اسد بنى هاشم الأعضاء
عدد المساهمات : 12 نقاط : 18 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/06/2010 العمر : 52
| موضوع: موقف الامام الصادق مع المنصور الثلاثاء 15 يونيو 2010 - 7:04 | |
| مواقفه مع المنصور وولاته
رزق أهل البيت فيما رزقوا الحكمة وكفى بها فضيلة، ولربما تعجب من مواقف الصادق مع المنصور ورجاله فإنك تارة تجده يلين بالقول ويجهد في براءته واُخرى يلاقيهم بالشدّة والعنف دون أن يعترف بشيء وإِن أساءهم موقفه. والصادق أعرف بما يقول ويفعل، فقد يلين أن عرف أن اللين أسلم، وقد يخشن اذا عرف أن الخشونة ألزم، وليس اللين محموداً في جميع الأوقات والحالات، غير أن التمييز بين المواقف يحتاج الى حكمة وعرفان، فبينا تجده يخاطب المنصور بقوله: «واللّه ما فعلت ولا أستحلّ ذلك ولا هو من مذهبي وإني ممّن يعتقد طاعتك في كلّ حال وقد بلغت من السنّ ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيرّني في بعض حبوسك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب» واذا به يقول للمنصور على لسان الرسول: «فإن كففت وإِلا أجريت اسمك على اللّه عزّ وجل في كلّ يوم خمس مرّات» الى كثير من الموقفين، كما عرفت كثيراً من مواقف اللين، وستعرف الآن بعض المواقف من الشدّة. إِنّا وإِن غبنا عن ذلك العهد لكننا لم نغب عن معرفة نفسيّة الامام الصادق عليه السّلام ونفسيّة الدوانيقي، كما لم نغب عن تأريخ الحوادث في ذلك العهد. إِن المنصور وإِن مَلك البلاد باسم الخلافة لكنه يعلم أن صاحبها حقاً هو الصادق عليه السّلام، وأنه صاحب كلّ فضيلة وأنه لو أراد الأمر لم يطق المنصور
[ 115 ] أن يحول دونه، فمن ثمّ تراه أحياناً يصفح عن وخزات الصادق عليه السّلام لا يريد أن تزداد الملاحاة في الكلام فتثير كوامن النفوس فتهيج ما يخافه من وثبة وثورة، غير أن شدّة الحبّ للمُلك والمُلك عقيم، والحبّ يعمي ويصمّ، تبعث المنصور على الاساءة للصادق والسعي لإهلاكه، فاذا عرف الصادق أن الموقف من الأوّل انبعث لإظهار الحقّ، وأن الموقف من الثاني قابله بلين ليكفّ بغيه وعدوانه. وها نحن أوّلاً نورد بعض ما كان من الصادق مع المنصور وولاته من المواقف التي يعلن فيها بالحقّ غير مكترث بما له من سطوة ولولاته من قسوة. سأل المنصور الصادق عليه السّلام يوماً عن الذباب وهو يتطايح على وجهه حتّى أضجره فقال له: يا أبا عبد اللّه لِم خلق اللّه الذباب ؟ فقال الصادق عليه السّلام: ليذلّ به الجبابرة(1) فسكت المنصور علماً منه أنّه لو ردّ عليه لوخزه بما هو أمضّ جرحاً، وأنفذ طعناً. وكتب اليه المنصور مرّة: لِم لا تغشانا كما تغشانا الناس ؟ فأجابه الصادق عليه السّلام: «ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّيك، ولا تراها نقمة فنعزّيك، فما نصنع عندك» فكتب اليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه: «من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك» فقال المنصور: واللّه لقد ميز عندي منازل من يريد الدنيا ممّن يريد الآخرة، وانه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا(2). أقول: إِن المنصور ما أراد النصيحة لما يصلحه، ولو أراد صلاح نفسه
_______________
(1) نور الأبصار للشبلنجي: ص 141. (2) كشف الغمّة في أحوال الصادق عليه السلام عن تذكرة ابن حمدون: 2/208.
