخرج بفوائد ودروس وعِبَر.

الحرب
النفسية ضد الفرس:


لقد
هُزِمَ الفرس هزيمة نفسية ساحقة كان لها أثر في هزيمتهم في المعركة، وتعددت
عوامل
هذه الهزيمة على الفرس، فمنها: دعوة رسل المسلمين للفرس إلى الإسلام؛ وكان
هذا
الأمر شديدًا على نفوس الفرس. ومن أساليب الحرب
النفسية التي اتخذها المسلمون في المعركة أنهم كانوا يبارزون بأشد
المقاتلين ضراوة
وبأسًا مما فَتَّ في عَضُدِ الفرس؛ لما رأوا
قتلاهم صرعى في بداية المعركة.

ومما
كان له أثر في انهيار عزيمة الفرس وضعف قوتهم قتلى الفرس الذين كانوا في
أرض
المعركة، والاستهانة الشديدة بالموت من قِبَلِ المسلمين، ولقد برهن
المسلمون في
أكثر من موقف على أن الموت أحب إليهم من الحياة،
فكان هذا الأمر له عامل كبير في نفسية الفرس، ويُفهَم هذا الكلام من مقولة
أحد
الجنود -ولم يذكر لنا الرواة اسمه- لرستم: إنك يا رستم لا تُجاول الإنس،
ولكن تُجاول
القضاء والقدر. مع أن هذا الجندي كان أسيرًا ولم
يكن مؤَمَّنًا على دمه، وبالفعل قتله رستم واستشهد .


الطريق إلى المدائن




ولم
يكن غرض المسلمين من موقعة القادسية أو أي موقعة أخرى إبادة الخصم ثم
الرجوع إلى
مكة أو المدينة كما كانت تفعل العرب من قبل، وكما حدث في موقعة ذي قار،
وكانت في
مكان قريب من القادسية، وكانت الموقعة الوحيدة التي انتصر فيها العرب على
الفرس،
وبمجرد الانتصار عادوا إلى أماكنهم فرحين بما حققوه من نصر، لكن المسلمين
لديهم
نية فتح بلاد فارس ونشر الإسلام في ربوعها، فبمجرد انتصار المسلمين في
القادسية
بدأ استعداد المسلمين للوصول إلى (المدائن) عاصمة الفرس وعاصمة آل ساسان،
وكانت أعز مدينة هي وعاصمة الروم في ذلك الوقت.

مكث
المسلمون في القادسية شهرين بعد انتهاء موقعة القادسية، وكانت موقعة
القادسية في
منتصف شهر شعبان بداية من يوم الثالث عشر وحتى السادس عشر، وفي هذين
الشهرين تمت
معالجة جرحى المسلمين، وبلغ تعداد شهداء المسلمين في القادسية ثمانية آلاف
وخمسمائة شهيد.

وأعاد
سيدنا سعد بن أبي وقاص ترتيب الجيش والجنود، ومن المدينة كان سيدنا عمر بن
الخطاب
يتابع أخبار الجيش المرابط في الأراضي الفارسية ويرسل لهم المدد، فقد أصبح
فتح
الدول الفارسية وشيكًا بعدما آلت هذه الدولة للسقوط.

وبعد
موقعة القادسية، وهزيمة الجيش الفارسي الكبير الذي بلغ تعداده مائتين
وأربعين ألفًا،
وقَتْل معظم قادته؛ فقد قُتِلَ رستم والجالينوس، وقُتِلَ بهمن جاذوية وقتل
البيرزان وكانوا من أعمدة الجيش الفارسي، ولم يبقَ من قادة الفرس المشهورين
في هذه
المعركة غير الهرمزان ومهران الرازي والفيرزان، وقُتِلَ أربعون ألف فارسيٍّ
في تلك
الموقعة، وكان لذلك الأثر الشديد على القبائل العربية، فبعض القبائل الذين
ترددوا
في الخروج من قبل خرجوا للقتال لمساعدة الجيش الإسلامي في فارس، وبدأت
الإمدادات
تتوالى على سيدنا سعد، وقدمت الرسائل من المدينة بالتحرك من القادسية تجاه
المدائن
لفتحها، وكان صدور هذا الأمر في شهر شوال من
العام السادس عشر من الهجرة، فتحرك الجيش الإسلامي على التعبئة نفسها التي
كان
عليها في القادسية، مع تغيير طفيف، فكان على المقدمة زهرة بن الحُوِيَّة،
وعلى الميمنة عبد الله بن المعتم، والميسرة شرحبيل بن السمط،
وكان على قلب الجيش خالد بن عرفطة الذي كان خليفة سيدنا سعد بن أبي وقاص،
وكانت
هذه التعبئة في موقعة القادسية، فأحدث سيدنا سعد تغييرًا طفيفًا فجعل خالد
بن
عرفطة على مؤخرة الجيوش بدلاً من مذعور بن عدي، وعلى قلب الجيش سيدنا هاشم
بن عتبة
بن أبي وقاص قائد المدد القادم الذي أرسله سيدنا أبو عبيدة بن الجراح من
الشام،
وقاد سيدنا سعد بن أبي وقاص الجيش بنفسه بعد أن شفاه الله من مرضه الذي
ألَمَّ به
في موقعة القادسية، وقدَّم سيدنا سعد بن أبي وقاص زهرة بن الحُوِيَّة إلى
المدائن
مارًّا بمنطقة الكوفة، فكان تحرك الجيش كشكل القطار المقدمة ثم الميمنة ثم
الميسرة
ثم القلب ثم المؤخرة، وكان هذا الترتيب هو الذي يسير به سيدنا سعد بن أبي
وقاص من
مكان إلى مكان آخر، لكثرة الجيش الإسلامي، فقد
وصل عدد الجيش الإسلامي بعد موقعة القادسية -وقبل أن يصل إلى المدائن- إلى
ستين
ألف مقاتل، وهي أكبر قوة إسلامية على ظهر الأرض، فلم يحدث من قبل أن تجمع
هذا
العدد للمسلمين.

تقدمت
مقدمة المسلمين بقيادة زهرة بن الحُوِيَّة، وقابلته فرقة فارسية وذلك قبل
أن يصل
إلى الكوفة لتقاتل الجيش الإسلامي، وكما يقول الرواة: فاجتاحها زهرة بن
الحوية
ووصلت إلى مدينة الكوفة.

وكانت
العرب تطلق على كل أرض حمراء بها حصى صغير الكوفة،
وهذا هو المعنى اللغوي لها، وبعد عام من هذا الوقت أنشأ المسلمون مدينة
الكوفة.

وعسكرت
مقدمة المسلمين في مدينة الكوفة ثم وصلت باقي القوات الإسلامية وعسكرت مع
المقدمة،
ثم أرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص زهرة بن الحوية مرة أخرى إلى المدائن باتجاه
مدينة
(بُرْس)، وكان الجيش يتحرك كتحركه السابق، وقبل أن تصل إلى "برس"
بقليل قابلتها فرقة فارسية أخرى، وكانت هذه الفرقة أكبر من سابقتها، وكان
على رأس
هذه الفرقة (بَصْبَهْرِي) وكان من أمراء هذه المنطقة، وتقاتلت الفرقتين
وبارز زهرة
بصبهري وطعنه؛ فأصابه ولم يقتله ولكنه مات بعدها بأيام في بابل، وبمقتل
بصبهري هزم
الجيش الفارسي في هذه المنطقة، وتقدمت قوات زهرة بن الحوية إلى مدينة برس،
ولما
وصلها أتاه دهقانها -واسمه "بسطام"-
بالصلح، وكان جنود رستم قد عاثوا في هذه المدينة بالفساد أثناء تحركهم من
المدائن
إلى القادسية، وضجَّ أهل برس بالشكوى إلى رستم؛ فقال رستم لجنوده: إن فعل
العرب في
مدينة برس لما دخلوها كان أفضل من فعلكم أنتم، وأن هذا الفعل سيؤدي بكم إلى
الهزيمة. وصدق رستم فقد هزم الفرس بهذه الأفعال.

ويقع
في شمال مدينة برس نهر النيل، وكانت موقعة
البويب بقيادة سيدنا المثنى عند التقاء نهر النيل بنهر الفرات.

وكان
هذا النهر عريضًا يصعب على المسلمين اجتيازه، وحتى يستطيع المسلمين عبوره
أقام لهم
"بسطام"
أمير برس الجسور إظهارًا لولائه وطاعته للمسلمين؛ فعبر المسلمون من برس إلى
منطقة
بابل، وكان ذلك غير متوقع لجنود الفرس في هذه المنطقة التي كان بها تجمع
كبير
للفرس في انتظار الجيش الإسلامي، ولكن لم يتخيلوا أن الجيش الإسلامي سيعبر
إليهم
بهذه السرعة لوجود العائق المائي، وأراد الله I
غير ذلك وكان ما أراد الله.

علم
زهرة بن الحوية بالتجمع الكبير في منطقة بابل؛ فقد أبلغه بذلك بسطام دهقان
برس،
فأرسل سيدنا زهرة بذلك إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص، وكان على رأس هذا التجمع
الفيرزان الذي أصبح قائدًا عامًّا للجيوش الفارسية بعد مقتل رستم، وتعاهدت
الجيوش
الفارسية في بابل على الثبات وعلى الطاعة للفيرزان والقتال، وكان تحت إمرته
في هذه
الموقعة الهرمزان، والنخيرجان وكان من المفترض أن يتولى مكان بهمن جاذويه
إلا أنه
هرب من القادسية، ومهران الرازي، فكان بمنطقة بابل أكبر أربعة قواد في
الدولة
الفرسية، وقد تعاهدوا على عدم الفرار.

وكل
هذه الانتصارات حققتها المقدمة الإسلامية فقط، وتقدمت المقدمة الإسلامية
إلى بابل،
واشتبكت في بابل مع جيش الفيرزان الذي تعاهد على عدم الفرار، وقبل أن يصل
باقي
الجيش الإسلامي هزمتهم المقدمة شر هزيمة، يقول
الرواة: لقد هزمهم المسلمون في أقل من لفة الرداء.
وبعد هزيمتهم في بابل هرب الفرس ليتجمعوا في كُوثَى في شمال بابل، واستنجد
الجيش
الفارسي في بابل بالجيوش الفارسية الأخرى في المناطق المجاورة للدفاع عن
كُوثَى،
ولم تكن الفكرة في الاستنجاد بالقوات الفارسية للدفاع عن كُوثَى، بل كانت
لإعاقة
المسلمين عن التقدم إلى المدائن، فبعد فتح بابل لم يكن بين المسلمين
والمدائن سوى
خمسين كيلو مترًا، بينما تبعد مدينة كُوثَى أربعين كيلو مترًا فقط من
المدائن.

ومن
المدينة يضع سيدنا عمر بن الخطاب خطة لفتح المدائن، ورأى سيدنا
عمر أن تجمُّع الفرس في كُوثَى فيه شدة على المسلمين، ففكر في فتح جبهة
للقتال حتى
يشتت قوى الفرس، وكانت مختلفة تمامًا عن خطة القادسية، فكانت خطة سيدنا عمر
بإرسال
عتبة بن غزوان إلى منطقة الأُبلَّة، وقد جرت بها موقعة من قبل، وكانت تسمى
كاظمة
ثم سمِّيت ذاتَ السلاسل بعد ذلك، وكان قائد المسلمين فيها سيدنا خالد بن
الوليد ،
وكان النصر حليف المسلمين في هذه الموقعة، لكن قبل موقعة القادسية عمل
سيدنا سعد
بن أبي وقاص على جمع الجيوش الإسلامية المتواجدة في أرض فارس إلى القادسية،
فتخلى
المسلمون عن الأُبلّة، ووقعت في أيدي الفرس مرة أخرى، ونجحت خطة سيدنا عمر
بن
الخطاب ففتح الأبلة ببساطة شديدة، لكن الأهم من ذلك فقد استطاعت هذه الفرقة
الصغيرة
التي توجهت إلى الأبلة سحب جزء كبير من الجيش الفارسي بقيادة الهرمزان
للدفاع عن
الأبلة؛ فكانت الباب للدخول إلى منطقة الأهواز
التي يحكمها.

ولما
اقترب المسلمون من كُوثَى وشعر الفرس بالهزيمة التي ستلحق بهم اجتمع أصحاب
الرأي
من قادة الجيش الفارسي فاتفقوا على أن يذهب الهرمزان للدفاع عن أرضه ومكان
حكمه،
وعلى أن يذهب الفيرزان إلى منطقة نهاوند التي تقع في أعماق الدولة
الفارسية، وكانت
بها معظم كنوز كسرى، وكان قد نقلها لما شعر
بقدوم المسلمين إلى المدائن، وانسحب مهران الرازي والنخيرجان إلى المدائن
للدفاع
عن المدائن وتركوا في منطقة كُوثَى شهريار أحد قادة الفرس الشجعان؛ ليدافع
عنها ويعوق مسير المسلمين إلى المدائن.

ومرت
مقدمة المسلمين بمنطقة تسمى الصراة، وانتصر فيها
المسلمون انتصارًا سريعًا على فرقة فارسية صغيرة، ثم تقدمت نحو كُوثَى،
فالتقت
المقدمة مع جيش شهريار قائد الجيش الفارسي في هذه المنطقة، فخرج ليبارز
وكان رجلاً
ضخم الجثة، فنادى في المسلمين قائلاً: ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إليَّ
حتى
أُنَكِّلَ به. فقام إليه زهرة بن الحُوِيَّة،
وقال له: والله كنتُ سأخرج لك، ولكن سأخرج لك
عبدًا حتى إذا فررت منه تكون فررت من عبد، وإذا قتلك يكون قتلك عبدٌ؛
قاصدًا إهانة شهريار، وليس في الإسلام فرق بين عبد
وسيد، ولكن قصد بذلك بَثَّ الرعب والهلع في قلب
هذا القائد وقلب جيشه، فخرج له سيدنا أبو نباتة بن جعشم الأعرجي وكان رجلاً
شديدًا
أيضًا، ويحكي الرفيل بن عمرو الفارسي الذي أسلم،
فيقول: كان شهريار مثل الجمل، فلما رأى أبا
نباتة ألقى الرمح ليعتنقه، وألقى أبو نباتة رمحه وانتضيا سيفيهما، واجتلدا
به ثم
اعتنقا وتصارعا فخرَّا عن فرسيهما، ووقع شهريار على أبي نباتة كالبيت فضغطه
بفخذه،
وبدأ بحل رداء أبي نباتة، فوقع إبهامه في فم أبي
نباتة؛ فقضمه حتى حطم عظامه، فخارت قوته فحمله أبو نباتة، وأخذ خنجره، وكشف
عن
بطنه، وطعنه عدة طعنات حتى قُتِلَ، وبمقتل شهريار انهزم الجيش الفارسي
وتفرق
الجنود في البلاد.

وتقدمت
الجيوش الإسلامية بعد الانتصار في كُوثَى إلى ساباط، وقبل الوصول إلى ساباط
كانت
توجد فرقة تسمى فرقة بوران (وبوران بنت لكسرى،
ووليت عرش فارس في فترة من الفترات، وكانت من أحكم النساء الفارسيات) في
ضاحية من
ضواحي ساباط تسمى مظلم ساباط، وسميت بهذا الاسم لكثافة الأشجار التي تمنع
أشعة
الشمس من الوصول إلى هذا المكان، وكانت فرقة بوران إحدى الفرق الملكية التي
كانت
تقسم كل يوم قبل أن تنام وتقول: لا يزول عرش فارس ما عشنا.
وكان مع هذه الفرقة أسد مدرب على القتال، وأطلقه الفرس على المسلمين في
منطقة
ساباط، فتقدم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى الأسد بقلب لا يعرف الخوف،
وقتله بعدة
طعنات وأرداه قتيلاً، وأثَّر قتل الأسد على كتيبة بوران تأثيرًا شديدًا
التي كانت
تقسم ألا يزول عرش فارس ما عاشوا، وثبتت كتيبة بوران لقتال المسلمين ولم
تفر حتى
قتلت عن آخرها، وبعد انتصار المسلمين على كتيبة بوران وقتل الأسد يرسل
سيدنا سعد
بن أبي وقاص إلى هاشم بن عتبة ويقبّل رأسه تكريمًا له، فينحني هاشم ويقبّل
قدم
سيدنا سعد بن أبي وقاص ويقول له: ما لمثلك أن يقبل رأسي.


فتح المدائن




بعد
الانتصار الساحق الذي حققه المسلمون تقدموا نحو المدائن، ولم يكن بينهم
وبينها سوى
ثلاثين كيلو مترًا، وكان الطريق خاليًا من أي فرق فارسية. وقبل أن نخوض
غمار
الحديث عن فتح المدائن نذكر نبذة عن المدينة،
وسبب تسميتها بهذا الاسم.

"المدائن" : جمع
مدينة فهي عبارة عن سبع مدن، وكانت عاصمة آل ساسان فترة طويلة من الزمان،
وتقع خمس
مدن منها في غرب نهر دجلة، ومدينتان في شرق النهر:

-
مدينة (بَهُرَسِير) وهي أقدم وأكبر المدن السبعة،
وعليها سور كبير وحصين، ومن أشد المدن قوة، وكانت تسمى "المدينة
الدنيا"، وكانت المدينة السابعة تسمى "المدينة القصوى"
في شرق نهر دجلة.

-
مدينة (ماخوذة) وهي متاخمة لمدينة بَهُرَسِير،
وتقع في جنوبها على نهر دجلة.

-
مدينة (درزنيرزان) وهي في شمال منطقة بَهُرَسِير وكأنها داخله.

-
مدينة (ملاش أباد) في جنوب مدينة بَهُرَسِير.

-
مدينة (سلوقية) وتقع في الشمال في غرب نهر دجلة، وقد أنشأها شيرويه كسرى
فارس على
غرار مدينة (أنطاكية) الرومية، وقد أنشأها لما انتصر على الروم في حربه
معهم،
وكانت سلوقية تماثل مدينة أنطاكية تمامًا، حتى
إن كل بيت في أنطاكية له شبيه في سلوقية، وأطلق فيها الحرية الدينية،
وبَنَى فيها كنيسة تشبُّهًا بها، وكان فيها تجمع
كبير من النصارى، وكان بها فرقة يهودية.

-مدينة
(طَيْسَفُون) مقابل مدينة سلوقية.

-مدينة
(أسفنابر) وكانت من أهم المدن في مدينة المدائن؛ لأن بها إيوان كسرى
وبداخله عرش
كسرى، وكان حولها سور ضخم للغاية، وكان بها غابات كثيرة، وفي المنطقة
الشرقية منها
ساحة للغزلان ليصطاد كسرى منه، ويفصل نهر دجلة بين هذه المدن، ويوجد بين
بَهُرَسِير
وأسفنابر جسر عائم؛ ليقطعه الفرس متى أرادوا، وقد قطعوه بالفعل بعد انسحاب
مهران
الرازي والنخيرجان إلى داخل المدينة القصوى ليقطعوا الطريق على المسلمين،
وليعملوا
على عدم تمكينهم من العبور إلى المدائن، وكان بداخل الإيوان يزدجرد الثالث
كسرى
فارس ظنًّا منه أن المسلمين لن يستطيعوا الوصول إلى هذا المكان الحصين.

وكانت
منطقة المدائن التي دخلها المسلمون بكل يسر وسهولة، ممنوعة من الدخول
للأجانب من
نطاق يحيط بها يصل قطره إلى مائة وسبعين كيلو مترًا، وبعض الأماكن إلى
مائتي كيلو
مترٍ.

وكان
بها خمس مدن محيطة بها على بُعْدٍ عظيم، فالقادم
من الغرب يتوقف عند مدينة معينة، والقادم من دمشق يتوقف عند مدينة هيس على
بُعد نحو
مائةٍ وخمسين كيلو مترًا من المدائن، والقادم من الجزيرة العربية يتوقف عند
(عُذَيْب الهَجَّانَات) جنوب القادسية على بعد مائة وسبعين كيلو مترًا من
المدائن،
والقادم من الشرق يتوقف عند مدينة حلوان على بعد مائتي كيلو مترٍ من
المدائن، ولا يستطيع
الدخول إلى المدائن إلا بإذن خاص، وكان لا يدخل إيوان كسرى إلا عدد قليل
جدًّا، ومنهم سيدنا المغيرة بن شعبة من صحابة النبي ، وفي المفاوضات والمناقشات دخل أربعة عشر مسلمًا،
وكانوا رسلاً إلى يزدجرد.

وباقتراب
الجيش الإسلامي تجاه المدائن سقطت مدينتا (ماخوذة) و(ملاش أباد)، فقد تركها
أهلها
متجهين إلى بَهُرَسِير، وبدأ الفرس في تجهيز العُدَّة لقتال المسلمين،
وفوجئ
المسلمون بالأسوار الضخمة العالية والأبراج الحصينة عندما وصلوا إلى مدينة
بَهُرَسِير،
وبين الحين والآخر كانت تخرج بعض الفرق الفارسية على أبواب الحصن لقتال
فرقة من
المسلمين، ثم ترجع إلى الحصن مرة أخرى، وكان المسلمون يصيبون كثيرًا من هذه
الفرق
التي تناوِئُهم، وشدد المسلمون الحصار على مدينة بَهُرَسِير، واستمر الحصار
شهرين
كاملين، ورغم شدة الحصار والضوائق التي مرت بهم لم يستسلم أهلها -كما يقول
الرواة-
حتى أكلوا الكلاب والسنانير (جمع سِنَّوْر: الهِرُّ) من شدة الحصار المفروض
عليهم،
حتى توصل المسلمون إلى سلاح جديد لم يستخدموه من قبل،
واستخدموه لأول مرة في فتوح فارس، وكانت له نتائج كبيرة منها انتصار
المسلمين على
هذه المدينة التي تقع على باب المدائن.

وفي
المقال القادم بإذن الله نعرف طبيعة ذلك السلاح الجديد الذي استخدمه
المسلمون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:55




فتح المدائن









*********



بين فتح المدائن وغزوة الخندق


ذكرنا أنه بعد شهرين من الحصار توصل المسلمون إلى سلاح جديد يعينهم على
فتح هذه المدينة الصعبة؛ فقد أشار بعض الفرس المسلمين على سعد بن أبي وقاص
بأن يستعمل سلاح المنجنيق (والمنجنيق لم يكن معروفًا عند العرب، وهو نوع من
الأسلحة الثقيلة يشبه الدبابات في عصرنا؛ فالمنجنيق جهاز ضخم جدًّا مثل
المقلاع يلقي بالأحجار الضخمة داخل الحصون)، فصنع المسلمون أكثر من منجنيق،
ووضعوها جنبًا إلى جنب على حدود مدينة بَهُرَسِير، وبدءوا في جمع الحجارة
الضخمة ووضعها في مقلاع المنجنيق ورميها على مدينة بهرسير، وبدأت هذه
الحجارة تتخطى السور، وتقع على أهل بهرسير. صبر أهل بهرسير بعض الوقت، ولكن
بعد أن زاد عليهم الضرب، وكثرت أسهم المسلمين المطلقة عليهم بدءوا يفكرون
في الاستسلام، وبالفعل بعدما اقترب الشهران من نهايتهما، خرج رسول منهم
يطلب الاستسلام، ولكن على أساس أن يصبح للمسلمين كل ما هو في غرب دجلة،
وألا يقاتل الفرسُ المسلمين على هذه المنطقة بعد ذلك، وللفرس ما في شرق
دجلة.
وهذا -بلا شك- لأنهم لم يفهموا الرسالة التي جاء بها المسلمون،
فالمسلمون جاءوا لكي يفتحوا هذه البلاد حتى ينشروا الإسلام في كل الأرض؛
فحدود الفتح الإسلامى لن تقف عند دجلة، ولن تقف عند العراق، ولن تقف عند
فارس، ولن تقف عند أية حدود، حتى يَعُمَّ الإسلام الأرض كلها. وكان من
الطبيعي أن يرفض المسلمون هذا العرض، فقال لهم الفرس: أما شبعتم، لا أشبعكم
الله؟! فبدأ المسلمون يستكملون الضرب بالمجانيق والسهام على الفرس، فما
كان من الفرس إلا أن تسللوا خلسة من مدينة بهرسير على هذا الجسر العائم من
بهرسير إلى أسفانبر، وتركوا المدينة خالية، والمسلمون مستمرون في ضرب
المدينة، ولم يعلموا أن المدينة خالية حتى خرج لهم أحد الفرس طالبًا
الأمان، فأمَّنه المسلمون، فقال لهم: إن المدينة أصبحت خالية. وبالفعل تسلق
المسلمون الأسوار، ودخلوا مدينة بهرسير؛ فوجدوها -فعلاً- خالية وبها كميات
ضخمة من الأسلحة، وكميات ضخمة من العتاد، كان من الممكن أن تعين الفرس على
الصبر على القتال والحصار، لكنهم فقدوا حمية القتال وفقدوا الروح
القتالية، وانهزموا هزيمه نفسية شديدة أمام هؤلاء الأبطال المسلمين
المصِرِّين على هذا الحصار؛ وهربوا جميعًا إلى منطقه أسفانبر.
دخل المسلمون بهرسير بعد أن تسلقوا الأسوار، فدخلت الجيوش الإسلامية
الواحد تلو الآخر قرب منتصف الليل، وقد ذكرنا أن جيش المسلمين قد وصل في
هذه الفترة إلى أكبر قوة إسلامية على وجه الأرض في هذه اللحظة، حيث بلغ
قوامه ستين ألف جنديٍّ مقاتل مسلم، وقد كان أكبر جيش للمسلمين قبل ذلك جيش
سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في موقعة اليرموك حيث كان 38 ألفًا، فبعد انتصار
القادسية تَوَالى المدد على سيدنا سعد بن أبي وقاص من المدينة ومن كل
الجزيرة العربية بعد أن كُسِرَت شوكة الفرس، وعلا شأن المسلمين، وبدأ
المسلمون الذين كانوا مترددين في الخروج لقتال الفرس يخرجون للقتال مع
الجيش الإسلامي، 60 ألف مقاتلٍ مسلمٍ عبروا هذا السور تسلقًا ودخلوا
بهرسير، ولم يجدوا فارسيًّا واحدًا في المنطقة بأكملها، وأخذوا يزحفون على
كل المدينة حتى وصلوا إلى شاطئ دجلة الغربي، ونظروا منه في منتصف الليل إلى
الناحية الأخرى من الشاطئ، فوجدوا مدينة أسفانبر، فصاح ضرار بن الخطاب:
الله أكبر! هذا أبيض كسرى، هذا ما وعد اللهُ ورسولُه. فقد رأوا من هذه
المنطقة على الناحية الأخرى إيوان كسرى، وهو بناء ضخم ارتفاعه ما بين 28
إلى 29 مترًا (أي نحو عشرة أدوار في هذا الوقت من الزمن حين كان العرب كلهم
يسكنون في الخيام أو في بيت من دور واحد مبني من طوب لَبِن، لكن هذا
البناء كان ارتفاعه من 28 إلى 29 مترًا)، وقبته البيضاوية كانت ضخمة
للغاية، ويحيط بالبناء كله أشجار، لكن القبة تعلو فوق هذه الأشجار؛ لذلك
رآها المسلمون وهم على شاطئ دجلة الغربي، وقد أوقد الفرس حولها المصابيح،
فظهر إيوان كسرى أبيض متلألئًا وسط الجهة الأخرى؛ فصاح ضرار بن الخطاب: هذا
ما وعد الله ورسوله. يتذكر ما وعد به الله ورسوله المسلمين في غزوة
الخندق.
ونتذكر يوم الخندق:
وكان ضرار بن الخطاب هذا -وقتئذٍ- مشركًا، وكان في جيش قريش الذي يحاصر
المدينة، ولكن ضرارًا علم بعد ذلك بهذا الوعد بعد أن أسلم، ونتذكر جميعًا
ما حدث يومَ الخندقِ، ونسترجع معًا أن الرسول بعد أن وافق على اقتراح سيدنا سلمان الفارسيِّ بحفر
الخندق حول المدينة، بدأ المسلمون جميعًا يحفرون في هذا الخندق حتى وصلوا
إلى صخرة ضخمة استعصت على المسلمين، وكانت هذه الصخرة من نصيب سلمان
الفارسي، فاستعصت عليه وكان شديد الساعد قوي البنيان، ومع ذلك لم يستطع
تحطيم هذه الصخرة؛ فذهب إلى رسول الله يستأذنه في تغيير اتجاه الحفر ليتجنب هذه الصخرة،
ولكن الرسول ذهب بنفسه وعاين الموقف والمكان، ثم طلب معولاً،
وبدأ يحطم هذه الصخرة بنفسه ؛ فضرب الصخرة ضربة شديدة بالمعول، فبدأت الصخرة
تتفتت وخرج منها وهج شديد أضاء -كما يقول سلمان الفارسي - ما بين لابتي المدينة، يعني نوَّر المدينة كلها؛
فصاح الرسول : "الله أكبر! أُعطِيتُ مفاتيح
الروم، هذه قصورها الحمراء"، ثم ضرب ضربة ثانية فأضاء المكان بشرر
عظيم، فقال: "الله أكبر! أُعْطِيتُ مفاتيح كسرى، هذا
أبيض كسرى". وهذا الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن؛ ثم ضرب الضربة
الثالثة، فقال: "الله أكبر! أعطيت لي مفاتيح اليمن،
هذه قصور صنعاء". وبشَّر المسلمين في هذا الوقت وهم محاصَرون من
قريش من كل جانب، والمسلمون يتخطفهم الخوف والجزَع والرعب من دخول المشركين
عليهم المدينة، ومع ذلك -في هذا الوقت- يبشرهم أنهم سيفتحون بلاد الروم أعظم قوة على الأرض،
ويفتحون فارس، ويفتحون اليمن؛ فيقول المؤمنون في هذا الوقت: هذا ما وعد
اللهُ ورسولُه. ثم يكرر المقولة ضرار بن الخطاب بعد أن أسلم، ويقول: الله
أكبر هذا ما وعد الله ورسوله. سبحان الله! تأتي هذه المقولة منه، فتُذكِّر
المسلمين بهذه البشرى العظيمة، ويبدءون في تكبير الفتح، وهو: "الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر،
ولله الحمد. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة
وأصيلاً. لا إله إلا الله، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب
وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون". هذا هو تكبير الفتح، وهذه الصيغة سنة عن الرسول أن تُقال في الفتح، وليس سنة أن تُقالَ في العيد؛
لأن تكبير العيد هو: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله
أكبر ولله الحمد فقط؛ ولكن المسلمين -لعذوبة هذه الكلمات- تعوّدوا أن
يقولوها في العيد، وليس هذا هو الأصل.
بدأ ستون ألف مسلم يكبرون هذا التكبير في صوت واحد استبشارًا بفتح
المدائن، وحتى الآن لم يعبر المسلمون إلى الناحية المقابلة، ويصل هذا
التكبير إلى الناحية الأخرى إلى يزدجرد كسرى فارس، وإلى جنود فارس؛ فيزيدهم
رعبًا فبدءوا يفكرون، فالمسلمون على الأبواب، وصوتهم صوت التكبير يرعب
الفرس رعبًا شديدًا، وقد نُصِرَ ونُصِرَ أصحابُه بالرعب.
فتح مدينة أسفانبر


