قصة:
اللِّعِبُ بالأرقام
محمود أسد
mahmoudasad953@gmajl.comفي سهرةٍ اعتَدْنا قضاءَها مع مطلع كلِّ شهر . عُمْرُها سنوات . نتبادلُ فيها الأحاديث والأخبار المنوّعة . نتحدَّث عن الأولاد والعمل .. نسترجع الذكريات ، تأخذنا الحياة وظروفها . بصراحة كنّا ننفض عنّا غبار الأيّام الماضية. لكنّ سهرتنا بدأتْ تميل الى الجمود عن المألوف . فكلُّ شيء محسوب وله معيارٌ ونقترب منه بحذر وكأن شيئاً ما يحجز بيننا .
بيني وبين نفسي قلت : يا جماعة السهرة القادمة في بيتي ، وفي نفسي أضْمَرْتُ شيئاً في نفسي .
حضر الجميعُ .. والتفَّ الشّمْلُ .. وتبادلنا عبارات الترحيب وأحاديث الودِّ قلْتُ : ما رأيكم بالتجديد؟ وإعطاء ثوب جديد لسهرتنا القادمة والحالية . بعضهم وافق مباشرة ، وبعضنا أبدى تحفُّظاً . والآخر رفض الفكرة . وهذا ما كنت أتوقعه .. قلت لهم : نغيِّر الفكرة ونبحث عن لعبَة نلعبها . فلْنلعب لعبة الصراحة .. أيضاً وَجَدْتُ وجهات نظرٍ مختلفةً . ولاحظْتُ وجوماً ارتسم على الوجوه .. وغابت الابتسامة .. قلت : ما المانع من اللّعب ولكن على الورق .. ودون ذكر أسماء معيّنة .. نكتبُ أرقاماً عوضاً عن أسمائنا . وافقوا على مضض ووزِّعت الأوراق وكان السؤال : كيف تنظر لسهرتنا ؟ وعلاقاتنا ؟؟
رقم واحد – قال : نحن نخشى مصارحة أنفسنا وزوجاتنا . فكيف نتحدّث عن عيوبنا ؟ الورقة ذات الرقم الرابع كتب عليها : باختصار خيرُ عادة ألاَّ تعتاد عادة لذلك أرفض هذه الفكرة لأني لم ألتزم مطلقاً بعادة الصراحة . وهناك ورقة جاء فيها ، أنا هنا لإملاء الفراغ لا غير . ولماذا هذا الإحراج والتعب؟! ورقة أخرى وضع أحدهم فيها ثلاث إشارات استفهام .. وبعدها ثلاث إشارات تعجب … ثم كتب ، أحرص على عدم خسارة السهرة ، فأفتقدُ لحظة قد لا تعود … فاعذروني والورقة الأخيرة جاء فيها :
سأكتب في السهرة القادمة دعوني للتفكير …
في السهرة القادمة لم يأت سوى واحدٍ وبيده ورقة وقلم … وانتظر فلم يجد أحداً … طرق الباب … لم يفتح له… عاد وبيده الورقة وترك القلم . وراح ينغِّمُ عبارات لا يعرف دلالتها وطعمها …
الكساد
أخيراً تحرَّر من سجن الوظيفة. هذا حسب اعتقاده. عقودٌ أمضاها في التعليم و التربية. قال: لا بدَّ من عملٍ مفيدٍ يملأ وقتي و يقتل الملَلَ و الفراغ. جَمَعَ ما أخذَهُ من منحٍ و هباتٍ. ارتاحَ نفسيّاً و هو يرى الرفوف و عليها الكتب و المجلاَّت. ابتسم من أعماقه و هو يقرأ لوحة المحلِّ الجميلة ((مكتبة المنهل)) هنَّأه الأصدقاء و الأقربون و الزملاء و تمنُّوا له الخير..
أيّام و أيّام و هو يشعر بخيبةٍ تِلوَ خيبة. الكتب التي اختارها في مكانها. و لكنَّهُ كان دائماً يُسْألُ عن كتب لم يفكِّرْ فيها. _ عندكَ كتاب فن الطبخ؟
_ أبحث عن كتاب فن الحديث في المجتمع الراقي.
_ و أخرى تسأله: أحبُّ الاشتراك في المجلاّت التالية: فن الطهي ـ المطبخ العصري ـ و مجلة النصف الآخر ـ
نادين ـ الشبكة...
و بعدَ أسابيع عادَ إلى البيت و السؤالُ يطرق أذنه: أريدُ كتباً جلدُها أحمرُ. و مجموعة من قياس 14×22 لإملاء مكتبة البيت.
ـ ـ ـ