[ 116 ] لاعتزل الأمر لئلا يبوء بإثم هذه الاُمّة، ولكنه أراد أن يستصفي الصادق ويجعله من أتباعه، فيعلم الناس أنه الامام غير مدافع، وتنقطع الشيعة عن مراجعة الصادق، ويظهر لهم أنه تبع للمنصور، والامام لا يكون تبعاً لأرباب السلطان باختياره، والصادق لا يخفى عليه قصد المنصور. وكلمته هذه تعطينا درساً بليغاً عن مواقف الناس مع الملوك والاُمراء وعن منازل المتزلّفين اليهم، وكيف يجب أن تكون مواقف رجال الدين معهم. واستقدمه المنصور مرّة وهو غضبان عليه، فلمّا دخل عليه الصادق عليه السّلام، قال له: يا جعفر قد علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال لأبيك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: لولا أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ إِلا أخذوا من تراب قدميك يستشفون به، وقال علي عليه السّلام: يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: محبّ غال ومبغض مفرط، قال ذلك اعتذاراً منه أنه لا يرضى بما يقول فيه الغالي والمفرط، ولعمري أن عيسى بن مريم عليه السّلام لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لعذبه اللّه، ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان، وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديّان، زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس أنك حبر الدهر وناموسه، وحجّة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه وميزان قسطه، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة الى ضياء النور، وأن اللّه لا يقبل من عامل جهل حدّك في الدنيا عملاً، ولا يرفع له يوم القيامة وزناً، فنسبوك إِلى غير حدّك، وقالوا فيك ما ليس فيك، فقل فإن أوّل من قال الحقّ جدّك، وأوّل من صدقه عليه أبوك، وأنت حريّ أن تقتصّ آثارهما، وتسلك سبيلهما. فقال عليه السّلام: أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل بيت
[ 117 ] النبوّة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصبايح المشكاة التي فيها نور النور، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين الى يوم الحشر. فالتفت المنصور الى جلسائه فقال: هذا قد حالني على بحر مواج لا يدرك طرفه ولا يبلغ عمقه، تحار فيه العلماء، ويغرق فيه السبحاء(1) ويضيق بالسابح عرض الفضاء، هذا الشجى المعترض في حلوق الخلفاء، الَّذي لا يجوز نفيه، ولا يحلّ قتله، ولولا ما تجمعني وإِيّاه شجرة طاب أصلها وبسق فرعها، وعذب ثمرها، وبوركت في الذر، وقدّست في الزبر، لكان منّي ما لا يحمد في العواقب، لما يبلغني عنه من شدّة عيبه لنا وسوء القول فينا. فقال الصادق عليه السّلام: لا تقبل في ذي رحمك وأهل الرعاية من أهل بيتك قول من حرّم اللّه عليه الجنّة، وجعل مأواه النار، فإن النمّام شاهد زور، وشريك إبليس في الإغراء بين الناس فقد قال اللّه تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»(2) ونحن لك أنصار وأعوان، ولملكك دعائم وأركان، ما أمرت بالمعروف والاحسان، وأمضيت في الرعيّة أحكام القرآن، وأرغمت بطاعتك للّه أنف الشيطان، وإِن كان يجب عليك في سعة فهمك، وكثرة علمك، ومعرفتك بآداب اللّه أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، فإن المكافي ليس بالواصل، إِنما الواصل من إِذا قطعته رحمه وصلها، فصل رحمك يزد اللّه في عمرك، ويخفّف عنك الحساب يوم حشرك، فقال المنصور: قد صفحت عنك لقدرك، وتجاوزت عنك لصدقك، فحدّثني عن نفسك بحديث
_______________
(1) جمع سابح. (2) الحجرات: 6.
[ 118 ] أتعظ به ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات، فقال الصادق عليه السّلام: عليك بالحلم فإنه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة فإنك إِن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظاً، أو تداوى حقداً أو يحبّ أن يذكر بالصولة، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقّاً لم تكن غاية ماتوصف به إِلا العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر، فقال المنصور: وعظت فأحسنت، وقلت فأوجزت(1). أقول: إِن أمثال هذه المواقف تعطيك دروساً وافيه عمّا كان عليه أهل ذلك العصر من سياسة وعلم واعتقادها وغيرها، وهنا نستطيع أن نتعرّف عدّة اُمور: 1 - إِن المنصور يريد ألا يظهر الصادق بمظهر الامامة فحاول أن يخدعه أمام الناس بتلك الكلمات الليّنة، وهنا تعرف دهاء المنصور، لأن العبّاسيّين إِنما تربّعوا على الدست باسم الامامة والخلافة، فلو كان هناك إِمام آخر يرى شطر من الاُمّة أنه صاحب المنبر والتاج لا يتمّ لهم أمر، وهو يريد ألا يعارضه أحد في سلطانهم، فكان المنصور يدفع عن عرشه بالشدّة مرّة وباللين اُخرى فكان من سياسته أن جابه الصادق أمام ملأ من الناس بهذا القول وحسب أنّ الصادق سوف يبطل ما يقوله الناس فيه، وبه يحصل ما يريد، وهو يعلم أنّ الصادق لا يجبهه بالردّ، حذراً من سطوته. 2 - إِن الصادق إِمام بجعل إِلهي كما يرى ذلك ويراه الشيعة فيه، والامامة في أهل البيت وفي الصادق ليست وليدة عصر المنصور، وإِنما هي من عهد صاحب الرسالة، فالامام الصادق عليه السّلام وقع بين لحيي لهذم فإنه إِن
_______________
(1) بحار الأنوار: 47/168 في أحوال الصادق عليه السلام.
[ 119 ] جارى المنصور فقد أبطل إِمامة إِلهية، وإِن عارضه لا يأمن من شرّه، فمن ثمّ أجابه بكلمات مجملة لا تصرّح بالامامة ولا تبطل قول الناس فيه، ولذا قال المنصور «هذا قد حالني على بحر موّاج لا يدرك طرفه». 3 - إِن قول الشيعة في الامام من ذلك اليوم على ما هو عليه اليوم، وهذا ما تقتضيه اُصول المذهب، وتدلّ عليه أخبار أهل البيت وآثارهم. 4 - إِن سكوت الامام الصادق وعدم إِبطاله لأن يكون كما يقول الناس برهان على أن حقيقة الامامة كما يحكيها المنصور عن الناس، ولو كانت حقيقتها غير هذا لقال الصادق: إِن هذا الرأي والقول باطل، بل لوجب عليه إِعلام الناس ببطلانه وردعهم عن هذا المعتقد. 5 - إِن القائل بإمامة الصادق عليه السّلام خلق كثير من الناس، ممّا جعل المنصور يفكّر فيه ويخشى من اتساعه ومن عقباه، فحاول أن يتذرّع بالصادق لمكافحته. 6 - إِن المرء بأصغريه، فالامام الصادق لو لم تسبق الأخبار والآثار عن منزلته، لكان في مثل كلامه ومثل موقفه هذا دلالة على ما له من مقام، أتراه كيف حاد عن جواب المنصور بما حيّره، دون أن يصرّح بخلاف ما حكاه عن الشيعة، ودون أن يصرّح بصحّة ما يرون، وكيف وعيت ذلك البيان منه عن نفسه، ببليغ من القول، وجليل من المعنى، وكيف وعظ المنصور بما يوافق شأن الملوك، وما يتفق وابتلاءهم كثيراً ؟ وهذا بعض ما يمكن استنباطه من هذا الموقف وفهم حال الناس ذلك اليوم، وكفى به عن سواه. ودخل على المنصور في إِحدى جيئاته فاستقبله الربيع بالباب وقال له: يا أبا عبد اللّه ما أشدّ تلظّيه عليك لقد سمعته يقول: واللّه لا تركت له نخلاً إِلا
[ 120 ] عقرته، ولا مالاً إِلا نهبته، ولا ذرّية إِلا سبيتها، فلمّا دخل وسلّم وقعد قال له المنصور: أما واللّه لقد هممت ألا أترك لكم نخلاً إِلا عقرته، ولا مالاً إِلا أخذته، فقال له الصادق عليه السّلام: يا أمير المؤمنين إِن اللّه عزّ وجل ابتلى أيوب فصبر، وأعطى داود فشكر، وقدر(1) يوسف فغفر، وأنت من ذلك النسل ولا يأتي ذلك النسل إِلا بما يشبهه، فقال: صدقت قد عفوت عنكم، فقال الصادق: إِنه لم ينل أحد منّا أهل البيت دماً إِلا سلبه اللّه مُلكه، فغضب لذلك واستشاط، فقال: على رسلك إِن هذا المُلك كان في آل أبي سفيان فلمّا قتل يزيد حسيناً عليه السّلام سلبه اللّه مُلكه، فورثه آل مروان فلمّا قتل هشام زيداً سلبه اللّه ملكه فورثه مروان بن محمّد، فلمّا قتل مروان إبراهيم الامام سلبه اللّه مُلكه وأعطاكموه فقال: صدقت(2). أقول: إِن الصادق عليه السّلام ما اعتذر عن قوله الأول، وإنما جاء بالشواهد عليه، سوى إنه استعرض ذكر أخيه إِبراهيم ليكفّ بذلك شرّه. وللصادق عليه السّلام مواقف كثيرة على غرار ما ذكرناه اجتزينا عنها بما أوردناه. وكانت للصادق عليه السّلام مواقف مع بعض ولاة المنصور ورجاله تشبه مواقفه مع المنصور في الشدّة، جاء إِلى المدينة والياً من قبل المنصور بعد مقتل محمّد وإبراهيم رجل يقال له شيبة بن عفال، يقول عبد اللّه بن سليمان التميمي: فلمّا حضرت الجمعة صار الى مسجد الرسول صلّى اللّه عليه وآله فرقى المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإن عليّ بن أبي طالب شقّ عصا _______________ | |
|
قمرالواحة كبار الشخصياتvip
عدد المساهمات : 9221 نقاط : 12107 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 14/04/2010 العمر : 53
| موضوع: رد: موقف الامام الصادق مع المنصور الثلاثاء 15 يونيو 2010 - 16:38 | |
| | |
|
أحمد الهاشمي مدير عام
عدد المساهمات : 10896 نقاط : 13569 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 03/04/2010
| موضوع: رد: موقف الامام الصادق مع المنصور الأربعاء 16 يونيو 2010 - 0:14 | |
| الله الله الله هم الرجال وإلا فلا جزاكم الله خيراً سيدي لأسد بوركت يابن هاشم تحياتي | |
|