آخر الأيّام أوَّلها محمود أسد
لم تبقَ إلاّ صورةٌ همجيَّةٌ
لًصِقَتْ على صدرِ الصدى
جاءَتْ على أملٍ نبا
سكنتْ بريق الملتقى
صاغَتْ مناهلها نبيذا
للشتاءِ الغائبِ ..
شاهَدْتُها قبل الوداعِ
و قد أزاحَتْ مبسماً
من عسجدٍ ، و تراقصتْ
و القلبُ فيَّ تمرَّدا ...
هل تسكنُ الأحداقُ
في مُهَجِ التنافرِ ؟!
ليتها في وحشةِ الإصغاءِ
تقرأ صَمْتَنا
قُلْ خوفنا
فالحرفُ لازمَهُ الوجيفُ
و لم يزلْ
مرَّتْ عليهِ مواجِعٌ و مواسمٌ
نَخَرَتْ ، و أمسَتْ
في النهايةِ مجدبه ...
لم تقرأ الأيَّامُ وعظَ شيوخنا
لم تلحظِ الأحلامُ نهرَ جنوننا
فالحسُّ فينا هل نهضْ ... ؟
لمَ دارُنا أضحَتْ رسوماً
باهته .. ؟
شجرُ الشوارعِ غارقٌ
في لجَّةَ الآلامِ
و الثمرُ الشهي مُقيَّد،
تلك الغصونُ ميولُها
ضلَّتْ و ضاقَتْ مطلبا
إنْ جئتَهمْ مُتَسائلاً
تجنِ الجفافَ ، و في العيونِ
ترى العقوق تكدَّسا ..
لم أعط عيني لحظةً
لم أستمعْ للطفلِ يوماً
فالعواطفْ أغلقَتْ أحداقها
وتسلَّقتْ مُقَلَ الوجعْ ...
هذا ربيعُ الحلمِ أمسى بلقعاً
كم جئتُهُ متألماً ، متحسّرا
لكنَّهُ لم يعطِ بالاً للضحى .
لم نُبقِ إلاَّ ما رأتْهُ جفونُنا
في زحمةِ الأقوالِ والأوحالِ
صِرْنا سلَّماً
سقَطتْ فناجينُ المودَّةِ
كسِّرتْ أردافُها
قبل السحرْ ....
في الصيفِ ضَيَّعْتَ المواسمَ
غلَّةٌ ومؤونةً
وسقايةً ، والثغرُ
نامَ على الورقْ ....
ورياحُنا قد قادها التهريج
والتدجيلُ أمسَتْ
للمنابرِ مقصدا ....
يا صاحبي ....
هذا خريفُ الشرقِ
جمَّعَ صمتَنا منذُ الأزلْ .
فالصيفُ يرحَلُ والشتاءُ مكبَّلٌ
بالشحِّ ، خريفُنا في خلوةٍ
من أمرِهِ ....
وربيعُنا ما زال في الحلمِ النديِّ يغرِّدُ .
كلُّ الفصولِ تشابَهَتْ في زيِّها
وعطائها وحديثها .
كلُّ الفصولِ تلوَّنَتْ
وتجمَّلَتْ ،
والمالكونَ لنبضها قد أفلسوا ..