واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمود أسد
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
محمود أسد


عدد المساهمات : 188
نقاط : 566
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 18/08/2010
العمر : 73

قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر   قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Icon_minitimeالجمعة 20 أغسطس 2010 - 8:14

أحزاني تُعْلنُ العصيان محمود أسد


نعم , ياصديقي؛
سأحرقُ حزني ,
وأنوي المسيرْ.
القدس بؤرة الإشعاع
في الشعر العربي السوري المعاصر
محمود أسد –سوريا-حلب-12522

للقدس مكانة مقدسة لدى الديانات السماوية، ولها مركز البوح، وتمركز الأرواح. تحظى بالقدسية التي ما زالت تحافظ عليها لدى المسيحيين والمسلمين، وقد دافعوا عنها عبر العصور، وصانوا مقدساتها وكرامتها ووقفوا في وجه غزوات المغول والتتر والصليبيين والصهاينة الذين يعبثون بها وبمقدساتها، وفي القرون الماضية هُيّيء لها رجال مخلصون أعادوا لها وجهها وحريتها كصلاح الدين الأيوبي والزنكي ونور الدين محمود.
القدس في العصر الحديث تعرضت لوحشية الصهاينة الذين يحاولون بكل أساليبهم وأدواتهم طمس هويتها العربية والإسلامية، فأحرقوا المسجد الأقصى وحفروا الأنفاق تحت المسجد الأقصى، ونكّلوا بما تبقى فيها من آثار بناها الأمويون والعباسيون والطولونيون والفاطميون والأيوبيون والعثمانيون.
ولما تزلْ عرضة لسوء نواياهم وتخطيطهم على مرأى من العالم والعرب ... فالصهاينة راحوا يتطاولون على مقدساتها وآثارها دون رادع أخلاقي أو ديني أو قانوني، فبكاها الرجال والنساء والأطفال، واقترب من همها الشعراء العرب على مختلف انتماءاتهم وتياراتهم الأدبية، فكانت تفجعهم، فيؤلمهم سوء حالها ومآسيها، فذرفوا الدموع، وكشفوا الخطر، ودعوا إلى نصرتها، وأبانوا للعالم معاناتها من الاضطهاد والخراب، واستنجدوا بالرجال وحرضوهم للدفاع عنها، وقد خصها الشعراء بقصائد منفردة، أو ذكروها في معرض قصائد المناسبات وأطلق بعضهم عنوان دواوينهم للقدس، وهذه القصائد الكثيرة التي يصعب حصرها، وتضيق عنها ساحات الورق المعدة للكتابة، ولكنها على مختلف مدارسها الفنية وأشكالها تعكس مدى التحام الشاعر العربي الحديث مع هذه القضية المصيرية التي تشكل ركيزة من ركائز اهتمام الشعر العربي رغم جناية وتجنّي بعض الشعراء عليه، بخروجهم عن النص وتناسيهم القدس بعد التفاتهم إلى نزواتهم الخاصة وتنظيرات الشعر المحدثة.
في القدس ما يدفعنا للتعاطف والتلاحم ومن ثم المناصرة على مستوى الهوية القومية أو العقيدة ولذلك واقع القدس واقع مصيري، يمسّ شخصية الجميع إلا الذين انتابتهم حمى المروق. والحديث عن القدس مرتبط ارتباطا وثيقا بفلسطين الأم والجوهر والدرة الثمينة ... وجلّ القصائد التي قيلت في القدس أو توقفت عندها سريعا مزجت بالدموع والألم والحسرة والأنين، فهي صرخات ألم يغيب عنها مسرح السرور والبهجة، لأنَّ شريطها الزمني يحكي سيرورتها الدائمة مع المآسي والآلام فلا عجب إن طغت الدموع والأنات واعتلى القصائدَ الصوتُ المباشر الذي يقرّر، وخاصة قصائد الشعر العمودي التي تفاوتت مستوياتها وإلى جانبها قصائد التفعيلة التي مالت إلى الإيحاء والهمس مبتعدة عن المباشرة لحد معين .. هذه أحكام عامة تحتاج إلى شواهد تثبت صحة الأحكام وتكشف معارجها وزواياها الحانية.
إن اقتصار المقالة على الشعر السوري المعاصر لغزارة النتاج وتنوعه، ولصعوبة التصنيف والإيفاء بكل جوانبه. ولأن سوريا تعتبر فلسطين في مركز القلب، وقضيتها عبر التاريخ قضية مصيرية لا جدال فيها، واقتران القدس بدمشق مرهون بالانتماء القومي الذي يزكو في ربوع الشام ويتـنامى ولذلك خصها شعراء الشام وتحديدا سوريا ولبنان بالكثير من قصائدهم، ومازالت في مركز الاهتمام المصيري الرسمي والشعبي، للقدس مركزية لا تضاهيها سوى مكة، فلا عجب من غزارة القصائد التي لامست قدس الأقداس حبّا وتقديرا وارتباطا لا انفصام فيه وأسعفتني المجلات الأدبية والثقافية والدواوين المنشورة والكتب الأدبية والدراسات بالكثير مما قيل عن القدس ومعالمها وما انتابها، واكتفيت بالشعر المعاصر لتسهيل بسط البحث وهناك أبحاث مكملة للدراسة فالشاعر بدوي الجبل اقترب من جوهر القضية الفلسطينية فكان على مسافة قريبة من العقل والعاطفة في ملامسة القضية وكان كغيره يستغل كل مناسبة هامة ليتوقف عند القدس :
في قصيدته / يا وحشة الثأر / الديوان ص 128 دار العودة وقالها في حفل تتويج الملك الفيصل الثاني :
دم بتونس لـــــــم يُثأَرْ له، ودم
وما لمحت سياط الظلم دامية
بالقدس – هان على الأيام – لاهانا
إلا عرفت عليها لحلم أسرانا

ومع حلول النكبة يعري بدوي الجبل الواقع العربي وممارسات الغرب في أسواق النخاسة : فيقول ص 32 :
أَسْلَمَ القدس من يحج إلى القدس
مدن القدس كالعذارى سبوهـــا
غيرة الله، أين قومي، وعهــــــدي
ويتلو الإنجيل وِرْدا فــــوردا
وأرادوا لكل عذراء وغدا
بهمُ ينهدون للشر نهـــــــــدا

بدوي الجبل يوظف لغته الجزلة، وصياغته المتينة في تأجيج المشاعر وتحريك النخوة التي استسلمت للنوم واليأس فيقول ص 80 :
يا سامر الحي هل تعنيك شكوانا
هل في الشام و في القدس والدة
ق قل للألى استعبدوا الدنيا بسيفهمُ