بدأ الفرس يُصابون بالرعب رغم أنهم كانوا مستعدين لملاقاة المسلمين، فقد
جمعوا السفن الموجودة في دجلة على مسافة 150 كيلو مترًا من المدائن
جنوبًا، و170 كيلو مترًا من المدائن شمالاً على شاطئ دجلة أمام المدائن على
الناحية الشرقية؛ حتى لا يستطيع المسلمون أن يسيطروا على أية سفينة من
الشمال أو الجنوب، ليعبروا بها إلى الضفة الأخرى، كما قطع الفرس الجسر
العائم عند عبورهم من مدينة بَهُرَسير إلى مدينة أَسْفَانِبْر. فماذا يفعل
سيدنا سعد بن أبي وقاص ليعبر بجيشه؟
هذا العبور كان -تقريبًا- في شهر مارس، وشهر مارس بداية الفيضان في نهر
دجلة، ولكنه لم يكن قد وصل بعدُ إلى النهر، وكان في نهر دجلة بعض المخاضات
التي من الممكن أن يسير فيها المسلمون؛ فأشار بعض الفرس على سيدنا سعد بن
أبي وقاص أن يعبر بالجيش الإسلامي -وقوامه ستون ألفًا- نهر دجلة من إحدى
هذه المخاضات، لكن سيدنا سعد بن أبي وقاص يتصف بالتريث والتمهل والحرص على
الجيش الإسلامي؛ لذلك كان مترددًا ترددًا شديدًا في عبور هذا النهر العظيم
بهذا الجيش، فلا سفينة ولا جسر ولا شيء يعينهم على العبور، ثم استخار الله I، ونام ليلة، فرأى رؤيا فيها خيول المسلمين تعبر نهر
دجلة، والمياه تضرب في هذه الخيول (أي أن المياه شديدة والأمواج متلاطمة)،
ومع ذلك رأى خيول المسلمين تعبر هذا النهر، فاستيقظ من النوم فقال: إن هذا
ردُّ الاستخارة، وإن هذه الرؤيا رؤيا خير إن شاء الله. وقرَّر بعدها أن
يعبر نهر دجلة بالخيول.
كان هذا -بلا شك- قرارًا عجيبًا أن يعبر بـ(60) ألفًا بالخيول؛ فالخيول
تجيد السباحة، لكن المسلمين أنفسهم لا يجيدونها في غالبيتهم؛ لأنهم يعيشون
في الصحراء، ففي العبور -إذن- مخاطرة شديدة، لكن لم يكن أمام المسلمين
حَلٌّ آخر يوصِّلُهم للناحية الثانية للمدائن وهم مصممون على فتح المدائن؛
فقرر سيدنا سعد بن أبي وقاص العبور، بينما كان يزدجرد في الناحية الأخرى
مطمئنًّا تمام الاطمئنان أن المسلمين لن يعبروا هذه المنطقة قبل أربعة أو
خمسة شهور على الأقل؛ لأن الفيضان ينتهي في أوائل أكتوبر وتبدأ المياه
عندها في التراجع. ويتمكن المسلمون من عبور النهر على الخيول، وعندما بدأ
الجيش بالعبور فاجأهم الفيضان قبل موعده بأسبوعين أو ثلاثة، ولكن سيدنا سعد
بن أبي وقاص لم يمنعه هذا الفيضان أن ينفذ وعده للمسلمين بعبور هذا النهر؛
فجمع المسلمين كلهم، وقال لهم: "إني قد قررت أن أعبر بكم هذا النهر، فما
زلتم في هذا المكان وهم في المكان الآخر ومعهم السفن يناوشوكم". يعني: ما
دامت السفن معهم سيظلون في هجوم دائم عليكم في كل وقت ويرجعون، ولكن لو
عبرنا لهم فسوف تكسر شوكتهم في مدينتهم؛ فوافق المسلمون على ذلك، وهذا
الموقف يشبه موقف العلاء بن الحضرمي قائد الجيش السابع من جيوش الردة
لسيدنا أبي بكر الصديق ، وكان قد فتح البحرين عبورًا كذلك على الخيول من غير
سفينة ولا شيء؛ فقد ذكرنا أنه عندما ذهب ليفتح البحرين فَرَّ الناس
بالسفن، فعبر الخليج العربي إلى البحرين بالخيول، لكن العلاء كان معه جيش
من ألفين، أما سيدنا سعد فمعه ستون ألفًا.
بدأ الجيش في العبور -ويعلم سيدنا سعد بن أبي وقاص أن الفرس قد وضعوا
على حدود مدينة "أَسْفَانِبْر" خارج السور على شاطئ نهر دجلة قوات فارسية
للدفاع عن مدينة أَسفانبر، وهو يريد أن تصل أقوى فرقة من فرق المسلمين إلى
شاطئ دجلة في الناحية الثانية حتى تلاقي هذا الحرس الفارسي لقاءً قويًّا
عنيفًا- وكان عند سيدنا سعد بن أبي وقاص كتيبة تسمى "الخرساء" وهي أقوى
كتائب المسلمين، وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص يوكل لها المهام الصعبة،
وتُسَمَّى الخرساء؛ لأنها كانت تخرج على الجيوش المعادية بدون صوت غير
الهجوم المفاجئ على الجيوش المعادية دون أي تنبيه أو إنذار بالهجوم، وكان
قائد هذه الكتيبة سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي.
لم يرضَ سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يأمر كتيبته الخرساء بالهجوم في أول
دجلة؛ لأنه يعلم أن الأمر في منتهى الصعوبة، فآثر أن يكون هذا الأمر
تطوعًا، وأعلن في المسلمين أنه من يريد أن يتطوع لعبور دجلة في مقدمة
الصفوف فليتطوع؛ فتقدم له من المسلمين 600 متطوع تقدموا ليكونوا أول أناس
تعبر دجلة، فأطلق عليهم سعد بن أبي وقاص "كتيبة الأهوال"، وأي هولٍ أكثر من
أن يعبروا نهر دجلة على الخيول وفي مقابلتهم الجيش الفارسي على الضفة
الأخرى في وقت الفيضان؟!
وبالفعل بدأ الـ 600 يجهزون أنفسهم للعبور، وأُمِّرَ عليهم سيدنا عاصم
بن عمرو التميمي البطل المسلم الذي له في كل موقعة ذِكْرٌ. أَمَرَ
سيدنا عاصم كتيبته أن يتخذوا من أنفسهم 60 فردًا؛ ليكونوا في مقدمة الـ
600، وهؤلاء الـ 600 في مقدمة الـ 60000؛ فخرج له ستون فارسًا من فرسان
المسلمين الأشداء، وطلبوا أن يكونوا على مقدمة الصفوف، فخرج بهم سيدنا عاصم
بن عمرو التميمي، واقتحم بهم دجلة ، وأمر الجيش بأن يشرع الرماح، ويلقي بالرماح في عيون
الفرس، ويقول لهم: لا تضربوا الفرس في أي مكان، ولكن اضربوهم في العيون.
وهذا الأمر قد تكرر من قبل في موقعة الأنبار، فقد أمر سيدنا خالد بن الوليد
الجيوش الإسلامية في هذه الموقعة أن تلقي بالسهام في عيون الفرس؛ فأصابوا
منهم في ذلك الوقت ألف عين، وسميت موقعة الأنبار بذات العيون؛ لأنه فُقِئَ
فيها ألف عين للفرس، فأراد سيدنا عاصم بن عمرو التميمي أن يلقي الرعب
والرهبة في قلوب الفرس من مهارة المسلمين في رمي السهام والرماح، كما يريد
أن يعطل قدراتهم القتالية، فإذا لم يُقْتل الواحد منهم، فإنه يصير أعور،
ويترك القتال.
وبالفعل تقدم ستون وتبعهم الستمائة، وبقي الستون ألفًا واقفين على
الشاطئ ينظرون: ماذا سيفعل هؤلاء الأبطال الستمائة؟! وبدأ سيدنا عاصم يقتحم
دجلة بالخيول، وأذهلت المفاجأة الفرس؛ إذ كيف يأخذ المسلمون خيولهم
مقتحمين دجلة وسط الفيضان. هذا شيء لم يكن يخطر لهم على بالٍ أبدًا، وبدءوا
في إنزال قوات فارسية على خيول أيضًا؛ لتقاتل المسلمين في المياه. فرقٌ
كبير جدًّا بين القوات المسلمة على الخيول، وبداخلهم روح عظيمة جدًّا؛ فهم
منتصرون في موقعة القادسية، وعندهم إيمان شديد بأن الله سيفتح عليهم هذه
البلاد، ويفتح عليهم أبيض كسرى الذي وعد اللهُ به ورسولُه، وبين الفرس
الذين تملؤهم هزيمة نفسية قاسية؛ فهم قد هُزِمُوا هزيمةً شديدةً في موقعة
القادسية، كما هربوا من مدينة بهرسير ذات الأسوار العظيمة، وتجمعوا في
مدينة المدائن منتظرين الجيوش الإسلامية، إحساس المنتصر يختلف عن إحساس
المنهزم، أضف إلى ذلك أن المهارة الإسلامية تفوق المهارة الفارسية في
القتال، وكذلك تفوق الخيول الإسلامية الخيول الفارسية؛ فاجتمعت هذه العوامل
جميعًا، ودخل الفرس في حرب خاسرة منذ البداية مع المسلمين وسط المياه،
والتقى المسلمون مع الفرس بالرماح، وشهروا الرماح في أعين الفرس؛ ففقئوا
منهم العيون، وصار الفرس بين قتيل وأعور وفارٍّ من المسلمين، وكان الأولى
والأكثر حكمة في القتال أن يصبرَ الفُرْسُ على وجودهم على الشاطئ ليُلْقُوا
على المسلمين السهام، ويتريثوا بعدم الدخول مع المسلمين في موقعة بعد أن
أدركوا قيمة المقاتل المسلم. وقد جعل اختلاط المسلمين بالفرس في القتال
داخل المياه القوات الفارسية التي على الشاطئ عاجزةً عن رمي الأسهم على
الجيش المسلم؛ فانتصر المسلمون عليهم انتصارًا عظيمًا، وعبر سيدنا عاصم بن
عمرو التميمي والستمائة مقاتل الذين معه نهر دجلة، ووصلوا الشاطئ الشرقي
لنهر دجلة؛ ليقاتلوا القوات الفارسية الموجودة على الجهة الأخرى، وسيدنا
سعد بن أبي وقاص على الناحية الأخرى يراقب الموقف، ويكبر هو والمسلمون كلما
زاد تقدم المسلمون، وذلك يزيد حميَّة وحماسة الجيش المسلم، ويَفُتُّ في
عَضُدِ الجيش الفارسي، وبدأ المسلمون يُعمِلُون سُيُوفَهم في الرقاب
الفارسية خارج أسوار "أسفانبر" على الشاطئ الشرقي لنهر دجلة، حتى أتاهم رجل
من داخل مدينة أسفانبر من داخل السور، ونادى على الفرس قائلاً: علامَ
تقتلون أنفسَكم؟! ليس في المدينة أحد، كل من بالمدينة هربوا. وعندما سمع
الفرس هذا الكلام انهزموا هزيمة نفسية شديدة، وبدءوا يفِرُّون من أمام
القوات الإسلامية.
وشاهد ذلك سيدنا سعد بن أبي وقاص فأمر الستين ألفًا بعبور دجلة على
خيولهم، وبدأت القوات الإسلامية تعبر دجلة، وسيدنا سعد بن أبي وقاص يقول
لهم: اعبروا مَثْنَى مَثْنَى. أي اثنين اثنين؛ وذلك حتى يكونا عونًا
لبعضهما البعض؛ فإذا سقط أحدهما في الماء، أو غرق يستطيع الآخر أن يساعده،
أو يخبر المسلمين عنه، وأمرهم أن يقولوا: "نستعين بالله، ونتوكل عليه،
حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". فهذا
دَيْدَنُ الجيش الإسلامي وهو يعبر دجلة، وكان في موقعة القادسية قد أوصاهم
أن يقولوا: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فهم في كل موقعة لهم ذِكْرٌ لله I، يستشعرون به مساعدة الله I
ونصره لهم.
هروب كسرى فارس:
فيعبر المسلمون مثنى مثنى في هذا الوقت إلى مدينة "أسفانبر"، وقصرها
الأبيض قصر بوابته شرقية مواجهة لدجلة، وفي هذا الوقت كان كسرى فارس يهرب
من هذا الموقف الرهيب: موقف ملاقاة المسلمين، حيث هرَّبوه في زبيل (وهو شيء
مثل القفة أو يشبه الجوال، يدخلوه فيه حتى لا يراه أحد) من الباب الخلفي
لقصره، ويهرب خارج الأسوار إلى مدينة حلوان على بُعْدِ 200 كيلو مترٍ من
المدائن، وهذه هي المرة الثانية التي يُوضع فيها كسرى فارس في زبيل أو
قُفَّة؛ فالمرة الأولى عندما كان صغيرًا، فقد كان كسرى أنوشروان يقتل كل
الناس الذين يستحقون الملك حتى لا ينافسه أحد في ملك فارس، فهربت به أمه
ووضعته في قُفّة، وخرجت به من هذا القصر نفسه، وهربت به واختفت في أهل فارس
حتى أَتَى به أهل فارس، وعيَّنوه كسرى فارس ولم يكن يرغب في ذلك؛ فقد كان
عمره 23 سنة عندما ملّكوه عليهم.
كان سيدنا سعد بن أبي وقاص يعبر هو والجيش مثنى مثنى، وكان الذي يعبر
معه سيدنا سلمان الفارسي ، وهذا أمر لا بُدَّ أن نقف كلنا أمامه وقفة مهمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:56

وقفة مع سيدنا سلمان الفارسي


سلمان الفارسي -كما نعرف جميعًا- من فارس، فهذه إذن بلده، وهذه
قوميته، وهذه عشيرته وأهله وأقاربه، لكنهم على دين المجوسية، وكلهم على
عبادة النار؛ فأصبح أهل سيدنا سلمان الحقيقيون هم المسلمون، حتى إن سيدنا
سلمان الفارسي في موقعة الخندق -من عظم شأنه وسط المسلمين- يختلف عليه
الأنصار والمهاجرون، فالأنصار يقولون: سلمان مِنَّا. والمهاجرون يقولون:
سلمان مِنَّا. فيصعد به سيدنا رسول الله فوق كل هذه الطوائف، سواء المهاجرين أو الأنصار،
ويقول: "سلمان منَّا أهل البيت"؛ فيجعله
سيدنا رسول الله من أهل بيته تشريفًا له، فسلمان الفارسي هذا جعل
قوميته، وجعل دينه، وجعل عصبيته كلها للإسلام، ودخل بلاد الفُرْسِ فاتحًا
بلاده في صَفِّ المسلمين.
سيدنا سلمان الفارسي له قصة لا بد لنا جميعًا أن نعرفها حتى ندرك
المجهود الذي وصل به سيدنا سلمان إلى هذه المكانة، لدرجة أن يعبر نهر دجلة
بجوار سيدنا سعد بن أبي وقاص ليفتح فارس، ونترك سيدنا سلمان يروي لنا قصته؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ:
"كُنْتُ رَجُلاً فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ
قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ
قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ
حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ
كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى
كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو
سَاعَةً. قَالَ: وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ. قَالَ: فَشُغِلَ فِي
بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ
فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا.
وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ
فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ
أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ
النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ
وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ.
قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي
أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي
نَحْنُ عَلَيْهِ. فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ
وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ
هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي
وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ:
فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ
عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ
بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ
دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ
آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ: قُلْتُ: كَلاَّ وَاللَّهِ، إِنَّهُ خَيْرٌ
مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ
حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ.
قَالَ: وَبَعَثَتْ إِلَيَّ النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ
عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى
فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ
تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى، قَالَ: فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقُلْتُ
لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى
بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ
إِلَى بِلادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ
رِجْلَيَّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا
قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا:
الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ. قَالَ: فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ
رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ
فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ. قَالَ:
فَادْخُلْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ
بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا
أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى
جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ. قَالَ: وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا
شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ
النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ
سَوْءٍ؛ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا
جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ
مِنْهَا شَيْئًا. قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا
أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ. قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. قَالَ:
فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ. قَالَ: فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلالٍ
مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا. قَالَ: فَلَمَّا رَأَوْهَا، قَالُوا:
وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ
بِالْحِجَارَةِ.
ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ: يَقُولُ
سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ
أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ،
وَلا أَدْأَبُ لَيْلاً وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ: فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا
لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ
حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ
وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا
تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا
كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا، وَتَرَكُوا أَكْثَرَ
مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ رَجُلاً بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ فَهُوَ
عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ
وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ،
إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ،
وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَقِمْ
عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ
صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ
قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي
بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنَ اللَّهِ U مَا تَرَى، فَإِلَى
مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا
أَعْلَمُ رَجُلاً عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلاَّ بِنَصِيبِينَ
وَهُوَ فُلانٌ، فَالْحَقْ بِهِ.
َقَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ،
فَجِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي،
قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ
صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ
نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ، قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، إِنَّ
فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلانٌ
إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ
بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ
أَنْ تَأْتِيَهُ إِلاَّ رَجُلاً بِعَمُّورِيَّةَ؛ فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا
نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ عَلَى
أَمْرِنَا. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ
عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي.
فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ. قَالَ:
وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ. قَالَ: ثُمَّ
نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ،
إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَى
بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ
تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا
أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ
آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ
مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا
إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا
تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ
كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ
بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ. قَالَ: ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ فَمَكَثْتُ
بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ
مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ
الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا:
نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي
وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا،
فَكُنْتُ عِنْدَهُ وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ
الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي،
فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنَ
الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُهَا
فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ
رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ،
مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ
فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ
حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ فُلانُ: قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ،
وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ
عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ:
فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ
عَلَى سَيِّدِي. قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ
لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟! مَاذَا تَقُولُ؟! قَالَ: فَغَضِبَ
سَيِّدِي؛ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً. ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ
وَلِهَذَا؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: لا شَيْءَ، إِنَّمَا
أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ.
وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ
أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ
لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَكَ أَصْحَابٌ
لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ،
فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ. قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ
إِلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا.
وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ
وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ
رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَقُلْتُ:
إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ
أَكْرَمْتُكَ بِهَا. قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ
اللَّهِ وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: وَقَدْ تَبِعَ
جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي
أَصْحَابِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى
ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَلَمَّا
رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي
شَيْءٍ وُصِفَ لِي. قَالَ: فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ
إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ
وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : تَحَوَّلْ.
فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَابْنَ
عَبَّاسٍ، قَالَ: فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ
سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَدْرٌ وَأُحُدٌ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ : كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ.
فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ
بِالْفَقِيرِ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا
أَخَاكُمْ. فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ
وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ،
وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ (يَعْنِي: الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ) حَتَّى
اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ
فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا
بِيَدَيَّ. فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا
فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مَعِي إِلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ
الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ،
مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ
عَلَيَّ الْمَالُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ
بَعْضِ الْمَغَازِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ
الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ.
فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ؟
قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ اللَّهَ U سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ.
قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ
سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ
وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ
مَشْهَدٌ". أخرجه أحمد في مسنده.
بعد هذه الرحلة الطويلة المريرة في البحث عن الحقيقة يدخل سيدنا سلمان
الفارسي -الآن- المدائن فاتحًا بعدما خرج منها قبل ذلك هاربًا من أبيه، ومن
المجوسية قبلَ سنوات طويلة باحثًا عن الحقيقة، وبعد وقت قصير سيكون أميرًا
للمدائن بأمر سيدنا عمر بن الخطاب .
يعبر الستون ألفًا نهر دجلة، ولم يفقد المسلمون جنديًّا واحدًا في
العبور، وإنما سقط أحدهم في المياه، فأدركه القعقاع بن عمرو التميمي وجذبه،
ثم وضعه على حصانه ثانيةً؛ فقال له هذا الرجل: يا قعقاع، أعجزت النساء أن
يلدن مثلك؟! وهذا من فضل الله I أن يدخل ستون
ألفًا المياه ويخرجوا مثلما دخلوا!! وأول من يدخل مدينة أسفانبر فرقة أو
كتيبة الأهوال، فتعبر السور إلى داخل المدينة وتفتح الأبواب الضخمة
للمسلمين، وتدخل خلفَ كتيبةَ الأهوالِ كتيبةُ الخرساء، ثم يتبع كتيبة
الخرساء جيش المسلمين بالكامل فيدخل مدينة أسفانبر ذات الشوارع العريضة
والبيوت الضخمة العظيمة، ويتجولون في المنطقة فلا يجدون أحدًا من الفرس
مطلقًا باستثناء اثنين من الفرس فقط، يبدو أن الحمية أخذتهما فمنعتهما من
الهرب، أو -وهذا هو الظاهر- أنهما قد جُنَّا، وكانا مستغرقَيْنِ في
استعراضات أمام المسلمين؛ فواحد منهما بيده كرة يرميها لأعلى، والثاني يضرب
الكرة بالسهم، فيصيب الكرة في السماء؛ فهذا استعراض يَشِي بالمهارة والدقة
في الرمي، فتقدم رجل من المسلمين اسمه أبو اليزيد المضَارِب، ودخل عليهما
فأطلق الفارسيان عليه السهام فلم يصيباه، وهو أقرب من الكرة الطائرة؛ وهذا
من اضطراب أعصابهم، وتوفيق الله I حتى يصل إليهم
أبو اليزيد المضارب هذا ويقتل الاثنين بضربة واحدة، ثم يتجول المسلمون حتى
يصلوا إلى القصر الأبيض إلى حدود إيوان كسرى، وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص
أثناء سيره يردّد قول الله I: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ
وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 25-29]، فيتلو هذه الآيات، وهو مستشعر
تمام الاستشعار أن الله تعالى أذلَّ الفرس لعدم طاعتهم لله I، ونَصَرَ المسلمين لتمسكهم بدين الله I، يتلو هذه الآيات من منطلق هذه العزة، ويتقدم نحو
القصر الأبيض.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:56

دخول المسلمين إيوان كسرى


فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 3.1.14_01_IwanKisra

القصر الأبيض كان الحصن الوحيد الذي يوجد بداخله بعض الفرس المتحصنين
الذين لم يشتركوا في القتال، يعز عليهم أن يفارقوه، وربما لم يستطيعوا
الهرب منه، هذا القصر الأبيض قد ذكرنا من قبل أن ارتفاع سوره من 28 إلى 29
مترًا، والقبة البيضاوية التي كانت في وسطه أبعادها 25 مترًا × 43 مترًا.
والمبنى كان كله أبيض، وعليه نقوش كثيرة، ورخام وفسيفساء وأحجار كريمة،
وكان مزينًا بزينة عظيمة، وحول هذه القبة الكبيرة قباب كثيرة على الجانبين،
والسور كله ليس به أية نوافذ، بل كان مُصْمَتًا؛ وذلك تأمينًا للقصر. حاصر
المسلمون القصر حصارًا بسيطًا؛ لأنه لا يوجد بداخله أحد يضرب عليهم
بالسهام أو غيره، لكن بداخله بعض الفرس، فيذهب إليهم سلمان الفارسي، ويقول
لهم: أنا منكم، اقبلوا واحدة من ثلاث: إما الإسلام وتكونون منَّا؛ لكم ما
لنا، وعليكم ما علينا، وإما الجزية ونمنعكم، وإما المنابذة. ويعطيهم مهلةً
ثلاثة أيام كما علَّمهم رسولُ الله .
وفي اليوم الثالث يخرج هؤلاء الفرس، ويقبلون دفع الجزية للمسلمين؛ فيدخل
سيدنا سعد بن أبي وقاص بعد فتح القصر، ويتبعه المسلمون داخل القصر الأبيض
أو قصر إيوان كسرى، الذي لم يدخله أحد قبل ذلك غير الوفد المكون من أربعة
عشر الذين ذهبوا لزيارة كسرى منذ فترة يدعونه إلى الإسلام، وقام سيدنا سعد
بن أبي وقاص بمجرد دخوله القصر بأداء صلاة الفتح، وهي ثماني ركعات متصلة لا
يفصلها تسليم، ولا تُصلَّى جماعة، وإنما تُصلَّى فرادى، وكان دخول القصر
في يوم الجمعة 19 من صفر سنة 16 هجرية، وكان المسلمون قد أَذَّنُوا لإقامة
صلاة الجمعة، وهذه أول مرة يصلي فيها المسلمون صلاة الجمعة منذ دخولهم أرض
العراق، فمنذ مَقْدِم سيدنا خالد بن الوليد سنة 12 هجرية حتى هذه اللحظة لم
يصلوا الجمعة، وإنما كانوا يُصلُّون دائمًا الظهر قصرًا، أي جمع الظهر مع
العصر، والمغرب مع العشاء؛ لأنهم كانوا دائمًا على سفر، ولكن سيدنا سعد بن
أبي وقاص بمجرد دخوله المدائن اعتبر نفسه مقيمًا، وأن المدائن هي البلد
التي سيتخذها المسلمون مقامًا بعد أن كُسِرَتْ شوكة الفرس، وبذلك أصبحت
المدائنُ مدينة للمسلمين، يقيمون فيها كبقية بلادهم مثل: المدينة المنورة
ومكة المكرمة، وكسائر بلاد المسلمين؛ ولذا أتم الصلاة في ذلك اليوم، وصلَّى
الجمعة، كما صلَّى المغرب والعشاء كل فرض في وقته دون جمع أو قصر.
كانت هذه أول مرة بعد أربع سنوات من الجهاد المستمر، ثم بدأ سيدنا سعد
بن أبي وقاص في جمع الغنائم، وكانت مهمة شاقة جدًّا على المسلمين؛ لأن
الغنائم ليس لها حصر، وكمياتها ضخمة، كما أن الفرس قد هربوا ببعض الغنائم،
فيأمر سيدنا سعد بن أبي وقاص على إحضار هذه الغنائم سيدنا عمرو بن عمرو بن
مقرن المزني -وهو ابن أحد الإخوة العشرة الذين اشتركوا في حروب
فارس وذُكِرُوا فيها كثيرًا- كما أطلق سيدنا زهرة بن الحُوِيَّة قائد مقدمة
المسلمين في متابعة الفرق الفارَّة من الفرس للقبض عليهم، وإحضار الغنائم
التي هربوا بها، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم، ولم يكن سيدنا سعد بن أبي
وقاص يرغب في تقسيم الغنائم إلا عندما تكتمل كلها، وهذه الغنائم في الحقيقة
كان لها ذكر طويل في كتب التاريخ، ووُصِفت بصفاتٍ عظيمة. وبسقوط المدائن
استسلمت بقية المدن بدون قتال.
من غرائب شأن يزدجرد!!
لقد أخذ معه ألف طباخ، وألف مطرب، وألف مدرب حيوانات، ويعتقد في قرارة
نفسه أنه خَفَّف الحِمْلَ في السير؛ حتى لا يثقل بمن معه، فأخذ معه ألفًا
فقط من كل طائفة، فانظر إلى مدى الترف الذي يحياه كسرى فارس.
ولكن ماذا عن الفلاحين الموجودين في بلاد فارس؟
لقد عانى هؤلاء الفلاحون كثيرًا من الظلم والجبروت الفارسي الذي أرهقهم
بالضرائب الكثيرة وغيرها، وعندما جاء المسلمون فاتحين لبلادهم دخلوا في دين
الإسلام بعد أن أدركوا البون الشاسع في المعاملة بين المسلمين والفرس، أو
قبلوا دفع الضرائب الإسلامية أو الجزية الإسلامية -التي كانت أقل كثيرًا من
الضرائب الفارسية- عن رضًا ورغبة؛ فهم قد استمتعوا بهذه الجزية؛ لأنهم في
مقابلها تمتعوا بميزات كثيرة، فهم لا يشتركون في جيش المسلمين ليحاربوا،
وعلى المسلمين حمايتهم ضد أي اعتداء، ومن لم يستطع دفع الجزية سقطت عنه،
وليس هذا فحسب بل قد يكفله المسلمون من بيت مالهم، ويُعفَى منها أيضًا
العجائزُ والنساءُ والصبيانُ، وهذه هي سماحة الإسلام وعدله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:58




فتح جلولاء وتكريت




مقدمة




قلنا
في الدرس السابق إن المسلمين بدءوا في جمع الغنائم من مدينة المدائن وكان
عملاً
شاقًّا؛ لأن المدائن مدينة كبيرة وكلها كنوز
لكسرى، وكلها أموال غير ما هرب به جيش كسرى، وما
هرب به يزدجرد نفسه من المدائن إلى مدينة حلوان كما ذكرنا من قبل، وقد
اتخذها
يزدجرد مقرًّا له بعد سقوط المدائن، وكانت تبعد
عن المدائن بنحو مائتين وعشرين كيلو مترًا.

وتولى
أمر جمع هذه الغنائم عمرو بن مقرن أخو النعمان بن مقرن، وبدأ في جمع
الغنائم من
قصر كسرى الأبيض، وكانت الغنائم ضخمة جدًّا تحدث عنها الرواة فترات وفترات،
ويذكر
حبيب بن صهبان، قال: دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالاً
مختمة
بالرصاص، فما حسبناها إلا طعامًا، فإذا هي آنية الذهب والفضة، وكان عدد
الدراهم
الموجودة في قصر كسرى ثلاثة آلاف مليون درهم، أي ثلاثة بلايين درهم جمعها
كسرى ومن
سبقه، وتعثر عليه وعلى جيشه أن يحملوا كل هذه الأموال.

استطاعت
فرق الجيش الإسلامي التي خرجت تتابع الفرق الهاربة من الفرس أن تحصل على
بعض
الغنائم، واستطاع سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي أن يلحق بحامية فارسية
وقاتلها
وحصل منها على خمسة دروع وستة أسياف، ولم تكن أيَّة الدروع وأيَّة أسياف!!
بل كان من بين هذه الدروع والأسياف سيف ودرع كسرى، وسيف
ودرع هرقل، وكان الفرس قد غنموهما من الروم قبل
ذلك، ودرع وسيف خاقان ملك الترك، ودرع وسيف ملك الهند، ودرع وسيف النعمان
بن
المنذر ملك الحيرة، وقد أخذهما كسرى لما مات
النعمان بن المنذر، وخَيَّر سيدنا سعد بن أبي وقاص القعقاع بن عمرو بين
السيوف
فاختار سيف هرقل وكان سيفًا قويًّا، وكانت الفرس تفخر بهذ العُدَّة إلا أن
الله
أورثها للمسلمين.

ومن
ضمن ما غنمه المسلمون في مطاردتهم للفرس حُلَل كسرى، فغنموا لباسه وغنموا
سِوَارَي
كسرى وتاجه، وكان وزن التاج واحدًا وتسعين كيلو جرامًا،
وكان كسرى فارس إذا جلس على كرسي مملكته يدخل تحت تاجه، وتاجه معلق بسلاسل
الذهب؛ لأنه كان لا يستطيع أن يقلّه على رأسه لثقله، بل كان
يجيء فيجلس تحته ثم يدخل رأسه تحت التاج الذي تحمله السلاسل الذهبية عنه،
وأخذ
المسلمون هذه الغنائم، وغنموا القطف وهو البساط الموجود في الإيوان، وكان
من عجائب هذا العصر، وكان حجمه ستة وثلاثين مترًا
في ستة وثلاثين مترًا، وكانت السجادة مصنوعة من
خيوط موشاة بالذهب والفصوص والجواهر، وكانت عليه
الرسوم النادرة التي لا تقدر بمال، وكانت
الأكاسرة تُعِدُّه للشتاء إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه، فكأنهم في رياض؛
فيه طرق كالصور وفيه فصوص كالأنهار، أرضها مذهبة،
وخلال ذلك فصوص كالدر وفي حافاته كالأرض المزروعة والأرض المبقلة بالنبات
في
الربيع، والورق من الحرير على قضبان الذهب،
وزهره الذهب والفضة، وثمره الجوهر وأشباه ذلك.

وتولى
توزيع الغنائم سيدنا سلمان بن ربيعة الباهلي، وكما
ذكرنا أنه معيّن من قِبَل سيدنا عمر بن الخطاب منذ بداية حروب القادسية على توزيع الغنائم، فبدأ
بتوزيع الغنائم فوزع أربعة أخماس الغنائم من
الذهب والفضة على الجيش الإسلامي، وبعث بالخمس إلى سيدنا عمر بن الخطاب
في المدينة.

ويذكر
الرواة أن الرجل كان يطوف في السوق ويقول: من
معه بيضاء بصفراء؟! وذلك من كثرة الأموال في
أيدي المسلمين بعد فتح المدائن.

حرص
سيدنا سعد بن أبي وقاص على أن تكون الغنائم الذاهبة إلى سيدنا عمر بن
الخطاب في
المدينة من ممتلكات كسرى نفسه كسيفه ومنطقته ولباسه وحلله وما إلى ذلك؛
ليكون ذلك أدعى للمسلمين في المدينة أن يخرجوا
للقتال، بعد أن يجدوا ممتلكات كسرى نفسه غنيمة
للمسلمين.

ولما
وصلت هذه الأشياء إلى سيدنا عمر بن الخطاب استدعى رجلاً اسمه "مُحلِّم"
أجسم رجل في المدينة في ذلك الوقت، وكان جسم
يزدجرد ضخمًا جدًّا، فقد كان يشبه يزدجرد في
جسمه، وألبسه سيدنا عمر لباس يزدجرد، وأقام له
التاج على عمودين من الخشب وألبسه محلمًا، وجعل الناس ينظرون إليه، وقال
للناس: هذا
يشبه ملك كسرى، أعزنا الله بالإسلام، وأذل الله
مثل هؤلاء بالإسلام.

وكانت
نظرة سيدنا سعد بن أبي وقاص ثاقبة، فلما رأى
الناس في المدينة هذه الغنائم، ورأوا سيف كسرى
وتاجه ومنطقته، وقد انتقل كل ذلك من أرض فارس
إلى أرض المسلمين؛ زاد ذلك في عزيمتهم، وتطوع كثير من الناس للجهاد في أرض
فارس
وأرض العراق.

لما
قسم سعد فيهم الأموال فضل عنهم القِطْفُ ولم يتفق قسمه، فجمع سعد المسلمين،
فقال:
إن اللَّه تعالى قد ملأ أيديكم، وقد عَسُرَ قسم
هذا البساط، ولا يقوى على شرائه أحد، فأرى أن تطيبوا به أنفسنا لأمير
المؤمنين، يضعه حيث شاء؛
ففعلوا.

ورغم
كل ما غنمه المسلمون لم يستأثر سيدنا سعد بشيء يبعثه إلى بيت مال المسلمين،
فضلاً عن أن يأخذها لنفسه إلا بعد أن يستأذن أهله في
ذلك، فوافق الجيش على ذلك، فبعث بالقطف إلى
سيدنا عمر بالمدينة.

ولما
وصل القطف إلى سيدنا عمر بن الخطاب بالمدينة ورآه الناس أخذ القطف بعقولهم
وألبابهم، فهم لأول مرة يرون مثله، وكما قلنا: كان
من عجائب الدنيا في هذا الوقت.

