دخول السلاجقة بغداد حين شارف السلاجقة على العراق، كان أبو الحارث أرسلان
البساسيري، أحد قادة بني بويه الأتراك المتشيعين يسيطر على بغداد وما
جاورها، ويتمتع بنفوذ كبير لدرجة أنه أضحى يخطب له على المنابر في العراق
والأهواز، ولم يعد بإمكان أي من الخليفة العباسي أو الملك البويهي اتخاذ أي
قرار يتعلق بأمور الدولة إلا بعد موافقته، وقد شكل هذا القائد خطرًا
حقيقيًا على الخلافة العباسية والدولة البويهية.
أما خطره على الخلافة العباسية فقد تجلى في
عام 446هـ/ 1054م، حين نشب الخلاف بينه وبين الخليفة القائم مما دفعه
للاتجاه نحو الفاطميين، أما خطره على الدولة البويهية فقد تجلى في الخلاف
الذي نشأ بينه وبين الملك الرحيم البويهي مما هدد النفوذ البويهي في العراق
بعد ضياع أملاك البويهيين في إيران على يد السلاجقة.
في هذا الجو المضطرب استنجد الخليفة
بالسلطان السلجوقي طغرلبك طالبًا مساعدته ضد البساسيري، انتهز السلطان هذه
الفرصة، وسار بجيوشه إلى بغداد، ودخلها في عام 447هـ/ 1055م، واعترف
الخليفة به سلطانًا على جميع المناطق التي تحت يده وأمر بأن يذكر اسمه في
الخطبة، وهكذا دخل العراق ضمن دائرة نفوذ السلاجقة العظام
[1].
[1]السابق
نفسه ص239- 240.
العلاقة بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية أقام طغرلبك في بغداد ثلاثة عشر شهرًا، عمل في أثنائها على
تدعيم النفوذ السلجوقي في عاصمة الخلافة، وتوثيق صلة السلاجقة بالخليفة،
كما عملت الخلافة من جانبها، على تقوية الروابط بينها وبين هذه القوة
الجديدة، فتزوج القائم من أرسلان خاتون خديجة ابنة داوود جفري بك، أخ
طغرلبك وذلك في عام 448هـ/ 1051م، فتم بذلك التقارب بين البيتين العباسي
والسلجوقي، واستقر نفوذ السلاجقة في العراق
[1].
تمرد البساسيري: في غمرة هذه الانتصارات التي حققها طغرلبك،
قام البساسيري، من مقره الجديد – الرحبة – بعدة حركات ارتدادية عسكرية،
بهدف إخراج السلاجقة من بغداد.
فعلى الصعيد العسكري، نجح في الاستيلاء على
الموصل، بعد أن هزم السلاجقة قرب سنجار في عام 448هـ/ 1056م، وأخذ يستعد
لدخول بغداد، وعلى الصعيد السياسي أعلن انضمامه إلى الفاطميين وخطب للخليفة
الفاطمي الذي أرسل إليه الخلع، مما أحدث اضطرابات مذهبية عنيفة.
في هذا الوقت عانى طغرلبك من عدة صعوبات
داخلية، اضطرته للخروج من بغداد في عام 449هـ/ 1057م، وسار إلى الموصل لوضع
حد للمشاكل التي أثارها البساسيري ضده، فبسط نفوذه على ديار بكر، ثم عاد
إلى بغداد حيث استقبله الخليفة بالترحاب ولقبه (ملك المشرق والمغرب) ويدل
هذا التلقيب على أن هذا الخليفة، اعترف لطغرلبك بما أضحى تحت يده من البلاد
في المشرق، وأذن له باستخلاص المغرب من الفاطميين
[2].
ثورة إبراهيم اينال ثم حدث أن واجه طغرلبك مشكلة جديدة تمثلت
بتمرد قام به أخوه إبراهيم اينال في بلاد الجبل، فاضطر للخروج من بغداد مرة
أخرى لقمع هذا التمرد، فانتهز البساسيري ذلك، ودخل بغداد في شهر ذي القعدة
450هـ/ 1058م، وخطب فيها للخليفة الفاطمي مدة عام كامل، وخرج الخليفة منها
إلى عانة- بلد مشهور بين الرقة وهيث من أعمال الجزيرة - ملتجئا إلى قريش
بن بدران، وأخذ يراسل طغرلبك يستغيث به.
عودة طغرلبك إلى بغداد ويبدو أن الخلافة الفاطمية، لم تكن تملك
القوة الكافية لإمداد البساسيري حتى تحتفظ بما وصلت إليه، كما يبدو أن
ثقتها في هذا الرجل لم تكن كبيرة لذلك لم تتحرك للقيام بعمل جدي وتركته
يواجه الموقف منفردًا أمام قوة السلطان الذي ما لبث أن عاد إلى العراق، بعد
أن فرغ من إخماد تمرد أخيه، وأضطر البساسيري إلى الخروج من بغداد لعدم
قدرته على الوقوف في وجه الجيش السلجوقي، ومن ثم قتل في عام 451هـ/ 1059م.
وبعد أن دخل طغرلبك بغداد دعا الخليفة
للعودة إلى عاصمته واستقبله في النهروان، وأبدى اغتباطه بعودته، وبذلك
استتب الأمر للسلاجقة في العراق وأصبحوا يمثلون ظاهرة جديدة في حياة دولة
الخلافة العباسية، فقد اختلف موقفهم تجاه الخلافة عن موقف البويهيين بشكل
عام فكانوا يحترمون الخلفاء تدينًا ينبع من عقيدتهم ونشأتهم السنية.
ومن جهة أخرى استطاع السلاجقة أن يوحدوا
المشرق الإسلامي من جديد تحت رايتهم ويمدوا رقعته في غربي آسيا إلى حدود
البوسفور عن طريق جهاد الدولة البيزنطية، ويستولوا على معظم بلاد الشام من
الفاطميين.
ظلت العلاقة الطيبة قائمة بين الخلافة
العباسية والسلطنة السلجوقية ما يقارب ثمانية عشر عامًا منذ أن أعلن طغرلبك
قيام دولته في خراسان، خصوصًا أنهم كانوا يحترمون الخلافة العباسية
ويقدرونها.
لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين، بسبب
محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق، حتى تلك المتعلقة
بالخليفة، بالإضافة إلا أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة
السلجوقية، فقد أناب عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري،
موظفًا سلجوقيًا أطلق عليه اسم (العميد) كما عين موظفًا آخر لحفظ الأمن
يعرف بـ ( الشحنة ) يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة، وترك
في بغداد حامية عسكرية، وضمن بعض المدن لخواصه
[3].
ومما زاد الأمور تفاقمًا، محاولة السلطان
ربط البيتين العباسي والسلجوقي بالمصاهرة، فخطب ابنة الخليفة متجاوزًا بذلك
تقاليد الخلافة العباسية، وهذا مطمح لم يسع إليه أحد من قبل، ويبدو أن
إقدامه على هذه الخطوة، كان وسيلة لتدعيم نفوذه السياسي برابطة أدبية قوية
مع الخلافة العباسية، لكن الراجح أن السلاجقة طمعوا في منصب الخلافة، إلا
أنهم افتقروا إلى شروط النسب باعتبارهم أعاجم، وهدى التفكير طغرلبك إلى
الزواج من ابنة الخليفة أملاً في أن يلد منها ولدًا يكون له من شرعية النسب
وقوة السلاجقة ما يوصله إلى سدة الخلافة.
كانت ردة الفعل سلبية، فقد انزعج الخليفة
القائم من ذلك واستعفى السلطان فلم يعفه، واضطر إلى قبول طلبه وزوجه ابنته
في عام 455هـ/ 1063م
[4].
وفاته:
وتوفى السلطان طغرلبك رمضان 455هـ / 10 سبتمبر 1063م
[1]السابق
نفسه ص240
[2]د/
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص240 -241.
[3]د/
محمد سهيل طقوش: تاريخ الدولة العباسية ص241-242.
[4] السابق
نفسه ص243.
آلب أرسلان ( محمد ) الأسد الشجاعخلف طغرلبك وكان "عادلاً حسن السيرة كريمًا رحيمًا شفوقًا
على الرعية رفيقًا على الفقراء، بارًا بأهله وبأصحابه ومماليكه كثير الدعاء
بدوام ما أنعم به عليه، كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف
دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادره بل يقنع من الرعايا بالخراج في
قسطين رفقًا بهم"
[1].
وزيره نظام الملك: أعتمد عليه ألب
أرسلان في الوزارة وكان عالمًا عادلاً حليمًا كثير العفو وكان مجلسه حافلاً
بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، وقد أشتهر ببناء المدارس في
البلاد وخصص لها الكثير من النفقات
[2].
"وكان وزير صدق يكرم العلماء والفقراء،
ولما عصى الملك شهاب الدولة قتلمش وخرج عن الطاعة، وطمع في أخذ الملك من
ألب أرسلان وكان من بني عم طغرلبك، فجمع وحشد واحتفل له ألب أرسلان فقال له
الوزير: أيها الملك لا تخف، فإني قد استخدمت لك جندًا ليليًا يدعون لك
وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم، وهم العلماء والصلحاء، فطابت نفسه
بذلك"
[3].
- المدارس النظامية وقال بعض المؤرخون أنها أنشئت في عهد نظام
الملك وقال البعض الأخر أنها أنشئت قبل ذلك بكثير، المهم أن هذه المدارس
قامت بدورًا هامًا في تاريخ السلاجقة حيث عملت هذه المدارس على إعداد
الإنسان الصالح، والمصلح لغيره وأعتبر هذا الهدف مهمًا لبناء الأمة الصالحة
[4].
وكان عهد ألب أرسلان رغم قصره ( 455/465هـ ) حافلاً بجلائل
الأعمال، ففي السنة الأولى من حكمه أخضع ختلان وهراة وصغانيان في الشمال
الشرقي، وكان أًصحابها قد شقوا عصا الطاعة، ورد البيزنطيين في أسيا الصغرى
على أعقابهم بعد أن فتح كثيرًا من قلاعهم وغنم غنائم لا تحصى وأسلم كثير من
أهل هذه البلاد، وقد أشترك ملكشاه بن ألب أرسلان والوزير نظام الملك في
هذه الحروب سنة 456هـ، وبعد قليل أخضع ألب أرسلان جند حيث دفن جده الأكبر
سلجوق مما جعل لها أهمية خاصة في نظره، وقمع الثورة التي قامت في فارس
وكرمان، وفي سنة 457هـ أخذ في بناء المدرسة النظامية ببغداد، وفي السنة
التالية ولى عهده ابنه ملكشاه، فبايعه أمراء دولته، وذكر اسمه في الخطبة في
جميع البلاد التي دانت لسلطانه، وأقطع بلاده أفراد البيت السلجوقي.
كذلك أقطع ألب أرسلان من بلاد خصومة
الفاطميين حلب ومكة والمدينة، وأقيمت الخطبة بحلب للخليفة العباسي القائم
وللسلطان ألب أرسلان
[5].
[1]ابن
كثير:البداية والنهاية 16/39.
[2] حسن
إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام 4/ 34.
[3]ابن
كثير: البداية والنهاية 15/793.
[4]د/
علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص283.
[5]حسن
إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام 4/ 26.