نشأة النحو العربي

نشأة النحو

لكلِّ أمّةٍ من الأمم لغةٌ مخصصةٌ بها ، تُسهِّل على أفرادها طريقة التعامل، والتعايش . ولكلِّ لغةٍ قوانين تحكمها تنشأ تبعاً للحاجة التي تحددها قدرة هذه اللغة على البقاء ، والمطاوعة . وهذه القوانين هي ما تسمى بـ (النحو). الذي ولد في لغتنا العربية ، فنّـاً ترنَّمت به ألسنة العرب ، وتذوّقت حلاوته قبل أنْ يعرفوه علماً قائماً بذاته، فالنحو (( نشأ فنّاً قبل أن يكون علماً ، أي أنّ هذه الطرق للأداء في اللغة العربية ، قدٱلتزمت بٱطراد في تراكيبها وأساليبها . ومرّنت عليها ألسنة العرب ، وتمكنت من طبائعهم قبل أن توضع لها القواعد النحوية المجردة وضعاً علمياً ، وتُدرس دراسة مستقلة لتعرف وتحتذى))(1) . والنحو في الأصل نشأ مع اللغة ، إذ كيف تكون لغة بلا ضوابط تسير عليها ؟. لكنَّ النحو لم يُعرَف باديء ذي بدئ إلاّ حينما دعت الحاجة إليه، حين شاع اللحن بين الناس ــ الذي سنأتي على ذكره لاحقاً ـ فٱنبرى أبو الأسود الدؤلي (ت 69 هـ) إلى هذه القضية ,بإشارة ، وتوجيه ، ودعم من الإمام علي ( علية السلام )(2) . وهذا ما يؤكِّده لنا قول أبي الأسود حين سُئِلَ : ((من أين لك هذا النحو؟ فقال : لَفِقتُ حدوده من علي بن أبي طالب))(3) .وذكرأبوالطيِّب اللغوي ( ت 351 هـ ) في مراتب النحويين أنّ: ((أول مَنْ رسم النحو أبو الأسود الذي أخذه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب )) (4) .
بهذه المسيرة بدأ النحو سيره في الحياة ، ناشئاً بين يدي رجل ثبُتَ علمه ، ومعرفته بأمور الدين والدنيا ، وكلام العرب ،إنّه أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) . إذ ورد في الزينة رأي الإمام علي ( عليه السلام ) في كلام العرب قوله : (( كلام العرب كالميزان الذي يُعرَف به الزيادة والنقصان , وهو أعذب من الماء وأرقّ ُ من الهواء . إنْ فَسّرْتَهُ بذاته استصعب , وإن فَسّرْتَهُ بغير معناه ٱستحال , فالعرب أشجار , وكلامهم ثمار, يثمرون والناس يحتفون بقولهم يقولون , والى علمهم يصيرون)) (5). وعندما ظهر النحو حماية للدين ، كان لابُدّ من أن يكون هو صاحب فكرة نشوئه , ودليلنا إجماع كثير من مصادر النحو العربي على ذلك(6) . فقد رُوي عن الزجاجي ( ت 339 هـ ) أنّ أبا الأسود الدؤلي قال : (( دخلت على علي بن أبي طالب { عليه السلام}, فَرَأيْته مُطرقاً مُتفكِراً فقلت : فِيمَ تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : إنّي سَمِعْتُ ببلدكم هذا لحنّاً فأردتُ أن أضع كتاباً في أصول العربية , فقلت : إنْ جعلتَ هذا أحييتنا، وبقّيتَ فينا هذه اللغة , ثُمّ أتيته بعد ثلاث فألقى إليّ صحيفةً فيها : بسم الله الرحمن الرحيم . الكلام كله اسم ، وفعل ، وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى , والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى , والحرف ما أنبأ عن معنى ليس بٱسم ولافعل, ثُمّ قال : تتبعه وزِدْ فيه ما وقع لك , وٱعلم يا أبا الأسود أنّ الأسماء ثلاثة : ظاهرٌ ومضمرٌ , وشيءٌ ليس ظاهرٌ ولا مضمرٌ, وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ماليس بظاهرٍ ولا مضمرٍ . قال أبو الأسود : فجمعتُ فيه أشياء وعرضتها عليه , فكان من ذلك حروف النصب , فذكرت منها أنّ و إنّ و ليت و لعل وكأنّ , ولم أذكر لكنّ . فقال لي : لِمَ تركتها؟ فقلت : لِمَ أحسبها منها فقال: بل هي منها فزدها فيها ))(7) . وفي رواية أخرى يؤكد أبو الأسود أن الإمام علي (عليه السلام ) هو أول من وضع حدود هذا العلم , وسمّاه النحو . فقال: ((دخلتُ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوجدتُ في يده رقعة , فقلتُ : ما هذه يا أمير المؤمنين ؟ . قال: إنّي تأملتُ كلام العرب، فوجدتُه قد فسد بمخالطة هذه الحمراء , فأردتُ أنْ أصنع شيئاً يرجعون إليه , ويعتمدون عليه , ثم ألقى إليّ الرقعة وفيها مكتوبٌ : الكلام كله اسمٌ و فعلٌ و حرفٌ , فالٱسم ما أنبأ عن المسمى, والفعل ما أنبيء به , والحرف ما أفاد معنىً , وقال لي : انِحُ هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك ... ))( . وظل أبو الأسود يضع الباب تلو الآخر، ويعرض ما يصل إليه على الإمام علي ( عليه السلام ) إذ يقول : (( وكنتُ كُلّمّا وضعتُ باباً من أبواب النحو عرضتُهُ عليه إلى أنْ حصّلتُ ما فيه الكفاية , قال: ما أحسنَ هذا النحو الذي قد نحوتَ !. فلذلك سُمِّي النحو))(9)، فكانت تسميته بهذا الاسم لهذا السبب المذكور في تلك الرواية . والنحو بعد أن حدد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مسالكه , ووضع قاعدته , أشار إلى أبي الأسود الدؤلي , بأنْ يأخذ على عاتقه اِنجاز هذه المهمة الكبيرة , لثقته بأبي الأسود . ولأنّ الإمام , كان مُنْشغِلاً بأمور الناس , وتدبير شؤونهم , وكذلك الحروب التي نشبت في عصره , كانت عاملاً في ٱنشغاله عن مثل هذه المهمة . ولمّا أنجز أبو الأسود المهمة الموكلة إليه , ظهر علم النحو , علماً يهتم بالكلام العربي ، وصياغة تراكيبه ليؤدي إلى الحفاظ على سلامة هذا الكلام من اللحن والتحريف , ثُمّ يصل ذلك إلى قراءة القرآن الكريم . وقد وضعتُ هذا الفصل في مباحث ثلاثة , مفصِّلاً فيها . تعريف النحو, وأسباب ظهوره , وأشهر علمائه .



االهوامش

1 - المبارك : د. عبد الحسين - قضية الإعراب في النحو العربي - مجلة الضاد - تصدر عن الهيئة العليا للعناية باللغة العربية في الجمهورية العراقية - الجزء الثالث - 1989/ 111.
2- ينظر / .ابن خلدون (ت 808 هـ )- المقدمة - تحقيق - حجر عاصي - بيروت - 1988 / 339.
3 - الطنطاوي- نشأة النحو/ 19 .
4- أبو الطيب اللغوي : (ت351هـ) - مراتب النحويين - تحقيق - محمد أبو الفضل إبراهيم - مصر 1955/ 6، وذكره أيضاً ابن الأنبا ري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء - تحقيق - د. إبراهيم السامرائي - ط 3 - مطبعة المنار- الأردن 1985 /17 .
5- الرازي : الشيخ أبو حاتم أحمد بن حمدان ( ت 322هـ) - الزينة في الكلمات الإسلامية العربية - تحقيق - حسين بن فيض الله - ط1 - 1964/74.
6- ينظر/ السيرافي ( ت368هـ ) - أخبار النحويين البصريين- تحقيق - محمد عبد المنعم خفاجي - القاهرة 1955/13 ــ 14، وأبو الطيب اللغوي - مراتب النحويين/ 6 ،وابن الأنباري - نزهة الألباء / 17ومابعدها ، والزّ ُبيدي (ت379هـ)- طبقات النحويين واللغويين- تحقيق - محمد أبو الفضل إبراهيم - القاهرة ب ت /21، وابن النديم (ت380هـ) - الفهرست - تحقيق - د. يوسف علي الطويل - دار الكتب العلمية - بيروت - 2002 / 62.
7 - الزجاجي (ت339هـ) - الأمالي - تحقيق - عبد السلام محمد هارون - القاهرة - 1962/238 و239 ، وينظر/ابن الانباري- نزهة الألباء/18 ، والسيوطي (ت911هـ)- الأشباه والنظائر- تحقيق - عبد العال مكرم - بيروت - 1985 1/13.
8- /ابن الانباري- نزهة الألباء / 18، وينظر / القفطي: جمال الدين (ت646هـ)- أنباه الرواة على أنباء النحاة - تحقيق - محمد أبو الفضل إبراهيم - القاهرة 1950 1/5.
9- ابن الانباري- نزهة الألباء /19.





ستار أبو حسن الرماحي

علم النحو من اسمى العلوم قدرا وانفعها اثرا

لك جزيل الشكر استاذى ابو حسن الرماحى

اتمنى لك التوفيق والسداد من رب العباد

تم نقل الطرح الى واحة اللغه العربيه والرقى بها

تقبل تحياتى ومودتى

إعتزازي بمرورك الكريم ... وتقديري لأفاضتك الجميلة ..
أتمنى أن يوفقني الله في خدمة الجميع ...

شكراً لك وتقبلي احترامي

مشكور استاذنا الرائع ابو حسن ابو الاسود كان كاتب امير المؤمنين علي رضي الله عنه وكان امير المؤمنين يملي عليه فيكتب.لك مني اجمل تحيه للموضوع المتميز

الأخت الفاضلة جهاد ... تحية وإعتزاز ...
تفضلتِ وأجدتِ ... شكراً لمرورك الكريم

الأخت الفاضلة جهاد ... تحية وإعتزاز ...
تفضلتِ وأجدتِ ... شكراً لمرورك الكريم

مقال جيد كنت بحاجه اليه لاتعرف على نشاه النحو العربى
شكرا لابى الحسن وتحيه طيبه

الأخت شجرة الدّر مع التحية

شكراً للطفك ومرورك الكريم أسعدني

[u][b]

الأخت العزيزة عصفورة الشرق (زينب ) مع الود ...

تقديري وإعتزازي بك ... وأمنياتي لك بالتوفيق ...

إليك يا قمراً أنار الواحة بضيائه وبهائه ... أجمل الأماني والتقدير ...
وأتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم ..
شكراً لك ... وإعتزازي بك وبمتابعتك