وتحيَّر
سيدنا عمر بن الخطاب في هذا القطف، فجمع الناس
فاستشارهم في البساط، فمن بين مشير بقبضه، وآخر مفوِّض إليه، وآخر مرقِّق،
فقام
علي فقال: لِمَ تجعل علمك جهلاً، ويقينك شكًّا، إنه ليس
لك من الدنيا
إلا ما أعطيت فأمضيتَ، أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت.
فقال: صدقتني، فقطِّعْه.
فقسَّمه بين الناس، فأصاب عليًّا
قطعة منه فباعها بعشرين ألفًا، وما هي بأجود تلك القطع.


فتح جلولاء وحلوان




بعد
أن دانت مدينة المدائن للمسلمين، أرسل سيدنا عمر بن الخطاب إلى سيدنا سعد
بن أبي
وقاص بالاستمرار في الغزو، وأمَّر سيدنا سعد بن أبي وقاص على كل ما سيطر
عليه
المسلمون في أرض فارس، ثم ولى سيدنا سويد بن مقرن على ما سقى الفرات تحت
إمرة
سيدنا سعد بن أبي وقاص، وولى على ما سقى دجلة النعمان بن مقرن، وأمر سيدنا
سعد بن
أبي وقاص بأن يخرج جيشًا على رأسه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص من المدائن إلى
جلولاء، وهي على مسافة مائة وخمسين كيلو مترًا من المدائن، وهذه المنطقة
ترك فيها
يزدجرد الجيش الفارسي الذي كان معه في المدائن، فترك بها ما يقرب من خمسين
ألف
مقاتل فارسي، واستطاع أن يجمع مددًا من المناطق الفارسية المحيطة به، فجمع
من
أذربيجان ومن أصبهان ومن منطقة الباب غرب بحر قزوين،
وجمع من منطقة حلوان وما حولها حتى شرق نهر دجلة، فوصل العدد في جلولاء إلى
مائة
وعشرين ألف مقاتل فارسي، وأمر عليهم مهران
الرازي وكان قائد ميسرة الفرس في القادسية، وكان قد هرب من القادسية ليدافع
عن
مدينة المدائن، ثم هرب إلى جلولاء، ليتولى قيادة
الجيش الفارسي في جلولاء.

وقبل
الحديث عن هذه المنطقة نذكر أن الفرس استطاعوا أن يجمعوا جيشًا كبيرًا في
الموصل
في شمال المدائن على بعد أربعمائة وخمسين كيلو مترًا، ثم تحرك الجيش
الموجود في
الموصل -وكان معظمه من العرب النصارى والفرس والروم- حتى وصل إلى مدينة
تكريت،
وجمع الهرمزان -وكان قد هرب من موقعة القادسية- جيشًا آخر، وعسكر في
الأهواز في
مواجهة منطقة الأُبلَّة.

بعد
تجميع هذه الجيوش أصبح أمام المسلمين ثلاث جبهات للقتال؛
جبهة الأبلة الجنوبية، وجبهة جلولاء في اتجاه
حلوان، وجبهة تكريت في شمال المدائن. وفي أثناء
تجمعات الفرس تأتي توجيهات سيدنا عمر بن الخطاب بتوجيه سيدنا هاشم بن عتبة
بن أبي
وقاص إلى جلولاء، وتوجيه سيدنا عبد الله بن المعتم من المدائن إلى تكريت في
خمسة
آلاف، وكان عبد الله بن المعتم قائد ميمنة
المسلمين في معركة القادسية، ووجه سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا عتبة بن غزوان
-وهو
من صحابة النبي - إلى حصن الأبلة.

ولن
نخوض في غمار الحديث عن منطقة تكريت ومنطقة الأبلة إلا بعد الانتهاء من
موقعة
جلولاء. وفي التوقيت الذي تقوم فيه معركة جلولاء، يتقدم الجيش الإسلامي نحو
تكريت، والجيش الإسلامي الآخر نحو الأبلة.

ويتحرك
الجيش الإسلامي بقيادة هاشم بن أبي عتبة بن أبي وقاص إلى جلولاء في أواخر
شهر ربيع
الأول أو أوائل شهر ربيع الآخر، وبذلك مكث الجيش الإسلامي الشهر ونصف الشهر
في
المدائن قبل الخروج لجلولاء، وخرج المسلمون في اثني عشر ألف مقاتل على
المقدمة
سيدنا القعقاع بن عمرو، وعلى الميسرة سيدنا سعر بن مالك،
وعلى الميمنة سيدنا عمر بن مالك، وعلى المؤخرة
سيدنا عمرو بن مرة، ووصل الجيش الإسلامي إلى جلولاء في أربعة أيام، وعسكر
قبل جلولاء بقليل.

ولما
وصل المسلمون إلى جلولاء وجدوها شديدة الحصانة لأهل فارس، فهي عبارة عن حصن
كبير
جدًّا، يحوط به سور عالٍ، وبداخل الحصن يعسكر كل الفرس،
وخارج الحصن خندق كبير لا تعبره الخيول، ثم أرض
فضاء أمام الخندق، ثم حسك الخشب. والحَسَكُ: من أَدَوات الحَرْب (خوازيق
مدقوقة في
الأرض على مسافات متقاربة)، رُبَّما يُتَّخَذُ
من حديدٍ فيُلْقَى حَولَ العَسكر، ورُبَّما اتُّخِذَ من خَشَبٍ فنُصِبَ
حولَ
العسكر.

ولا
تستطيع الخيول العَدْوَ في الحَسَكِ المدسوسة خارج حصن جلولاء، ومن الناحية
الغربية
من حصن جلولاء أحد فروع الأنهار الصغيرة تحمي هذه المنطقة، والأرض الفضاء
الموجودة
بين الحصن وبين حسك الخشب على مرمى سهام الفرس، فكانت هذه المنطقة في غاية
الحصانة
وبداخلها مائة وعشرون ألفًا من الفُرْسِ على رأسهم مهران الرازي. وصل
المسلمون إلى
هذه المنطقة وبدأ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في حصار مدينة جلولاء، ولم
يستطع
الدخول بجيشه إلى داخل الحصن لوجود الحسك والخندق، وكان الأعاجم يخرجون على
المسلمين من طرق أعدُّوها لا يوجد بها الحسك فينابذوهم،
وهذا الوقت هو الوقت المتاح لتقدم المسلمين؛ لأن
الفرس لا يستطيعون رمي السهام لتلاحم الجيشين، ومن وقت لآخر تخرج فرقة من
الفرس
فتنابذ المسلمين فيتقدم لهم القعقاع بن عمرو في المقدمة فيهزمهم، وما زال
المسلمون
محاصرين الخندق، وسيضطر الفرس يومًا للنزول؛ فحتمًا سينفد الزاد، وكان هدف
الفرس من تتابع الفرق
التي تنابذ المسلمين أن ينفد صبر المسلمين، ورغم ما بين المسلمين والفرس من
منابذات إلا أن المسلمين تجلَّدوا وصبروا لهم، وزحف الفرس على المسلمين
ثمانين زحفًا،
واستمر الحصار حول جلولاء سبعة أشهر أو يزيد، مع أن المسلمين حاصروا
بَهُرَسير
إحدى المدائن شهرين، وفتحت المدائن مباشرة دون حصار، واستمرت موقعة
القادسية أربعة
أيام، ويبقى حصن جلولاء سبعة أشهر؛ وذلك لمنعته وقوة حصانته.

وصبر
المسلمون وصابروا أهل فارس على الحصار، وصبر الفرس المحاصَرُون سبعة أشهر
على
الحصار وعلى قتال المسلمين، حتى زاد الأمر مشقة على الطرفين؛ فقد بلغ الجهد
مبلغه بالمسلمين والفرس، فأخرج الفرس في يوم من الأيام قوة ضخمة لحرب
المسلمين، فتقدم إليهم سيدنا القعقاع بن عمرو في
مقدمة الجيش الإسلامي، ودار القتال من الصباح
حتى المساء، واستمر القتال حتى بعد غروب الشمس، وفي هذه اللحظة يصل ستمائة
جندي
مددًا للمسلمين، وكان من بينهم طليحة بن خويلد
الأسدي وعمرو بن معديكرب وقيس بن مكشوح، ولهؤلاء
الثلاثة بأس شديد في القتال فزادوا من قوة وبأس المسلمين في القتال، واستمر
القتال
في الليل، وكانت هذه أول مرة بعد موقعة القادسية
يستمر القتال في الليل، وكان القتال في موقعة القادسية على أشُدِّه في
الليل في
ليلة الهرير، ويشبِّه الرواة ليلة القتال في جلولاء بليلة القتال في الهرير
في
موقعة القادسية، يقول الرواة: لم يرَ المسلمون
مثلها قَطُّ إلا في ليلة الهرير، ولكن ليلة جلولاء كانت أقصر زمنًا وأسرع
حركة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:58

حيلة القعقاع








بدأ
النصر يتجه لصالح المسلمين بعد هذه الليلة، وفكر سيدنا القعقاع بذكاء
ومهارة في أن
يخترق جيش الفرس بمقدمته، ويسيطر على مدخل
الخندق ليمنع الجيش الفارسي من العودة داخل الحصن مرة أخرى، واخترق سيدنا
القعقاع
الجيش الفارسي وبدأ يسيطر على مدخل الخندق، ودبر حيلة حيث صاح في المسلمين:
أن
أنقذوا أميركم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص من الخندق، ولا تموتوا إلا على ما
مات
عليه. وكانت حيلة من سيدنا القعقاع لتحفيز الجيش
على الهجوم بشدة على الجيش الفارسي، فحمل المسلمون بجسارة نحو الخندق لنجدة
أميرهم
وهم لا يشكون أنه فيه، وأخذ المسلمون الفرس من كل وجه، وقعدوا لهم كل مرصد،
وأعملوا أسيافهم في رقابهم.

ولما
وجد الفرس سيطرة المسلمين على الخندق ألقوا بكميات كبيرة من الأخشاب فيه
ليردموه
ويعبر جيشهم إلى الناحية الأخرى، وتضيع الفجوة
الموجودة في الخندق، وبذلك فقد الفرس الخط الدفاعي الأول، واستمر القتال
إلى صباح
اليوم التالي، واكتشف المسلمون أنهم قضوا على الجيش الفارسي الموجود في
المنطقة
إلا قليلاً من الفرق قدرت بعشرين ألفًا هربت من جلولاء،
وقتل في جلولاء مائة ألف من الجيش الفارسي، وكان
عدد المسلمين في هذه المعركة اثني عشر ألفًا،
وقد وصل إليهم ثلاثة آلاف مقاتل مددًا وكانوا من الفرس الذين أسلموا، وكانت
أول موقعة يقاتل فيها جيش من الفرس مع جيش
المسلمين ضد أهلهم، وهذا الأمر يُذْكَر للمسلمين، فقد يقاتل الإنسان مع
عدوه خفية
وينقل لهم الأسرار، لكن لم نسمع في التاريخ أن
بلدًا تُغزَى من قِبَلِ دولة أخرى ويخرج منها جيش يقاتل مع من غزاه حتى
الموت؛ فقد تحول ثلاثة الآلاف مقاتل من الكفر قبل الفتح
الإسلامي بشهور قليلة إلى أقصى درجات الإيمان الذي يؤدِّي إلى الجهاد، ومِن
ثَمَّ يعرض الإنسان نفسه بذلك إلى الموت
والشهادة.

وكان
هذا تحولاً شديد الغرابة، ولكن يذكر الله في كتابه الكريم أمثلة لذلك، منها القصة المشهورة
قصة سحرة فرعون
وما كانوا عليه من الكفر، وقد جاءوا ليواجهوا سيدنا موسى فقالوا لفرعون: {إِنَّ
لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الأعراف: 113]. وكان
جُلُّ همهم إرضاء فرعون والجري وراء الدنيا،
ويقر لهم فرعون بذلك ويقول: {نَعَمْ وَإنَّكُمْ
لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف: 114].
ثم ظهرت
لهم آية سيدنا موسى فخَرُّوا سُجَّدًا مُقِرِّين بإيمانهم لرب العالمين: {فَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ
مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 46-48].
ففي لحظة
واحدة انتقل السحرة من الكفر الشديد الذي دفعهم لمحاربة سيدنا موسى والتصدي
له، إلى الإيمان الشديد الذي جعلهم يقفون أمام فرعون لما
هددهم بقطع الأيدي والأرجل والصلب في جذوع النخل قائلين له: {قَالُوا
لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50]. يقول
الحق تبارك وتعالى مصورًا هذا المشهد: {قَالَ
آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي
عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ
مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لاَ ضَيْرَ
إِنَّا
إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا
خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 49-51]. وهذه
اللحظة التي عاشها السحرة عاشها أيضًا أهل فارس مع التغير في الزمان
والمكان، ولم
يكن ذلك التغير في عدد قليل كعدد السحرة، بل في
جيش كبير يصل تعداده إلى ثلاثة آلاف مقاتل من الفرس صار يقاتل في صفوف
المسلمين.

وبعد
حصار استمر سبعة أشهر، وبعد ثمانين زحفًا من الفرس على المسلمين، وبعد ما
بلغ
الجهد بالمسلمين مبلغه، ورأى الله
صلاح هذه القلوب وارتباطها بخالقها اِمتنَّ I
على المسلمين بنصرهم على الفرس في معركة جلولاء وافتتاحه، وكان
هذا الفتح من أكبر الفتوحات بعد موقعة المدائن، وكان الجيش الفارسي قد
اصطحب
النساء والذراري ليكونوا حافزًا لهم على القتال،
وعسكروا في مكان يدعى "خانقين" على بعد ثلاثين كيلو مترًا من جلولاء في
الشمال
الشرقي.

فاتجه
المسلمون بعد فتح جلولاء إلى خانقين مباشرة بقيادة سيدنا القعقاع بن عمرو
التميمي، وسيطر المسلمون على المنطقة وأخذوا ما فيها من
الغنائم ومن السبي ومن الذراري، وقُتِلَ في خانقين مهران الرازي قائد الجيش
الفارسي في جلولاء الذي هرب من القادسية، ثم من
المدائن، ثم من جلولاء،
استطاع القعقاع بن عمرو التميمي أن يقتله في خانقين.

وكانت
غنائم جلولاء وسبيها من الكثرة حتى إنها وُزِّعَتْ على جيش المسلمين في
جلولاء، فكان نصيب الواحد منهم كنصيب أحدهم في المدائن، وقيل: إن الفارس
أخذ في هذه المعركة تسعة آلاف درهم، وتسعة من الدواب،
وأُرْسِلَ الخُمْسُ إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة مع سيدنا زياد بن
أبي
سفيان الذي كان كاتب الحملة، أرسله سيدنا هاشم
بن عتبة بن أبي وقاص إلى سيدنا عمر في المدينة.

لما
قدم زياد بن أبي سفيان المدينة سأل عمر زياد بن أبي سفيان عن كيفية الوقعة
فذكرها
له، وكان زياد فصيحًا، فأعجب إيراده لها عمر بن الخطاب ، وأحب أن يَسْمع المسلمون منه ذلك، فقال له: أتستطيع
أن تخطب
الناس بما أخبرتني به؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد على وجه
الأرض أهيب
عندي منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك؟ فقام في الناس فَقَصَّ عليهم خبر
الوقعة،
وكم قتلوا، وكم غنموا بعبارة عظيمة بليغة، فقال
عمر: إن هذا لهو الخطيب المِصْقع. يعني الفصيح، فقال زياد: إن جندنا أطلقوا
بالفعال لساننا.

فلما
قدمت غنائم جلولاء على عمر قال: والله لا يُجنُّه سقف حتى أقسمه. فبات عبد
الرحمن
بن عوف وعبد الله بن الأرقم يحرسانه في المسجد، فلما أصبح جاء في الناس
فكشف عنه،
فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما
يبكيك يا
أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا لموْطِنُ شكرٍ. فقال عمر: والله ما ذلك
يبكيني، إن
هذا الأمر لهو أشد ما أخاف على المسلمين، وبالله
ما أَعطَى الله هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله
بأسهم
بينهم، وضاعت هيبتهم.

ووزع
سيدنا عمر بن الخطاب سبي جلولاء وكان كثيرًا؛ فكان المسلم ينال أكثر من
واحدة من
السبي، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يخاف على
المسلمين من هذا السبي أن يقعدوهم عن الجهاد في سبيل الله،
وكان دائم الاستعاذة من سبي جلولاء لكثرته.

ويرسل
سيدنا عمر بن الخطاب إلى القعقاع بن عمرو التميمي بأن يتقدم في اتجاه
"حلوان"
حيث يوجد يزدجرد، وكعادة يزدجرد هرب من حلوان إلى الشمال إلى منطقة تسمى
الري
بالقرب من بحر قزوين وترك حلوان خالية؛ فتقدم سيدنا القعقاع إليها فوجد على
مقربة
منها حامية قليلة على رأسها دهقان حلوان، فهزمها
بسهولة وسيطر على مدينة حلوان كلها.

بعد
فتح حلوان أرسل سيدنا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حملات لتطهير المنطقة،
فأرسل حملة
بقيادة سيدنا جرير بن عبد الله -وهو من قبيلة بجيلة وأحد صحابة النبي -
إلى مدينة شهرزور وفتحها صلحًا ولم يكن فيها قتال يذكر، وصالح أهلها سيدنا
جرير
على الجزية، وتقدم سيدنا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص على الجيوش في الاتجاه
الغربي
وفتح كل هذه المنطقة، ودانت هذه المنطقة للمسلمين في هذا الوقت.

وبعد
سيطرة القعقاع على حلوان ولَّى عليها قباذ وهو مسلم فارسي،
وأول فارسي يُؤَمَّر على مدينة فارسية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 17:59

فتح تكريت








في
ذلك الوقت الذي دخل فيه المسلمون فاتحين مدينة حلوان ومن قبلها جلولاء،
تحرك الجيش الموجود في المدائن بقيادة عبد الله بن
المعتم قائد ميمنة المسلمين في القادسية (وكان قد خرج في
الوقت نفسه الذي
خرج فيه سيدنا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص من المدائن إلى جلولاء كما ذكرنا
في نهاية
ربيع الأول وبداية ربيع الآخر) من المدائن إلى تكريت وهي على مسافة مائتين
وعشرين
كيلو مترًا من المدائن شمالاً حيث يواجه الجيش القادم من الموصل إلى تكريت،
وكان فيه جموع من الفرس والعرب والروم فيصل إليها
ويحاصرها، وكانت تكريت كجلولاء في شدة الحصانة
وقوة المنعة، حيث تقع المدينة على الجانب الغربي من نهر دجلة مباشرة، أما
الجانب
الشمالي والشرقي والجنوبي فيحيطه خندق ليحمي المدينة، ويحاصر سيدنا عبد
الله بن
المعتم المدينة مدة تقدر بأربعين يومًا وكان
الحصار شديدًا، وكانت قوة هذه الجموع أقل من
الجموع الفارسية في جلولاء لكونها مختلطة من الفرس والروم والعرب؛ فسبَّبَ
هذا الاختلاف ضعفًا في هذا الجيش، وفي مدة
الحصار خرج الفرس في أربعة وعشرين زحفًا تقريبًا حيث كان الزحف يتكرر كل
يومين، وانتصر المسلمون على كل زحف زحفه الفرس عليهم، وكان
جيش المسلمين خمسة آلاف مقاتل فقط.

عزم
الروم على الذهاب في السفن بأموالهم، لما رأوا من ظَفَرِ المسلمين، خاصة أن
هذه
الحرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل؛ كما أن جيوشهم
في الشام تحارب جيوشًا إسلامية هناك، فعزموا على
الانسحاب بقواتهم فوق السفن في نهر الفرات في طريقهم إلى الشمال هروبًا من
الجيش
الإسلامي، ولما علم بذلك عبد الله بن المعتم راسل من هنالك من الأعراب
خفية،
فدعاهم إلى الدخول معه في النصرة على أهل البلد، والأمان لكم إن انتصرنا
عليهم،
ورأى الأعراب أن الروم بدءوا بالهروب، والقوة الفارسية محاصرة في جلولاء
ومحاصرة
معهم في تكريت، فجاءت الردود إليه عنهم بالإجابة
إلى ذلك، فأرسل إليهم: إن كنتم صادقين فيما قلتم فاشهدوا أن لا إله إلا
الله وأن
محمدًا رسول الله، وأَقِرُّوا بما جاء من عند الله؛
ولم يكن سيدنا عبد الله بن المعتم واثقًا بإسلام الأعراب،
فوضع خطة حتى لا يغدروا بالمسلمين إن كانوا كاذبين.

فأرسل
إليهم عبد الله: إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق، فخذوا
الأبواب التي تلي دجلة وكبروا، واقتلوا من
قدرتم عليه، وأمسكوا علينا أبواب السفن، وامنعوهم أن يركبوا فيها. ثم شد
عبد الله وأصحابه، وكبروا تكبيرة رجل واحد،
وحملوا على البلد فكبرت الأعراب من الناحية الأخرى، فحار أهل البلد، وأخذوا
في
الخروج من الأبواب التي تلي دجلة، فتلقتهم إياد والنمر وتغلب، فقتلوهم
قتلاً ذريعًا،
فظنَّ الفرس أن المسلمين جاءوهم من خلفهم فهُرِعُوا إلى أبواب الحصن
ليهربوا؛
فوجدوا عبد الله بن المعتم بأصحابه بالباب واقفين فَقُتِلَ جميع أهل البلد
على
بكرة أبيهم، ولم يسلم إلا من أسلم من الأعراب من إياد وتغلب والنمر، وأرسل
عبد
الله بن المعتم "رِبْعِيّ بن الأَفْكَل" قائد مقدمته في تكريت إلى الحصنين،
وهما "نِينَوَى" و"الموصل" (وهما على بُعْدِ أربعمائة كيلو متر من
المدائن. ونينوى بها قبر سيدنا يونس ، ومنها الرجل الذي قابل سيدنا محمد
في إقفاله من الطائف "عَدَّاس"، وتسمى نينوى الحصن الشرقي، وتسمى الموصل
الحصن الغربي)،
وقال: اسبق الخبر، وسِرْ ما دون القيل، وأحيِ الليل.
وسَرَّحَ معه تغلب وإياد والنمر، فقدمهم ابن
الأفكل إلى الحصنين، فسبقوا الخبر وأظهروا الظفر والغنيمة وبشروهم، ووقفوا
بالأبواب، وأقبل ابن الأفكل فاقتحم عليهم
الحصنين وكلبوا أبوابهما، فنادوا بالإجابة إلى الصلح ودفع الجزية، وبذلك
صاروا ذمة، وقد فتحت تكريت والموصل ونينوى قبل
فتح جلولاء.

بعد
فتح جلولاء وخانقين وحلوان يتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا من أعجب قراراته، وكان لهذا القرار الأثر
الكبير على الجيش
الإسلامي والجيش الفارسي نفسه، حيث لم يتوقع أحد من الجيش الفارسي أن يوقف
سيدنا
عمر بن الخطاب الفتوحات في الدولة الفارسية،
ويتخذ قرارًا كهذا في مثل هذا الوقت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:00




فتح الحيرة والأنبار




مقدمة








بعد
أن فتح سيدنا خالد بن الوليد قصر الخورنق توجه إلى "الحيرة"، وهي كما
قلنا الحلم الذي يتسابق عليه المسلمون، وكانت الحيرة مدينة عظيمة من مدن
العراق بل
هي أكبر مدينة في جنوب العراق، وتقع هذه المدينة على نهر الفرات في مواجهة
سواد
العراق، أو في مواجهة الجزيرة بين نهري الفرات ودجلة على مسافة تكاد تكون
قريبة من
المدائن على مقدمة الصحراء، وعلى حدود تقترب من الشام ويمر عليها نهر
الفرات الذي
تأتيه السفن التجارية من السِّنْدِ والهِنْد والصِّين؛ فهذه المدينة من
المدن
المهمة جدًّا، وفيها من القصور والمباني الفاخرة
الكثير، ويسكن معظمها نصارى العرب ولكن يحكمها الفرس كما قلنا، إذ كان
يحكمها
"آزاذبه" الذي كان أميرًا فارسيًّا عليها؛
لأنها كانت موالية للفرس منذ فترة طويلة منذ أن تملكها أو ترأس عليها
النعمان بن
المنذر وحتى هذه اللحظة، فهي مدينة قديمة وعظيمة في الفرس؛ ولذلك جعل سيدنا
أبو
بكر الصديق ملتقى الجيشين في الحيرة.

وصلت
جيوش خالد بن الوليد ذات الثمانية عشر ألف مقاتل إلى الحيرة فوجدوا فيها
أربعة
حصون:

الحصن
الأول: يُسمى القصر الأبيض، وكان فيه إياس بن قبيصة، وهو رجل نصراني، وكل
أمراء
الحصون من النصاري أيضًا، وحصن آخر يُسمى قصر
العبسيين كان فيه رجل يسمى عدي بن عدي المقتول،
وحصن ابن مازن فيه حيري بن أكان، وحصن ابن بقيلة وكان فيه عمرو بن عبد
المسيح،
وكان أكبر هؤلاء الأمراء، وفي بعض الروايات أنه
تجاوز الأعوام المائة.

كانت
هذه الحصون الأربعة من الشدة والمناعة، بحيث إن أهلها يستطيعون أن يمكثوا
فيها
أيامًا وشهورًا دون أن يكونوا بحاجة إلى الخروج منها.

وعندما
وصل خالد بن الوليد إلى الحيرة وجد جميع أهل الحيرة متحصنين داخل
هذه الحصون الأربعة بعد أن تركهم (آزاذبه) بجيشه وانصرف إلى المدائن.

جعل
خالد بن الوليد لنفسه قاعدة بعيدة عن القصور، وأرسل مجموعة من أمهر قواده
لحصار
هذه الحصون، فأرسل ضرار بن الأزور لحصار القصر الأبيض، وأرسل سيدنا ضرار بن
الخطاب
لحصار قصر العبسيين، وكان ضرار بن الخطاب هذا زميلاً لخالد بن الوليد منذ
أيام
"أُحُد" أيام الشِّرك، فقد كان ضرار
في كتيبة خالد بن الوليد التي هزمت المسلمين في موقعة "أُحد"، وأسلم
ضرار في فتح مكة، وشهد مع خالد بن الوليد جميع الفتوح في
حروب الردة، وفي مواقعه في العراق، وهو ليس أخًا لعمر بن الخطاب،
ولا لزيد بن الخطاب، لكنه أخٌ لهما في الإسلام.

القصر
الثالث قصر ابن مازن عليه ضِرَار بن مُقرِّن وهو أحد الإخوة العشرة، أولاد
مقرن
المزني، ثم جعل خالد بن الوليد حصار القصر الرابع قصر ابن بقيلة إلى المثنى بن
حارثة.

وتقدمت
الجيوش الأربعة لحصار هذه الحصون، وأرسل خالد بن الوليد إلى أهل هذه القصور
الأربعة رسالةً تدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، وأعطاهم مهلة
يومًا يبدأ
الضرب بعده.

بعد
مرور المهلة بدأ المسلمون يرمون القصور بالأسهم والنبال، فسمعوا أهل القصور
يقولون: عليكم بالخزازيف. وهذه الكلمة جديدة على
المسلمين لا يعرفون معناها، ولكنهم ابتعدوا عن مرمى أهل هذه القصور، ثم
ظهرت
الخزازيف وهي عبارة عن مقاليع ضخمة تقذف كرات من الخزف، صُنِعَتْ هذه
الكرات من
الطين وأوقدت عليها النيران حتى أصبحت خزفًا فهي تشبه قنابل أو أحجارًا
ضخمة
تُقذَف بالمقاليع على جيش المسلمين، وكان من حُسْنِ تقدير المسلمين
الابتعاد عن
مرمى هذه القصور فلم تصبهم هذه الخزازيف بشيء، وكانت قوة الرمي عند
المسلمين أقوى
وأعظم، فكانت سهامهم تصل إلى داخل هذه القصور؛ فتصيب مَنْ بها من الناس ولا
تفرِّق
هذه الأسهم بين جندي وبين رجل غير مقاتل وبين راهب في معبد لا تفرق بين
أحد؛ لأنها
تسقط داخل القصور، فعندما كثرت الإصابات خرج الرهبان من ديارهم وقالوا: يا
أهل
القصور، والله ما يقتلنا إلا أنتم...، فليس لكم إلا الاستسلام.
وبالفعل اجتمع أهل هذه القصور الأربعة على الاستسلام، وكان أولهم استسلامًا
أكبرهم
سنًَّا؛ عمرو بن عبد المسيح وأرسل إلى خالد بن الوليد رسالة يخبره فيها
برغبته في
التفاوض معه على الجزية.


خالد يدعو الأمراء إلى الإسلام




بعد
أن أعلنت هذه الحصون استسلامها خرج من كل حصن أميرُه، فأرسل أمراء الحصار
من المسلمين
مع كل أمير من أمراء الحصون الأربعة رسولاً ليوصله إلى خالد بن الوليد،
وظلوا هم
على حصار الحصون لئلا يكون هناك خديعة للمسلمين من أهل هذه الحصون، وقابل
خالد بن
الوليد كل أمير منهم على حدة، ثم قابلهم مجتمعين، وتحدث معهم وقال لهم:
ماذا
تريدون؟

قالوا:
ما لنا بحربكم من حاجة، ولكن ندفع الجزية.

فقال
لهم: والله إن الكفر لَفَلاةٌ مُضِلَّة (أي كالصحراء المتسعة التي يَضِلُّ
من يسير
فيها)، فعجبًا لكم كيف تُستَذَلُّون بأعجمي
وتتركون العربي؟!

وحزن
خالد بن الوليد على عدم إسلامهم، ووافق على الجزية، وهو -كما نرى- كان الأحبَّ إليه أن يسلم هؤلاء القوم
ويتركهم وحالهم،
ولكنهم أبوا أن يسلموا وأصرُّوا على ما هم عليه من الكفر والضلال.

قدَّر
خالد بن الوليد الجزية عليهم بعد أن قام بعدّهم وأخرج منهم
المسنّين، فوصلت
الجزية إلى مائة وتسعين ألف درهم في السنة،
وسمِّي هذا صلح الحيرة، وكتب عهدًا بذلك على أن يمنع المسلمون عنهم الأذى سواء من
المسلمين أو
من غيرهم، فلو أن الروم أرادوا حرب أهل الحيرة فعلى المسلمين أن يردوهم
عنهم، وإلا
فلا جزية عليهم، وذلك لأن الجزية مقابل الحماية، ووافق أهل هذه القصور
الأربعة
وأعطوا خالد بن الوليد مائة وتسعين ألفًا من الدراهم بعد أن جمعوها في أكثر
من شهر من
أهل هذه القصور ممن يستطيعون القتال.

عدل
المسلمين ونزاهتهم


ووافق
هذا الأمر عيدًا عند الفرس يُسمَّى عيد النيروز حيث كانوا في مدخل الصيف
-وكان
عندهم عيد آخر في مدخل الشتاء يُسمَّى (عيد المهرجان)- وكان من عادة الفرس
في هذه
الأعياد أن يذهبوا إلى القرى التي يمتلكونها من العرب،
فيعطيهم العرب الهدايا أمنًا لجانبهم (أي إتاوة تُفْرَض على العرب من جانب
الفرس)،
وكان أهل الحيرة ممن تعودوا هذا الأمر؛ فأعطوا خالد بن الوليد من هذه
الهدايا
الكثير، إضافة إلى الـ 190.000 درهم، وعندما أرسل خالد هذه الهدايا والـ 190000 ألف درهم إلى أبي بكر
الصديق
في المدينة المنورة؛ أَبَى أبو بكر الصديق
إلا أن تُحْتَسَب هذه الأموال من الجزية،
وتُردُّ لهم بقية هذه الأموال. وبالفعل أُعِيدت
الأموال الزائدة إلى أهل الحيرة، وكان لهذا الأمر أثر عظيم على أهل الحيرة
الذين
انتقلوا من المجوسية ومن النصرانية إلى الإسلام.

وبهذا
فتح خالد بن الوليد أعظم مدينة في جنوب العراق، واتخذها قاعدة له ينطلق
منها إلى
غيرها من الأماكن.

كانت
أولى مواقع المسلمين "كاظمة" في الفرس في شهر المحرم، ومَرَّ على المسلمين
شهر صفر ثم أوائل شهر ربيع الأول، ففي أقل من ستين يومًا كان المسلمون
يمتلكون هذه
المنطقة.

علم
خالد بن الوليد وهو في الحيرة أن هناك بعض تجمعاتٍ للفُرْسِ في مدينة
كربلاء، وهي
على بُعد مائة كيلو متر من الحيرة، فأرسل لها
كتيبة بقيادة عاصم بن عمرو التميمي، ففتحها
وقاتل أهلها وانتصر عليهم، وأصبحت "كربلاء" هذه حتى هذه اللحظة حدود
المسلمين الشمالية في العراق.

علم
خالد بن الوليد أيضًا أن (جابان) الذي كان يرأس جيش الفرس في موقعة
(أُلَّيْس)
وهرب منها بعد أن انتصر المسلمون على الفرس، قد تجمع ببعض الجيوش في
(تُسْتَر)؛
فأرسل له جيشين: أحدهما بقيادة المثنى بن حارثة، والآخر بقيادة حنظلة بن
الربيع. وتوجه الجيشان من الحيرة حتى حدود المذار، وقبل أن
يتجاوزاه إلى "تستر" علم جابان بتقدم الجيشين فانسحب بجيشه إلى داخل
فارس ولم يقاتل.

سيطر
المسلمون سيطرة كاملة على هذه المنطقة، وبدأ سيدنا خالد بن الوليد يحاول أن
يوسع
دائرة أملاك المسلمين في هذه المنطقة، وأتاه في هذا الوقت أهل مدينة
"باروسما"، وأهل مدينة "بانِقيا"
يعاهدونه على الصلح؛ فذهب إليهم خالد بن الوليد، وقالوا له: إنهم يريدون
الصلح على
أن يعطوه الجزية. فوافقهم وأعطاهم كتابًا بهذا،
وكان صلح "بارُوسما" و"بانِقيا" على
ألفي ألف درهم في السنة وهو ما يساوي مليوني درهم؛ وذلك لأن هذه المنطقة
كانت
منطقةً غنيةً وحافلة بالناس، وفيها الكثير ممن
يمتلكون الأموال فَقُدِّرت عليهم الجزيةُ بألفي ألف درهم في السنة، وأعطيت
للمسلمين وبذلك قويت شوكة المسلمين، وأصلحوا من أسلحتهم ومن أمتعتهم، وصارت
لهم
السيطرة الكاملة في هذه المنطقة.

بدأ
خالد بن الوليد يُعِدُّ الحاميات التي تحمى هذه المنطقة؛ فقد أصبح له من
الجيوش في
هذه المنطقة الكثير، فيقسِّم سيدنا خالد بن الوليد المنطقة الشمالية إلى
سبع مناطق
رئيسية، وجعل نفسه في "الحيرة" حيث كانت هي المركز الرئيسي لإدارة
الحرب،
ثم جعل سبعة جيوش على حدود المنطقة التي فتحها المسلمون حتى الآن.

فجعل
المثنى بن حارثة -وكان في كل مواقع المسلمين هو قائد مقدمة المسلمين؛ لأنه
كان أعلم
الجيش بالعراق، وأقدر المسلمين على قتال فارس؛ ولأنه كان من قبيلة شيبان،
وكان
يسكن شمالي الجزيرة العربية، وكان يعلم هذه البلاد جيدًا، وكان أقدر على
قتال
الفرس، وهو أول من نصح سيدنا أبا بكر الصديق بقتال الفرس- على أقرب المواقع
إلى
الفرس "المدائن"؛
لأن هذه هي أخطر نقطة من نقاط المسلمين، وجعل ضرار بن الخطاب على رأس
حامية، وضرار
بن الأزور على رأس حامية، وضرار بن مقرن على رأس حامية، وبسر بن أبي رُهم
على رأس
حامية، وبسر هذا الذي كان قائدًا لأحد الفريقين اللذَيْن قاما بالكمين في
موقعة
الولجة كما نذكر، والكتيبة السابعة بقيادة عتيبة بن النهاس على حدود منطقة
الحيرة
الجنوبية، وجعل القعقاع بن عمرو على هذه المنطقة
الواسعة في وسط العراق، والقعقاع بن عمرو في هذا الوقت كان بمنزلة النائب
لخالد بن
الوليد في الحروب، فهو نائب القائد الأعلى للقوات الاسلامية في ذلك الوقت
فجعله
خالد قريبًا منه، ثم جعل هذه المنطقة كلها تحت إمرته
مباشرة في الحيرة،
وأمَّر سيدنا عاصم بن عمرو التميمى على كربلاء، وجعل على إمارة منطقة
الأُبُلَّة
-وهي من المناطق المهمة جدًّا- سيدنا سويد بن مقرن، وقسم الحاميات إلى
ثلاث: حامية
بقيادة حسكة الحنظلي، وحامية بقيادة الحصين بن أبي الحر، وحامية أخرى
بقيادة عتيبة بن النَّهَّاس، فهؤلاء
هم الأمراء الأحد عشر الذين عيَّنَهُم خالد بن الوليد على المناطق المختلفة
التي
فُتِحَتْ في العراق، وبدأ سيدنا خالد بن الوليد في شنِّ الغارات الخفيفة
على أهل
فارس رغبة في تجميع الغنائم وتقوية شوكة المسلمين، وبث الرعب في قلوب
الفرس، وكثير
من الفرس وأهل هذه المنطقة إما أنهم دفعوا الجزية أو أنهم أَجْلَوْا تمامًا
عن
المنطقة؛ لقوة وبأس المسلمين في هذا الوقت، ودامت السيطرة للمسلمين في هذه
المنطقة.


موقف عياض بن غنم




فعل
خالد بن الوليد كل هذا، وما زال سيدنا عياض بن غَنْم يقف أمام أول حصن من
حصون
فارس من جهة المنطقة التي ذهب يفتحها -شمال الجزيرة العربية- وهي منطقة
دومة
الجندل، وقد كان حصنًا عظيمًا للفرس في شمال الجزيرة العربية، ولم يتمكن
سيدنا عياض حتى هذه اللحظة من فتح هذا
الحصن.

على
الجانب الآخر نجد أن خالد بن الوليد قد أتم مهمته على خير ما يمكن أن
يُتِمَّ
قائدٌ مهمتَه، وهو يفكر الآن ماذا يفعل بعد أن أتم مهمته في وقت قياسي، فقد
قطع مئات الكيلو مترات، وانتصر على مئات الآلاف
ممن كانوا في جيوش الفرس، وفتح الحيرة وظل منتظرًا في الحيرة حوالي ثلاثة
شهور،
دون أن تصل أخبار عن انتصارات لعياض بن غنم، وهو الآن يفكر: هل أتوجه إلى
المدائن
لفتحها أم أذهب إلى عياض بن غنم لمساعدته؟ ولكن في توجهه إلى المدائن
مخالفة لأمر
أبي بكر الصديق ؛ لأنه قد أمر بأنه إذا اجتمع الجيشان في الحيرة
يُؤَمَّر
عليهما من يصل أولاً إلى الحيرة، ثم يتوجه الجيشان معًا إلى المدائن، وهذا
هو
الرأي الأصوب، فكيف يقاتل خالد بن الوليد في المدائن،
وفي ظهره جيوش الفرس التي تحارب عياض بن غنم؟ وماذا يفعل إذا انتصرت هذه
الجيوش
على عياض؟!

كان
من المفترض أن يتقدم عياض بن غنم من دومة الجندل بعد أن يفتحها إلى شمال
العراق،
ثم ينزل من شمال العراق حتى الحيرة، وهنا يقوم خالد بما كان يُتوقع أن يقوم به عياض، فيتوجه بجيشه من
الحيرة إلى
كربلاء والتي تقع في أقصى شمال المنطقة التي استولى عليها المسلمون وعليها
عاصم بن
عمرو التميمي، ويستخلف على الحيرة نائبه المظفر القعقاع بن عمرو التميمي،
ويُوكِل
إليه قيادة كل هذه الجيوش الموجودة في هذه المنطقة، ويأخذ معه جيشًا ويتوجه
إلى
"كربلاء"، وفيها يوافيه عاصم بن عمرو
التميمي بالأخبار والأنباء عن موقف الفرس في هذه المنطقة.


فتح الأنبار وعين التمر




وكان
الفرس في هذه المنطقة يتجمعون في ثلاثة أماكن رئيسية؛
منطقة على نهر الفرات تُسمَّى (الأنبار)، وهي حصن منيع جدًّا من حصون
الفرس،
ومنطقة (عين التمر)، ومنطقة تُسمَّى (الفِرَاض) وهي قريبة من الشام، وكانت
الشام تابعة للروم.
وبدأ خالد بالتوجه إلى الأنبار بجيشه، وعندما وصل إليها وجدها
محصنة بحصن
منيع وحولها خندق عظيم، وكان من عادة الفرس في قتالهم أن يحفروا الخنادق
حول
الحصون -ولعلنا نتذكر رأي سلمان الفارسي في غزوة الخندق والذي أشار على النبي بحفر خندق حول المدينة المنورة- وكان على إمرة
الأنبار فارسي
يُسمَّى "شيرازاد" وكان أميرًا جبانًا، فعندما علم بقدوم خالد بن الوليد
قال: إذا قدم خالد فليس لنا إلا الهزيمة. وعندما
وصل إليه خالد خيَّره بين ثلاث: إما أن يُسلِم
فَيَسْلَم، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم،
وإما أن يعطي الجزية عن يدٍ وهو صاغر، وإما أن يُقتَل.
ولكن يُصِرُّ شيرازاد على القتال، وهو يعلم في داخل نفسه أنه مهزوم، ويقف
أهل
الأنبار أعلى الحصن ليرموا المسلمين، وبخبرته الثاقبة في الحروب يرى خالد
بن
الوليد أن هؤلاء القوم يقفون أعلى الحصون دون أن يحاولوا
الاختباء، فيقول
لجيشه: والله إن هؤلاء قوم ليس لهم علم بالحرب؛ فسددوا أسهمكم إليهم في
رمية رجل
واحد واختاروا العيون!

ووقف
الرماة المهرة في مقدمة صفوف المسلمين، واستعدوا للأمر،
وفي لحظة واحدة أشار خالد بن الوليد فانطلقت مئات الأسهم من الجيش المسلم
نحو أهل
الأنبار ففُقِئَت في أول رمية ألفُ عين، ولهذا سُمِّيت هذه الموقعة موقعة
(ذات
العيون)، فأعلن شيرازاد ومن معه الاستسلام مباشرة، وقالوا: نرضى النزول على
حكم
المسلمين، ولكن لنا شرط واحد، وهو أن يخرج
شيرازاد في حامية صغيرة من جيشه لا تتجاوز الجنود العشرة دون سلاح ودون مال
إلى
المدائن. وهذا -كما نرى- هربٌ من المعركة، ووافق خالد بن الوليد حقنًا
للدماء وحفاظًا على
الأرواح، وخرج أولئك الجنود بشيرازاد وتوجهوا إلى المدائن، وعندما وصلها
لامه
(بهمن جاذويه) قائد الجيوش الفارسية على مقدمة المدائن، فقال له: كيف أقاتل
من فقأ
ألف عين في أول رمية؟!

ودخل
خالد بن الوليد الأنبار، ولم يقتل فيها أحدًا؛
لأنه لم يكن هناك قتال، ولكنه سبى الكثير من أهلها، وكان منهم أربعون
غلامًا
يتعلمون الإنجيل في كنيسة من الكنائس، وكان من هؤلاء الغلمان الأربعين
غلامٌ صغير
يُسمَّى نُصَيرًا، وغلام آخر يُسمى سيرين، وقد أسلم كل منهما، وتزوج نصير
وأنجب
موسى بن نصير الذي فتح الأندلس، وأنجب سيرين محمد بن سيرين أحد كبار علماء
المسلمين، وأحد كبار التابعين.

وبعد
أن انتهى خالد من الأنبار توجه بعدها إلى عين التمر، وهي على بعد
100 كيلو مترٍ
من الأنبار، ويعلم أهل عين التمر بما يقدم عليه خالد بن الوليد ،
وأهل عين التمر قسمان: قسم فارسي وقسم عربي، فهذه المنطقة كما نعرف منطقة
عربية
تحت إمرة فارسية، وكان على رأس القوة الفارسية في هذه المنطقة رجل يُسمَّى
"مهران"،
وعلى رأس القوة العربية النصرانية رجل يُسمَّى عُقة بن أبي عُقة، وكان هذا
الرجل
على درجة عالية من الغرور، فكان يقول لمهران:
نحن أعلم بقتال العرب، فدعونا نقاتل العرب.

فيقول
مهران: نعم، أنتم أعلم منا بقتال العرب، وأنتم
مثلنا في قتال العجم.

وتقدم
عَقَّة بن أبي عقة ليلاقي جيوش خالد بن الوليد، ويلوم الفارسيون مهران على
قوله أن
عقة والعرب أعلم منهم بقتال العرب، فيقول لهم: والله إني رأيت جيشًا لا يقف
أمامه
أحد، فقلت: أتّقيه بهم، فإن انتصروا فالنصر لكم،
وإن هُزِمُوا جاء جيش المسلمين إلينا وفيه ضعف من أثر لقائهم.

وعسكر
عقة بجيشه على مسافة 20 كيلو مترًا من عين التمر، في منطقة تسمى الرمالية،
وتقدم
خالد بن الوليد بجيشه والتقى مع هذا الجيش، ووقف الجيشان،
وكعادة الجيوش يخرج واحد من كل جيش للمبارزة وإظهار القوة، وخرج من جيش
العرب
النصراني عقة بن أبي عقة ويطلب من يبارزه، ويخرج إليه خالد بن الوليد -ويا
ويل عَقَّة
من خالد!- ويفعل سيدنا خالد
شيئًا لم تعهده الجيوش ولا المحاربون قبل ذلك، فلم يقتل عَقَّةَ وإنما أطاح
بالسيف
من يده، ثم أخذه أسيرًا ورجع به إلى جيش المسلمين؛
إمعانًا في إذلاله وإظهارًا لقوة الجيش المسلم، ولأمر مهم ينتظر عُقَّة.

وعلى
الفور بدأ جيش عُقّة يفرُّ هربًا من المسلمين ولم يحدث قتال يُذْكَر بين
الفريقين،
وظل المسلمون يتتبعون الجيش الفارَّ حتى "عين التمر".

وخلال
مسافة الـ 20 كيلو مترًا من موقع المعركة وحتى عين التمر،
يقتل المسلمون منهم ويأسرون، حتى يصل الفارّون إلى الحصن الذي كان فيه
الجيش
الفارسي بقيادة مهران، فيدخل منهم من يدخل،
ويضيق الحصن عليهم فيغلق باب الحصن أمام باقي الفارِّين، ويقتل المسلمون
مَن بخارج
الحصن، ثم يقتلعون الباب ويدخلون، ويضعُ سيدنا خالد عُقّة في مقدمة الحصن
من
الداخل ويقطع رأسه، فتبلغ الهزيمة النفسية من
أهل الحصن مبلغًا كبيرًا، ويُمْعِن المسلمون القتلَ فيهم، ثم يهرب الأمير
الفارسي
مهران إلى الشمال متوجهًا إلى المدائن كعادة الأمراء الفارسيين.

ويسيطر
خالد بن الوليد على عين التمر التي كانت من نصيب عياض بن غنم، لكنّ
خالدًا كان له السبق في هاتين الموقعتين (الأنبار وعين
التمر) اللتين
كانتا من نصيب عياض .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:01

معركة دومة الجندل




في
هذا الوقت كان عياض بن غنم ما زال في موقف صعب ويصل إليه مدد أبي بكر
الصديق ، وعلى رأس المدد الوليد بن عقبة وكان في جيش خالد بن
الوليد ،
وأرسله خالد إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم جميعًا- بالغنائم من موقعة
"المزار"، ويعيده سيدنا أبو بكر مددًا إلى عياض بن غنم.

وعندما
يصل إلى عياض بن غنم ويرى الموقف على هذا الوضع؛ المسلمون يحاصرون دومة
الجندل،
والمشركون في داخل الحصن، والعرب والفرس يحاصرون أجزاء من جيش المسلمين من
حصن
آخر، وكلا الفريقين أصابه التعب والإرهاق.

فيشير
الوليد بن عقبة على عياض بن غنم أن يستعين بخالد بن الوليد، ويوافق عياض
ويرسل رسالة إلى خالد بن الوليد في "عين التمر"، وتصل الرسالة (ودومة
الجندل هذه على بعد 500 كيلو متر من الحيرة وتقع في عمق الصحراء)، وبمجرد
الانتهاء
من الأنبار في 4 من رجب 12هـ، وعين التمر في 11 من رجب، تصل رسالة عياض بن
غنم إلى
خالد ، يرد عليه برسالة قصيرة من كلمتين فقط: "إياك
أريد".

وأرسل
الرسول بالرسالة، وتبعه بالجيش على الفور، وقطع هذه المسافة 500 كيلو مترٍ،
وهي
مسافة طويلة جدًّا، خاصة بعد أن خاض هذا الجيش
الكثير من المعارك.

كان
على رأس دومة الجندل اثنان من العرب أحدهما: أكيدر بن عبد الملك، والآخر
يُسمَّى:
الجودي بن ربيعة. أكيدر بن عبد الملك هذا كانت
له تجربة سابقة مع خالد بن الوليد، وقد تعلم درسًا قبل ذلك من خالد .

فبعد
غزوة تبوك أرسل النبي خالد بن الوليد في كتيبة لتأديب هذه المنطقة "دومة
الجندل"، والتي كانت تساعد الروم على حرب
المسلمين في تبوك، وكان على رأس هذه المنطقة ساعتها أكيدر هذا وأخوه
حَسَّان بن
عبد الملك، وتتقدم الكتيبة وتقتل حسَّان بن عبد الملك، وتأسر أخاه أكيدر
وتذهب به
إلى النبي ، ويُطلقه الرسول على ألاّ يمس المسلمين بسوء، بعد أن يعاهده على ذلك،
ويعيده الرسول إلى دومة الجندل ولكنه يخالف عهده مع الرسول ،
ويقاتل عياض بن غنم في أول مناسبة تسنح له بذلك بعد وفاة النبي .

إذن
فقد خالف أكيدر بن عبد الملك العهد وعليه جزاؤه، ويتقدم خالد بن الوليد
بجيشه
فيقول أكيدر: والله لا يرى قومي وجه خالد إلا هُزِمُوا،
قلُّوا أو كثروا، فالرأي أن نصالحهم. ولكن الجودي بن ربيعة يتجبر ويتكبر
ويقول: كيف
نصالحهم؟! لا بُدَّ أن نقاتلهم.

ولكن
أكيدر بن عبد الملك يعلم حجمه أمام خالد ، ويأخذ بعض جيشه وينسحب هاربًا من دومة
الجندل ويتوجه إلى شمال العراق، حتى يفلت من جيش خالد بن الوليد، ولكن
مخابرات
خالد بن الوليد كانت في منتهى الدقة، فقد علموا -وهم ما زالوا في الطريق
إلى دومة
الجندل- أن أكيدر بن عبد الملك قد هرب من طريق في شمال دومة الجندل متجهًا
إلى
العراق، فيرسل خالد كتيبة بقيادة الصحابي الجليل الأقرع بن حابس، وكان
على مقدمة جيش خالد بن الوليد في موقع المثنى بن حارثة الذي استخلفه خالد
على أقرب نقطة من المدائن.

وتخرج
هذه الكتيبة وتأسر "أكيدر بن عبد الملك" ويأتون به، فيقول لخالد بن الوليد:
والله ما خرجت إلا
لِتَلَقِّي الأمير!! ولا يقبل منه خالد بل يقطع رقبته.

ثم
توجه خالد بعد ذلك إلى دومة الجندل، وكان بها حصن منيع، ولكنه
لا يكفي
لأعداد الفرس والعرب النصارى، فيتوجهون لقتال خالد ، ويرسل خالد لعياض بن غنم أن يبقى كما هو في الجنوب ولا ينضم
لجيش خالد، ويتجه
خالد من شمال دومة الجندل حتى يفتحا المدينة، ويشتتا جيش
الفرس والعرب
الموجودين في هذا المكان بين الشمال والجنوب، واستطاع المسلمون أن ينفذوا
هذه
الخطة، ويقاتل خالدٌ الجيش الأول بقيادة الجودي بن ربيعة، ويقتله بنفسه،
وينتصر أيضًا
جيش عياض بن غنم على الجزء الذي يقابله من جيش الفرس والنصارى، وبهذا يتم
النصر للمسلمين في دومة الجندل وتُفتح في
24 من رجب 12هـ، أي بعد "عين التمر" بثلاثة عشر يومًا.

ثم
بعد أن تمكن له الوضع في دومة الجندل؛ طهَّر هذه المنطقة وترك عليها حامية،
وعزم
على العودة بجيشه إلى عين التمر، وقبل أن يصل إليها تصل الأخبار إلى
القعقاع بن
عمرو خليفة خالد بن الوليد على "الحيرة" أن الفرس يحشدون الحشود لمقاتلة
المسلمين، وكما نرى فخالد بن الوليد في مكان بعيد تمامًا عن هذه المنطقة،
وهو ما زال في دومة الجندل والحشود تحتشد لقتال المسلمين،
والقعقاع بن عمرو بمفرده وليس معه خالد.

تُرَى
ماذا يفعل القعقاع بن عمرو أمام هذه الجيوش العظيمة التي تحتشد له في شمال
العراق
لقتاله؟ وماذا يكون ردُّ فعل خالد بن الوليد عندما يعلم بهذا الأمر وهو في دومة الجندل؟

هذا
ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:02




فتح الأهواز




مقدمة


تحدثنا في الدرس السابق عن الجبهات الثلاث التي حشدت جموعها لقتال
المسلمين وأتم الله فتح الجبهة الأولى جلولاء على يد هاشم بن عتبة بن أبي
وقاص وتم فتح حلوان على يد القعقاع بن عمرو، والجبهة الثانية تكريت تم
فتحها على يد عبد الله بن المعتم ثم فتح نينوى والموصل على يدي ربعي بن
الأفكل، والجبهة الثالثة التي لم نتحدث عنها في الدرس السابقة هي جبهة
الأبلة.
فتح الأبلة



وقبل أن نتكلم عن فتح الأبلة نذكر أحداثها منذ أيام القادسية، فبعد
انتصار المسلمين في معركة القادسية عزم سيدنا عمر بن الخطاب على إرسال جيش
إلى الأبلة ليشغل الفرس عن مساعدة إخوانهم في المدائن، وذلك تيسيراً لفتح
مدينة المدائن على الجيش الإسلامي المتوجه من القادسية ، فيرسل سيدنا عمر
بن الخطاب جيشاً إلى الأبلة على رأسه عتبة بن غزوان من صحابة النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يكن جيشاً كبيراً فقد وصل عدده إلى خمسمائة مجاهد كان
غرضهم شغل الهرمزان عن هذه المنطقة.
ويرسل سيدنا عمر بن الخطاب برسالة إلى سيدنا عتبة بن غزوان، قال له فيها
: "يا عتبة، إن الله قد فتح على إخوانكم الحيرة وما حولها (يقصد منطقة
القادسية)، وقتل عظيم من الفرس (يقصد رستم)، ووطئت خيل المسلمين أرض بابل
(وذلك بعد انتصار المسلمين في موقعة بابل في اتجاه المسلمين من القادسية
إلى المدائن) ، ولست آمن أن يمدهم إخوانهم من أهل فارس فإني أريد أن أوجهك
إلى الأبلة لتمنع أهل تلك الجيزة (المنطقة) من الأهواز وميسان عن إمداد
إخوانهم على إخوانكم, وقاتلهم حتى يفتح الله عليكم فسر على بركة الله واتق
الله ما استطعت واحكم بالعدل وصلِّ الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله..."، وهذه
وصايا لجيش يذهب ليفتح مدينة من مدن الفرس وإن كانت الوصية في بدايتها
وصية عسكرية، لكن الأهم في هذه الوصية هو مفتاح النصر الذي يكرره سيدنا عمر
بن الخطاب في وصاياه لكل الأمراء.
وكانت هذه من الأهمية بمكان عند المسلمين أن تقام الصلاة على وقتها، فلم
يترك المسلمون الصلاة حتى في أشد لحظات القتال، ويقول الرواة : إن
المسلمين كانوا يصلُّون إيماءً في معركة جلولاء حتى لا يضيع وقت الصلاة
ولأن القتال كان مستمراً بالليل والنهار.

" ...وإياك أن تنازعك نفسك إلى كِبْرٍ مما
يفسد عليك إخوتك، وقد صحبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعززت به بعد
الذلة، وقويت به بعد الضعف، حتى صرت أميراً مسلطاً وملكاً مطاعاً، تقول
فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيالها نعمة إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك على
من دونك، واحتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، ولهي أخوفهما عندي عليك أن
تستدرجك وتخدعك فتسقط سقطة تصير بها إلى نار جهنم، أعيذك بالله ونفسي من
ذلك. إن الناس أسرعوا إلى الله حتى رفعت لهم الدنيا فأرادوها، فأرد الله
ولا ترد الدنيا، واتق مصارع الظالمين " .
وكانت أول وصية وصاها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للجيش الإسلامي
وهو متحرك من المدينة إلى القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص كانت تقوم على
أمرين أساسين :هما تقوى الله والخوف من المعاصي، فكان سيدنا عمر بن الخطاب
يخاف على المسلمين من المعاصي أكثر مما يخاف عليهم من جيش فارس رغم رهبة
المسلمين لجيش الفرس.
وبعد هذه الفتوحات التي امتن الله بها على المسلمين وبعد أن دانت أرض
فارس للمسلمين وبعد السبي والغنائم والذهب والفضة والأموال أصبح سيدنا عمر
يخاف على المسلمين من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية، فأعداء الجيش
الإسلامي كما يراها سيدنا عمر ثلاثة أعداء : فأخطر عدو النعمة ثم المعصية
ثم جيش فارس.
وهذه الوصية وجهها سيدنا عمر بن الخطاب لرجل من صحابة النبي صلى الله
عليه وسلم، كان من أتقى الصحابة وأورعهم ، وكان بعيداً كل البعد عن
الإمارة، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يمتنع عن وصية أحداً
حتى ولوكان من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول لسيدنا سعد بن أبي
وقاص :"يا سعد لا يغُرَّنَّك أن قِيل: خال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
وصاحبه، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة".
وكان لا يخشى أن يقول لسيدنا سعد : اتق الله في جندك رغم ما عليه سعد من
تقوى وورع .
ويتوجه إلى الأبلة الجيش الإسلامي بقيادة سيدنا عتبة بن غزوان ويعسكر
الجيش الإسلامي قرب الأبلة، وكانت الأبلة قد فتحت في العام الثاني عشر من
الهجرة على يد سيدنا خالد بن الوليد وظلت مع المسلمين لمدة عام واحد إلى أن
تجهز المسلمون لموقعة القادسية فانسحبت كل الجيوش الإسلامية من كل المناطق
الفارسية إلى القادسية وترك الجيش الإسلامي منطقة الأبلة، فكان هذا إذن
هوالفتح الثاني للأبلة : فعسكر سيدنا عتبة بن غزوان وانتظر أن يهاجمه الفرس
وكان هدفه هو شغل الجيش الفارسي الموجود في الأبلة عن الذهاب إلى
المدائن،وذلك قبل فتح المدائن وبعد موقعة القادسية مباشرة، وبعد شهر عسكره
سيدنا عتبة من غزوان قُرْبَ الأبلة يخرج إليه حاكم الأبلة في أربعة آلاف
مقاتل من الفرس وكان حاكمها قبل ذلك هرمز وقتله سيدنا خالد بن الوليد.
وانتقص قائد الجيش الفارسي بالجيش الإسلامي لقلة عدده وقال: "ما هم إلا
ما أرى" , وقال لجنده :اجعلوا الحبال في أعناقهم , وَأْتُوا بهم إليَّ،
وقبل المعركة أوصى عتبة أصحابه بشدة الحملة على صفوف الفرس , ورغَّبَهم في
الجنة وأنها تحت ظلال السيوف،وقاتلهم عتبة بعد الزوال، وكان في خمسمائة،
فقتلهم أجمعين ولم يبق إلا صاحب الأبلة فأخذه أسيراً.
وبعد الانتصار الذي حققه سيدنا عتبة بن غزوان على جيش الأبلة أقام الجيش
الإسلامي على حدود الأبلة ولم يدخلها فغرضه شَغْلُ الفرس عن إمداد إخوانهم
في المدائن ضد المسلمين.
وعرف سيدنا عتبة بعد الاستطلاع الذي قامت به عيون الجيش الإسلامي أن
الأبلة لا يوجد بها سوى خمسمائة مقاتل فارسي ,وجيش الفرس موجود في منطقة
الأهواز شرقي منطقة الأبلة، فقرر سيدنا عتبة بن غزوان دخول الأبلة، وتوجه
إليها وفتحها بعد قتال بسيط وقتل من بها من المقاتلين. والانتصار الذي حققه
الجيش الإسلامي وفتحه لمدينة الأبلة كان انتصاراً عظيماً رغم قلة عدده
وعُدَّته وحصانة مدينة الأبلة وقوة منعتها إلا أن الفرس لم يعيروها
انتباهاً شديداً وذلك لتقدم المسلمين نحو المدائن.
ويقوم بعد ذلك سيدنا عتبة بن غزوان ليلقي كلمات على أسماع المسلمين
ويتوارثها أجيال المسلمين من بعده وتوضع في كتب الجهاد وتكون نبراساً
للمجاهدين، يقول سيدنا عتبة بن غزوان: " إن الدنيا قد تَصَرَّمَتْ ووَلَّتْ
حذاء ,ولم يبق منها إلا صَبَابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم منتقلون منها
إلى دار قرار، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، وقد ذُكر لي: لو أن صخرة أُلقيت
من شفير جهنم لهوت سبعين خريفاً ولتملأنه؛ أوعجبتم! ولقد ذكر لي: أن ما بين
مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ،
ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي، صلى الله عليه وسلم (وكان ذلك في
الحصار الاقتصادي الذي أقامته قريش على المسلمين في شعب أبي طالب ) ما لنا
طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين
سعد، فما منا -أولئك السبعة- من أحد إلا وهو أمير مِصْرٍ من الأمصار، فبعد
ما أصابهم من قحط وجوع ونقص من الأموال والثمرات وبعد ضيق العيش وقلة
النفقة وقصر ذات اليد، فتحت الدنيا على هؤلاء السبعة وعلى المسلمين حتى
صاروا أمراء على البلاد وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكان عتبة قد وصَّى جيشه بالوصية التي وصاه بها عمر بن الخطاب، فكان نعم
الرجل الذي اختاره عمر بن الخطاب وكان نعم الرجل عمر بن الخطاب الذي اختار
سيدنا عتبة بن غزوان.
وسيطر سيدنا عتبة على المنطقة وبدأت قوات سيدنا عتبة بن غزوان بفتح
المنطقة شمالاً وجنوباً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:03

فتح الأهواز






في ذلك الوقت تثور (دست ميسان) فبعث إليهم عتبة بن غزوان فرقة من جيش
المسلمين على رأسها مجاشع بن مسعود، وتقع دست ميسان على نهر دجلة أو في شرق
شط العرب، وانتصر مجاشع بن مسعود بفرقته على أهل دست ميسان وظفر بهم.
وبدأت القوات القابعة داخل الأهواز وعلى رأسها الهرمزان ترسل بعض الفرق
لحرب المسلمين في هذه المنطقة، فكتب سيدنا عتبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب
يُعْلِمُه بخبر أهل الأهواز وإرسالهم الفرق لقتال المسلمين في الأبلة، فأمر
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيدنا سعد بن أبي وقاص بأن يرسل مدداً
إلى سيدنا عتبة بن غزوان، وأخذ سيدنا عتبة بن غزوان يبحث عن مكان ليكون
مقراً له بدلا من الأبلة فإن أرضها طينية وكثيفة الأشجار ولم يتعود العرب
على المعيشة في مثل هذا الأرض فانتقل بالجيش تدريجياً إلى أربعة أماكن في
الشمال حتى وصل إلى منطقة عسكرية فيها وبعد ذلك أصبحت منطقة البصرة.
وأرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص مدداً إلى المسلمين في الأبلة فأرسل جيشين
على رأس الجيش الأول سيدنا نعيم بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه أحد الأخوة
العشرة، وعلى الجيش الآخر سيدنا نعيم بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه وهو من
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وألقى الله في قلبه الإسلام في غزوة
الأحزاب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق وقبل منه النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم :دُلَّني على عمل
أعمله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن استطعت أن تُخَذِّل عنا فاخذل
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال: يا
بني قريظة قد عرفتم وُدِّى إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.
قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم.
فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم
وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا
وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم
وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك
لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم،
فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، يكونون بأيديكم
ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه.
قالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد
عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن
أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني.
قالوا: نفعل، قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما
بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك
أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان، رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب
أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم ؟ فأرسل إليهم: أن نعم.
فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم
رجلا واحدا.
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس
إلي ولا أراكم تتهموني.
قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني قالوا: نفعل.
ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم .
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس من الهجرة ، وكان من صنيع الله
تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى
بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم: إنا لسنا
بدار مقام ، هلك الخُفُّ والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما
بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان
أحدث فيه بعضنا حدثا، فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل
معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز
محمدا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى
بلادكم وتتركونا، والرَّجُلُ في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه .
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة؛ قالت قريش وغطفان : والله إن
الذي حدثكم نعيم بن مسعود لَحَقٌّ .
فأرسلوا إلى بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا،
فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا .
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن
مسعود لحقٌّ، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان
غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم .
فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا،
فأبوا عليهم وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد،
فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. هذا هو سيدنا نعيم بن مسعود (رضي الله
عنه ) .
توجه سيدنا نعيم بن مقرن وسيدنا نعيم بن مسعود بجيشيهما من المدائن إلى
منطقة تسمى (هويز) ، وهي المدينة التي تقدم إليها جيش الهرمزان من داخل
مدينة الأهواز إلى منطقة هويز .
ويرسل سيدنا عتبة بن غزوان من البصرة جيشين على رأس أحدهما سيدنا سلمى
بن القين وعلى الجيش الآخر سيدنا حرملة بن مريط وكانا من المهاجرين مع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وهما أول من التحق بجيش سيدنا خالد بن الوليد
في فتوحات الفرس، ومن قبيلة تميم وكذلك نعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وكلهم
من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فنِعْمَ القادة ونِعْمَ الجيش، وتقدمت
هذه القوات الأربعة إلى المنطقة التي يعسكر فيها الهرمزان في مدينة الأهواز
وقبل وصولهم راسل نعيم بن مسعود ونعيم بن مقرن أبناء العم: غالب الوائلي
وكليب بن وائل وهما من قبيلة بني تميم وقد هاجرا إلى منطقة الأهواز وعاشا
مع الفرس في الأهواز، فأرسلا إليهما وقالا لهما: إن المسلمين أتوكم بجيوش
لا قبل لكم بها ؛ فأسلموا تسلموا وخذلوا عنا من استطعتم من الفرس .
وفي هذا الوقت كان الحصار مضروباً على مدينة جلولاء من جيش المسلمين وقد
فرض الجيش الإسلامي الحصار على مدينة تكريت أيضاً، وفي الأهواز الجيش
الإسلامي قادم إلى الهرمزان.
وتفكرت القبيلتان في الأمر فوجدتا أنه من الصعب مواجهة القوات الإسلامية
في هذه المناطق المتعددة ؛ فقبلتا بالإسلام وعملتا على مساعدة المسلمين ضد
الفرس .
لما أقرت القبيلتان بالإسلام ووافقتا على نصرة المسلمين ضد الفرس قال
لهما سيدنا نعيم بن مسعود : انتظرا حتى نناهد الهرمزان، فيثور غالب الوائلي
في مدينة تيري وهي مدينة كبيرة من مدن الأهواز، ويثور كليب بن وائل في
مدينة مناذر، وأمرهما سيدنا نعيم ألا يعلنوا إسلامهما إلا بعد عبور
الهرمزان إلى هويز فتكون القبيلتان خلف الجيش الفارسي، وبالفعل عبر
الهرمزان إلى هويز وتلتقي الجيوش الأربعة من أربع جهات مختلفة مع جيش
الهرمزان في معركة من أشد المعارك الإسلامية في هذه المنطقة ودارت المعركة
من الصباح إلى قبل الغروب، وعند الظهيرة ثار غالب بن وائل وكليب الوائلي في
مدينتي تيري والمناذر فسقطتا وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيرى قد
أُخِذا، فكسر ذلك قلب الهرمزان ومن معه وهزمه الله وإياهم، وانسحب إلى شرق
نهر كارون عابراً جسراً عائماً ثم قطع الجسر بعد عبوره، وعسكر في المنطقة
الشرقية لنهر كارون.
وتوجهت الجيوش الستة : جيش سلمى وحرملة ونعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود
وغالب وكليب إلى غرب نهر كارون، على الناحية الأخرى من جيش الهرمزان، وكان
عددها كبيراً، فشعر الهرمزان بالهيبة تجاه جيوش المسلمين فرضي بالصلح
والجزية يعطيها للمسلمين عن يد وهو صاغر على ما هو عليه من العظمة.
وكان الهرمزان أعطى للنبي صلى الله عليه وسلم عهداً ألا يحارب المسلمين
ثم خان العهد والتقى مع المسلمين في معركة القادسية وكان على ميمنة الجيش
الفارسي وكان معه من الأهواز عشرون ألف مقاتل، ولما رأى الهرمزان قوة بأس
المسلمين وكثرة عددهم ألقى الله عزوجل الرعب في قلبه وخاف من لقاء المسلمين
فطلب الصلح للمرة الثانية من المسلمين بعد نقضه للعهد الذي أخذه عليه
النبي صلى الله عليه وسلم، فيرسل نعيم بن مسعود إلى عتبة بن غزوان الذي عاد
إلى البصرة يستشيره في أمر الصلح مع الهرمزان الذي يطلبه بعد نقضه للصلح
الأول ؛ فقبل سيدنا عتبة بن غزوان على أن يعقد المسلمون الصلح مع الهرمزان
ووافق الهرمزان أن يعطي الجزية للمسلمين عن كل منطقة الأهواز بما فيها
مناذر وتيري فرفض نعيم بن مسعود طلب الهرمزان للصلح على شرط الهرمزان وقال
له نعيم : أصالحك على الأهواز ما عدا مناذر وتيري فقد سقطتا بحرب إسلامية،
فقبل الهرمزان وصالحه نعيم بن مسعود على شرق نهر كارون، ودفع الهرمزان
الجزية عن هذه المناطق وكانت له حاميات في شرق منطقة تيري وفي شرق منطقة
مناذر على حدود منطقته وأقام المسلمون حاميات لهم في مدينتي تيري
ومناذر،وكان من بنود المعاهدة ألا يدخل المسلمون أرض الأهواز على أن يجمع
لهم الهرمزان الجزية عن كل منطقة الأهواز وبقي الوضع على ذلك فترة من الزمن
.
في ذلك الوقت كانت جلولاء تحت الحصار ولم تُفتَحْ بَعْدُ وكما ذكرنا من
قبل أن حصار جلولاء استمر سبعة أشهر.



معركة سوق الأهواز


أَلِفَ الهرمزان الخيانة وسوَّلت له نفسه خيانة المسلمين للمرة الثانية
فأغار بقواته على الحاميات المسلمة في تيري ومناذر، ثم أرسل إلى نعيم بن
مسعود مُدَّعياً أن المسلمين غلبوه على أرضه، فخرج سيدنا نعيم بن مسعود
بنفسه وكان أميراً على هذه المنطقة من قِبَل سيدنا عتبة بن غزوان ليحقق
بنفسه في الواقعة، وعندما حقق في الأمر علم أن الحق في صف المسلمين، وأن
الهرمزان هو الذي اعتدى على حامية المسلمين، فلما قضى سيدنا نعيم بن مسعود
للمسلمين غضب الهرمزان ونقض العهد والصلح، واستعان بطائفة من الاكراد،
وغرَّته نفسه، وحسَّن له الشيطان عمله ذلك.
واجتمع بقواته شرقي نهر كارون لحرب المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن غزوان
رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بنقض الهرمزان للعقد،
فأمده سيدنا عمر بن الخطاب بحرقوص بن زهير السعدي رضي الله عنه وأرضاه أحد
صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على رأس قوة إسلامية من المدينة وقال
لسيدنا عتبة : إذا جاءك حرقوص فأَمِّرْه على القتال وعلى الجيوش.
وجمع سيدنا حرقوص بن زهير السعدي الجيوش الإسلامية الموجود في المنطقة
وعسكر بها غربي نهر كارون، فراسله سيدنا حرقوص بن زهير فقال له: إما أن
تعبر إلينا أو نعبر إليكم. فقال: اعبروا إلينا. فعبروا فوق الجسر، وقد
استفاد سيدنا حرقوص من معركة الجسر ودرس خطة العبور إلى الهرمزان ولما تحقق
أن العبور لن يضر المسلمين قرر العبور إليه ؛ والتقى مع الهرمزان في موقعة
(سوق الأهواز ) واقتتل المسلمون قتالاً شديداً يشبه قتال المسلمين في
هويز، وأتمَّ الله النصر على المسلمين في آخر ذلك اليوم , وانهزمت القوات
الفارسية وفرَّت من أمام المسلمين وعلى رأسها الهرمزان يجُرُّون وراءهم
الهزيمة والخذلان.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد وضع الخطة من المدينة في منتهى الدقة
والتفصيل فقد أمر سيدنا حرقوص إن انتصر في المعركة مع الهرمزان بأن يرسل
جَزْءَ بنَ مُعَاوية رضي الله عنه وأرضاه وهو من صحابة النبي صلى الله عليه
وسلم في تتبع فلول الجيش الفارسي ويبقى هو في سوق الأهواز، فيتتبع سيدنا
جزء بن معاوية فلول الجيش الفارسي ويفتح كل المدن التي في طريقه حتى مدينة(
سُرَّق )وهي في عمق منطقة الأهواز، وانسحب الهرمزان بجيشه ليعسكر في منطقة
(رامهرمز) ، فأصبح للفرس جيشان : أحدهما في مدينة سرق وعلى رأسه أحد قواد
الهرمزان، والآخر في مدينة رامهرمز وعليه الهرمزان نفسه .
ويبدأ سيدنا جزء بن معاوية بمحاصرة مدينة (سُرَّق) فاستعصت عليه لشدة
حصانتها وقوة منعتها فيتركها متوجهاً إلى (رامهرمز) محاصراً لها بعد وضع
حامية على مدينة سرق، ولم يخرج إليه أحد الجيشين ليقاتلوه.
وفي نفس الوقت الذي يحاصر فيه سيدنا جزء بن معاوية رامهرمز ومدينة سرق
يأتيهم نبأ سقوط جلولاء في الشمال والتي بها قوة الفرس العظمى وذلك في
بداية شهر ذي القعدة وتصل أنباء سقوط جلولاء إلى الهرمزان فيعلن الهرمزان
استسلامه وقبوله للصلح مرة أخرى، وهذه المرة الثالثة التي يطلب فيها من
المسلمين العهد والصلح فقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتل
المسلمين ثم نقض عهده وحارب المسلمين في القادسية، ثم عاهد سيدنا عتبة بن
غزوان للمرة الثانية وغرته نفسه فنكث عهده وحارب المسلمين للمرة الثانية في
سوق الأهواز، ثم هو في رامهرمز وبعد سقوط جلولاء في الشمال و سقوط سوق
الأهواز ثم حصاره في رامهرمز يطلب الصلح من المسلمين للمرة الثالثة على ما
بقي له من البلاد، وكان أمراً في غاية الصعوبة على قواد المسلمين أن
يتحذوا فيه قرارا، فأرسل سيدنا جزء بن معاوية إلى حرقوص يخبره بطلب
الهرمزان للصلح فأرسل حرقوص إلى عتبة بن غزوان فلم يستطع سيدنا عتبة أن
يتخذ قراراً بالصلح مع الهرمزان فبعث إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة
يخبره بطلب الهرمزان للصلح للمرة الثالثة فيقبل سيدنا عمر بن الخطاب رضي
الله عنه الصلح من الهرمزان ويرسل إلى حرقوص بقبول الأمر فيرسل إلى جزء بن
معاوية ليصالح الهرمزان ؛ فيصالحه جزء على كل منطقة شرق رامهرمز وشرق
سُرَّق فيدفع الهرمزان عنها الجزية , ويبقى في يد المسلمين كل ما فتحوه لا
يأخذون منه الجزية , وبذلك بقي في يد الهرمزان : رامهرمز وتستر وجنديسابور
والسُّوس (وكانت عاصمة الأهواز كلها) , يدفع الهرمزان الجزية للمسلمين عن
هذه المدن، أي كل ما هو في شرق نهر تيري وشرق مدينة رامهرمز وسرق.
دفاع المسلمين عن الهُرْمُزَان:
كما نعلم فإن الجزية التي أخذها المسلمون من الفرس كانت تساوي نصف ما
كان يُفرَض عليهم من ضرائب ليزدجرد، وتُدفَع الجزية عن كل نفس من الفُرْس
تستطيع القتال على أن يمنع المسلمون الفرس من أي عدو يهجم عليهم ويدافعوا
عنهم في مقابل أخذهم الجزية، وفي المقابل لا يشترك الفُرسُ في القتال في
حالة دفعهم الجزية.
وبعد صلح الهرمزان وقبوله بدفع الجزية يحدث حادث غريب مع الفرس، فقد
انقضَّ الأكراد على الهرمزان ومن معه، وكانوا قد شجَّعوه من قبل على قتال
المسلمين وكانوا معه في معركة سوق الأهواز، وبعد ثورة الأكراد على الهرمزان
ومن معه وقتالهم للفرس يُخرج سيدنا عتبة بن غزوان جيشاً من المسلمين
للدفاع عن الهرمزان وقتال الأكراد، وينتصر الجيش الإسلامي على الأكراد
دفاعاً عن الهرمزان داخل أرضه التي لم يحكمها المسلمون ولم يبسطوا عليها
أيديهم .
ورغم صعوبة المعركة وخطورتها على المسلمين إلا أن المسلمين دافعوا عن
الهرمزان وعن الجيش الفارسي وذلك لعهدهم مع الفرس , وأخذ الجزية منهم في
مقابل الدفاع عنهم .
في هذا الوقت تسقط كل هذه المنطقة من الأهواز وسقطت جلولاء وسقطت تكريت
والموصل ونينوى .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:03

فتح قُرْقُسْيَاء وهيت






ثارت مدينة قُرْقُسْيَاء الواقعة في شمال المدائن في أقصى الشمال على
نهر الفرات ومدينة هيت الواقعة في شمال الفرات، وثار بثورتهم أهل الجزيرة
وهم ما بين دجلة والفرات، وكان ذلك في الوقت الذي خرجت فيه الجيوش
الإسلامية لفتح جلولاء وتكريت والأبلة، فيرسل سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي
الله عنه من المدائن جيشا على رأسه سيدنا عمر بن مالك رضي الله عنه لفتح
هيت وقُرْقُسْيَاء، فيحاصر هيت وتستعصي عليه فيحيط هيت بجيش على رأسه
الحارث بن يزيد ويتوجه هو إلى قرقيساء مارًّا بمنطقة الفرات التي فتحها
خالد بن الوليد من قبل ويحاصر قُرْقُسْيَاء واستسلم أهلها بسرعة فقد هاجمهم
سيدنا عمر بن مالك فجاء وأخذهم على حين غِرَّة، وبعد استسلام قرقسياء توجه
سيدنا عمر بن مالك إلى هيت يطلب تسليمهم فرفض أهل هيت التسليم فعرض عليهم
أن يتركوا هيت إلى داخل بلادهم ويتركوا هيت للمسلمين على أن يؤمِّنَهُم
المسلمون على دمائهم، فوافق أهل هيت على ذلك وكانت هي المنطقة الوحيدة التي
حدث فيها الخيار بين المسلمين والفرس على أن يترك الفرس هيت إلى داخل
الأراضي الفارسية في مقابل عدم دفعهم للجزية، وعلى أن يؤمنهم المسلمون على
دمائهم، وبذلك فتحت مدينة هيت.
وكانت الجيوش الإسلامية في ذلك الوقت مسيطرة على جلولاء وتكريت ونينوى
والموصل وقُرْقُسْيَاء وهيت ومنطقة الأبلة في
الجنوب في هذا الوقت وبعد فتح كل هذه المنطقة، وبعد كثرة الغنائم التي
جُلِبَتْ من الفتوحات خشي سيدنا عمر بن الخطاب على المسلمين من فتنة المال
ومن فتنة الدنيا التي فتحت على المسلمين في ذلك الوقت وقد قال سيدنا عمر بن
الخطاب لسيدنا عتبة بن غزوان :" وددتُ لو أن بيني وبين فارس سداً من نار
لا أغزوهم ولا يغزونني بعد الآن . أَوْقِفوا الانسياح في بلاد فارس"
. رغم الانتصارات العظيمة التي حققها المسلمون فهم من نصر إلى نصر ومن
فتح إلى فتح آخر، وكان سبب وقف الانسياح أن الدنيا قد فتحت على المسلمين
أكثر مما توقع سيدنا عمر بن الخطاب ولم يكن يعرف ردَّ فعل المسلمين تجاه
هذه النعمة التي فتحت عليهم فخاف عليهم من فتنة المال التي حذر منها الرسول
صلى الله عليه وسلم في قوله : "فَوَاللَّهِ مَا
الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا
عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا
تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" ؛ فلهذا أوقف
سيدنا عمر بن الخطاب الانسياح في بلاد فارس ليعرف حال المسلمين بعد تقلبهم
في الأموال، وبهذا يمكن الرد على المستشرقين ومن سار على دربهم فيما ادعوا
من أن غرض المسلمين من الفتح هو الغنائم ، وكان سيدنا عمر بنى الخطاب يوصي
الجيوش الإسلامية بقوله : " أَرِدِ اللهَ ولا تُرِدِ الدنيا واتَّقِ مصارع
الظالمين" .
وهذا القرار يوضح أن سيدنا عمر بن الخطاب هو والمسلمين لم يبغوا الدنيا
أو الغنائم، وكان بإمكان الجيش الإسلامي التوغل في الأراضي الفارسية
وبسهولة بعد فتح جلولاء فقد كُسِرَت شوكة الجيش الفارسي في القادسية ثم في
المدائن ثم في جلولاء، وانهزم الجيش الفارسي في الأهواز وفي تكريت، وكانت
فرصة بالنسبة للمسلمين , لكن سيدنا عمر بن الخطاب أوقف الفتوحات لخوفه
على المسلمين من الغنائم ومن الدنيا .
فكان يخاف عليهم من النعمة أكثر من خوفه عليهم من المعصية, وكان يخاف
عليهم من المعصية أكثر من خوفه عليهم من الجيش الفارسي. وكان وقف الفتوحات
في ذي القعدة من العام السادس عشر الهجري.
وأَمَّرَ سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا سعد بن أبي وقاص على كل ما فتحه
المسلمون، ويضع -وهو في المدينة - خمس حاميات رئيسية على حدود الجيش
الإسلامي وعلى حدود المنطقة المسَيْطَر عليها من قِبَلِ المسلمين,ويحدد
رؤساء الحاميات من قِبَلِه أيضا
الحامية الأولى :
وكانت الحامية الأولى في قرقسياء وعلى رأسها : سيدنا عمر بن مالك فاتح
المدينة .
الحامية الثانية :
وكانت في الموصل و على رأسها :سيدنا عبد الله بن المعتم . .
الحامية الثالثة :
وكانت في حلوان وعلى رأسها : القعقاع بن عمرو التميمي. .
الحامية الرابعة :
وكانت في (ماسبذان) وعلى رأسها : سيدنا ضرار بن الخطاب، وهو فاتح
(ماسبذان). , وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص قد وجهه إليها إثر ثورة قامت
فيها , فما إن وصلها سيدنا ضرار حتى تطاير أهل ماسبذان في الجبال كما يقول
الرواة، وسيطر المسلمون عليها , ودعوا أهلها إلى العودة إلى بلادهم على أن
يدفعوا الجزية ؛ فقبل أهل ماسبذان ذلك وعادوا إلى بلادهم.
الحامية الخامسة:
وكانت في البصرة , وعلى رأسها سيدنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه
وأرضاه. .
ووقفت الحروب الإسلامية في هذه الفترة.
وعاد المسلمون إلى سيدنا عمر بن الخطاب من بلاد الفرس بوجه آخر فيه من
النعمة ما فيه، فقد خرجوا من الجزيرة العربية في حالة تقشف إلى المدائن حيث
الأشجار الوارفة والظِّلِّ العظيم.
وأرسل سيدنا حذيفة بن اليمان -وكان من قواد جيش سيدنا سعد بن أبي وقاص
في المدائن . - إلى سيدنا عمر بن الخطاب برسالة يقول له فيها: إن المسلمين
قد أُتْرِفَتْ بطونُهُم, وخفَّت أعضادهم, وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
وما إن وصلت الرسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى اتخذ
قراراً تغير به مسار الفتوحات الإسلامية.
وهذا ما نعرفه في الدرس القادم إن شاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:04




فتح الجزيرة




مقدمة


يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن
الخطاب تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد
التقشف الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها:
إن المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا
ترى.
فاتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن
المدائن عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال:
إن العرب لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.
وأمرهم بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها
لكي لا يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.
فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي يرتادان للمسلمين
منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في رملة حمراء، وكان
العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.
وفي أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة،
فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها
باللَّبِن بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على
ثلاث حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا
الجنة والنار. واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية
الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.
وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي
تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو من حلوان إلى
الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول فارسي يستخلفه
سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في بلاد فارس.
واستخلف سيدنا ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي،
واستخلف سيدنا عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله
الفارسي، واستخلف سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد
الله الفارسي.
أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا
فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
واستقر الوضع في هذه المنطقة على هذا الحال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:05

فتح الجزيرة





في هذا الوقت وعلى الجبهة الأخرى في بلاد الشام نجد بعض القوات الموجودة
في هذه المنطقة شمالي نفوذ المسلمين في منطقة تسمى منطقة الجزيرة (وهي
محصورة بين نهري دجلة والفرات في شمال العراق وجنوب تركيا وشرق سوريا)،
وهذه المنطقة بها كثير من العرب النصارى اتحدوا مع قيصر الروم في حربه مع
القوات الإسلامية في الشام. وكانت المعركة شديدة جدًّا حتى إن سيدنا أبا
عبيدة بن الجراح أرسل إلى سيدنا عمر بن الحطاب يطلب منه المدد، فأرسل سيدنا
عمر بن الخطاب رسالة إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص يأمره بإرسال جيش إلى
سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، (وقبل ذلك بعام قد حدث عكس ذلك في
موقعة القادسية، فقد أتى القعقاع بن عمرو التميمي على رأس جيش كبير لنجدة
المسلمين في فارس، وقد فتح الله على المسلمين في ذلك الوقت فتحًا عظيمًا في
فارس حتى تملكوا أرض فارس، وأصبحوا من القوة بأن يمدوا الجيش الإسلامي
الموجود في الشام).
ويبعث سيدنا سعد بن أبي وقاص في اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة بجيش
قوامه أربعة آلاف فارس إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، وعلى رأس
ذلك الجيش سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي نجدةً لإخوانه، وقد صدق سيدنا أبو
بكر لما قال: لا يُهزَمُ جيشٌ فيه القعقاعُ. ويقول: لَصَوْتُ القعقاع في
جيش خيرٌ من ألف رجل.
ويخطط سيدنا عمر لانتصار المسلمين في الشام، فيرسل إلى سيدنا سعد بن أبي
وقاص أن يجهز جيوشًا لقتال عرب الجزيرة ليلهيهم عن نُصْرَة هرقل ملك الروم
في حربه مع المسلمين، ويحدد سيدنا عمر بن الخطاب قادة القوات الإسلامية
الذاهبة إلى حرب عرب الجزيرة من داخل الكوفة، ولما نفَّذ سيدنا سعد أمر
أمير المؤمنين وعرف عرب الجزيرة بذلك تركوا حربهم مع جيش هرقل؛ ليعودوا إلى
بلادهم ليحموها من هجوم المسلمين المرابطين في فارس، وبتخلي عرب الجزيرة
عن هرقل تضعف كفة الروم وينتصر سيدنا أبو عبيدة بن الجراح على الجيش الرومي
بعد انسحاب قوات عرب الجزيرة مباشرة، وتم هذا الانتصار قبل وصول سيدنا
القعقاع بن عمرو التميمي إلى الشام. لكن سيدنا عمر بن الخطاب يرسل إلى أبي عبيدة بأن يشرك القعقاع وجيشه في الغنيمة؛ لأنه قادم
للقتال مع الجيش الموجود في الشام.
وبعد الانتصار الإسلامي الذي أتمه الله للمسلمين في الشام لم تتوقف
القوات الإسلامية القادمة من الكوفة إلى عرب الجزيرة لفتحها، بل إن سيدنا
عمر بن الخطاب أمر سيدنا عياض بن غنم أن يكون على رءوس الجيوش
المتقدمة إلى عرب الجزيرة. وسيدنا عياض بن غنم من أوائل من ذُكِرُوا في حرب
فارس، فكان على رأس أحد الجيشين المتوجهين إلى فتح فارس في عهد سيدنا أبي
بكر رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد وجَّهَ سيدنا خالد بن الوليد لفتح فارس من
ناحية الجنوب، ومن ناحية الشمال وجَّه سيدنا عياض بن غنم وهو من صحابة النبي .
يتوجه الجيش الكبير القادم من الكوفة وعلى رأسه سيدنا عياض بن غنم إلى
منطقة قَرْقِيسياء في شمال النفوذ الإسلامي، ويمتد النفوذ الإسلامي في ذلك
الوقت من قَرْقِيسياء إلى الموصل ونِينوَى فقط، فلم تكن المنطقة التي في
الشمال في صف المسلمين في هذه الفترة.
وما إن وصل سيدنا عياض بن غنم إلى قَرْقِيسياء حتى بعث سيدنا سهيل بن
عدي إلى مدينة "الرقة" في سوريا، وسيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي وهو من الخزرج من الأنصار، وله من الإخوة اثنان، وقد
شاركا في حروب فارس: أحدهما الحارث بن عدي وقد استشهد في معركة الجسر،
والأخ الآخر سهل بن عدي وهو من الصحابة، وسيأتي ذكره بعد قليل قي قيادة جيش
آخر.
وفي الوقت الذي يتوجه فيه سيدنا سهيل بن عدي لفتح الرقة يتوجه سيدنا
عياض بن غنم بقوته الأساسية إلى "حَرَّان" ليفتحها، وكانت من أشد المناطق
حصانة في منطقة الجزيرة.
ويتوجه جيش من مدينة الكوفة رأسًا إلى مدينة "نَصِيبين"، وعلى رأس الجيش
سيدنا عبد الله بن عتبان من صحابة النبي ، ولكن بمجرد وصوله إلى الموصل يدخل تحت إمرة سيدنا
عياض بن غنم أيضًا، وتتوجه الجيوش الثلاثة إلى منطقة الجزيرة، فيتوجه سيدنا
سهيل بن عدي بجيشه إلى الرقة ويحاصرها، ودام هذا الحصار أيامًا، ثم ينزل
أهل الرقة مباشرة على الجزية، ويقبل أهل الرقة دفع الجزية مقابل أن يدافع
عنهم المسلمون ويؤمِّنوهم على دمائهم، وسقطت مدينة الرقة بسرعة.
وفي الوقت نفسه توجه سيدنا عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، وكانت من أجمل
مدن الجزيرة فهي وافرة الظلال والأشجار والمياه العذبة والأنهار، وكان بها
حامية قوية، وما إن علمت هذه الحامية بسقوط الرقة حتى استسلمت دون قتال،
وقبل أن يحاصرهم سيدنا عبد الله بن عتبان طلبوا منه أن يدفعوا الجزية.
وبعد انتصار المسلمين في الرقة ونصيبين ودفع أهلها الجزية، توجه سيدنا
عياض بن غنم إلى حران بقواته الأساسية، وتتوجه قوات سيدنا سهيل بن عدي من
الرقة، وقوات سيدنا عبد الله بن عتبان من نصيبين مع سيدنا عياض بن غنم
ليدخل حران بقوة كبيرة، وتصل القوات الإسلامية بقيادة سيدنا عياض بن غنم
إلى حران، وتبدأ القوات الإسلامية في حصارها ويستمر الحصار شهرًا أو أكثر
لتسقط بعد ذلك مدينة حران بعد حصار طويل وبدون قتال، وتقبل حران بدفع
الجزية أيضًا.
ثم بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية إلى مدينة "الرها" لفتحها، ومن الرها
توجهت قوات سيدنا عياض بن غنم إلى مدينة "سُمَيْساط" وتقع في تركيا الآن،
وبسقوط سُمَيْساط تسقط كل مدن الجزيرة وصارت تتبع المسلمين في هذه الفترة،
ورغم هذه الفتوحات لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس
فهذه الفتوحات في شمال الجزيرة، وقد منع سيدنا عمر بن الخطاب التوغل في شرق أرض فارس؛ لأنه يخشى على المسلمين
الإكثار من الغنائم والأموال.
وكان فتح الجزيرة من أسهل الفتوح في بلاد فارس، فقد سقطت الجزيرة بدون
قتال يُذكر، ويرجع ذلك إلى سقوط شرقي الجزيرة في أيدي المسلمين في حروبهم
مع فارس، وسقوط منطقة غرب الجزيرة في حروب المسلمين في الشام مع الجيش
الرومي، وأصبحت منطقة الجزيرة محصورة بين القوات الإسلامية الموجودة في
فارس والقوات الإسلامية الموجودة في الشام؛ مما كان له الأثر البين والواضح
في عزيمة أهل الجزيرة، الذين باتوا يرون أن لا قِبَلَ لأحد بحرب المسلمين،
فرضوا بدفع الجزية، كما علموا أيضًا بعهد المسلمين في الدفاع عنهم
وتأمينهم على دمائهم إذا دفعوا الجزية، وأن ما يأخذه المسلمون من جزية أقل
مما كانت تفرض عليهم من كسرى فارس.
طاعون عِمْوَاس:
استسلمت الجزيرة للمسلمين بدون قتال يذكر، وقبل أهلها بدفع الجزية
للمسلمين في مقابل الدفاع عنهم، وتم ذلك السقوط في العام السابع عشر
الهجري، وفي هذا العام انتشر الطاعون والوباء بين المسلمين، والعرب تطلق
كلمة الطاعون على أي وباء أو مرض، وكان منبع الوباء في الشام في قرية تسمى
"عِمْوَاس" وهلك في هذا الطاعون الكثير من المسلمين، ومنهم سيدنا أبو عبيدة
بن الجراح أمير المسلمين في الشام ، كما مات سيدنا معاذ بن جبل ، ومات كثير من أبناء سيدنا خالد بن الوليد، وكثير من
أشراف الصحابة والناس حتى تخوفت قلوب المسلمين من طمع أعدائهم فيهم؛ من
كثرة من مات من المسلمين في العام السابع عشر من الهجرة من طاعون عِمْوَاس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:05