رقّ الحديدُ و ما رقّوا لبلوانا
لا تشتكي الثكل إعوالاً و إرنانا
مــــــن قسم الناس أحرارا وعبدانا


ربط الشاعر بين دمشق ( الشام ) والقدس لأنه يعتبر المصاب والآلام واحدة ولذلك بقي مهموما وفي نفسه غصّة بعد جلاء الإفرنسيين عن سوريا، فلم تكتمل فرحته فيقول في قصيدته ( عيد الجلاء ) ص 94 :

يا فلسطين هوى مستعر
تمّ صفُو الدهر لولا محنة
يا ربى القدس، وما أندى الربى
انتزعنا الملك من غاصبه

من ربى الشام

في فلسطين، وبلوى وشقاء
دمنا فيها ربيع و نماء
وكتبنا بالدم الغمر الجلاء

ولا يخفي الشاعر بدوي الجبل ألمه لما آل إليه أمر القدس ومقدساتها فيذكر العرب والمسلمين بمقدساتها وينسبها إلى تخاذلهم ص 96 :

هــــــــل درتْ عدْنُ أنّ مسجدها
أين مسرى البــــــــراق والقدس
لم يُـــــــرتّلْ قرآن أحمد فيه
أين آي الإنجيل ؟ فـــــــاح من
يالذلِّ الإسلام، والقدسُ نهب



الأقصى مكان من أهله مهجور
والمهد وبيت مقدّس معمور
ويزار المبكى ويتلى الزبور
الإنجيل عطر وضوء الكون نور
هُتكتْ أرضه فأين الغيور

وكذلك كان حال الشاعر عمر يحيى الذي ابتهج بالجلاء ولكنه لم يرض إلا بتحرير فلسطين والقدس فيقول في قصيدته / الجلاء / الديوان / منشورات وزارة الثقافة 1980 ومطلعها ص 3 :

شُقَّ جيب الليل عن بيض الأماني



فاخفقي يا رايتي بين المغاني

ثم يقول متأثراً ومذكراً:

يا فلسطين بما يرضى العلى
لك في كل فؤاد خفقة
شرف الأقصى نمانا مجــــده
لا تقولي : نام عنّي فتيتـــــــي




سوف نرضيك، وما يرضي التفاني
وعيــــــون يعربيّات رواني
وقلوب باديات العنفوان
إن من نام عن الضيم لَوانِ


يرى الشعراء في القدس حسنَ الانتماء وحسنَ العبادة، ولذلك خصوها بالحب الصافي ولم يتوانوا عن ذكرها في كل مناسبة، فقد حضرت في كل مناسباتهم وقدموها مقدسة مباركة لها تاريخها ودورها وقدسيتها فالشاعر عمر يحيى في ديوانه وفي حفل تكريمه الذي جرى بمدينته حماه يقول في قصيدته / ذكريات بحماه / ص 53 :

أين مني مغنى أويت إليه
أين مني الأقصى ودار صلاح
ستعودين يا فلسطين مهــــــــما



أرشف العلم والزمانُ زمانُــــــــه
دين درسا ؟ وأين منّى مكانه ؟
أبرق السقط، أو نما طغيانــــه


حمل الشعراء في سوريا همَّ القضية كما حملها الثوار الذين ناضلوا واستشهدوا كسعيد العاص وعز الدين القسام وذهب الكثيرون منهم إلى جيش الإنقاذ كالأديب الراحل عبد السلام العجيلي. وقد حضرت القدس مرارا في قصائد عمر أبو ريشة، وكان حضورها لافتا ومؤثرا فيقول في قصيدة / قيود / وفي ذكرى رحيل المجاهد إبراهيم هنانو، والديوان منشورات دار العودة / المجلد الأول / ومطلعها ص 522 :


وطن عليه من الزمان وقار


النور ملء شعابه والنار

ثم يقول متألما وعارضا شريط المآسي :

أقسى جراح المجد جرح لم تكن
والقدس ما للقدس يخترق الـــدما
أيُّ العصور هوى عليـــــه وليس في
عهد الصليبيين لم يبرح له



تقوى على تضميده الأحرار
و شراعه الآثام و الأوزارا
جنبيه من أنيابه آثار
في مسمع الدنيا صدى دوّار

في حنايا القصيدة وغيرها بوح موجع، ونجوى موجعة وذكريات أليمة وأبر موخزة ، فيقول في قصيدة ( هذه أمتي ) ص 516 :

وسلوا القدس هل غفا الشرق عنها
أيْ فلسطين، يا ابتسامــــــة عيسى
يا تثنيّ البراق في ليلة الإسراء
لا تنامي خضيبة الحلم خوفا
إنَّ للبيت ربّه ، فدعيه
أو طوى دونها شبا مرانه
لجراح الأذى على جثمانه
والوحي ممسك بعنانه
من غريب الحمى ومن أعوانه
رُبَّ حاو رداه في ثعبانه

وكذلك في حفل تأبين المجاهد الوطني سعد الله الجابري يذكر فلسطين والقدس ص 450 :

أي فلسطين، ما العروبة لولا

قبس من سنا النبوة هاد


وينضم الشاعر عمر أبو ريشة إلى قافلة الشعراء الذين فرحوا لجلاء المستعمر الفرنسي، ولكن فرحتهم لم تكتمل لأن فلسطين تعاني من الإنكليز والصهاينة فيقول في قصيدة / عروس المجد / ص 437 :

ما بلغنا بعد من أحلامنا
أين في القدس ضلوع غضّة
يا روابي القدس، يا مجلى السنا
دون عليائك في الرحب المدى

ذلك الحلم الكريم الذهبي
لم تلامسها ذنابي عقرب ؟

يا رؤى عيسى على جفن النبي
صهلة الخيل ووهج القضب

هذا الإحساس النبيل أنتج قصائد ترفل بالحب والإخلاص للقضايا القومية وفي مقدمتها فلسطين ، فأبو ريشة في قصيدته / يا عيد / يبدي تفاؤله بالعيد الكبير عيد التحرير ص 93 :

يا عيد ما افتّر ثغر المجد، يا عيد
يا عيد، كم في روابي القدس من كبد
سينجلي ليلنا عن فجر معترك


فكيف تلقاك بالبشرى الزغاريد
لها على الرفرف العلويِّ تعييد
ونحن في فمه المشبوب تغريد


ولذلك لا غرابة إن سمعنا نداء قاسيا وتنديدا يطرق العقول والآذان، فيقول في قصيدة ( هكذا ) وهي معروفة ص 7:

بدوي أورق الصخر له
فإذا النخوة والكبر علــــــى
والبطولات على غربتها
هكذا تُقتَحمُ القدس على


وجرى بالسلسبيل البلقـــــــع
نزف الأيام جرح موجع
في مغانينا، جياع خشَّعُ
غاصبيها .. هكذا تُستَرجعُ

فالشاعر لا يتوانى عن السخرية المقرعة، ولا يقصّر بإبداء غضبه واستنكاره، فيقول في قصيدة / حماة الضيم / ص14 :

عاتبته و نسيت طيب نجاره
المجد يخجل أن يجيل الطرف في
هل في روابي القدس كهف عبــادة
خشب الصليب على الرمال مخضّب


وأبيت أن تصغي إلى أعــــذاره
ما هدَّمَ الجبناء مـــن أســــواره
تحنو جوانبه على أحباره
بدماء من نعموا بطيب جواره

وما زلت أتساءل : أين صوت أبي ريشة في حرق المسجد الأقصى وتهديمه والمجازر وقد كان على قيد الحياة، فهل كتب ولم ينشر ذلك، أم أنه فضل الصمت والتزم الوحدة التي آل إليها في آخر حياته، فأغلب قصائده التي ذكر فيها القدس وفلسطين تنتسب إلى مرحلة الشباب وهي مجرد إشارة واستفسار.
وفي ديوان / نوح العندليب / للشاعر شفيق جبري ذِكرٌ ووقفة عند فلسطين والقدس، وقد ورد ذلك في قصيدة
( بطولات العرب ) والتي ألقاها في مهرجان الشعر العربي الأول دمشق / 16 / أيار / 1959 / وجاءت في ديوانه ص 87 :

يا دامي الجرح لا جرح ولا ألم
امسح دموعك إن ماجت موائجها


الجرح بعد انتفاض العرب ملتئم
فكل ثغر على الأيام مبتســـــم

ثم يتساءل تساؤل المستنكر ما يجري للقدس :

فهل تظل سفوح القدس ضائعة
إذا ضحكنا فما في جدهم ضحك
سيندم العرب إن طال الشقاق بهم

فأين ما سلبوا منها وما غنمــــوا
وإن عبثنا بهم فالعابثون هم
وليس ينفع عض الكف والندم

فالشاعر وضع يده على الجرح الدامي لأمتنا وهو جرح الخلافات والتمزق الذي سينهك الأمة ويضعفها ولشفيق جبري قصيدة بعنوان / تحية القدس / وقد قيلت في إذاعة القدس ووردت في الديوان المذكور / نوح العندليب / ص96 :

خاطرٌ مصبح وآخر مُمسِ
ما نسيت العهود منهم، ولكن
يا نسيم الضحى على المسجد الأقــ
ليس لي حاضر يقيني حماه

ذكَّراني السيوف مـــــن عبد شمس
موجة الدهر بالشدائد تنسي
ـصى لقد هجت ذكرهم ملء نفسي
إنما حاضري نضارة أمسي


فالشاعر يمر بحالة إحباط ويأس من الحاضر ولا يجد علاجا أو بصيص نور إلا بربط الماضي مع الحاضر ليكون داعما للغد المأمول.
وهذا الشاعر سليمان العيسى الذي شغله الواقع العربي وما فيه ولكنه بقي متمسكا بمبادئه ومتماسكا أمام قسوة الواقع والمعاناة، فاستعان بالأمل والتفاؤل والإيمان بقدرة الأمة العربية على تجاوز محنها وما أكثر القصائد التي يتوقف فيها عند الهم القومي وتحديدا فلسطين، في قصيدة / نحن والعيد / الواردة في ديوان / مع الفجر / في المجموعة الكاملة من المجلد الأول ص 133، لا يستطيع أن يحلق بأجنحة الفرح والقدس أسيرة :
أي عيد أتلقاه وأغدو
مرحا أزهو على الكون وأشدو
وبلادي ألف جرح يستبدّ
وثرى القدس دم ما جف بعد
أي عيد أتلقاه رغيد
وعدوّي مُديةٌ فوق وريدي

وترتفع آهات الشاعر وألمه عاليا لتعبِّر عن غضبه وثورته فيسكب موجا من الغضب والتقريع فيقول في قصيدة عدنان المالكي بعد عام على مصرعه وفي ديوان رمال عطشى. المجموعة ص 391 :
أمسٍِِ، والشارع في القدس خضيب بالدماء
لحت ومضا يتحدى الموت في عيني رجاء
(رجاء حسين الشهيدة )
وأرنّتْ ضحكة الفارس في سمع الفناء
تقرع الخلد : أنِ افتحْ .. إن ركب الشهداء

وفي مكان آخر من الديوان / رمال عطشى / يبدو متحديا ومتفائلا فيقول في قصيدة / الأردن الثائر / وبلغة تمور بالسخط والغضب ص 372 :
يا ضحايانا .. وعَطَّرنا السماوات أضاحي
ما تعبنا .. ولقد كلّت ميادين الكفاح
يا روابي القدس ، لن نهدأ من ساح لساح
أو يمور الوحي في جنبيك مزهوّ الجناح
يا روابي القدس ، لن نهدأ من ساح لساح

شاعرنا سليمان العيسى من الشعراء الذين أكثروا من النداء والتحدي والتقريع وزرع الأمل في سبيل القضية الفلسطينية كعقيدة قومية لا يأتيها الباطل فيقول / في عيد الوحدة / وقد ألقيت في المهرجان الكبير /1958/ ووردت في المجلد الأول من المجموعة الكاملة ص 544 :

يا ليالي الضياع والقيد زولي

نحن باقون وحدة لن تزولا


ثم يقول :

