أكبر سجن في التاريخ !!
الكاتب أ. عيسى القدومي
عندما
نسمع عن أكبر سجن في التاريخ، من المستبعد جدًّا أن يتبادر إلى أذهاننا
أنه في أرضٍ إسلامية مجاورة، وعلى مسمع ومشهد العالم أجمع!! فأين يقع هذا
السجن الذي يعد أكبر سجن مساحةً، ويضم أكبر عدد من السجناء في التاريخ
المعاصر؟!
سجن شرع في بنائه في السادس عشر من شهر يونيو
عام 2002م، حيث أسواره أطول بثلاثة أضعاف من جدار برلين، وأعلى منه
بمرتين، ومصنوعة من خرسانة مسلحة بارتفاع 8 إلى 9 متر على امتداد 750 كيلو
مترًا، وأسلاك شائكة مكهربة وأجهزة للمراقبة لمنع أي عملية هروب أو تسلل!!
جدرانه
تسجن بداخلها ما يقارب الثلاثة ملايين من البشر يتوزعون على عشرات المدن
ومئات القرى التي أحاطتها أسوار عالية، وتقدر تكلفة بناء الكيلو المتر
الواحد منه بمليون دولار؛ أدى إنشاء أسواره إلى اقتلاع مئات الآلاف من
أشجار الزيتون، وفصل القرويين عن حقولهم، وأبقى المساجين من غير أرض ولا
مصادر مياه ولا تعليم ولا رعاية صحية!!
جدرانه تحقق لمن
شيدها أهدافًا سياسية بفرضها واقعًا على الأرض يجعل أية مطالب بعده مجرد
أحلام؛ لأنه يرسم حدودًا جائرة على الأرض، يحرم السجناء من العمل أو
التعليم، ويضع من بداخله في معازل "جيتوهات" عنصرية لها بوابات تخضع لتصرف
السجان.
هذا ما أرادته القيادة اليهودية من بناء الجدار
الفاصل، لجعل الوضع هو الأخطر منذ قيام الكيان الغاصب؛ ليعيش الفلسطينيون
على أرضهم مناخ السجن وثقافة السجن، والمطلوب منهم هو توزيع المصالح
والأدوار داخل هذا السجن من خلال الهدنة وإجراء بعض الانتخابات!!
ولتزداد
المعاناة فقد حولوا الضفة إلى ثلاثة معازل "رام الله، نابلس، الخليل"،
وبات قطاع غزة منفصلاً عنها. واقتطعوا 75% من موارد المياه بالضفة
الغربية، ونحو 23% من أخصب أراضيها. ورفضوا إقامة أي اتصال جغرافي بين
الضفة الغربية وقطاع غزة على اعتبار أن أي ممر جغرافي يصل بين المناطق
الفلسطينية سيكون انتهاكًا للسيادة "الإسرائيلية" على أراضيها!!! واقترح
قادة اليهود للتواصل بين المناطق الفلسطينية سلسلة أنفاق تصل بين القرى
والمدن!! وذلك يعني أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة أراضيها متصلة،
فهم أرادوها شكلاً هلاميًّا "دولة ولا دولة"!!
إنهم
يريدون أن يجعلوا الفلسطينيين في المدن والقرى يعيشون في ظروف اقتصادية
واجتماعية وسياسية صعبة إلى درجة تضطرهم إلى الرحيل، وهذا هو الهدف
الأساسي لقادة اليهود أن يحققوا ذلك بإرادة فلسطينية، أو كما يسمونه
"الترانسفير الطوعي".
فالجدار حقيقة على الأرض لا
يمكن التعامي عنها، فأية تسوية، وأية تهدئة ستكون عندما يسجن شعب بأكمله
وعلى أرضه!! وتسور أرضه ويقتطع أكثر من نصف مساحتها!! وأي حل مع إلغاء
إمكانيات الوجود الإنساني على هذه الأرض!!