معركة طاوس





ولم يكد ينتهي المسلمون من طاعون عمواس حتى وافاهم أمر آخر؛ فإن العلاء
بن الحضرمي -كما نعلم- كان قائد الجيش السابع من الجيوش التي
وجهها سيدنا أبو بكر الصديق لقتال المرتدين وفتح البحرين، وقد قام بفتح البحرين
وأصبح أميرًا لها من قِبَل سيدنا أبي يكر الصديق، ثم أقره سيدنا عمر بن
الخطاب على عمله بعد خلافته .
وقد كان لسيدنا العلاء بن الحضرمي نفسٌ توّاقة إلى الجهاد، ورأى سيدنا
العلاء بن الحضرمي ما حققه المسلمون من انتصارات كبيرة على أرض فارس، فأراد
أن يشارك في الجهاد ضد الدولة الفارسية كما يجاهد إخوانه، رغم القرار الذي
أصدره سيدنا عمر بن الخطاب بوقف التوغل في الأراضي الفارسية، فقرر
اجتهادًا منه إرسال بعض الفرق للجهاد شرقي خليج فارس، عبر الخليج
العربي (الفارسي في ذلك الوقت)، في الوقت الذي كانت منطقة نفوذ المسلمين
حتى رَامَهُرمُز، وهذه المنطقة كلها تقع شمال هذه المنطقة تمامًا، وهذه
المنطقة تسمى جنوب الأهواز وبعيدة عن نفوذ المسلمين ولا تقع تحت إمرة
الهرمزان، فهي بعيدة -إذن- عن المسلمين، ولم يدخلها المسلمون من قبل، فأراد
سيدنا العلاء أن يفتح هذه المنطقة، فجهز جيشًا من البحرين، وقسم الجيش إلى
ثلاث فرق رئيسية؛ على رأس الفرقة الأولى سيدنا الجارود بن المُعَلَّى،
وكان لسيدنا الجارود بن المُعَلَّى الثواب الجزيل من الله I؛ وذلك لما ارتدت الجزيرة العربية كلها إلا قرية
"جَوَاثا" قرية الجارود بن المُعَلَّى؛ فقد قام فيهم خطيبًا ليثبتهم على
الإسلام، وأعلن أنه على دين الإسلام، وأنه سيقاتل كل من ارتدَّ عن دين الله
، فثبت قومه على الإسلام بعد مقالته، فكان الجارود بن
المُعَلَّى على رأس فرقة من الجيش الذي أرسله سيدنا العلاء بن الحضرمي إلى
شرق فارس.
وعلى رأس الفرقة الأخرى أحد القادة وهو سوار بن همام، والفرقة الثالثة
على رأسها خُلَيْد بن المنذر بن ساوي، والمنذر بن ساوي هو الذي أعطى العهد
للنبي بإسلامه وبإسلام البحرين كلها، وكان رجل حسن السيرة
وكان من الصالحين، وبموته ارتدت البحرين، فرضي الله عنه وأرضاه، وخُلَيْد
هذا ابنه.
فنزل الجيش بفرقه الثلاثة في الجهة الشرقية من خليج فارس، وأمَّر على
الفرق الثلاثة خليد بن المنذر بن ساوي، ونزل الجيش في منطقة تسمى منطقة
"طاوس".
وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد أصدر أمرًا بعدم غزو المسلمين للبحر إلا
بعد إذنه؛ وبذلك يكون سيدنا العلاء بن الحضرمي قد خالف سيدنا عمر بن الخطاب
في أمرين، وهما: نهي سيدنا عمر بن الخطاب عن التوغل في بلاد فارس. والأمر
الثاني: مخالفة سيدنا عمر بن الخطاب في غزوه لبلاد فارس عبر البحر بالسفن
من البحرين إلى الشاطئ الشرقي من خليج فارس.
وعسكر المسلمون في طاوس، وبمجرد نزولهم في طاوس يخرج لهم جيش فارس على
رأسه قائد من قواد الفرس يدعى "هربذ"، وتدور بين الجيوش الثلاثة وهربذ
معركة شديدة على المسلمين، ويفلح هربذ هذا في الالتفاف حول الجيش الإسلامي
ويغرق السفن في المياه، ولم يكن أمام المسلمين إلا القتال أمام الفرس، ولم
يكن أمامهم خط رجعة للبحرين، وكانت هذه المعركة شديدة على المسلمين وعلى
الفرس، وأحدث المسلمون خسائر فادحة في صفوف الفرس لكن على حساب شهداء كثير
من المسلمين، وكان ذلك تكرارًا لمشكلة الجسر بمعصية القائد المباشر للقائد
الأعلى، فتتكرر المشكلة للمرة الثانية، ويخسر المسلمون كثيرًا من الشهداء
منهم الجارود بن المُعَلَّى وسوار بن همام رضي الله عنهما، وهما من قادة
الجيش، ويبقى خليد بن المنذر بن ساوي على رأس الجيوش يحفزهم على القتال،
ويذكرهم أنه لم يبقَ أمامهم إلا قتال الفرس، وانتصر المسلمون على جيش الفرس
انتصارًا عظيمًا، لكن بعد انتصار الجيش على الفرس لم يجد المسلمون السفن
التي تحملهم إلى البحرين، ولم يجد أمامه إلا اللجوء إلى أرض البصرة ليستنجد
بجيش المسلمين الذي يعسكر في البصرة، وفي طريقه إلى البصرة يعترضه جيش آخر
من "إِصْطَخْر" على رأسه قائد يدعى "شَهْرَك"، ويحاصر الجيش الإسلامي في
مكان قريب من مدينة طاوس، في ذلك الوقت تصل الأنباء إلى سيدنا عمر بن
الخطاب في المدينة أن العلاء أرسل جيشًا لحرب الفرس، وأن
الجيش قد انتصر في المعركة ودخل في معركة أخرى، وحُوصِرَ الجيش الإسلامي
ولم يجد أمامه حلاًّ، وبمجرد وصول هذا الخبر إليه يقرر عزل العلاء بن
الحضرمي من الإمارة، وأرسله إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص تحت إمرته جنديًّا
من جنوده في الكوفة، فكان هذا أول عقاب عاقبه سيدنا عمر بن الخطاب له على
معصيته الشديدة التي ألحقت الأذى بالمسلمين في معركة طاوس، ثم أرسل رسالة
إلى سيدنا عتبة بن غزوان بأن يُخرِج جيشًا كثيفًا من المسلمين لنجدة الجيش
الإسلامي الموجود في هذه المنطقة على خطورتها، فهي منطقة جبال والمسلمون لم
يتعودوا على هذه الأرض، وعلى إِثْرِ هذه الرسالة يجهز سيدنا عتبة بن غزوان
في أقل من يومين جيشًا تعداده اثنا عشر ألف مقاتل، ومع المسلمين في الجيش
سيدنا عاصم بن عمرو التميمي، وسيدنا حذيفة بن محصن قائد الجيش الثامن من
جيوش الردة، وسيدنا عرفجة بن هرثمة قائد الجيش التاسع من جيوش الردة، وكان
على رأس الجيوش سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم. ويبدو أن سيدنا أبا سبرة من
الكفاءات الحربية النادرة لدرجة أن يضع سيدنا عتبة بن غزوان القادة العظام
تحت إمرته، ويوافقه على ذلك عمر بن الخطاب في المدينة.
فخرج الجيش وسار بجوار شط العرب، ثم بجوار شاطئ خليج فارس على الجبال
يُجَنِّبون الخيل ويركبون البغال سِراعًا؛ لأن البغال الفارسية التي غنموها
من فارس تستطيع السير على الجبال بخلاف الخيول العربية، وفي ذلك مرونة
شديدة للجيش الإسلامي واستغلالاً للمواقف.
ويصل الجيش الإسلامي إلى الجيش المحاصَر في منطقة فارس، ويدخل المسلمون
مع جيش "شهرك" في معركة شديدة، وكانت النتيجة أن انهزمت القوات الفارسية
هزيمة منكرة واجتاحهم المسلمون، واستطاع الجيش الإسلامي أن يفك الحصار عن
الجيش المحاصَر ورجع به إلى البصرة، فلم يكن مطلوبًا منهم فتح هذه البلاد.
وكانت عودة الجيش الإسلامي في أواخر ذي القعدة وبداية ذي الحجة، فاستأذن
سيدنا عتبة بن غزوان من سيدنا عمر بن الخطاب في أواخر العام السابع عشر
الهجري أن يذهب للحج هذا العام، فوافق سيدنا عمر على طلبه؛ فيستخلف سيدنا
عتبة على البصرة المغيرة بن شعبة وهو من صحابة النبي وكان الحارس الخاص لرسول الله ، وكان في الوفد الذي ذهب إلى يزدجرد (كانوا أربعة
عشر رجلاً، وكانوا يعدون الرجل في هذا الوفد بألف رجل)، وكان يتكلم
الفارسية.
وبعد انتهاء سيدنا عتبة بن غزوان من الحج يأمره سيدنا عمر بن الخطاب
بالرجوع إلى البصرة أميرًا كما كان؛ فيرفض سيدنا عتبة بن غزوان ويسأل سيدنا
عمر بن الخطاب أن يُقِيلَه فلم يفعل، فلما وجد سيدنا عمر بن الخطاب إصراره
على رفض الإمارة قال: "تُوَلُّوني فيها ثم تتركوني وحدي". وفي ذلك الوقت
كان سيدنا عمر يعرض الإمارة على أكثر من مسلم، وكلهم يرفضها على عكس أزمانٍ
أخرى يتقاتل الناس فيها عليها، ولما أصر سيدنا عتبة بن غزوان على رفضه
أقسم عليه سيدنا عمر ليرجعَنَّ إلى عمله.
وفي الطريق إلى البصرة يدعو سيدنا عتبة بصوت يسمعه أصحابه ويقول: اللهم
إن كان لي عندك خيرٌ فخُذْني ولا تبلِّغْني البصرة. فاستجاب الله دعاءه،
فيسقط من فوق ناقته ويموت في طريقه إلى البصرة.
وبعد موت سيدنا عتبة بن غزوان يُقِرُّ سيدنا عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة على البصرة، ثم يستخلف بعده بقليل
سيدنا أبا موسى الأشعري .
وبتتبع الأحداث في العام السابع الهجري نجد أن المنطقة التي أضيفت إلى
نفوذ المسلمين هي منطقة الجزيرة بالكامل، لكن نفوذ المسلمين في شرق فارس لم
يتغير عن العام السادس عشر الهجري، وبناءً على قرار سيدنا عمر بن الخطاب لم يتوغل المسلمون في منطقة فارس، وحتى الجيش الذي
خرج من البصرة لينقذ المسلمين في موقعة طاوس رجع ولم يتوغل في الأراضي
الفارسية، ولم يسيطر على هذه المنطقة.
أحداث العام السابع عشر الهجري


نستطيع أن نوجز الأحداث الرئيسية في العام السابع عشر الهجري:
أولاً: تأسيس مدينة "الكوفة" التي أصبحت عاصمة
المسلمين.
ثانيًا: انتقال سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي من
الساحة الفارسية إلى الشام لنجدة الجيوش الإسلامية، وحتى بعد انتصار سيدنا
أبي عبيدة بقي سيدنا القعقاع في الشام.
ثالثًا: استطاع المسلمون فتح الجزيرة بسهولة كما
ذكرنا.
رابعًا: الطاعون الذي انتشر بين المسلمين واشتهر باسم
طاعون "عِمْوَاس"، ومات فيه كثير من المسلمين، منهم -كما ذكرنا- سيدنا أبو
عبيدة بن الجراح وسيدنا معاذ بن جبل.
خامسًا: من الأحداث المهمة في هذا العام موقعة "طاوس"
التي استُشهِدَ فيها كثير من المسلمين، وتمَّ النصر للمسلمين في النهاية.
سادسًا: مات سيدنا عتبة بن غزوان بعد قفوله من الحج
إلى البصرة أميرًا، واستخلف مكانه سيدنا عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة، ثم
سيدنا أبا موسى الأشعري.
هذا موجز لأحداث العام السابع عشر من الهجرة.
لم يكتفِ يزدجرد بوقف سيدنا عمر بن الخطاب للقتال والتوغل في الأراضي
الفارسية، فظل يحفز الجيوش الفارسية للإغارة على القوات الإسلامية المسيطرة
على هذه المنطقة؛ فيطلب من القواد الفارسيين الذين ما زالوا في أماكنهم
محاربة المسلمين، ومن ضمن رسائله أرسل رسالة إلى الهرمزان وكان قد عاهد
المسلمين للمرة الثالثة على دفع الجزية وعدم قتال المسلمين، وما إن وصلت
رسالة يزدجرد إلى الهرمزان حتى تذكر الأمجاد السابقة، وتذكر الملك
والانتصارات وجرت الخيانة في دمه كما عهده المسلمون؛ فثار على المسلمين
معلنًا نقض العهد مع المسلمين للمرة الرابعة، وما إن وصلت تلك الأنباء إلى
سيدنا عمر بن الخطاب وعلم بنقض الهرمزان للعهد، حتى استشاط غضبًا وقرر أن
يدكَّ قوات الهرمزان، فيرسل سيدنا عمر أكثر من رسالة، ويُدبِّر أكثر من أمر
لتدور معركة من أعنف المعارك الإسلامية مع الفرس.
أما عن أحداث تلك المعركة، فهذا ما نعرفه في المقال القادم إن شاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:07




فتح تستر




مقدمة


بعد القرار الذي اتخذه سيدنا عمر بن الخطاب بعدم تَوَغُّلِ المسلمين داخل الأراضي الفارسية أصبح
للمسلمين حامية في منطقة "رَامَهُرمُز" شرقي منطقة الأهواز، وحامية في
مَناذر، وحامية في تِيرَى. أما المنطقة التي تقع شرقي نهر تِيرَى والمنطقة
التي تقع شرقي رامَهُرمز، فهي تحت سيطرة الفرس بقيادة الهرمزان لكنها تدفع
الجزية للمسلمين على ألاّ يقاتلوا المسلمين، وعلى أن يمنعهم المسلمون إذا
حدثت حرب على أهل فارس، وذكرنا أن يزدجرد كسرى فارس بعد هروبه الثالث من
المدائن إلى مدينة "مرو" في أقصى شرقي المملكة الفارسية، ظل يحفز الجيوش
الفارسية لقتال المسلمين الذين سيطروا على أرضهم، حتى بدأت الجيوش الفارسية
تتجمع وتتجه نحو مدينة تسمى "تُسْتَر"، وتقع هذه المدينة على نهر كارون
الموجود في منطقة الأهواز، وكان الهرمزان قد أعطى عهدًا ثالثًا للمسلمين،
وكان العهد الأول قد أعطاه النبيَّ ثم نقض العهد ودخل القادسية في حرب ضد المسلمين، ثم
عاهد المسلمين ألا يقاتلهم على أن يدفع الجزية، ثم نقض العهد مرة أخرى ودخل
مع المسلمين في معركة في "سوق الأهواز" وانتصر عليه سيدنا حُرْقُوص بن
زهير السعدي من صحابة النبي ، ثم طلب العهد الثالث فقبل منه سيدنا عمر بن الخطاب
على ألا يقاتل المسلمين ويبقى في مكانه، وبعد أن استنصر يزدجرد كل الفرس
نقض الهرمزان العهد للمرة الثالثة وغدر بالمسلمين، وجهَّز جيشه وبدأ بإعداد
العُدَّة لقتال المسلمين مرة ثالثة، ولم يتعلم الهرمزان من الدروس
السابقة؛ فكل مرة يغدر بالمسلمين ويدخل في معركة معهم ويُهْزَم، فجهز جيشه
وبدأت الجيوش في شرقي المملكة تتجمع حتى تقاتل المسلمين في معركة فاصلة
كبيرة، واختارت مدينة "تُسْتَر" أحصن المناطق الفارسية على الإطلاق؛ فهي
أكثر حصانة من المدائن ومن جَلُولاء التي كانت من أشد المعارك مع المسلمين
في هذه الفترة.
ولما وصلت سيدنا عمر الأنباء التي تؤكد نقض الهرمزان للعهد مع
المسلمين، وأن يزدجرد يشجع الفرس لقتال المسلمين في معركة فاصلة، يصدر
سيدنا عمر بن الخطاب أوامره، ويضع خطة الجيش الإسلامي في فارس من المدينة،
فيأمر سيدنا عمر بخروج جيش كثيف من الكوفة عاصمة المسلمين في أرض فارس على
رأسه النعمان بن مُقَرِّن أحد صحابة النبي ، ويتوجه من الكوفة رأسًا إلى الأهواز ليقاتل
الهرمزان وفرقته، ثم يُتْبِع جيشَ النعمان بن مُقَرِّن بجيشين: على أحدهما
سويد بن مقرن، وعلى الآخر جرير بن عبد الله البجلي وهو من الصحابة أيضًا،
وهو الذي جمع قبيلة "بجيلة" بعد تفرقها، وكانت أول معركة تخوضها قبيلة
بجيلة هي معركة القادسية.
وما زال على جيش الأهواز سيدنا حُرْقُوص بن زهير من صحابة النبي ، وتحت إمرته أربع فرق: سلمى بن القين وحرملة بن
مُرَيْطة (وهما من صحابة النبي )، وغالب الوائلي وكليب بن وائل (وهما الداخلان في
عهد المسلمين من سنة ماضية)، ومدينة البصرة القريبة من الأهواز تخرج جيشًا
كثيفًا على رأسه سهل بن عدي أخو سهيل بن عدي فاتح الجزيرة كما ذكرنا في
المقال السابق، ويوصي سيدنا عمر بن الخطاب سهل بن عدي بأن يصطحب معه خمسة من فرسان المسلمين في
جيشه وهم: البراء بن مالك، ومَجْزَأَة بن ثور وهما من صحابة النبي ، وكعب بن ثور وهو من كبار التابعين، وسيدنا حذيفة بن
محصن قائد الجيش الثامن من جيوش الردة لحرب عُمان، وسيدنا عرفجة بن هرثمة
قائد الجيش التاسع من جيوش الردة لحرب مهرة، وهما في اليمن، ويوصيه ألا
يولِّي البراء بن مالك إمارة الجيوش؛ فقد كان سيدنا البراء بن مالك من
الشجاعة الفائقة بما يجعله يلقي نفسه في أمور قد يصعب على المسلمين أن
يتحملوها، فينهى سيدنا عمر بن الخطاب عن توليه قيادة الجيش رغم كفاءته خشية
هلاك المسلمين، ومن الكُمَاة المهرة سيدنا مَجْزَأَة بن ثور، وكان من أتقى
الصحابة. ومن المقربين إلى سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا كعب بن ثور هذا
التابعي الجليل، ومن مواقفه مع سيدنا عمر بن الخطاب أن امرأة قالت لسيدنا
عمر بن الخطاب: إن زوجي يصوم النهار ولا يفطر، ويقوم الليل ولا ينام. فقال
لها سيدنا عمر بن الخطاب: نِعْمَ الزوجُ. فاستحيت السيدة وانصرفت، فقال كعب
بن ثور لسيدنا عمر بن الخطاب: لماذا لم تُجِبْ لها مسألته؟ فقال سيدنا عمر
بن الخطاب: وأي مسألة في صيام زوجها وقيامه؟! فقال سيدنا كعب: ما أرى إلا
أنه يهجرها في الفراش. فقال سيدنا عمر بن الخطاب: أوَترى ذلك؟ فأرسل إلى
السيدة مرة أخرى، فعرض عليها ما قاله سيدنا كعب بن ثور، فصدّقت المرأة ما
قاله كعب، وقالت: والله إنَّ لي لرغبة كما للنساء. فتعجب سيدنا عمر بن
الخطاب من سيدنا كعب بن ثور وفَهْمه للمسألة بسهولة وببساطة، فقال له سيدنا
عمر: اقضِ في الأمر. فقال: أنت أمير المؤمنين، فَلْتَقْضِ أنت. فقال: إذا
كنت عرفت الأولى فلك أن تعرف الثانية. فقال سيدنا كعب بن ثور: لو كان هذا
الرجل من حقه أن يتزوج بأربع نساء فلكل واحدة منهنَّ ليلة، فيكون القضاء
بأن يقضي هذا الرجل ثلاث ليالٍ مع ربه يقوم ويصوم كما يريد، وليلة مع
زوجته. فقال له سيدنا عمر: ما رأيك الأول بأعجب من رأيك الأخير؛ اذهب فأنت
قاضي البصرة. فكان سيدنا كعب قاضي القضاة في البصرة، ومع ذلك كان من
المجاهدين المقاتلين في صفوف المسلمين. وهذا يدلِّل على أن العابد أو
العالم ليس دوره أن يمكث في المسجد فقط منصرفًا عن الجهاد، بل نذكر قصة عبد
الله بن المبارك لما بعث برسالة إلى عابد الحرمين الفُضَيْلِ بنِ عِيَاض
يبين له فيها أن العبادة التي يقوم بها في مقابل الجهاد لعب، وكان الجهاد
وقتها فرض كفاية، فكيف وهو فرض عين!!
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك في العبادة تلعب
تحركت هذه الجيوش العظيمة؛ جيش الكوفة والأهواز والبصرة في اتجاه واحد
نحو مدينة تُسْتَر لحرب الفرس، على رأس كل الجيوش سيدنا أبو سبرة بن أبي
رهم، الذي استطاع أن ينقذ المسلمين في موقعة طاوس، فأرسل سيدنا عمر بن
الخطاب بتولية أبي سَبْرَة بن أبي رُهْم الإمارة على كل الجيوش، وكل هؤلاء
القادة من الصحابة: النعمان بن مُقَرِّن، وسويد بن مقرن، وسهل بن عدي،
والبراء بن مالك، ومَجْزَأَة بن ثور، وحرقوص، وحرملة، وسلمى؛ وذلك لما له
من مهارة في القيادة، أَدَّتْ إلى أن يتبوَّأ هذه المكانة العظيمة عند
المسلمين، وبدأت الجيوش الإسلامية بالتحرك في الاتجاه الذي ذكرناه.
تحركات الجيوش الإسلامية


من الكوفة يخرج جيش النعمان ويخترق سواد الجزيرة ويعبر نهر دجلة، ويتجه
جنوبًا ويعبر نهر "كارون" ناحية الأهواز، ومن البصرة يخرج سيدنا سهل بن عدي
بجيشه، وكان جيش سيدنا النعمان بن مقرن أسرع من جيش سيدنا سهل بن عدي؛
فاخترق السواد في سرعة رهيبة جدًّا حتى وَصَل إلى منطقة سوق الأهواز،
فعبرها حتى وصل إلى مدينة "رَامَهُرمُز" وعليها الهرمزان، فحاصرها وخرج له
الهرمزان فالتقى معه في موقعة سريعة انتصر فيها على الهرمزان. ويرجع
الانتصار الذي حققه النعمان على الهرمزان لعدة أمور من أهمها: سرعة النعمان
بن مقرن، ومباغتته لعدوه قبل أن يجهّز الهرمزان جيشه، وقبل أن تصل القوات
الإسلامية من البصرة.
ولما انهزم الهرمزان جمع فلول جيشه وانسحب به متجهًا نحو مدينة
"تُسْتَر" حيث الحصون العظيمة للفرس، وعلم سيدنا سهل بن عدي وهو في طريقه
إلى رامهرمز أن سيدنا النعمان بن مقرن انتصر على الهرمزان في رامهرمز،
واتجه نحو تُسْتَر فغيَّر سيدنا سهل بن عدي اتجاهه من منطقة الأهواز رأسًا
إلى تُسْتَر ليحاصرها مع سيدنا النعمان بن مقرن ، وتوجهت جيوش الأهواز إلى مدينة تُسْتَر وكان على
رأس هذه الجيوش سيدنا حرقوص بن زهير، وسلمى، وحرملة، وغالب، وكليب تحت إمرة
سيدنا حرقوص بن زهير، ولا يكتفي سيدنا عمر بن الخطاب بذلك، بل يأمر سيدنا
أبا موسى الأشعري أن يخرج بنفسه على رأس جيش من البصرة مددًا للمسلمين،
فيخرج سيدنا أبو موسى الأشعري على رأس جيش من البصرة، ويتوجه بهذا الجيش
إلى تُسْتَر أيضًا، وبوصول سيدنا أبي موسى الأشعري إلى تُسْتَر يكون سيدنا
أبو موسى على رأس الجيوش التي خرجت من البصرة، ويبقى النعمان على رأس جيوش
الكوفة، ويظل أبو سبرة بن أبي رهم على كل الجيوش حتى على سيدنا أبي موسى
الأشعري.
وتصل الجيوش الإسلامية إلى مدينة تُسْتَر، بينما تختبئ الجيوش الفارسية
داخل الحصون، وكما ذكرنا أن مدينة تُسْتَر من أعظم الحصون الفارسية على
الإطلاق، ويقال: إنها أقدم مدينة في بلاد فارس، وبها أول سور بُنِيَ على
وجه الأرض، وبُنِيَتِ المدينةُ في منطقة عالية وحولها سور ضخم عالٍ، وعلى
السور أبراج عالية، وهذه الأبراج لم تكن متوفرة في حصون فارس، وهذه ميزة
للفرس فباستطاعتهم رمي المسلمين بالسهام من فوق الأبراج ولا تصل سهام
المسلمين إلى أعلى البرج، فكانت هذه في صف الفرس؛ بالإضافة إلى خندق حول
المدينة كعادة الفرس، لكن الفارق بينه وبين الخنادق الأخرى أن هذا الخندق
مملوءٌ بالماء مما يُصَعِّبُ على المسلمين اجتياز المدينة، وكان سور
المدينة من طبقتين وبينهما فراغ والماء حول المدينة من معظم الجهات، وهناك
منطقة واحدة لم يكن بها ماء ولكن على رأسها جيش كبير من الفرس، والأسهم
تُلْقَى من فوق الأبراج على من يُحَاوِل اجتيازَ هذه المنطقة، فكانت
المنطقة في شدة الحصانة، ولها سور ضخم عالٍ يحيط بالمدينة كلها، وبداخل
المدينة الزروع والطعام وخارجها نهر بجوارها؛ فأقاموا الشواديف والروافع
لرفع الماء من النهر إلى داخل المدينة، وبذلك كانت لديهم قدرة كبيرة على
الصبر على حصار المسلمين.
وبدأ المسلمون في حصار الفرس، وكان هذا الحصار من أشد أربعة حصارات
حاصرها المسلمون، وكعادة الفرس الخروج من داخل الحصن لقتال المسلمين من وقت
لآخر كما فعلوا في جَلُولاء وفي تكريت وفي المدائن، فتخرج فرقة لقتال
المسلمين وسرعان ما تعود إلى داخل الحصن، وتكررت هذه الزحوف ثمانين مرة،
ودام الحصار لمدينة تُسْتَر قرابةَ ثمانية عشر شهرًا (ما يقرب من عام
ونصف)، وكانت هذه أطول مدة تُحَاصَر فيها مدينة في التاريخ، ورغم طول المدة
لم يستسلم الجيش الفارسي المحاصَر ولم ييأس الجيش الإسلامي من الحصار،
وكان أمرًا شاقًّا على المسلمين فَهُم مُعَرَّضون لسهام الفرس، وبداخل
الحصن أعداد كبيرة من الجنود وعلى رأسهم الهرمزان، وكان من أشد قادة الفرس
قوة في ذلك الوقت بعد مقتل رستم في موقعة القادسية؛ فيصبر المسلمون على
الحصار الشديد، وكان النصر في كل ما قام به الفرس من مهاجمة المسلمين حليفَ
المسلمين، لكن كان الفرس يلجئون إلى الحصون في كل زحف قبل تحقيق النصر
الكامل، فَشَقَّ الأمر على المسلمين، وشق الأمر أيضًا على الفرس، ثم تذكر
المسلمون أن معهم رجلاً قال عنه النبي : "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ
أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ[1] لاَ
يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ مِنْهُمُ
الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ"[2]. والبراء هو الذي أوصى به سيدنا
عمر بن الخطاب أن يكون في جيش المسلمين، فذهب المسلمون إلى البراء بن مالك
قائلين له: يا براء، ألا ترى ما نحن فيه؟! أَقْسِمْ على ربك. فيقول: أقسمت
عليك يا رب أن تمنحنا أكتافهم، وتملكنا رقابهم، وتلحقني بنبيك.
[1]
الطمر: الثوب البالى.
[2]
رواه الترمذي (3854)، وقال الألباني: صحيح. انظر حديث رقم (4573) في صحيح
الجامع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:07

مغامرة في نفق الماء


بعد ثمانية عشر شهرًا قطعها المسلمون في حصارهم للفرس في تُسْتَر، وبعد
أن طلبوا الدعاء من رجل بشَّره النبي باستجابة الدعاء، وبعد أن فرغ من دعائه سقط سهم بجوار سيدنا أبي موسى الأشعري، وفي
هذا السهم رسالة، فقرأ سيدنا أبو موسى الأشعري الرسالة فوجدها من أحد
الفُرْسِ داخل الحصن، يطلب الأمان من المسلمين لنفسه ولأمواله على أن يصف
للمسلمين طريقًا للدخول إلى تُسْتَر، فذهب سيدنا أبو موسى الأشعري من وقته
بالرسالة إلى قائد جيش المسلمين أبي سبرة بن أبي رهم، وتناقش معه في أمر
الرسالة؛ فوافق سيدنا أبو سبرة على تأمين هذا الرجل، فكتب له أمانًا في
ورقة ووضعها في سهم، ورمى بالسهم في المكان نفسِه الذي جاء منه السهم
الفارسي، فسقط السهم بداخل حصن تُسْتَر، ثم يَقْدُم أحد الفرس خفية في
الليل يحمل معه ورقة الأمان على نفسه ودمه وأمواله، وقال للأمير: فإني أريد
منك رجلاً واحدًا أدلّه على الطريق، وبعد ذلك يعود ليأخذ الجيش. فاستدعى
سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم سيدنا مَجْزَأَة بن ثور من صحابة النبي ليستشيره، وكان من الذين أوصى بهم سيدنا عمر بن
الخطاب ليكونوا في جيش المسلمين، وقال له: يا مجزأة، من ترى يكون هذا الرجل
الذي يتبع هذا الفارسي؟ فقال سيدنا مجزأة: اجعلني ذلك الرجل. فيقول
الفارسي: إن الأمر شديد، وإني أريد رجلاً يجيد السباحة. فيقول سيدنا مجزأة:
أنا ذلك الرجل. ويضحي سيدنا مجزأة بنفسه ويخوض المجهول مع هذا الفارسي،
فيقول له سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم: أوصيك أن تعرف الطريق جيدًا وتعود
إلينا دون أن تُحْدِث أمرًا. وهذا أمر من سيدنا أبي سبرة بن أبي رُهْم قائد
المسلمين إلى سيدنا مجزأة الجندي في جيش المسلمين، وكان هذا الأمر قد
وُجِّهَ من قبل إلى سيدنا حذيفة بن اليمان من قبل النبي في غزوة الخندق، فقد أوصاه النبي ألا يُحدِث أمرًا وهو يأتي بخبر القوم. فيذهب حذيفة
إلى داخل معسكر الأحزاب، ويكون أبو سفيان على مقربة منه، فهَمَّ بقتله لولا
أن تذكر وصية النبي ألا يحدث أمرًا، فيُعْرِضَ عن قتل أبي سفيان مع أنه
قائد جيوش الأحزاب لوصية النبي ، فيحفظ سيدنا مجزأة الوصية جيدًا، ويذهب مع الفارسي
في منطقة من الخندق ثم يتجه الفارسي إلى المنطقة التي بها مياه، ويسبح في
الماء فيسبح وراءه سيدنا مجزأة بن ثور، ثم يغطس تحت الماء فيغطس وراءه،
فيجد نفسه قد دخل في نفق داخل السور الكبير الذي يحيط بمدينة تُسْتَر فيدخل
في هذا النفق، وكان نفقًا شديد الصعوبة، فتارة يضيق فيعبره سيدنا مجزأة
بمنتهى الصعوبة، وتارة يتسع ويتشعب، وتارة يكون سقف النفق منخفضًا فإذا
أراد العبور لا بد من الغطس تحت الماء، ويختفي تمامًا حتى يعبر المنطقة
التي بعدها فيرتفع مرة أخرى فوق سطح الماء، وكان هذا النفق شديد الصعوبة
شديد الظلمة، ووصل سيدنا مَجْزَأَة إلى باب النفق الذي يؤدي إلى مدينة
تُسْتَر بعد مغامرة قضاها مع الفارسي وسط نفق من الماء شديد الظلام وشديد
الصعوبة، فيذهب الفارسي ويحضر لباسًا فارسيًّا، ويلبسه سيدَنا مجزأة بن ثور
ويدخل به إلى المدينة، وبمجرد دخول سيدنا مجزأة بن ثور المدينة بدأ
يتفقدها، فتفقَّد باب الحصن الرئيسي، وتفقد الحصن الكبير أو القصر الكبير
بداخل تُسْتَر الذي فيه الهرمزان، وتفقد المناطق الرئيسية المؤدية إلى
مداخل المدينة، وفي أثناء هذا التفقد يرى رجلاً نازلاً من القصر ليلاً
بخُيَلاء وعظمة عليه تاجه ويلبس ذهبه، وعرف سيدنا مجزأة أنه الهرمزان،
فيقول سيدنا مجزأة: واللهِ إني أعلم أني لو أطلقتُ عليه سهمًا ما أخطأته،
ولكني أذكر وصية أبي سبرة بن أبي رهم "لا تحدث أمرًا"؛ فأعيد سهمي في
جَعبتي طاعةً لأمير الجيش.
ولقد رأينا أن معصية الأمير أو القائد لا تأتي إلا بالخسارة الفادحة
على المسلمين، وكما رأينا ذلك في موقعة الجسر وقد استشهد فيها أربعة آلاف
مسلم، وأيضًا في معركة طاوس التي استشهد فيها عددٌ غير قليل من المسلمين،
وعلى العكس من ذلك تمامًا نجد نتيجة الطاعة، طاعة الجندي لأميره حتى وإن
كان يرى في رأيه صوابًا إلا أنه بعد أن يشرح للأمير عليه أن يطيعه، فيطيع
سيدنا مجزأة أميره ويعرف طريقه جيدًا، ولا يحدث أمرًا ثم يعود أدراجه مرة
أخرى إلى النفق، ويترك الفارسي داخل المدينة، ويعود إلى سيدنا أبي سبرة بن
أبي رهم ويخبره بإتمام أمره، قائلاً له: انتخب لي بعض المسلمين حتى أفتح لك
الأبواب. ولم يرضَ سيدنا أبو سبرة أن يكلف الناس بهذا الأمر الشاقِّ؛ ففتح
للناس باب التطوع لعبور النفق بشرط أن يكونوا ممن يجيدون السباحة، فتطوع
المسلمون من جيش الكوفة ومن جيش البصرة ومن جيش الأهواز (كما حدث من قبل في
موقعة المدائن، لما أراد سيدنا سعد بن أبي وقاص عبور نهر دجلة بالخيول،
فكانت أول فرقة تعبر النهر ستكون أول فرقة في مواجهة الفرس، فجعلها سيدنا
سعد تطوعًا، وكان على رأسها سيدنا عاصم بن عمرو التميمي)، وتطوع من
المسلمين -لما أعلن فيهم سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم- ثلاثمائة من المسلمين
ليعبروا هذا النفق الخطير، وكان هذا أكبر عائق مَرَّ بالمسلمين في حروب
فارس، وكان من بين المتطوعين سيدنا عاصم بن عمرو التميمي وسيدنا أبو سبرة
بن أبي رهم، وهما من قواد المسلمين في معارك فارس، لكن سيدنا أبا سبرة بن
أبي رهم جعل سيدنا مجزأة بن ثور أميرًا على الثلاثمائة؛ لأنه دليل المسلمين
في الطريق، وهو أول من تطوع للذهاب إلى داخل مدينة "تُسْتَر". وتتقدم هذه
الفرقة لتدخل مدينة تُسْتَر، ويوصيهم سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم: "إذا
التقيتم مع عدوكم فتذكروا الله، وافتحوا لنا الأبواب، وعلامتنا التكبير".
فيدخل الثلاثمائة إلى النهر بعد منتصف الليل بساعة أو ساعتين، وقبل الفجر
بثلاث ساعات، وتقدم سيدنا مجزأة المسلمين وكان النفق شديد الصعوبة على
المسلمين؛ فكان يرشد الناس إلى الطريق بصوت خافت لظلمة النفق ولئلا يسمعه
الفرس، وتحرر المسلمون من كل شيء إلا جلبابًا خفيفًا والسيف مربوط على
صدورهم، ويجتاز المسلمون النفق ويصل سيدنا مجزأة بن ثور إلى باب النفق وقد
فقد في النفق مائتين وعشرين جنديًّا، ولم يتبقَّ معه سوى ثمانين رجلاً فقط،
أي أنه في خلال ساعتين فقط ابتلع النفق الرهيب هذا العدد الضخم.
قد نمرُّ على فتوحات المسلمين في فارس وفي غيرها دون الوقوف عندها، لكن
هذه الفتوحات قد دُفِعَ فيها أرواح ومجهود، فلم يكن الأمر سهلاً وميسورًا
بالنسبة للمسلمين، وأقرب مثال على ذلك فتح "تُسْتَر".
دخل سيدنا مجزأة بن ثور مع المسلمين خُفْيَة وتحسَّسَ الطريق حتى وصلوا
إلى باب الحصن، فتقاتلوا مع قادة حرس الباب في معركة شديدة، وكان الجيش
الفارسي في سُبَاتٍ عميق، ولم تبقَ إلا الحامية التي دخل معها المسلمون في
قتال عنيف وسريع، وأثناء القتال تتوجه مجموعة من المسلمين ناحية الباب
لتفتحه للجيوش الإسلامية، ثم بدأ المسلمون من داخل الحصن في التكبير، وكانت
هذه التكبيرات إشارة للقوات الإسلامية خارج الحصن إلى السيطرة على الموقف،
وأَنَّ عليهم أنْ يكونوا على أُهْبَةِ الاستعداد، فوقف المسلمون على باب
الحصن قبل أن يُفتحَ الباب، وما إن فُتِحَ باب الحصن حتى انهمر المسلمون
داخل حصن "تُسْتَر" كالسيل، والتقى المسلمون مع الفرس في معركة من أعنف
المعارك في الفتوحات الفارسية حتى هذه اللحظة يُقَدَّر عنفها بعنف ليلة
"الهرير" في القادسية، وبعنف ليلة جَلُولاء؛ وكانت الميزة بالنسبة للمسلمين
عنصر المفاجأة والمباغتة التي داهموا بها القوات الفارسية، ولم يَدُرْ
بخَلَدِ الفُرْسِ أبدًا أن يقتحم المسلمون الحصن في ذلك الوقت من الليل،
فاستيقظ الجنود الفرس وقد باغتهم وجود المسلمين ولم يأخذوا أهبتهم بعدُ،
وألقى الله الرعب في قلوبهم، وأعزَّ الله جنده، وبدأت سيوف المسلمين تُعمل
في رقاب الفرس.
شجاعة نادرة:
وممن كتب الله لهم الشهادة في ذلك اليوم سيدنا البراء بن مالك، وقد لمحت
عينه الهرمزان من بُعد، فأراد الوصول إليه، وكانت أمامه أمواج من البشر
تتقاتل، لكنه كان يقتل رجلاً رجلاً ليصل إلى الهرمزان ليفتك به، وتجاوز عدد
قتلى البراء بن مالك في معركة تُسْتَر إلى مائة قتيل من الفرس مبارزة،
ويلتقي بعد ذلك بالهرمزان ويتقاتلان معًا، فيسدد البراء ضربة ويسدد
الهرمزان ضربة، فيخطئ البراء ويصيب الهرمزان؛ لينال البراءُ بنُ مالكٍ
الدرجات العُلا من الجنة بالشهادة في سبيل الله كما دعا اللهَ I، فاستجاب له الله دعوته بفتح تُسْتَر وهزيمة الفرس
واستشهاده، وراقب سيدنا مجزأة بن ثور الموقف عن بُعْدٍ، وحتى هذه اللحظة
كان قد قتل مائة من الفُرْسِ وأراد الوصول إلى الهرمزان لقتله؛ فقاتل
أمواجًا من البشر حتى وصل إلى الهرمزان، وما إن وصل مجزأة إلى الهرمزان حتى
تقاتلا، فضرب مَجْزَأَة ضربة أخطأها، وضرب الهرمزان ضربة فأصابت سيدنا
مَجْزَأَة لينام قرير العين بعد جَهْدٍ أمضاه في خدمة الإسلام، ليلحق بركب
المجاهدين ويكون ممن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا.
ونزل نصر الله


ما زالت السيوف المسلمة تعمل عملها في رقاب الفرس، ولم يجد الفرس خيارًا
سوى الفرار، ولم يجد الهرمزان حيلة إلا الاختفاء داخل قصره الكبير، وأغلق
عليه بابه الكبير؛ فقد كان قصرًا أقرب إلى الحصن، أما القوات الفارسية فما
بين قتيل أو جريح أو أسير أو هارب. وبعد أن صعد الهرمزان إلى قصره وأغلق
بابه نادى على المسلمين: إن معي في جعبتي مائة سهم، لو أطلقتُها لقتلتُ
مائة منكم؛ فسهمي لا يخطئ، فأي نصر تحققونه إذا أخذتموني وقتلت منكم مائة؟!
فقالوا له: ماذا تريد؟ قال: أريد أن أنزل على رأي عمر. وبعد أن تناقش
المسلمون قَبِلَ أبو سبرة بن أبي رهم عَرْضَ الهرمزان؛ فألقى الهرمزان
بالسهام وسلَّم نفسه للمسلمين وتم القبض على الهرمزان، ووفاءً للعهد مع
الهرمزان قرر المسلمون إرساله إلى سيدنا عمر بن الخطاب ليرى فيه رأيه
وليحكم فيه، ووصلت الأنباء إلى سيدنا عمر بن الخطاب بتمام النعمة على المسلمين بفتح "تُسْتَر" بعد عام
ونصف العام من حصارها، وأَسْرِ الهرمزان الذي طالما نقض عهده مع المسلمين،
وقد ذكرنا من قبل أن مدينة السُّوس في منطقة الأهواز هي عاصمة الأهواز،
وتُسْتَر تعدّ العاصمة التجارية.
أرسل سيدنا عمر بن الخطاب برسالة إلى سيدنا أبي سبرة بن أبي رهم يأمره
أن يتوجه النعمان بن مقرن على رأس الجيوش الإسلامية إلى مدينة السوس، ويرجع
أبو موسى الأشعري بجيشه إلى البصرة، وعلى الجيش سيدنا المقترب بن ربيعة
وهو من صحابة النبي ، وكان اسمه الأسود بن ربيعة، وقال للنبي لما سأله: "مَا أَقْدَمَكَ؟"
فقال: جئت لأقترب إلى الله تعالى بصحبتك؛ فسماه المقترب.
فكان المقترب على قيادة الجيوش مكان سيدنا أبي موسى الأشعري على الجيش،
وعلى الجيشين سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم.
وتوجه سيدنا زيد بن كليب وهو من صحابة النبي إلى "جنديسابور"، وأمر سيدنا عمر بن الخطاب أن يأتي
إليه الهرمزان ومعه فرقة لحراسته، وعلى رأس هذه الفرقة سيدنا أنس بن مالك أخو البراء بن مالك ، وسيدنا الأحنف بن قيس ، وسيدنا المغيرة بن شعبة ، وعرف سيدنا عمر بن الخطاب أن الهرمزان ذو مكرٍ ودهاء وحيلة؛ فأرسل معه هذه
الحامية التي على رأسها هؤلاء الثلاثة من المقاتلين المسلمين المهرة، وبدأ
المسلمون بتوجيه القوات الإسلامية في الاتجاهات التي أمر سيدنا عمر بفتحها،
ووجه المسلمون الهرمزان إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة ليرى رأيه في
هذا الرجل الذي نقض عهده أكثر من مرة مع المسلمين.
لصلاة الصبحِ عندي خير من ألف فتح


يذكر سيدنا أبو موسى عن جيش المسلمين أنه دخل مدينة تُسْتَر عند أذان
الفجر، وبدخول المسلمين بدأت المعركة ذات البأس الشديد بين المسلمين
والفرس، فلم يتمكن المسلمون من صلاة الفجر في أول الوقت، وظل القتال
مستمرًّا حتى بعد أن طلعت الشمس، ومن شدة ضراوة المعركة لم يتمكن المسلمون
من الصلاة إيماءً كما حدث في جَلُولاء فقد صلَّى المسلمون إيماءً برءوسهم
وهم على الخيول، وبعد أن أتمَّ اللهُ نصره للمسلمين صلَّى المسلمون الصبح
بعد شروق الشمس، وكلما ذُكِرَتْ صلاة الفجر أمام سيدنا أبي موسى الأشعري
بعد موقعة تُسْتَر كان يقول: والله لقد ضُيِّعَتْ علينا صلاةُ الصبح، لصلاة
الصبح عندي خير من ألف فتح. يتألم أبو موسى الأشعري من صلاة فجر ضيعها في
وقتٍ السيوف فيه على الرقاب، ولم يتمكن من صلاتها إيماءً، فهو يحزن على
ضياع هذه الصلاة وعنده ما يعتذر به، فلا بد من حمل هذا الأمر على محمل
الجد، فتضييع صلاة الفجر أو تضييع فرض من الفروض أحد عوامل الهزيمة
الرئيسية للمسلمين، فما نراه من ضعف قد حَلَّ بالمسلمين ليس له إلا سبب
واحد، ذكره سيدنا عمر بن الخطاب للجيوش الإسلامية: "إنكم تُنصَرون عليهم
بطاعتكم لله ومعصيتهم لله، فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم
بقوة العُدَّة والعتاد". فبمجرد تخلِّي المسلمين عن طاعة الله يتخلَّى الله
عنهم، وإن نصروه نصرهم، كما قال في كتابه: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]؛ فنرى أن جحافل الفرس تُدَكُّ تحت سيوف
المسلمين مع قلة المسلمين وكثرة الفرس، ورغم الحصون العظيمة التي يمتلكها
الفرس إلا أنها لم تغنِ عنهم شيئًا، وهذا النصر يُتمُّه اللهُ للمؤمنين في
حال طاعتهم له I، أما إذا عصى المسلمون أميرهم
(وكما نعلم أن معصية الأمير معصية لله )، وارتُكِبت المعاصي، وتملكت الدنيا من قلوب
المسلمين فستأتي الهزيمة، فالأمر في منتهى الوضوح، والرسالة قصيرة: وهي أن
النصر لا يأتي إلا بطاعة، وما عند الله لا يُنَال إلا بطاعته، فلو فرَّطت
الأمة في صلاة الصبح فلن يتنزل عليها النصر، ولو ضيعها فرد واحد فهذا
الإنسان لن يُنصرَ في المحيط الذي يتعامل فيه، وإذا كان هذا هو دَيْدَن
الأمة في وقت ما؛ فهذا يفسر تأخرها.
وقد يتعلل البعض بوقت صلاة الفجر، ولكن لم يكن الله ليفرض على الإنسان
شيئًا يعجزه، فالله أعلم بما يصلحنا وما ينفعنا وهو أعلم بأنفسنا من
أنفسنا، وما كان الله ليكلف نفسًا إلا وسعها، وهذا حتى يعلم الله الصابرين
والصادقين في إيمانهم مع الله ، وليمحص المؤمنين ممن يسير في الركاب، فإن أصابته
فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة؛ ففي عهد الرسول كانت صلاة الفجر هي الفارقة بين المؤمن والمنافق،
فهذه الصلاة ثقيلة على المنافق، وهذه رسالة من سيدنا أبي موسى الأشعري يوضح
فيها للمسلمين مدى أهمية صلاة الفجر في حياة المسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:08




لقاء عمر مع الهرمزان










التقدم الوفد الإسلامي بأسيرهم الهرمزان إلى المدينة المنورة ليرى فيه سيدنا
عمر بن الخطاب رأيه، وكما ذكرنا أن الوفد كان على رأسه سيدنا أنس
بن مالك والمغيرة بن شعبة والأحنف بن قيس ، وتوجّه الجميع من تُسْتَر إلى المدينة، وكانت
المسافة كبيرة جدًّا تُقدَّر بألف كيلو، وكان الهرمزان تحت حراسة مشددة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:09




عزل سـعد










ا
في الحلقة السابقة وقفنا على نبأين وصلا إلى سيدنا عمر بن الخطاب ؛ النبأ الأول: هو تجمع أعداد كبيرة من الفرس وصل
تعدادهم إلى مائة وخمسين ألف جندي لقتال المسلمين في نهاوند، وهي من المدن
المهمة في عمق الدولة الفارسية، وأرسل هذا الخبر قباذ بن عبد الله أمير
حلوان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:18




موقعة نهاوند







مقدمة




نبدأ
في هذا المقال الحديث عن موقعة نَهاوَنْد، وكما ذكرنا من قبل كان النعمان
بن مُقَرِّن
على رأس الجيوش الإسلامية متوجهًا إلى نَهاوَنْد بعد أن تجمعت الجيوش
الفارسية في
مدينة (ماه) على بُعد مائة وثلاثين كيلو مترًا منها، وعندما وصلت الجيوش
وجد
المسلمون أن الجيش الفارسي عسكر خارج مدينة نَهاوَنْد وعلى رأسه الفيرزان؛
فحَفَّز
سيدنا النعمان الجيش وبدأ في التكبيرات، وكان التكبير شعار المسلمين في
الحروب
الفارسية، ولما كبر المسلمون تزلزلت الأعاجم وخُلِعَت قلوبهم، وكان تعداد
الجيش
الفارسي كما ذكرنا من قبل مائة وخمسين ألف فارسي، وتعداد الجيش الإسلامي
ثلاثون
ألف مسلم، ونشب القتال وكان قتالاً عنيفًا وشديدًا،
يشبهه المؤرخون بقتال القادسية وجَلُولاء وكانا من أشد قتال مرَّ
بالمسلمين، ويمضي
يوم على القتال بين المسلمين والفرس وما زالت الحرب سجالاً بين الطرفين،
ولم يحقق
أيُّ الفريقين انتصارًا، وبقدوم الليل توقف القتال لتعاد الكَرَّة في
الصباح،
وانتهى اليوم الثاني وما زالت المعركة سجالاً بين الجيشين، على الرغم من
كثرة
تعداد الفرس وأنهم خمسة أضعاف الجيش الإسلامي، فكان جهدًا عظيمًا بُذِلَ من
قبل
المسلمين، وأدرك الفرس أن المعركة إن استمرت على تلك الحالة ستكون الغلبة
للمسلمين.


انسحاب الفرس




بعد
أن انتهى اليوم الثاني، أدرك الفرس أنه لا مناص
من الهزيمة التي حتمًا ستلحق بهم، فانسحب الجيش
الفارسي ليتحصن بداخل مدينة نَهاوَنْد، وصبحهم المسلمون في اليوم الثالث
فلم يجدوا
جيش الفرس كما عهدوا في أول يومين في المعركة، فقد انسحب بداخل نَهاوَنْد
وأغلق
على نفسه الحصون العالية، ومنطقة نَهاوَنْد كما ذكرنا منطقة جبلية، وحصن
نَهاوَنْد فوق جبل عالٍ، ومكان الحصن كان يعطي
قوة كبيرة للفرس، فبينما هم بالداخل كان
المسلمون أسفل الحصن، وبإمكان الفرس أن يصلوا إلى المسلمين بسهامهم، ومن
الصعوبة
أن يصل المسلمون إلى الفرس بسهامهم، فكان الحصار فيه مشقة كبيرة على
المسلمين، لكن صَبَرَ المسلمون -كعادتهم- في القتال واستمروا
في حصار الحصن فترة تقترب من الشهر، وكانت من أشد الفترات على المسلمين،
وكان
الحصار أصعب من حصار "تُسْتَر" بالرغم من أن حصار تستر استمر عامًا ونصفًا،
إلا أن هذا الشهر كان في غاية الصعوبة فقد تزامن مع فصل الشتاء، وكان الجو
شديد
البرودة خاصة في المرتفعات، ولم يتعود المسلمون من قبل على مثل هذا الجو من
البرد، فقد نشأ غالبيتهم في مكة والمدينة حيث شدة الحر، ولم
يكن مع المسلمين سوى الخيام القليلة وقليل من الملابس تحميهم من البرد،
ورابط
المسلمون وتحملوا المشقة والمجهود منتظرين نصر الله تعالى القريب.


حركة القعقاع بن عمرو التميمي




لما
طال على المسلمين هذا الحال واستمر، جمع النعمان بن مقرن أهل الرأي من
الجيش،
وتشاوروا في ذلك، وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد
واحد،
فتكلم النعمان فقال: "قد ترون المشركين واعتصامهم بخنادقهم ومدنهم، وأنهم
لا يخرجون إلينا إلا إذا شاءوا، ولا يقدر
المسلمون على إخراجهم، وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق، فما الرأي
الذي به
نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل؟".

فتكلم
عمرو بن ثُبَيٍّ أولاً -وهو أَسَنُّ من كان هناك- فقال: التحصن عليهم أشد
من المطاولة
عليكم، فدعهم ولا تحرجهم وطاولهم وقاتل من أتاك منهم.

فرد
الجميع عليه وقالوا: إنا لعلى يقين من إظهار ديننا، وإنجاز موعود الله لنا.

وتكلم
عمرو بن معديكرب فقال: ناهدهم وكاثرهم ولا تخفهم.

فردوا
جميعًا عليه وقالوا: إنما تناطح بنا الجدران، والجدران أعوان لهم علينا.
فكان من
الحكمة عدم التسرع حتى لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، بل لا بد من الأخذ
بالأسباب،
بوضع خطة ناجحة لا تؤدي إلى هلكة المسلمين ويكون بها النصر.

وقام
طليحة الأسدي -ومنذ دخوله في حروب فارس كان له الأثر الواضح البين
في المعركة، وكأنه
يريد أن يكفر عن الذنب العظيم القديم- فقال: إنهما لم يصيبا، وإني أرى أن
ينسحب
الجيش الإسلامي من أمامهم بكامله، ثم تبعث سرية
فتحدق بهم ويناوشوهم بالقتال ويحمشوهم، فإذا برزوا إليهم فليفروا إلينا
هرابًا،
فإذا استطردوا وراءهم وأرّزوا (تجمعوا) إلينا عزمنا أيضًا على الفرار كلنا،
فإنهم
حينئذ لا يشكُّون في الهزيمة، فيخرجون من حصونهم على بكرة أبيهم، فإذا
تكامل
خروجهم رجعنا إليهم فجالدناهم حتى يقضي الله بيننا.
واستجاد الناس هذا الرأي، وفكر سيدنا النعمان في القيام بهذه المهمة
الصعبة، ومن
يختار لها، ووقع اختياره على فارس من فرسان المسلمين قال عنه الصديق: إنه
بألف رجل. فأمر النعمان القعقاع بن عمرو، وكان على المجردة،
فتحرك في الظلام ناحية مدينة نَهاوَنْد، وفي
الوقت نفسه ينسحب الجيش الإسلامي ويختفي وراء جبل من الجبال البعيدة، ولم
يظهر أمام نَهاوَنْد إلا القوات التي مع القعقاع
بن عمرو التميمي. وفي بداية الصباح يبدأ
المسلمون برشق السهام الكثيرة، وكانوا فرقة من
الرماة المهرة استطاعت أن تصل سهامهم إلى داخل حصون نَهاوَنْد، ووجد الفرس
أن هذه
الفرقة تسبب لهم الأذى رغم أنها قليلة العدد؛ فَغَرَّهم ذلك وخرجوا للقتال،
ونشب القتال وكانت معركة من أشد المعارك حتى على
القعقاع نفسه كما يقول هو، وكان الجيش يقاتل ولا يريد النصر، فبعقليته
العسكرية لا
يريد أن يحقق نصرًا صغيرًا بل أراد أن يظهر أمامهم الهزيمة حتى يخرجهم من
حصونهم،
وبدأ القعقاع في تنفيذ الخطة التي اتفق عليها المسلمون، فأظهر الهزيمة حتى
أخرجهم
من خنادقهم كأنهم جبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا، وقد قرن بعضهم بعضًا
كل سبعة
في قِرَان، وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا. فلما خرجوا نكص ثم نكص،
واغتنمها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة، وقالوا: هي
هي. فلم يبقَ أحدٌ إلا من يقوم على الأبواب، ولحق القعقاع بالناس، وانقطع
الفرس عن حصنهم بعض
الانقطاع، والمسلمون على تعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار، وكان الجيش
الإسلامي
يقف خلف جبل يراقب الموقف من بعيد، وأصبح القتال
من الشدة بمكان على الفرقة الإسلامية التي يقودها سيدنا القعقاع بن عمرو؛
فقد أنشب
القتال بينه وبين الفرس من الفجر إلى قبل الظهر بقليل، وقد عهد النعمان إلى
الناس
عهده، وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى
يأذن لهم، لئلا ينسحب الفرس، فما زالت بقية
الجيوش الفارسية داخل حصونهم، ففعل المسلمون
واستتروا بالحجف من الرمي، وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم
الجراح.

وشكا
بعض الناس وقالوا للنعمان: ألا ترى ما نحن فيه،
فما تنتظر بهم؟ ائذن للناس في قتالهم. فقال: رويدًا رويدًا. فكان النعمان
رابط
الجأش حليمًا على شدته وضراوته في القتال؛ فقد قال فيه سيدنا عمر بن الخطاب
:
لأولين عليهم رجلاً أسبقَ من الأسنة. فهو يقاتل
بحكمة وغير متسرع في القتال، وظل على موقفه حتى جاءه المغيرة بن شعبة وقال:
إن
القتال قد اشتد على القعقاع ومن معه، ولا أرى
ذلك رأيًا، ولو كنت مكانك لناهدتهم. فقال سيدنا
النعمان: رويدًا رويدًا ترى أمرك، نحن نرجو في
المكث ما ترجو أنت في الخروج. فيتألم المغيرة
لما يحدث بالمسلمين، وانتظر النعمان بالقتال أحب الساعات كانت إلى رسول
الله
أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال، وصلَّى الجيش صلاة الظهر، ووقف
النعمان يخطب
في المسلمين، وكانت هذه الخطبة من الخطب
التاريخية المشهورة (ومنها خطبة سيدنا سعد بن أبي وقاص في القادسية، وخطبة
سيدنا عتبة بن غزوان في فتح الأبلة، ومنها
خطبة سيدنا النعمان بن مُقَرِّن في فتح نَهاوَنْد)، فقام النعمان فيهم
خطيبًا
وقال: "قد علمت ما أعزكم الله به من هذا الدين وما وعدكم من الظهور، وقد
أنجز
لكم أوله وسيلحق بكم آخره، واذكروا ما مضى إذ
كنتم أذلة، وما استقبلتم من هذا الأمر وأنتم أعزة،
فأنتم اليوم عباد الله حقًّا وأولياؤه، وقد ترون ما أنتم بإزائه من عدوكم،
وما
اخترتم وما اختاروا لكم، فأما ما اختاروا لكم فهذه الرِّثَّة وما ترون من
هذا
السواد، وأما ما اخترتم لهم فدينكم، ولا سواء ما اخترتم وما اختاروا، فلا
يكونُنَّ
على دنياهم أحمى منكم على دينكم، وأتقى عبادِ الله رجلٌ صَدَقَ الله، وأبلى
بنفسه
فأحسن البلاء، وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين: من بين شهيد حيٍّ مرزوقٍ أو
فتح قريب،
فليكفِ كل رجل ما يليه، ولا يكلْ أحدكم قرنه إلى
أخيه، وقد يقاتل الكلب عن صاحبه، فعلى المسلم أن يكفي نفسه ويحاول أن يكفي
غيره،
فكل رجل منكم مُسلَّط على ما يليه".

فلما
كان قريبًا من تلك الساعة التي كان يقاتل فيها النبي ركب فرسَه وسار في الناس، ووقف
على كل راية يذكرهم ويحرِّضهم ويمنِّيهم الظفر، وقال: إذا قضيت أمري فإني
مكبرٌ
ثلاثًا، فإذا كبرت الأولى شد الرجل شعثه، وأصلح من شأنه،
وليتهيأ من لم يكن تهيأ، فإذا كبرت الثانية شدَّ الرجل إزاره، وليشد عليه
سلاحه
وليتأهب للنهوض وليتهيأ لوجه حملته، فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا.
وقال: اللهم إني أسألك أن تُقِرَّ عيني اليوم بفتح
يكون فيه عِزُّ الإسلام، واقبضني شهيدًا،
واجعلني أول شهيد؛ أَمِّنوا يرحمكم الله. فأَمَّن المسلمون،
وبكى الناس جميعًا.

وبدأ
القعقاع بالتراجع مُظهِرًا الهزيمة أمام الفرس،
متجلدًا لقتالهم حتى وصل إلى مقدمة الجيوش الإسلامية المختبئة خلف الجبال.

وقد
اختار الجيش الإسلامي مكانًا فسيحًا للقتال، ويقع
بين الجبل الذي يختبئ وراءه المسلمون والناحية الأخرى هاوية سحيقة، وأراد
المسلمون
حصار الفرس في هذه المنطقة، فكان ظهر المسلمين الجبل وكانت هذه الهاوية
السحيقة في
ظهر الفرس، فإذا ضغط المسلمون على الفرس ضغطًا شديدًا،
فسيكون السقوط في الهاوية أحد عوامل الهزيمة غير سيوف المسلمين، فكان
اختيار الأرض
موفقًا.

ويكبر
سيدنا النعمان التكبيرات الثلاث التي اتفق عليها المسلمون، ويحمل راية
المسلمين
النعمان بن مقرن، ورأى المسلمون الراية تتجه نحو الفُرْسِ بسرعة الصقر، فقد
كان
سيدنا النعمان من أسرع المقاتلين في الحرب كما وصفه سيدنا عمر بن الخطاب؛
ولما رأى المسلمون الراية تتجه ناحية الفرس هجموا
هجومًا عنيفًا على الفرس، وتلتقي السيوف في لقاء
شديد؛ يقول سيدنا جبير: والله ما علمت من
المسلمين أحدًا يريد أن يرجع إلى أهله حتى يُقتلَ أو يَظفَر. والله تعالى
يقول في
سورة النساء: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيُقْتَلْ
أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]. فليس
هناك خيار ثالث بالنسبة للمسلم، فهو أمام
خيارين: إما النصر وإما الشهادة؛ يقول جبير:
فحملنا حملة واحدة وثبتوا لنا، فما كنا نسمع إلا
صوت الحديد على الحديد حتى أصيب المسلمون بمصائب عظيمة من شدة ثبات الفرس
للقتال. ويقول جبير: فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح القتال
انهزموا. وتذكرنا هذه المقالة بمقالة سيدنا خالد
بن الوليد في الرسالة التي بعثها إلى ملوك فارس قائلاً لهم: جئتكم برجال
يحبون
الموت كما تحبون أنتم الحياة.

ويبدأ
القتال الشديد العنيف، ويروي من حضر هذه المعركة
من المسلمين أنهم لم يروا مثل شدته قطُّ، فكل
معركة مع الفرس كانت أشد من سابقتها، فكانت القادسية من أشد المعارك على
المسلمين،
ثم كانت جلولاء أشد من القادسية، ثم كانت تُسْتَر، ثم نَهاوَنْد فكانت
أشدها.

ولما
اشتد القتال وحمي وطيس الحرب، وفي وسط المعركة
يأتي سهم من الفرس ليستقر في قلب سيدنا النعمان بن مقرن قائد المسلمين، وقد
استجاب
الله دعاءه واتخذه الله شهيدًا كما قال تعالى في كتابه: {وَيَتَّخِذَ
مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140]،
فسقط
شهيدًا في ميدان القتال، وكان أول شهيد من شهداء المسلمين في معركة
نَهاوَنْد،
وقبل أن يلفظ النعمان أنفاسه الأخيرة اقترب منه مَعْقِل بن يسار مطمئنًّا
على
حاله؛ فيقول له النعمان: ماذا فعل المسلمون؟ فقال معقل: أبشر بنصر من الله.
فيقول سيدنا النعمان بن مقرن: "بشروا عُمر؛
فيحمد الله تعالى على ما أجزله الله من نصر المسلمين"، ويتلفظ بالشهادة
لتكون آخر كلماته في الدنيا ويلفظ أنفاسه
الأخيرة، ليخلد في النعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وأول
من أتاه بعد سقوطه أخوه سيدنا نعيم بن مقرن قائد المقدمة، فيعتصر قلبه من
الألم
لما رأى من حال أخيه وسقوطه في بداية المعركة، وخشي على المسلمين من
المصيبة فسجاه
بثوبه، وأخذ الراية قبل أن تسقط، وذهب بها إلى
سيدنا حذيفة بن اليمان وأخبره باستشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، فقال له
سيدنا حذيفة: اكتم مصاب أميرنا عن المسلمين. فيحمل سيدنا حذيفة بن اليمان
الراية ويستمر القتال
إلى الظلام، ولم يكن القتال في الظلام دَيْدنًا في حروب المسلمين بل كان في
أوقات
معدودة، كما كان في ليلة الهرير في القادسية،
وفي ليلة جلولاء، وهذه هي الليلة الثالثة في
فتوح فارس، واستمر القتال في الظلام حتى أصبحت الهلكة شديدة في الفرس وكثرت
الدماء، حتى انزلقت الأقدام في الدماء من كثرتها، وكثر انزلاق الخيول في
هذه
المعركة، حتى إن بعض المؤرخين لهذه المعركة يذكرون أن استشهاد النعمان بن
مقرن كان
إثر انزلاق جواده في الدماء، والأقرب للصحة أن استشهاده كان على إثر سهم من
سهام
الفرس استقر في قلبه ليستقر في جنات الخلد.


وما يعلم جنود ربك إلا هو




بعد
قتال استمر من الزوال إلى الظلام كتب الله النصر لجنده المؤمنين ولعباده
المخلصين،
وقُتِلَ عددٌ كبير من الفرس يحصى بمائة وعشرة آلاف فارس من مجموع مائة
وخمسين ألفًا،
منهم ثمانون ألفًا لم يقتلوا بسيوف المسلمين، وإنما قتلوا سقوطًا في
الهاوية
السحيقة، وذلك يرجع إلى توفيق الله ثم حُسْنِ اختيار المسلمين لأرض
المعركة، وهذا
من أكبر الأدلة على أن الأخذ بالأسباب له أهمية قصوى في القتال، وقُتل
بأيدي
المسلمين ثلاثون ألفًا، وفَرَّ أربعون ألفًا من أمام المسلمين شمالاً إلى
مدينة
همذان التي تبعد عن نَهاوَنْد مائة كيلو مترٍ تقريبًا شمالاً، وممن فرَّ
إلى
الشمال الفيرزان قائد الجيوش الفارسية، وأراد أن يلحق بهمذان لوجود فرقة
فارسية
متحصنة فيها، وكعادة المسلمين أرسلوا فرقة تطارد فلول الهاربين على رأسها
القعقاع
بن عمرو التميمي، وكان الطريق صعب السير فيه فقد كانت منطقة جبلية، وليس
للفرس
هروب يمين أو يسار فكان الأمر معتمدًا على السرعة، ولاح للمسلمين جيش الفرس
الفارّ
من أرض المعركة، ويتنزل النصر من عند الله بجند من جنوده {وَمَا يَعْلَمُ
جُنُودَ
رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]،
وكان
الأمر غير متوقع في ذلك الوقت، يقابل جيش الفيرزان بغالاً وحميرًا تحمل
عسلاً،
قطعت الطريق على جيش الفيرزان، والبغال والحمير
تسير ببطء، فنزل الفيرزان من على فرسه وكذلك فعل بقية الجيش الفارسي، وفروا
في الجبال على أقدامهم، فينزل المسلمون عن
خيولهم ويتتبعون الجيش الفارسي، ويلمح سيدنا القعقاع الفيرزان من على
بُعْدٍ
فيعرفه من هيئته فيتتبعه القعقاع بن عمرو فيقاتله ويقتله القعقاع، وكانت
هذه
المنطقة ثنية في الجبل وهو الطريق الواسع في الجبل،
فسميت هذه المنطقة بثنية العسل، وظلت معروفة
بهذا الاسم إلى زمان الإمام الطبري، وكان المسلمون يتفكهون ويقولون: إن لله
جنودًا
من عسل. وبعد تتبع الفارين وقتل الفيرزان، عادت الفرقة التي كان على رأسها
القعقاع بن عمرو إلى
نَهاوَنْد.

كان
سيدنا عمر بن الخطاب قد ولَّى السائب بن الأقرع وهو من صحابة النبي
على جمع الغنائم، فرغم قلة عدد المسلمين وكثرة عدد الفرس إلا أن سيدنا عمر
بن
الخطاب كان واثقًا في النصر، فولَّى من يجمع
الغنائم ويقسمه.

بعد
انتهاء المعركة دخل سيدنا السائب بن الأقرع إلى مدينة نَهاوَنْد التي
خَلَتْ من
المقاتلين الفرس ليجمع الغنائم، ولما دخل
المسلمون المدينة أتاهم "الهربذ" صاحب بيت النار على أمان، فأبلغ حذيفة،
فقال: أتؤمنني ومن شئتُ على دمي وعيالي، على أن
أخرج لك ذخيرةً لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان؟ فأمَّنه السائب بن الأقرع،
فأحضر
جوهرًا نفيسًا في سفطين (وعاءين)، من جواهر يزدجرد كسرى فارس، قسَّم السائب
بن
الأقرع الغنائم على المسلمين بعد جمعها، وقسم كل الغنائم ما عدا السفطين،
فكان
نصيب الفارس ستة آلاف درهم، ونصيب الراجل ألفا درهم، فالفارس يأخذ من
الغنائم
ثلاثة أضعاف الراجل لإنفاقه على فرسه، وبقي السفطان،
فقال سيدنا حذيفة: ماذا نفعل بهم؟ فقال السائب: والله لا أرى إلا أن
نرسلهما إلى
عمر في المدينة. فوافقه المسلمون على ذلك، فحمل
السائب بن الأقرع السفطين مع خُمس الغنائم إلى سيدنا عمر بن الخطاب، وليست
معه قوة تحميه.

وكعادة
سيدنا عمر بن الخطاب يقف منتظرًا ليعرف أخبار المسلمين بنفسه كما كان يفعل في معركة القادسية والمدائن،
فكان يخرج كل يوم ليطمئن على أخبار الجيش ويدعو لهم.

فرأى
السائب بن الأقرع قادمًا عليه فقال: ما وراءك؟ فقلت: خيرًا يا أمير
المؤمنين، فتح الله عليك وأعظم الفتح.
وسمي هذا الفتح في التاريخ فتحَ الفتوح، ورغم المعارك التي سبقت هذا الفتح
إلا أن
كسر شوكة الفرس في هذه المعركة كان شديدًا، وكان القتال في عمق بلاد فارس
مما
هَزَّ الدولة الفارسية، فتبسَّم سيدنا عمر بن الخطاب ، وسَعِدَ سعادة كبيرة، ثم قال: وما فعل النعمان؟
فقال السائب: لقي
ربه شهيدًا. فقال عمر: إنا لله وإنا إليه
راجعون. ثم بكى فنشج حتى بانت فروع كتفيه فوق كتده (والكَتِدُ: مُجْتَمَعُ
الكَتِفَيْنِ من الإِنسان والفرس، وقيل: هو الكاهِل. وقيل: هو ما بين
الكاهل إِلى الظهر)، ثم قال عمر: وما فعل بقية
المسلمين؟ فقال: لقد استشهد منهم كثير لا نعرف أنسابهم.
فقال سيدنا عمر بن الخطاب: وما ضرَّهم ألا يعرفَهم عُمَرُ ابن أم عمر، إن
الله الذي لاقَوْه يعرف وجوههم وأنسابهم. ويستمر في البكاء فترة، وكان الوقت ليلاً فقال سيدنا عمر بن الخطاب
للسائب بن
الأقرع: ضَعِ الغنائمَ في المسجد في بيت المال.
ويذهب وينادي سيدنا علي بن أبي طالب وعبد الله بن الأرقم ليحرسا الغنائم
حتى
الصباح، وبعد أن أدَّى سيدنا السائب بن الأقرع المهمة التي كلف بها، وبعد
أن ترك
الغنائم في بيت المال، يرجع في الليلة نفسها إلى بلاد فارس حتى يلحق
بالجيوش
للقتال، فهو لا يريد أن يترك لحظة واحدة من
لحظات الجهاد في سبيل الله، وعاد السائب بن الأقرع إلى أرض الجهاد رغم
المسافة
البعيدة بين المدينة وأرض فارس، وكانت المسافة من المدينة إلى الكوفة ألف
كيلو
متر.

وينام
سيدنا عمر بن الخطاب ليأتي اليوم الثاني ليقوم بتوزيع الغنائم،
فيرى سيدنا عمر بن الخطاب رؤيا رهيبة، فيقوم على أَثَرِها
من النوم فزعًا ولا يعلم تأويل هذه الرؤيا، ويستيقظ لصلاة الفجر ثم يذهب
إلى بيت
المال، وما إن رأى الغنائم حتى عرف تفسير الرؤيا التي رآها. وهذا ما سنعرفه
في المقال القادم إن شاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:19




الانسياح في بلاد فارس




مقدمة








ذكرنا
في الدرس السابق أن سيدنا عمر بن الخطاب ترك الغنائم في بيت المال وذهب من
ليلته
لينام، في حين ترك سيدنا السائب بن أقرع المدينة متوجهًا إلى أرض الجهاد في
فارس،
ونام سيدنا علي بن أبي طالب في المسجد مع الغنائم،
وكان في الغنائم سَفَطَان من حُلِيِّ كسرى لم يُعَدَّا من الخُمُس، أتى
بهما السائب مع خُمس الغنائم؛ يقول سيدنا عمر بن الخطاب: والله إنْ هو إلا
أن نمت
في الليلة التي خرج السائب فيها، فباتت ملائكة
الله تسحبني إلى ذينك السَّفَطيْن وهما يشتعلان نارًا، يقولون: لنكوِينَّك
بهما.
فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين. وبعد أن صلَّى سيدنا عمر الصبح ذهب إلى
بيت
المال وعرّف له سيدنا عليّ خمس الغنائم وأنَّ هذين السفطين من حلي كسرى ولم
يُعَدَّا في خمس الغنائم؛ فلما رآهما سيدنا عمر قال: هما هما. أي هما
السفطان اللذان رأيتهما في المنام، فقال: ما أحد من المسلمين أحق بهذين
السفطين إلا
الذي اغتنمهما.

ولم
يرد سيدنا عمر أن يحتفظ بهذين السفطين ولكنه بعفَّته المعهودة أمر بردهما
على
المسلمين الذين غنموهما في المعركة، ثم يأتي بأسرع من في المدينة ليلحق
بالسائب بن
الأقرع، فما أدرك السائب حتى دخل الكوفة وهو ينيخ بعيره،
فقال: الحقْ بأمير المؤمنين، فقد بعثني في طلبك فلم أقدر عليك إلا الآن.
قال:
فركبت معه فقدمت على عمر، فلما رآني قال: إليَّ وما لي وللسائب! قلت:
ولماذا؟ قال:
ويحك! والله ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت
فيها فباتت الملائكة تستحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارًا فيقولون:
لنكوينك
بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين. فخذهما عني فبعهما في أعطية
المسلمين
وأرزاقهم. وكان من الممكن أن يبعثهما سيدنا عمر بدلاً من أن يرد السائب،
ولكنه أراد أن يعلم السائب درسًا يعلمه لمن وراءه من
المسلمين، وهو أن أربعة أخماس الغنائم تقسم على
الجيش في أرض المعركة ويبعث بالخمس فقط إلى أمير المؤمنين. قال السائب:
فخرجت بهما
فوضعتهما في مسجد الكوفة، فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف
درهم. أي مليونين من الدراهم،
ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، أي بأربعة ملايين
درهم، فما
زال أكثر أهل الكوفة مالاً حتى مات، ثم قسم ثمنهما بين الغانمين، فنال كل
فارس أربعة آلاف درهم من ثمن السِّفْطَين.

وأراد
عمر أن يرسخ العدل بين المسلمين، وكان بإمكانه
أن يحتفظ بهذه الجواهر في بيت مال المسلمين ينفق منها على المسلمين في
الضوائق،
ولكنه أراد أن ينفذ العدل الذي شُرع أن أربعة أخماس الغنائم تُوزَّع على
الجيش،
والخمس إلى بيت المال، فليُقَسَّم كما أراد
الله.

ولقد
اختبر الله المسلمين بهذا المال الكثير فرغبوا عنه عفةً، والناظر إلى حال
المسلمين
مع ذينك السفطين يجد عفة متناهية سواء من الجيش أو من أمير المؤمنين، ولما
فُتحت
المدائن وأرسل المسلمون الغنائم إلى سيدنا عمر،
قال: إن قومًا أَدَّوْا هذا لأمناء. فقال له
سيدنا عليّ: عففتَ فعفُّوا، ولو رتعت لرتعوا.


فتح هَمَذان




بعد
سيطرة المسلمين على مدينة نهاوند وبعد استشهاد سيدنا النعمان بن مقرن، أصبح
سيدنا حذيفة بن اليمان هو والي نهاوند، فأرسل فرقة لتتبع الفارين على
رأسها القعقاع بن عمرو
التميمي حتى وصل إلى ثنية العسل، وسميت بهذا
الاسم بعد الحادثة المشهورة التي ذكرناها في الدرس السابق وقتل الفيرزان.

وأمر
سيدنا حذيفة بن اليمان الجيش بأن يسير حتى همذان (تبعد عن نهاوند بمائة
كيلو متر)، فوصلت مقدمة الجيش إلى همذان وخرج إليه صاحب همذان
وأهلها يطلبون من سيدنا القعقاع الصلح على الجزية فصالحهم،
مع أن حصون همذان من أقوى الحصون، وصدق الرسول : "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ
مَسِيرَةَ
شَهْرٍ".
ويرسل سيدنا القعقاع إلى سيدنا حذيفة بخبر الفتح،
وتفتح همذان في ذلك الوقت صُلحًا.

وكان
سيدنا عمر قد ألغى قراره السابق للجيوش عن الانسياح في بلاد
فارس خوفًا
عليهم من الغنائم، وكان سبب دخول المسلمين نهاوند هو تجمع أعداد من الفرس
يقدر
عددهم بمائة وخمسين ألفًا لمحاربة المسلمين.

وقال
له الأحنف: يا أمير المؤمنين، إنك نهيتنا عن
الانسياح في البلاد، وإن ملك فارس بين أظهرهم، ولا يزالون يقاتلوننا ما دام
ملكهم
فيهم، ولم يجتمع ملكان متفقان حتى يخرج أحدهما صاحبه، وقد رأيت أنَّا لم
نأخذ
شيئًا بعد شيء إلا بانبعاثهم وغدرهم، وأن ملكهم هو الذي يبعثهم، ولا يزال
هذا
دأبهم حتى تأذن لنا بالانسياح، فنسيح في بلادهم
ونزيل ملكهم، فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس. فقال: صدقتني والله! ونظر في
حوائجهم
وسرَّحهم. وأتى عمرَ الكتابُ باجتماع أهل نهاوند،
فأذن في الانسياح في بلاد الفرس.


فتح أصبهان




بعد
فتح نهاوند وهمذان فكر سيدنا عمر في الانسياح في بلاد فارس، وتحير سيدنا
عمر بأي
بلاد فارس يبدأ، ولكن عاجله الفرس فتجمعوا في
أصبهان، فقرر سيدنا عمر أن يبعث جيشًا إلى أصبهان،
فيرسل رسالة إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان والي الكوفة وكلِّ أراضي
فارس بعد
سيدنا سعد بن أبي وقاص (كما ذكرنا ذلك من قبل في عزل سيدنا سعد وتولية عبد
الله بن
عبد الله بن عتبان)، يأمره بتجهيز جيش إلى أصبهان، وأن يقود الجيش بنفسه
لفتح
أصبهان، وأن يترك على الكوفة زياد بن حنظلة ليصبح والي الكوفة وأراضي فارس،
ولكن
لم يبقَ في الولاية كثيرًا؛ فقد وجد صعوبة في
التعامل مع أهل الكوفة، فهم الذين شكوا سيدنا
سعد بن أبي وقاص إلى سيدنا عمر فعزله، واستعفى سيدنا زياد من الولاية،
فأعفاه سيدنا عمر وولَّى مكانه سيدنا عمار بن ياسر
أجمعين.

وتحرك
جيش سيدنا عبد الله بن عتبان من الكوفة إلى حلوان إلى نهاوند، وأمره سيدنا
عمر أن
يأخذ نصف قوات جيش سيدنا حذيفة بن اليمان ويتحرك بها إلى أصبهان، ثم أرسل
سيدنا عمر برسالة إلى سيدنا أبي موسى
الأشعري وهو والي البصرة في ذلك الحين، وكما
ذكرنا من قبل أن أهم مدينتين في بلاد العراق وفارس هما الكوفة والبصرة،
وتخرج من المدينتين الجيوش الإسلامية.

وأراد
سيدنا عمر أن يحاصر أصبهان ويهاجمها من طريقين: من الطريق الشمالي الذي
وجَّه إليه
عبد الله بن عتبان، ومن الطريق الجنوبي. ورسالة سيدنا عمر إلى سيدنا أبي
موسى الأشعري مضمونها
أن يخرج سيدنا أبو موسى الأشعري على رأس الجيش القافل من البصرة ويتجه إلى
أصبهان
من جهة الجنوب، ولو نظرنا إلى أبعاد الخرائط نجد أن أصبهان في عمق الدولة
الفارسية، فقد توغل المسلمون في داخل الأراضي الفارسية توغلاً كبيرًا.

ووصل
عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى أصبهان قبل أبي موسى الأشعري، فيقابله
جيش أصبهان خارج مدينة أصبهان بنحو خمسة
كيلو مترات وقائد الجيوش بندار، وعلى مقدمته شهربراز بن جاذويه، شيخ كبير
ومن
المقاتلين المهرة، ولم يمنعه هذا السن الكبير عن
القتال.

والتقى
الجيشان وذلك قبل وصول جيش أبي موسى الأشعري؛
يقول الرواة: إنها كانت على مِنْوال معركة نهاوند، وينتصر عبد الله بن عبد
الله بن
عتبان على هذه الفرقة، ويقتل عبد الله بن ورقاء
الرياحيُّ الشيخ الكبير قائد مقدمة جيوش أصبهان، وسمي ذلك الوادي "رُسْتاق"
وادي الشيخ إلى اليوم. ثم انسحب الجيش الفارسي
إلى داخل أصبهان وتحصَّن داخل مدينة "جَيّ"، ووقف المسلمون محاصرين
الحصن، وعلى رأس الحصن رجل يسمى "فاذوسفان" وكان أمير مدينة أصبهان، فقاتل
المسلمين،
وكعادة الفرس يحاربون من وراء جدر؛ يحاربون المسلمين فإذا انهزموا تحصنوا
وراء
الجدر، وكل ذلك ما مَلَّ المسلمين من الحصار، ولم يأت بعدُ جيشُ أبي موسى
الأشعري،
وذلك من سرعة عبد الله بن عتبان لا من بطء أبي موسى .

وطال
الحصار حتى ظن الفرس الهزيمة، فيخرج الفاذوسفان
رافعًا راية يريد أن يتحدث إلى قائد المسلمين، فقال لعبد الله بن عبد الله
بن
عتبان: لا تجعل أصحابك يقتلون أصحابي، ولكن اخرج لي فإن قتلتُك رجع أصحابك،
وإن
قتلتني سالمك أصحابي، وإن كان أصحابي لا يسقط لهم نشَّابة.

وكان
سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان من أمهر المسلمين وأشدهم ضراوة في
القتال؛
فوافق سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليقيَ المسلمين قتالاً عظيمًا
ويكسب
مدينة "جَيّ"،
فيخرج سيدنا عبد الله إلى الفاذوسفان، واختارا
أن يكون القتال بالرمح لا بالسيف، فقال عبد الله بن عبد الله بن عتبان:
تحمل عليَّ
أو أحمل عليك؟ (هامش: وكان القتال بالرمح في ذلك الوقت يسير بنظام معين،
وهو أن
يحمل أحد الفارسين على الآخر بالرمح وهو يتلقى ويدافع عن نفسه، فإذا فشل
الأول في
الهجوم يهجم الثاني عليه ويدافع الأول). فقال
الفاذوسفان: بل أحمل عليك. فوافق عبد الله بن
عبد الله بن عتبان، ويتترَّس بترسه فهجم عليه
الفاذوسفان وضربه ضربة قوية تفاداها سيدنا عبد الله بمهارة عالية، ولكن
أصاب الرمح
سرج فرسه فقطعه، فوقع من على الفرس واقفًا، ثم
اعتلى فرسه بقفزة واحدة، وقال للفاذوسفان: هذه نوبتي التي أهجم فيها. ولكن
لما رأى
الفاذوسفان مهارة سيدنا عبد الله، قال له في خبث
ومكر: إنك رجل كامل ولا أشتهي قتلك، فارضَ مني
الصلحَ (والكَرَّةُ لسيدنا عبد الله بن عتبان، ولا بد من بعض التنازل من
الفاذوسفان ليقبل منه سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان). وقال له: اقبل
مني الصلح على أن يعطيك أهل أصبهان
الجزية كما تطلب، ومن شاء منهم ألا يعطيك الجزية ترك المدينة وترك لك أرضه
وماله،
والأرض التي امتلكتها عنوة هي لك. فوافق سيدنا
عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وأخذ منهم الجزية وترك لهم حرية الخروج،
فخرج ثلاثون رجلاً فقط رفضوا أن يعيشوا مع المسلمين،
وأَنِفُوا أن يدفعوا الجزية، وهربوا إلى منطقة محيطة، ثم فكروا في حلٍّ لا
يدفعون
به الجزية فدخلوا في الإسلام، وحسن إسلامهم بعد
ذلك لما رأوا من معاملات المسلمين، وحسن أخلاقهم، ووفائهم في العهد،
ومهارتهم في القتال.

ويسيطر
سيدنا عبد الله بن عتبان على المنطقة بكاملها،
وكتب عهدًا لفاذوسفان وأهل منطقة أصبهان، هذا العهد تكررت صورته في كل صلح
جزية
أقامه المسلمون بعد ذلك في كل أراضي فارس:

"كتاب
من عبد الله بن عبد الله بن عتبان للفاذوسفان وأهل أصبهان وحواليها: إنكم
آمنون ما
أدَّيْتُم الجزية، وعليكم من الجزية قدر طاقتكم في كل سنة تؤدونها إلى من
يليكم من
المسلمين عن كل حالم (والذي يحدد الطاقة هو والي المسلمين،
وكما ذكرنا من قبلُ كانت أقلَّ من نصف الضرائب التي كان يدفعها أهل فارس
لوالي
الفرس نفسه، فكان أهل فارس يستمتعون بهذه
الجزية؛ لأنها أقل بكثير من الضرائب الفارسية)،
وعليكم دلالة المسلم وإصلاح طريقه وقراه يومًا وليلةً (وفي بعض الروايات:
قراه يومًا
وليلة من أوسط طعامكم )، وحملان الرَّاجل إلى مرحلة (أي:
إلى البلد التي تليكم)".

والبند
الثاني تكرر في كل معاهدات المسلمين مع الفرس؛ لأنهم توغلوا في أرض فارس
وهي ليست
بأرضهم، فلا بُدَّ من نصيحة صادقة من أهل البلد
للمسلمين، وإذا أخلَّ الفرس بهذا البند سقطت
المعاهدة.

"ولا تَسَلَّطُوا على مسلم، ولكم الأمان ما فعلتم، فإن غيرتم
شيئًا أو غيَّره مُغير منكم ولم تُسْلِمُوه فلا أمان لكم، ومن سبَّ مسلمًا
بُلِغَ
منه (أي: عُوقِب)، ومن ضرب مسلمًا قتلناه".

وكتب
وشهد عبد الله بن قيس، وعبد الله بن ورقاء، وعصمة بن عبد الله،
وكلهم من قواد الجيش الإسلامي.

وكل
المعاهدات التي جاءت بعد ذلك كانت صيغت من هذه المعاهدة. وفي المعاهدة نرى
عزة
المسلمين، ومن يقوم بالمعاهدة من مركز القوة مع من في حالة الضعف. ودائمًا
في حال
المعاهدات بين القوي والضعيف يقدم الضعيف تنازلات كبيرة، ولا يتوقع أحد أن
المعاهدة مكسبٌ للضعيف الذي يرجو القوي المسيطر على البلد ومن في حالة
العزة.

وبعد
هذه المعاهدة دانت منطقة أصبهان وما حولها من المناطق للمسلمين، وتم فتح
أصبهان
سنة إحدى وعشرين هجرية.

وبدأ
المسلمون يرتبون القوات والمسالح (أي الحاميات) في أماكن مختلفة على الحدود
الواسعة، وأصبحت الأراضي الفارسية من تُسْتَر إلى أصبهان في أيدي المسلمين،
وذلك في سنة إحدى وعشرين؛
ففي العام الثامن عشر دانت تُسْتَر، وفي العام التاسع عشر وصل المسلمون إلى
نهاوند، وفي العام الحادي والعشرين وصلوا إلى أصبهان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:20

إسقاط الدولة الفارسية




بعد
أن دانت هذه المنطقة بدأ تفكير سيدنا عمر بن الخطاب في تغيير خريطة العالم،
فبدأ
بإرسال الجيوش بكثرة من المدينتين العظيمتين: الكوفة والبصرة ليفتح المملكة
التي
بدأت تترنح.

ومملكة
الفرس مملكة عريضة جدًّا؛ فالعراق على أطراف المملكة ومع ذلك خاض المسلمون
فيها
معارك كثيرة ليفتحوها، وأصبهان في منتصف فارس. فبدأ الفاروق عمر بإخراج
الجيوش
بكثرة ليُسقِط هذه المملكة العظيمة مملكة فارس، وليغير مجرى التاريخ كله،
وكان ذلك
عام اثنين وعشرين من الهجرة. ويتذكر سيدنا عمر والصحابة أنهم في السنة
الأولى من
الهجرة هاجروا من مكة إلى المدينة وهم في أشد حالات الاستضعاف حتى إن رسول
الله
قائد الأمة في ذلك الوقت يخرج خُفْيَة، وكلنا
نذكر حادث هجرة الرسول ، وظل المسلمون في حالة استضعاف إلى غزوة الأحزاب في
العام الخامس
الهجري، حيث بدأ المسلمون يغزون كما أخبرهم بذلك النبي : "الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ
يَغْزُونَنَا"، ثم صلح الحديبية في العام السادس الهجري، ولم يستطع
المسلمون توسيع حيِّز السيطرة إلى أبعد من المدينة إلا بعد فتح مكة في
العام
الثامن الهجري، ثم دانت الجزيرة العربية للنبي قبل موته في العام العاشر الهجري، وكانت هذه الدولة
الإسلامية هي
الجزيرة العربية فقط، وفي العام الحادي عشر حدثت حروب الردة، وفي العام
الثاني عشر
تبدأ الحروب لفتح فارس والروم، ونحن وإن كنا نتكلم في الجبهة الفارسية إلا
أنه في
جانب الروم تحدث معارك على نفس القدر من العظمة والعزة.

فهذا
أمر عجيب جدًّا يسجله التاريخ للمسلمين: أن جيشًا من المسلمين في دولة
صغيرة كالمدينة، يبدأ في التوسع حتى تدين له كل هذه المنطقة، وتسقط له دولة
عندها من البشر ما لا يُحْصَى عدَدُه،
ومن المهارة في الحرب ما يتعجب له الناس، وهزموا الروم قبل ذلك، وعليهم من
الأمراء
مَن له من الحكمة والمهارة في القتال ما يُضرَب به الأمثال، وعندهم من
الأموال الكثير، ثم تسقط هذه الأرض تحت أيدي هؤلاء الأطهار صحابة
رسول الله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فلا
بُدَّ من التفكر في هذه الأمور ونحن نفصل حروب فارس حتى لا يظن البعض -كما
يدرسون-
أن المسلمين حاربوا فارس وانتصروا في القادسية،
ثم المدائن، ثم نهاوند،
ثم سقطت فارس.

لا
بد أن نعي أن هذه الانتصارات استوجبت جهودًا ضخمة من رجال عظماء، وبوجود
أمثالهم
تتكرر هذه الانتصارات من جديد، وهذا الأمر ليس معجزة أنبياء وما قام بهذا
الأمر
إلا بشر وبشر مثلنا، ولكن الفارق هو أنهم طبَّقوا
منهج الله ، فلما طبقوا المنهج دانت لهم الأرض.


فتح شمال الدولة الفارسية




وبدأ
سيدنا عمر يبعث الجيوش واضعًا لها الخطط من المدينة،
فيخرج بعض الجيوش من الكوفة لتفتح شمال الدولة الفارسية، وبعض الجيوش من
البصرة
لتفتح وسط وجنوب الدولة الفارسية.

وأنفذ
عمر بن الخطاب خمسة جيوش من الكوفة لفتح شمال الدولة الفارسية.

الجيش
الأول
:
وعلى رأسه سيدنا نعيم بن مقرن ، وبلغ تعداد جيشه أربعة وعشرين ألف مقاتل مسلم، خارج
من الكوفة في
اتجاه همذان؛ لأن همذان نقضت صلحها مع المسلمين،
وبدأ الفرس يتجمعون فيها لمحاربة المسلمين. وقال
سيدنا عمر بن الخطاب لنعيم: إذا تم فتح همذان فتوجه إلى الري (وهي منطقة
كبيرة على
بحر قزوين).

الجيش
الثاني
:
وعلى مقدمة الجيش سيدنا سويد بن مقرن، وهو أخو سيدنا نعيم بن مقرن والنعمان
بن
مقرن، وكلهم قادة جيوش، وأمر سيدنا عمر نعيم بن مقرن إذا وصل إلى الري أن
يخرج
سويد من جيش نعيم ويذهب إلى فتح بلدة تسمى قُومِس،
ثم يذهب لفتح جرجان، ثم يذهب لفتح طبرستان، وهما
أول جيشين خرجا من الكوفة معًا وسيفترقان في الري.

الجيشان
الثالث والرابع
:

وأخرج
سيدنا عمر جيشين آخرين ووجههما إلى أذربيجان:

جيش
بقيادة سيدنا بكير بن عبد الله وهو من صحابة رسول الله ، وكان صحابيًّا قبل أن يبلغ الحلم،
وهناك حادثة مشهورة تتعلق به نذكرها في الكلام عن جيشه.
وجيش عليه سيدنا عتبة بن فرقد، وكلاهما مُوَجَّهٌ إلى أذربيجان، وهي منطقة
واسعة كبيرة غرب بحر قزوين؛ لذا وجه لها
سيدنا عمر جيشين أحدهما من جهة الشرق والآخر من جهة الغرب حتى يسيطرا على
منطقة
أذربيجان.

الجيش
الخامس: وعلى رأسه سراقة بن عمر، وسيفتح منطقة تسمى "الباب" وهي شمال
أذربيجان، وهذا الجيش يسير بمفرده إلى منطقة
الباب بعيدًا عن جيشي بكير وعتبة بن فرقد المتجهين إلى أذربيجان.

وستخرج
جيوش من البصرة تتجه لفتح منطقة الوسط، وهي
منطقة كبيرة اسمها "خُرَاسَان" التي توجد فيها مدينة "مَرْو"، والتي هرب
إليها يزدجرد.

وستتجه
جيوش أخرى إلى الجنوب.

وما
نريد معرفته هو أن كل هذه الجيوش تحركت في وقت واحد، ففي الوقت الذي نتحدث
فيه عن
جيش نعيم وسويد بن مقرن وبكير وعتبة تدور حروب أخرى في الجنوب، وحروب في
الوسط في نفس الوقت.

فكانت
خُطَّة سيدنا عمر أن تتحرك الجيوش الإسلامية إلى فارس في أكثر من اتجاه حتى
لا
يساعد الفرس بعضهم بعضًا، بل كل طرف يحارب من
يهاجمه.


فتح همذان والري




تبدأ
الجيوش الإسلامية في التحرك، ويصل جيش سيدنا
نعيم بن مقرن إلى همذان سنة اثنتين وعشرين من الهجرة، ويمر في طريقه إلى
همذان
بثنية العسل، ويكمل المسلمون الطريق حتى وصلوا
إلى همذان، وعلى المقدمة سيدنا سويد بن مقرن،
فلما وصلت المقدمة قابلها أهل همذان بالحرب، ولكنها – أي المقدمة – دَكَّت
جيوش
الفرس في همذان كما ذكر الرواة، فطلب الفرس في همذان الصلح مرة أخرى، فعقد
معهم
معاهدة هي نفس المعاهدة التي عقدها المسلمون مع أهل أصبهان التي تكلمنا
عنها آنفًا.

وبعد
فتح همذان تجمعت قوات أخرى في وجه سيدنا نعيم بن مقرن، وكان ملك الرَّيِّ
قد أرسل
قائدًا من قواده اسمه "الزينبيّ"،
ويعسكر الزينبي في منطقة "وَاج رُوذ" ويرسل رسائل إلى أهل فارس: فيرسل
رسالة إلى أهل قزوين وهي مدينة واقعة على بحر قزوين، ويرسل إلى أذربيجان
ليمدوه
بمدد، فجاءه مدد من أهل قزوين على رأسه
"موتا"، ويأتيه من أذربيجان مدد على
رأسه "إسفندياذ" ملك مدينة أذربيجان وهو شقيق "رستم" أعظم
قواد فارس على الإطلاق، والذي قُتِل في القادسية، فتجمع في "وَاج رُوذ"
ثلاثة جيوش: جيش من الرَّيِّ، وجيش من مدينة قزوين، وجيش من أذربيجان حتى
تلتقي مع
سيدنا نعيم بن مقرن.

ونقلت
عيون المسلمين إلى سيدنا نعيم بن مقرن خبر الجيوش الثلاثة وتجمعهم في واج
روذ، فيتحرك سيدنا نعيم بالجيش إلى "واج روذ"
ويلتقي مع جموع الفرس؛ يقول الرواة: لقد قُتِلَ
من الفرس في هذه المعركة ما لا يحصى عَدَدُه، وخاض المسلمون مع الفرس معارك
كثيرة، وفي كل معركة يَقْتُلُ المسلمون منهم مقتلة عظيمة،
إلا أنهم مستمرون في محاربة المسلمين.

بعد
الانتصار الذي حققه سيدنا نعيم بن مقرن على الجيوش الثلاثة، توجه بالجيش
إلى الري كما خطط له سيدنا عمر بن الخطاب.

وكان
إسفندياذ قد هرب إلى أذربيجان، وهرب الزينبي إلى
الري، وأثناء سير الجيش المسلم من "واج روذ" إلى الري يأتيه الزينبي
يريد الصلح، فقبل منه سيدنا نعيم بن مقرن ويأخذه
هو ومن معه بعد أن قبلوا الصلح مع المسلمين، ويتوجه بكل المجموع إلى منطقة
الري،
وهناك التقى سيدنا نعيم بن مقرن مع أهل الري في معركة عظيمة في سفح جبل
الري مع
الفرس، وينتصر عليهم انتصارًا جزئيًّا، ولما جاء الليل انسحب الجيش الفارسي
إلى
داخل المدينة، وحاصر سيدنا نعيم بن مقرن المدينة
منتظرًا الصباح فجاءه الزينبي، وقال لنعيم: إن القوم كثير وأنت في قلة؛
فابعثْ معي
خيلاً أدخلْ بهم مدينتهم من مدخل لا يشعرون به، وناهدهم أنت، فإنهم إذا
خرجنا عليهم لم يثبتوا لك على أن تعطيني
العهد على هذه المنطقة (أي يعطي الجزية للمسلمين ويعاهدهم على الأمان).
فبعث معه نعيم خيلاً من الليل، عليهم ابن أخيه المنذر بن عمرو بن مقرن،
فأدخلهم الزينبي
المدينة ولا يشعر القوم وشاغلهم نعيم بالقتال فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا
وصبروا
له حتى سمعوا التكبير من ورائهم؛ فانهزموا وقُتِلُوا مقتلة عظيمة وكَثُرَ
السبي،
وأفاء الله على المسلمين "الري". ومن حول مدينة الري أعطى لهم سيدنا
نعيم الأمان على أمان الزينبي، وأصبح الزينبي أميرًا على تلك المنطقة يعطي
الجزية
للمسلمين.


فتح قومس وجرجان وطبرستان




بعد
تسليم الري ومصالحة المسلمين لأهلها خرج سيدنا سويد بن مقرن ليفتح قُومِس
وجُرْجان
وطَبَرِسْتان كما خطّط سيدنا عمر بن الخطاب، وما بين مدينة الرَّيِّ وقومس
ثلاثمائة وخمسون كيلو مترًا، وفي طريق سيدنا سويد من الري إلى قومس، وفي
هذه
المساحة العريضة الشاسعة لم يقابله فارسي واحد،
وكانت الجيوش تفِرُّ من أمامه إلى قومس، وما إن
وصل قومس حتى خرج إليه ملكها وأهلها طالبين الصلح مع المسلمين على أن يعطوا
الجزية؛ فيعقد معهم معاهدة كالتي عقدها عبد الله بن عبد الله بن عتبان مع
أهل
أصبهان.

وكاتَبَ
جرجان وطبرستان يخبرهم بوصوله قومس ويعرض عليهم الإسلام أو الجزية أو
القتال؛
فيراسله أهل جرجان وطبرستان بقبول الصلح وإعطاء الجزية، ويعقد مع جرجان
وطبرستان
معاهدة، ويُغيّر سيدنا سويد بن مقرن تغييرًا
طفيفًا في معاهدة جرجان حتى يكون لها الأثر في نفوس الفرس.

وكان
لهذا التغيير الأثر الكبير في الفرس، وكان ذلك
من حكمة سيدنا سويد بن مقرن، ويكون عبرة لمن
بعده من المسلمين بعد ذلك، وللأسف في العصر الحديث تتم المعاهدات بالتغيير
الذي
أحدثه سيدنا سويد، ولكن انقلبت الآية فأصبح
المسلمون في وضع الفرس من الضعف، وأصبح أعداء المسلمين في وضع المسلمين من
القوة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتوحات العراق وفارس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» حدث في مثل هذا اليــوم..متجـــــدد
» سماء العراق
» دوخني العراق
» العراق ذهب مع الريح
»  حديث نبوي حول العراق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: الأقسام العامة :: واحة الشخصيات الدينية والتاريخية والأدبية والسياسية :: واحة التاريخ والأحداث الهامة-
انتقل الى: