الحلقة ( 5 ) قصة الأعمى والأقرع
والأبرص
قصة الأعمى والأقرع
والأبرص
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ:
إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ:
أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ أَنْ
يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى
الْأَبْرَصَ،
فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ
حَسَنٌ
وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ
فَذَهَبَ
عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ:
أَيُّ
الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ،
هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قَالَ
أَحَدُهُمَا:
الْإِبِلُ، وَقَالَ الْآخَرُ: الْبَقَرُ؛ فَأُعْطِيَ نَاقَةً
عُشَرَاءَ،
فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ:
أَيُّ
شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي
هَذَا
قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ
شَعَرًا
حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ:
الْبَقَرُ.
قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ
فِيهَا، وَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ:
يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ:
فَمَسَحَهُ
فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ
أَحَبُّ
إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا،
فَأُنْتِجَ
هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ،
وَلِهَذَا
وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ
أَتَى
الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ،
تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا
بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ
الْحَسَنَ
وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا؛ أَتَبَلَّغُ
عَلَيْهِ فِي
سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ
لَهُ:
كَأَنِّي أَعْرِفُكَ؛ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ،
فَقِيرًا
فَأَعْطَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ
كَابِرٍ،
فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا
كُنْتَ،
وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ
مِثْلَ
مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ
هَذَا،
فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا
كُنْتَ،
وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ،
وَابْنُ
سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا
بَلَاغَ
الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي
رَدَّ
عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ:
قَدْ
كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ
أَغْنَانِي،
فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ
بِشَيْءٍ
أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا
ابْتُلِيتُمْ
فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ(1).
شرح المفردات(2):
(بَدَا لِلَّهِ):
بِتَخْفِيفِ الدَّال
الْمُهْمَلَة بِغَيْرِ هَمْز، أَي: سَبَقَ فِي
عِلْم اللَّه فَأَرَادَ
إِظْهَاره، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ
لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ
خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقّ اللَّه
تَعَالَى.
(قَذِرَنِي النَّاس): بِفَتْحِ الْقَاف
وَالذَّال
الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة أَي: اشمَأَزُّوا مِنْ رُؤْيَتِي.
(فَمَسَحَهُ):
أَي: مَسَحَ عَلَى جِسْمه.
(فَأُعْطِيَ
نَاقَة عُشَرَاء):
أَي: الَّذِي تَمَنَّى الْإِبِل،
وَالْعُشَرَاء بِضَمِّ الْعَيْن
الْمُهْمَلَة وَفَتْح الشِّين الْمُعْجَمَة
مَعَ الْمَدّ هِيَ
الْحَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلهَا
عَشْرَة أَشْهُر مِنْ
يَوْم طَرَقَهَا الْفَحْل، وَقِيلَ: يُقَال لَهَا
ذَلِكَ إِلَى أَنْ
تَلِد وَبَعْدَمَا تَضَع، وَهِيَ مِنْ أَنْفَس الْمَال.
(فَمَسَحَهُ):
أي: مَسَحَ عَلَى عَيْنَيْهِ.
(شَاة وَالِدًا):
أي: ذَات وَلَد،
وَيُقَال: حَامِل.
(فَأَنْتَجَ
هَذَانِ): أي: صَاحِب الْإِبِل
وَالْبَقَر.
(وَوَلَّدَ
هَذَا): أي: صَاحِب الشَّاة،
وَهُوَ بِتَشْدِيدِ
اللَّام.
(ثُمَّ
إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَص فِي صُورَته):
أي: فِي الصُّورَة
الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ
وَهُوَ أَبْرَص؛ لِيَكُونَ
ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِقَامَة الْحُجَّة
عَلَيْهِ.
(تَقَطَّعَتْ بِهِ الْحِبَال فِي سَفَره):
الحِبَال
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة بَعْدهَا مُوَحَّدَة خَفِيفَة جَمْع حَبْل،
أَي: الأسْبَاب الَّتِي يَقْطَعُهَا فِي طَلَب الرِّزْق، وَقِيلَ:
الْعَقَبَات،
وَقِيلَ: الْحَبْل؛ هُوَ الْمُسْتَطِيل مِن الرَّمْل.
(رَجُل
مِسْكِين): قال ابن التِّين: قَوْل
الْمَلَك لَهُ "
رَجُل مِسْكِين إِلَخ " أَرَادَ أَنَّك كُنْت هَكَذَا،
وَهُوَ مِن
الْمَعَارِيض، وَالْمُرَاد بِهِ ضَرْب الْمَثَل لِيَتَيَقَّظ
الْمُخَاطَب.
(أَتَبَلَّغ عَلَيْهِ): بِالْغَيْن
الْمُعْجَمَة
مِن الْبُلْغَة، وَهِيَ الْكِفَايَة. وَالْمَعْنَى:
أَتَوَصَّل بِهِ
إِلَى مُرَادِي.
(لَقَدْ وَرِثْت لِكَابِرِ عَنْ كَابِر):
فِي
رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " كَابِرًا
عَنْ
كَابِر " وَفِي رِوَايَة شَيْبَانَ " إِنَّمَا وَرِثْت هَذَا الْمَال كَابِرًا عَنْ كَابِر
" أي: كَبِير عَنْ كَبِير فِي الْعِزّ وَالشَّرَف.
(فَقَالَ: إِنْ
كُنْت كَاذِبًا فَصَيَّرَك اللَّهُ)
أَوْرَدَهُ
بِلَفْظِ الْفِعْل الْمَاضِي لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَة
فِي
الدُّعَاء عَلَيْهِ.
(لَا أَجْهَدُك الْيَوْم بِشَيْء أَخَذْتَهُ لِلَّهِ)
وَالْمَعْنَى: لَا أَحْمَدك عَلَى تَرْك شَيْء تَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ
مَالِي،
كَمَا قَالَ الشَّاعِر وَلَيْسَ عَلَى طُول الْحَيَاة تَنَدُّم،
أي:
فَوْت طُول الْحَيَاة، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأَكْثَر رِوَايَات
مُسْلِم
" لَا أُجْهِدك "
بِالْجِيمِ
وَالْهَاء، أي: لَا أَشُقّ عَلَيْك فِي رَدّ شَيْء تَطْلُبهُ
مِنِّي
أَوْ تَأْخُذهُ.
(فَإِنَّمَا
ابْتُلِيتُمْ): أي:
اُمْتُحِنْتُمْ.
الهوامش:
(1)
صحيح البخاري، برقم: (3464)، وصحيح مسلم، ح: (
2964).
(2) ينظر:
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر
العسقلاني، 6/ 502-503.