عدد المساهمات : 10896 نقاط : 13569 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 03/04/2010
موضوع: أوراق من زمن الماضي(1)...بقلم هدير الجميلي الإثنين 19 أبريل 2010 - 13:32
أوراق من زمن الماضي....
كنت صغيرة مثلي مثل ...صغار طيور النورس..عندما تتزاحم لتطلق جناحيها لحرية البحر...
تطلق العنان لأحلامها البيضاء ..والرمادية..
فهي تسافر بدون جواز أو هوية..
أو حتى شراع تتمسك به لينقلها عبر المحيطات...
إلى كل المدن التي تنبت بالخير والقحط...
تحاول أن تمعن نظرها بقاع البحر.. علها تجد بالقاع .. أفراحاً وفراشات ...لأنها تعرف البحر يسكنه الصدف والمرجان...هذه هي الفطرة التي ولدت عليها ..
كانت أحلامي لاتتعدى (مريول المدرسة) وحقيبة كتبي..أتذكر أختي الكبرى وهي تجدل ضفيرتي لتضع فيها شريطاً أبيضاً يرفرف بالهواء الطلق.. يعلن عن البراءة و السلام ...كنت حريصة على ألا أتأخر عن موعد قرع الجرس خوفاً من تأنيب المديرة التي كانت ترهبنا بحزمها وشدتها وكأنها أحد ضباط الجيش.
أجلس على كرس الصف قرب النافذة المطلة على حديقة مدرستي الكبيرة ..وأسرح في عالم ملئهُ التأمل والخيال..
هناك في مدينتي ولدت وسط الحرب... وكبرت مع ثورات الرصاص ...و عشت ببساطة ...منعنا من كشف مشاعرنا ..فكل الأشياء عيب.. وحرام ...ولاتجوز .
لم نعرف معنى الأنوثة ...وثورات العشق والصبا..
عشقت الأرض الخضراء حيث شهدت تغيرات فصولي مع فصولها ...فالشتاء يحمل معاطف الدفء والأمان والسكينة ..والصيف يذيب كل جليدي ..يكسر الحواجز ..وبين يديه يكشف لي الأطياف المبهمة ..أهرب إلى غروب شمسه ليضمني بحنين..الخريف يحمل باقات من أوراقه التي تعلن عن انتهاء الماضي بذكرياته المؤلمة فلا أمضي وقتي بتقليب صفحات ما يجلب.
الربيع هو كل المستقبل الذي أحلم به والذي لم يطرأ علي بشيء ..غنائمه كثيرة ومتنوعة ومذهلة ..راقني عشق الفراشات بجنونها ..تلونت بألوانها ...وشممت عطر الزهر حتى إني أميز كل نوع منها وأنا مغمضة العينين...يدغدغني نمير الماء عندما يمر على مخيلتي .
وغلت في كل الطرق المؤدية إلى الأحياء الغنية والفقيرة ...وجحظت عيني بكل المنازل الفخمة والمتهرئة والمنطمسة المعالم على الأرض ...تلهث حزناً على ما فعلته ثورة الحرب بها.
ذاكرتي مختزنة بعجائب الأمور ..وصغائرها..أجد كفوف أمي تلوح لي بين الشرف ..تخرج لي عيونها الحزينة من قباب المساجد الكبيرة .. والطويلة الأعناق ..والكثيرة العدد ..كأنها تريد مني شيئاً لا أفهمه..؟ لا أسمع لها صوتاً ..؟فالأذان والدعاء يتكرران كل ساعات النهار.
ووالدي أذكره جيداً شديد العزيمة محمر الغضب..عاصفة هادئة الخطى لكنها ليس دوماً تخفي أثار خطاها.. أختبئ أنا وإخوتي عند قدومه تحت الأسرة ..كان يناديني من دون إخوتي أنطق بالشهادة فأنا من شدة خوفي منه كنت أنفذ بصمت أوامره..لم يكن يضربنا لكننا نخاف منه ...كعصافير تفر من رؤية الصقر محلقاً بالسماء...لم نكن نعرف سر خوفنا منه حتى بعدما وافاه القضاء بالتراب.
بين كل هذا وذاك هناك شيء حاولت الإفصاح عنه والتمادي بشرحه .
وجدت نفسي موجة وسط البحر تتلاطمها الأفكار والذكريات...؟
رأيتك ولأول مرة تمشي تجر ضلك الطويل يخبئ وراءه السكون...لمحتني عيناك اصطادتني...صدمتني... فلم أعرف العشق يوماً ..انتابني شعور غريب ..؟وكان صعقة كهربائية أصابتني...تتسارع نبضات قلبي ...وكأن هناك من يطاردها فتركض مختبئة من مكان لآخر..
كانت الليلة الأولى ليست ككل الليالي التي أمضيها وأنا أحتضن لعبة من القماش تسامرني وأسامرها بأفكاري الجنونية الطائشة الطفولة ..كانت تلك الليلة غريبة بكل ما بها ...نجومها بدت أكثر وميض من السابق ...وقمرها كان كبيراً لدرجة إني شعرت بأني سألمسه بيدي...كل شيء هادئ حتى خيالي .
ملامحك لم تفارقني ..تقلبت وأقلقت الوسادة ..وكأنها تشكوني من نفسي ...اضطرب النوم بجفوني ...ما العمل ..؟وما هذا الذي أشعر به ..؟
وقفت أمام المرآة أسرح شعري وكأني لأول مرة ألمسه وأحرره من قيوده.
أصبحت أطلع على كل تفاصيلي ...وأبحث عن جوانب الأنثى المجنونة ..؟
كانت قدماي تسرعان بالمشي ..لأسابق خطوات الناس والمنازل والشوارع.. أصبحت كقطرة ندى تسقط من شفاه الورد معلنة عدم الفراق ..فأنا أحببت الطريق الذي لاقاني بك ..
أصبح لكل يوم أراه فيك قصة وقصيدة تذبح على أعتابي الشوق واللهفة ...
أيمكن أن يكون لقاؤنا صدفة..؟!
تطل عليه من نوافذك دقائق.. نسرق منها النظرات ونبيح لبعضنا الوجود ونعدمه..
لم أعد تلك الفتاة المهووسة الطفولة ..المحمرة الخدين .. الطويلة الجدائل ...لقد كبرت كل الأشياء معي ..ولم يعد هناك حيز يسع لكل ما أريده ...
كيف تطابق نجمانا ..وكيف التقى كوني الضيق بكونك الفسيح...وكيف نسطر المشاعر على أوراق ..لنحرقها بعد ذلك بساعة من الغضب ..
كيف يمكن للقدر أن يختار لنا اللقاءات ..ويتفضل علينا ببعض العشق.
أيستحق عذابنا كل هذا الحرمان والألم...؟
أيستحق حبنا كل المجازفة وأن يكون حبيس جدران وذكريات...
كنت أرى الناس بلون واحد وبشكل واحد ..وبوجه واحد ..
أما بعد الآن أرى وجهك مرسوم عليهم ..على المنازل القرميدية الأسطح ... على ضوء الشوارع التي يلفها الشتاء الحزين ..
أراه على حبات المطر المتساقطة لتطفئ عشق الأرض..
لم ترتعش يداي حينما أحاول أن أكتب عنك ...وأشكوك لقلمي وأوراقي وكلماتي ..
لمَ وأنا التي ما عادت تهتم بالكلمات المنمقة الجسد.. والمحبوكة الفصول والفواصل ..
كل الأشياء أصبح لها ظل يشبهك ...غرفتي ..ستائري ...مرآتي ...آنية الزهر ...وزجاجة العطر.. تذكرني بالحب وألم الفراق..
هل تشفى ذكرياتنا مع انتحار الزمن...؟
أصبح شوقي لك فرس جامحة أحاول شد لجمها ...لكنك تمكنت من كل شيء استوطنت قلبي ولملمت بقايا إحساسي سيطرت على أعصابي ..
لم أستطع إخفاء توتري وأنت تمسك بسعادتي وتعاستي ..فأنت القاضي والجلاد..ومقصلة تنهي ما بدأناه سوياً..
الأحداث التي جمعتنا متسارعة كنبضات قلب حمامة فرت من صيادها ..
أصبحت لا أقوى على التقاط أنفاسي وأنا أعدو نحوك ونحو مستقبل أراه غضباً بيد طفل يقلبه في لحظة راحة وانكسار كيف يشاء .
أزرع حياتنا بين الوهم واليأس ..والحقيقة والخيال ..مسافات عشقنا شاسعة ..تكبر كلما ابتعدنا ..لتخلد قصتنا على مروجها المكسرة الفصول ..
تتلاشى الكلمات والسطور عندما أحاول كتابتك على أوراقي وتعم الفوضى حروفي ..
أنا لا أريد أن أكذب على نفسي وعليك ..وأقول بأني لم اشتهِ سيجارتك وأنت تنقض عليها بصفي الولو برفق وحنان لتأخذ ما تأخذه من قُبل وعشق لايباح إلا لها ولا تجد أحداً من الناس محدقاً أو مستغرباً فعلها...؟!
فما هي بنظرهم إلا سيجارة ...
ولا أنكر بأني تمنيت أن أسلبك عطرك الذي يحمله النسيم من البعيد لي ...ومعطفك المجنون بك تمنيت أن أكون فيه زراً فضياً أو نسيج أحد خيوطه التي تلامس جسدك دون ملاحقة نظرات المارة ..
أستحضر أفكاري المجنونة كل ليلة موقدة شموعي التي تنتحب الوقت..أسترجي أن يكلمني على لسانها .
لكنني هذه المرة تعثرتُ بذكائي.. اكتفيت هذه المرة بالوهم .
أصبحنا والحزن صديقين حميمين...فلم يأبَ أحدنا بترك
الآخر...جميل أن تكون الأحزان بلون السواد ..فلا أشعر بأنها إذا تغير لونها للأحمر أو الفيروزي سيكون لها شكل وجمال ثاني ..فكل الأشياء تنزع عنها ثوبها حتى الثعابين عندما تريد أن تزف كل عام تراها تغير فستانها عشرات المرات.. لكن طعم الفرح بالثوب الجديد سيكون نفسه فلا يوجد ما يبرر تغييره شيء.
إن جمال الحزن بالأسود الذي يرتديه.
من منا لا يحمل حقيبة حزنه معه ولا يأخذها إلى كل الأماكن ..بالمنزل و الشارع ..وفي المقهى العام ..ومكان عمله ..من منا يحاول أن يتخلص مما تحتويه ...؟
حاولت التخلص منها لكني وجدتُ نفسي مرتبة بها مع الأشياء التي أخذت مكانها بانتظام .
شيء عجيب أن تعشق ولا تحمد الله فالحب نعمه وبلاء ...لو كنا كذلك لفعلنا فعل زليخا التي عشقت يوسف وهامت بجماله وأطاعته رغم جفائه عنها لكنها فازت بقلبه ..فأوصلها إلى الزهد فيه.. وملاحق عشق أكبر وهو عشق( الله) ..أيعقل أن تكون مشاعرنا مزيفة مطلية بكل الألوان ..أيعقل أن يكون عشقنا كالحرباء تغير لونها كلما اقترب منها شيء حتى لو لم تشعر بالخطر ..
لكن عشقي لك لم ينسيني الله ولم يجعلني أغفل عنه ...قد لا أكون مثل زليخا ولا أريد تقليدها.
نبض أنثى الأعضاء
عدد المساهمات : 298 نقاط : 294 السٌّمعَة : -1 تاريخ التسجيل : 17/04/2010 العمر : 44
موضوع: رد: أوراق من زمن الماضي(1)...بقلم هدير الجميلي الأربعاء 21 أبريل 2010 - 10:45
اشكرك استاذ
ماقصرت
جميله الكاتبه هدير الجميلي
تحياتي
نبض أنثى
همسات الروح الأعضاء
عدد المساهمات : 1392 نقاط : 1674 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 10/04/2010 العمر : 41
موضوع: رد: أوراق من زمن الماضي(1)...بقلم هدير الجميلي الأربعاء 21 أبريل 2010 - 22:29
سلمت يد الكاتبة الأستاذة الراقية
هدير الجميلي
وسلمت يد الناقل احمد الهاشمي
الذي أمتعنا بقراءة هذه السطور
أحمد الهاشمي مدير عام
عدد المساهمات : 10896 نقاط : 13569 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 03/04/2010
موضوع: رد: أوراق من زمن الماضي(1)...بقلم هدير الجميلي الجمعة 4 يونيو 2010 - 0:08
اشكرك همسات الروح
تسلمي لمرورك الطيب
تحياتي
زينب بابان مشرفة عامة
عدد المساهمات : 10543 نقاط : 16309 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 04/05/2010 العمر : 53
موضوع: رد: أوراق من زمن الماضي(1)...بقلم هدير الجميلي الثلاثاء 28 سبتمبر 2010 - 16:51