واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 فتوحات العراق وفارس

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
كاتب الموضوعرسالة
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:21




معاهدة جرجان




مقدمة




توقفنا
في المقال السابق عند بنود معاهدة جرجان وماذا فعل فيها سويد بن مقرن من
تغيير
ليسقط الدولة الفارسية إسقاطًا كاملاً، وكانت معاهدة جرجان سنة اثنتين
وعشرين من
الهجرة، ونصها:

"هذا
كتاب من سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزبان وإلى أهل جرجان أن
لكم الذمة وعلينا المنعة، على أن عليكم من
الجزاء في كل سنة قدر طاقتكم على كل حالم، ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في
معونته
عِوَضًا من جزائه، ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومِلَلِهم وشرائعهم،
ولا يغيّر
شيء من ذلك هو إليهم ما أدوا وأرشدوا ابن السبيل ونصحوا وقروا المسلمين (أي
أكرموهم)، ولم يبدُ منهم سَلٌّ لسيف، ولا غَلٌّ لمال،
وعلى أن من سب مسلمًا بلغ جهده (أي عُوقِبَ)، ومن ضربه حلَّ دمه".

وهذه
هي معاهدة جرجان، وتختلف عن المعاهدات السابقة
في قوله: "ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضًا من جزائه". وهي
أول معاهدة من نوعها يقر فيها قائد المسلمين
الفرس على ديانتهم المجوسية ولا يأخذ منهم جزية على أن يدافعوا عن البلد مع
المسلمين، وكان ما يحدث قبل ذلك أن جيش المسلمين لم يكن يستعين بأهل البلد
المفتوحة، بل يأخذ منهم الجزية مقابل أن يدافع المسلمون عن البلد، لكن هذه
المرة
عَرَض عليهم سيدنا سويد هذا العرض، فقبل أهل
جرجان الدفاع عن البلد ضد أي هجوم خارجي، وهذا الهجوم سيكون -في الغالب- من
الفرس
نظيرَ إسقاط الجزية عنهم، وقد يجازيه المسلمون على هذا الدفاع الذي قام به.


انعكاسات التغيير في المعاهدات




أولاً: توغَّل
جيش المسلمين لمسافات كبيرة داخل الأراضي الفارسية، فما بين الري وقُومِس
-مثلاً-
ثلاثمائة وخمسون كيلو مترًا كما ذكرنا، وقد أصبح
تعداد الجيش الإسلامي قليلاً بحيث لا يستطيع حماية كل المدن التي فتحها،
فكان لا بد
من توظيف جزء من الفرس في الدفاع عن هذه الأراضي نظير جزء من المال لضعف
الدولة
الإسلامية عن الدفاع عن هذه الأراضي.

ثانيًا: أراد
سيدنا سويد بهذه المعاهدة أن يفرق الفرس إلى طائفتين: إحدى الطائفتين تدافع
عن
المسلمين، وتأخذ أجرها منهم؛ وطائفة أخرى تحارب
المسلمين ولا تريد أن تقبل الصلح معهم، بل تهاجمهم.
وهذه المعاهدة أحدثت تفككًا بين الفرس؛ فأصبح الفارسي يقاتل أخاه الفارسي
دفاعًا
عن "جرجان" لصالح المسلمين، فانقسم الفرس إلى فرقتين: فرقة تتسارع لتأخذ
أماكن الدفاع إرضاءً للمسلمين، وتحصل على الأموال منهم أو تُسْقَط عنهم
الجزية
ويدافعوا عن الأرض، والفرقة التي أخذتها العزة أن تتصالح مع المسلمين
وتحاربهم، فستحارب الفرس -أيضًا- لأنَّ من بنود المعاهدة
الدفاع عن جرجان ضد أي هجوم حتى ولو كان من الفرس.

ثالثًا: وهذا
السبب في غاية الأهمية، وهو أنه طالما يشعر
الفُرْسُ بالعداء فلن يتقبلوا الإسلام بنفس راضية؛ فالعدواة والكراهية من
أهل
الأرض لمن احتلهم هي الأصل في ذلك، وذلك يحول دون تقبلهم الأفكار
الإسلامية، أما
لو تحولت هذه العلاقة من علاقة عدو لعدو إلى علاقة صداقة أو تجارة أو علاقة
يأخذ
عليها أجرًا، فمع مرور الزمن تسقط هذه العداوة،
وبالتالي يكون الجو أنسب للجيش الإسلامي لنشر الأفكار الإسلامية داخل
الأراضي
الفارسية.

وهذه
المعاهدة التي عقدها سيدنا سويد بن مقرن، وما
فكَّر فيه من نتائج لهذه المعاهدة، وما ذكرته
كتب التاريخ آتت ثمارها بعد أشهر، فبعد أن علمت طبرستان بمعاهدة جرجان طلبت
من
المسلمين معاهدة على نهجها، أي على أن يشترك أهل
طبرستان في الدفاع عنها نظير إسقاط الجزية وأخذ أجر من المال، ومعظم
المعاهدات بعد
ذلك كانت على ذلك النهج. ولما أرسل سويد بنود
هذه المعاهدة إلى سيدنا عمر بن الخطاب استحسن ذلك الأمر،
وهو دفاع الفرس عن الأراضي الفارسية لصالح المسلمين.

والمعاهدات
مع اليهود في العصر الحديث صورة طبق الأصل من هذه المعاهدة، ولكن على العكس
فالمسلمون أصبحوا مكان الفرس، واليهود أصبحوا مكان المسلمين، وكأن اليهود
يقرءون
كتب المسلمين ويستفيدون منها ويطبقونها عليهم، ونحن لا ننظر إلى تاريخنا،
فقد
قسموا البلاد الإسلامية الآن إلى أناس مسلمين يدافعون عن بلادهم، وآخرين
يتسابقون
ليأخذوا الأجر من اليهود وليأخذوا قطعة أرض كجرجان تاركين كل المملكة؛
لتكون لهم
سلطة وحكومة تحت سلطان الاحتلال، وأصبح على الأخ المسلم الذي يريد قتال
اليهود
قتال أخيه الموالي لليهود والمتعاون معهم، كما نشأت صداقة بين هؤلاء
واليهود، بعد
أن كان اليهود أعداء أصبحوا أصدقاء، وبيننا
وبينهم معاملات من تجارة وتبادل ثقافي وتبادل فني وتطبيع رياضي، وتسقط كل
الحواجز وينتج عن ذلك أمران:

ذوبان
الأفكار الإسلامية وانتشار الأفكار اليهودية، فكل الأفكار اليهودية الهدامة
تأخذ
طريقها في الانتشار في منتهى السهولة، بينما تنمحي الأفكار الإسلامية مع
الوقت،
ولن تقرأ في كتب التعليم أن اليهود أعداء، أو تدرس غزوة من غزوات النبي
مع اليهود في كتب التاريخ أو التربية الإسلامية، فلا بُدَّ -عندهم- أن يخرج
الجيل
القادم وقد تربى على أن اليهود أصدقاء يأخذ منهم الأموال، ويدافع عن أرض
المسلمين
لصالح اليهود، ولا توجد بينه وبينهم كراهية أو عداوة.

ومهما
حاولت أن تربي ابنك على عداوة اليهود لن تفلح؛
لأن الواقع كله يقول إنهم أصدقاء، وبعد سنوات معدودة حسب نشاط اليهود وكسل
المسلمين تحدث عملية امتزاج بين الأفكار اليهودية والأفكار الإسلامية،
وساعتها لن تجد فرقًا بين المسلمين واليهود.
والمسلمون يفعلون ذلك عن غفلة، أما اليهود
فيفعلون ذلك عن نظر وتخطيط، فقد وصلوا إلى النظرة التي وصل إليها سيدنا
سويد بن
مقرن من قبلُ، وهؤلاء الفرس الذين قاموا
بالمعاهدة مع سيدنا سويد بن مقرن إما أن تكون لديهم غفلة أو حب الرياسة وحب
التملك
لمنطقة جرجان وطبرستان، ولا يهمهم الدولة
الفارسية التي تجمعهم، مع أن جرجان لا تساوي فيها شيئًا،
ولكن حب التملك هو الذي جعلهم يدافعون عن هذه الأرض لصالح المسلمين ضد
إخوانهم من
الفرس.

ولكن
كيف استفاد اليهود من تاريخ المسلمين؟ وكيف وقع المسلمون في أخطاء الفرس؟
أمر عجيب
ولغز محيِّر، وهذا الأمر لا بد أن نستفيد منه
لنعرف ما فُعِلَ بنا.

هذا
هو نص معاهدة جرجان وطبرستان، وبعد ذلك ستأتي
معاهدات شبيهة بهذه المعاهدة، تكررت في الحروب
الفارسية.

وبعقد
الصلح مع جرجان وطبرستان وتسليم الدولتين انتهت مهمة الجيش الثاني، وتمت
مهمة سيدنا نعيم بن مقرن بفتح همذان والري كما
خطط لها سيدنا عمر بن الخطاب تمامًا، وأيضًا تمت مهمة سيدنا سويد بن مقرن
بفتح قُومِس
وجرجان وطبرستان، وزاد على ذلك الشروط التي
وضعها في المعاهدة مما كان لها الأثر الطيب على المسلمين، واستحسنها عمر بن
الخطاب
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:22

فتح أذربيجان








كان
سيدنا عمر قد وجه إلى أذربيجان جيشين: أحدهما بقيادة سيدنا
بكير بن عبد الله
والآخر بقيادة عتبة بن فرقد، ومنطقة أذربيجان من المناطق الواسعة وتقع غرب
بحر
قزوين، ومنطقة الباب في شمال منطقة أذربيجان،
وأيضًا على بحر قزوين، وفوق منطقة الباب مملكة الترك وهي مملكة واسعة تقع
في شمال
الدولة الفارسية، وتصل إلى حدود الدولة
الرومانية وعلى رأسها ملك يسمى خاقان، وليس
بينها وبين الفرس حروب لمعاهدات كانت بينهما، ولو استطاع المسلمون فتح
أذربيجان
ومنطقة الباب لوصلوا إلى الحدود الشمالية للدولة الفارسية؛ لذا أرسل إليها
سيدنا
عمر بن الخطاب جيشين، وفي الوقت نفسه يعمل المسلمون في الوسط والجنوب، فكما
ذكرنا
من قبل أن الفتوحات كلها كانت تتم في وقت واحد.

وكالعادة
يضع سيدنا عمر بن الخطاب خطة محكمة وهو في المدينة ليفتح منطقة الباب
وأذربيجان، فيرسل جيش سيدنا بكير من الكوفة ويمر بحلوان ويتجه
من حلوان إلى شرق أذربيجان، وفي الوقت نفسه يرسل جيشًا آخر على رأسه سيدنا
عتبة بن
فرقد من الكوفة ومرورًا بالموصل حتى يصل إلى أذربيجان من الغرب، فيؤدي ذلك
إلى انقسام جيش أذربيجان المشهور بقوته
إلى قسمين: نصفه في الشرق والنصف الآخر في الغرب، وبذلك يشتت الطرفين، وكان
أول من ابتدع هذه الخطة الحربية سيدنا أبو بكر
الصديق ، وذلك في بدايات فتوحات فارس لما أرسل سيدنا خالد بن
الوليد
من الجنوب وسيدنا عياض بن غنم من الشمال؛ ليدخلوا الحيرة من منطقتين
مختلفتين، وبعد ذلك طبَّقها سيدنا خالد وسيدنا المُثنَّى بن
حارثة وسيدنا سعد بن أبي وقاص، وها هو سيدنا عمر
بن الخطاب من المدينة يخطط لمثل هذه الخطة أكثر من مرة.

والجيوش
الخمسة التي وجهها سيدنا عمر لفتح الدولة الفارسية يقودها خمسة من صحابة
الرسول ،
وسيدنا بكير بن عبد الله كان صحابيًّا قبل بلوغه الحلم ( هامش: وكانت له
حادثة
مشهورة مع النبي ، فكان يدخل على نساء النبي قبل أن يبلغ الحلم، فلما بلغ
الحلم ذهب إلى النبي ، وقال له: إنني قد بلغت الحلم؛ حتى لا يدخل على نساء
النبي ، فأُعْجِبَ بصدقه ودعا له، وقال: "اللهم صَدِّقْ قوله، ولَقِّهِ
الظَّفَرَ"؛ فظل طوال عمره صادقًا ومنتصرًا بدعوة النبي . وقُتِلَ يهوديٌّ في المدينة فغضب سيدنا عمر لذلك
غضبًا
شديدًا، وقام وخطب في الناس وسأل عن قاتله، فقال
بكير بن عبد الله: أنا قتلته. قال: لقد بُؤْتَ
بدمه فأتني بالمخرج. فقال سيدنا بكير: لقد
استخلفني أحد صحابة النبي على زوجته وهو خارج إلى الغزو، فذهبت
يومًا أَمُرُّ أمام البيت، فوجدت هذا اليهودي
يريد أن يعتدي عليها؛ فقاتلني وقاتلته، فقتلته. فصدقه
سيدنا عمر بن الخطاب رغم أنه لم يأتِ بشهود بدعوة النبي ، فهو يعلم أن النبي
دعا له بأن يكون صادقًا؛ فهو لا يكذب. وكتب
الشعراء في سيدنا بكير شعرًا كثيرًا في فروسيته التي لا مثيل لها في ذلك
الوقت.
انتهى).

يتقدم
سيدنا بكير بالجيش حتى يصل إلى مدينة جرميذان وهي مدينة كبيرة في شرق
أذربيجان،
وفيها إسفندياذ شقيق رستم، وكان لهما أخ ثالث في
غرب أذربيجان، وقد قُتِلَ رستم في القادسية وما زال إخوته يحاربون الإسلام.


ويدخل
سيدنا بكير في معركة شرسة مع القوات الفارسية في جرميذان، وكان الجيش
الأذربيجاني
مشهورًا بقوته، والقتال صعب على المسلمين في الجبال فهذه المنطقة كمنطقة
نهاوند،
إلا أن المسلمين صبروا على القتال، وأنزل الله
نصره عليهم بعد عدة أيام، وتمكن سيدنا بكير من أَسْرِ (إسفندياذ)، فقال له
إسفندياذ: الصلح أحب إليك أم الحرب؟ قال: بل
الصلح (يبغي سيدنا بكير الصلح رغم انتصاره في المعركة؛
فالغرض الأساسي من الفتح هو نشر الإسلام والفكرة الإسلامية في هذه البلاد،
وينتشر
الإسلام بصورة أكبر إذا كان هناك نوع من الصلح والمعاهدات والجزية). فقال
له: أمسكني عندك؛ فإن أهل أذربيجان إن لم أصالح
عليهم أو أجئ إليهم لم يصالحوك. ولقد هرب أهل أذربيجان إلى الجبال بعد
الهزيمة،
ومن الصعب أن يتعقبهم المسلمون فيها، وبدأ أهل أذربيجان في حرب من حروب
العصابات، ولم يكن في شرق أذربيجان جيش منظم للفرس، ولكن كانت
هناك فرق تهاجم المسلمين وينتصر عليهم المسلمون، فقال إسفندياذ لسيدنا
بكير: ليس
أمامك إلا أن تصالحني وأكون أنا على هذا الصلح (يتطلع ليكون رئيسًا على
الأرض،
ويدافع عنها لصالح المسلمين دون النظر إلى دولة الفرس التي نشأ فيها).

وفي
الوقت نفسه كان جيش سيدنا عتبة بن فرقد قد تقدم غرب أذربيجان (وقد أسلم
سيدنا عتبة
قبل غزوة خيبر بقليل، أي في السنة السابعة من
الهجرة، وكانت أول غزوة شارك فيها، ثم شهد مع
النبي بعد ذلك باقي الغزوات).

ويدخل
سيدنا عتبة بن فرقد بجيشه إلى غرب أذربيجان،
والتقى في أردبيل مع شقيق رستم الثاني في موقعة شديدة،
وينتصر سيدنا عتبة بن فرقد على جيش الفرس ويقتل أخا رستم الثاني.

ولما
علم أهل أذربيجان بسقوط الجبهة الغربية لأذربيجان وبأسر قائد أذربيجان
"إسفندياذ"
وأنه ما زال حيًّا، ومن الممكن أن يعود لو صالحوا
المسلمين، رجعوا من الجبال، ووافقوا على الجزية، وصالحوا المسلمين على نفس
معاهدة
جرجان، وهم الذين طلبوا الشرط بأن يدافعوا عن أرض أذربيجان ضد الهجوم
الفارسي أو
التركي أو الرومي لصالح المسلمين في نظير أن تُسْقَطَ عنهم الجزية، أو
يأخذوا
أجرًا من المسلمين، وهذه نتيجة سريعة جدًّا لمعاهدة جرجان التي لم يمضِ
عليها إلا أشهر
قليلة، وبذلك انتهت الحروب في أذربيجان.

وكان
سيدنا بكير هو قائد الجيوش العامة في أذربيجان، وبعد أن تم الصلح أصبح
سيدنا بكير
هو أمير أذربيجان؛ فأرسل رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يقول فيها:
أَرسِلْني إلى
أرض من أراضي الجهاد. فهو ينأى بنفسه عن الراحة
والدعة؛ لأنه يطمح إلى شرف الشهادة، ووافقه سيدنا عمر بن الخطاب على طلبه،
واستخلف
مكانه في شرق أذربيجان سيدنا سمَّاك بن خرشة وهو قادم من "واج روذ" بجيش
بعثه سيدنا نعيم بن مقرن بناءً على رسالة من سيدنا عمر بن الخطاب بأن يمد
جيش بكير
بسماك بن خرشة على رأس ألفي مقاتل للسيطرة على منطقة أذربيجان الواسعة؛
فاستخلفه
سيدنا بكير بن عبد الله على منطقة أذربيجان الشرقية،
واستخلف على كل أذربيجان سيدنا عتبة بن فرقد.

ويرسل
سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا بكير بن عبد الله إلى سيدنا سراقة بن عمرو -رضي
الله
عنهم أجمعين- ليساعده في فتح مدينة "الباب".

فيذهب
سيدنا بكير بفرقة صغيرة إلى منطقة باب الأبواب ليلحق بجيش المسلمين الذي
على رأسه
سيدنا سراقة بن عمرو، وهو من صحابة النبي ،
وقد أقلع سيدنا سراقة بن عمرو من الكوفة إلى منطقة "الباب" وليس له شأن
بمنطقة أذربيجان مع أنها في طريقه، لكنه يذهب إلى وجهة معينة، وخطة موضوعة
بحكمة
شديدة، وضعها سيدنا عمر وهو في المدينة، ومدينة
باب الأبواب من أكبر مدن "الباب" وتقع على مدينة بحر قزوين، وسميت باب
الأبواب لأنها مبنية على أبواب طرق كثيرة مؤدية إلى الجبل فهي منطقة جبلية،
وتوجد
طرق كثيرة في الجبل، وهذه المدينة على باب الطرق، ولا يستطيع أحد صعود تلك
الجبال
إلا بعد أن يدخل من مدينة باب الأبواب.

وبعد
أن كان سيدنا بكير بن عبد الله قائد الجيوش في أذربيجان يصبح على ميسرة جيش
المسلمين تحت إمرة سيدنا سراقة بن عمرو القائد العام للجيوش، وعلى مقدمة
الجيوش
سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، وكان له ذكر مهم في موقعة القادسية هو
وأخوه
سلمان بن ربيعة الباهلي، وهو ليس من الصحابة رغم إسلامه في حياة النبي ،
لكنه لم يَرَ النبي ، ويتقدم هذا الجيش إلى فتح مدينة الأبواب كما خطط له
سيدنا عمر بن
الخطاب .

وبعد
أن أصبحت أذربيجان تحت إمرة سيدنا عتبة بن فرقد بدأ بتقسيم الغنائم في
أذربيجان،
وكما ذكرنا من قبل أن أربعة أخماس الغنيمة يوزع على الجيش، والخُمْسُ الآخر
يُرسَل
إلى بيت مال المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن فرقد خمس الغنائم إلى سيدنا عمر
بن
الخطاب وأرسل مع الخمس طعامًا من أرض أذربيجان لا يوجد في الجزيرة العربية؛
ليأكل
منه سيدنا عمر بن الخطاب ، ويتوجه الرسول إلى سيدنا عمر بن الخطاب ويدفع إليه
خمس الغنائم
والطعام، ويتذوقه سيدنا عمر بن الخطاب، ويقول:
والله إنه لطيِّبٌ، هل أكل جيش المسلمين منه؟ فقال الرسول: بل هو شيء
خَصَّك به
عتبة. فيغضب سيدنا عمر غضبًا شديدًا لم يغضبه
إلا في مواقف معدودة كما يذكر الحاضرون، ويرسل
رسالة إلى سيدنا عتبة بن فرقد يقول له فيها: من عبد الله عمر بن الخطاب
أمير المؤمنين
إلى عتبة بن فرقد فليس من كَدِّكَ، ولا كَدِّ أُمِّك، ولا كَدِّ أبيك، لا
نشبع إلا
مما يشبع منه المسلمون.

وتظهر
شدة سيدنا عمر في الرسالة، فهو لا يرضى أن
يُخَصَّ بشيء يُفضَّل به على المسلمين، وقد طبَّق هذا الأمر في الإسلام،
ونجح هذا الأمر فكان مثالاً عمليًّا يحتذى به.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:23

فتح (الباب)








بنظرة
حربية ثاقبة يرسل سيدنا عمر بن الخطاب من الجزيرة -وقد فتحت الجزيرة في
العام
السابع عشر الهجري- جيشًا على رأسه حبيب بن مسلمة ليدخل المدينة من غربها،
وكان
جيش سيدنا سراقة متقدم ليدخل المدينة من شرقها، تمامًا كخطة فتح أذربيجان،
ويمر
الجيش من مدينة أرمينية التي فتحها المسلمون أيضًا في العام السابع عشر من
الهجرة، ويتقدم الجيشان إلى مدينة الباب.

ويسارع
حاكم مدينة الباب -وكان اسمه شهربراز- لطلب الصلح،
ويضع هو الشرط بأن يدافع أهل الباب عن الباب نظير إسقاط الجزية أو أخذ أجر
من
المسلمين، وبدأت تتحقق آثار الصلح مع مدينة جرجان بصور متلاحقة، وسقطت
مدينة (الباب) على حصانتها وكانت من أشد المناطق حصانة، وتسقط بطلب
أهلها أن يدخلوا في الصلح مع المسلمين على أن تكون لهم الباب، ويدفعوا
الجزية
للمسلمين أو يأخذوا أجرًا مقابل الدفاع عنها لصالح المسلمين، وتسقط الباب
بمنتهى
السهولة على غير المتوقع تمامًا.

وبعد
فتح الباب أصبح المسلمون على حدود بلاد الترك، وفي أثناء تفكير المسلمين في
غزو
الترك أو تكملة فتح بلاد فارس يتوفى سيدنا سراقة بن عمرو،
ويستخلف مكانه قبل وفاته سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي قائد مقدمة
المسلمين، ويُقِرُّه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، فأصبح عبد
الرحمن بن ربيعة الباهلي أمير منطقة الباب. ويجهز عبد الرحمن بن ربيعة
جيشه، ويرسل إلى شهربراز (الذي عقد معه المعاهدة) ويتقدم
بالجيش إلى ناحية الشمال ليفتح بلاد الترك، فقال
له شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد غزو بَلَنْجَر والترك. قال: لقد
رضينا
منهم ألا نغزوهم ولا يغزونا. فقال عبد الرحمن: لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في
ديارهم،
وتالله إن معنا أقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم.
قال: وما
هم؟ فيصف له سيدنا عبدالرحمن الجيش بكلمات قليلة فيقول: هم أقوام صحبوا
رسول الله ،
ودخلوا في هذا الأمر بِنِيَّة، ولا يزال هذا الأمر لهم دائمًا، ولا يزال
النصر
معهم حتى يغيّرهم من يغلبهم. وبالتمعن في هذه
الكلمات وبالنظر إلى الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون،
نعرف لماذا أصبحنا في حالة ضعف وهزيمة، فدائمًا النصر للمسلمين إلى أن
يتغيروا، ومن يغيرهم يغلبهم، فببساطة شديدة يصف له جيشه، وأن الجيش منتصر
إذا تمسك بدينه، فإذا تغير أصابته
الهزيمة، وما فعله أعداء الإسلام في المسلمين كثير،
وسنتكلم عن هذه التغييرات في الدرس القادم.

ولم
يجد شهربراز حيلة، ودخل سيدنا عبد الرحمن بن
ربيعة الباهلي بجيشه إلى بلاد الترك، وتوغل
سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة بجيشه في بلاد الترك مسافة تعجب منها المؤرخون
العسكريون؛ فقد تَوَغَّل ألفًا ومائة كيلو مترٍ
من غير مقاومة تذكر من بلاد الترك، مع قوة الجيش
التركي في ذلك الوقت، وكانت مملكة قوية جدًّا وعليها ملك قوي يُلَقَّبُ
بالخاقان
وكانت في قوة الفرس؛ مما دفع الفرس لأن تعقد معها معاهدة بعدم الغزو
المتبادل، ومع
ذلك هُزِمَ ذلك الجيش، وكان سر الهزيمة انتشار إشاعة في مملكة الترك كان
لها أثر
قوي جدًّا، وهذه الإشاعة لم ينشرها المسلمون بل نشرها الترك بين أنفسهم.
فما هذه
الإشاعة؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:24




غزو الترك (وتعليق على البروتوكولات)




مقدمة




وقفنا
في الدرس السابق عند فتح مدينة (الباب)،
وتَوَجُّه سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي خليفة سيدنا سراقة بن عمرو
بعد موته
إلى مملكة الترك ليفتحها، ولما عزم عبد الرحمن
بن ربيعة على غزو الترك خرج بالناس، فقال له
شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد غزو الترك. قال: لقد رضينا منهم ألاّ
نغزوهم
ولا يغزونا. قال عبد الرحمن: لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في ديارهم، وتالله إن
معنا
أقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم. قال: ومن هم؟ قال:
أقوام
صحبوا رسول الله ، ودخلوا في هذا الأمر بِنِيَّة، ولا يزال هذا الأمر
لهم دائمًا، ولا يزال النصر معهم حتى يغيّرهم من يغلبهم.

ولا
ندعُ هذه القَوْلة تمر علينا دون النظر بإمعان والتفكر فيها لاستخلاص
الدروس
والعبر؛ فقد كان لسيدنا عبد الرحمن بن ربيعة نظرٌ
ثاقب، وفهم عميق للإسلام العملي الذي يُطبَّق، وليس مجرد كلمات تقرأ في بعض
الكتب. ويخبر سيدنا عبد الرحمن أن النصر دائمًا مع المسلمين
حتى يغيرهم من يغلبهم، فمن يستطيع أن يغير
المسلمين يستطيع أن يغلبهم، ويظل المسلمون على هذه الحال حتى يعودوا من
جديد إلى
الإسلام، فيستطيعوا أن يغلبوا غيرهم كما تم في
كل الحروب السابقة؛ ففي معاركهم مع الفرس كان
المسلمون أضعف وأقل من الفرس في كل المواقع، وأيضًا في معاركهم مع الروم
كان
المسلمون أقل منهم عددًا وعُدَّةً، ورغم ذلك انتصر المسلمون وحققوا
انتصارات كبيرة؛ والسبب أنهم لم يتغيروا.

واستخلاص
هذه الدروس وتلك العبر لا يُعَدُّ خروجًا عن دراسة التاريخ، فلو أننا درسنا
التاريخ لمجرد سماع الحكاية أو القصة فلن نستفيد من هذه المواقف، ولكن لو
استفدنا وطبّقنا ما استفدناه سيكون درس
التاريخ عبادة نؤجر عليها ونثاب.

وبنظرة
إلى من استطاع أن يغير المسلمين نجد أن كثيرًا من أعداء المسلمين استطاعوا
أن
يغيروهم، ومما يؤثر في النفس أن يشترك المسلمون أنفسهم في التغيير، فيصير
بعض
المسلمين من أعمدة ذلك التغيير السلبي في الإسلام، وبذلك تتم الهزيمة.

ولقد
غير اليهود كثيرًا في المسلمين، وكذلك فعل النصارى، كما غير بعض المسلمين
في
المسلمين.


كيد اليهود ومكرهم




لقد
سمعتم عن المؤتمر الذي عقد سنة ألف وثمانمائة وسبع وتسعين في مدينة
"بال" بسويسرا، هذا المؤتمر حضره
حكماء اليهود في أنحاء العالم، ودعا إليه زعيمهم
في ذلك الوقت "تيودور هرتزل"، وكان مؤتمرًا سريًّا، ودعا إليه زعماء اليهود
في كل أقطار الأرض، وذهب هؤلاء الزعماء إلى هذا المكان وفي ذلك التوقيت؛
ليخططوا ليكون لهم مستقبل ويكون للعالم نهاية، وبدءوا بوضع قوانين وأفكار
ومخططات؛
ليسيطروا على العالم في وقت ما حددوه في ذلك اللقاء، ووضعوا ما سُمِّيَ بعد
ذلك بـ
(بروتوكولات حكماء صهيون).

وظلت
هذه المعلومات سرية حتى تُرْجِمَت إلى اللغة الروسية بعد أن استطاع أحد
الروس أن
يحصل على هذه المعلومات خفية وترجمها إلى اللغة الروسية، ولكنها لم تنل
حظها من
الشهرة إلا بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، حيث انتشرت ترجمتها إلى كل
لغات
العالم.

ومن
ينظر إلى هذه المخططات يرى أن اليهود قاموا بالتخطيط ليسير عليه العالم كما
خططوا،
وفي البداية كان اليهود يوجهون الأمور مباشرة، ثم أصبح بعد ذلك من أبناء
المسلمين
من يحافظ على أفكار اليهود، ومن أبناء النصارى من يحافظ على أفكار اليهود،
وبدأت
أفكار ومخططات اليهود تنتشر في كل مكان كما وضعوه.