أين أهلي في القدس فوق الضفاف
أين أهلي ؟ فالعيد في كل صدر

الخضر ضجَّتْ في صدرهم أشواقي

زغردات تضيء في الآفاق

فالوحدة العربية وجود قومي وسبيل إلى التحرير وعودة القدس إلى أهلها العرب، ومازالت القدس تشغل الإنسان العربي الذي يتوق إلى الحق والخير، فاعتبرها مركزا دينيا ومرتكزا للثوابت، وذكرُ القدس يعني فلسطين ويوحي بالسيرورة التاريخية العريقة لهذه المدينة وهذا البلد الآمن، فالشاعر نزار قباني من الشعراء المعاصرين الذين رفعوا صوتهم مرارا وفي مواقف مصيريّة وفي كل مناسبة أو مهرجان أو اتفاق أو انتفاضة أو مأساة، فشغلته فلسطين، وذكرها مرارا وعبّر عن غضبه وإدانته للواقع وتقريعه لما يجري ورسم طريق الخلاص، وورد ذكر فلسطين والقدس والمدن الفلسطينية في الأعمال السياسية في / طريق واحد / وقالها بعد النكسة 1976 وهي مغنَّاة بصوت أم كلثوم ص 925 :
يا أيها الثوار / في القدس، في الخليل / في بيسان، في الأغوار / في بيت لحم، حيث كنتم، أيها الأحرار / تقدَّموا .. تقدَّموا .. / فقصة السلام مسرحية .. / والعدل مسرحية .. / يمر من فوهة بندقية ... /.
نزار قباني كان واضحا وجليّ الفكر في وقفته الشعرية مع القضية الفلسطينية، فلا يخفي قلقه وحزنه وثورته في قصيدة / حوار مع أعرابي أضاع فرسه / والفرس لدى العربي يعني الكثير من وجوده ورجولته وفروسيته وكرامته. ص 849 :
/ لو أن بحيرة طبرية .. / تعطينا بعض رسائلها / لاحترق القارئ والصفحات .. / لو أن القدس لها شفة / لاختنقت في فمها الصلوات .. / لو أنَّ.. وما تجدي ( لو أن ) ونحن نسافر في المأساة .. /ونمد إلى الأرض المحتلة، حبلا شعريّ الكلمات ../ ونمد ليافا منديلا طُرِّز بالدمع وبالدعوات .. /
إنه يضع يده على موطن الجرح والداء، فيوجه صوته إلى بؤرة الحدث ومركز الخلل وهذا نراه في قصيدة /الخطاب/ التي تبوح بما تعاني القدس وحجارتها وللعنوان دلالات كثيرة ص 837 :
/ لم أعد أهضم حرفا من أكاذيب أمير المؤمنين /صارت الألفاظ مطّاطا / وصارت لغة الحكام صمغا وعجين/ خدّروني بملايين الشعارات، فنمت /
/ واروني القدس في الحلم .. / ولم أجد القدس، ولا أحجارها حين استفقت / فاعذروني، أيها السادة، إن كنت ضحكت / كان في ودّي أن أبكي .. ولكنّي ضحكت ../.
وقدم الشاعر نزار القدس وقد دُنِّست وعرِّيت واستبيح طهرها في قصيدة / من مفكرة عاشق دمشقي / ولكن الشاعر يميل إلى التحريض والتلميح وإثارة النخوة وهذا شأن الكثير من القصائد التي نحت هذا المنحى في التعبير والتصوير إلى حد المبالغة في التصوير وهذا يتنافى مع قدسية فلسطين والقدس والمقدسات تحديدا فيقول ص816 في مطلعها :

فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق، لماذا نبدأ العتبا

ثم يقول :

سقوا فلسطين أحلاما ملونة
وخلّفوا القدس فوق الوحل عارية
أيا فلسطين، من يهديك زنبقة

وأطعموها سخيف القول والخطبا
تبيح عزة نهديها لمن رغبا
ومن يعيد لك البيت الذي خربا

لم يتوان الشاعر عن التعبير وبأشكال مختلفة ولكنه بقي في فلك المأساة وجوهر القضية التي نعتبرها قضية قومية مصيرية تخص كل عربي ومسلم، في قصيدة ( منشورات فدائية على جدران إسرائيل ) يقرع ويشير إلى جريمة حرق المسجد الأقصى ص 779 :
المسجد الأقصى شهيد جديد
نضيفه إلى الحساب العتيق
وليست النار، وليس الحريق
سوى قناديل تضيء الطريق ..

ويبرز الشاعر نزار مكانة القدس بين الشرائع السماوية، فيسكب لوعته وحزنه لما آل إليها الأمر ويخصها بالتسمية ( القدس ) ص 776 :
في هذه القصيدة تخمد لغة المباشرة، وتشع لغة صافية موحية.
بكيت حتى انتهت الدموع ..
صلّيت حتى ذابت الشموع ..
ركعت .. حتى ملّني الركوع ..
سألت عن محمد فيك، وعن يسوع
يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء ..
يا قدس يا منارة الشرائع
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك، يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مر بها الرسول ..
يا قدس يا جميلة تلتف بالسواد
من يقرع الأجراس في كنيسة القيامة ؟
صبيحة الآحاد ..
من يحمل الألعاب للأولاد ..
في ليلة الميلاد ...؟

أرى أنّ هذه القصيدة ( القدس ) من أعمق وأبلغ القصائد التي توقفت عند القدس في العصر الحديث لغنى الإيحاء وحسن الدلالة في كل لفظة توحي بالكثير من الأسى والحسرة.
وهذا ما يجعل الشاعر نزارا يتوجه إلى شعراء الأرض المحتلة وبعنوان ( شعراء الأرض المحتلة ) يحضهم على الثبات، وبالمقابل يُحمِّل المثقفين رسالتهم ص 774 :
وننادي : يا رب الأرباب
نحن الضعفاء، وأنت المنتصر الغلاب
نحن الفقراء، وأنت الرزّاق الوهاب
نحن الجبناء، وأنت الغفّار الوهّاب
شعراء الأرض المحتلة
ما عاد لأعصابي أعصاب
حرمات القدس قد انتهكت
وصلاح الدين من الأسلاب
ونسمّي أنفسنا كتّاب ..

هناك الكثير من القصائد التي قالها نزار في فلسطين والقدس والواقع العربي وستبقى شاهدا على مرحلة عصيبة رصدها نزار في وقتها، وبروح ثائرة غاضبة لامست ضمائر الشارع العربي بأغلبيته.
هذه القدس المباركة كانت تعيش في وجدان الشعراء السوريين الذين هاجروا واستقروا بالمهاجر، ولكنهم بقوا معلقين بالوطن وملتصقين بالقضايا المصيرية، وهذا أمرُ نعتزّ به فالشاعر الياس قنصل يقول بعد احتلال القدس /1967/ من قبل الصهاينة، ويبدي ألمه وحسرته من مرارة الواقع
إنا خسرنا القدس وهْي وديعة
ما كان من وهن سلاح ضياعها
في عهدنا من سؤدد الخلاّق
بل من شيوع الذلّ في الأخلاق

قدم شعراء المهجر حبهم لفلسطين ولأمتهم وآلمهم حال القدس والأمة وتعاضدوا مع الأعياد الإسلامية وجلهم مسيحيون وهذا يبرز الوعي والنقاء والتآلف فهذا الشاعر نبيه سلامة وهو مغترب من حمص يقول مشيدا بالرسول في يوم مولده :
يا من يرون القدس في أحلامهم
لا تستفيقوا فالحقيقة مرة
لو أقبلت دول السماء لعونكم
قالوا : هذا وطن اليهود وليتهم


