أحمد ودرس النمل منى يونس
كان يا ما كان.. كان فيه زمان زمان، في
بلاد ليست منا ببعيدة. كان هناك عدد من الأولاد يحبون لعب الكرة، كانوا يلعبون
الكرة طوال النهار، في كل صباح ينادي الأصدقاء بعضهم بعضًا ليبدءوا لعب الكرة.
وفي
يوم من الأيام بينما يلعب الأولاد في الساحة الكبيرة التي تتوسط البلدة الصغيرة،
ألقى أحمد الكرة في وجه صديقه حسن دونما أن يقصد إيذاء صديقه، إلا أن حسن صرخ وبكى
بصوت عالٍ، وبدأ التشاجر، انضم حسين، وعماد، وعمر، وعلي إلى صف حسن بينما وقف حسام
ورامي وسمير وسعد إلى صف أحمد، فانقلب الوضع من فريقين يلعبان الكرة إلى فريقين
يرمي بعضهم بعضًا بالحجارة، يتشاجرون ويتشاحنون يسب بعضهم بعضًا، أصبح الكل يرى أن
إيذاء الآخر هو الهدف الذي يبغيه.
رأى
الأهالي هذا المنظر، فانضم الآباء إلى صف أبنائهم، وعمت الفرقة والمشاحنات صفوف
الكبار، فدبَّ الخلاف والخصام بين أهالي البلدة الصغيرة.
ظلوا
على وضعهم هذا أيامًا وليالي، لا يكلم بعضهم بعضًا، إذا مرض أحدهم لا يزوره
جيرانه، إذا جاء العيد لا يهنِّئ بعضهم بعضًا.
وفجأة،
وفي ليلة من الليالي، استيقظ أهل البلدة على أصوات عجيبة غريبة، الأصوات تقترب
وتقترب. نظر الآباء، والأمهات ومن ورائهم الأطفال من وراء النوافذ، وإذا بهم يرون
عصابة قوامها 20 شخصًا يقتحمون البلدة، يحطمون نوافذ المحلات ويسرقون ما بها،
ويقتحمون الأسواق ويأخذون كل ما فيها من خيرات. وقبل أن يولوا خارجين من البلدة
راجعين من حيث أتوا، نادوا بأعلى صوتهم بحيث سمعهم كل الأهالي: "سوف نرجع
لنسرق وننهب بعد شهر، موعدنا عندما يكتمل القمر بدرًا بعد شهر تمامًا".
بات
أهل البلدة في حزن شديد وفي ضيق؛ بسبب ما أصابهم من الخسارة، سوف يحتاجون إلى جهد
كبير لإعادة إصلاح ما انكسر، ولإعادة الأمور كما كانت من قبل. في الصباح جلس أحمد
على عتبة البيت يتذكر الليلة المشئومة، ويفكر ماذا يا ترى سيحدث بعد شهر عندما
يرجعون ويعيدون هجومهم على البلدة.
وبينما
هو جالس شارد الذهن حزين، ناظر إلى الأرض، رأى جمعًا من النمل يعاون بعضه بعضًا،
يحمل كل منهم حبة في حجم الذرة، ويدخلها إلى الجحر تحت عتبة البيت، الكل متعاون،
الكل نشيط، الكل مترابط. هذه نملة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، ولكنها بسبب هذا
الترابط والتعاون تستطيع أن تصمد أمام كثير من المخاطر، يواجهون خطر قلة الزاد في
الشتاء بتخزين المواد الغذائية التي تكفيهم في الصيف، إنه بالنسبة للنمل الصغير
الحجم عمل كبير، ولكن بالتعاون والترابط يستطيعون مواجهة المخاطر.
لماذا
لا نكون كالنمل المتعاون المترابط؟ سأل أحمد نفسه، لماذا؟ ما الذي ينقصنا؟ فلو
تعاونّا ووقفنا جميعًا أمام تلك العصابة التي لا تزيد على 20 شخصًا لاستطعنا
القضاء عليهم وعلى خطرهم، ولكن كيف يمكن مصالحة البلدة المتخاصمة؟! فكر أحمد وفكر
وفكر ثم قام من مكانه متهللاً، نعم بالعفو والتسامح. فجرى أحمد إلى بيت حسن، وكلمه
بكلمات رقيقة بسيطة، فعادت روح المحبة لتدب مرة أخرى في قلب حسن، فتصالحا وتصالح
الفريقان وتصالح من بعدهم الكبار.
بدأ
أحمد وحسن وأصدقاؤهما في بناء حائط كبير حول المدينة، ساعدهم في ذلك كل الأهالي
كبارًا وصغارًا، الكل متعاون، الكل يشارك في العمل في الدفاع عن المدينة.
وعندما
مر الشهر وعادت العصابة كان البناء قد اكتمل والتحصينات قد شُيِّدت، من ورائها
رجال متصافون كالبنيان المرصوص للدفاع عن البلدة، فرجعت العصابة عندما رأت هذا
المنظر فلم يجرؤ أحد من أفراد العصابة على مواجهة البلدة الشجاعة الباسلة
المتعاونة الموحدة.
وعندما
كبر أحمد وصار له أولاد أراد أن يعلمهم معنى التعاون والاتحاد؛ فحكى لهم ما حدث
حينما كان في سنِّهم، وعلمهم حديث الرسول : "المسلم للمسلم
كالبنيان"، وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103