ولا
بد من قراءة هذا المخطط ليعرف المسلمون أن ما يحدث حولهم هو مخطط من قبل
ذلك، وما
حدث من أحداث لم يكن اعتباطًا أو جاءت عفوًا. ومما ذكر في مخططاتهم تشجيع
الانقلابات في كل البلاد، فدائمًا ما يشجعون الانقلابات ويزرعون الفتن
والقلاقل
داخل الدول، ويشجعون الطائفة قليلة العدد على الانقلاب، وبعد عدة سنوات
يشجعون
انقلابًا آخر في نفس الدولة من طائفة أخرى، وهذه القلاقل المستمرة لن تحافظ
على
كيان أي دولة من دول العالم مهما كانت قوتها،
سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة.

واليهود
لهم دور كبير في دول قد لا يفكر الإنسان في القراءة عنها؛
ففي أوغندا وتشاد ومالي تجد لهم دورًا بارزًا في كل حدث، وقد تعجب عندما
ترى يد
اليهود تصل إلى جنوب أفريقيا، ولكن لا عجب فذلك تخطيط بعيد المدى، لتحقيق
نتائج
معينة.

ويعمل
اليهود على تشجيع الحروب بين الدول، لكن
بالمحافظة على الحدود الإقليمية لكل دولة حتى لا يتغير ميزان القوى في
المنطقة،
فتصبح إحدى الدول قوية ويتأثر اقتصاد اليهود بذلك، ومع تقدم اليهود
الاقتصادي
فإنهم يستطيعون تقديم مساعدات اقتصادية لهذه الدول؛ ليتمكنوا بعد ذلك من
الحُكْم
فيها، عن طريق حكام مسلمين في الظاهر، ولكن في الواقع يتمكن اليهود من
السيطرة
الاقتصادية عليها، وقد وُضِعت كل هذه المخططات موضع التنفيذ منذ قرن مضى.

ومن
مخططاتهم السيطرة على الصحافة، والمطَّلِع على الأمور في أمريكا يرى
السيطرة المطلقة
لليهود على الصحافة، وللصحافة دور كبير في تغيير أي دولة،
فمن الممكن أن ترفع من شأن أي قائد أو تضع منه، وقد تمدح في قانون ليكون
أفضل
قانون، أو تذم في نفس القانون ليكون أسوأ قانون في العالم.

وكما
جاء في البروتوكول الرابع: سنختار من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم
ميول
العبيد، ولن يكونوا مدربين على فنِّ الحكم؛ ولذلك من اليسير أن يُمْسَخُوا
قطعًا
من الشطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دُرِّبُوا
خصِّيصَى
على حكم العالم منذ الطفولة المبكرة.

وينص
البروتوكول السادس على احتكار الثروة، وأنه لا بد لليهود من احتكار الثروة
في
العالم، وتملك كل البنوك وكل الذهب، وهم يعملون على تنفيذ هذا المخطط منذ
قرن مضى.

وفي
البروتوكول التاسع يقولون: عليكم أن توجهوا التفاتًا خاصًّا في استعمال
مبادئنا إلى
الأخلاق الخاصة بالأمة التي أنتم بها محاطون،
وعليكم ألا تتوقعوا النجاح خلالها في استعمال مبادئنا بكل مشتملاتها حتى
يعاد
تعليم الأمة بآرائنا (فلن يكتب النجاح لليهود إلا بعد تغيير أخلاقيات الأمة
التي
تحيط بهم على النهج الذي أرادوه)، ولكن إذا تصرفتم بسدادٍ في استعمال
مبادئنا
فستكتشفون أنه قبل مضي سنوات سيتغير أشد الأخلاق تماسكًا.

وفي
البروتوكول الثالث عشر يقولون: إنما توافق الجماهير على التخلي والكف عما
تظنه
نشاطًا سياسيًّا إذا أعطيناها ملاهيَ جديدة،
سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومُزْجيات الفراغ والمجامع العامة،
وسرعان
ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل
أنواع
المشروعات كالفن والرياضة وغيرها، هذه المتع الجديدة سَتُلهي ذهن الشعب
-حتمًا- عن
المسائل التي سنختلف فيها معه. وهذا مُشَاهد حقًّا في كل البلاد الإسلامية،
وبالنظر إلى بلادنا تجد الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وكذلك الأزمة
السياسية،
وتجد الشعب لا يتكلم إلا عن مباريات الأهلي والزمالك،
فكل تفكير الناس في هذا الأمر ومُلْهَاة به، وتنسى الأزمات الطاحنة، وتنسى
كل
القضايا التي يختلف فيها اليهود مع المسلمين،
ويتكلمون في قضية يتفق العالم كله فيها كفريق البرازيل،
وأنه فريق جيد هذا بالنسبة للرياضة، أما بالنسبة للفن فالأمر أشد سوءًا،
ولو
استرجع كل منا الصحابة الذين ذكرناهم، وكم صحابيًّا يعرف؟ وكم فنانًا يعرف؟
وما
نوعية الفكر الذي أَتَشَرَّبُه؟ لوجد المصيبة عظيمة، ولعلم أنهم قد نجحوا
في
مخططهم أيما نجاح؛ فقد اهتم الناس بسفاسف الأمور كالرياضة والفن، ونسوا
القضايا الأساسية كالسياسة وغيرها.

ويقول
اليهود في البروتوكول الرابع عشر: يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان عند
الأمميين (وهم غير اليهود). فاليهود يعلمون أن
للإيمان قوةً كبيرةً جدًّا، وأن من يتسلح بسلاح الإيمان يستطيع الوقوف
والتصدي
للعوائق الضخمة، ومن الممكن أن ينتصر على أعداد مهولة، وكما ذُكِرَ في
التاريخ أن
عدد المسلمين كان -دائمًا- أقلَّ من عدد عدوهم،
لكن كان عندهم عنصر مهم ذكره سيدنا عبد الرحمن هو أنهم لم يتغيروا عن
إسلامهم، وبكسر
عقيدة الإيمان في أي شعب يسهل أن يكون فريسة لأي شعب آخر حتى ولو كان من
عَبَدَةِ
الطاغوت، أو من الخنازير كاليهود وغيرهم.

وفي
البروتوكول السابع عشر يقولون: الحَطُّ من كرامة رجال الدين عند غير اليهود
للإضرار برسالتهم (وفي الأفلام القديمة تجد تصوير العلماء بصورة هزلية
ليغرس في
نفوس الناس السخرية والاستهزاء تجاههم، وإذا تكلم العالم بعد ذلك فَيُحمَل
كلامُه
على محمل العبث والسخرية، وذلك على العكس تمامًا من الوضع عندهم؛ فمعاركهم
مع
المسلمين كلها تنطلق من مُنطَلقَاتٍ دينية، ففي كل خطوات رؤسائهم تراهم
يذكرون ما
في التوراة المحرفة، وأنهم ينفذون تعاليمها، ومكتوب في الكنيست (مجلس
النواب
الإسرائيلي): "من النيل إلى الفرات" وهي آية من آيات التوراة المحرَّفة،
ويعلنون عن هذا الأمر، وليسوا كغيرهم من الأمم
التي غيرها اليهود ليتبعوا ما أرادوه منهم وما خططوه لهم.

والخطط
التي وضعها اليهود تسير في مسارها الصحيح، فقد
وضعوا خطة ليكون لهم وطن في فلسطين بعد خمسين عامًا،
وفي عام ثمانية وأربعين وبعد واحد وخمسين عامًا تحقق لهم ما خططوه وكان لهم
وطن في
فلسطين، وخططوا أيضًا ليكون لهم بعد مائة عام دولة من النيل إلى الفرات،
وهم -وإن
لم يحققوا السيطرة العسكرية- قد حققوا السيطرة الاقتصادية والسياسية
والفكرية
والاجتماعية، وأصبحت السيطرة لا تخفى على عاقل.

فهذه
إحدى الفرق التي غيرت في المسلمين، ونحن لا نريد بهذا الكلام أن نضخم حجم
اليهود
ونَحُطُّ من شأن المسلمين، أو أن نصور أن هذه هي النتيجة الطبيعية لحرب
المسلمين
واليهود، ولكن ذلك ناتج عن تخلي المسلمين عن دينهم، فلقد كان اليهود على
نفس
الوتيرة ونفس العقلية منذ عهد النبي وحتى هذا العهد الذي استطاعوا أن يغيروا فيه
المسلمين هذه
التغييرات، ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك إلا بعد الضعف الذي أصاب
المسلمين،
فبدأ النشاط اليهودي يَقْوَى وينشط ويتضح لهم أثر،
وهذا انقلاب للموازين، ولكن إذا صلح أمر هذه الأمة يُطَبَّقُ كلام سيدنا
عبد
الرحمن بن ربيعة: "لا يزال هذا الأمر دائمًا لهم، والنصر معهم حتى يغيرهم
من
يغلبهم" ولو استطاع المسلمون أن يغيروا ما بأنفسهم، ورجعوا إلى إسلامهم كان
لهم الأمر من بعد ذلك، ولغيروا اليهود وتكون لنا الغلبة عليهم كما كانت لنا
الغلبة
من قبل.

وقد
غير في المسلمين من غير اليهود كثيرٌ، سنتكلم
عنهم في مقالات قادمة، والمقال القادم سنتكلم عن المسلمين الذين غيروا في
المسلمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:25

غزو الترك




بعد
هذه الكلمة التي قالها سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي،
والتي سطرها التاريخ لتكون قاعدة من قواعد النصر عند المسلمين، لم يجد
شهربراز بُدًّا من الدخول في أرض الترك، ولقد
ذكرنا أن سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي دخل في أرض الترك مسافة ألف
ومائة
كيلو متر إلى الشمال، وهي مسافة ضخمة دون أن
يلقى مقاومة تُذكر من الترك، بل كان الجيش التركي يفر من أمام جيش
المسلمين، رغم أن مملكة الترك -كما ذكرنا- كانت تضاهي مملكة
فارس، حتى إن الفرس -على ما لهم من قوة- أقاموا
معهم معاهدة ألا يغزوا أرض الفرس ولا يغزو الفرس أرضهم، وكان على رأسهم
ملكٌ يُلقب
بالخاقان ذو بأس وقوة، وكان الجيش التركي يُعرف عنه القوة العظيمة، ومع ذلك
فرَّ
الجيش من أمام المسلمين؛ وكان ذلك نتيجة شائعة انتشرت في الجيش التركي،
وهذه
الشائعة لم يكن للمسلمين فيها يد، وكان مصدر هذه الشائعة الجيش التركي
نفسه، وصدقوا الشائعة التي أطلقوها هم وفروا من أمام الجيش
الإسلامي.

وكانت
الشائعة التي انتشرت بين الترك عن المسلمين أنهم قالوا: ما جرأهم على
أرضنا، ودخول
بلادنا، وقدومهم من الجزيرة العربية، وغزوهم فارس، ثم الدخول في مملكة
الترك إلا
أن الملائكة تحميهم، وأنهم لا يموتون؛ فكانت الجيوش التركية تهرب من أمام
المسلمين، وجيوش المسلمين تفتح بلاد الترك، حتى وصل سيدنا عبد
الرحمن الباهلي إلى مسافة ألف ومائة كيلو متر، وسيطر على هذه المنطقة، وبدأ
بوضع الحاميات،
وعاد سيدنا عبد الرحمن الباهلي إلى منطقة الباب.

وبعد
ذلك، وفي عام ثمانية وعشرين من الهجرة ستحدث
للمسلمين بعض الانشغالات، وسيصيب بعض الحاكمين في هذه المنطقة بعضُ الفساد
-وإن لم
يكن كالفساد المستشري اليوم- ونتيجة هذا الفساد يعكس الله الوضع؛ تحقيقًا لكلمة عبد الرحمن الباهلي: "لو تغير
القوم
عما كانوا عليه لضاع منهم النصر، حتى ولو كانوا ذوي عدد وعدة".

وقد
قال بعض الترك: إن المسلمين لا يموتون وما أصيب منهم أحدٌ في غزوهم. وسبب
ذلك أن
المسلمين غزوهم قبل ذلك ولم يُقْتَلْ منهم أحد، فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون.
فقال
بعضهم: أفلا تجرِّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض، فمر بالكمين نفرٌ من الجند
فرموهم
منها فقتلوهم؛ فثارت الترك وحاربت المسلمين، وانتصر فيها الترك على
المسلمين، ثم
أرسل سيدنا عثمان بن عفان جيشًا من المسلمين كانت لهم الغلبة ولم يكونوا أصحاب
معاصٍ وذنوب.
فالله له سنن في الكون، وهذه السنن
واضحة {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43].

فسنة
الله لا تتغير ولا تتبدل، فالطاعة يقابلها نصركم
يقول I: {إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. وليس بين
الله وبين أحد محاباة أو نسب، بل
العمل والتقوى هو الذي يتميز به إنسان عن إنسان،
فالمفاضلة عند رب العالمين أساسها التقوى. وهذا
بالنسبة لمملكة التُّرْك.

نرجع
إلى الجيوش التي أخرجها سيدنا عمر بن الخطاب لتغيير خريطة العالم، وكانت
تلك
الجيوش التي أخرجها لفتح شمال الدولة الفارسية، وكانت عبارة عن خمسة جيوش
خرجت من
منطقة الكوفة كما ذكرنا من قبل.

جيش
لفتح همذان، وجيش لفتح جرجان، أو الري وما وراءها، وجيشان لفتح أذربيجان،
وجيش
لفتح "الباب"
الذي غزا الترك بعد ذلك. وهذه خمسة جيوش كانت قافلة من الكوفة، وكانت هناك
جيوش
أخرى قافلة من البصرة، وكما ذكرنا لأن الكوفة
والبصرة هما قاعدتا العمليات العسكرية للجيش الإسلامي في بلاد فارس.

فتح
جنوب فارس:

بعد
الفتح الذي امتنَّ الله به على المسلمين في المنطقة الشمالية لبلاد فارس،
توجهت الجيوش الإسلامية لفتح جنوب بلاد فارس، وفي
المنطقة وفي شرق نهر دجلة مباشرة تقع مدينة الأهواز،
وقد فتحها المسلمون قبل ذلك، وكان الفتح على يد سيدنا أبي موسى الأشعري
وسيدنا أبي سبرة بن أبي رهم، والتي استشهد فيها
سيدنا البراء بن مالك في معركة "تُسْتَر" التي تحدثنا عنها قبل ذلك
بالتفصيل، وسقوط الهرمزان وكل هذه الأحداث كانت في شرق نهر دجلة وفي شمال
هذه
المنطقة، ولم يدخل المسلمون هذه المنطقة إلا مرة واحدة،
وكانت ذكرى سيئة للمسلمين في عملية لم تُكَلَّلْ بالنجاح للمسلمين وهي
عملية طاوس.


دولة فارس




تقع
هذه المنطقة في شرق الخليج الفارسي وهي في غاية الأهمية؛ لأنها دولة فارس
الأم
"دولة بني ساسان"، وهي التي توسعت على
مَرَّ الزمان، واحتلت الأهواز واحتلت الري واحتلت أصبهان وسجستان ومُكْرَان
وكل
المنطقة التي تحيط بها، وأصبحت هذه هي الدولة
الفارسية، وحققت كل ذلك قبل أربعمائة سنة من
الوقت الذي نتحدث عنه.

وهناك
مدينة "إِصْطَخْر" المقدسة وسُمِّي على اسمها الإقليم كله؛ فكان أكبر
إقليم فارسي، وهذه المدينة الفارسية من أشد المدن حصانةً، ويقع بداخل مدينة
"إِصْطَخْر" النار المقدسة التي لا تُطفأ أبدًا كما يعتقدون، وكان فيها
القيادات الدينية لبني ساسان، وكانت لها مكانة عظيمة جدًّا عند الفرس.

ومنطقة
فارس تنقسم إلى خمسة أقاليم رئيسية:

إقليم
إصطخر.

إقليم
أَرَّجَان وهو قرب الأهواز مباشرة، وعلى حدود
المسلمين في ذلك الوقت، فقد فتح المسلمون كل هذه
المنطقة.

إقليم
سابور.

إقليم
أَرْدَشِير.

إقليم
دارا بجِرد.

وهذه
الأقاليم الخمسة هي أصل الدولة الفارسية.


فتح إقليم فارس




يبدأ
سيدنا عمر بن الخطاب بتجهيز الجيوش من البصرة وهو في المدينة، وكأنه في
ميدان المعركة؛ فيخطط لفتح إقليم فارس فيضع
الخطة كالمعتاد، ويجهز سيدنا عمر بن الخطاب ثلاثة جيوش رئيسية لفتح
الإقليم، وهذه
الجيوش قافلة من البصرة لتتوزع على الأقاليم المختلفة بعد ذلك:

الجيش
الأول بقيادة مجاشع بن مسعود.

والجيش
الثاني بقيادة سارية بن زُنَيْم.

والجيش
الثالث بقيادة أبي موسى الأشعري.

وهذه
الجيوش الثلاثة موجَّهة إلى إقليم "أَرَّجَان" أول الأقاليم الفارسية،
وهذا الإقليم كان على حدود الدولة الإسلامية في هذه الفترة؛ فألقى الله
الوهن في
قلوب الفرس في هذا الإقليم، فقبلوا الجزية
مباشرة، ولم يحدث قتال يُذكَرُ، وأعطوا الجزية لسيدنا أبي موسى الأشعري،
وبقي
سيدنا أبو موسى الأشعري في هذه المنطقة، وأكملت جيوش المسلمين بقيادة مجاشع
بن مسعود
وسارية بن زنيم -رضي الله عنهما- إلى إقليم فارس.

في
ذلك الوقت علم المسلمون أن القوات الفارسية جمعت جموعًا عظيمة في بلدة تسمى
"تَوَّج"، وهذه البلدة على الخليج الفارسي،
وهي في إقليم سابور أصغر أقاليم فارس.

والجيش
الإسلامي قادم من الشمال لهذه البلدة، فكان
المعتاد أن الجيش الإسلامي إذا وجد تجمعًا اتجه إلى الجيوش الفارسية التي
تحاربه،
لكن المسلمين وضعوا خطة جديدة متجاهلين الجيوش الفارسية في "تَوَّج"،
واستمروا في المسير إلى إقليم فارس، وكان ذلك من نتاج خبرات المسلمين في
المعارك
السابقة. ولو نذكر موقعة "بُرْس" قبل فتح المدائن مباشرة، وقد تجمعت القوات
الفارسية من أماكن مختلفة، ولما
حاربهم المسلمون وانتصروا عليهم لم يدافعوا عن المدائن بل تفرق كلٌّ إلى
مكانه
الذي قدم منه ليدافع عنه، كلٌّ يريد أن يحافظ
على ما يملك ولا تهمه الدولة الفارسية.

فكانت
خطة المسلمين أن يسيروا إلى إقليم فارس تاركين جموع الفرس في "توج"،
وتدريجيًّا يتفكك هذا الجيش وكل فرقة من هذا الجيش سترجع إلى إقليمها
لتدافع عنه، وتبقى فرقة سابور حيث هي.

وكما
توقع المسلمون ووضعوا خطتهم فقد تقدم الجيش الإسلامي متجاهلين الجيش
الفارسي في
توج، وما إن علم الجيش الفارسي المعسكر في توج
أن المسلمين تجاهلوهم إلى بقية الأقاليم، حتى
ذهب أهل كل أقليم إلى إقليمهم ليدافعوا عنه، فكانت تلك هزيمتهم وتشتَّتتْ
أمورهم.

ولم
يكن تقدم المسلمين عشوائيًّا بل كان بخطة محكمة،
فما إن وصل الجيش الإسلامي إلى "دارا بجرد" حتى انقسم الجيش قسمين: قسمًا
على رأسه سيدنا مجاشع بن مسعود ويتجه بجيشه إلى أردشير؛ ليلتف حول الجيش الفارسي من
الخلف ويواجه
بقايا الجيش الفارسي في توج، والقسم الآخر على رأسه سيدنا سارية بن زنيم
يتوجه إلى "دارا بجرد" ليفتحها كما خطط له سيدنا عمر بن الخطاب.

ولما
توجه سيدنا مجاشع بجيشه إلى أردشير لم يجد فيها جيشًا؛ فجيشها ما زال في
توج ولم
يصل بعدُ؛ فيتجه إلى توج ليجد بها نقصًا كبيرًا
في عدد جنود الفرس على عكس تواجدهم منذ فترة قصيرة قبل مجيء الجيش
الإسلامي، ويدخل
سيدنا مجاشع بجيشه إلى توج ويحارب الفرس، ولم تشرح كتب التاريخ -للأسف-
موقعة
"توج"، ولكن توجد رواية واحدة رواها
جبير الذي حضر المعركة بكلمات يسيرة جدًّا، ومع وجازتها
إلا أن لها قيمة كبيرة، يقول الراوي: "فاقتتَلوا ما شاء الله (وذلك يدل على
أن المعركة كانت طويلة)، ثم هزم الله أهل توج للمسلمين". ومن خلال كلمات
هذا الراوي نتبين أنه كان ذا فهم
عميق، فهو يعلم تمام العلم أن النصر من عند
الله، وما هم إلا أداة لتحقيق إرادة الله I بأن
يُعِزَّ الدين وأهله، ويذل الشرك وأهله، فيذل الله الفرس للمسلمين: {وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، وقتلهم
المسلمون كيف شاءوا كل قتلة، وغنموا ما في عسكرهم، وحاصروا توج فافتتحوها،
وقتلوا
منهم خلقًا كثيرًا، وغنموا ما فيها، ولم تقم لتوج قائمة بعد اليوم، ودعا
مجاشع الفارِّين إلى الجزية؛ فأجابوا.

وقد
هرب أهل سابور في الجبال؛ ولذا فقد دعا بعد انتصاره أهل الجبال ليرجعوا إلى بلادهم، ويدفعوا
الجزية؛ فرجعوا
إلى بلادهم، ودفعوا الجزية للمسلمين، وفتح المسلمون بذلك سابور وأردشير
بجيش سيدنا
مجاشع بن مسعود .

وفي
ذلك التوقيت يأتي سيدنا عثمان بن أبي العاص بجيش من البحرين ليفتح إصطخر
عابرًا
الخليج الفارسي كما أراد أن يفعل العلاء بن الحضرمي، لكن مع اختلاف الموقف؛
فالدولة الفارسية تترنح تحت ضربات الجيش الإسلامي،
والقوات الفارسية في كل مكان تتلقى الهزائم، وفي هذه اللحظة يأذن سيدنا عمر
للجيوش
الإسلامية بالتحرك داخل البحر، وما كان مَنْع سيدنا عمر بن الخطاب
التحرك في البحر قبل ذلك تعنتًا أو قصر نظر، بل لأن المرحلة لم تكن مواتية
لذلك، بدليل أنه عندما دخل الجيش الإسلامي في ذلك الوقت
تلقَّى الهزيمة من الجيوش الفارسية، أما الآن فالجيوش الإسلامية بالفعل قد
سيطرت
على المنطقة البرية، والجيوش الفارسية تتلقى الهزائم في كل مكان، ومن الصعب
أن
يأتي لها مدد؛ فيأذن سيدنا عمر بن الخطاب في هذه اللحظة لسيدنا عثمان بن أبي العاص الذي تولى
الأمر في
البحرين بعد سيدنا العلاء بن الحضرمي بأن يتوجه بجيشه إلى إصطخر، فينزل
سيدنا عثمان بن أبي العاص إلى أردشير ويؤسس
مدينة للمسلمين، ويبني فيها مسجدًا كعادة المسلمين ببناء المساجد عند فتحهم
أي
بلد، ثم تكملة الفتوحات بعد ذلك. وبعد بنائه المسجد تركها لمجاشع بن مسعود،
وتوجه بجيشه إلى إصطخر هذه المدينة التي تتعلق بها
قلوب الفرس، وكانت في منتهى الحصانة كما ذكرنا،
ويلتقي عثمان بن أبي العاص والجيش الفارسي في معركة يقول عنها المؤرخون:
إنها من
أشد المعارك في إقليم فارس، ولكن ليست من أشد المعارك في الدولة الفارسية
كلها.
وكل معارك إقليم فارس تأتي فيها الهزيمة في صفِّ الجيش الفارسي، ونتج ذلك
عن
الهزائم التي تلقوها من المسلمين في هذه الفترة الطويلة التي دخل المسلمون
معهم
فيها في حروب منذ بداية العام الثاني عشر الهجري إلى العام الثاني والعشرين
من
الهجرة؛ فأصيبت نفوسهم بالوهن، وماذا يفعل ذلك
الجيش الذي يعيش حياة الهزيمة أمام جيش يقاتل لإحدى الحسنيين إما النصر
وإما
الشهادة.

وبعد
قتال عنيف هزم الله أهل إصطخر، ويسيطر المسلمون على مدينة إصطخر الدينية،
وقد كان
أول من سلم من أهلها رجل الدين "هربذ"، ورضي أهل إصطخر بدفع الجزية
للمسلمين، وقُتِلَ قائِدُ الفرس في هذه المعركة واسمه "شَهْرَك" على يد
سيدنا عثمان بن أبي العاص .

ووصل
جيش سيدنا سارية بن زنيم إلى "دارا بجرد"،
وهناك -وفي منطقة كان فيها تجمع كبير للفرس- حاصر الجيش المسلم هذه
المنطقة،
واستطاع أن ينتصر عليهم في البداية انتصارًا جزئيًّا، ولكنهم استدعوا مددًا
فجاءهم
مدد من مُكْرَان، ومن البلاد التي تقع شرقي إقليم فارس، فجاء مدد عظيم،
وجاء مدد
آخر من شرق إصطخر التي لم تفتح بعد؛ وَوُضِعَ المسلمون في موقف من أحرج
المواقف في
فتوح فارس، فقد قدم عليهم جيش مكران من الجنوب،
وجيش إصطخر من الشمال، وكان أمامهم جيش "دارا بجرد"، والجيش في صحراء
واسعة بقيادة سيدنا سارية بن زنيم.

ولم
يكن لهذا الموضع إلا حلٌّ واحدٌ فقط، ولم يخطر على بال أحد من المسلمين
الموجودين
في أرض المعركة، لكنه جاء على بال شخص ليس في ميدان المعركة، بل بعيد جدًّا
عنها،
فقد خَطَرَ ببال سيدنا عمر بن الخطاب وهو في المدينة على بُعد آلاف الكيلو
مترات، وتحدث كرامة من الكرامات، ويحقق الله على يديه النصر
في "دارا بجرد" في البلاد الفارسية وهو في المدينة المنورة.

أما
كيف حقق سيدنا عمر النصر للمسلمين في "دارا بجرد"، هذا ما نعرفه -بإذن
الله- في المقال القادم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:26




فتح خراسان




عمر المُلهَم.. والعناية الإلهية

توقفنا في المقال السابق عند جيش
سيدنا سارية بن زُنَيْم في "دارا بجرد"، والموقف العصيب الذي لاقاه الجيش
بتجمع وفود مختلفة من أماكن متعددة من الدولة الفارسية لحربه، وذكرنا أن
الحل جاء من المدينة رغم بُعد المسافة بينها وبين بلاد فارس، ولكنه نصر
الله الذي امتنَّ به على عباده المؤمنين: {وَمَا
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:
31]. في هذا الموقف الذي ألَمَّ بالمسلمين، وقد أحاط بهم
الفرس من كل مكان، وظنوا أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وفي ذلك التوقيت
ينام عمر بن الخطاب ، فيرى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم
وعددهم في ساعة من النهار، ورأى أن الوفود تجتمع من أماكن مختلفة لتحاصر
جيش المسلمين، وأن الجيش الإسلامي وقع في مأزق، واستيقظ وأراد أن يخبر جيش المسلمين بالحل، ولكن كيف؟ فلو
بعث إليهم رسولاً لاستغرق وقتًا طويلاً؛ لأن المسافة بينه وبين الجيش
الإسلامي بعيدة تستغرق ثلاثة عشر يومًا، وكان اليوم التالي يوم الجمعة فبدأ
يشرح للمسلمين في خطبة الجمعة أن الجيش الإسلامي في مأزق، وأن الجيوش
الفارسية تحاصرهم من كل مكان، وهو يرى أن المسلمين بصحراء؛ إن أقاموا فيها
أحيط بهم، وإن استندوا إلى الجبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد، ثم
قال: يا سارية، الجبلَ الجبلَ! ثمَّ أقبل عليهم، وقال: "إنَّ لله جنودًا لا
نعرفها، ولعل بعضها أن يبلغهم". في هذا الموقف العصيب الذي يعيشه
الجيش في "دارا بجرد" وبعد أن بلغت القلوب الحناجر، وانقطعت الأسباب، ووثق
المسلمون في نصر الله، وأن الله ناصر دينه، تتنزل العناية الإلهية بالنصر
على المؤمنين، ويكون النصر من رجل لم يكن في ميدان القتال أو يعرف طبيعة
المكان، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء. ويسمع المسلمون صوتًا من السماء
يقول: "يا سارية، الجبلَ"، وهذه الرواية ثابتة في الصحيح. ونفَّذ
سيدنا سارية ما سمع؛ فذهب بالجيش إلى الجبل وجعله في ظهره، وقاتلوا الفرس
من وجه واحد والجبل في ظهرهم، حتى أتم الله النصر للمسلمين، وانتصر الجيش الإسلامي على كل
الجموع التي جاءت لتفتك به، وحقق المسلمون نصرًا عظيمًا، وجمعوا غنائمَ
كثيرة من الفرس. لا أحد يعلم جنود الله أو الكيفية التي ينصر الله بها المسلمين إذا هم اتبعوا منهجه، ولكن كما يقول
سيدنا عمر بن الخطاب: "إن لله جنودًا لا نعرفها، ولعل بعضها أن يبلغهم".
ولم يكن بوسع سيدنا عمر بن الخطاب أن يرسل رسولاً بهذه السرعة لينقل الخبر
إلى سارية بن زنيم؛ فقال هذه الكلمة يخاطب بها الجيش الإسلامي، وهو يعلم أن
صوته لن يفعل شيئًا ولكنه جُهْد المُقِلّ. ولما رأى الله صدق إيمان سيدنا
عمر بن الخطاب، وصدق إيمان الجيش في دارا بجرد أتم الله لهم النصر. وقد
تتحقق مثل هذه الكرامة في أي وقت من الأوقات، وقد يُلْهِم الله I قائد الجيش الحل، فدائمًا يلهم الله جنده بوسيلة قد
لا يخطط لها المسلمون مطلقًا، ولكن ما عليهم هو الأخذ بالأسباب كاملة.
عففت فعفت رعيتك

وبعد الانتصار العظيم الذي حققه الجيش
الإسلامي بقيادة سيدنا سارية بن زنيم في "دارا بجرد"، سقط إقليم فارس
كاملاً، وسيطر المسلمون على أنحاء الدولة الفارسية، وبدءوا في توزيع
الغنائم، وبقي من الغنائم سفط (أي وعاء)، فيه جواهر لم يُستطع تقسيمها بين
المسلمين؛ فاستأذن سارية بن زنيم المسلمين أن يبعث بهذا السفط إلى عمر
زيادةً على الخمس الذي يذهب إلى بيت المال. وهنا نذكر مواقف سيدنا عمر مع
سيدنا السائب بن الأقرع لما قدم عليه بجواهر، وكانت زيادة على الخمس، فقال:
ليس أحق بهذا المال إلا الجيش. وأمره أن يبيعه ويقسم ثمنه بين المسلمين،
وذكرنا أيضًا موقف أمير الجيش الذي أرسل طعامًا إلى سيدنا عمر بن الخطاب
يخصه به ولم يأكل الجيش منه؛ فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب إليه وقال له: إنه
ليس من كَدِّك، ولا من كَدِّ أمك، ولا كَدِّ أبيك، ولا يشبع عمر من شيء لم
يشبع منه المسلمون. كان هذا هو دَيْدَن سيدنا عمر بن الخطاب . وكما نعلم أن فتح أقاليم الشمال وأقاليم
الوسط كان في وقت واحد، ولما قرر سيدنا سارية بن زنيم أن يبعث هذا السفط لم
يكن يعرف ما حدث من عبد الله بن عتبان وردّ سيدنا عمر عليه، ولكن اجتهد
كلٌّ منهما هذا الاجتهاد في نفس الوقت، وأرسلوا هذه الأشياء إلى سيدنا عمر
بن الخطاب؛ فاختار سارية بن زنيم رسولاً من الرسل وهو من أهل العراق ولا
يعرفه سيدنا عمر بن الخطاب؛ ليبشره بالنصر وأرسل معه خُمس الغنائم وسَفَط
الجواهر (وكان الرسل والوفد يُجَازَوْن وتُقضَى لهم حوائِجُهم)؛ فقال له
سارية: استقرض ما تبلغ به وما تُخلِفه لأهلك على جائزتك. ففعل، ثم خرج فقدم
على عمر، فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره، فقال: اجلس.
فجلس، حتى إذا أكل القوم انصرف عمر، وقام فاتبعه، فظن عمر أنه لم يشبع،
فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخُل. فلما جلس في البيت أُتِيَ بغَدائه:
خبز وزيت وملح جَرِيش وماء، فوُضِعَ، فقال: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟
قالت: إني لأسمع حِسَّ رجلٍ. فقال: أجل. فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال،
لاشتريت لي غير هذه الكسوة. فقال: أوَ ما ترضَينْ أن يُقَالَ: أم كلثوم بنت
عليٍّ وامرأة عمر؟! فقالت: ما أقلَّ غَناء ذلك عني! ثم قال للرجل: اُدْنُ
فَكُلْ، فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى. فلما أكلا وفرغا قال: أنا رسول
سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين. قال: مرحبًا وأهلاً. فأدناه حتى مست
ركبتُهُ ركبَتَه، ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم؛ فأخبره
بنصر الله الذي أتمه للمسلمين وهزيمة الفرس. فقال له سيدنا عمر: اِحْكِ لي
الحوادث. فقال: كان جيش المسلمين في مأزق شديد حتى سمعنا "يا سارية
الجبلَ"؛ فأخذنا جانبًا من الجبل، فجعلنا الجبل في ظهرنا وانتصرنا على عدو
الله بفضل الله. فقال: الحمد لله. وأخرج له خمس الغنائم، ثم قال: وهذا سفط
من الجواهر جعله سيدنا سارية فوق الخمس. فغضب سيدنا عمر بن الخطاب غضبًا
شديدًا، ثم صاح به: لا، ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فتقسمه بينهم. ما
أشبع الله -إذن- بطن عمر، أما والله لئِن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن
تقسم عليهم هذا، لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة. فقال: يا أمير المؤمنين، إني
قد أَنضيتُ إبلي، واستقرضت على جائزتي، فأعطني ما أتبلَّغ به. فما زال به،
حتى أبدله بعيرًا ببعيره من إبل الصدقة، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة،
ثم وعده بشيء آخر إن هو ردَّ المال، ورجع الرسول محرومًا حتى دخل البصرة.
وهذا العدل الذي ظهر من سيدنا عمر بن الخطاب هو الذي دفع الجيش إلى أن
يحب سيدنا عمر بن الخطاب ، وبذلك العدل انتصر المسلمون على هذه الدولة العظيمة
التي ملأ الظلم والجور أركانها، ولم يُعْرَفْ في هذه الدولة حَقٌّ للمقاتل
أو حق للفارسي بصفة عامة، ولكن كل الحقوق كانت تذهب إلى كسرى فارس وإلى
الأمراء، ثم بعد ذلك يذهب الفتات إلى الجيش عكس الجيش الإسلامي تمامًا،
وبذلك سقط الإقليم الأم في أعظم دولة احتلت جيرانها من الدول الأخرى،
ويُعدّ سقوطها سهلاً نسبيًّا مقارنة بالمناطق الأخرى، ونذكر هنا أن هذه
الأحداث كلها وقعت في سنة اثنتين وعشرين من الهجرة، وأن أحداث الفتح
الإسلامي لبلاد الفرس بدأت في العام الثاني عشر من الهجرة، وبذلك فقد
استمرت الحروب في بلاد الفرس نحو عشر سنوات، كانت الهزائم تتوالى خلالها
على الفرس؛ فكان من الطبيعي أن يُهْزَموا في هذه المعركة أيضًا بفضل الله I. فتح شرق فارس (كرمان ـ سجستان ـ مكران)


فتح كَرْمان:
بعد انتهاء فتح دارا بجرد أرسل عمر بن الخطاب جيوشًا أخرى لاستكمال
الفتوح في الدولة الفارسية: في شرق منطقة فارس توجد مدينة
"كرمان"، وكرمان داخلة في حدود إيران اليوم، وفي جنوب كَرْمان مدينة
"مُكْرَان" -ومكران هي باكستان حاليًا- ثم إقليم "سجستان" وهو جزء من
أفغانستان، و"خراسان" وتقع في الوسط، وسيكون لها جيش خاص. يقرر
سيدنا عمر بن الخطاب أن يرسل جيشًا من البصرة إلى كرمان لفتحها، وعلى رأس
الجيش سيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي ، وفي الوقت نفسه كان سيدنا عبد الله بن عبد الله بن
عتبان قد انتهى من فتح أصبهان، فأمر سيدنا عمر بن الخطاب جيش سيدنا سهيل بن
عدي أن يدخل كرمان من الجنوب، ويسانده جيش عبد الله بن عبد الله بن عتبان
من أصبهان من الشمال حتى يدخل المسلمون على كرمان من منطقتين مختلفتين فيتم
النصر للمسلمين، وبالفعل يلتقي الجيشان مع جيش كرمان الذي يملؤه الرعب،
وكان الرعب قد تسلل إلى قلوب جيش الفرس لأمرين: الأمر
الأول
: أن كرمان تقع في شرق إقليم فارس في الدولة الفارسية الأم
التي تحتلها منذ أربعمائة عام؛ لذا فقد امتلأت قلوبهم رعبًا من هذا الجيش
الذي استطاع أن يقضي على هذه الدولة القائمة منذ أربعمائة عام. الأمر
الثاني
: قَتْلُ قائد كرمان السابق في معركة "تَوَّج" -وكان مددًا
لأهل فارس في هذه المعركة- على يد سيدنا مجاشع بن مسعود. ولك أن
تتخيل نتيجة هذه الموقعة بين جيش يملؤه الرعب وجيش آخر يمتلئ قلبه بالثقة
في موعود الله ونصره، وأنه ينتظر إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.
فتح سجستان: بعد أن هزم الله جيش كرمان وانتصر
المسلمون بمَنِّ الله وفضله، وتولى أمر كرمان سيدنا سهيل بن عدي ، أرسل سيدنا عمر بن الخطاب جيشًا خاصًّا إلى إقليم
سجستان الجزء الجنوبي لأفغانستان، على رأسه سيدنا عاصم بن عمرو التميمي ، وله ذِكْرٌ طويل في فتوحات فارس منذ بدايات الفتح
الفارسي مع سيدنا خالد بن الوليد من العام الثاني عشر الهجري، وله بطولات
كثيرة، ومن بطولاته أنه كان قائد "كتيبة الأهوال" أول كتيبة دخلت المدائن
عاصمة الدولة الفارسية. يتوجه سيدنا عاصم بن عمرو التميمي على رأس
جيش قادم من البصرة في طريقه مباشرة إلى سجستان، ليس له شأن بالجيوش التي
تقاتل في كرمان أو غيرها، ولكنه يذهب إلى الوجهة التي وجهه إياها عمر بن
الخطاب ، وهناك في سجستان يلتقي مع جيشها في موقعة صغيرة،
وانتصر عليهم انتصارًا سريعًا؛ فطلب الفرس في ذلك الوقت الصلح مع سيدنا
عاصم، ووافق سيدنا عاصم وأعطى الفرس الجزية للمسلمين، ثم دخل معظم إقليم
سجستان في الإسلام، ومنذ دخل فيهم الإسلام ظلوا عليه ولم يرتدوا عنه، وأتم
الله فتح إقليم سجستان في العام الثاني والعشرين من الهجرة. فتح
مُكْرَان:
يخرج جيش من البصرة بأمر سيدنا عمر
بن الخطاب وبخطة منه ليستكمل فتح جنوب الدول الفارسية، وعلى
رأس هذا الجيش سيدنا الحكم بن عمرو، ويولِّي هذا الجيش وجهه نحو مكران،
ويأمره سيدنا عمر بن الخطاب بأن يستعين بعبد الله بن عبد الله بن عتبان
الذي فتح أصبهان وساعد في فتح كرمان. ويلتقي عبد الله والحكم قبل
أن يلتقوا مع الفرس في منطقة مكران في معركة شديدة ظلت أيامًا، وكان على
رأس الفرس في منطقة مكران ملك يدعى "راسل" ظل يقاتل أيامًا عديدة حتى قتله
المسلمون، واستباحوا معسكره تمامًا، وحدثت مقتلة عظيمة في الجيش الفارسي،
وبدأ الجيش الفارسي يفر من أمام المسلمين إلى مملكة الهند شرق مكران وخارج
حدود المملكة الفارسية، ولم يبق في منطقة كرمان غير الفلاحين الذين أسلموا
جميعًا، ومنذ دخولهم في الإسلام لم يرتدوا عنه، وكان هذا هو الفتح الأول في
منطقة أفغانستان ومنطقة باكستان، أما الفتح الكامل لهما فسيأتي في عهد
سيدنا عثمان ، وسيأتي على يد سيدنا محمد بن القاسم الثقفي رحمه
الله، وأما منطقة سجستان وما فوقها في الشمال ففتحها سيتم على يد قتيبة بن
مسلم الباهلي رحمه الله. وبذلك سقطت معظم الدولة الفارسية، وأصبحت
الفتوحات أسهل بكثير من بدايتها، وكان ذلك في العام الثاني والعشرين من
الهجرة. فتح خراسان: تقع خراسان في وسط الدولة الفارسية،
وكانت ذات أهمية كبرى؛ لذا أفرد لها سيدنا عمر بن الخطاب جيشًا خاصًّا،
والناظر في حروب الفرس يجد أن سيدنا عمر قسّم جيوش المسلمين إلى ثلاثة
أقسام: قسم خارج من الكوفة لفتح منطقة الشمال في
الدولة الفارسية، وقد أتم هذا الجيش مهمته على أكمل وجه؛ فقد أتم فتح كل
المنطقة الشمالية، وفتح جرجان وطبرستان في هذه المنطقة، ووصل إلى حدود
مملكة الترك، بل دخل إلى بلاد الترك وذلك على يد عبد الرحمن بن ربيعة
الباهلي. والقسم الثاني من الجيوش اتجه إلى جنوب
فارس وأتم مهمته بنجاح، فقد تم فتح إقليم فارس ومكران وسجستان. أما
القسم الثالث من الجيوش الإسلامية فكان قادمًا من البصرة
إلى فتح خراسان في عمق البلاد الفارسية، وخراسان هي الحدود الشرقية لدولة
فارس مع الصين، وبفتح خراسان يتم فتح الدولة الفارسية بكاملها. وهناك
في فتح خراسان أمر ذو أهمية قصوى، وهو اختفاء يزدجرد الثالث كسرى الفرس في
مدينة "مرو الشَّاهِجَان" إحدى مدن إقليم خراسان الموجود في شرق إقليم
الدولة الفارسية، فتوَجُّه الجيوش الإسلامية إلى يزدجرد وقتله أمر ضروري؛
لأن بقتله تسقط الدولة الفارسية ولا تقوم لها قائمة بعد ذلك، فهو الرأس
الذي يدبر للدولة الفارسية، وبوجوده يلتف حوله الفرس ويدافعون عنه حماسةً
للدولة الفارسية. فهذه المعركة -إذن- تحمل طابعًا خاصًّا، فالجيش
متوجه إلى ملك الفرس كسرى الذي بقتله لن تقوم للفرس قائمة، وكما قال في الحديث الذي رواه أبو هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى
فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ
بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ". ولطابع المعركة الخاص أخرج سيدنا عمر بن
الخطاب على رأس الجيش قائدًا خاصًّا، لأول مرة يقود جيشًا
وهو سيدنا الأحنف بن قيس، فيخرج من البصرة على رأس جيش لفتح خراسان،
ولمطاردة يزدجرد الثالث كسرى فارس. وقبل الخوض في غمار المعركة،
ومطاردة الفريقين لبعضهما البعض نتكلم عن الفريقين أولاً: الفريق
الأول
: وهو فريق يزدجرد الفارِّ الهارب، ومنذ صعوده إلى عرش فارس
وهو يهرب، فقد تقلَّد حكم فارس أثناء وجود الجيوش الإسلامية في العراق،
وبعد أن تولى الحكم دخل المسلمون إلى المدائن؛ فهرب كسرى إلى مدينة حلوان
على بعد ما يقرب من مائتي كيلو متر شرقي المدائن، وبدأت الجيوش الإسلامية
في غزو المدائن، وبعد أن أتم الله فتحها، اتجه المسلمون إلى حلوان وانتصرت
جيوش الإسلام في معركة جَلُولاء قبل حُلوان، فهرب يزدجرد من حلوان إلى
الري، ومكث في الري فترة؛ لأن سيدنا عمر أمر المسلمين بعدم الانسياح في
بلاد فارس، وكان ذلك في العام السابع عشر الهجري، ثم دخل المسلمون أرض فارس
بعد نصيحة بعض المخلصين بغزو الفرس وقتل يزدجرد، وكان الناصح لسيدنا عمر
سيدنا الأحنف بن قيس. وكانت نصيحته تنص على أن كسرى لن يكل من محاربة
المسلمين، وسيلتفّ الناس حوله ما دام حيًّا فالأفضل محاربته؛ فبموته تنتهي
الدولة الفارسية. ويأخذ سيدنا عمر برأي سيدنا الأحنف بن قيس، ويرسل إلى
الري جيشًا على رأسه سيدنا نعيم بن مقرن، ولما توجه الجيش إلى الري هرب
كسرى إلى مرو الشَّاهِجَان في عمق بلاد فارس -على بُعد المسافة بينهما- حتى
يأمن وصول الجيش الإسلامي إليه، ومن مرو الشاهجان بدأ بتحفيز الجيوش
الفارسية مرة أخرى لمحاربة المسلمين، واستقر يزدجرد الثالث في مرو
الشاهجان. الفريق الثاني: وهو الرجل الذي أمَّره
سيدنا عمر بن الخطاب على الجيش لمحاربة يزدجرد، وهو سيدنا الأحنف بن قيس،
وكان من أحكم وأدهى وأذكى العرب ومن أحلمهم أيضًا، ويُضْرَب به المثلُ في
الحلم والأناة واشتهر بذلك، واسمه الضحاك بن قيس، والأحنف صفة اشتهر بها
لاعوجاج في ساق قدمه، ولما رأت أمه ذكاءه وحكمته قالت: لولا حنف في رجله
لكان سيد قومه. وأصبح بعد ذلك سيد قومه مع هذا الحنف، ثم أصيب بعد ذلك في إحدى المعارك فأصبح أعور. وقد دعا له
النبي قبل أن يراه، يُروى عن علي بن زيد عن الحسن: أن
الأحنف بن قيس قال: بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان بن عفان إذ جاء رجل من بني ليث وأخذ يدي فقال: ألا أبشرك؟
قلت: بلى. فقال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله إلى قومك بني سعد، فجعلت أعرض عليهم الإسلام وأدعوهم
إليه؟ فقلت لي: إنك تدعو إلى الخير، وتأمر بالخير، وجئتَ من عند من يدعو
بالخير؛ فجعل الناس يدخلون في دين الله لمقولتك، فبلغت ذلك إلى النبي فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ". ولم يكن الأحنف قد رأى النبي ، فقد مات قبل وصول الأحنف لمبايعته على الإسلام؛ وبذلك فلا
يطلق عليه لقب صحابي؛ فالصحابي كما قلنا قبل ذلك هو من رأى النبي . وكان يقول إذا عمل عملاً صالحًا: ولكنني
أرجو أن ينجيني الله بدعوة النبي . عندما لمع نجم سيدنا الأحنف بن قيس (ونذكر
أنه كان في الجيش الذي أنقذ سيدنا العلاء بن الحضرمي في طاوس، وكان تحت
إمرة سيدنا أبي سبرة بن أبي رهم، فأبلى بلاءً حسنًا في القتال، ووصل خبره
إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة وكان لا يعرفه)، أراد سيدنا عمر بن
الخطاب أن يختبره؛ فدعاه إلى المدينة، وأبقاه فيها عامًا كاملاً يعطيه
أعمالاً ويراقبه فيها، وكانت نصيحة الأحنف بن قيس لسيدنا عمر بن الخطاب
خلال هذه السنة بغزو بلاد فارس؛ فوافقه سيدنا عمر بن الخطاب على ذلك، وقال
له: لقد سبقتني القول. وبدأ سيدنا عمر يرسل الجيوش لغزو بلاد فارس. وقال
له سيدنا عمر بن الخطاب بعد انتهاء السنة: يا أحنف، إن النبي قد حذرنا من كل منافق عليم (والمنافق العليم هو من
يعرف عن الإسلام الكثير، ويدعو إلى ما يخالفه بالطعن فيه)، فحاولت اختبارك
سنة، ووضعتك تحت عيني فوجدت علانيتك حسنة، وإني لأرجو أن تكون سريرتك مثل
علانيتك؛ فاذهب إلى أهل البصرة فإني قد وليتك على جيش من جيوشها. ثم أرسل
رسالة إلى سيدنا أبي موسى الأشعري سيد قومه، فقال له: أتاك الأحنف بن قيس
سيد قومه، فَخُذْ برأيه، وأَمِّرْه على جيش من الجيوش، وأرْسِلْه إلى
خراسان. وكان ذلك في بداية العام التاسع عشر الهجري، حيث انشغل المسلمون
بفتح أصبهان والقتال في منطقة الري، فلم يخرج الأحنف بن قيس بجيشه من
البصرة إلا في أواخر العام الحادي والعشرين من الهجرة، وتوجه سيدنا الأحنف
بن قيس بجيشه إلى خراسان. ونذكر عن سيدنا الأحنف بن قيس أنه كان
صالحًا ورعًا تقيًّا، وكان كثير الصلاة بالليل، وكان إذا أذنب ذنبًا ذهب
إلى بيته وأوقد شمعة، وكان يضع المصباح قريبًا منه؛ فيضع إصبعه على
المصباح، ثم يقول: يا أحنف، ما حملك على أن صنعت كذا يوم كذا. ومن
أقواله المشهورة: أن أحد الناس سأله وقال له: يا أبا بحر، إن فيك أناة
شديدة، فأين العجلة في أمورك؟ فيقول: إني قد وجدت في نفسي عجلة في ثلاثة
أمور: "في صلاتي إذا حضرت حتى أصليها، وفي جنازتي إذا حضرت حتى أضعها في
حفرتها (وكما نعلم أن النبي كان يحضُّ على إسراع دفن الموتى)، وفي ابنتي إذا
خطبها كفؤها حتى أزوجها". وسأله أحد الناس، فقال: يا أحنف، بمَ
سُدت قومك وأنت أحنف أعور؟ فقال: بتركي ما لا يعنيني. وبعد أن
يُؤَمَّرَ الأحنف على الجيش يتوجه إلى خراسان، وفي طريقه يمر بأصبهان وقد
حاصرها سيدنا عبد الله بن عبد الله بن عتبان، فيستكمل طريقه إلى خراسان دون
الاشتراك مع جيش عبد الله بن عتبان؛ لأنه ملتزم التزامًا شديدًا بتنفيذ
أوامر سيدنا عمر بن الخطاب . ولما توجه سيدنا الأحنف بن قيس إلى عمق
البلاد الفارسية ليفتحها واجه في بادئ أمره مدينة "هَراة"، وهذه المدينة
تقع في غرب أفغانستان، ففتحها سيدنا الأحنف بن قيس عَنْوة، وبعد الانتصار
الذي حققه سيدنا الأحنف بن قيس في هراة بدأ بإرسال الجيوش من داخلها؛ فأرسل
جيشًا لفتح مدينة سَرَخْس على رأسه الحارث بن حسان، ويرسل مطرف بن عبد
الله إلى "نيسابور" وتقع سرخس ونيسابور في الشمال وتسقط المدينتان، ويتوجه
الأحنف بن قيس بالقوة الرئيسية من هراة إلى "مرو الشاهجان" التي فيها
يزدجرد، وعندما يعلم يزدجرد الثالث بقدوم جيش المسلمين، يترك في مرو
الشاهجان كنزه الدفين الذي جمعه من المدائن وحلوان والرَّيِّ وغيرها،
ويدفنه في مكان لا يعلمه أحد، ويتجه إلى "مَرْو الرُّوذ" وهي تقع على بعد
مائتي كيلو متر من مرو الشاهجان على أقصى حدود الدولة الفارسية، فبعدها
مباشرة تقع الصين، واستولى الأحنف بن قيس على مرو الشاهجان واستخلف عليها
حاتم بن النعمان الباهلي، وتوجه بجيشه إلى مرو الروذ لمتابعة يزدجرد، وعلم
يزدجرد أن جيش المسلمين يتابعه وقادم من مرو الشاهجان، فهرب إلى أقصى شمال
الدولة الفارسية إلى مدينة بلخ، وهذه المدينة على بعد أربعمائة وخمسين كيلو
مترًا من مرو الروذ وتقع في أوزبكستان اليوم. وبلخ هي أقصى الشمال
وأقصى الشرق، وبعدها نهر جيحون ووراء هذا النهر الأراضي التركية، وفي
الشرق مملكة الصين، وبين مملكة الصين ومملكة الترك مملكة الصُّغْد وقد
اندثرت هذه المملكة مع الزمان. وكان يزدجرد قد أقام المعاهدات مع
هذه الدول الثلاثة: ألا نغزوهم ولا يغزونا، ومن شروط المعاهدة أن يدافع
بعضنا عن بعض وقت الأزمات. وقبل أن يهرب يزدجرد من مرو الروذ إلى بلخ أرسل
إلى هذه الممالك الثلاثة لينجدوه من هذا الهجوم المتوالي، والمطاردة
العنيفة من المسلمين، ويتوجه يزدجرد بجيشه إلى بلخ، ويستولي سيدنا الأحنف
بن قيس على مرو الروذ ويرسل فرقة إلى بلخ، ويتبعها هو بكامل الجيش بعد
السيطرة على مرو الروذ ويصل إلى بلخ، ولم يجد يزدجرد مكانًا يهرب إليه، فقد
وصل إلى أقصى نقطة في مملكته، فقد سقطت كل الدولة الفارسية. وأثناء
خروج يزدجرد من مرو الروذ إلى بلخ يستسلم إقليم طخارستان في شمال الدولة
الفارسية من ناحية جرجان وأقصى شمال خراسان، ويستسلم هذا الإقليم دون قتال،
وولَّى عليه سيدنا الأحنفُ بن قيس ربعيَّ بن عامر -رضي الله عنهما- الذي
كان هو أول الرسل الذين ذهبوا إلى رستم في موقعة القادسية. ولو
رجعنا إلى الوراء خمسة عشر عامًا سنجد ربعي بن عامر في المدينة وفي غزوة
الأحزاب، وأثناء حصار المشركين للنبي والمسلمين، وما أصاب المسلمين -في ذلك الوقت- من
الخوف والجوع والشدة، ثم أصبح بعد خمسة عشر عامًا أميرًا على طخارستان.
ولم يبق أمام يزدجرد إلا محاربة المسلمين، وإلى الآن لم يأتِ إليه
مددٌ من الممالك الثلاثة التي أرسل يستحثها لإرسال المدد لينقذوه، ولما
وصلت الرسائل إلى ملك الترك وملك الصغد وملك الصين، قرر ملك الصغد وملك
الترك أن يرسلا مددًا لمساعدة يزدجرد في حربه مع المسلمين، أما ملك الصين
فكان رده مختلفًا، والحوار الذي دار بين ملك الصين ورسول يزدجرد كان حوارًا
عجيبًا أسلم به كثير من حاشية ملك الصين. ولما تقدم سيدنا الأحنف
بن قيس إلى بلخ ووجد جيش الفرس وفيه يزدجرد، كانت أول معركة يلتقي فيها
المسلمون مع يزدجرد منذ بداية الفتح في بلاد فارس إلى هذه اللحظة. أما
عن تفاصيل هذه الحرب، وما دار بين ملك الصين ورسول الفرس من حوار، ونتيجة
هذا الحوار، وما الذي فعله ملك الصُّغْد وملك الترك، فهذا ما نعرفه في
المقال القادم إن شاء الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:29




سقوط المملكة الفارسية




مقدمة


ذكرنا في المقال السابق أن جيش الأحنف بن قيس وصل إلى (بَلْخ) لقتال
يزدجرد شخصيًّا في حاشيته الملكية، ولم يتمكن يزدجرد من الفرار واضْطُرَّ
إلى قتال الأحنف بن قيس بنفسه، وكان يزدجرد قد أقام معاهدات مع الممالك
المحيطة بالدولة الفارسية؛ فأرسل خطابًا إلى ملك الصين، وخطابًا إلى ملك
الصُّغْد، وخطابًا إلى ملك الترك؛ أما ملك الروم فكان يعيش في الحروب التي
تدور في مملكته، غير الحروب الطاحنة التي كانت بين الفرس والروم مما أثَّر
على علاقتهما.
ووصلت رسائله إلى الملوك، فأجابه ملك الترك بإرسال جيش لنجدته، وقد دخل
الجيش الإسلامي في بلاد الترك، وكان أول من دخل سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة
الباهلي، فوجدها ملك الترك فرصة ليتحد مع ملك الفرس في حرب ضد الجيش
الإسلامي، لعله يستطيع إخراجه من بلاده، وتوجه جيش الترك بالفعل تجاه بلخ.
ووافق ملك الصُّغْد على طلب يزدجرد وأرسل جيشًا لمساعدة كسرى فارس.
ردّ ملك الصين على رسول كسرى


أما ملك الصين فكان أحكمَ من ملكي الترك والصغد؛ فقد حاور رسول كسرى،
وقد سُجِّلَ هذا الحوارُ؛ لأن كثيرًا ممن سمعوا هذا الحوار قد أسلموا،
ويقال: إن رسول يزدجرد نفسه أسلم.
ابتدأ ملك الصين قائلاً للرسول: إن حقًّا على الملوك إنجادُ الملوك على
من غلبهم؛ فصِفْ لي هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم، فإني أراك تذكر
قلةً منهم وكثرةً منكم، ولا يبلغُ أمثالُ هؤلاء القليل الذين تصف منكم -مع
كثرتكم- إلا بخير عندهم وشرٍّ فيكم. فقال الرسول: سلني عما أحببت. فقال ملك
الصين: أيوفون بالعهد؟ قلت: نعم. قال ملك الصين: وما يقولون لكم قبل
القتال؟ قال الرسول: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إما دينهم، فإن أجبنا
أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أو المنابذة. ويتضح من أسئلة ملك الصين
أنه كان يتابع الحروب الإسلامية، فالحروب تدور رحاها في المملكة المجاورة
واستمرت اثني عشر عامًا، فهو يسأل عن أمور محددة يريد أن يستوثق منها من
رسول يزدجرد. قال ملك الصين: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قال الرسول: أطوع قوم
لمرشدهم. وهذه هي مفاتيح النصر، يجيب بها رسول كسرى على أسئلة ملك الصين.
قال ملك الصين: فما يُحِلُّون وما يحرِّمون؟ فعدَّد عليه الرسول بعض
الأمور، وقد أثَّر ما ذكره في ملك الصين، لكن ما يهمّ هو السؤال التالي
الذي طرحه ملك الصين على الرسول فقال له: هل يحلون ما حرم عليهم، أو يحرمون
ما حلل لهم؟ قال الرسول: لا. قال ملك الصين: فإن هؤلاء القوم لا يزالون
على ظَفَر حتى يحلوا حرامهم أو يحرموا حلالهم.
وإذا كنا نعيش في وضع من الضعف والهزائم غير الوضع الذي عاش فيه
المسلمون من قبل، فقد يكون ما ذكر ملك الصين هو السبب، والحكمة ضالة المؤمن
أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، ولو كان قائلها ملك الصين.
ثم قال ملك الصين: أخبرني عن لباسهم؟ فيشرح له الرسول بساطة ثيابهم. ثم
قال ملك الصين: أخبرني عن مطاياهم؟ فقال الرسول: الخيلُ العِرَابُ الأصيلة،
ووصفها له، والإبلُ العظيمة ووصفها له.
فكتب ملك الصين إلى يزدجرد: إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجند أوله بمرو
وآخره بالصين الجهالة بما يحِقُّ عليَّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي
رسولُك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خلا لهم سربهم أزالوني ما داموا على
ما وصف، فسالمهم وارضَ منهم بالمساكنة، ولا تهْجُهُم ما لم يهجوك.
ورفض ملك الصين أن يرسل إليه بمدد ينجده خوفًا من حرب المسلمين.
وحوى هذا الحوار حِكمًا كثيرةً من الممكن أن نستفيد منها فالتاريخ يعيد
نفسه، ونحن الآن في وضع يدعونا لاستخراج الحكمة والبحث عنها، والحكمة كاملة
في ديننا، وسيتضح هذا الأمر في نهاية الدرس في مقولة لسيدنا عمر بن الخطاب
.
عودة للأحنف بن قيس


كان الأحنف بن قيس أسرع من ملك الترك وملك الصغد فوصل بجيشه إلى بلخ
قبلهما، وحارب يزدجرد والتقى الجيشان في أول معركة يحارب فيها يزدجرد
بنفسه؛ فقد تعود الهرب منذ دخول الجيوش الإسلامية إلى أرض فارس، وكأنما
كُتِبَ عليه الهروبُ منذ ميلاده؛ فقد هربت به أمه وهو طفل خوفًا عليه من
كسرى ليقتله، ثم أحضروه ليتولى الحكم وكان عمره يومئذ إحدى وعشرين سنةً.
وبدأ القتال وتخيل حال جيش ظل يهرب من مكان إلى آخر حتى ألجأته الظروف
للحرب مع جيش يتقدم من مكان إلى آخر، وكيف حاله وهو يقابل جيشًا يحرص على
الموت حرصهم على الحياة، وكانت هذه المعركة من أقصر المعارك في الفتوحات
الإسلامية، فما هي إلا ساعات قليلة حتى عملت السيوف الإسلامية في رقاب
الجيش الفارسي، وكان يزدجرد يقاتل في مؤخرة الجيش، وكالمعتاد لما رأى سيوف
المسلمين تأخذ مأخذها من جيشه؛ لاذ بالفرار بقلة من جيشه عابرًا النهر
داخلاً في مملكة الترك، ويقف سيدنا الأحنف بن قيس على آخر حدٍّ من الحدود
الفارسية، ولم يكن لسيدنا الأحنف بن قيس أن يعبر إلى مملكة الترك دون أن
يأذن له سيدنا عمر بن الخطاب، وكان قد أرسل إلى الأحنف رسالة بأنه إذا وصل
إلى هذه النقطة فلا يعبر إلى مملكة الترك، فلم يفكر سيدنا عمر في الدخول في
الأراضي التركية؛ لأن جيوش المسلمين متفرقة في أماكن واسعة، فالجيش الذي
قضى على الدولة الفارسية قوامه عشرون ألف مسلمٍ، قد توزعت بقية الجيوش
الإسلامية على أقاليم الدولة الفارسية، فخشي سيدنا عمر بن الخطاب من تشتت
الجيوش في الأراضي التركية، وبذلك يضيع النصر الذي حققه في البلاد
الفارسية، فكانت أوامره ألا يتعدَّى نهر جَيْحون حتى وإن هرب يزدجرد خلف
هذا النهر، ويقف الأحنف بن قيس طاعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولم
يتقدم ليعبر نهر جَيْحون.
بعد الانتصار الذي حققه سيدنا الأحنف بن قيس في بلخ، وسقوط الدولة
الفارسية، وبعد أن اطمأن على الوضع فيها تركها عائدًا بجيشه إلى مرو الروذ
بعد أن ترك بها حامية لتحميها.
لم ينته الأمر بالنسبة ليزدجرد بعدُ؛ فبالأمس القريب كان ملكًا على
مملكة كبيرة من أقوى الممالك في ذلك الوقت، واليوم أصبح فارًّا مطارَدًا،
وقد فَقَدَ كنزه المدفون في مرو الشاهجان، وفقد وضعه الاجتماعي، وما بين
عشية وضحاها سُلِبَ منه كُلُّ ما يملك، وبعد أن كان يتقلب في النعيم أصبح
من أهل الجحيم.
واستنجد يزدجرد بملك الصغد وملك الترك على الجيش الإسلامي رغبة في
الانتصار عليه، أو تحرير الكنز المدفون في مرو الشاهجان على أن يقاسمه
الكنزَ ملكُ الترك، ووافق ملك الترك، وعبرت الجيوش التركية التي تحالفت مع
الجيش الفارسي، واضطرت الحامية المرابطة في بلخ إلى الانسحاب إلى الأحنف بن
قيس في مرو الروذ؛ لما رأت كثرة عدد الجيش القادم من مملكة الترك، ويستولي
يزدجرد والخاقان على بلخ مرة أخرى.
واتجهت الجيوش الفارسية المتحالفة مع الجيوش التركية إلى مرو الروذ
لمقابلة الأحنف بن قيس، وعسكرت هذه الجيوش قرب مرو الروذ، وجهز الأحنف بن
قيس جيشه لما علم بانسحاب الحامية الإسلامية من بلخ، وتلتقي الجيوش في
معركة في مرو الروذ، وهذه المعركة ليست على غرار معركة بلخ، فالجيوش
التركية كانت كبيرة العدد بجانب جيش الصغد وبقايا الجيش الفارسي، فكانت من
المعارك الشديدة في هذه الفترة، واستمرت المعركة أيامًا، وكانت الفلول تأتي
من جهات مختلفة، ومن خارج حدود مرو الروذ وأحاطت هذه الفلول بالجيش
الإسلامي، وكانت العادة القتال نهارًا، وفي أثناء الليل خرج الأحنف ليلاً
ليعرف أخبار جنوده، ولعله يسمع برأي ينتفع به، فمر برجلين ينقيان علفًا،
وأحدهما يقول لصاحبه: لو أنا أميرنا أسند ظهرنا إلى هذا الجبل وجعل النهر
على يميننا من خلفنا، وكان قتالنا من وجه واحد رجوتُ أن ينصرنا الله. فقد
خشي المسلمون الحصار في أرض لا يعرفونها، فسمع الأحنف بن قيس ذلك الرأي
وأعجبه، فلما أصبح جمع الناس وقال لهم: إني أرى أن تجعلوا ظهوركم إلى هذا
الجبل. ثم قال لهم: أنتم اليوم قليل وعدوكم كثير فلا يَهُولَنَّكم؛ فـ{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]. بعد الوضع الذي اتخذه المسلمون
بدأت الكفة ترجح نسبيًّا في جانب المسلمين ولكن لم يتحقق النصر الكامل،
وقاتل المسلمون من جهة واحدة، فأصبح الأمر معتمدًا على كفاءة المقاتل
المسلم، وليس على حصار الفرس والترك كما كان في بداية المعركة.
وفي ليلة من ليالي المعركة خرج الأحنف قائد الجيوش طليعةً لأصحابه أو
دورية استكشافية بين الحدود الفاصلة بين الجيشين ليدرس الموقف؛ ليعرف كيف
ينتصر على هذا الجيش، حتى إذا كان قريبًا من عسكر الخاقان وقف، فلما كان
وجه الصبح خرج فارس من الترك بطوقه فضرب بطبلة، وكانت عادة الترك أنهم لا
يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم أكفاء كلهم يضرب بطبلة، ثم يخرجون بعد
خروج الثالث. ثم وقف الفارس من العسكر موقفًا يقفه مثله، فحمل عليه الأحنف
فتقاتلا فطعنه الأحنف فقتله وأخذ طوق التركي ووقف، فخرج فارس آخر من الترك
ففعل فعل صاحبه، فحمل عليه الأحنف فتقاتلا فطعنه فقتله وأخذ طوقه ووقف، ثم
خرج الثالث من الترك ففعل فعل الرجلين، فحمل عليه الأحنف فقتله، ثم انصرف
الأحنف إلى عسكره.
وبالفعل خرجت الجيوش التركية بعد الثالث فأتوا على فرسانهم فوجدوهم
قتلى، وكانوا أهل تشاؤم وتفاؤل كالفرس؛ فتشاءم خاقان وتطيَّر، وتسربت
الهزيمة إلى قلوب جيشه.
وتعددت الروايات بالنسبة لموقف الخاقان وجيشه التركي، فبعض الروايات
تذكر أنهم عادوا إلى بلادهم ولم يقاتلوا، وقال الخاقان: قد طال مقامنا وقد
أصيب فرساننا، ما لنا في قتال هؤلاء القوم خير؛ فرجعوا. وارتفع النهار
للمسلمين ولم يروا منهم أحدًا، وأتاهم الخبر بانصراف خاقان والترك إلى بلخ.
وتذكر بعض الروايات الأخرى أن المعركة تمت، وحمل الأحنف بن قيس رايته
وانطلق داخل الجيش التركي وأوقع بهم هزيمة رهيبة.
ونعلم أن يزدجرد كان مع الجيش التركي وكان بينهما اتفاق، وهو ما دفع
الخاقان الدخول في حرب مع المسلمين، ولم يكن المسلمون على علم بتلك
الاتفاقية.
وأثناء القتال ترك يزدجرد الخاقان مقابل المسلمين بمرو الروذ وانصرف
بحاميته الفارسية إلى مرو الشاهجان، وكان بها حامية إسلامية صغيرة على
رأسها حاتم بن النعمان، وكان الجيش الفارسي أكبر نسبيًّا من الجيش
الإسلامي، فضرب عليهم الحصار، واستطاع يزدجرد ومن معه الدخول إلى مرو
الشاهجان بعد انسحاب الحامية الإسلامية، وانكشف ما اتفق عليه يزدجرد
والخاقان، فقد شغل الترك جيش المسلمين في مرو الروذ ليتمكن يزدجر من الحصول
على الكنز المدفون في مرو الشاهجان ثم يعود إلى مملكة الترك، وفي الوقت
الذي وصلت فيه الأنباء إلى الأحنف بن قيس كان الجيش الإسلامي قد حقق
انتصاره على الجيش التركي، وكان أمام الأحنف اختياران إما أن يسير إلى بلخ
بالقوى الأساسية، أو يسير إلى مرو الشاهجان حيث يزدجرد وكنزه المدفون،
فاختار الأحنف أن يسير إلى مرو الشاهجان لسببين؛ أولهما:
أنه لا يريد أن يقع بين جيشين في الشمال والجنوب.
والسبب الثاني: طاعته لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب في
عدم تجاوزه نهر جيحون.
لما علم يزدجرد أن الأحنف لحقه وقادم إليه أُسْقِطَ في يده، فهو لم يكن
يتوقع أن تأتي إليه الجيوش، بل توقع أنها ستذهب إلى الجيش التركي، فهرب
يزدجرد كعادته.
الفرس ينقلبون على يزدجرد


فلما جمع يزدجرد خزائنه، وكانت كبيرة عظيمة، وأراد أن يلحق بخاقان، قال
له أهل فارس: أي شيء تريد أن تصنع؟ قال: أريد اللحاق بخاقان فأكون معه أو
بالصين. قالوا له: إن هذا رأي سوء، ارجع بنا إلى هؤلاء القوم فنصالحهم؛
فإنهم أوفياء وهم أهل دين، وإن عدوًا يلينا في بلادنا أحب إلينا من عدو
يلينا في بلاده ولا دين له، ولا ندري ما وفاؤهم. فأبى عليهم، فقالوا: دع
خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يلينا، لا تخرجها من بلادنا. فأبى، فاعتزلوه
وقاتلوه فهزموه وأخذوا الخزائن واستولوا عليها وانهزم منهم ولحق بخاقان،
وعبر النهر من بلخ إلى فرغانة، وصالح الجنود الفارسيون سيدنا الأحنف بن قيس
على الجزية وأعطوه كنز يزدجرد، فباعه المسلمون بمائة وخمسين مليون درهم،
وقسم مائة وعشرين مليون درهم على العشرين ألفًا؛ فكان نصيب الفرد ستة آلاف
درهم.
أخبار النصر تصل المدينة:
وأرسل إلى سيدنا عمر بن الخطاب خبر الفتح ومعه ثلاثون مليون درهم خُمس
الغنائم، فما كان من سيدنا عمر بن الخطاب إلا أن جمع الناس وقرأ عليهم كتاب
الأحنف بن قيس، ثم خطب خطبة فقال:"إن الله تعالى ذكر رسوله ، وما بعثه به من الهدى، ووعد على اتباعه من عاجل
الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة، ثم قال: {هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، الحمد لله الذي أنجز وعده ونصر
جنده، ألا إن الله قد أهلك مُلْكَ المجوسية وفرَّق شملهم، فليسوا يملكون
بأيديهم شبرًا يضر بمسلم، ألا إن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم
وأبناءهم لينظر كيف تعملون، ألا وإن المِصْرَيْن (الكوفة والبصرة) من
مسالحها (المدن الصغيرة التابعة) اليومَ كأنتم والمصرين في ما مضى من
البعد، وقد أوغلوا في البلاد، والله بالغ أمره، ومنجز وعده، ومتبع آخر ذلك
أوله؛ فقوموا في أمره يوفِ لكم بعهده، ويؤتكم وعده، ولا تُبدِّلوا ولا
تغيروا؛ فيستبدل الله بكم غيركم؛ فإني لا أخاف على هذه الأمة إلا أن تُؤتَى
من قِبَلِكُم". ونضع كلمات سيدنا عمر بن الخطاب نصب الأعين لتكون لنا
درسًا من الفتوحات الفارسية، تعيه قلوبنا وخاصة آخر كلامه، فهو لا يخاف على
هذه الأمة من الفرس أو الروم أو الصين أو من غير ذلك بقدر ما يخاف أن تؤتى
هذه الأمة من قبلها، وذلك إذا أحلَّت الأمة حرامها وحرَّمت حلالها، وإذا
حدثت الفرقة بين المسلمين حتى لو حقق كل فرد أعلى درجات التقوى، طالما أنه
يعمل بمفرده ولا يتعاون مع الآخرين لتحقيق أمة مترابطة ومتماسكة وقوية
البنيان.
ودائمًا ما كان سيدنا عمر يقول لجيش المسلمين: إني أخاف عليكم من الذنوب
أخوف من جيش الفرس ومن جيش الروم. وكان الجيش الإسلامي -في ذلك الوقت- قد
حقق هذه الصفات التي هي مفتاح النصر؛ لذا أتم الله تعالى لهم فتح المملكة
الفارسية، ودانت لهم مملكة من أعظم الممالك في ذلك الوقت.
مقتل كسرى يزدجرد


وتزامن سقوط الدولة الفارسية مع فتح المسلمين لبرقة في تونس، وتوغلهم في
أرض الروم حتى حدود المملكة التركية.
وبعد هذا السقوط المفزع الذي لحق بيزدجرد، إضافة إلى محاربة جنده له
وأخذ كنزه، وصل يزدجرد إلى خاقان الترك فاستُقْبِل استقبال الملوك، ثم سأله
أحد عماله (وكان على مرو الشاهجان وكان اسمه ماهويه) ابنته ليتزوجها؛ فغضب
يزدجرد غضبًا شديدًا، وقال له: إنما أنت عبد من عبيدي. فعمل ماهويه على
تقليب الحاشية على يزدجرد، وقررت الحاشية قتله، فهرب يزدجرد من الحاشية
الفارسية حتى انتهى إلى بيت طحَّان فآواه وأطعمه ثم سقاه الخمر فلعبت
برأسه؛ فأخرج تاجه ووضعه على رأسه فعرفه الطحان، ثم أخبر ماهويه، وتشاءم
ماهويه من قتل يزدجرد بنفسه أو أحد من حاشيته؛ فقد كانوا يعتقدون أن من قتل
كسرى أو قتل ملكًا عُذِّبَ بالنار في الدنيا، فأوحى إلى الطحان بقتله،
فأخذ فأسه وضرب يزدجرد فاحتز رأسه بها، وبعد قتل الطحان لكسرى قال ماهويه:
ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش. فقتل الطحان، وألقى جثة يزدجرد في نهر جيحون،
وحملت المياه جثته إلى مكان قريب من مرو الشاهجان، وتعرف عليه مطرانٌ على
مرو يقال له: إيلياء، فجمع من كان قبله من النصارى، وقال لهم: إنَّ ملك
الفرس قد قتل، وهو ابن شهريار بن كسرى، وإنما شهريار وَلَدُ شيرين المؤمنة
التي قد عرفتم حقَّها وإحسانها إلى أهل ملَّتها من غير وجه؛ ولهذا الملك
عنصر في النصرانِيَّة مع ما نال النصارى في مُلك جدِّه كسرى من الشرف، وقبل
ذلك في مملكة ملوك من أسلافه من الخير، حتى بنى لهم بعض البِيعَ؛ فينبغي
لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان أسلافه وجدّته شيرين إلى
النصارى؛ وقد رأيت أن أبني له ناووسًا، وأحمل جثّته في كرامة حتى أواريها
فيه. وانتهت بذلك قصة آخر ملك تولى حكم فارس، وكان من عادة الفرس أن
يبتدئوا التقويم من اعتلاء كسرى لكرسي العرش، وبموت الملك ينتهي التقويم
ويبتدئ تقويم جديد ببداية عهد كسرى جديد، ولم يأت بعد يزدجرد أحد ليسير
المجوس -إلى هذه اللحظة- بالتقويم اليزدجردي، وما زالت هذه الطائفة باقية
وموجودة وتعرف بالزرادشتية.
بعد انتهاء الفتوحات الفارسية والانتصار العظيم الذي حققه المسلمون،
الذي لا نستطيع إعطاءه حقه إلا بعد قيام من ينشر الخير، ويبشر بهذا الدين
وينشره في ربوع الأرض، وفي كل مكان في العالم، في هذا الوقت نستطيع أن نعرف
مقدار الجيش الإسلامي الذي خرج بعد حروب الردة مباشرة -رغم عدد قتلى
المسلمين في معارك الردة- لغزو الفرس والروم، وشمال أفريقيا حتى وصل إلى
الأندلس.
وذكر أبو الحسن الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) عن
(علم مقارنة الأمم) فقال: بالمقارنة... قوة المسلمين إلى قوة الفرس وقوة
الروم في ذلك الوقت، هي أضعف من قوة المسلمين في هذا الوقت من قوة روسيا
وأمريكا قبل سقوط روسيا، وقوة الفرس والروم أشد على المسلمين من قوة روسيا
وأمريكا على المسلمين الآن، لكن الفارق عوامل النصر التي كانت موجودة من
قبل، ولو أراد المسلمون العزة والمنعة والنصر وعملوا له لحققه الله تعالى؛
فلا شيء يعجزه وكل شيء بيده.
هدف الفتوحات الإسلامية


هل يوجد تعارض بين الفتوحات الإسلامية التي كانت عن طريق حروب شديدة مع
قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]؟ مع أن الآية واضحة وصريحة، وأن
الفرس لم يهاجموا المسلمين، بل المسلمون هم الذين حاربوهم في بلادهم.
الحقيقة أن هذا الأمر من الأهمية بمكان ولا بد من الوقوف على حقيقته،
وفي هذا يقول أحد العلماء: إن حركة الفتوحات الإسلامية لم تكن لمجرد الدفاع
عن الدولة الإسلامية كما يحاول بعض المسلمين الدفاع عن الإسلام، والقول
بأن الإسلام لا يحارب إلا دفاعًا، ويظن أنه يخدم الإسلام بذلك، حتى لا
يُطْلَق على الإسلام أنه دين إرهاب، أو أنه يحاول الضغط على هذه الدول
لتعتنق الإسلام، ونذكر أن الإسلام ليس دينًا دفاعيًّا فقط، بل فرض عين على
المسلمين أن ينشروا الدعوة خارج حدودهم حتى يَعُمَّ الإسلام ربوع الأرض،
والمسلمون لم يفرضوا الإسلام على أية أمة من الأمم، لكنه يحرر هذه الشعوب
من الطواغيت التي تحكمهم وتمنعهم من اختيار الدين المناسب؛ فمثلاً كان
الشعب الفارسي يتبع ولاته في عبادة النار، ولا يحق لهم اختيار ما يدينون
به، لكن دين الله لا بد أن يصل إلى هذه البلاد، وإلى كل فرد، ثم يترك
له حرية الاختيار في اعتناقه للإسلام أو عدم اعتناقه، أما إذا تركه
المسلمون دون إبلاغ فهم آثمون، فكانت مهمة الجيوش الإسلامية محاربة الطبقة
الحاكمة التي تأبى أن تطيع أمرَ الإسلام، بعد عرض الإسلام عليهم وبعد عرض
الجزية، والجزية حلٌّ أفضل للمعاهِدين من الأموال والضرائب التي يدفعونها
لحكوماتهم وأقل مما يدفعه المسلمون زكاةً؛ ولذا كانت هذه الشعوب تغتبط
بالحكم الإسلامي.
بعد عرض هذه الأمور الثلاثة: الإسلام أو الجزية أو المنابذة؛ فإنْ رفض
القوم الإسلام أو الجزية قاتل الجيش الإسلامي الجيش الفارسي والجيش الرومي
ولا علاقة له في الحرب بمن لا يحارب، لا يقاتل الفلاحين، ولا من يعبد الله
في محرابه أو في كنيسته أو في صومعته أو حتى في معبد النار، لكنه يقاتل من
يقفون أمام نشر دين الله I، حتى إذا خلَّى بين
الناس وبين الاختيار، ترك لهم المسلمون حرية العقيدة، يعبدون ما شاءوا أن
يعبدوا بعد توضيح الإسلام لهم، فإن رضوه دينًا كان بها، وإن لم يرضوه
أقرُّوهم على ديانتهم، رغم أن الدولة الفارسية تعبد النار وليسوا أهل كتاب،
ومع دفعهم الجزية يتركهم المسلمون يعبدون النار، وفي مقابل الجزية يمنعهم
المسلمون ويدافعون عنهم، ولم يكن غرض المسلمين من الفتوحات التكالب على
الدنيا، بل أوقف سيدنا عمر بن الخطاب الحروب خشية كثرة الغنائم على نفوس
المسلمين، فهل هناك قائد أي جيش فاتح يوقف الحروب؛ لأنه يخاف على أتباعه من
كثرة الغنائم؟!
ولم تحمل الرسائل التي بعثها سيدنا عمر بن الخطاب بين طياتها أي غرض من
أغراض الدنيا بل كان جُلُّ همه الآخرة وترك الدنيا، ولو وضعوا أعينهم على
الآخرة لربحوا الدنيا والآخرة، وإذا وضعوا أعينهم على الدنيا خسروهما معًا،
وهذا هدف نبيل من أهداف الفتوحات الإسلامية، ولا نخجل من ذكر انتشار
الإسلام في هذه البلاد بهذه الحروب، بل الإسلام أعطى الفرصة لهؤلاء الناس
ليتعرفوا عليه، تاركًا لهم حرية الاختيار.
ونتساءل: هل سيأتي اليوم الذي نفرح فيه عندما نرى انتشار الإسلام في
أوربا وأمريكا وروسيا وكل ربوع الأرض؟ نعم، سيأتي هذا اليوم لكن بجدٍّ
واجتهاد من المسلمين في تعريف البشرية بديننا الحنيف، وقد وعد الله بتحقق
ذلك، ونحن نؤمن بموعود الله وأن دين الله سيعمُّ كُلَّ الأرض، ويعز الإسلام
كما كان من قبل ويَذِلُّ الشرك، ولكن الفكرة تكمن فينا، وهل سيكون لنا دور
في ذلك أم نتولى؛ فيحق علينا قول الله تعالى: {وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا
أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]؟ فبداية
الهَلَكَة كما وضحها ملك الصين: يحلُّوا حرامهم ويحرِّموا حلالهم. ولا بد
أن يستشعر كل إنسان أن النصر يتأخر بمعصيته وذنبه، فالزوج الذي يترك زوجته
تخرج إلى الشارع بدون حجاب، وكذلك الأب الذي يترك ابنته بدون حجاب هذا
الأمر يؤخر النصر، رغم أن هذا شيء فردي وخاصٌّ به إلا أنه يحرم حلالاً ويحل
حرامًا، ويؤخر النصر كذلك من يتعامل بالربا، ومن يتعامل في الخمر، والغيبة
والكذب، وكل من يقوم بشيء مخالفٍ يحرم فيه حلالاً ويحل حرامًا.
ويؤخر النصر أيضًا -ولو كان الأفراد على أعلى درجات التقوى- إذا انصرف
كلٌّ إلى نفسه لا يفكر في الآخرين، بل لا بد لهذه النفوس التقية أن يجتمع
بعضها مع بعض في دولة واحدة، وليس من الصعب على المسلمين أن يعيشوا تحت
لواء دولة واحدة تنشر الخير وتنشر الإسلام في أرجاء المعمورة، وقد ظل
الإسلام يحكم وله دولة قائمة تجمع شمل المسلمين ألفًا وثلاثمائة عام، ولم
يعش المسلمون سوى خمسة وسبعين عامًا فقط متفرقين بعد إسقاط الخلافة
العثمانية، وهذه المدة ليست بشيء في حياة الأمم، واجتماع هذه الأمم ليس
بالصعب ولا العسير، فالأهم من ذلك الإرادة القوية التي تجمع هذه الشعوب،
وتبدأ بتكوين الحكومات الإسلامية داخل بلادنا ونشر الإسلام فيها، ثم تتحد
هذه البلاد في أمة واحدة تحافظ على العدل والمحبة وتنشر الإسلام في ربوع
الأرض، وكلٌّ له دور في مكانه، وكما يقول النعمان بن مُقَرِّن لما خطب
المسلمين في معركة نهاوند: ولا يكِلْ أحدُكم قِرْنَه إلى أخيه. فليبدأ كلٌّ
منا بنفسه، ويقربها من الله I مبتعدًا عن
الحرام، مقتربًا من الحلال، مكثِرًا من الطاعات، وكل هذه الأشياء من عوامل
النصر، ثم يقوم بدعوة غيره إلى الخير والكفِّ عن المعاصي، وليكن لك دور في
مجتمعك، لا أن تعيش لنفسك فقط، ويكون جُلُّ همِّك جمع الأموال، أو تحقيق
منافع شخصية، حتى ولو كانت على المستوى العبادي والإيماني.
ويقول أحد المصلحين ملخصًا هذا الكلام: أصلحْ نفسَك وادعُ غيرَك، ولو
حاول كل منا أن يقيم دولة الإسلام في قلبه لقامت على أرضه، أقيموا دولة
الإسلام في قلوبكم تقمْ على أرضكم. وحتمًا لو سلكنا الطريق الصحيح سنصل إلى
ما وصل إليه الصحابة من نصر وتمكين بإذن الله.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 18:30

تم البحث بعون من الله وفضله
شكرا لكاتبه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سارة عمر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
سارة عمر


عدد المساهمات : 3690
نقاط : 4949
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 03/04/2010
العمر : 40

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالسبت 3 يوليو 2010 - 21:14

شكرا للناقل و المنقول


بارك الله فيك شجرة الدر


ممتازة مواضيعك اختي


لك جزيل تقديري


و احترامي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 4 يوليو 2010 - 2:38

بارك الله لكِ

شجرة الدر

جهد طيب

لا ادري كيف اشكرك على هذا

تحياتي من القلب

وخالص الود

وتقديري لكِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:44

سارة عمر كتب:
شكرا للناقل و المنقول


بارك الله فيك شجرة الدر


ممتازة مواضيعك اختي


لك جزيل تقديري


و احترامي

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Fgsgsdg
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شجرة الدر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
شجرة الدر


عدد المساهمات : 4808
نقاط : 6181
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
العمر : 55

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات العراق وفارس   فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 1 أغسطس 2010 - 16:45

أحمد الهاشمي كتب:
بارك الله لكِ

شجرة الدر

جهد طيب

لا ادري كيف اشكرك على هذا

تحياتي من القلب

وخالص الود

وتقديري لكِ

فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Qatarya_Mv3v6nXTS5


فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Qatarya_3NT3Rqtw8p


فتوحات العراق وفارس - صفحة 3 Qatarya_P7q3HgAuE4
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتوحات العراق وفارس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
 مواضيع مماثلة
-
» حدث في مثل هذا اليــوم..متجـــــدد
» سماء العراق
» دوخني العراق
» العراق ذهب مع الريح
»  حديث نبوي حول العراق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: الأقسام العامة :: واحة الشخصيات الدينية والتاريخية والأدبية والسياسية :: واحة التاريخ والأحداث الهامة-
انتقل الى: