تمهيد :
يعنى فن المخطوطات بإظهار الكتب المخطوطة مطبوعة ، مضبوطة ، خالية نصوصها من التصحيف و التحريف ، مخدومة في حلة قشيبة ، تيسر سبل الانتفاع بها و ذلك على الصورة التي أرادها مؤلفوها أو أقرب ما تكون إلى ذلك و لا يدرك ذلك إلا بعناء و صبر على البحث و التمحيص .
و أصل " التحقيق " لغة ً : من حق الشيء إذا ثبت صحيحاً فالتحقيق : إثبات الشيء و إحكامه و تصحيحه ، تقول : حققتُ الأمر و أحققته إذا أثبتّه ، و صرت منه على يقين .
و المراد ب " النصوص " في باب التحقيق : أقوال المؤلف الأصلية لتمييزها عما يكتبه المحقق في الهامش من شروح و تعليقات .
[b]الفصل الأول :
في دراسة المخطوط العربي :
اختيار المخطوط :
على المحقق عند اختياره لمخطوط معين يود تحقيقه أن يتنبه لأمور عدّة كما أن عليه يلتزم بأمور منها :
1 ـ أن يأخذ حذره من أن يكون المخطوط نشر مسبقاً و ذلك بالرجوع إلى المصادر و الببليوغرافيات التي تساعده في الدلالة على ذلك .
2 ـ أن تكون ثقافة المحقق تقع ضمن دائرة موضوع المخطوط الذي يودّ العمل فيه لأن مصطلحات كل علم لا يدري بها إلا المختص بها لذلك إذا كان في المخطوط تحريف في مثل ذلك سَهُلَ على المتخصصين تلافيه .
3 ـ أن يتأكد أن للكتاب نسخاً أو نسخة على الأقل مخطوطة متوافرة يسهل الحصول عليها و ألا يكون من الكتب المفقودة و أن يأخذ فكرة عنه من الكتب التي أشارت إليه أو ذكرته .
جمع النسخ :
بعد اختيار المخطوط يقوم الباحث بعملية جمع للنسخ و للتعرف على مكان وجودها لديه طرق عدة للتعرف على مكان توافرها في مكتبات العالم نذكر منها :
1 ـ كتاب تاريخ التراث العربي للأستاذ فؤاد سزكين .
2 ـ قاعدة معلومات المخطوطات العربية في العالم التي أنشأها مركز الملك فيصل منذ فترة وجيزة المسماة " خزانة التراث " .
3 ـ معهد المخطوطات العربية بالقاهرة .
4 ـ مركز جمعة الماجد للثقافة و التراث بدبي .
5 ـ فهارس المخطوطات .
6 ـ سؤال المتخصصين من أهل العلم .
دراسة النسخ :
بعد الانتهاء من جمع ما تيسر للمحقق تحصيله من جمع النسخ فإن المرحلة التالية المتوجبة عليه هي قيامه بدراسة هذه النسخ و تقوم هذه الدراسة على ما معرفة ما في النسخ من تباين في الخط و العصر الذي كتبت فيه و توثيق هذه النسخ لمعرفة تباينها و اختلافها .
فعلى المحقق أن يتعرف نهج كل ناسخ و مقدار كفايته العلمية ليتعرف على مقدار ضبطه في الأداء و عيوبه في الوقت نفسه .
و لا بد من الإشارة أخيراً إلى وجوب الاستفادة من فهارس المخطوطات التي تبين الناسخ و تاريخ النسخ إذ أن دراستها دراسة أولية بواسطتها يمكّن الباحث من اختيار النسخ التي يحتاج إلى تصويرها و إن كان الشك يتطرق في كثير من الأحيان إلى صحة الوارد فيها سواء بأسماء النساخ أو تاريخ النسخ أو مكانه أو نحو ذلك من المعلومات الوصفية .
ترتيب النسخ :
بعد أن يقوم المحقق بجمع النسخ الخطية و دراستها يقوم عملية ترتيب أفضلي للنسخ و ذلك على حسب الترتيب التالي :
1 ـ نسخة المؤلف و التي نسميها النسخة الأم و يجب ملاحظة اعتماد آخر نسخة كتبها المؤلف فقد يكتب المؤلف كتابه ثم يضيف إليه من خلال قراءاته له و تدريسه له و مراجعته إياه لذلك فإن ما يمكن أن نسميه
" الإبرازة الأخيرة " هي التي يجب أن تعتمد .
2 ـ تلي نسخة المؤلف نسخة قرأها المؤلف أو قرئت عليه و أثبت بخطه أنه قرأها أو قرئت
عليه .
3ـ تليها النسخة التي نقلت عن نسخة المصنف أو عورضت بها و قوبلت عليها .
4 ـ ثم نسخة كتبت في عصر المصنف عليها سماعات على عالم متقن ضابط أو علماء .
5 ـ ثم نسخة كتبت في عصر المصنف ليس عليها سماعات .
6 ـ نسخ أخرى كتبت بعصر المؤلف و فيها يُقدم الأقدم على المتأخر و التي كتبها عالم أو قرئت على عالم و في حالات أخر نصادف نسخة متأخرة مضبوطة تفضل أقدم منها يعتورها تصحيف و تحريف و سقط .
لا يجوز نشر كتاب عن نسخة واحدة إذا كان للكتاب نسخ أخرى معروفة لئلا يعوز الكتاب إذا نُشر التحقيق العلمي و الضبط مرة أخرى .
مؤلف المخطوط :
تصادف المحقق أحوال في نسبة الكتاب إلى المؤلف :
1 ـ فإما أن يكون الكتاب يقيناً لمؤلف معين أشارت إليه المصادر مثل كتب التراجم و كشف الظنون و أدلة الكتب .
2 ـ أو أن يُنسب إلى أكثر من مؤلف فتتنازع المصادر و تتردد في نسبة الكتاب لمصنف معين .
3 ـ أو أن يكون مجهول المؤلف فلا يُظهر المخطوطُ اسم مصنفه و لا تكون عليه دلالة .
لذلك فإن على المحقق أن يسلك الطرق التالية التي من الممكن أن تساعده على معرفة مؤلف المخطوط :
1 ـ معرفة تاريخ النسخ سواء عن طريق ما هو مثبت من على المخطوط أو من خلال الخط إذ يعين ذلك الباحث على معرفة الفترة التي تلت حياة المؤلف أو عاش فيها و ليحذر من أمارات التزوير في الخط التي من الممكن الوقوع فيها نتيجة فعل تجار المخطوطات و الآثار .
2 ـ معرفة نوع الورق و الحبر المستخدمين في المخطوط إن تيسر له معاينة المخطوط مادياً .
3 ـ قراءة المخطوط قراءة متأنية للوقوف على شواهد و قرائن تساعد المحقق على معرفة المؤلف .
4 ـ إن كان الكتاب جزءاً حديثياً وجب علينا تتبع الراوي الذي يروي عنه المصنف أسانيده و هذا ما يدلنا على معرفة الطبقة التي أخذ المؤلف عنها و بالتالي فإن مراجعة كتب التراجم و تتبع تلاميذ شيوخ المصنف يمكننا من معرفة صاحب الكتاب .
5 ـ إن الموضوع الذي يتناوله المصنف يساعدنا بشكل رئيس على معرفة مؤلفه إذا حصرنا العصر الذي أُولف فيه .
6 ـ إن لغة الكتاب أم مهم جداً في معرفة عصر المؤلف و ربما المؤلف ذاته .
7 ـ و أود أن أشير هنا إلى أنه لا يجب النظر إلى المصادر و المراجع الهامة بقدسية تحجر و تمنع الباحث من إعمال فكره فقد يعتورها كغيرها من الكتب تصحيف أو تحريف أو سقط أو خطأ من مؤلفها أو من النسّاخ أو من محققها أو من طابعها .
يتبع بعون الله تعالى ...[/b]