وطنا يهيمن فوق التلمــود
بين الحقيقة والمنام حديـد

هبَّتْ إلى ردِّ السماء أسود
قالوا هنا للتائهين لحود

وقد حرموا من الصلاة والزيارة والحج إلى القدس فيقول جورج صيدح في قصيدة / نكبة فلسطين / ما يُؤثّر في النفس التي حرمت من حقها الشرعي والإنساني :
يا من يرون القدس في أحلامهم
لا تستفيقوا فالحقيقة مرة
لو أقبلت دول السماء لعونكم
قالوا : هذا وطن اليهود وليتهم
عبثا يا طيف تبلو جلدي
وطني ماذا على النازح إن
لطم الأعداء خديك ولم


وطنا يهيمن فوق التلمــود
بين الحقيقة والمنام حديـد

هبَّتْ إلى ردِّ السماء أسود
قالوا هنا للتائهين لحود
ليس لي بعد فلسطين جلد
ذكر القدس فصلّى وسجد
يسمعوا منك سوى شكوى الوتد

وهذه المقطوعة من القصائد التي شخَّصت القدس وقدَّمتها كائنا يحسُّ ويلطم ويتألم، ويتوجه الشاعر جورج صيدح إلى النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم في قصيدة ( المولد النبوي ) يستغيث ويرجو الخلاص :
يا من سريت على البرا
آن الأوان لأن تجّدد
عرج على القدس الشريف
ضجَّ الحجيج به وَرِيـ
بارك جهاد المؤمنيــ
الضارعين إليك باسـ


ق وجزت أشواط العنان
ليلة المعراج آن
ففيه أقداس تهان
ـعَ ضريحُه والمسجدان
ـن النافرين إلى الطعـــــان
ــم الآل والصحب والغران



بهذه البساطة والصدق، عبر الشعراء السوريون في المهاجر عن القدس وآلامها ومحنتها، فكان صوتهم صوت الحق بعيدا عن المبالغة والتكلف وهناك الكثير من القصائد والمقطوعات التي يمكن التوقف عندها، فاكتفيت بما يدل ويوحي، وقد مالت القصائد إلى الاهتمام بالحدث والمضمون الذي شغلها أكثر من اهتمامها بالجانب الفني لدى بعض الشعراء، ومن الشعراء السوريين الذين أكثروا من التعاطف مع قضية فلسطين الشاعر جاك صبري شماس، وربما يكون أغزر شاعر في معالجة قضية القدس وقد خصها بعناوين دواوين / عروس المدائن / وبقصائد مختلفة منها (الأقصى يناشد ضمائركم) و( القدس للعرب ) و( واقدساه ) و( الجهاد المقدس ) و( القدس عروس المدائن ) و(المسجد الأقصى) وغيرها الكثير، وفي كل كلمة يسكب ألمه ويدعو إلى اليقظة ونصرة فلسطين ويستدعي الأبطال كصلاح الدين ويذكّر بالمقدّسات، وفي هذه القصائد يتجلّى صدق الإحساس وعمق المعاناة ونبل المقصد وسوف أكتفي ببعض الشواهد مما قالها في قصيدة ( الأقصى يناشد ضمائركم ) من ديوان ( الحب النبيل ) ص 13:
أيهوّد الأقصى الحبيب يهود
والجامع الأقصى رهين شراذم
ماذا أسطّر ؟ يا صلاح الدين قم
قم يا صلاح الدين وابعث نخوة
وتؤوب للأقصى نضارة وجهه

وبنو العروبة في الخطوب قعود
تلهو وتعبث بالتقى وتسود
جثمت على صدر النخيل قيود
ليصول في ساح الجهاد أسود
ويفيء في القدس الحبيب خلود

إحساس الشاعر يتنامى مع أهمية الحدث، وهل هناك أقسى من معاناة القدس ومقدساته فيقول في قصيدة ( واقدساه ) المنشورة في ديوان ( قصائد حب ) ص 85 :
شموخك يا حبيبة ذو جلال
فلسطينية شمخت وقارا

وطهرك ليس يُحصَرُ في مقال
بأقدس موطن وأعز آل

ثم يشير إلى مقدساتها وما تكابده، وبلغة مؤثرة :
وذاك الجامع الأقصى منارة
أيسلُبُ غادرُ محرابَ قومي
ولو نادى قصيدي صُمَّ صخر
أيسلو مؤمن طهر الروابي


ومعراج النبي إلى المعالي
وقومي أدمنوا عقم الفعال
سمعت الصوت في ثغر الجبال
وأقدسَ بقعة ذات الحلال

ويلتفت الشاعر إلى واقع العرب والمسلمين وما جرى من مصائب دفعت ضريبتها القدس، فينادي وبصوت يكشف عما يعانيه من لوعة وأسى وذلك في قصيدته ( القدس عروس المدائن ) والمنشورة في ديوانه ( عروس المدائن ) ص 32 :
يا أمة الإسلام، ما جدوى امرئ

فالقدس تزحف في رباها أرقم
والجامع الأقصى سجين عصابة
والمسلمون مدى المدائن والقرى
يا قدس ماذا تستعيد بلاغتي
ماذا تفيد عروبة بثرائها


خلع الوقار معفّرا بتراب
والشعب يلظى من سياط عـذاب
عصفت بكل مبادئ وعقاب
شلوٌ تبعثر في فضاء مصاب
والأهل طعمُ صوارمٍ وحراب
وضميرها رغم الغنى كسراب

وتبقى هذه القصائد شاهدا على مراحل عصيبة، وهي تؤرخ لوجع دفين راح يوخز بسطاء الناس الذين يرون في القدس شقيقة لمكة ويذكرونها في كل مناسبة دينية فالشاعر عبد الباقي عبد الباقي في مجلة نهج الإسلام العدد /99/ 2005 وبمناسبة الإسراء والمعراج يبوح ويذوب شوقا وألما، وتنتابه الحسرة :

إسراء أحمد في دجى الظلمات
سبحان من أسرى بخير عباده
فالمسجد الأقصى – تبارك ربنا -
ليكونَ مسجدَه وأوَّل قبلة
ليكون للأديان مهدا للتقى
ثم يقول متحسرا :
والمقدس المعمور معرج أحمد
عذرا رسول الله، إنً جموعنا

زكّاه رب الخلق في الآيات
ليلا إلى الأقصى وفي العتمات
قد خصه بالخير والبركات
ويكون قدس الأرض والروضات
ومُجمّع الإيمان والرحمات















مهد المسيح يئن بالويلات
لم يعملوا للنصر والعزمات

ولا تستطيع الشاعرة نجوى صالح هنداوي إخفاء حزنها وتضرعها لله وهي تؤدي فريضة الحج فاستحضرت القدس وما تعانيه فتقول : مجلة الحج والعمرة تشرين الثاني 2004 وعنوان القصيدة ( الأنوار المكية ) ص 86 :
سار الحجيج وفاضت الدمعات
ثم تقول متوسّلة :
يا ربَّنا أصلح جنوح نفوسنا
يا أمتي، ضمّي الصفوف توحّدي
فالقدس جرح قد توالى نزفها
فانصر إلهي كل حر صادق
بأريج مكة طابت النسمات














فاض الهوى، وتوالت الزلات
هذا العدّو وراءه النكبات
في كل يوم للعلا هامات
أنت المجيب ، وللقضا ساعات

في هذه الساعات المباركة عاشت الشاعرة محنة الواقع الإسلامي ورأت ما تكابده القدس، فالتجأت إلى الله بصدق وصفاء كَشَفا عمق الإحساس.
ولا يرى الشاعر مصطفى أحمد النجار في ديوانه ( غنائيات عصرية ) سوى الهم الإنساني وكان للقدس أكثر من قصيدة وذكر فيقول في قصيدة ( فلسطين أم السيوف ) ص 83 :

سلاما فلسطين أم السيوف
سلاما فلسطين أم الضحايا
سلاما عليك من الشعر كم
ستبقين، والقدس رمز نهوض

كتابا يعلّمنا الأبجدية
وتبقين في القلب جرح القضية
تستمد القصائد منك الحمية
وتبقين في القلب وهج القضية

وتأتي الذكرى الخمسون لنكبة فلسطين وما تحمله من آلام وصور مأساوية توحي إلى الشاعر عبد القادر الحصني في قصيدته ( الضجيج ) وقد وردت في كتاب ( منتخبات شعرية ) صدر عن اتحاد الكتاب العرب، وفي القصيدة استحضار للشهيد ص 222 :
سيحضر متَّشحا بالجبال ومؤتزرا بالسراب / ويحضر بين يديه الجدود / وسوف يكون شهيدا عليكم / فما جاء إلا ليشهد هذا الشهيد / سلام عليه / سلام على الزعفران المندّى على شفتيه / على القدس تهرق نور الألوهة في مقلتيه/ على قبة الصخرة المستريحة في راحتيه / له يزدهي البيلسان / ويأتلق المهرجان / ويبتسم الأقحوان / ويعبق في الأمسيات الأريج / لعل شفيفا من الحزن يملأ قلب المكان / فيخجل منه الضجيج .. / ثقيلا يمر الضجيج / .
ويهمس الشاعر عبد الرحمن عمّار بلغة شفافة تعبر من خلالها أرقُّ المعاني لتشكل رافدا من روافد الحب المدعم بالعبق الروحي تجاه القدس في قصيدته / يا .. ناي مدي الصوت / من ديوان ( طيور اليمام ) ص 26 :
يا ناي كوني الموج يحملني
للقدس أقصاه، فلا سكن
مرموز أمته منارته
سبحان من أسرى بسارية
من أجله انتفضت حواضره
ويمّدني بالحلم ناهده
إلا بما نبضت مساجده
وحنين ماضيه يناشده
للحق، بارقَةٌ قلائدُه
ومضى إلى الأقصى مجاهده

هذا الدفء اللغوي يقابله حب وإيمان تجلّيا أيضا في قصائد الشاعر جلال قضيماتي وقد ذكره غير مرة ولكنه خصه بقصيدة حملت عنوان ( القدس ) من ديوانه ( معارج الطين ) واستنطق القدس وشخّصها فراحت تبثُّ لواعج همومها وأساها ص 138 :
ماذا أقول إذا عاد الربيع، فلم
ترى، أقول : مضى من كان يغمرني
ماذا أقول : أجفّ النهر أم حبست
أنا السجينة، لا أهل ولا وطن
تحت الخيام أرى في كل منعطف
ثم يجيبها الشاعر مُطمَئِنّا ومُطَمئناً :
مدينةَ الصحو، ما جفّت مرابعنا
سترجعين إذا عاد الربيع ندى
غدا سيفتح ( نوار ) أضالعه
يبصر سوى الريح والأشواك في طرقي ؟
بالدفء والخير في ذاك المدى الأرق
عني السماء فعاث القحط في أفقي
مضى الجميع سوى الآلام والحرق
ظلَّ التشرد والأوهام والقلق













لك الحياة برغم الموت والأرق
يهمي على السنبل النامي، على الشفق
وينقذ الكون من سرباله الخلق

أحسن الشاعر لغة الخطاب واعتمد على التلميح والترميز بعيدا عن المباشرة ولم يخف الشاعر مطيع إدريس تفاؤله في عودة القدس إلى مكانتها وأهلها، وقد توجه إليها ثلاث مرات في ديوانه ( لن ينتهي الإبحار ) فيقول متفائلا بالشعب الفلسطيني الصامد ص 33 :
هو الشعب الفلسطيني / هو الآتي / على صهوات يرموك وحطين / هو الحجر المغيِّر.. / كل كَّفات الموازين / غدا ستؤوب أسراب الحساسين / غدا يا قدس .. / تسقط كل أوكار الجوارح والغرابين / غدا سيعود للأقصى / بلال كي يؤذن للملايين /.
فالشاعر مطيع إدريس تجاوز لغة التقريع واتجه إلى الأمل وزرع الثقة بالله والشعب وهذا منحى تجاوز البكائيات والاستسلام، فتشرق لغته كما يشرق عنوان الديوان وعنوان القصيدة التالية ( إشراقة الغضب ) فيخاطب القدس ويضمّدُ جراحها بلغة تتماوج بين الرقة والعنف ص 13 :
صبرا يا قدس على ليل / وحشيِّ سوف يبدده / إشراق من شمس نهار/ من فجر ولادة حطين / وسنا اليرموك وذي قار / من دفق دماء ترشفها أعراق تزفر كالنار / تتحدى مدية جزار / فالمجد لأطفال الأقصى / ولكل أباة أحرار /
وللشاعر مصطفى بدوي قصيدة موحية تحملها لغة راقية وخيال مرهف بالإحساس ( أغنية للقدس ) من ديوانه (متعب وجه المرايا) فالشاعر يطلق لشاعريته ورؤاه الأمل فيتوجه إلى القدس ملامسا وجعها ص 27 :
بكل انعطاف الرؤى إليك / أرى المستحيل / هو الحب اجترح المعجزة / وأسبرُ غور الزمن / وأقتات بالأمل المرتجى / وأصعد نحوك نسرا عزيز الجناح / أنا الوجد والتوق والذكريات / توغَّلتِ في الجرح مني / وأسرجت نحوي الرياح / وهذا جناحي / وصوتي الذي ما احتواه المدى / رجوتك / يا سدرة المنتهى / بذلتُ لك القمح والأوردة / ورحت أصلّي .. أصلّي / أرشّ التعاويذ فوق الحصار / لعل السبيل إليك تلين / وينبض بالحب قلب الصغار .. /
أرى قصائد التفعيلة عالجت قضية القدس بلغة موحية وبرؤية هادئة ومشعّة مزجت بين الواقعي والفني وتجاوزت لحد بعيد لغة الصفع والتقريع، وإن مالت إليها فإنها أحسنت التوظيف، فالشاعرة الطبيبة لميس حجة في ديوان ( نشيد المحبين ) وفي قصيدتها ( القدس والمسكين ) تبدي ألمها وتحدد مسؤوليتها أمام مدينة لها قدسيتها ومكانتها ص 65 :
لو أعترف / أكبر مني هذا الشرف / أكبر مني أنت يا قدس / أكبر من عثرات مرامي / أكبر من صمتي وكلامي / أرفع من قدري يا قدس / كيف يا قدس / كيف سأقف / قرب جلال الموت حين ترجّل / يستأذنك ببعض / شبابكْ / كيف يا قدس ، كيف سأنجو؟ / والمهد مسيح يبكي / آه يا قدسي /
وكان للقدس نصيب في شعر الشيخ المرحوم محمد جميل العقاد والديوان حقَّقه وجمعه الأستاذ محمد عدنان كاتبي.
والشيخ جميل العقاد عبّر ببساطة وعفوية وبلغة بعيدة عن التعقيد وهي أقرب إلى النثرية يتوجه بها إلى المسلمين والعرب لإنقاذ القدس وتطهيرها ص 294 :
أنقذوا الأقصى وصونوا قدسه
فهمُ وهمٌ، وما همْ بالذي


ثم صدّوهم، عليهم كبّروا
تحسبوهم أنهم قــد كثروا

وفي قصيدة ( يا رمال القدس ) يشيد بالصمود ورجال القدس ص 417 :

أقوس النصر أم فوز مبين؟
مهروا القدس نفوسا حرة
أنت يا قدس تراث خالد
صانك ( الفاروق ) لما قد أتــى
يا رجال القدس أبطال العرين


حازه الأبطال في القدس الأمين

إنهم في الحرب حقا ماهرون
وستبقى رمزنا في الخالدين
وبنوه ستراهم حافظين
إن تصونوا القدس تضحوا مالكين

من الطبيعي أن نجد التفاوت في مستوى النصوص، وأن تتمايز القصائد وتختلف الأساليب لأننا أمام موضوع مشترك يهمّ عامة الناس على مختلف تكوينهم وطباعهم ورؤيتهم فيشفع لهم نبل المقصد.
فالشاعر عبد الله يوركي حلاق يأبى السكوت والخنوع، ويشتاق للوثوب والمواجهة من أجل تحرير القدس وقد ألقى قصيدته ( طفل فلسطين ثائر ) في المؤتمر الأمريكي العربي في فنزويلا ونشرت في ديوانه( عصير الحرمان ) ص87 :
بيت لحم ولد الفادي بها
أَوَ نرضى أن نراها مسرحا
نحن في شوق إلى وثبتنا
ألف شعر لا يوازي طلقة
أين ترب القدس، هل تلثمه
جدّتي قالت : إذا لم ترجعوا
وجبال القدس معراج النبي
للبغايا وعبيد الذهب
يا جبال القدس ثوري واغضبي
أفرغت في مهجة المغتصب
شفتي في غدنا المرتقب
وطني حَلّ عليكم غضبي

وللشاعر محمد منذر لطفي عدة قصائد يتغنى بها بأمجاد القدس ومكانتها ويدعو لنصرتها من خلال فرحته وتمجيده لحرب تشرين في مجلة نهج الإسلام العدد /93/ 2003 يقدم ثلاثة مقاطع من كتاب تشرين جاء منها ص 88 :
تشرين أيقظت فينا ذكرياتِ علا
أنت الذي ردَّ للساحات هيبتها
لا يُرْجِعُ القدسَ إلا الساحُ يا وطني
فلا يخفك ( بقدس العرب ) مغتصب
فهذه ثورة الأحجار شاهدة
عاشت مع الدهر نبراسا ومعتقدا
أنت الذي منح الجلّى يدا ويدا
فهاته فكرا ثوريا جددا
ولا يروعك ما أخفى وما حسدا
أن الطفولة أمضى همة ويدا

وإني لأعتز بانتمائي العربي الإسلامي وأجل المقدسات، وقد حظيت فلسطين والقدس وما انتابهما من نكبات وأحداث بالكثير من قصائدي التي نشرتها في دواويني والمجلات وحظي بعضها بالدراسات فقد كتب الكاتب أحمد حسن الخميسي مقالة نشرت في مجلة صوت فلسطين العدد /373/ 1999 أخذت عنوانا( قضية فلسطين في ضمير الشاعر محمود محمد أسد ) ولي شرف النشر في أغلب الدوريات العربية عامة والفلسطينية خاصة ومما قلته :
يا قدس كم عبث الأعداء كم هتكوا
بحر من الحزن والأرواح هائجة
وأقول :
القدس نامت على ذلٍّ وقد وقعت
وا لوعتي نحن أمسينا بلا أمل
هبّوا لإنقاذ شعب في العراء أوى
والناس في نفق والحق كالزبـــد
نزف من الدمع لم يفلح ولم يعد














في الأسر، هل من رجال فيهم ذمم ؟
أمات حسٌّ لنا أم أننا غنم ؟

لحافهُ الثلج والأحلام تنهزم

وهناك قصيدة بعنوان ( للقدس اعتذار ) جاء فيها :
فالنائحات صراخُهنَّ مبدّد
القدس ما عادت عروس عــروبة
تأبى العروبة أن يكون سلاحنا
أحببت نبض عروبتي ورجالها
والعرض يهتك، والغيور سقيم
والمسجد الأقصى سباه الـــروم
صبرا، فحمل الخانعين عقيم

إن المحب بمن يحب يهيم

وكذلك يتوجه الشاعر عبد المجيد عرفة إلى القدس في قصيدته ( من وحي الإسراء والمعراج ) في مجلة صوت فلسطين ك2/ 2000 / وفيها ملامسة حارة للقضية :
وسمعت في الأقصى نداء ( محمد )
يا أمتي، وأنا الفداء لمقدسي
وخجلت من نسبي لدين محمد
يا صاحب المعراج هل من نظرة
لنرى جسوم المؤمنين وقد بدت
يا أيها الفاروق هذي قدسنا
عبث الطغاة بها، وداسوا موطنا
والمسجد الأقصى الطهور وقد أتى
عبر المآذن في أرقّ نداء
إن لم يعد بين الرجال فدائي
وتفاخري بالأمة العـرباء
للمسجد الأقصى وذاك رجائي
مزقا على المحراب والأرجاء
ترنو إليك بحسرة وبكاء
رحل الرسول إليه في الإسراء
شارون يدخله بنعل حذاء

أوردت الكثير من القصائد والشواهد التي تبرز مكانة القدس ومعاناتها فكانت القصائد صورة عن واقعها وواقع العرب فارتفعت الأصوات بالشكوى والألم والتذكير والتضرع والتقريع .. وبعضها همس بلغة شعرية راقية وكلهم يشفع لهم سمو المقصد، هناك قصائد كثيرة لم أستطع ولن أستطيع حصرها ولكنني اكتفيت بما يعبِّر ويؤدِّي الغرض إلى حد ما، وهي قصائد لشعراء معروفين لهم مكانتهم الشعرية البارزة ولشعراء مغمورين ولمدارس مختلفة من الشعر القديم والحديث ولشعراء مسلمين ومسيحيين ولشعراء سوريين مقيمين في سوريا ومغتربين وهذا كله لم يكن إذا لم يجدوا للقدس هذا الموقع الهام من القلوب والأرواح فكانت القصائد على مختلف مستوياتها وتوجهاتها تنبض بالإحساس والصدق وتمور بالقلق وترفرف للخير والأمل ..

المراجـــع :



دواوين الشعراء التي ورد ذكرها في الدراسة.
الدوريات العربية التي ورد ذكرها في الدراسة.
الاتجاه القومي في الشعر الحديث د. عمر الدقاق.
أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكية جورج صيدح.

نعم, يا رفاقي ؛
سأرفعُ صوتي ,
سأقتلُ خوفي المُخَبّأَ
بين الوريد,وبين الرّقيبْ.
نعم, يا نديمي ؛
أقول مراراً :
شبعنا نواحاً,
أتى بالدّخيلْ.. !
فماذا تعدّونَ يومَ الرّحيلْ؟؟
وماذا تقولون عنّي ؟؟
ألسْتُ قبيلةَ حزنٍ دفينْ؟؟
وإنّي مَمَرٌّلأحلامكمْ
ضقْتُ ذرعاً,
فهاتوا الدّليلْ ..
***
تَمرَّدَ حزني عليَّ
فأحرقَ دفترَ حبّي ,
أتى بالسّعيرْ..
أقيموا التّعازي ,
عيوني بيادرُ حزنٍ,
جدارٌ من الصّمْتِ
يروي إليَّ الحكايا المريبةْ.
ولكن بغيردليلْ.
سأحرقُ كلَّ الرّعاعِ الذين
أقاموا الجسورَ,
وحطّوا على الجرحِ ملحاً ,
دعوَاملْءَ فيهمْ لأسيادهمْ
بالأمانْ..
***
نعم ,يا صديقي ؛
أقولُ بلا وجلٍ :
إنّني عاشقٌ للضّياءِِ ِ المرابطِ
منذُ قرونْ..
وأفْتحُ عيني على حُلُمٍ
صاخبٍ,قد رعتْهُ الرّؤى
في اليقينْ..
سعيْنا إليه بقلبٍ كسيرٍ
أقمنا عليه جسوراً,
غرسْنا حدائقَ عشقٍ
وغابةَ نخلٍ,
وعند الحصاد أتاهُ الحريقْ..
***
حريقٌ وفي القلب شوقٌ
ليوم السّعيرْ.
وفي البيتِ ذلٌّ يُقيمُ ؟؟
نعم , في دروبي
يموتُ الأنين.
صُراخٌ, دُوارٌ
سعيرٌ ,رُكامٌ, شتاتْ..
يموت السّؤالُ وراء السّؤالْْ..
نُباعُ ,وأنتم,ونحن نيامْ..
***
لقاءاتُ وجدٍ
تُحاكُ أمام الجموعِ ِ
ونحن عراةُ الضّميرِ
أمام الحقيقةْ
ويُطْرَقُ بابي
على غير وعدٍ
فأصحو على ماردٍ
من جحيم المهالكْ..
-- خذوهُ , وعن بيتهِ أبعدوهُ..
دعوهُ وحيداً
عن الأهل ,والأكلِ ,والماءِِ
قوموا امنعوهْ..
وصوتٌ مخيفٌ يهزُّ كياني .
فأقرأ أمّ الكتابْ..
-- ضعوهمْ أمامَ ذويهمْ
لِيُلْقوا الوداعْ ..
خذوهمْ إلى القبو حالاً
ضعوا في العيونِ أسيداً, ونارا..
وأصحو على كلماتٍ مُضيئةْ..:
أماتوا ؟ أعاشوا ؟
نذرْناهمُ للسّماءْ..
وهبناهمُ للحياةْ...
***
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر   قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Icon_minitimeالجمعة 20 أغسطس 2010 - 15:03

رائع اديبنا القدير

محمود اسد

اهلا وسهلا بكم سيدي

مقال متكامل متجانس ومتماسك الاركان

يملك الحس الوطني بين احرفة

جميعت سيدي من كل معاني الجمال جمالا

ونثرته هنا

فسدعنا به ونرجو ان تسعد معنا

لروحك الياسمين

وودي وتقديري لك

وكل عام وانتم بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زينب بابان
مشرفة عامة
مشرفة عامة
زينب بابان


عدد المساهمات : 10543
نقاط : 16309
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
العمر : 53

قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر   قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر Icon_minitimeالخميس 26 أغسطس 2010 - 9:54

قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر 95499334je6
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصيدة أحزاني تعلن العصيان= مقالة القدس بؤرة الشعر السوري المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: أقسام الكتاب و الأدباء و الشعراء :: واحة الأديب الأستاذ..(((محمود أسد)))-
انتقل الى: