تبقى الحقيقةُ دفْأنا محمود أسد
ما للمصائب نارُها, تتضخّمُ؟
والمرءُ عن إخمادها مُتوجِّمُ
نيرانُها منشورةٌ في بيتنا
في ليلنا, ونهارنا, لا ترحمُ
تمشـي الهويْنى, يحتمي في نارها
كلُّ الألى عن حقّهم, قد أحجموا
أسَفي على متعلّمٍ مسْتنْكرٍ
حقَّ الحياةِ, لنزْوةٍ, يسْتسلمُ
ما للعلوم؟ وقد جفاها أهلُها
فالجرْيُ حول المال داءٌ مؤلمُ
بالأمسِ كنتُ مُجالساً لجماعةٍ
عهدُ الصّبا بين الجميع يُلمْلِمُ
كنّا على حبِّ العلوم وفضلِها
نسعى بلا كسلٍ, ولا نتجهَّمُ
لمناهل النّور العظيم يشُدُّنا
حبُّ الضّياء, وسرُّه المُسْتعظم
حربُ الرّذيلةِ دأبنا. ونصدُّها
بسلوكنا, ونفوسُنا لا تسْأمُ
صوبَ الحقيقةِ غرّدتْ, وتمثّلتْ
مدناً, سترْنونحوها, وتُنغِّمُ
تسعى لزرْعِ معارفٍ, وجدتْ بها
أصلَ الوجود, لها تعيشُ وتحلمُ
ورمى الزّمانُ بسهمِهِ في غفلةٍ
فتَشتَّتَ الحلْمُ النّديُّ المُبْرَمُ
وتفرّقتْ أهواؤنا بين الثّرى
وتبعْثرتْ ريحُ المنى والمغْنمُ
أمّا المشيبُ غدا يرافق ظُلْمتي
ومضتْ تجاعيدُ الحياةِ تُلعْثِم
في جلسةٍ نسجَ الزّمانُ خيوطَها,
وبكى الرّبيعُ شبابنا, والأنجمُ
فتح الجميعُ قلوبهمْ, وتأوّهوا
كلُّ المُنى عندالجميعِ توهُّمُ
وكأنّها أضحتْ سبيلَ دعابةٍ
أو قصّةً, عند النّهايةِ تُفْرَمُ
ضاق الزّمانُ بنا, ونحن بحسْـرة
وتأوُّهٍ. ليتَ الأماني تعْلمُ
ما للشّهادةِ أصبحتْ أُضْحوكةً؟
أصحابُها, يا حسـرتي, قد غُرِّموا
فتعثّرتْ أحلامُهمْ, وكأنّهمْ
وهْمٌ بغيرِ درايةٍ تتَوسَّم
ليس الزّمانُ زماننَا, فالجنْسُ في
حلِّ المشاكلِ ساحرٌ, والدّرهمُ
بعد الغيابِ وجدْتُهمْ في سكرةٍ
سرقَتْهُمُ الأضواءُ, ثمّ رمتْهمُ
فتنازلوا عن طبْعهمْ, وتحوّلوا
عن حقِّهم. لِلُغاتِهمْ قد سمّموا
أولادُهمْ مثلُ القرودِ تزيّنوا,
ورجالُهمْ ثوبَ الحقيقةِ أضْرموا
حبُّ الرّطانةِ بدعةٌ وتطوُّرٌ
وكأنّنا لحياتهمْ لا نفْهمُ
قلبي على شعبٍ لَوَتْهُ حضارةٌ
هبّتْ علينا بالوباء تُلَقِّمُ
عبثَتْ بأقدار الشّعوبِ. وأحرقتْ
آمالها. هيهاتَ أن تتفهّموا
إنّي سمعْتُ حكايةً من جدِّنا
فيها الخلاصُ: عدوُّكمْ لا يرحمُ
إنْ جاءَكُمْ مُتبسّماً, متلاطِفاً
فوراءَهُ سُمٌّ مُميتٌ مغشم
احذرْ عدوَّكَ باسماً, ومكشّـراً
وافتحْ بصيرَتَكَ التي لا تُهْزَمُ
تبقى الحقيقةُ دفْأنا, وسلاحنا
لولا الحقيقةُ لاسْتبدَّ المُجْرِمُ
* *