واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 موسوعة العالم الإسلامى

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:21

ملامح الوحدة في حضارة العالم الإسلامي


المصدر : http://www.islamset.com/arabic/aencyclo/malameh/main.html

حضارات ما قبل الإسلام

الحضارة الإسلامية، مثل غيرها من الحضارات، لم تنشأ من فراغ ، ولم تظهر من العدم أو من تلقاء نفسها، بل سبقتها حضارات عريقة أخرى في هذه المنطقة من العالم، تواصلت معها وأثرت فيها.
ففي القرن الرابع قبل الميلاد، قام الاسكندر المقدوني (356- 323 ق. م) بأول محاولة لإقامة دولة واحدة تشمل أقاليم من أوروبا وأسيا وأفريقيا، وتمتد من مقدونيا إلى الهند. ولم يكتف الاسكندر بهذا التوحيد السياسي، بل اتخذ وسائل أخرى لتوحيد العناصر البشرية في هذه المنطقة من العالم، مثل احترام جميع أديانها، والصلاة ني مختلف معابدها، وتأسيس عدد كبير من المدن الجديدة التي عرفت باسم "الإسكندريات " نسبة لاسمه، ويقدر عددها بنحو 27 مدينة، بعضها في بلخ وصغديانا ، وفي أسفل القوقاز، وفي مصر... الخ. وكان هدفه من وراء ذلك أن تختلط في هذه المدن عناصر بشرية من السكان الأصليين مع الجاليات اليونانية ، لينشأ من هذا الاختلاط ثقافة جديدة، تستمد أصولها من الحضارات السابقة.
وهكذا صارت "الإسكندريات " بمثابة بوتقات علمية، تنصهر فيها هذه الثقافة الجديدة.
وقد حرص الاسكندر الأكبر على تطبيق هذه المبادرة على نفسه، ليكون قدوة لغيره حين تزوج الأميرة روكسانا الفارسية ، وأمر قواده ان يفعلوا مثله.
وعلى الرغم من أن دولة الاسكندر لم تلق نجاحاً بعد وفاته، إذ تفككت إلى ممالك متفرقة بين قواده ، إلا أن الحركة العلمية التي كان ينشدها استمرت وازدهرت من بعـده، وهي التي اشتهرت باسم "العصر الهلنستي " ، تمييزاً لها عن العصر الهليني الذي ساد اليونان قبل عصر الاسكندر. ومن أشهر المراكز الهلنستية الجديدة، مدينة الإسكندرية المصرية بمكتبتها ومدرستها العلمية التي كانت مزيجا من كل الحضارات السابقة، وخصوصا الحضارة المصرية القديمة.
وفي شمال الهند في حوض نهر السند ، حاول الملك الهندي أشوكا Ashoka في القرن الثالث قبل الميلاد، أن يجعل من البوذية دينا عالميا، وبشر به ملوك الأرض ولا سيما في بلاد الإغريق والدول الهلنستية ، لإقامة وحدة عالمية. وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من اليونانيين اعتنقوا البوذية، إلا أن محاولته لم تلق الاستمرار والنجاح، وبقيت البوذية قاصرة على أقاليمها في الهـند والشرق الآسيوي .
ومحاولة الملك أشوكا في الهند تذكرنا بمحاولة شبيهة رائدة ، سبقتها بوقت طويل على يد فرعون مصر الملك أخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد (الأسرة 18)، عندما بشر في نشيده المشهور بإله العالم "أتون " الذي يهتم بكل مظاهر الطبيعة ، إنسانها وحيوانها ونباتها، وكأنما أراد بذلك إقامة وحدة عالمية روحية، تربط على الأقل بين أجزاء مملكته الممتدة من الشام شمالاً إلى النوبة جنوباً .
وما يقال عن مصر والهند واليونان ، يقال أيضاً عن الحضارة الفارسية ذات التراث الآسيوي العريق ، والتقاليد الملكية القديمة ، والنظم الإدارية المتطورة، إلى جانب المراكز الهلينية المنتشرة في أنحائها مثل بلخ ، ومرو ، وجنديسابور... وغيرها. لقد بد أ الإيرانيون حياتهم الدينية مثل كثير من شعوب العالم ، بعبادة قوى الطبيعة ، ثم ظهرت "الزرادشتية" على يد مؤسسمها زرادشت zoroustre في القرن السابع قبل الميلاد ، منادية بأن الوجود قائم على مبدأين أساسيين هما: الخير (أهورا ويسمى يزدان) ، والشر (أهرمن) ، أو النور والظلام. وبما أن النور مصدره الشمس، والشمس من نار، لهذا لعبت النار دوراً هاماً في هذه العقيدة ، باعتبارها مصدر الإشراق والنور والضياء، فقدسوها وعبدوها، وصار لهم كتاب مقدس يعرف "بالأفستا" أي المعرفة. غير أن الزرادشتية لم تلبث مع مرور الزمن بسبب سيطرتها وتعصبها، أن ووجهت بحركات دينية مضادة مثل "المانوية، على يد "ماني Manes" في القرن الثالث الميلاري، وأتباعها لهم نزعة صوفية هدامة، تحض الناس على التقشف وعدم الزواج والإنتاج، ويرون ان الخير في العدم المطلق. ولهذا حوربت وبقيت دعوة سر ية.


وإذا كانت "المانوية" 3 دعت إلى الزهد والبعد عن النساء، فإن ديناً آخر لم يلبث أن ظهر في ايران وهو "المزدكية" على يد صاحبه "مزدك " الذي دعا الناس إلى حل مشكلاتهم ونبذ خلافاتهم بجعل الحق في الأموال والنساء مشاعاً بينهم. وقد نجح سعيه بين العوام والمحرومين، ولكته مات قتيلاً في منتصف القرن السادس الميلادي ، وبقيت دعوته سرية مثل "المانوية" وكل هذا يدل على حالة الاضطراب والفوضى الدينية فى إيران قبيل الإسلام.
وهكذا نرى مما تقدم، أنه كانت هناك في هذه المنطقة من العالم، حضارات عريقة نشأت قبل الإسلام، وسادتها روابط وصلات مختلفة، بل كانت هناك محاولات لتوحيد بعض مكوناتها لم يكتب لها النجاح، ولكنها مع ذلك صبغت هذه المنطقة بروح جديدة وهي الروح الشرقية التي أخضعت الفلسفة اليونانية لما دخلت بلادها، فأسبغت عليها ثوباً من روحانياتها وإلهامها ، وهي الروح التي جعلت علماء التاريخ والاجتماع يدركون خصائص مشتركة بين الشرق، تخالف تلك التي للغرب، روح ورثها الشرقي من أجيال ، وساعدت على تكوينها بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية، وجعلتهم يتذوقون غير ما يتذوقه الغربي، ويدركون الأشياء على غير النمط الغربي، كما جعلت لهم مدنيات تحالف من وجوه كثيرة المدنيات الغربية . جاءت الأديان المختلفة من: بوذية وزرادشتية ويهودية ونصرانية، فصبغت هذه الروح صبغة خاصة، صبغة لا مادية، تؤمن بإله فوق العالم، وترجو جنة، وتخاف ناراً، وترى أن وراء هذه السعادة الدنيوية، والشهوات الجسمية، سعادة أخرى روحية.


جاء الإسلام كمنهج حياة ، يرسم الطريق وينير سبل الهداية. منه انبثق الحل العلمي والدائم لمشاكل الإنسانية التي كانت تشكو من الفراغ الديني والفكري والسياسي والثقافي ، فالفكر اليوناني- الإغريقي لم يؤمن إلا بالمحسوس وافتتن بلذائذ الدنيا ومغريات الحياة وغلبت عليه النزعة الإقليمية الضيقة باعتماده على المنهج الاستنباطي أو القياس القائم أساساً على النظر الفلسفي والفكري المادي دون الالتفات لمنهج التجربة فكأن الفكر اليوناني اقتصر على المادية ثقافة وعلماً وفلسفةً وشعراً ودنيا.
والفكر الروماني مجد القوة العسكرية إلى حد العبادة والتقديس، وتميز بالنظرة المادية المحضة إلى الحياة، فكانت محصلته ، غلوا في تقدير الحياة وشكاً في الدين وضعفاً في اليقين واضطراباً في العقيدة ، فتعددت الآلهة، وترتب على ذلك أحداث البغضاء بين الله والإنسان، وما الحياة عندهم إلا فرصة للتمتع، ترف في العيش وانتهاب للذات. والفكر الفارسي قبل الإسلام اعتمد تقوية السلطان والقوة الجسدية وقال بجريان الدم الآلهي في عروق أكاسرته وأشاع بين الناس نظرية التفاوت الطبقي.
وعلى الجانب الآخر من العالم، في الصين والهند، كان الاختلال يبدو واضحا فيما يتصل بالجوانب النظرية أو الجوانب العملية من حياة الإنسان فيطغى أحدهما على الآخر، إذ يغرق أحياناً في الروحانيات أو يطغى في الماديات، فلا توازن ولا انسجام.
وبنزول الإسلام اتضحت معالم الحياة الدنيوية والأخروية تمام الوضوح فبالألوهية والربوبية ، تحققت العدالة والمساواة والكرامة والحرية للإنسانية، فالله سبحانه وتعالى وحده هو المعبود، والمسلم ينقاد ويخضع لأوامر الله سبحانه وتعالى وحده، والله جل جلاله هو مالك كل شيء، ولم يكن الإسلام محدود المكان ولا وطني النزعة ولا مغلقاً على أهله ولا طبقياً، وإنما كان إنسانياً عاماً، واسع الأفق، يخاطب أي إنسان في أي مكان ويقيم أخوة إنسانية عامة .{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثـى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات ـ آية 13 ) .
وكانت نظرة الإسلام للإنسان والحياة شاملة، فقد أقر الإنسان كجسم وعقل وروح، في الجسم، النوازع والغرائز ، والعقل وسيلة لتحقيق الرغبات والنوازع وتذليل العقبات التي تعترض ذلك، والروح، مركز الأمل والألم والعواطف والشعور، وكان التهذيب هو عامل التوازن بين الروحانية والمادية ، فالروحانية المهذبة هي أساس المادية المهذبة " وابتع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا " (القصص- أية 77) وفي الأثر، إن لربك عليك حقاً ، إن لجسمك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.


وفي الإسلام، تظل علاقة الإنسان بخالقه ، علاقة قوامها التنظيم والهيمنة ، فالإنسان المسلم يسلم نفسه لبارئه وخالقه، بلا واسطة، وإنما برقابة ذاتية تنبىء عن شخصية قوية مستقلة للإنسان المسلم عبدت الله سبحانه وتعالى حق عبادته وانكبت إلى دنياها فتمتعت بحقها في الحياة كما أمر الله جل جلاله.
فلما جاء الإسلام وننشر نوره عن هذه الممالك الشرقية، زاد هذه الروح وقواها، وعمل على توحيدها بين أفراد الدولة الإسلامية مهما اختلفت أجناسهم وأنواعهم. وهكذا نجح الإسلام بوصفه عقيدة دينية ومنهجاً للحياة وقوة موحدة، في إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق، تقوم على الحرية والمساواة والتسامح، وتعمل على إزالة الحواجز السياسية بين البلاد المختلفة الممتدة في القارات الثلاث، وتعطيها شكلاً موحداً . فكان المسلم يجد نفسه في كل هذه الأماكن: نفس الدين ونفس الصلوات والقوانين، حتى أنه كان يشعر دائمإً بأنه في وطنه خلال رحلاته البعيدة أو أثناء عملياته التجارية خارج بلاده. فالإسلام، كما يقول البعض ، كان بمثابة جواز سفر فوق العادة، يضمن لصاحـبه حرية التنقل والمرور، بل وحسن الاستقبال في كل مكان يحل فيه.
ويلاحظ في هذا الصدد أن المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط ، لم يكن- كما هو الحال اليوم- ينقسم إلى قوميات، بل كانت هناك طبقات أفقية على طول امتداد عالم الإسلام، فهناك طبقات العلماء والتجار والمتصوفة والجنود... الخ. وكان أفراد كل طبقة يتعاطفون فيما بينهم مهما بعدت المسافات واختلفت الجنسيات. فالرحالة المغربي "ابن بطوطة " يصرح بأنه استطاع بخرقة التصوف أن يجوب بلاد العالم الإسلامي، وأن يجد كل ترحيب ومساعدة في الأماكن التي مر بها. ود هذا يدل على وجود ما يصح أن يسمى أمة واحدة ، لها أدب واحد ، وثقافة واحدة ، وعلم مشترك.
فالعالم الإسلامي إذن يمثل وحدة تاريخية فريدة من نوعها مهما باعدت بين أجزاء هذا العالم المسافات، وفرقت بين أطرافه المذاهب والسياسات، فالفرقة السياسية بين دوله وحكوماته لم تحل دون لقائها على الصعيدين الشعبي والحضاري. ذلكم بأن الإيمان بالإسلام كنظام متكامل للأخلاق والمدنية والاجتماع والاقتصاد والسياسة يظل صمام ا لأمان بين المسلمين أينما كانوا، فهو الذي يقيم قوإعد حضارة الإسلام ويميز عناصر الحضارة الصالحة عن عناصرها الرديئة، يدافع عن نظامه ويجذر أصوله، وعلي هذا الإيمان تتوقف أخلاق الأفراد ووحدة الأمة، وحفظ الوجود الحضاري للامة الإسلامية، فالمبادىء التي طرحها الإسلام قادرة على فرز عناصر قوية تتصدى لجميع الأنظمة السياسية والأفكار الفلسفية التي تحاول النيل من الإسلام. ويصمد أمام زحف النظريات المادية والرأسمالية والشيوعية في حين أن الديانات الأخرى لم تصمد أمام زحف تلك النظريات فشاعت النظريات وانتشرت بين أممها وشعوبها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:23

ظهور الإسلام وانتشاره

تبدأ قصة الحضارة الإسلامية على يد أشرف المرسلين محمد بن عبد الله (r ) حينما أنزل الله على قلبه القرآن الكريم ، الدستور الخالد للإسلام والمسلمين، ليهتدي به البشر في كل زمان ومكان . { الر كناب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } (سورة ابراهيم- أية ا) وقد تكفل الله بحفظه باعتباره المصدر الأول للتشريع في قوله تعالى :" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون " (سورة الحجر- أية 9).
وبعد القرآن الكريم تأتي سنة الرسول (r) التي منها نستكمل أحكام الدين ونستوضح بعض أركان تعاليمه. فعلى أساس هاتين الدعامتين: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، تقوم تعاليم الإسلام في الأمور الدينية والدنيوية.
فالإسلام على هذا الأساس: دين أولاً ، ودولة ثانياً ، إلى جانب كونه حضـارة وثقافة ورسالة إصلاحية تتمثل فيها ذرى العلوم والمعارف. ومحمد صلوات الله عليه، ما هو إلا رسول كريم، ومصلح كنير له رسالة سامية يراد له تنفيذها. وبطبيعة الحال لقيت هذه الرسالة معارضة كبيرة لأنها تريد من الإنسان ترك عاداته ومعتقداته التي يعتز بها والتي ورثها عن آبائه وأجداده. وحررت رسالة الإسلام الإنسان من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، لأن في عبادة الإنسان غيره إلغاء لعقله وكيانه وتعطيلاً لطاقاته المادية والمعنوية، ورفعته على جميع المعتقدات بربطه بجسر روحي ومادى مع خالق الإنسان دون وسيط أو دخيل، في الوقت الذى كانت جميع الأديان السابقة تفصل بين الفرد وخالقه بوساطات وهياكل وطقوس كهنوتية قال تعالى: { اتخـذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ( التوبة ـ آية 31 ) ، وقال تعالى : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} (الفرقان- آية 43، 44)، ومن هنا كانت معارضة أصحاب الهوى والمصالح لرسالة الإسلام. والإنسان محافظ بطبعه، ولا يندفع إلى التجديد إلا إذا دفع إلى ذلك دفعاً . فالحضارات لم تأت عفواً، وإنما جاءت بعد تضحيات كثيرة. ومن هنا كانت المعارضة لرسالة النبي من جميع نواحيها الدينية والأخلاقية والاجتماعية أمراً طبيعياً.
وقد لجأ أصحاب هذه المعارضة إلى تحدي الرسول(r) والاستهزاء به، واتهامه بشتى الاتهامات، كالجنون، أو السحر والشعوذة، أو حب الرياسة والسلطان، ثم تطورت المسألة إلى الرغبة في التخلص منه.
وهنا يضطر الرسول (r) أن يغادر موطنه العزيز على قلبه، مكة المكرمة، وهو كاره حزين، متجهاً إلى "يثرب ". وفي خلال الطريق في مكان يسمى "الجحفة"، واساه الحق سبحانه وتعالى مبشراً إياه بعود حميد في قوهـ، تعالى : {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } (سورة القصص- أية 85).
وبعد مسيرة ثمانية أيام، استقر الرسول في، يثرب " في 16 ربيع الأول (20 سبتمبر سنة 622 م) وهذا ما نسميه بالهجرة، وهو حدث عظيم في تاريخ الإسلام لأنه يعتبر بدء رسوخ الإسلام وتدعيمه، ولهذا جعله عمر بن الخطاب بداية التاريخ عند المسلمين.
وجد الرسول (r) مدينة "يثرب " منقسمة على نفسها انقساماً شديداً، فهناك اليهود من جهة، وعرب الأوس والخزرج من جهة أخرى. واستطاع اليهود أن يوقعوا بين قبيلتي الأوس والخزرج، فقامت بينهما حروب طاحنة أهمها الموقعة المعروفة "بيوم بعاث " قبيل الهجرة بنحو خمس سنوات. وفيها هلك من الفريقين عدد كبير من أكابرهم وأشرافهم، مما أدى إلى ظهور اليهود وسيطرتهم على أراضي ا، يثرب "واقتصادياتها، ورأى المنتصر والمهزوم من عرب، يثرب)، سوء ما صنعوا، وتطلعوا إلى فترة يسودها السلام والهدوء، والدليل على ذلك تلك الأعمال الأولى التي قام بها الرسول هناك في سبيل توحيد الصفوف وتأليف القلوب.
وهنا يبدأ طور جديد من أطوار حياة الرسول لم يسبقه إليه أحد من الأنبياء والرسل، وهو طور سياسي أبدى فيه الرسول من الحنكة والمهارة ما مكنه من أن يصل "بيثرب " وبمجتمع أهل المدينة إلى وحدة سياسية منظمة لم تكن معروفة من قبل في سائر أنحاء الحجاز.
وفيما يلي بيان الأسس التي قامت عليها هذه الجماعة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة:
(1) بناء المسجد الجامع ليكون مركزا للعبادة، وقاعدة للدراسة والتشاور في الشئون العامة.
(2) المؤاخاة بين "المهاجرين " من أهل مكة و "الأنصار" من أهل يثرب، أخوة روحية تنص على وجوب التناصر والتعاون والتكافل.
(3) وضع دستور عرف باسم "الكتاب أو الصحيفة"، لتنظيم هذه الجماعة الإسلامية الأولى كأمة واحدة، تسودها الوحدة والترابط، وكذلك تنظيم العلاقة بين المسلمين ويهود يثرب الذين أقرتهم الصحيفة على دينهم وأموالهم ما داموا مع المسلمين .
وهكذا استطاع الرسول (r) بقدرته السياسية الفائقة، أن يوحد صفوف هذه الأمة المعقدة بأحزابها وفرقها المختلفة، وأن يحدد شكل الدولة الإسلامية أو المدينة الإسلامية، كدولة ومدينة في أن واحدCity- State . تسكنها جماعة متجانسة من الناس، وتنظم أمورها بنفسها وفق دستور مكتوب.
ثم اتسع نطاق هذه الجماعة الإسلامية أو دولة الرسول بالمدينة على صورة دولة عربية إسلامية، شمل نفوذها الحجاز وتهامة ثم الجزيرة العربية كلها، وتلك كانت حدودها عند وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام في (12 ربيع الأول سنة 11 هـ) (يونيو 633 م).
ولم تلبث هذه الدولة العربية الإسلامية الفتية أن قامت بإنجازات عسكرية وحضارية والسعة النطاق في عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية ( 11- 132 هـ/633- 749 م) ومن أهمها حركة الفتوحات الكبرى التي زادت في مساحتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:25

الفتوحات الكبرى وانتشار ا لإسلام

انتشر الإسلام وازدادت الدولة اتساعاً في طورين أساسيين:
العهد الراشدي: (11 هـ/632 م- 0 4 هـ/1 66 م):
في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر وصدر خلافة عثمان، وشمل فتح الشام والعراق ومصر وفارس، وقد حمل العرب إلى تلك الأقطار مبادىء دينهم الحنيف، الذي انتشر فيها، وأقبل أهلها على اعتناقه لسمو مبادئه وذلك طواعية واختيارا ودون إكراه من جانب العرب الفاتحين عملاً بقول القرآن :{ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . ( سورة البقرة: 256) وقوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } (سورة النحل: 135).
فلما أقبل كثير من أهل البلاد المفتوحة على الإسلام، نشأت الطبقة المعروفة "بطبقة الموالي " في تلك البلاد. ولا شك أن نجاح العرب في فتوحاتهم في هذا الطور الأول يرجع إلى قوة إيمانهم واتحادهم، وإلى نظرتهم العادلة إلى أهل البلاد المفتوحة، فكانوا يكتفون بالجزية من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وحتى عندما فتحوا فارس ، أنزلوا المجوس (الزرادشتية) منزلة أهل الكتاب واكتفوا منهم بالجزية.


العهد الأموي: (41 هـ/661 م-132 هـ/751 م):

في عصر الدولة الأموية في أواخر القرن الأول الهجري. ويمتاز هذا الطور عن سابقه، بأن العناصر المحلية أو الموالي الذين دخلوا في الإسلام، وقفوا جنباً إلى جنب مع العرب في فتوحاتهم الجديدة التي شملت أقاليم "خراسان"، "وما وراء النهر (نهرجيحون) "، و"حوض السند"، وبلاد "المغرب والأندلس ". ومن المعروف كذلك أن موالي القبط اشتركوا مع العرب في قتال الروم في البحر في موقعة ذات الصواري سنة 34 هـ/ه 65 م- كما أصبح البربر بعد اعتناقهم الإسلام يشكلون الكثرة الغالبة في الجيوش الإسلامية التي فتحت الأندلس وجنوب فرنسا.
وكان هذا التعاون الوثيق بين العرب وبين العناصر المسلمة الجديدة في ظل الدولة الإسلامية، من أقوى الأسباب في مد نطاق الفتوح الإسلامية في هذا الطور الثاني الذي تضاعفت فيه رقعة الدولة الإسلامية التي امتدت من أواسط آسيا شرقاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً، فالوحدة التي شملت جميع العناصر الإسلامية من عرب وفرس ومصريين وبربر وهنود هي السر في امتداد الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً ويعزى لبني أمية الفضل في توحيد الثقافة في العالم الإسلامي، إذ كانوا قد نجحوا في نشر الإسلام في رقعة واسعة من الأرض تضم شعوباً مختلفة وثقافات متنوعة. تعرضت لتأثيرات يونانية ورومانية، وسريانية وآشورية، كان من الممكن أن تسيطر على الثقافة العربية الإسلامية لولا ما اتصف به خلفاء بني أمية من إحساس عميق بالقيم الفكرية والخلقية للتراث العربي القديم والمعرفة الواسعة بالدين الإسلامي الجديد، والرغبة العارمة في أداء الواجبات الرئيسية لأمير المؤمنين والتي تتمثل في حماية الدين الإسلامي والعمل على نشره، إضافة لصفة التفتح العقلي التي اتصفوا بها، واستعدادهم الطبيعي للإفادة من خبرات الآخرين، ولذا فقد عمل الأمويون على طرح أساليب العمل، وأنشأوا المؤسسات لتتولى عملية تثبيت الإسلام ونشر اللغة العربية بين المجتمعات الإسلامية الجديدة، فأكثر الأمويون من فتح الكتاتيب العربية لتعلم الكتابة، واستدعي أعلام الفكر والأدب لعقد ندواتهم ومناظراتهم بحضور الخلفاء ومن ثم الاهتمام بالمكتبات وتنميتها، والإبقاء على المدارس الأجنبية في نصيبين وحران وعدم التعرض لنشاطها، مما ساعد تلك المد ارس على الاستمرار في أعمال الترجمة، والاستعانة بأهل البلاد المفتوحة من عرب وغيرهم للمساهمة في المجالات الحياتية الجديدة، وأعطى بنو أمية للعلوم النظرية والتطبيقية عناية متميزة، فظهرت علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والسير والمغازي ، وكانت العناية بتلك العلوم ملحة لتسهم في استقرار البلاد الإسلامية وذلك بغرض تعميق تمسكها بالدين الإسلامي، وإتقانها العربية، لغة القرآن الكريم.
ومن الجدير بالذكر أنه توفرت في الدولة الأموية كل العوامل التي تساعد على قيام مراكز ثقافية تعنى بالنشاط العلمي ، فكانت البصرة والكوفة علاوة على دمشق ، العاصمة، نقاط التقاء الثقافات وتقاطر أهل العلم والمعرفة من مختلف البلدان والأمصار عليها للدراسة.
لقد كانت جهود بني أمية واضحة في انكفائهم لتشجيع العلوم ورعايتهم لحركة الترجمة،- وتمثل ذلك- بجهود خالد بن يزيد، حكيم بني أمية/ الذي اشتغل والراهب ماريانوس في ترجمة العديد من الكتب اليونانية، ومثله فعل ماسرجويه في عهد مروان بن الحكم، 64 هـ/683 م الذي ترجم كتاب أهرن بن أعين الطبي، وسرجون بن منصور، وطبيب الحجاج ثاوذون.
لقد كان للأمويين فضل الريادة في الاتجاه نحو ثقافات الشعوب التي انتشر بينها الإسلام، وعملوا على استيعاب تلك الثقافات، وتعاملوا بمهارة مع المشكلات والعقبات التي اعترضت عملية النقل والتفسير من تلك الثقافات ووضعوا الحلول المناسبة لها ، فما كان على بني العباس، إلا الاستمرار على المنهج والنسق الذي ابتداه الأمويون.


العهد العباسي: 32 1 هـ/0 75 م-656 هـ/258 أم:

وقامت بعد ذلك الدولة العباسية على 2 نقاض الدولة الأموية سنة 132 هـ (750 م)، وامتد حكمها خمسة قرون إلى أن سقطت على أيدي المغول أو التتار بزعامة!هولاكو) حفيد جنكيزخان " سنة 656 هـ (1258 م) . وعلى الرغم من أن الأسرة العباسية الحاكمة كانت أسرة عربية هاشمية، تنحدر من سلالة العباس بن عبد المطلب عم النبي (r) إلا أنها اعتمدت على "الموالي)" أي على الشعوب التي دخلت في الإسلام. ولذلك لهـم ينظر العباسيون إلى جنس معين من رعاياهم يتعصبون له على نحو تعصب الأمويين للعرب، بل نظروا إلى الشعوب التي تتألف منها الأمة الإسلامية نظرة واحدة مع اختلاف أجناسهم وألوانهم ، عملاً بمبدأ المساواة الذي ينص عليه ا لإسلام في قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (سورة الحجرات 13). وبهذه السياسة وهذه النظرة إلى الشعوب الإسلامية، تقاربت الأعراق الإسلامية، وتداخلت بالزواج المختلط أو التوليد، ونشأ عن هذا الاختلاط جيل جديد من المولدين، وأصبحت الدولة الإسلامية وكأنها وطن لأمة واحدة لا لشعوب مختلفة، تدين بدين واحد، وتتكلم لغة واحدة .
وقد اتجهت سياسة الدولة العباسية- منذ البداية- إلى المشرق، وكان هذا سر نجاحها، فاتخذت من بغداد عاصمة لها بدلا من دمشق، رغم أن هذا التوجه قد أسفر عن ضعف نفوذها في الأطراف الغربية التي أخذت تنسلخ تباعاً، فاستقلت الأندلس على يد "صقر قريش،" عبد الرحمن الداخل الأموي سنة 137 هـ/ 755 م، كما استقل المغرب الأقصى على يد الأدارسة العلويين " سنة 72 1 هـ 788 م، والمغرب الأوسط على يد "بني رستم الخوارج الأباضية" سنة 38 1 هـ/ه 75 م، و اكتفى العباسيون- إزاء هذا- بإقامة دولة حاجزة موالية لهـهم في المغرب الأدنى هي "دولة الأغالبة". والتي امتد حكمها من سنة 84 اهـ/0 80 م- 296 هـ/09 9 م وقد استطاعت هذه الدولة الأغلبية المجاهدة أن تحقق إنجازاً حربياً كبيراً ، بفتح جزيرة صقلية على يد القائد المسلم الفارسي "أسد بن الفرات "في عهد زيادة الله الأول الأغلبي سنة 3 31 هـ (838 م)، ثم فتح جزيرة مالطة التي تقع بين صقلية وأفريقيا فى عهد!محمد الأغلبي " المدعو بأبي الغرانيق وذلك سنة 356 هـ (870 م).
غير أن نفوذ العباسيين وإن كان قد ضعف وزال في المغرب والأندلس، إلا أنه قوي في المشرق- فابن الأثير فى كتابه الكامل في التاريخ يشير في حوادث سنة 133 هـ إلى أن جيوش أبي مسلم الخراساني ، استطاعت أن تهزم في موقعة نهر طراز الجيوش الصينية التي أخذت تتدخل في بلاد تركستان بأواسط أسيا. ويبدو أن هذا هو أول ذكر للاحتكاك الحربي بين المسلمين والصين في المراجع ا لإسلامية.
ومنذ ذلك الوقت نلاحظ أن الحضارة الإسلامية أخذت تسود بلاد أواسط أسيا بعد أن أزاحت عنها الوجود الصيني. كذلك قامت في الأطراف الشرقية للدولة العباسية، دول إسلامية عريقة عملت على نشر الإسلام هناك باسم الخلافة العباسية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:26

الكيانات الحضارية الإسلامية في آسيا


الدولة السامانية

كانت الدولة السامانية التي حكـمت خراسان. وبلاد ما وراء النهر (نهر جيحون) في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصمتها "بخاري" من أهم المراكز الحضارية في العالم الإسلامي. إضافة إلى سمرقند وبلخ حيث كان الطلبة يفدون إلى تلك الأماكن لدراسة العلوم، ولقد اشتهرت الدولة " السامانية " بجهادها ضد الترك الوثنيين في وسط أسيا، وحملتهم على الانخراط في جيوشها عن طريق نظام تربوي إسلامي عسكري، طبقته عليهم منذ الصغر. وقد أعطانا الوزير السلجوقي " نظام الملك الطوسي (ت 485 م) " في كتابه "سياسة نامه "، وصفاً دقيقاً باللغة الفارسية لهذا النظام التربوي الذي وضعه السامانيون لمماليكهم الأتراك، ومن ذلك قوله: "إن مماليك الـسامانيين يرقون تدريجياً بناء على خدماتهم وشجاعتهم وليس اعتماداً على المحسوبية أو الجاه ".
وتمتد فترة تدريب المملوك إلى سبعة أعوام يستحق في نهايتها لقب عريف الدار حيث يرتدي قباء من الحرير، ويضع على رأسه طاقية من الجوخ الأسود ثم يأخذ المملوك في الترقي عاماً بعد عام.
وتزداد حاشيته تدريجياً إلى أن يصل إلى مرتبة صاحب الخيل ثم حاجب الحجاب. ولا يأخذ المملوك لقب أمير ولا يتولى عملاً كبيراً مثل القيام على ولاية من الولايات أو فرقة من الفرق العسكرية إلا بعد أن ينضج. وسن النضوج في العادة هو سن الخامسة والثلاثين
".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:27

الدولة الغزنوية

2- الدولة الغزنوية التركيبة : وهي وليدة الدولة السامانية في منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) وكان مؤسسيها الأول مملوكاً تركياً من مماليك السامانيين في بخاري، وهو الأميرة "البتكين " الذي ولاه "السامانيون" على "غزنة، بالقرب من " كابل " في أفغانستان شمالي الهند. وهناك استطاع "البتكين " أن يقيم دولة مستقلة عن السامانيين- إلا من ناحية التبعية الاسمية- هي الدولة الغزنوية.
وبعد وفاة البتكين آلت الأمور إلى مملوكه وزوج ابنته "ناصر الدين سبكتكين "، الذي حارب باسم السامانيين في بلاد الهند الشمالية، فاستولى على "بست " ويقصدار" سنة 368 هـ، وهزم جيوش "جيبال " راجا لاهور على حدود البنجاب.
وجاء بعد سبكتكين ابنه "محمود الغزنوي " (388- 421 هـ- 998- 30 10 م) الذي بلغت الدولة الغزنوية في عهده ذروة ازدهارها، فألغى اسم السامانيين من الخطبة في مملكته، وخطب للخليفة العباسي القادر بالله، الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملة، وهو بمثابة تقليد رسمي من الخلافة، كما حصل أيضا على لقب "الغازي " وهو من أوائل الألقاب في الإسلام. هذا إلى جانب لقب سلطان الذي يعتبر "محمود الغزنوي " أول من تلقب به من الغزنويين بعد أن كانوا يتلقبون بلقب أمير.
ويؤثر عن "السلطان محمود الغزنوي " أنه غزا بلاد الهند أكثر من اثني عشرة مرة مدفوعا، في ذلك بعامل الجهاد الديني والرغبة في نشر الإسلام بين الهنود الوثنيين. واستطاع بذلك أن يبسط نفوذه إلى ما وراء كشمير والبنجاب ويحطم أصنامهم، وأن يجعل من إقليم البنجاب ولاية إسلامية قاعدتها مدينة لاهور، ويحكمها ولاة مسلمون من قبل الغزنوية، وهكذا تعتبر الدولة الغزنوية أول دولة إسلامية في الهند.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين الأوائل في أواخر القرن الأول الهجري، كانوا قد فتحوا إقليم السند في شمال غرب الهند على يد"محمد بن القاسم الثقفي " . وها هو ذا " محمود الغزنوي " في أواخر القرن الرابع الهجري يضيف إلى السند أقاليم البنجاب، والملتان، والبنغال، وهي الأقاليم التي تكون في مجموعها ما يسمى الآن بدولتي باكستان وبنغلاديش الإسلاميتين.
كذلك ظهرت في الهند على عهد "محمود الغزنوي " لغة الأردو (أي المعسكر) وهي مزيج من عدة لغات منها الفارسية والتركية والعربية والسنسكريتية الهندية القديمة. ولم تلبث هذه اللغة الأردية أن صارت لغة الهند وباكستان وبخط عربي.
ولقد عاش في كنف الغزنويين عدد من كبار العلماء والشعراء، نذكر منهم الشاعر الإيراني المشهور " أبا القاسم الفردوسي " الذي أهدى السلطان "محمود الغزنوى" ملحمته الشعرية الفارسية "الشاهنامة" التي يعتبرها الإيرانيون من مفاخرهم الأدبية، لأنها تقص أخبار ملوك الفرس القدماء. وقد منحه السلطان "محمود الغزنوي " ستين ألف مثقال من الفضة على عدد أبياتها. كذلك نذكر المؤرخ " أبا نصر محمد بن عبد الجبار العتبى " الذي كتب تاريخا عن حياة "محمود الغزنوي " وجهاده إلى سنة 409 هـ، وسماه " تاريخ اليميني " نسبة إلى لقبه يمين الدولة. وقد ألف هذا الكتاب باللغة العربية لكي يقرأه أهل العراق. وهناك العالم المؤرخ "أبو الريحان البيروني الخوارزمي (ت 440 هـ) " الذي صحب محمود الغزنوي في بعض غزواته بالهند ثم استقر معه في غزنة متمتعاً بمكانة سامية. وقد ألف "البيروني " عدة كتب بالفارسية والعربية نذكر منها كتاب "القانون المسعودى " الذي أهداه إلى السلطان "مودود بن مسعود"، هذا إلى جانب تاريخه المشهور باسم "الآثار الباقية عن القرون الخالية"، الذي تحدث فيه بالعربية عن الجماعات والطوائف والشعوب القديمة، مع ذكر أعيادها واحتفالاتها الدينية والقومية. وقد نشر هذا الكتاب وترجمه إلى الإنجليزية "أدوار سخاو" في القرن الماضي. وأخيرا نشير إلى المؤرخ الفارسي "أبي الفضل محمد بن حسين البيهقي (ت 470 هـ) " الذي كتب بالفارسية تاريخا " للسلطان مسعود ووالده محمود الغزنوي " عرف "بتاريخ البيهقي ". وقد نقل د. يحيى الخشاب ما تبقى من هذا الكتاب إلي اللغة العربية سنة 1956.
وانتهت الدولة الغزنوية في القرن السادس الهجري (12 م) على أيدي قوتين كبيرتين هما: قوة الغوريين الأفغان، وقوة السلاجقة الأتراك
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:29

الغوريون

وهم الذين قضوا على ملك الغزنويين في الهند، واستولوا على قاعدتهم في لاهور، وأقاموا هناك ثاني دولة إسلامية في الهند، وهي الدولة الغورية (543- 612 هـ= 1148- 1215 م) التي سميت باسم مكان نشأتها، وهي جبال الغور بأفغانستان بين هراة وغزنة وتسمى حاليا هزارستان. غير أن سلاطين هذه الدولة الغورية لم يقيموا في الهند دائماً، وإنما كانوا يقيمون في مدينة غزنة عاصمة ملكهم، وصاروا يحكمون الهند عن طريق مماليكهم الأتراك.
وقد أكثر السلطان "محمد الغوري " من شراء المماليك واعتنى بتربيتهم واعدادهم لمهمة الغزو والجهاد. ويؤثر عنه أنه كان كلما ناقشه أحد عن ضرورة الحاجة إلى ابن ذكر يحافظ على ملك أسرته من بعده، أجابه بأن لديه ألوفاً من الأبناء، ألا وهم مماليكه الأتراك.
وقد ارتفع بعض هؤلاء المماليك إلى مناصب الحكم والقيادة، نذكر منهم،" يلدز" حاكم كرمان، و " ناصر الدين قباجة " في السند، و" قطب الدين أيبك " في دلهي وهو أقوى الجميع نفوذاً، وقد زوجه السلطان إحدى بناته. وهكذا استطاع محمد الغوري بفضل جهود مماليكه وعلى رأسهم " أيبك "، أن يملك جميع الأراضي الهندية في شمال جبال فنديا vindha حتى مصبات نهر الكنج، فعم بها الإسلام، وتحولت معابدها الهندوسية إلى مساجد ويدفع راجاتها الجزية.
وفي سنة 603 هـ (1206 م) اغتيل السلطان "محمد الغوري"، على ضفاف السند بيد أحد غلاة الإسماعيلية، وبموته اختفت غزنة والغور من التاريخ، وظهرت مدينة دلهي كعاصمة إسلامية لدولة سلاطين المماليك في الهند
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:30

دولة المماليك في دلهي

وكان أول سلاطينها " قطب الدين أيبك " بعد موت سيده. وقد اشتهر عنه تمسكه بتعاليم الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح في عدائه الشديد لنظام الطبقات الذي كان سائداً في الهند، ومعاملته للناس على أساس المساواة التي ينص عليها الإسلام. وينسب لأيبك في دلهي مسجد عظيم أسماه " قوة إسلام "، ويبلغ ارتفاع مئذنته 250 قدم، وهي تعد أطول منارة في العالم، ولا تزال قائمة إلى اليوم وتعرف باسم " قطب مينار" أي منارة قطب " وتمتاز بنقوشها وزخارفها ذات الطابع العربي والهندي.
وانتهى حكم أيبك على هندستان في سنة 608 هـ (1210م) وذلك على أثر سقوطه من على فرسه. أثناء لعبة الكرة أو البولو- جوكان- فتوفي على الأثر. وخلفه أحد مماليكة البارزين وزوج ابنته " شمس الدين التتم"الذي سار سيرة حسنة في رعيته، واشتد في رد المظالم وأنصاف المظلومين. فيؤثر عنه أنه أمر أن يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً. وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان إذا قعد للناس أو ركب، فرأى أحداً عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه.
وبلغ فوز السلطان، " التتمش " أقصى مداه حينما اعترف به خليفة بغداد المستنصر بالله العباسي، سلطان على الهند، وبعث له بالتقليد والخلع والألوية في سنة 626 هـ (1229 م)، فأصبح (التتمش " بذلك أول ملك في الهند تسلم مثل هذا التقليد. ومنذ ذلك التاريخ ضرب "التتمش "نقودا فضية نقش عليها اسم الخليفة العباسي بجوار اسمه. ويعتبر هذا العمل شيئا جديداً على نظام العملة الهندية، إذ كان الحكام المسلمون قيل ذلك يضربون نقوداً معدنية صغيرة على غرار النقود الوطنية، تنقش عليها أشكال مألوفة لدى الهنود، "كثور سيفا" مثلاً، كما كانت أسماء الفاتحين تكتب بحروف هندية في غالب الأحيان. "فالتتمش " يعتبر إذن أول من ضرب نقودا فضية خالصة في الهند.
وتوفي السلطان "التتمنثى"سنة 634 هـ (1236 م) ولم تكن هناك شخصية صالحة للملك من بعده سوى شخصية ابنته "رضية الدين " التي فضلها أبوها على أخوتها الذكور لذكائها وحسن إسلامها، وقد سماها مؤرخو الهند باسم "ملكة دوران بلقيس جهان " أي فتنة العالم. وقد بذلت هذه السلطانة جهوداً عظيمة في إدارة شئون الدولة، ولكنها اصطدمت في النهاية بمجلس أمراء المماليك الذين حقدوا عليها بسبب زواجها من فارس حبشي، فثاروا ضدها، وانتهى الأمر بقتلها سنة 638 هـ ( 1240 م) بعد حكم دام أربع سنوات، فكانت نهايتها تشبه نهاية السلطانة "شجرة الدر" التي حكمت مصر بعدها بعشر سنوات، وانتهى أمرها بالقتل أيضا سنة 648 هـ (1250 م).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:31

الأتراك السلاجقة

الأتراك السلاجقة: ويمثلون القوة الإسلامية الجديدة التي حلت محل الغزنويين في خراسان والمشرق الإسلامي، والتي غذت الإسلام، بدماء فتية جديدة، ساعدته على الصمود والانتصار، والانتشار في بلاد الروم. ذلك لأن الخلافة العباسية قبل ذلك الوقت كانت عاجزة عن حماية حدودها بسبب عداوتها مع الخلافة الفاطمية في القاهرة. وقد انتهزت الدولة البيزنطية هذه الفرصة، وأخذت تغير على الحدود الإسلامية المتاخمة لها، وتتوغل في شمال الشام والجزيرة. ولكن من حسن حظ الخلافة العباسية في ذلك الوقت، أن جاءتها من المشرق تلك القوة التركية الفتية المليئة بفتوة البداوة وعنفوانها، فأنقذتها من انهيار محقق. ففي سنة 463 هـ (1071 م) استطاعت جيوش السلاجقة بقيادة سلطانها "ألب أرسلان "، وباسم الخلافة العباسية، أن تحرز انتصاراً حاسماً على الإمبراطور البيزنطي "رومانوس ديوجينيس" " ROMANOS DIOGENES وأن تأخذه أسيراً في موقعة " ملا ذكرد " أو "منزكرد " من أعمال "خلاط " على الفرات الأعلى، شمال بحيرة فانVAN عند أرمينية.
لقد جاء السلاجقة في فترة انحطاط القوى الإسلامية الأخرى من عباسية وفاطمية ونجحوا في توحيد المشرق الإسلامي من جديد، فأعطوا المسلمين الحيوية والنشاط في الجهاد ضد الصليبيين، ويذكر بأن طغرل سلطان السملاجقة كتب إلى الخليفة العباسي القائم بأمر الله مظهراً ولاءه له، مؤكداً حبه لرفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله في نشر الإسلام غرباً، وقد أقره الخليفة العباسي سنة 432 هـ/1040 م سلطاناً على السلاجقة، مما أكسب دولة السلاجقة الفتية صفة الشرعية وأثار حميتها الدينية لمنا جزة البيزنطيين واسترداد البقاع التي كانوا قد احتلوها في أرمينية والأناضول وقد أعطت نتائج هذه الموقعة سمعة إسلامية ضخمة للسلاجقة باعتبارهم المجاهدين والمدافعين عن الإسلام، والعاملين على نشر الدعوة، وإزاء ذلك مهدت الطريق أمام السلاجقة لنشر الدعوة في آسيا الصغر- حيث وجه "ألب أرسلان " ابن عمه " سليمان قتلمش "، إلى الأناضول، وأقام هناك دولة سلاجقة الروم، نسبة إلى بلاد الروم التي قامت فيها. ومنذ ذلك الوقت، عم الإسلام بلاد آسيا الصغرى التي صارت تعرف إلى الآن باسم بلاد الأناضول الإسلامية.
واستحدث السلاجقة- أيضا- بعض الأنظمة والعادات الفارسية والتركية التي جلبوها معهم من المشرق، ولم تكن معروفة من قبل أيام الأمويين والعباسيين والفاطميين. ومن أمثلة ذلك، استخدام "الجاليش " في مقدمة الجيش. و،" الجاليش " عبارة عن خصلة وشعر ذيل الحصان، كانت ترفع في أعلا سنان الراية أمام الجيش. ثم صارت تطلق مجازاً على مقدمة الجيش أو طلائعه باسم " الجاليشية " .
ومن "أمثلة ذلك أيضاً حمل "الغاشية " بين يدي السلطان في الأماكن والمناسبات الحافلة كالميادين والأعياد والمواكب ونحوها كشعار للسلطنة. و "الغاشية" عبارة عن سرج من الجلد مخروزة بالذهب حتى يخالها الناظر كلها مصنوعة من الذهب. يحملها ركاب الدار بين يدي السلطان، ويلفتها يميناً وشمالاً. وقد انتقلت هذه العادة إلى مصر والشام على يد صلاح الدين الأيوبي وخلفائه، واستمرت بعد ذلك في أيام سلاطين المماليك كرمز للطاقة والإخلاص للسلطان: "حمل الغاشية بين يديه ".

كذلك استحدث السلاجقة نظام المدارس الدينية، وهي منشآت علمية هدفها بث روح الجهاد بين المسلمين والتصدي للطائفية، مثل المدرسة النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي "نظام الملك " في بغداد. وسار على هذه السياسة "نور الدين محمود زنكي " في الشام ثم "صلاح الدين الأيوبي " في مصر. على أنه يلاحظ في هذا الصدد أن مدينة الإسكندرية عرفت نظام المدارس الدينية في أواخر أيام الفاطميين وقبل مجيء صلاح الدين الأيوبي، فأول مدرسة أنشئت فيها هي المدرسة الحافظية التي أسسها "رضوان بن ولخشي " وزير الخليفة "الحافظ الفاطمي سنة 533 هـ "، وأسند التدريس فيها إلى "الفقيه المالكي أبي الطاهر بن عـوف "، الذي سبق أن قرأ المذهب المالكي على زوج خالته أبي بكر الطرطوشي المشهور بكتابيه " سراج الملوك"، و "الحوادث والبدع ".
وبعد عشر سنوات أي في سنة 544 هـ بنى "العادل بن السلار"، وزير الخليفة الظافر الفاطمي، مدرسة دينية أخري بالإسكندرية، وأسند التدريس بها إلى "الفقيه الشافي أبي الطاهر أحمد السلفي " صاحب كتاب "معجم السفر". ويمكن القول بأن به الأيوبيين هم الذين اهتموا في الواقع ببناء المدارس في أنحاء مصر والشام متأثرين في ذلك بسياسة السلاجقة.
وقد سار السلاجقة- أيضا- على سنة أسلافهم هم السامانيين المتمثلة في الإكثار من المماليك الأتراك، وتربيتهم منذ الصغر تربية عسكرية إسلامية لاستخدامهم في الجيش والإدارة. وقد شرح هذا النظام وزير السلجوق "نظام الملك الطوسي " في كتابها، سياسة نامة " إرشادا للحكام السلجوقيين. وعلى هذا الأساس غلب الطابع العسكري على الدولة السلجوقية، فصار ولاتها وقادتها من هؤلاء " المماليك كما أصبحت معظم أراضيها في فارس، والجزيرة، والشام، مقسمة إلى إقطاعيات عسكرية يحكمها القادة من هؤلاء المماليك، في مقابل الخدمات العسكرية التي يؤدونها للدولة في وقت الحرب. وسمي هؤلاء المماليك الكبار باسم "الأتابكة". و "الأتابك" لفظ تركي مركب معناه الأب الأمير، ومعناه المربي لابن السلطان، ثم أصبح لقبا تشريفيا يمنح للكبار من القواد بمعنى أبو الجيش أو قائد الجيش أو نائب السلطنة.
وهكذا نرى مما تقدم أن السلاجقة في أيام قوتهم اتخذوا أشخاصاً من كبار مماليكهم أطلقوا عليهم "الأتابكة" ليكونوا مربين لأولادهم القصر، ومنحوهم إقطاعيات كبيرة مقابل قيامهم على شئون هؤلاء الأبناء، وتأديتهم الخدمة العسكرية وقت الحرب. ولكن سرعان ما صار هؤلاء "الأتابكة" أصحاب النفوذ والسلطان في تلك الولايات. ومن مشاهير الأتابكة في أوائل القرن السادس الهجري(13 م)، الأمير "عماد الدين زنكى" مؤسس أتابكية الموصل وحلب، وهو ابن قسيم الدولة اق سنقر الحاجب الذي بدأ حياته مملوكا" للسلطان "ملكشاه المسلجوقي "، وعن طريق "زنكي وابنه نور الدين محمود" كان ظهور قواده "نجم الدين أيوب " وولده"صلاح الدين " الذي تأثر بالنظم السلجوقية، واليه يرجع الفضل في انتقال تلك النظم إلى مصر والشام، حيث بقيت زمان الأيوبيين، ثم بعد ذلك دولة المماليك الأتراك، التي تبلور فيها هذا النظام التربوي العسكري الإسلامي، وصار راسخاً متيناً، ومكنها من صد الزحف المغولي شرقاً، وطرد المستعمر الصليبي من مصر والشمام غرباً. وفي ذلك يقول " القلقشندي " (صبح الأعشى ج 4 ص 6): "ود أبت سلطنة المماليك في مصر على أن تنقل عن كل مملكة سبقتها أحسن ما فيها، فسلكت سبيله، ونسجت على منواله، حتى تهذبت وترتبت أحسن ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الممالك " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:33

الأيوبيين والمماليك

الأيوبيون والمماليك: وهؤلاء لم يقتصر دورهم، على حماية الإسلام في مصر والشام، والذود عنه ضد المعتدين من الصليبيين والمغول، بل كان لهم فضل كبير أيضاً في العمل على نشره بين أهل النوبة في السودان جنوبا، وبين مغول القفجاق حول البحر الأسود شمالاً.
لقد اهتمت السياسة المصرية بوجه عام بمملكة النوبة في أعالي النيل، وكان النوبيون يدينون بالمسيحية على مذهب الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، كما كانوا يدينون بالولاء والطاعة لسلطان مصر منذ اتفاقية البقط pactum التي عقدها معهم القائد العربي"عبد الله بن سعد بن أبي السرح " سنة 30 هـ (650 م). إلا أنهم لم يحافظوا دائماً على هذا العهد، فكثيراً ما شنوا الغارات علي بلاد الصعيد أي جنوب مصر، بالبر والبحر (النيل) وكثر إيذاؤهم. ولذلك اضطر ولاة مصر إلى توجيه الحملات إلى بلاد النوبة تمسكاً منهم بشرط هذا "البقط " أو العقد. وقد شجعت هذه الحملات بعض القبائل العربية على الهجرة إلى النوبة والاستقرار فيها، والاختلاط بأهلها، وخاصة في بمنطقة المريس " شمالي النوبة. ونذكر على سبيل المثال عرب ربيعة الذين تزوجوا بنات رؤساء النوبيين، وأصبحت لهم مصالح مادية لانتفاعهم بنظام الوراثة المعروف هناك، وهو توريث ابن البنت أو ابن الأخت، ونتيجة لذلك، صار لبني ربيعة نفوذ كبير في منطقة أسوان وما يليها جنوباً في أرض المريس .
وتوطدت علاقات حسنة بين "بني ربيعة"و (الدولة الفاطمية)، في مصر، واستعان بهم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القبض على الثائر المغربي أبي ركوة عندما لاذ بالفرار من مصر إلى النوبة. ونجح "أبو المكارم أمير ربيعة" في القبض عليه وتسليمه للفاطميين، وقد كافأه الفاطميون على ذلك بمنحه لقب، "كنز الدولة"، وتوارث أبناؤه هذا اللقب وعرف بنو ربيعة ببني كنز، وهم الكنوز الحاليون الذين كانوا يعيشون بين أسوان وكروسكو، قبل أن تغرق أرضهم بمياه بحيرة السد العالي.
ومنذ بداية عصر صلاح الدين الأيوبي، تجددت اعتداءات النوبيين على الأراضي المصرية، واستمرت في أيام دولة المماليك الأولى أو البحرية. وكان الرد على ذلك إرسال حملات تأديبية في عهد كل من "صلاح الدين " و، " الظاهر بيبرس "، و "سيف الدين قلاووق ".
وكانت النتيجة اصطباغ مملكة النوبة بالصبغة العربية الإسلامية، وفقد أنها لطابعها المسيحي تدريجياً نتيجة لاختلاطها بالعرب المهاجرين مع تلك الحملات. ولم يكد ينتصف القرن الثامن الهجري أو الرابع عشر الميلادي، حتى كان النوبيون قد اعتنقوا الإسلام، وانتقل الملك إلى بني كنز، فسقطت عنهم الجزية، لأن بني كنز عرب مسلمون من ربيعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:34

المغول

مغول القفجاق أو القبشاق في شمال البحر الأسود "الأوزبك "، فكانوا أيضا موضع اهتمام وعناية سلاطين دولة المماليك البحرية الذين كان معظمهم في الأصل من أجلاب بلاد القفجاني من الأتراك. وكان يحكم هذه البلاد الممتدة من تركستان شرقاً إلى شمال البحر الأسود غرباً، دولة مغولية إسلامية حديثة تعرف باسم، القبيلة الذهبية" Golden Horde (نسبة إلى لون مخيماتها) أو " مغول القبشاق ". وقد سماها القلقشندي "مملكة توران خوارزم والقبشاق ". وكان اسم زعيمها "بركة خان "، وهو أول من اعتنق الإسلام من أولاد جنكيز خان. وكانت عاصمته مدينة "صراي " أو "سراي " في شمال غرب بحر قزوين، وهي فرضة عظيمة للتجار ورقيق الترك،.وكانت مقصد العلماء والأدباء أمثال، " قطب الدين محمد الرازي "، و " سعد الدين التفتازاني " وغيرهما فيما بعد.
ولقد حرض سلطان مصر الظاهر بيبرس على محالفة هذه الدولة الإسلامية المغولية، فتبادل مع عاهلها "بركة خان" البعوث والهدايا (0 66 هـ/\ 26 أم- 662 هـ/1263 م)، كما تزوج ابنته، وأمر بالدعاء له على منابر القاهرة والقدس ومكة والمدينة. ولا شك أن هذا الحلف كان موجهاً بطبيعة الحال ضد عدوهما المشترك الممثل في " دولة ايلخانات فارس المغولية" التي كان يحكمها "هولاكو" وأولاده، وكانت تشمل فارس والعراق، وعاصمتها " تبريز" أو "مرا غة" أو"بغداد ". فيروي المقريزي أن " بيبرس " أخذ يحرض "بركة خان، على قتال قريبه "هولاكو" ويرغبه في ذلك. يضاف إلى ذلك أن السلطان بيبرس استفاد من هذا التحالف في تقوية جيشه، إذ أنه أكثر من شراء المماليك من بنى جنسه القفجاق إذ مالت الجنسية إلى الجنسية، على قول القلقشندي، ووقعت الرغبة في الاستكثار من "القفجاق " على عهد" بيبرس "، حتى أصبحت مصر بهم أهلة المعالم، محمية الجوانب، منهم زعماء جيوشها، وعظماء أرضها، وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين حتى أنهم جاهدوا قي الله أهليهم ".
وهكذا نرى أن انتشار الإسلام في دولة مغول القفجاق في القرن السابع الهجري (13م)، قد أدى إلى اتساع رقعة الإسلام في أواسط أسيا (جنوب روسيا والقوقاز) من جهة، وإلى تطعيم الجيوش الإسلامية في مصر والشام بدماء فتية من شعوب تلك المنطقة من جهة أخرى.
على أن موضع الأهمية هنا، هو أن هذا التعاون العسكري بين هاتين الدولتين الإسلاميتين (مصر والقبيلة الذهبية)، ضد دولة مغول فارس والعراق، قد أدى في النهاية إلى غلبة الإسلام على تلك الدولة الوثنية أيضاً، وإلى انتشاره بين أفرادها، ومن ثم أخذت العلاقات تتحسن بين الجانبين منذ أوائل القرن الثامن الهجري (14 م). وانتهت المشكلة بأن عقد سلطان مصر والشام والناصر محمد بن قلاوون " صلحا مع " ايلخان " مغول فارس والعراق أبي سعيد، وانضم إلى هذا الصلح أيضاً زعيم القبيلة الذهبية أو مغول القفجاق الذي كان يدعى في ذلك الوقت "أوزبك خان ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:35

الكيانات السياسية في الجناح الغربي للعالم الإسلامي


من ناحية أخرى قامت في الجناح الغربي للعالم الإسلامي، منذ القرن الخامس الهجري، حركة إصلاحية وانتفاضة دينيـة مالكية بين قبائل صنهاجة اللثام في صحراء شنقيط (موريتانيا) في أقصى المغرب، تمخض عنها قيام دولة مجاهدة موالية للعباسيين في بغداد، وهي دولة المرابطين الملثمين الذين استطاعوا القضاء على المارقين والمتنبئين في الجبال المغربية، وقهر مملكة غانة الوثنية في السودان الغربي جنوباً، ونشر الإسلام في تلك الأماكن النائية على يد " الأمير" أبي بكر بن عمر اللمتوني "، كما استطاعوا الانتصار على الأسبان في موقعة الزلاقة بالأندلس شمالاً، على يد "الأمير يوسف بن تاشفين سنة 479 هـ (1086 م) " فأنقذوا الأندلس من سقوط محقق. هذا إلى جانب استيلائهم على مراكز تجارة الذهب في أقصى جنوب المغرب مثل سجلماسة (تافيلالت الحالية) وأود اغشت، فسيطروا يذلك على المسالك الغربية التي تربط بين بلاد المغرب والأندلس من جهة، وبين السودان الغربي من جهة أخرى. ولعل هذا هو السبب الذي جعل للدينار الذهبي المرابطي marabstin تلك الشهرة العالمية والسمعة الاقتصادية الممتازة حتى غدت دول العالم المسيحي والإسلامي أيضاً تتنازع عليه.
وإلى جانب هذه الأعمال الجهادية الكبرى سالفة الذكر، واصل الإسلام مسيرته وانتشاره بقوته الذاتية إلى كثير من الأقطار الأسيوية شرقاً، مثل إندونيسيا والفليبين والملايو والمالديف.. الخ، إلى جانب انتشاره في الأقطار الأفريقية السودانية غرباً، فضلاً عن الأقطار الأوربية والأمريكية كما هو واضح حتى اليوم، وقد لعبت التجارة والتجار في هذا الصدد دوراً إيجابياً هاماً في توحيد عالم الإسلام ونشر دينه ولغته وحضارته فيما وراء حدوده. عن طريق القدوة الحسنة وحسن المعاملة. فإلى هؤلاء التجار وغيرهم من جنود الله المجهولين من الرحالة والصوفية والعلماء يرجع الفضل في امتداد الإسلام إلى كل بقاع العالم، وانتشار جماعاته في كل بلد من بلاد الدنيا.
ومن ناحية أخرى فإن الدولة العثمانية، وخلال قرنين من الزمان مدت جناحها شرقاً وغرباً وجنوباً لتدق أبواب فيينا واليونان وجزر البحر الأبيض المتوسط وأجزاء من إيطاليا والنمسا، لقد كانت الدولة العثمانية الأكثر استقراراً في محيطها الواسع، وكانت إحدى مظاهر التاريخ العالمي، حيث وفرت الاستقرار للمدن الأوروبية التي انتشر الإسلام فيها، فغدت بلغراد مثلاً نموذجاً حضارياً متقدماً لوسط أوروبا باعتبارها بوابة الشرق.
عمل سلاطين بني عثمان على نشر الإسلام والدفاع عن حياضه، وقد برز ذلك واضحاً في استشهاد بايزيد الصاعقة وهو يدافع عن دمشق ضد غزاة المغول بعد نشر الإسلام في ربوع بلغاريا وإيطاليا وهزم التحالف الأوروبي في جهات نيكوبلي على الدانوب، سنة 5 79هـ/1392 م. وعلى أثر فتح القسطنطينية 857 هـ/53 4 1 م غدا الطريق ممهدا لانتشار الإسلام في أوروبا الشرقية، ومنطقة البحر المتوسط، فانتشر الإسلام في شبه جزيرة المورة (اليونان )، وصربيا، والبوسنة والهرسك ( يوغسلافيا )، وفي مناطق الأفلاق والبغدان (القسم الأعظم من رومانيا) ومنطقة بحر ايجة وبلغراد " ورو دس والمجر، وكان للحملات التي قادها سليمان القانوني 927 هـ/1520- 974 هـ 1566 م أبلغ الأثر في استقرار قاعدة الإسلام في أوروبا الشرقية ومنطقة البحر المتوسط، فقد وصل إلى قلعة كونش " koszeg سنة 39 9 هـ / 1532م، ودخلت قواته إلى، نمجة، أو شريا (النمسا الحالية)، وغدت مدينة كراس"graz " المدينة الكبيرة الثانية في النمسا مدينة إسلامية، ولم رأت تاريخ 1 2/1/1532 م، حتى كانت النمسا بكاملها إسلامية، وكان للسلطان حملات إلى إيطاليا (كورفو وبوليا) وإلى مولدا فيا (رومانيا) وبودين (المجر)، واستركون (المجر)،غربي بودين.
ويسجل التاريخ للسلطان سليمان القانوني قيادته للجيش العثماني حتى وهو في أشد حالات مرضه، فقد امتطى صهوة جواده صباح يوم 29 حزيران 1566 م وتفقد القوات العثمانية في صحراء زملن، في الساحل المقابل لبلغراد، وأعطى أوامره بفتح قلعة سيجفوار "sigervar ،، الألمانية، إحدى حصون ولاية بودين وما هي إلا أيام حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى ويتم الجنود فتح القلعة بعد خمس ساعات من وفاته.
لقد نجحت الدولة العثمانيـة في تثبيت الإسلام في المناطق التي وصلها الإسلام، وأقامت عشرات المؤسسات والمنشآت الاجتماعية والثقافية مثل المساجد والجوامع والكليات والمدارس والتكيات والملاجئ والخانات والحمامات، ولا تكاد تخلو مدينة أوروبية من أثر إسلامي ديني ينبئ بالدور الحضاري الذي مثلته الدولة العثمانية المسلمة في تلك البقاع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:36

خصائص الحضارة الإسلامية


اعتمدت الدولة العباسية- كما أسلفنا- علي شعوب البلاد المفتوحة. وكانت هذه الشعوب عريقة في حضارتها، فهناك الحضارة الساسانية التي سادت العراق وفارس، وكانت تحتفظ بتراث أسيوي خاص ساهمت في تكوينه الحضارتان الصينية والهندية بنصيب وافر. وهناك الحضارة البيزنطية التي سادت في الأقطار المطلة على حوض البحر المتوسط، وهي حضارة ذات أصول يونانية شرقية، لأن البيزنطيين والرومان من قبلهم، كانوا تلاميذ لليونان، وكانت الإسكندرية وحران والرها ونصيبين وإنطاكية من أهم مراكز الثقافة اليونانية الرومانية.
فالعرب، رغم تراثهم العريق القديم الذي تمثل، في حضارات معين وسبأ وحمير في بلاد اليمن، وحضارة الحجاز التي اشتهرت بنشاطها التجاري والديني، إلا أنهم وجدوا في البلاد التي فتحوها حضارات متطورة راقية، لها إدارات حكومية منظمة، ونظم اقتصادية متفوقة في الزراعة وأعمال الري والصناعة، وفي ميادين العلوم العقلية والتجريبية كالرياضيات والفلك والفيزياء، فاغترفوا منها بما يتفق مع تقاليدهم وعقيدتهم.
وهكذا نرى أن الدولة العباسية باعتمادها على هذه الشعوب، عملت على مزجها وصهرها في البوتقة الإسلامية. وهذا الاتحاد هو السر في تلك النهضة العلمية العجيبة التي امتدت من، قيام الدولة العباسية إلى نهاية القرن الرابع الهجري. فان كان للدولة العربية الإسلامية في صدر الإسلام، فضل الفتوح والانتشار والاتصال بالحضارات القديمة مما أدى إلى ظهور المنابت الأولى للحضارة الإسلامية في أواخر عهدها، فإن للدولة العباسية فضل رعاية هذه المنابت الحضارية والعمل على تنميتها وازدهارها. فالمسلمون نقلوا وترجموا وعربوا هذا التراث القديم إلى لغتهم العربية حتى إذا ما استوعبوا ما نقلوه، أخذوا ينتجون ويبدعون ويضيفون، حتى قدموا للعالم ما عرف بالحضارة العربية الإسلامية، وهي الحضارة التي توفرت لها تلك المزايا الثلاث التي لا تتوفر إلا في الحضارات الكبرى وهي: ا لامتياز، والأصالة، والإسهام في تطور البشرية.
لهذا أجمع العلماء علي أن الحضارة الإسلامية تحتل مكانة رفيعة بين الحضارات الكبرى التي ظهرت في تاريخ البشرية، كما أنها من أطول الحضارات العالمية عمراً، وأعظمها أثراً في الحضارة العالمية.
وتبدأ هذه النهضة الحضارية في العراق بعد أن أسس الخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" مدينة بغداد
(145- 149 هـ) وجعلها عاصمة لدولته، ومقراً للخلافة العباسية صاحبة السلطان الشرعي على جميع الأقطار الإسلامية. فهي لم تكن مثل الفسطاط أو دمشق أو قرطبة، عاصمة قطر بعينه، بل كانت عاصمة العالم الإسلامي كله. ولهذا صارت مدينة دولية COSMOPOLITE واكتسبت صفة عالمية، وسكنتها عناصر من مختلف الأجناس، والملل والنحل، إسلامية وغير إسلامية، فهناك الفرس والهنود والسريان والروم والصينيون وغيرهم. وكل هذه العناصر لم تسكن بغداد بأشخاصها فقط، بل بثقافاتها وتجارتها وعلمها وفنها، فعربت ألفاظ يونانية وفارسية وهندية كثيرة. وترجمت عن اليونانية "حكم سقراط وأفلاطون وأرسطو، وظهرت كتب الأدب العربي مثل عيون الأخبار لابن قتيبة، والبيان والتبيين للجاحظ.
وفي خلافة أبي جعفر المنصور (136- 158 هـ) ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY (ت. 17 م)، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم "المجسطي ". واسم هذا الكتاب في اليونانية " (EMEGAL MATHEMATIKE ، " أي الكتاب الأعظم في الحساب. ويبدو أن المسلمين حولوا لفظ MEGALE في مجال إلى" مجسطي ". والكتاب عبارة عن دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات. وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه.
وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، "براهمسبهطسدهانت " وتختصر بسد هانتاSiddhanta أي " المعرفة والعلم والمذهـب ". وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور بعنوان "السند هند" وهو تحريف للعنوان الأصلي. ومع كتاب "السند هند" دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف إليها المسلمون نظام الصفر، والذي لولاه لما فاقت الأرقام العربية غيرها من الأرقام،ولما كان لها أية ميزة، ولما استطعنا أيضاً أن نحل كثيراً من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله لجميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي ورد في كتاب مفتاح الحساب للعالم الرياضى؟ المسلم، جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي(ت 840 هـ1436 م)، وكان هذا الكشف المقدمة الحقيقية للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر، لقد كانت الأرقام العربية بصفرها وكسورها العشرية بحق هدية الإسلام إلى أوروبا. ومن هذا الكتاب أيضاً استخرج العالم "إبراهيم الفزاري "- الذي أشرف على ترجمته- جدولاً حسابياً فلكياً يبين مواقع النجوم ويحسب حركاتها وهو ما يعرف باسم "الزيج ". أما الآلة الفلكية التي تستخدم لرصد الكواكب، فكانت تسمى "بالاصطرلاب ". ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من صنع الاصطرلاب من المسلمين.
وعن الفارسية، ترجم كتاب "كليلة ودمنة" الذي كان هندياً في الأصل ثم ترجم إلى الفارسية وعنها نقله "عبد الله بن المقفع " إلى العربية في خلافة المنصور أيضاً. هذا إلى جانب ترجمته لعدة كتب أخرى في تاريخ وأدب الفرس ونظمهم وتقاليدهم. ومن المعروف أن الخليفة العباسي المأمون قد أوكل إلى سهل بن هارون، ترجمة الكتب الفارسية. كذلك نذكر كتاب "هزار افسانه " ومعناه ألف خرافة، إذ أن الخرافة بالفارسية يقال لها افسانه، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة وليلة وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتيها وهما شيرازاد ودينازاد، ويبدو أن هذه القصص وصلت إلى المسلمين عن طريق الفرس، ويظهر في بعضها أثر أفكار الهنود في الأرواح وتناسخها، وقد وضعت هذه القصص في قالب عربي إسلامي في العصر العباسي الأول ثم زيد فيها في العصر الفاطمي بحيث لم يتبق من التأثير الفارسي سوى بعض الأسماء الفارسية. والشاهنامة للفردوس التي ترجمها نثرا الفتح بن علي البنداري سنة
697 هـ/1297 م، وهناك أيضا لعبة الشطرنج الهندية الأصل والتي انتقلت عن طريق الفرس إلى المسلمين، وألفت فيها كتب بالعربية وصار لها انتشار كبير في عالم الإسلام.
وفي خلافة المهدي بن المنصور (158- 169 هـ) برز عالم عربي في الكيمياء يدعى جابر بن حيان الأزدي " الذي نسبت إليه كتابات كثيرة في الكيمياء تضم ما وصل إليه هذا العلم من تقدم في هذا الوقت سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك وحامض الكبريتيك (زيت الزاج) ولاحظ ما يرسب من كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام أو في وصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس ونحوها.
وفي خلافة هارون الرشيد (170 هـ/ 786،ـ 193هـ / 808 م) أسس في بغداد في بيت الحكمة" لأعمال النقل والترجمة، الذي ازدهر في عهد ولده عبد الله المأمون (198 هـ/813 م- 218 هـ/833 م)، فترجمت فيه أمهات الكتب اليونانية القديمة، وأقيمت فيه المراصد، ورسمت فيه الرسوم (الخرائط) الجغرافية على أحدث ما توصل إليه العلم في الأرصاد وأعمال المساحة. كما تخرج منه مشاهير العلماء أمثال " محمد بن موسى الخوارزمي (ت 232 هـ846 م) " الذي عهد إليه المأمون بوضع كتاب في علم الجبر، فوضع كتابه " المختصر في حساب الجبر والمقابلة"، وهذا الكتاب هو الذي أدى إلى وضع لفظ الجبر وإعطائه مدلوله الحالي. قال ابن خلدون: "علم الجبر والمقابلة (أي المعادلة) من فروع علوم العدد، وهو صناعة يستخرج بها العدد المجهول من العدد المعلوم إذا كان بينهما صلة تقتضي ذلك فيقابل بعضها بعضاً، ويجبر ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحاً". فالجبر إذن، علم عربي سماه العرب بلفظ من لغتهم، والخوارزمي هو الذي خلع عليه هذا الاسم الذي انتقل إلى اللغات الأوروبية بلفظه العربي ALGEBRAولقد ترجم كتاب الخوارزمي إلى اللغة اللاتينية في سنة 1135 م بواسطة مستعرب إنجليزي اسمه " رو برت أوف تشستر" ROBERT OF CHESTER " درس وعاش في أسبانيا حيث كان أسقف بامبلونه ، ومن هناك انتقلت ترجمته إلى أوربا حيث ظلت تدرس في جامعاتها حتى القرن السادس عشر الميلادي. كما انتقلت الأرقام العربية إلى أوربا عن طريق مؤلفات "الخوارزمي ". ومن الملاحظ أن اسم "الخوارزمي " استعمل في اللغة اللاتينية على شكل "الجور تمي "ALGORISMO ثم حور في قالب "الجورزمو " ALGORISMO "للدلالة على نظام الأعداد وعلم الحساب والجبر وطريقة حل المسائل الحسابية .
هذا، وتظهر عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس (اليونان)، فاستحسن أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدة طويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.
وللخوارزمي مأثرة أخرى، وهي أنه رسم أ للمأمون خريطة كبيرة للعالم المعمور على أيامه، كما وضع كتاباً جغرافياً بعنوان "صورة الأرض " اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات. وقد نشر هذا الكتاب وترجم إلى الألمانية سنة 1926 م.
وفي مجال الطب والعناية بالمرضى أنشأ العباسيون عدداً كبيراً من البيمارستانات (المستشفيات)، ومخازن الأدوية، واستأثرت العاصمة بغداد بالعديد منها، فنسمع عن البيمارستان الذي أنشأه الرشيد في الجانب الغربي من بغداد على يد الطبيب "جبرائيل بن بختيشوع "، والبيمارستان الصاعدي أيام المعتضد في الجانب، الشرقي من بغداد، والبيمارستان المقتدري الذي بناه المقتدر سنة 306 هـ 918م، وبيمارستان السيدة الذي أنشأته أمه في الأعظمية، وبيمارستان ابن الفرات الذي أنشأه وزيره أبو الحسن علي بن الفرات، والبيمارستان العضدي... الخ. وكانت هذه محاولة لإيجاد أماكن تعالج فيها المرضى ويخضعون للملاحظة والتسجيل، وهي أساس المستشفيات الحديثة.
وقد توصل الأطباء المسلمون إلى أراء جديدة في الطب تخالف أراء القدماء في معالجة كثير من الأمراض، واستخدموا في مستشفياتهم الكاويات في الجراحة، ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف أو معالجة الحميات، وعالجوا الأورام الأنفية وخياطة الجروح، وقطع اللوزتين، وشق أوراق الحلق، وقطع الأثداء السرطانية، وإخراج الحصاة من المثانة، وجراحة الفتق وجراحة العيون، وإخراج الجنين بالآلة، وإخراج العظام المكسورة، واستخدام المرقد (البنج) (ويدخل في تركيبه الأفيون والحشيش وست الحسن) كما فرقوا بين الحصبة والجدري... الخ.
وكانت الدولة تراقب الممارسات الطبية والأطباء، فكانوا يمتحنون الأطباء والصيادلة فقد امتحن الصيادلة زمن المأمون والمعتصم، وأمر الخليفة المقتدر الطبيب الكبير سنان بن ثابت بن قرة سنة 316 هـ بمنع سائر المتطببين من التصرف وممارسة مهنتهم إلا بعد إجراء امتحان لهم، فامتحن يومئذ أكثر من ثمانمائة طبيب. وكان كل من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها.
وكان المحتسب هو الذي يأخذ عليه هذا القسم، لأن من عمله مراقبة هذه المهنة ونصه " برئت من قابض أنفس الحكماء، ورافع أوج السماء، فاطر الحركات العلوية، إن خبأت نصحا وبدأت ضرا، أو قدمت ما يقل عمله. إذا ما عرفت ما يعظم نفعه، وعليك بحسن الخلق بحيث تسمع الناس واستفرغ لمن ألقى، إليك زمامه ما في وسعك فإن ضيعته، فأنت الضائع والله الشاهد على وعليك والسامع لما تقول، فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه، إلا أن يخرج من أرضه وسمائه ".
ومن مشاهير الأطباء الذين برزوا في العصر العباسي الأول نذكر الطبيب "جورجيوس (جرجس) ابن بختيشوع " الذي استدعاه الخليفة المنصور من "جنديسابور" (شرقي البصرة) لعلاج معدته التي كان يشكو منها. وبعد معالجة قصيرة شفي على يديه، فجعله طبيبه الخاص فكان ذلك أول صلة بين بلاط بغداد وبين أسرة "بختيشوع " التي لعبت بعد ذلك دوراً هاماً في البلاط العباسي وفي الحضارة الإسلامية.
وفي أيام المعتصم وولديه الواثق والمتوكل، برز الطبيب "يحيى بن ماسويه(ت 243 هـ) " الذي تنسب إليه مؤلفات طبية عديدة من أهمها: "كتاب دغل العين) أي ما يضر العين ويؤذيها، وهو أول كتاب عربي في علم الرمد. كذلك يؤثر عن هذا الطبيب أنه كان يدرس التشريح عن طريق تقطيع أجسام القردة، وكان الخليفة المعتصم يعتمد على مشورته، ولهذا كان يحتفظ ببنية قوية. ويعرف " ابن ماسويه " في الغرب باسم "ماسو الكبير" MESUE MAIOR . كذلك نذكر الطبيب اللامع "حنين بن إسحاق (ت 260 هـ ) الذي عرف عند علماء الغرب باسم يوهانيتس YOHANTUS درس "حنين " الطب على أستاذه "يحيى بن ماسويه" ثم واصل دراسته في بلاد الروم والإسكندرية وفارس، والف كتباً كثيرة أهمها كتاب في الرمد باسم "العشر مقالات في الـعين "، وكتاب " السموم والترياق "، وكتاب في أوجاع المعدة، وكتاب في الحميات، وكتاب في الفم والأسنان. وهذا الكتاب الأخير أعجب به الخليفة الواثق لأنه يصف الفم والأسنان وصفاً دقيقاً. وقد نقل المسعودى في كتابه "مروج الذهب (ج 4 ص 80- 81) " قسماً منه، ذكر فيه أن عدد الأسنان في الفم اثنتان وثلاثون سناً، منها في اللحى (الفك) الأعلى " ستة عشر سناً، وفي اللحى الأسفل كذلك.
وهكذا ازدهرت العلوم العقلية والتجريبية الإسلامية نتيجة لهذه الاستراتيجية العباسية التي قدمت كل تشجيع .

لحركة النقل والترجمة، مما أدى إلى ذيوع الكتب العلمية المنقولة إلى العربية، ومن ثم صارت اللغة العربية لغة علمية بعد أن كانت لغة شعر وأدب فقط.
ومما يجب ملاحظته بهذا الصدد ما تميز به علماء الإسلام من الجمع بين العلوم الفقهية والعلوم الطبيعية، فالكندي مثلاً ت 260 هـ/873 م جمع بين الفلسفة والمنطق والحساب والفلك والهندسة والسياسة والطب والفقه وأصول العقيدة، وابن سينا ت 428 هـ 1036 م جمع بين الطب والفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية والموسيقى والفلك والحدود والشعر واثبات التنبؤات والقدر، ومثلهما الفارابي والرازي وعمر الخيام وابن النفيس وعبد اللطيف البغدادي وابن رشد وابن الطفيل والسمعاني وغيرهم.
لقد عرض هؤلاء العلماء لكبريات المشكلات المنطقية فعالجوها بأصالة المنهج في الملاحظة والتشخيص والكشف عن الأسباب والعلامات، فإن الشيء لا يعلم العلم اليقين إلا من جهة أسباب، ولذلك كان علم الأسباب واجباً، لم يقع العلماء المسلمون فريسة التفريق بين الإلهام الإلهي والنظر الاستنباطي، وإنما جعلوهما يلتقيان على نحو من التكامل، فغاية العلوم الفقهية، تعليم الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورسم نهج الحياة، وغرض العلوم الطبيعية، الوقوف على الحقيقة والتوجه إلى الخير والتحويل عن الشر، فالدرس والتفحص مقرون بالقياس واستخراج الحكمة هي السبل الصحيحة للوصول إلى الحقيقة العلمية، قال الله تعالى:
" أو لم ينظروا في ملكوت السموت والأرض وما خلق الله من شيء " سورة ا لأعراف- آية 185)، وقال تعالى: " فاعتبروا يأولى الأبصر"، (الحشر- أية 2) .فكانت محصلة كل ذلك دراسة العلوم الدنيوية دون أن تؤثر على العقيدة الإسلامية، إذ عملوا على سد الثغرات التي يمكن أن تؤثر على علمهم وذلك بالبحث والدرس. وهذا ما جعلهم يربطون بين ما تلقوه من تعاليم القرآن وتصوراتهم وآرائهم الفلسفية والعلمية بتوازن تام ونسق منهجي باهر، إن أعظم نشاط فكري قام به العلماء المسلمون، يبدو جليا في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم، فإنهم كانوا يبدون نشاطاً واجتهاداً عجيبين حين يلاحظون ويمحصون، وحين يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة أو أخذوه من الرواية والتقليد، لقد كانت الشمولية المدعمة بالبحث والتفحص أهم ظاهرة تميز بها العلماء المسلمون، حيث أن العالم هو العالم الشامل ولا خطر على العلم من الدين ولا خوف من تأثير العلوم الدنيوية على تعاليم الدين. فجاءت مصنفاتهم وثيقة العرى بالشريعة، موصولة بالعلوم الفقهية.
وإلى جانب هذا الازدهار العلمي التجريبي والعقلاني، اشتهرت بغداد أيضاً بالعلوم النقلية أو الشرعية التي تتصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية مثل التفسير. والقراءات والحديث والفقه واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا... الخ. وقد حرص خلفاء بني العباس منذ بداية دولتهم على الاهتمام بهذه العلوم الإسلامية وتشجيع العلماء المشتغلين بها ولا سيما علماء أهل الحجاز الذين كانوا على دراية واختصاص بعلوم القرآن والحديث والسنة. ومثال ذلك الخليفة "أبو جعفر المنصور" الذي حض علماء أهل المدينة على القدوم إلى بغداد ويسر لهدم مكانة مرموقة. وتابعه في هذا الاهتمام ابنه "المهدي " الذي أكرم وفادة القادمين من أهل المدينة وقربهم إليه وأجزل لهم العطاء وأطلق عليهـم اسم الأنصار، وصارت لهم في بغداد قطيعة وقنطرة ومسجد ومقابر خاصة بهم، كما كان لهم نقيب خاص. لهذا كان من أوائل قضاة بغداد عدد من أهل الحجاز مثل "يحيى بن سعيد الأنصاري "، و، " سعيد بن عبدا لرحمن الجمحي" . هذا إلى جانب المحدث، "والإخباري المعروف "محمد بن إسحاق بن يسار (ت102 هـ) " الذي رحب المنصور بمقدمه. ويقال أنه لما دخل على الخليفة المنصور وكان بين يديه ابنه المهدي، قال له المنصور: "أتعرف من هذا يا ابن إسحاق؟ "، فقال نعم، هذا ابن أمير المؤمنين. قال. " اذهب وصنف " كتاباً منذ خلق الله تعالى أدم عليه السلام إلى يومك هذا".. فصنف ابن إسحاق كتابه "المغازي والسير وأخبار المبتدأ ". على أن هذا الكتاب للأسف لم يصل إلينا إلا في رواية مختصرة له كتبها"عبد الملك بن هشام (ت 218 هـ) " وتعرف باسم سيرة رسول الله وتعرف عموما بسيرة ابن هشام. غير أنه يلاحظ من الحوار الذي دار بين المنصور وابن إسحاق " أن الكتاب الذي طلبه المنصور لا يقتصر على السيرة النبوية فقط، بل يشمل تاريخاً منذ خلق الله آدم إلى اليوم الذي يعيشه ابن إسحاق، أي أنه يجمع بين ماضي الأمة الإسلامية وحاضرها، وهذا يدل على أن كتاب المغازي لابن إسحاق كان أشمل وأوسع بكثير مما وصل إلينا عن طريق ابن هشام ، وقد يؤيد ذلك أن ابن إسحاق كان موضع مديح العلماء الذين جاءوا بعده، إذ وصفوه بأنه لم ينزع في كتابه إلى تدوين تاريخ النبي فحسب، بل إلى تاريخ النبوة بذاتها. وقال فيه "الإمام الشافعي (ت 204 هـ) "من أراد التبحر في المغازي، فهو عيال على ابن إسحاق".
وعلى أية حال، فإن هذه النقلة التي أقدم، عليها ابن إسحاق من رواية الحديث إلى الاشتغال برواية الأخبار، تعتبر بداية انفصال التاريخ عن الحديث، على اعتبار أن التاريخ كان نوعاً من أنواع الحديث.
وهكذا صار التاريخ علماً مستقلاً، وأخذ يتطور تدريجياً حتى أخذ مظهره الرائع كعلم من أجل علوم المسلمين، وأخذ المؤرخون مكانتهم بين علماء الدولة الإسلامية كرجال لهم خطرهم في الحياة العامة، سياسية كانت أو علمية، بينما تضاءل مدلول لفظ إخباري حتى صار يطلق فقط على من يروي الحكايات والقصص.
ولقد كانت بغداد مركزا لتطور الدراسات التاريخية والحضارية على مستوى عالمي، فلم يعد إنتاجها في هذا الصدد قاصراً على العراق فحسب، بل شمل العالم الإسلامي والحياة الإسلامية. ومثال ذلك تاريخ الرسل والأمم والملوك للطبري (ت 310 هـ)، وكتابا "مروج الذهب "- "والتنبيه والأشراف " للمسعودى (ت 346 هـ)، وكتب المسالك والممالك، وكتاب " الأغاني"لأبي الفرج الأصفهاني(ت 355هـ) "، وقصص "،ألف ليلة وليلة"، كلها صور عامة للحياة الإسلامية بمختلف مظاهرها التاريخية والحضارية.
وما يقال عن التاريخ يقال أيضاً عن علم الفقه الذي يقوم على البحث في الأحكام الشرعية، ومعرفة حكم الدين في القضايا التي تحدث للمسلمين سواء في قضايا دينهم (العبادات) أو في قضايا دنياهم (المعاملات). ومع قيام الدولة العباسية كان المسلمون قد بدأوا في تدوين فقههم واستنبطوا الأحكام والشرائع في القرون الأولى للهجرة، وهو ما لم يتفق لدولة من الدول السابقة، فالقانون الروماني مثلاً لم يستقر أمره إلا زمن الإمبراطور "جستنيان " أي بعد تأسيس الدولة الرومانية بأكثر من عشرة قرون.
وهكذا ظهرت المذاهب الفقهية في عصر الدولة العباسية، واحتلت بغداد مكان الصدارة لهذه الدراسات الفقهية، إذ ظهر فيها الإمام " أبو حنيفة النعمان (ت 150 هـ) " في "خلافة أبي جعفر المنصور، وكان مذهبه يعتمد على الرأي والقياس والاجتهاد، بسبب تعقد الحياة وتطور المدنية في البيئة العراقية لكونها مجمعاً لمختلف الأجناس والملل والنحل مما أدى إلى ظهور قضايا ومشاكل جديدة لا تنطبق عليها نصوص القرآن والسنة، وتحتاج إلى وضعها محل الاجتهاد، والحكم فيها عن طريق الاستنباط العقلي القائم على المنطق الدقيق وهو القياس أو الرأي.
وقد عاصر الإمام أبو حنيفة كلاً من الأئمة "مالك بن أنس في المدينة (ت 79 ا هـ) "، و "الليث بن سعد في الفسطاط (ت 175 هـ) "، وهم جميعاً من أهل الحديث، أي أنهم يتمسكون عند إصدار أحكامهم بنصوص القرآن والحديث، ولا يرضون عما استحدثه الأحناف من أقيسه ذات طابع فلسفي.
وفي السنة التي توفى فيها الإمام أبو حنيفة (150 هـ)، ولد الإمام "محمد بن إدريس الشافعي " في غزة، وعاش في الحجاز حيث حفظ موطأ الإمام مالك بن أنس " بالمدينة المنورة وقرأه عليه وهو صبي في العاشرة من عمره، ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه "أبي حنيفة" قبل رحيله واستقراره قي مصر. ومن ثم جاء مذهبه وسطاً بين مذهب " أبي حنيفة" المتوسع في الرأي، ومذهب "مالك بن أنس " المعتمد على الحديث. وتوفي "الشافعي " قي الفسطاط سنة (204 هـ) ومقامه معروف هناك، ومن أشهر مؤلفاته "كتاب الأم " في الفقه، و "رسالة في أصول الفقه "، تعتبر الأولى من نوعها، إذ وضع فيها لأول مرة قواعد الاستنباط في الأحكام الشرعية وهو ما يسمى بأصول الفقه.
وجاء بعده تلميذه الإمام "أحمد بن حنبل الشيباني "، الذي ولد وعاش ومات في بغداد (164- 241 هـ) وكان يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، وأنكر على أستاذه " الشافعي " أخذه بالرأي، واعتبر الحديث أفضل من الرأي، فعاد بذلك إلى رأي الإمام مالك. ومن أشهر كتبه "المسند" الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول (r ) .
وأخيراً يعتبر الشيعة "الإمامة" ضرورية ومن أساس الدين، والإمام عندهم هو الذي يسير بالأمة إلى الهدف الأعلى ويدفعها إلى السير في الطريق المستقيم، والفقه من اختصاص الإمام وحده فهو المجتهد المطلق، ومن كتبهم كتاب الكافي للكليبي ت 328 هـ/939 م والنهاية في الفقه لمحمد بن الحسن الطوسي ت 460 هـ/1067 م.
وهكذا نرى أن بغداد عرفت من الفقهاء الذين أقاموا أو درسوا فيها، عدة اتجاهات فقهية، فهناك المتمسك بالرأي، كأبي حنيفة"، وهناك المتمسك بالنصوص "كابن حنبل "، وهناك من لاءم بينهما واتخذ مذهباً وسطاً "كالشافعي. والواقع أن كل المذاهب الفقهية الإسلامية تتفق معاً في العمل بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة والتابعين، ولكنها تختلف في فهم واستنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها.
أما دراسات العلوم اللغوية والنحوية، فقد شهدت العراق فيها ثورة واسعة ضخمة على أيدي علماء البصرة والكوفة الذين حققوا إنجازات وابتكارات علمية في هذا المجال للحفاظ على كلام العرب وتقويم اللسان العربي، بعد أن فشا اللحن في كلام المسلمين، نتيجة لاختلاطهم بالأعاجم في البلاد المفتوحة. لهذا قام هؤلاء العلماء بجمع وتدوين ألفاظ اللغة العربية وأشعارها من منابعها الصافية في نجد بقلب الجزيرة العربية. كذلك وضعوا قواعد نحوية للغة العربية، وابتكروا النقط والشكل على الحروف لمعرفة نطق الكلمات نطقاً سليماً، ولا سيما القرآن الكريم، حتى لا يتعرض للتحريف. هذا إلى جانب تصنيف المعاجم اللغوية، ووضع علم العروض لمعرفة أوزان الشعر وأحكامه وبحوره. ومن أشهر الرواد الذين حققوا هذه الابتكارات العلمية مع بداية العصر العباسي العالم البصري العربي، الخليل بن أحمد الفراهيدي
(ت 175 هـ/ا 79 م) "، وتلميذه وشيخ البصريين بعده العالم الفارسي "أبو بشر عمرو بن عثمان الملقب بسييويه
(ت 177 هـ/793 م) ". ولم تلبث العاصمة بغداد أن شاركت في هذه النهضة العلمية، حيث انتقل إليها عدد من علماء الكوفة والبصرة أمثال " أبي حنيفة" و"، المفضل الضبي " و "الكسائي "الفراء "، و "ابن السكيت "، بحيث صارت بغداد مسرحاً لمناظرات علمية حامية الوطيس بين أشهر علماء العصر.
أما الأدب، فقد تطور هو الآخر في العصر العباسي تطوراً كبيراً، ونهج الشعراء فيـه مناهج جديدة في المعاني والموضوعات والأساليب والأخيلة، وغير ذلك من فنون الشعر المختلفة التي تناسب ما انتشر في العصر العباسي من حضارة وترف ولا سيما في رصافة بغداد أو بغداد الشرقية. ومن أشهر هؤلاء الشعراء،، أبو نواس " الذي ذاعت قصائده في الخمر والغزل والصيد.. الخ، و" أبو تمام الطائي " المشهور بنزعته العقلية والفلسفية في الشعر، وتلميذه "أبو عبادة البحتري " صاحب المدائح الخالدة، و "ابن الرومي " المعروف بطول نفسه وغزارة شعره، و" أبو العتاهية" الذي اشتهر بالحكمة والغزل الرقيق، والمتنبي، الذي اشتهر بالفخر ، وأبو العلاء المعري، شاعر الحكمة، وغيرهم كثيرون. ويكفي أن نشير إلى ما قاله الخليفة الشاعر، "عبد الله بن المعتز (ت 296 هـ) " في كتابه "طبقات الشعراء" من أن عدد شعراء الدولة العباسية في أواخر القرن الثالث الهجري فقط بلغ أكثر من مائة وثلاثين شاعراً. هذا إلى جانب الشاعرات والأديبات من النساء اللائى لعبن دوراً هاماً في الحياة الأدبية وفي الأحداث المهمة في المجتمع الإسلامي مثل "رابعة بنت إسماعيل العدوية" التي سلكت طريق الزهد والتصوف والأميرة، علية بنت المهدي " التي وصفها "الحصري " بأنها "تعدل الكثير من أفاضل الرجال في فضل العقل وحسن المقال، ولها شعر رائق وغناء رائع ". ومثل الأميرة "العباسة بنت المهدي " التي لعب الخيال دوراً كبيراً في القصص التي أحاطت بها، إذ تروى لها أشعار تدل على ذكاء وحسن تأت للموضوع الذي تقصد إليه. ومثل "عابدة الجهنية" التي قال "السيوطي " عنها أنها"أديبة شاعرة فصيحة فاضلة كاتبة".
هذا، ويروي "ابن الفوطي " أن الخليفة العباسي "الناصر لدين الله (ت 622 هـ) كانت لديه جارية تركية تسمى "شجرة الدر"، مقربة إليه، وكانت تكتب خطاً جيداً ، وتقرأ له المطالعات الواردة عليه لما تغير نظره، ويملي عليها الأجوبة. وتوفيت سنة 634 هـ 1236 م) ودفنت في تربة الخلاطية ببغداد.
ومن الطريف أن هذه الأديبة العراقية "شجرة الدر"، عاصرت ملكتين مسلمتين في العالم الإسلامي: أولاهما، الملكة ، رضية الدين " سلطانة دلهي بالهند الإسلامية، وهي تعتبر أول ملكة مسلمة جلست على عرش مملكة إسلامية (634- 638 هـ -1236- 0 124 م). والملكة الثانية هي سميتها في الإسم، سلطانة مصر المعروفة "شجرة الدر"، صاحبة الفضل الأول في إخفاق الحملة الصليبية السابعة التي قادها ملك فرنسا لويس ، التاسع عن مصر سنة 647 هـ (1249 م).
وإذا انتقلنا إلى عالم الفنون والعمـارة، نجد أن، العباسيين لم يكونوا أقل اهتماما من الأمويين في مجال التشييد والتعمير، ففي العمارة بنى (أبو جعفر المنصور" على نهر دجلة عاصمته" بغداد (145- 149 هـ) على شكل دائري، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن مـعظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة كالفسطاط، أو مربعة كالقاهرة، أو بيضاوية كصنعاء. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها، ولعل الخليفة "المنصور" تأثر بهندسة بعض العواصم القديمة مثل مدينة الحضر جنوب غرب الموصل ومثل مدينة همذان مثلاً. المهم هنا أن خطة المدينة المدورة بغداد، تعتبر ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي. هذا إلى جانب المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة.
وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح. وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك بالفرنسية " ARABESQUEوبالأسبانية ( ATAURIQUE) أي التوريق. وقد عرف الفنان المسلم ما يسمى الآن بالفن التجريدي ( SURREALISM ABSTRACT ) لأنه كثيراً ما كان يأخذ الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة، ويجردها من شكلها الطبيعي حتى لا تعطى إحساسا بالذبول والفناء، فيجردها ويحورها في أشكال هندسية حتى تعطي الشعور بالدوام والبقاء والخلود .
كذلك وجد الفنانون المسلمون فى الحروف العربية أساسا لزخارف جميلة، ومن ثم صار الخط العربي فناً رائعاً، على يد خطاطين مشهورين. فهناك الخط الكوفي الذي يستعمل في الشئون الهامة مثل كتابة المصاحف والنقش على العملة، وعلى المساجد، وشواهد القبور. ومن أبرز من اشتهر بكتابة الـخط الكوفي، مبارك المكي " في القرن الثالث الهجري في خلافة "المتوكل على الله العباسي "، وهناك خط النسخ الذي استعمله الناس في التراسل والتدوين وفي نسخ الكتب، ولهذا عرف بهذا الاسم، وقد نبغ في كتابته عدد من الخطاطين أمثال "ابن مقلة (ت 328 هـ) " ولابن البواب (ت 13 4 هـ) " وياقوت المستعصمي في القرن السابع الهجري ".

أما فن التصوير، أي رسم الإنسان والحيوان، فبالرغم من أن بعض علماء المسلمين الأولين، اعتبروه مكروهاً، إلا أنهم لم يفتوا بتحريمه. والظاهر أن خلفاء بني أمية وبني العباس قد ترخصوا في ذلك إذ توجد صور آدمية متقنة على جدران قصورهم التي اكتشفت آثارها منذ عهد قريب في شرق الأردن وسامراء،كذلك ورد في كلام المؤرخين أن الخليفة "الأمين " كان لديه قوارب لنزهته في دجلة على هيئة الأسد والنسر والدلفين، وأن قصر "(المقتدر بالله " اشتمل على تماثيل متحركة لفرسان بخيلها تتقدم وتتأخر كما في الحرب. هذا إلى جانب قبة القصر الخلافي في بغداد التي أقيم في أعلاها على عهد "المنصور" تمثال لفارس بيده رمح يتحرك في اتجاه الريح. كذلك وصلت إلينا كتب عربية موضحة بالصور الجميلة التي رسمها المصورون المسلمون مثل " الو اسطي " وغيره في مقامات "الحريري " وكتاب "كليلة ودمنة".
كذلك ازدهرت الموسيقى وتطورت آلاتها ولا سيما في مدينة بغداد التي صار لها مركز الصدارة والشهرة في هذا الفن. ومن أشهر المغنين والمغنيات في العصر العباسي الأول: قمر البغدادية" و" إبراهيم الموصلي "، وابنه "إسحاق " وتلميذه "أبو الحسن علي بن نافع " الملقب "بزرياب " الذي هاجر إلى المغرب والأندلس وحمل معه إلى هناك الموسيقى الشرقية التي ما زال تأثيرها باقيا في الموسيقى التي تعرف إلى اليوم في المغرب والجزائر وتونس باسم "الموسيقى الأندلسية". كذلك برع في دراسة الموسيقى من الناحيتين النظرية والعملية عدد من كبار العلماء وعلية القوم أمثال "الكندي " و!الفارابي " والخليفة "الواثق العباسي ". وكل هذا يدل على أن الحضارة المزدهرة التي اختصت بها بغداد، قد غذت الروح الإسلامية في مختلف الأقطار غذاء تاماً.
ولقد واكب هذه النهضة العلمية نشاط صناعة الورق، ونسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها مما ساعد على انتشار الفكر الجديد في مختلف الأمصار،فأصبحت بغداد بذلك المدينة الممتازة في العالم الإسلامي،( CITY PAREXCELLENCE) وهذه الصفة العالمية التي تميزت بها بغداد جعلتها كعبة يحج إليها المسلمون من جميع أنحاء العالم الإسلامي، كما جعلت حضارتها تطغى على جميع الحضارات الإسلامية الأخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:38

اللقاء الحضاري بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي


لم يقتصر اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب على العصر الوسيط فقط، بل كان مستمرأ على ممر العصور والأجيال. ومن أهم مظاهره تلك الهجرات الفينيقية القديمة التي خرجت من سواحل الشام عبر البحر المتوسط إلى سواحل المغرب وأسبانيا حيث أسست مدناً تجارية لا زالت باقية إلى الآن، مثل "طنجة" و "قرطاجة" و "مالقة" و"قادس " و" قرطبة" وغيرها. ومثل حروب طروادة في آسيا الصغرى التي حاصرها اليونان عشر سنوات (1193- 1184 ق. م) وتغنى بمواقعها الشاعر "هوميروس " في الالياذة. ومثل الحروب الفارسية اليونانية التي كانت فتوحات "الاسكئدر" وانجازاته الحضارية من أهم مراحلها. وفي العصر الوسيط تمثل هذا اللقاء في الحروب التي نشبت بين أقوى أمبراطوريتين في ذلك الوقت: الفارسية والبيزنطية. وبعد ظهور الإسلام اتخذ هذا الصراع شكلاً دينياً في مظهره، فصار صراعاً بين المسيحية والإسلام. ثم استمر هذا اللقاء في عصورنا الحديثة وإن كان قد اتخذ أشكالاً وألواناً مختلفة كالاستعمار والإمبريالية والصهيونية..
والذي يهمنا في هذا الموضوع هو ذلك اللقاء بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي المسيحي في العصر الوسيط، وما نجم عنه من إسهام حضاري متبادل بينهما.
لقد اصطلح المؤرخون على تحديد مراكز هذا اللقاء بالجسور أو المعابر الجغرافية الثلاثة التالية باعتبارها كانت أقوى المناطق التحاماً بين الجانبين، وهى على حـسب ترتيب أهميتها: الأندلس، ثم صقلية، ثم الشام
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:39

الأندلس

المراد بالأندلس هو أسبانيا الإسلامية بشبه جزيرة "أيبيريا" التي فتحت في خلافة "الوليد بن عبد الملك " وعلى يد "موسى بن نصير" ومطارق بن زياد سنة 92 هـ/ ا 71 م،). واستمر الحكم الإسلامي فيها حتى سقوط مملكة "غرناطة" آخر مملكة إسلامية في أسبانيا سنة 897 هـ/493 ا م.
لم يكن الفتح الإسلامي لأسبانيا مجرد احتلال عسكري صعدت فيه الجيوش الإسلامية إلى أقصى الشمال ثم هبطت إلى الجنوب، بل كان حدثاً حضارياً هاماً امتزجت فيه حضارة سابقة!كالرومانية" و "القوطية" مع حضارة جديدة لاحقة وهي الحضارة الإسلامية، ونتج عن هذا المزيج حضارة أندلسية مزدهرة وصلت إلى الفكر الأوروبي المجاور، و أثرت فيه، كما تغلغلت في الحياة الأسبانية وتركت فيها آثارا عميقة ما زالت معالمها واضحة إلى اليوم. ولا شك أن المسلمين حينما دخلوا أسبانيا وجدوا فيها سكاناً مثل "القوط " و "بقايا الرومان "، فاختلطوا بهم، ولم تلبث أن نشأت طبقة اجتماعية جديدة، وهي طبقة المولدين التي هي خليط من دم أهل البلاد الأصليين ودم العرب والبربر الفاتحين. هذا إلى جانب طبقة المستعربينMozarabes) ( وهم الأسبان المسيحيون الذين ظلوا على ديانتهم المسيحية ولكنهم تعربوا بدراسة اللغة العربية وآدابها وثقافتها، واتخاذ الأسماء والأزياء العربية.
وهكذا كانت أسبانيا بعد الفتح الإسلامي مزدحمة بالأجناس المختلفة، وكان من الطبيعي أن تتصل هذه العناصر بعضها ببعض، سواء بالمصاهرة أو الجوار أو الحرب، وأن يأخذ كل منها عن الآخر ويعطيه، مما كان له أثره في مزج هذه العقليات المختلفة والعناصر المتباينة. وما يقال عن تنوع هذه العناصر البشرية التي سكنت الأندلس، يقال أيضاً عن التيارات الثقافية المتنوعة التي تكونت منها حضارتها.
فمن المعروف أن الحضارة الأندلسية- مثل كل الحضارات- لم تنشأ فجأة، بل مرت في أدوار مختلفة وخضعت لمؤثرات حضارية مشرقية - شامية وحجازية ومصرية وعراقية - تربطها بالوطن الإسلامي الأم باعتبارها جزءاً منه. كما خضعت لمؤثرات أفريقية بحكم ارتباطها ببلاد المغرب والسودان الملاصقة لها من الجنوب. هذا إلى جانب المؤثرات المحلية الأوروبية بحكم البيئة التي نشأت فيها.
ولا شك أن وضع الأندلس الجغرافي في الأطراف الغربية البعيدة للعالم الإسلامي، وبجوار الغرب المسيحي في قلب أوروبا، جعلها في مواجهة مستمرة دائمة مع الدول اللاتينية هناك، وهذا جعلها بالتالي من أكثر الدول الإسلامية معرفة وتأثيراً بها. ذلك لأن الحياة الإسلامية في الأندلس لم تعرف الانفصال الجغرافي أو العنصري أو الحضاري بين المسلمين والمسيحيين، بل كانت حياة مشتركة اختلط فيها الفاتحون مع أهالي البلاد الأصليين.
وعلى الرغم من أن ما أخذته الأندلس من أوروبا كان أقل مما أعطته لها من ثقافتها، إلا أن هذا الوضع الجغرافي الأوروبي الذي تميزت به الأندلس، وهذا التداخل المستمر بين الإسلام والمسيحية في شبه جزيرة " أيبيريا"، قد أعطى الأندلس- رغم تعلقها بالوطن الأم- طابعاً فريداً ، وشخصية مستقلة مميزة. فالحضارة الأندلسية على هذا الأساس حضارة إسلامية عربية أسبانية، ولا يمكن أن نسميها إلا بهذه التسميات الثلاث. وعلى هذا النحو يمكن القول بأن حركة الفتع الإسلامية لأسبانيا ، كانت استمراراً لدور سابق، بمعنى أنه لم تعقبها حركة ركود أو توقف حضاري، بل استمرت القافلة تسير بسبب تواصلها مع الحضارة الأسبانية الأوروبية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:41

التقسيم الإداري في الأندلس

إن من يدرس جغرافية شبه وجزيرة "أيبيريا"، يجد أن حدودها الطبيعية تصلح تماماً لأن تكون حدوداً سياسية إدارية،فسلاسل الجبال ووديان الأنهار التي تقطعها في خطوط مستعرضة من الشرق إلى الغرب أو العكس، قد قسمتها إلى أقسام طبيعية يمكن تحويلها إلى وحدات إدارية وعسكرية واضحة المعالم. فما كان على المنظم أو الإداري إلا أن يثبت حدود هذه الوحدات ويعين قواعدها، فلا يجد صعوبة في إدارتها وجباية خراجها. وهذا ما فعله الرومان والقوط. ثم جاء المسلمون فاحتفظوا بهذه التقسيمات الإدارية ولكنهم سموها مدناً بدلا من كيفتاس Civtasا ، " وكورا " بمعنى ولايات- بدلاً من بروفنكياس Provingias، وأضافوا إليها عدداً من المنشآت التي تعطيها الطابع الإسلامي المميز لها كالمسجد الجامع، وقصر الإمارة أو الخلافة، والأسواق والقيساريات إلى غير ذلك مما يناسب طبيعة دولتهم الإسلامية. هذا إلى جانب ما أضافوه من مدن جديدة لأن البناء والعمران من مستلزمات التحضر ومثال ذلك:
(1) الجزيرة الخضراءAlceciras التي بناها "طارق بن زياد " بجوار جبل طارق، وكانت تعرف بجزيرة أم حكيم محلى اسم زوجته التي تركها هناك أثناء قيامه بفنج الأندلس.
(2) طريفTarifa، غربي الجزيرة الخضراء، وهي على اسم "طريف بن مالك " أحد قوادا، موسى بن نصير" الذي أغار على هذه المنطقة فسميت البلدة باسمه.
(3) قلعة أيوب Calayud في شمال أسبانيا. بناها "أيوب بن حبيب اللحنمي) الذي ولي الأندلس بعد مقتل ابن عمته "عبد العزيز بن موسى بن نصير".
(4) مدينة سالم Medinaceli في شمال أسبانيا. بناها "سالم بن ورعمال المصمودي " أحد قواد البربر الذين شاركوا في فتح الأندلس.
(5) تطيلة TUDELA على وادي الأبرو في شمال أسبانيا، بناها الأمير!الحكم بن هشام المعروف بالربضي ، وينسب إليها الشاعر "أبو العباس القيسي المعروف بالأعمى التطيلي (ت 532 هـ1127 م) ".
(6) مرسيةMURCIA في شرق الأندلس وقد تعني المرساة التي أرسيت قواعدها. بناها الأمير "عبد الرحمن الأوسط الأموي سنة 216 هـ/\ 83 م) " وينسب إليها علماء كثيرون متنل "ابن سيده اللغوي الصنوير (ت 08 4 هـ/065 ام) "صاحب المخصص في اللغة، والعالم "ابن سبعيــن (ت 669 هـ أ" صاحــب الرد العلمــــي المشهور على الإمبراطور "أفريدريك الثاني "، والفيلسوف الصوفي "محيي الدين بن عربي (ت 638 هـ)،ا صاحب كتاب الفتوحات الملكية.
(7) مجريط MADRID عاصمة أسبانيا الحالية، بناها "الأمير محمد بن عبدا لرحمن الأوسط (338- 373 هـ) "، وينسب إليها
الرياضي الفلكي " مسلمة المجريطي (ت 394 هـ) ".
(Cool المريةALMERIA قاعدة الأسطول الأندلسي في شرق أسبانيا، بناها المسلمون الأوائل وازدهرت في عهد الخليفة "عبد الرحمن الناصر،"، وينسب إليها "بنو ميمون " قادة ا لأسطول الأندلسي والمـغربي على عهد، المرابطين " و " الموحدين ، والعالم الزاهد "أبو العباس بن العريف (ت 535 هـ) " صاحب كتاب محاسن المجالسة. وقد يكون اسم المرية يعذي المرئية أي التي ترى من بعيد في البحر عن طريق مناراتها.
(9) سهلة بني رزينALBARRACIN في شمال شرق مدريد، نسبة إلى أمراء بني رزين المغاربة الذين حكموا تلك المنطقة. ولا يفوتنا أن نشير إلى اسم البرانس الذي أطلق على بعض جبال أسبانيا الشمالية، وهو اسم قديم لكتلة البربر!البرانس " في المغرب التي تنتمي إليها قبيلة "صنهاجة". هذا إلى جانب المنيات والحصون والقصور والقرى التي ما زالت أسماؤها العربية والمغربية تزخر بها الأراضي الأسبانية.
هذا، ويلاحظ أن كلا من الكور والمدن في الأندلس، كان لها استقلالها الإداري عن العاصمة قرطبة، وهت ا يدل على أن الأندلسيين لم يحرصوا على نظام المركزية في جهازهم الإداري، لأن طبيعة البلاد الجبلية تتنافى مع هذا التركيز سواء في الكور أو المدن. فولاة الكور وقواد المدن كان لهم قسط كبير من النفوذ المحلي وحرية التصرف دون الرجوع إلى الخليفة في "قرطبة". ولكن القول بأن هذه اللامركزية كانت صفة عامة في تاريخ أسبانيا الإسلامية والمسيحية بوجه عام حتى اليوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:42

نظام الحكم والإدارة أو ما يسمى بالخطط

حظيت الأندلس بنظام حكم إداري متطور إلى حد كبير عن مثيله في الشرق الإسلامي أو الغرب المسيحي.
فإذا تناولنا خطة الوزارة فني قرطبة عاصمة الأندلس في عهد الدولة الأموية، وجدنا أنها كانت متعددة المناصب ولها رئيس وزراء يسمى الحاجب، وهو الذي يتصل بالخليفة. وهذا التعدد في مناصب الوزراء لا نجده في نظام الوزارة بالشرق الإسلامي أو الغرب الأوروبي، حيث كانت السلطة مركزة في يد وزير واحد، وقلما وجد وزيران،. أما في الأندلس فكل ناحية من نواحي الإدارة العامة مثل المال والترسيل والمظالم والثغور، لها وزير مختص بها، ثم هناك الرئاسة العامة للوزارة وهي الحجابة التي تختلف عن الشرق، حيث كان الحاجب هو الشخص الذي يقف بباب الخليفة أو السلطان. كذلك وجد في القصر الخلافي بالأندلس بيت خاص لانعقاد مجلس الوزراء فيه. فالوزارة في الأندلس كانت قريبة الشبه بنظم الوزارات الحديثة CABINET OF MINSTERS وهي في هذا تختلف عن نظام الوزارة المعروف في الشرق أو الغرب في العصر الوسيط. ومن الطريف أن وزير المالية في الأندلس كان يسمى في بعض الأحيان بصاحب الأشغال وهي نفس التسمية المستعملة اليوم في أسبانيا، حيث يسمى وزير الماليةMINISTRO DE HACIENDA أي وزير الأشغال وتعني وزير المالية.
وما يقال عن الوزارة يقال أيضا عن خطة القضاء في الأندلس، إذ نلاحظ فرقاً جوهرياً بين منصب قاضي القضاة في الشرق وقاضي الجماعة في الأندلس. فقاضي القضاة في بغداد أو القاهرة هو قاضي الدولة كلها، ومن سواه من القضاة في الأقاليم والأمصار نواب عنه، فهو المتصرف فيهم تعييناً وعزلاً ، ولهذا يلقب بقاضي القضاة فقط أو قاضي بلد كدا. أما قاضي الجماعة في الأندلس فهو قاضي العاصمة قرطبة. والجماعة هنا تفسر بالجماعة الإسلامية التي استقرت في العاصمة الجديدة قرطبة. ولهذا فإن سلطته كانت قاصرة على قرطبة ونواحيها فقط، بمعنى أنه لم يكن له سلطان على بقية القضاة في الكور والمدن الأندلسية الأخرى، فهم مستقلون بأنفسهم وليسوا نواباً عنه، وهو لا يمتاز عنهم إلا من الناحية الأدبية فقط، بحكم كونه قاضياً للعاصمة، ومستشاراً للخليفة، وإماماً للصلاة في أيام الجمعة والأعياد. وهكذا نحد أن نظام القضاء في الشرق اتسم بطابع المركزية بينما اتبع في الأندلس نظام اللامركزية.
هذا وقد كان يوجد في الأندلس حق الاستئناف، فالخصم الذي لا يرضيه حكم القاضي، يستطيع أن يتظلم أمام قاض أخر يسمى صاحب الرد، الذي كان ينظر في القضية مرة ثانية، فإذا وجد فيها مظلمة ردها للقاضي، أو رفعها للسلطان كي يصدر فيها حكمه بعد استشارة مجلس المشورة الذي كان يضم قضاة الفتيا.
ويبدو أن ولاية الرد لم تكن موجودة إلا في المغرب والأندلس إذ أن فقهاء الشرق ولا سيما أبا الحسن الماوردي لم يذكرها في كتابه "الأحكام السلطانية". ويبدو أن صاحب الرد كان يشبه وزير الشكايات الذي ظل يقوم بدور الاستئناف في المغرب إلى عهد قريب. ولقد وجد في المشرق ديوان المظالم، ولكن لم تكن له صفة الثبات والديمومة مثل ولاية الرد. هذا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الغرب الإسلامي بصفة عامة، سار على سياسة تشريعية هامة وهي التمسك بالمذهب الواحد في قضاياه الدينية والدنيوية، ألا وهو المذهب المالكى ، حتى قيل أن أهل المغرب والأندلس لا يعرفون سو ى كتاب الله وموطأ مالك بن أنس " عالم دار الهجرة ت (179 هـ)، ولا شك أن هذه السياسة التي تتفق مع وضع المغرب والأندلس الجغرافي والحربي كثغور إسلامية ، قد جنبت تلك البلاد شرور الفتن والخلافات المذهبية، وحفظت لها سلامتها ووحدتها الروحية، فكانت لذلك درعاً واقياً للإسلام في أقصى الغرب، وهذه الظاهرة لا نجدها في المشرق مثل القاهرة ودمشق وبغداد التي تعددت فيها المذاهب والفرق، واشتدت الخلافات بينها، ومع ذللت كان لا يخشى عليها من هذا التعدد والخلاف المذهبي لأنها تقع في قلب العالم الإسلامي. ومن الطريف أن الممالك المسيحية الأسبانية المتاخمة للمسلمين في الأندلس، قد اتبعت هي الأخرى سياسة المذهب الديني الواحد باعتبارها هي الأخرى ثغراً للمسيحية في هذه المنطقة. فاقتصرت على المذهب الكاثوليكي، وتعصبت له حتى ضرب بها المثل بأنها أكثر تعصباً للكاثوليكية من البابا نفسه MASPAPISTAOUE EL PAPA وهذا الموقف المتشابه بين الجبهتين يدل على التداخل الحضاري بينهما.
بقي أن نشـير إلى نقطة هامة وهي أن دخول المذهب المالكي في الأندلس، لم يلبث أن تأثر بعوامل البيئة المحلية، وأصبح له مظهر فقهي أندلسي مالكي مستقل. مثال ذلك أن الأندلسيين رغم اعتناقهم المذهب المالكي، أخذوا ببعض تعاليم إمام أهل الشام ودفين بيروت "أبي عمرو الأوزاعي (ت 157 هـ) "، والإمام المصر ي !الليث بن سعد (ت 75اهـ) " وفي ذلك يقول الفقيه "أبو الحسن النباهي المالقي (القرن 8 هـ) " في كتابه "المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا" ص 149: "ومن المسائل التي خالف أهل الأندلس فيها مذهب مالك بن أنس هي أنهم أجازوا كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها (أي الإيجار على الجزء المزروع منها فقط) وهو مذهب "الليث بن سعد "، وأجازوا غرس الأشجار في صحون المساجد وهو مذهب "الأوزاعي ".
وقد تابع حكام الأندلس هذا التقليد في مساجد الأندلس ابتداء من "عبدالرحمن الأول " (الداخل) الذي أمر الفقيه "صعصعة بن سلام " صاحب الصلاة بالجامع (ت 193 هـ) بغرس صحن جامع قرطبة بالأشجار البديعة. واستمرت هذه العادة الجميلة منتشرة في مساجد الأندلس إلى يومنا هذا حيث نجد أشجار الليمون والنارنج (أحد أشجار الموالح المزهرة! في صحن المسجد الأموي بقرطبة بل وفي الكنائس أيضاً .
وإلى جانب القاضي في الأندلس، كان يوجد صاحب الشرطة الذي ينظر ويفصل في الجرائم السياسية والمدنية وكل ما يتعلق بحفظ الأمن في البلاد، فهو بمثابة قاضي الجنايات والمخالفات التي لا تدخل في اختصاص القاضي لأنها لا تتقيد أحكامها بأحكام الشرع تماماً، وفي هذا يقول "ابن خلدون ": وقد رؤى من باب السياسة تنزيه القاضي عن هذه السلطة المدنية، ووضعها في يد شخص أخر يكون عادة من كبار القادة وعظماء الخاصة وهو صاحب الشرطة". ويضيف "ابن خلدون " أن خطة الشرطة في الأندلس كانت تنقسم إلى شرطة عليا تنظر في الجرائم التي يرتكبها علية القوم، وشرطة صغرى تنظر إلى الجرائم التي يرتكبها عامة الناس. ولا شك أن هذا النظام الطبقي في المحاكمات يتنافى مع روح الإسلام. إلا أنه يعتبر من الأنظمة التي انفردت بها الأندلس.
وكان يعاون صاحب الشرطة رجال من العسس الذين يطوفون باالليل للحراسة ويعرفون بالدابين، لأن المدينة الأندلسية كانت لها دروب أو أبواب تغلق في أول الليل بواسطة هؤلاء الدابين، وكان كل واحد منهم معه كلب وسلاح وسراج. ومن الطريف أن عادة غلق الأبواب ليلاً بواسطة دابين ما زالت متبعة في أسبانـيا منذ السماعة العاشرة ليلاً، وبواسطة درابين يعرفون باسم سيرينوس SERENOS (أي الساهرون)، فكل من يريد الخروج من المنزل أو الدخول فيه أثناء الليل عليه أن ينادي على هذا الحارس الليلي بطريقة التصفيق. وهذا الاستمرار في وظيفة الحراسة الليلية على الطريقة الأندلسية يعتبر إسهاماً حضارياً في هذا المجال.
وإلى جانب الشرطة، كانت هناك خطة الحسبة للإشراف على المعاملات الجارية في الأسواق، ومحاربة المنكرات فيها، إلى جانب الإشراف على الآداب العامة وأخلاق المجتمع في المساجد والمدارس والحمامات والأزقة والطرقات. ويلاحظ أن ولاية المحتسب في بلاد المغرب والأندلس، كانت أكثر تحديداً وضرورة لمقتضيات، الحياة منها في المشرق، ولهذا استمرت فيها بدون انقطاع. ولعل أحسن دليل على أهمية المحتسب من الناحية العملية في الأندلس، أن ملوك أسبانيا المحتسيين كانوا كلما استردوا إقليماً من المسلمين، ابقوا فيه المحتسب. ولهذا دخل لفظ المحتسب في اللغة الأسبانية تحت اسمALMOTACEN، ويطلق على الوالي المكلف بضبط الموازين والمكاييل. أما في المغرب فالأدلة على أهمية وظيفة المحتسب وشدة الحاجة إليها أنها باقية مستمرة حتى اليوم في المدن والبوادي المغربية، بينما زالت من المشرق. ويلاحظ أن اختصاصات المحتسب حالياً في المغرب لا تختلف كثيراً عما كانت عليه في العصر الوسيط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:44

الدور الاقتصادي للأندلس

حظيت الأندلس بشهرة اقتصادية كبيرة في ميادين الصناعة والتجارة والزراعة:
فالصناعة ازدهرت في المدن المختلفة، وتكونت معها طوائف حرفية عرفت باسم الأصناف وأرباب الصناع. وصار لكل صنف أو حرفة رئيس أو شيخ منتخب من أصحابها عرف باسم الأمين أو العريف، وكان هذا الأمين مسؤولاً ومدافعاً عن طائفته وأهل حرفته أمام ممثل الحكومة في سوق المدينة وهو المحتسب. فكان يبلغه رأي طائفته حول تكاليف السلعة التي يصنعونها وتحديد ثمن بيعها، . كما يقوم بدور الخبير الفني في الخلافات التي تقع بين أهل حرفته وعملائهم حول سلعة من السلع، ورأيه كان مقبولاً لدى القاضي أو المحتسب. وقد انتقل لفظ الأمين إلى اللغة الأسبانية على شكلAL - ALamin كما استمرت مهمة الأمين موجودة في بعض المدن المغربية وإن كان وجود النقابات العمالية الحديثة قد قللت من قيمة منصبه وأدرجته ضمن أعمالها.
ولقد شبهت الأصناف أو الطوائف الصناعية الإسلامية بنظام نقابات الصناع أو اتحادات العمال التي كانت تسمى في أوروبا Gulids أوCorporations، ولكنها في الواقع كانت تختلف عنها لأنها لم تشارك في إدارة المصالح العامة في المدينة أو تقوم بدور غير دور التحكيم في المشكلات المهنية، في حياة المدينة الاقتصادية، أو تنتزع بعض الامتيازات البلدية تدريجياً ، أو تتخذ لنفسها حامياً أو راعياً دينياً من الأولياء والقديسين كما حدث في العالم المسيحي. ثم أن الأصناف أو النقابات الإسلامية لم تعرف الانقسام الذي ظهر في أوروبا الغربية بين أصحاب العمل والعمال، والذي انتهى إلى نشأة جماعات أصحاب العمل، وجماعات العمال.
وكيفما كان الأمر فإن موضوع التشابه والاختلاف بين الأصناف الإسلامية والنقابات الأوروبية، ما زال موضع نقاش بين ا لمؤرخين.
على أن موضع الأهمية هنا، هو أن هؤلاء الحرفيين والصناع بحكم كونهم من طبقة العامة في المدينة الإسلامية، قد لعبوا دوراً هاماً في حياتها العامة، إذ شاركوا في ثوراتها الشعبية، وفرقها الدينية، واحتفالاتها ومواكبها العامة في المواسم والأعياد، وذلك في وقت لم يكن يوجد فيه على نطاق شعبي ذلك الترويح أو التنفيس الرياضي أو الاجتماعي الموجود حالياً.
ولقد كفلت المدينة الإسلامية لعمالها حرية واسعة في ممارسة أعمالهم، ولم تتدخل إلا في بعض الصناعات المحدودة التي كان يتطلب ممارستها الحصول على إذن خاص، مثل إنشاء الحمامات، وصنع الأسلحة، وسك النقود، وتركيب الأدوية، والعمل في دور الطراز. وهذا راجع بطبيعة الحال إلى أسباب تتعلق بالمصلحة العامة أو أمن الدولة. أما موارد الدولة الاقتصادية فكانت تقوم على ضرائب مشروعة وغير مشروعة تمول بها بيت المال. ومن أمثلة الضرائب المشروعة : الأموال الخارجية التي تجبى من الأراضي الزراعية، وأموال الزكاة والجزية والمواريث الحشرية (أي مال من يموت بدون وريث)، والعشور أو الأعشار وهي المال الذي يجبى من تجار الفرنج الذين يفدون ببضاثعهم إلى الموانىء الأندلسية فيدفعون عشر قيمتها. وقد انتقلت هذه التسمية إلى اللغة الأسبانية على شكل Alixases. ثم ضريبة التعتيب وهي ضريبة جديدة فرضت في الأندلس في عهد المرابطين وكان الغرض منها ترميم الحصون والأسوار التي حول المدن الرئيسية ويقوم بسدادها أهل هذه المدن المنتفعة بها.
وأما الضرائب غير المشروعة والتي كانت تسمى بالمكوس أو المغارم ، فهي ضرائب إضافية نشأت عن حاجات وظروف معينة، اضطرت الدولة إلى فرضها. وكان بعضها يعطى التزاماً ، ويسمى الملتزم في الأندلس بالمستقبل بينما يسمى الالتزام قبالة، ومنه دخل في الأسبانية لفظ Alcabala.
ومن حصيلة هذا الدخل المالي في بيت المال كانت الدولة تقوم بأوجه النفقات المختلفة على الجيوش والشرطة والقصر الخلافي والموظفين والدواوين والمنشآت العامة كالمساجد والمستشفيات والسجون، والعناية بمياه الشرب وإزالة الأوساخ من المسالك والأنابيب . … الخ.
غير أن هذه الخدمات الحكومية لم تكن لها صفة الدوام في كثير من الأحيان، مما اضطر بعض المدن الكبيرة إلى الاعتماد على نفسها في سد حاجاتها. ومن هنا ظهر لها مورد مالي آخر لعب دوراً هاماً في اقتصادها، وهو نظام الحبوس الذي يسمى في المشرق بالوقف. وهو نظام إسلامي المراد به هو الأراضي والمؤسسات التي تكون ملكا لشخص حر التصرف في ماله، ثم يتنازل عن حقه في عائدها أو دخلها، ويجعله وقفاً محبساً وبصفة دائمة على المؤسسات الدينية والعلمية والصحية..، إلى غير ذلك من المنافع العامة التي تشبه حالياً خدمات البلديات.
ولقد ارتقت الصناعة في الأندلس بتوالي الأجيال واتصال العمران ووفرة المواد الخام النباتية والمعدنية التي اشتهرت بها أسبانيا. على أنها ظلت مع ذلك في مستوى الصانع اليدوي، كما هو سائد في تلك العصور، وبقيت السلع تصنع في البيوت أو المحال وا لحوانيت.
ولا يتسع المجال لحصر الصناعات التي أنتجتها الأندلس، فهي كثيرة ومتنوعة، ولذا نكتفي بذكر أهمها وهي:
(1) صناعة المنسوجات: كالحرير بأنواعه المختلفة مثل الخز ويصنع من الحرير والصوف أو الوبر، ومثل الإبريسم وهو حرير خالص، والديباج وهو نسيج حريري موشى بخيوط من الذهب أو الفضة. وكان هذا بفضل عناية أهلها بتربية دودة القز ووفرة أشجار التوت التي تتغذى القز على أوراقها. ويشير المؤرخ الأندلسي ، عريب بن سعد (ت 370 هـ) " إلى دور النساء في انتقاء الشرانق ورعاية بيض دودة القز من (شهر فبراير) إلى أن يفقس في (شهر مارس) من كل سنة.
ومن أهم مراكز تربية دودة القز: "غرناطة" و "مالقة" Jaenالتي كان يقال لها جيان الحرير لكثرة اعتنائها بدودة الحرير. وكانت مدينة" المرية"، في شرق الأندلس، من أهم مراكز صناعة المنسوجات الحريرية، ويقدر عدد الأنوال فيها بحوالي 5800 نول. كذلك اشتهرت "أشبيلية" بالحلل الموشاة النفيسة ذات الصور العجيبة والمنتجة برسم الخلفاء فمن دونهم. وبالمثل يقال بالنسبة للثياب الحريرية السرقسطية في شمال أسبانيا. وقد حظيت المنسوجات الأندلسية بشهرة كبيرة في الأوساط الأوروبية الراقية، ونجد ذلك واضحاً في سير الملوك والبابوات والقادة وغيرهم الذين حرصوا على اقتناء هذه الملابس الثمينة. وما زالت هناك قطع عديدة من المنسوجات الأندلسية تحتفظ بها المتاحف الدولية.
كذلك اشتهرت الأندلس بصناعة الأنسجة الصوفية، خصوصاً وان قسوة المناخ في أسبانيا تحتم اهتمامها بمثل هذه الملابس، ولهذا استخدموا فراء السمور ، وفراء القنلية Conejo (الأرنب الجبلي)، والمرعزي المصنوع من شاعر الماعز، إلى جانب الملابس الصوفية. وقد اشتهرت كل من "سرقسطة"، وقونقة Cuenca "وجنجالة"Chinchilla" بعمل ذلك.
أما صناعة السجاد والبسط والحصير، فأهم مراكزها تقع في شرق الأندلس مثل !موسية" و"بسطة Baza ". ولعل كلمة الفومبراALFOMBRA الأسبانية التي تعني سجادة أو بساط جاءت من الكلمة العربية الخمرة أي الحصيرة، أو لعلها من الحمرة، لأن اللون الأحمر كان يلعب دوراً رئيسياً في ألوانها على غرار البسط الفارسية والمصرية في المشرق.
(2) صناعة السكر: لعبت الأندلس دوراً كبيراً في زراعة قصب السكر وعصره وتصنيعه ثم تصديره إلى العالم الخارجي، ومن أهم مراكز إنتاجه وتصنيعه "غرناطة" و "مالقة" و "المنكب " ALMUNECAR" واستمر إنتاج السكر في الأندلس حتى سقوط الحكم الإسلامي بها سنة 493 ا م ، لدرجة أن الأسبان سمحوا لعدد كبير من المورسكيين (المسلمين المعاهدين) المشتغلين بزراعة السكر، بالبقاء في أسبانيا، ولكنهم رفضوا، وقد ترتب على رحيلهم تضاؤل كمية إنتاجه.
(3) ساهمت الأندلس بدور فعال في صناعة الورق الجيد (الكاغد) منذ وقت مبكر سبقت به أوروبا قروناً عديدة، واشتهرت بصناعته كل من "شـاطبةJATIBA " و "بلنسيةVALECIA " في شرق الأندلس. كذلك انتشرت الصناعات الجلدية ودبغها على ضفاف الأنهار، واختصت "قرطبة" بشهرة عالمية في هذه الصناعة، حتى نسبت إليها مصطلحات فرنسية بهذا المـعنى، فأطلقوا على صانعي الأحذية كلمة "Cordonniero " وعلى الجلد نفسه كلمةCordouan ". أما المصنوعات الزجاجية والخزفية فاشتهرت بها "مالقة" و "المرية" كما اشتهرت !قيجاطة QUESADA " بمصنوعاتها الخشبية. هذا إلى جانب المصنوعات العاجية التي تميزت بدقتها وجمال زخارفها على شكل أشخاص أو حيوانات كانت تطعم بها العلب الصغيرة والأدوات المنزلية. ويقال أن كلمة مارفيل " MARFIL" الأسبانية أي العاج مشتقة من الأصل العربي "ناب فيل ".
التجارة: وما يقال عن شهرة الأندلس في الصناعة يقال أيضاً عن مجال التجارة، ولا سيما أن الأندلس تميزت بسواحلها الطويلة وموانيها العامرة، التي تطل على مياه البحر المتوسط والمحيط الأطلسي شرقاً وغرباً وجنوباً. ولهذا أطلقوا عليها اسم جزيرة الأندلس، لأن العرب لم يستخدموا مصطلح شبه الجزيرة في كتاباتهم.
وتعتبر منطقة شرق الأندلس LEVANTE المطلة على البحر المتوسط، أكثر الأقاليم الأسبانية تعرباً، لأن الإسلام أثر فيها تأثيراً عميقاً ، بدليل أن معظم أسماء الأماكن فيها عربية الأصل، ويرجع ذلك إلى نشاط اليمنيين القضاعيين، الذين أسند إليهم الأمويون حراسة هذه المنطقة وعمارتها، بما لديهم من خبرة ملاحية قديمة في المشرق، ولذا سميت بأرض اليمن أي عطيتهم واقطاعهم. وتعتبر مدينة "المرية" هي القاعدة التجارية الرئيسية لهـذا الإقليم، وامتلك تجارها ثروات ضخمة حتى يروى على سبيل المثال أن تاجراً استضاف الحاجب، المنصور بن أبي عامر" وجيشه الذي يقدر بالآلاف مدة أربعة عشر يوماً.
ولقد أفاض الجغرافيون والرحالة في ذكر أهم المنتجات الأندلسية التي كانت تصدر إلى الخارج مثل الملابس المطرزة، والأصواف والأصباغ والحرير واللبود الفاخرة، والورق السميك، والتين الفاخر الجاف، والخزف المذهب، والزعفران، وعصير الكروم، الحلال منه والحرام.
أما الزراعة فتتمثل في المزارع والحدائق والبساتين التي اشتهرت بها الأندلس، والتي كانت تربطها شبكة من القنوات المائية التي ما زالت محتفظة بأسمائها العربية في اللغة الأسبانية، مثل الساقيةACEQUIA بمعنى الجدول الصغير، والناعورةNORIA، والبقاع VEGA ومنها انتقلت إلى أمريكا 5LAS VEGAS كما أطلقوا على القصور الملكية الخلوية ذات الحدائق والرياض اسم المنيات جمع منيةHUERTA، وقد انتشرت هذه المنيات حول "قرطبة" وعلى ضفاف الوادي الكبير، وأشهرها منية الرصافة التي بناها "عبد الرحمن الداخل " وشمال قرطبة" ومنية الزهراء والتي بناها الخليفة" عبد الرحمن الناصر في شمال غرب "قرطبة"، ومنية الزاهرة التي بناها الحاجب "المنصور بن أبي عامر" في شمال شرق وقرطبة". وفي مدينة "بلنسية" بنى الأمير "عبد الله بن عبد الرحمن الداخل)، منية من هذا النوع، أطلق عليها اسم الرصافة ، محاكياً بذلك قصر والده. وقد اشتهرت ضواحي "بلنسية" بأزهارها وورودها، وأشجار البرتقال التي تعطر جوها بأريجها ذكي الرائحة، ولذا عرفت، بلنسية" باسم "مطيب الأندلس " أي معطرها.
ومن الطريف أن مدينة " بلنسية" ما زالت تحتفظ إلى اليوم ببعض مظاهر ما تبقى من نظم المسلمين المتعلقة بسقاية هذه البساتين، ألا وهي محكمة المياه TRIBUNAL DELASAGUAS، التي تعقد عند باب الكاتدرائية في الساعة العاشرة ظهراً من كل يوم خميس. وتتألف هيئة المحكمة من خبراء بشئون الري يمثلون نواحي كورة "بلنسية" ويرأسها مندوب من الحكومة. فإذا دقت الساعة الثانية عشرة، قام الحاجب ليعلن افتتاح الجلسة وينادي أصحاب الظلامات. وبعد المناقشة والمداولة يصدر الرئيس الحكم وهو حكم ملزم لا يقبل المناقشة أو الاستئناف . وهذا ما كان يحدث قديماً أيام المسلمين عند باب المسجد الجامع في لنفس موضع الكاتدرائية. ولا يفوتنا أن نشير إلى جنة العريفEL GENERALIFE وهو اسم الحديقة الجميلة التابعة لقصر الحمراء في لغرناطة "LA ALHAMBRA"، ذلك القصر الذي صار نموذجاً يحتذى به في بناء القصور الملكية وغيرها في أنحاء العالم.
وقد حافظ الأسبان على القصر وحدائقه الغناء التي لا نسمع فيها إلا خرير المياه في كل مكان. وقد عبر عن ذلك الشاعر الأسباني جاريثا لوركا بقوله، غرناطة التي تبكيGRANADAQUE ELORAE كناية عن كثرة مياهها.
كذلك اشتهرت الأندلس بزراعة أنواع مختلفة من الخضراوات والفواكه لدرجة أن كثيراً من أسمائها دخلت في اللغة الأسبانية مثل: الباذ نجان BERENJENAS الخرشوف ،ALCARCHOFA 1لسلق ACELGA 1 لزيتون ACEITUNA الزعفرانAZAFRAN، 1لأرز ARROZ السكر AZUCAR النارنج (البرتقال) NARANJA البطيخ السندي SANDIA.. الخ.
بقي أن ننوه بالجهود المثمرة التي بذلها علماء الأندلس في تقدم العلوم الزراعية، فقد صنفوا فيها كتباً علمية وأجروا عليها تجارب تطبيقية أفادت العالم: فمنهم من اعتبر أسماء النباتات والأشجار جزءا من اللغة العربية فدونوها في معاجمهم، كما فعل العالم الأندلسي الضرير "أبو الحسن بن سيده " (ت 458 هـ) في كتابه المخصص. ومنهم من اهتم بالنباتات الطبية التي يستخرج منها الأدوية والعقاقير لفوائدها الصحية، مثل "ضياء الدين بن البيطار المالقي " (ت 646 هـ) صاحب كتاب (الجامع لمفردات الأغذية والأدوية"، ومنهم من كتب عن النبات من حيث زرعه ونموه وتسميده وحصاده أي ما يسمى بالفلاحة، ومن أشهرهم العالم الاشبيلي "أبو زكريا يحيى بن العوام " في كتابه (الفلاحة في الأرضين ".
مما تقدم نرى أن الأندلس قد تميزت بنزعتها الجمالية نحو حب الورود والأزهار والأشجار، نلمسها في أحواش. بيوتها PATIOS المزينة بالنافورات والأزهار، وفي صحون مساجدها المليئة بأشجار اللبمون والبرتقال، وفي قصائد شعرائها في وصف جمال الطبيعة، وفي مؤلفات علمائها عن الفلاحة والأعشاب الطبية، بل وحتى في أصول أحكامها التشريعية والفقهية التي تتمشى مع ميولها الطبيعية ونزعتها الجمالية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:45

الدور العلمي للأندلس

حديثه طويل ومتشعب ومادته غزيرة نجدها فيما تبقى لدينا من تراث أندلسي، ولا سيما كتب التراجم والفهارس والرسائل التي تناولت موضع فضائل أهل الأندلس، مثل رسالة "أبي محمد بن حزم " (ت 456 هـ) إلى "الحسن بن الربيب القيرواني "، ورسالة " أبي الوليد الشقندي"(ت 639هـ) إلى "يحيى بن المعلم الطنجي " ورسالة "لسان الدين بن الخطيب " (ت 776 هـ) في مفاخرات " مالقة "وسلا "، ورسائل علي بن سعيد المغربي " (ت 685 هـ) التي أوردها "أحمد المقري " (ت 1041 هـ) في موسوعته نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.
ولقد أنجبت الأندلس عدد أ كبيراً من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والمؤرخين والأطباء وغيرهم، ممن أثروا الحركة الفكرية بمؤلفاتهم، ووصلوا إلى العقل الأوروبي وأثروا فيه.
وما أسرده هنا من أسماء إن هو إلا قليل من كثير وحصاة من ثبير كما يقولون :
فهناك الفقيه " أبو محمد على بن حزم القرطبي " (ت 456 هـ/1063 م) الذي تظهر أصالته واعتزازه بنفسه ووطنه في كتاباته التي سبقت عصرنا. نذكر منها كتاب تطوق الحمامة في الألفة والآلاف " الذي يتناول فيه صفة الحب ومعانيه وأسابه وأعراضه. فنجده يعرض عن ذكر ما كتبه الأقدمون من أشعار الغزل وبكاء الأطلال والدمن ويسلك طريقاً مستقلاً يبين نضجه وأصالته.
وقد اهتم الأوروبيون بهذا الكتاب واعتبروه أول دراسة نفسية تحليلية لعاطفة الحب والمحبين، وترجموه إلى لغات عديدة. أما كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل "، فهو عبارة عن دراسة نقدية للأديان والمذاهب والفرق الدينية المختلفة، ومقارنة بعضها بالبعض الآخر ويلاحظ أن هذا النوع من الدراسة، وهو التاريخ المقارن للأديان، لم يوجد في أوروبا إلا في القرن الماضي، وهذا يرينا أصالة هذا الكتاب واسهامه في الحضارة الإنسانية.
وما يقال عن "ابن بحزم " يقال أيضاً عن معاصره وصديقه "أبي مروان بن حيان القرطبي " (ت 469 هـ077 1 م) الذي يعتبر أعظم مؤرخ أنجبته أسبانيا الإسلامية والمسيحية في العصر الوسيط. فلقد ثبت من الأخبار التي أوردها في كتابيه "المقتبس " والمتين "، أنه ، على دراية واسعة ومعرفة دقيقة بكل ما يتعلق بتاريخ الأندلس وتاريخ الممالك الأسبانية المسيحية، بل وأيضا بعض جوانب من التاريخ الفرنسي فيما وراء جبال البرتات.
والواقع أن كتابات " ابن حيان " بالنسبة للباحثين الحديثين هي بمثابة خزانة علمية لهذا التراث الأسباني العربي بمختلف صوره وأشكاله، ولا يمكن لأي باحث أن يستغني عن قراءتها والرجوع إليها.
ومن أبناء" قرطبة "أيضاً الجراح الشهر"أبو القاسم خلف الزهراوي ،(ت 403 هـ/1013م) الذي ينسب إلى منية الزهراء في ضواحي غرب "قرطبة" وقد اشتهر في أوروبا بأسم (ABULCASIS ) " ويعتبر كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف "، موسوعة طبية مزودة برسوم الآلات الجراحية. ويعتبر "الزهراوي " بهذا العمل أول من جعل الجراحة علماً مستقلاً بذاته، وقائماً على أساس من العلم بالتشريح. وقد ترجم هذا الكتاب من قديم إلى اللاتينية والعبرية، كما نشر في " حيدر أباد" بالهند. كذلك أنجبت "اشبيلية" أسرة " بني زهر" التي كانت لها شهرة وزعامة ومؤلفات في عالم الطب على عهد المرابطين والموحدين، حتى صار اسم "ابن زهر" علماً معروفاً في الأوساط العلمية الأوروبية باسم AVENZOA .
أما في ميدان الفلسفة فحسبنا أن نذكر "أبا الوليد محمد بن رشد القرطبي"(ت 595 هـ/ 1198 م) الذي اشتهر بشروحه لكتب أرسطو وصارت فلسفته تدرس في جامعات أوروبا مثل جامعة " باريس "، وجامعة " بادوا " PADOVA " في إيطاليا. وقد بلغ من حب الأوروبيين لشروحه أن تخيلوا أرسطو بعمامة كما يقولون، وذلك لأن كتاباته امتازت بالعمق في التحليل والقوة في الشرح والأمانة في الترجمة. وقد أطلقوا عليه اسم المعلم الأكبر ويسمونه AVERROES وقد وضعه الشاعر الإيطالي دانتي في ملحمته الشعرية"الكوميديا الإلهية" في منطقة اللمبو LIMBOبين الفردوس والجحيم أي ما يقابل الأعراف في الإسلام، ووضع معه "ابن سينا" و "صلاح الدين " من المشرق، لأنهم من فضلاء الناس وتقديراً لأعمالهم. ولقد ترجم "ميخائيل سكوت " أعمال "ابن رشد" إلى اللاتينية في مدرسة "، طليطلة سنة 1330 م " فكان أول من أدخل فلسفة " ابن رشد" إلى أوروبا.

وفى مجال الشعر الشعبي نذكر الشاعر الضرير "مقدم بن معافى القبري "(ت 399 هـ/912 م) نسبة إلى بلدة "قبرة" من أعمال "قرطبة". وهـو الذي ابتكر فن الموشحات الذي يعتبر ثورة في الشعر العربي وحركة من حركات التجديد التي حررته من قواعد العروض. وبالمثل يقال بالنسبة للشاعر "أبي بكر محمد بن قزمان القرطبي " (ت 507 هـ/1114 م) الذي ابتكر فن الأزجال، وصار يتغنى به في الأسواق بمساعدة بعض الآلات وجوقة من المنشدين. ويلاحظ أن الموشحة والزجل فن شعري واحد مع فارق أساسي هو أن الموشحة عربية صميمه ما عدا الجزء الأخير منها وهو الخرجة باللغة الأسبانية أو العامية الأندلسية. أما لغة الأزجال فهي كلها باللغة العامية الدارجة الجارية على ألسنة عامة الناس تتخللها كلمات وعبارات من عجمية أهل الأندلس. ويلاحظ أن هذه الأغنية الشعبية الأذدلسية ذات الخرجة الأوروبية وما تطور عنها من زجل بعد ذلك، لم تؤثر في الشعر العربي فحسب بل أثرت أيضاً في الشعر الأوربي الذي أخذ في الظهور في جنوب أوروبا في أواخر القرن الخامس الهجري (11م)، وكان ينشده المغنون الجوالون المعروفون باسم التروبادور TROUBADURES في جنوب فرنسا، والخوجلارس JUGLARESفي شمال أسبانيا. كذلك يقال أن الأغاني التي كان ينشدها الأسبان في أعياد الميلاد باسم ( VILLANCICO) هي زجل أندلسي.
ونختم هذه النخبة القليلة من العلماء الأندلسيين باسم الوزير العالم الغرناطي "لسان الدين بن الخطيب "(ت 776 هـ/1374 م) الذي امتدت كتاباته ومواعظه ونصائحه إلى ملوك عصره من المسلمين والمسيحيين فكان لها تأثير كبير عليهم، وكثيراً ما استجابوا لها، فنجحت بذلك معظم أهدافه السياسية. وحسبنا أن نشير إلى النصائح التي أرسلها إلى ملك " قشتالة " بدرو الأول، والتي أوردها باللغة الإسبانية المؤرخ الإسباني المعاصر، " لويت دي أيالا " في مدونته عن تاريخ ملوك "قشتالة".
ويضيف المؤرخ الإسباني القديم "استبان جاريباي)، في مدونته مختصر تاريخ ممالك أسبانيا "أن القيم الأخلاقية التي اتسمت بها مواعظ هـذا المسلم ابن الخطيب تفوق في قيمتها ما كتبه سينكا وغيره من فلاسفة الرواقيين الأقدمين ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:46

حركة النقل والترجمة في أسبانيا بين الأخذ والعطاءة

إن التاريخ الأندلسي تاريخ عربي إسلامي يعتد بعروبته وعقيدته، وله شخصيته التي لم تلبث أن فرضت نفسها على المدونات والحوليات و. الملاحم الأسبانية المسيحية المعاصرة، وأثرت فيه بشكل واضح. على أن هذا العطاء الثقافي الأندلسي، كان يقابله أخذ أيضاً من الثقافة المسيحية اللاتينية واليونانية.
وقدت عرف عن الأندلسيين ولعهم الشديد بعلم التاريخ، إلى درجة أنهم كانوا يعتبرونه أنبل علم عندهم على حد قول "ابن سعيد المغربي ". لهذا أقبلوا بدافع الحاسة التاريخية إلى تلمس الأخبار وتقصي الحقائق من مختلف مظانها اللاتينية واليونانية القديمة، لمعرفة تاريخ وحضارة بلدهم الأندلس والأمم المجاورة لهم منذ أقدم العصور. ولهذا يلاحظ بشكل واضح أن الأخبار الدقيقة المفصلة التي أوردها المؤرخون والجغرافيون الأندلسيون عن الممالك المسيحية في شمال أسبانيا وما ورائها، تدل على أنهم أطلعوا على مدونات لاتينية مسيحية قديمة فقد معظمها اليوم، أو أنهم استمدوا هذه الأخبار من أهل الذمة من النصارى واليهود المقيمين في الأندلس، والعارفين بأخبار هذه الممالك المسيحية، وهو في كلـتا الحالتين أمر يدل على تأثر مؤرخينا بالثقافة اللاتينية المسيحية، فضلا عن إمكانية معرفتهم باللغة الإسبانية التي كانت شائعة بين معاصريهم من مسلمي الأندلس، كما نص على ذلك صراحة الفقيه "ابن حزم القرطبي ".
ولعل المصدر اللاتيني الأساسي الذي استمد منه المؤرخون والجغرافيون الأندلسيون معلوماتهم عن تاريخ الرومان والأمم التي حكمت أسبانيا قبل الإسلام وعن صفة شبه جزيرة ليبيريا، هو كتاب "التواريخ السبعة في الرد على الوثنيين " للراهب الروماني الأسباني " المولد والنشأة "بولس هروشيش PAULS HOROSIUS الذي عاش في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلادي. ونظراً لأهمية تاريخ "هروشيش "، فقد قام بترجمته إلى العربية في عهد الخليفة، " عبد الرحمن الناصر" (300- 350 هـ)، الفقيه الأندلسي قاسم بهـن إصبع البياني "، ـ نسبة إلى بيانه من أعمال "قرطبة"- بالاشتراك مع قاضي النصارى ومترجمهم "الوليد بن الخيزران "، المعروف "بابن مغيث ". وقد استفاد المؤرخون والجغرافيون الأندلسيون من هذه الترجمة العربية.
أما عن أخبار الممالك المسيحية الأسبانية والأوروبية التي عاصرت الحكم الإسلامي في الأندلس، فهي كثيرة ومتعددة في كتابات المؤرخين والجغرافيين الأندلسيين، والتأثير الأسباني واللاتيني واضح فيها، ونجد ذلك بوضوح في روايات "العذري " و " البكري و"الأدريسي " و،" ابن حزم " و "ابن القوطية،" و "ابن حبان " و "ابن الخطيب " وغيرهم. وكل هذا يعبر عن التأثير والتأثر بين هاتين الثقافتين المتجاورتين.
ولم يقتصر الأمر على الثقافة اللاتينية، بل تأثر الأندلسيون أيضاً بالثقافة اليونانية التي كانت معروفة ومألوفة لديهم، فالشاعر الزجال "سعد بن عبد ربه " (ت 341 هـ)، ابن عم صاحب العقد الفريد، كان معنياً بكتابات الإغريق وعلوم الأوائل ويشير " ابن الخطيب " إلى أن حكم اليونان كانت تدرس في الأندلس ولاسيما لأبناء الطبقة الراقية من الملوك والأمراء، وضرب أمثلة على ذلك ببعض أمراء بني الأحمر في مملكة "غرناطة". على أن أهم إنجاز علمي قامت به الأندلس في هذا المجال، هو ترجمة الكتاب اليوناني المشهور "الأدوية المفردة" الملقب بكتاب الحشائش للطبيب اليوناني "ديوسقوريدس DIOSCORIDES الذي عاش في القرن الأول الميلادي. فيروي المؤرخون أن الخليفة الأندلسي "عبد الرحمن الناصر"، عندما تسلم نسخة من هذا الكتاب كهدية من الإمبراطور البيزنطي "قسطنطين السابع "، سنة 337هـ ، شكل لجنة علمية لترجمته إلى العربية. وقد أثار ظهور هذه الترجمة العربية موجة من الحماس بين الأندلسيين الذين أقبلوا على دراسة الطب والنباتات الطبية، متخذين من كتاب " ديوسقوريدس " مصدراً رئيسياً لهم، وكل هذا يدل على تأثير الثقافة الإغريقية في حضارة الأندلس.

على أن الأندلس وإن كانت قد استفادت من الثقافة اللاتينية والإغريقية، إلا أنها في نفس الوقت، أعطت وأثرت في المدونات والحوليات والملاحم الإسبانية منذ وقت مبكر عقب الفتح الإسلامي، مما يدل على أن مؤلفيها أخذوا مادتهم العلمية من مصادر عربية ولا سيما من ص دينة "طليطلة" الإسلامية المجاورة لحدودهم في شمال أسبانيا.
ولما سقطت "طليطلة" TOLEDO في يد الأسبان سنة 478 هـ/1085م لم تفقد طابعها العربي قروناً طويلة، إذ استمر العلماء المسلمون، والمستعربون المسيحيون، واليهود يجتمعون في بلاط ملوكها المسيحيين، ويعكفون على ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية. وكانت هذه الكتب إما ترجمات عربية لأصول يونانية وفارسية وهندية، وإما من تأليف علماء المسلمين أنفسهم بما تضمنته من إضافات جديدة إلى الفكر الإنساني. وكلا النوعين كان جديداً بالنسبة لأوروبا التي كان التعليم فيها قاصراً على الأناشيد الكنسية. ولهذا صارت مدرسة المترجمين في "طليطلة" مركزاً ثقافياً كبيراً جذب إليه العلماء والدارسين من مختلف أنحاء أوروبا ولقد برز من كبار العلماء الذين أشرفوا على هذه الحركة العلمية، أسقف مدينة طليطلة "خيمينث دي رادا"، DE RADA " الذي يعرف أيضاً بالطليطلي ( 1170 ـ 1247 م). وكان يتقن عدة لغات من بينها العربية التي ساعدته كثيراً على الإفادة من المصادر العربية، وكتابة القسم الإسلامي من مدونته الكبيرة التي شملت تاريخ الرومان والقوط والعرب، وتسمى بحولية الطليطلي CRONICA DEL TOLEDANO " ولما ولي عرش أسبانيا الملك " ألفونسو العاشر" الملقب بالعالم أو الحكيم EL SABIO في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي (7 هـ)، دفع بمدرسة "طليطلة" إلى الأمام، وعمل على حمايتها ورعاية علمائها، وتشجيعهم على الاستمرار في أعمال النقل والترجمة. بل إنه شارك بنفسه في وضع الخطط التي يسيرون عليها ولقد اتسمت هذه النهضة بظاهرة جديدة تقوم على استخدام اللغة القشتالية (الأسبانية) مكان اللغة اللاتينية في تدوين المصنفات الأدبية والتاريخية والفلسفية. وبهذا الأسلوب استطاعت هذه المدرسة أن تصب كل هذه الأصول العربية واللاتينية واليونانية في قالب قشتالي. ولم يقتصر اهتمام هذا الملك العالم على مدينة "طليطلة" كمركز ثقافي، بل أنشأ إلى جانبها مراكز أخرى في مدينة "مرسية" وفي مدينة "اشبيلية" التي اتخذها قاعدة لملكه.
وتحدثنا كتب التاريخ والتراجم أن عدداً كبيراً من علماء المسلمين كانوا يجيدون اللغة الإسبانية، ويناقشون علماء المسيحية في مختلف المسائل الدينية والدنيوية. ومثال ذلك العالم الغرناطي، "محمد الرقوطي " الذي عهد إليه الملك " الفونسو العالم " تعليم المسيحيين واليهود في مدرسة "مرسية". وهناك العالم الغرناطي "عبد الله بن سهل "، في القرن السابع الهجري أيضاً، الذي كانت له شهرة كبيرة في، العلوم الرياضية لدرجة أن المسيحيين في شتى نواحي أسبانيا، كانوا يرحلون إلى داره في مدينة "بياسة" -BAEZE لمجادلته والاستفادة من علمه. ولا يتسع المجال لحصر الأعمال العلمية التي ترجمت تحت إشراف الملك "ألفونسو العالم "، ولكن يكفي أن نشير إلى شروح أعلام الفكر الإسلامي وآرائهم الفلسفية مثل شروح "ابن رشد" على مؤلفات " أرسطو" ويثروح "ابن باجة" وآراء "محيي الدين بن عربي " الصوفي المرسى، ورسالة "حي بن يقظان " لابن طفيل " والمقامات العربية الأدبية التي خلفت نوعاً من القصص الأسباني المعروف بالقصة البيكارسكية، NOVELA PICARESCA أو أنشودة الجوع EPOPEYA DEL HAMBRE. كذلك ثبت تاريخياً أن إحدى صور المعراج النبوي قد ترجمت من العربية إلى القشتالية والفرنسية واللاتينية بأمر من الملك "ألفونسو العالم " سنة 1264 م . لهذا كانت الفرصة سانحة أمام الشاعر الفلورنسي الإيطالي دانتي اليجييري (1265- 1321 م) لكي يصل إلى إحدى هذه الترجمات للمعراج الإسلامي. وهناك احتمال أن يكون أستاذه برونيتو لاتيني أو غيره ممن كانوا يترددون بين فلورنسا وبلاط ملك قشتالة، قد ساعد دانتي على ذلك بأن حمل له مسودة من الترجمة.
على أن العمل العلمي الكبير الذي أنجز تحت أشراف هذا الملك العالم، هو في الواقع مدونته التاريخية الكبرى المعروفة باسم التاريخ الأول لأسبانيا، primera cronica generalde espana .فهذه المدونة اعتمدت على العديد من المصادر العربية المفقودة مثل تاريخ "أحمد الرازي غازي القرطبي"(ت 344 هـ)، وتاريخ (ابن علقمة البلنسي"(ت 509 هـ)، فحفظت لنا معلومات هامة من هذا التراث الضائع. كذلك تضمنت هذه المدونة عددا من الملاحم الإسبانية التي تتصل أحداثها بتاريخ المسلمين في الأندلس ومن أهمها: ملحمة أبناء لارا السبعه ، Los Infantes de Lara التي تتصل أحداثها بعصر الحاجب "المنصور بن أبي عامر"، وملحمة زايدة المسلمة، Lamora zaidaزوجة المأمون بن المعتمد بن عباد" الذي قتله المرابطون في "قرطبة"، وملحمة الفارس الأسباني المغامر السيد "القمبيطور" أي المبارز El cid campeador الذي أستولي على " بلنسية" في أواخر القرن الخامس الهجري (11 م). وقد لاحظ المؤرخون أن هذه الملاحم Epicas،" تنبض بالعناصر العربية، وأن أحداثها، وإن كانت تتسم بطابع قصصي، إلا أنها تتصل اتصالا وثيقا بحياة المسلمين في الأندلس، كذلك لاحظوا أنها كانت في الأصل تتردد على ألسنة الناس على شكل أشعار باللغة الرومانية أو اللاتينية العامية، فجاء الملك " ألفونسو العالم "ودونها في حوليته في قالب نثري باللغة القنتشالية.
وهكذا نري مما تقدم أن الحولية التاريخية الكبرى للملك "ألفونسو العالم " هي مثل رائع لذلك الدور الذي قامت به الأندلس، كجسر حضاري، امتزجت فيه حضارتا الشرق والغرب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:47

جزيرة صقلية

تعتبر جزيرة صقلية نقطة لقاء ثانية بين الشرق والغرب، ومعبراً آخر امتزجت فيه الحضارة الإسلامية بالحضارة الأوروبية، وذلك بفضل موقعها الجغرافي بين ساحل إيطاليا الجنوبي الذي لا يفصلها عنه سوى مضيق مسيني شمالاً، وبين الساحل التونسي القريب منها جنوباً. لهذا كانت صقلية حلقة اتصال سياسي وحضاري بين أفريقيا وأوروبا.
وتشاء الأقدار أن يتم فتح هذا المركز الحضاري الهام في عهد خليفة عالم وهو "عبد الله المأمون " حكيم بني العباس، وعلى يد قائد عالم وهو قاضي القيروان "أسد بن الفرات بن سنان " الذي أسند إليه الأمير زيادة الله الأول الأغلبي ، حاكم أفريقيا، قيادة الحملة إلى صقلية.
أبحرت(حملة من ميناء سوسة التونسية في أسطول من مائة مركب(سنة 212 هـ/827 م)، واتجهت نحو الساحل الغربي لجزيرة صقلية حيث استولت على مدينة " مازرة" Mazara وغيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوباًَ، ثم اتجه أسد بن الفرات نحو شرق الجزيرة حيث قاتل البيزنطيين قتالاً شديداً حتى هزمهم، واستشهد هناك عند أسوار مدينة "سرقوسة" Syra cuse (213 هـ / 828 م)، بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحي الجزيرة.
ولقد واصل الأغالبة جهودهم في فتح صقلية بجميع مدنها وقلاعها، واستغرق منهم ذلك وقتاً طويلاً يقرب من ثمانين سنة (293 هـ/3. لم) وهي مدة طويلة إذا قورنت بفتح الأندلس الذي لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات. والسبب في ذلك يرجع إلى أن المسلمين لم يجدوا في أسبانيا سوى جيش محلي مفر، بينما كان وراء صقلية الإمبراطورية البيزنطية، تمدها بالمال والرجال. فضلاً عن قوة حصون الجزيرة ومناعتها. ولما قضى الفاطميون على دولة الأغالبة في المغرب (297 هـ/ 909 م)، ورثوا أسطولها وممتلكاتها. ومن ثم دخلت صقلية في فلك الدولة الفاطمية، وصار يحكمها ولاة من قبل الخلفاء الفاطميين سواء في المهدية أو في القاهرة بعد ذلك. إلا أن هذه التبعية كانت اسمية في غالب الأحيان خصوصاً في عهد أسرة الكلبيين (948- 1052 م) التي تمتعت باستقلال ذاتي في حكم الجزيرة.
وكيفما كان الأمر، فإن صقلية حظيت خلال هذين العهدين الأغلبي والفاطمي، بحكم إسلامي مزدهر، وانتشر المسلمون فيها، وانتشرت معهم الحضارة الإسلامية في مدنها المختلفة. وقد أشاد الرحالة والجغرافيون المسلمون بما كان في هذه المدن من مساجد وقصور وحمامات وبيمارستانات وأسواق وأسوار وقلاع ومراسي… الخ. إلى جانب الصناعات التي أدخلوها كصناعة الورق والحرير والسفن والفسيفساء ذات الرخام الملون. كما استخرجوا المعادن المختلفة كالكبريت والنفط والنشادر والرصاص والحديد… الخ وشاركوا في ضروب الزراعة والتجارة، ونشروا لغتهم العربية وعاد اتهم وثقافتهم بين الخاصة والعامة.
غير أن صقلية لم تنعم بالهدوء والاستقرار مدة طويلة خصوصاً بعد انقراض دولة الكلبيين (1052)، إذ دبت فيها النزاعات الداخلية مما أدي إلى قيام فترة شبيهة بفترة ملوك الطوائف بالأندلس ومن ثم كان من السهل على أي فاتح أن بغزو الجزيرة من الشمال أو الجنوب.

وفشل بنوزيري أمراء أفريقيا في تحقيق ذلك من الجنوب، بينما نجح النور مانديون حكام جنوب إيطاليا في الاستيلاء على صقلية من الشمال لخلى يد الكونت "روجار" الأول حاكم قلورية (كلابريا) الذي انتهز فرصة النزاع الذي دب بين أمراء المسلمين في صقلية، وأخذ يتدخل في شئونهم مظهراً تأييده للأمير القادر بالله بن الثمنة صاحب "طرابنش Trapni( شمال غرب الجزيرة) ضد منافسه علي بن الحواس صاحب " اقطانية"، أ+ Catania (شرق الجزيرة). وبعد حروب د امت تسع سنوات، تمكن روجار الأول من بسط نفوذه على الجزيرة كلها (485 هـ/1092 م). ولقد ترتب على هذه الأوضاع السياسية السيئة في صقلية، أن غادرها عدد من كبار علمائها وأدبائها الذين ما لبثوا أن أثبتوا تفوقهم العلمي في البلاد التي استقروا فيها. ومثال ذلك الشاعر الصقلي المعروف "أبو محمد عبد الجبار بن حمديس " (ت 527 هـ / 1132 م ) الذي هاجر إلى بلاط الملك المعتمد بن عباد في " أشبيلية" بالأندلس، ورثى وطنه بأروع ما قيل من شعر في هذا الفن من المراثي.
كذلك نذكر الفقيه والعالم النحوي "أبا القاسم علي بن جعفر المعروف بابن القطاع الصقلي " الذي هاجر إلى مصر في خلافة الآمر الفاطمي واختاره الوزير " الأفضل بن بدر الجمالي " مؤدباً لأولاده. و "لابن القطاع " مؤلفات عديدة في اللغة والنحو والعروض وفي تاريخ صقلية، بعضها مفقود والبعض الآخر موجود. ويذكر الوزير الغرناطي "ابن الخطيب " أن بعض المهاجرين من صقلية إلى المغرب، غيروا انتسابهم إلى صقلية بالقلب (أي بقلب الياء قبل الصاد) فصاروا يعرفون بالصياقلة.
على أن، الملك روجار الأول (1092- 1101 م) وإن كان قد قضى على الحكم الإسلامي في صقلية، إلا أنه لم يتعرض للمسلمين من أهلها بأذ ى، يل عمل على حمايتهم وأقرهم على ديانتهم وشريعتهم، وترك لهم قضاتهم يتحاكمون إليهم، وجند فرقة منهم في جيوشه، كما أباح لهم حرية الاحتفال بأعيادهم علناً.
هذا فضلاً عن أنه امتنع عن الاشتراك في الحروب الصليبية رغم إلحاح البابا عليه في ذلك.
وهكذا كانت صقلية في أيامه مملكة نصف إسلامية في دينها وفي نظامها الإداري والعسكري.
وبعد وفاة روجار الأول خلفه ابنه روجار الثاني (1101- 1154 م) الذي أجمع المؤرخون على أنه قد بالغ في حماية رعاياه المسلمين بنفوذه وقوانينه، فأحبوه ومدحوه في شعرهم لدرجة أن بعضهم كان يعتقد خط أنه كان مسلماً في السر. وقد بلغ من تسامح هذا الملك وحبه للعدل والمساواة أنه كان يضرب نقوده بكل اللغات التي يستعملها رعاياه. فكانت نقود صقلية في عهده منقوشة بالعربية واللاتينية واليونانية. كذلك يؤثر عنه أنه كان يحاكي ملوك المسلمين في أزيائهم الفضفاضة على قدر ما حاكى أزياء قياصرة الروم، وأباطرة الفرنج، كأنما أراد بذلك أن يبين للناس بأن سياسته غير مرتكزة على ترجيح عنصر على آخر. وامتلأ بلاطه في مدينة بلرمو" Palermo" بعدد من، شعراء المسلمين وعلمائهم نذكر على رأسهم الجغرافي المغربي الكبير الشريف "أبا عبد الله محمد السبتي " المعروف بــ"الشريف الإدريسي " لأنه من سلالة الأدارسة، ملوك المغرب، وأحفاد الرسول ( ( r) عن طريق "الحسن بن علي بن أبي طالب ". وكان هذا الرحالة الإدريسي (493 هـ- 548 هـ/ 0 110- 1154 م) ولوعاً بالأسفار والاطلاع على أحوال البلاد وعادات أهلها. فلما زار بعض أقاربه في جزيرة صقلية، استدعاه الملك روجار الثاني إلى بلاطه في بلرمو وبالغ في إكرامه والاحتفال به لكونه من أبناء الملوك، ثم طلب منه وضع رسم جامع للأرض، فلبى الشريف طلبه ورسم له خريطة للعالم المعروف في عصره على دائرة فضية مسطحة planisphere طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف. كذلك ألف له كتاب" نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " لوصف هذه الخريطة، ويعرف هذا الكتاب أيضاً بالكتاب الروجاري أو كتاب روجار لأنه هو الذي طلبه منه.
وقد اهتم العلماء والمستشرقين بهذا الكتاب العظيم وعملوا على نشر أجزائه وترجمتها إلى اللغات المختلفة. وحسبنا أن نشير إلى الطبعة العلمية الحديثة التي أخرجها المستشرقون الإيطاليون لهذا الكتاب في سبعة أجزاء.
وهكذا نري، أن الملك روجار الثاني كان، على حد قول العالم الإيطالي ميشيل أماري، سلطاناً عربياً يحمل تاجاً كملوك الإفرنج،وأن تسامحه الديني أدى إلى امتزاج الثقافات العربية واليونانية واللاتينية، فصارت صقلية معبراً من المعابر الأساسية التي عن طريقها انتقل تر1ث الحضارة الإسلامية إلى أوربا مما كان له أثره في قيام حركة النهضة المعروفة باسم حركة الرنيسانس " Renaissance" في أواخر العصور الوسطى.
تم خلف روجار الثاني ابنه وليام الأول (1154- 1166 م) الذي سار على سياسة أبيه وجده في حماية المسلمين وتشجيع الدراسات العربية الإسلامية، وكانت علامته مثل علامة أبيه "الحمد لله وشكراً لنعمته ".
ثم خلفه ابنه وليام الثا ني (1166 ـ 1189 م) الذي على الرغم من مساهمته في الحروب الصليبية حينما أرسل حملته البحرية الفاشلة على مدينة " الإسكندرية (569 هـ/1172 م)، في أوائل عهد صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه - كما يقول الرحالة الأندلسي المعاصر " ابن جبير"- تشبه بملوك المسلمين، وأتقن اللغة العربية قراءة وكتابة، واختار من رعاياه المسلمين وزراءه وحراسه وجواريه تاركاً لهم حريتهم الدينية، وكانت علامتـه "الحمد لله حق حمد ه ".
وبعد وفاة "وليام الثاني " بدون عقب له، حدثت منازعات داخلية حول العرش، أسفرت في النهاية عن تولية،" فردريك الثاني " ابن "هنري السادس " إمبراطور ألمانيا وكونستانسا بنت روجار الثاني. وبهذا صار "فردريك الثاني " إمبراطوراً " .
على ألمانيا وعلى مملكة الصقليتين التي تشمل بلاد نابولي وجزيرة صقلية. وبذلك انتقل الحكم في صقلية من الأسرة المالكة النورماندية إلى أسرة الهوهنشتاوفن الألمانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:49

الإمبراطور فردريك الثاني (1194- 255 ا م)

تولى الملك وهو صبي، وهذا أتاح له ترك الحكم في يد مستشاريه والتفرغ للدراسة والاستفادة من الثقافات السائدة في عصره وهي العربية واليونانية واللاتينية. ولا شك أن التراث الحضاري الضخم الذي تركه العرب والنورمان في صقلية وجنوب إيطاليا، كان أثر قوي في تكوين شخصية هذا الملك. وقد تجلى ذلك بوضوح في اهتمامه بالثقافة العربية، وترجمة مآثرها العلمية، وجنوحه إلى السلم في حل مشاكله السياسية، واقامة علاقات ودية مع ملوك مصر والشام من الأيوبيين.
ونتيجة لهذه السياسة السلمية تعرض فردريك لغضب البابا جريجوري التاسع الذي اعتبره عاصياً ومحروماً من رحمة الكنيسة. واضطر الإمبراطور فردريك- لعلاج هذه المشكلة- أن يخرج بتلك الحملة الصليبية العجيبة- المعروفة بالسادسة- التي كان قوامها ستمائة، جندي، ولم ترق فيها قطرة دماء واحدة، وذلك لأن الإمبراطور فردريك توصل إلى عقد معاهدة مع ملك مصر الأيوبي "محمد الكامل بن العادل " سنة 626 هـ (1229م) استولى بمقتضاها على بيت المقدس بدون قتال.
وفي خلال هذه الزيارة توطدت أواصر الصداقة بين الإمبراطور فردريك وبين الملك الكامل وعدد من الأمراء وكبار رجال الدولة وعلمائها مثل الملك الأشراف موسى أخي الملك الكامل، والأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ قائد الجيش الأيوبي، والقاضي شمس الدين قاضي العسكر الذي صاحب الإمبراطور أثناء إقامته قي الشام.
وبعد عودة الإمبراطور إلى بلاده، أهدى إلى الملك الأشراف موسى (دبا أبيض)، فأرسل له السلطان الكامل جملة من الحيوانات الغريبة من بينها فيل أثار إعجاب الناس. أما الأمير "فخر الدين بن شيخ الشيوخ "، فقد سافر إلى الإمبراطور كرسول للملك الكامل وتوطدت بينهما صداقة متينة. وقد حفظ لنا المؤرخ الحموي "محمد بن نظيف " في كتابه "التاريخ المنصوري " (نشر في موسكو سنة ( 1960 ) عدداً من الرسائل التي تتضمن معلومات هامة عن أخبار الإمبراطور وأخبار دولته.
وكان فردريك الثاني شغوفاً بالعلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية، وكثيرا ما كانت تعترضه فيها مشكلات علمية ولايجد من العلماء المحيطين به من يقدم له حلاً شافياً لها. فكان يرسلها إلى أصدقائه من ملوك المسلمين لعرضها على علماء بلادهم والإجابة عنها. من ذلك مثلاً، المسائل الرياضية والفلكية التي أرسلها إلى الملك الكامل والتي أجاب عنها العالم الرياضي المصري علم الدين قيصر الأسفونى (نسبة إلى قرية أسفون بالصعيد) فبعث بها الملك الكامل إليه مع كتاب في علم الفلك على سبيل الهدية. كذلك أرسل فردريك مجموعة من الأسئلة الفلسفية إلى الفيلسوف الصوفي الأندلسي "ابن سبعين "، وهي مسائل عن الكون والنفس والعلم الإلهي.. الخ، أجاب عنها "ابن سبعين "، وقد عرفت باسم "المسائل الصقلية".
ولما ولي الملك الصالح نجم الدين أيوب عرش مصر، سار على سياسة الود والصداقة التي اتبعها والده الكامل نحو صقلية. وتبادل مع الإمبراطور فردريك الثاني السفارات والهدايا، نذكر منها السفارة المصرية التي رأسها الشيخ " سراج الدين الأرموي "، الذي أقام مدة في صقلية، وألف كتاباً في المنطق للإمبراطور فردريك. ويقال أن هذا الإمبراطور أرسل إلى الملك الصالح أيوب رسولاً متنكراً في زي تاجر لينذره بحملة لويس التاسع على مصر.
ثم خلف الإمبراطور فردريك ولده مانفرد " Manfred" الذي لم يكن أقل عناية من أبيه بالثقافة العربية ولا سيما العلوم الرياضية والطبيعية.وقد عاصر هذا الإمبراطور دولة المماليك الأولى في مصر والشام على عهد السلطان الظاهر بيبرس، وتوطدت بينهما أواصر الصداقة والمودة كما كان الحال في عصر الأيوبيين. فيروي المؤرخ"جمال الدين بن واصل " أن السلطان " بيبرس " اختاره على رأس سفارة إلى الإمبراطور مانفرد سنة 659 هـ (1261 م)، وأرسل معه هدية من جملتها عدد من الزراف، وجماعة من أسرى عين جالوت من التتار بخيولهم وعدتهم، فأعجب الإمبراطور بالهدية وأحسن إلى الرسل وأكرمهم. ويصف "ابن واصل " مقابلته للإمبراطور بقوله "فأقمت عنده مكرماً بمدينة من مدائن أبوليا (جنوب إيطاليا) يقال لها برلت " Barletta" واجتمعت ، به، فوجدته متميزاً، محباً للعلوم العقلية، يحفظ من عشر مقالات من كتاب اقليدس في الهندسة.

وبالقرب من البلد التي كنت نازلاً بها مدينة تسمى لو جارة Lucera، أهلها كلهم مسلمون من أصل جزيرة صقلية، وتقام الجمعة فيها، ويعلن فيها بشعائر الإسلام، وهي على هذه الصفة من عهد أبيه الأنبرور (أي الإمبراطور). وكان قد شرع في بناء دار علم بها ليشغل فيها بجميع أنواع العلوم النظرية. وأكثر أصحابه الذين يتولون أموره الخاصة مسلمون، ويعلن في معسكره بالأذان والصلاة". ويضيف الصفدي في ترجمته "لابن واصل "، أن ما نفرد قال "لجمال الدين بن واصل " في مجلسه: "يا قاضي، أنا ما عندي ما أسألك عنه في الفقه والعربية. ثم سأله ثلاثين سؤالا في علم المناظر، فبات تلك الليلة وصبحه بالجواب عنها، فصلب الأنبرور على وجهه وقال" هكذا يكون قسيس المسلمين ". لأن القاضي لم يكن معه كتب في تلك السفرة، وإنما أجابه عن ظهر قلب ". كذلك ألف "ابن واصل" أثناء إقامته في إيطاليا رسالة في المنطق أسماها "الرسالة الأنبرورية" وأهداها إلى مانفرد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:50

مدرسة بالرمو للترجمة

كانت، مدينة بلرمو عاصمة صقلية وقاعدة ملوكها أيام حكام المسلمين والنورمان والجرمان وتقع على ساحل الجزيرة الشمالي.
ويفهم من كلام الإدريسي أنه كان يوجد بوسط بلرمو مدينة إسلامية قديمة تعرف بالخالصة، كانت مقر السلطان وجنوده أبان الحكم الإسلامي،وكان المسلمون يعرفونها باسم المدينة، والنصارى يعرفونها باسم بلرمو، ثم غلب الاسم القديم بلرمو على المدينة كلها بعد ذلك.
ولقد زارها ووصفها الرحالة والجغرافيون المسلمون أمثال "ابن حوقل البغدادي " (ت 380 هـ)، و "الشريف الإدريس السبتي" (ت حوالي 548 هـ)، ولابن جبير البلنسي الأندلسي " (ت 614 هـ).
وهكذا كانت بلرمو حاضرة صقلية في العصر الوسيط، وقد قامت فيها في القرن الثالث عشر الميلادي (7 هـ) مدرسة للترجمة عن العربية عر، غرار مدرسة طليطلة في شمال أسبانيا. وتوطدت بين المدرستين علاقات ثقافية تبودل فيها الكتب والترجمات فضلاً عن العلماء.
وممن تردد على مدرسة بلرمو العالم الاسكتلندي "مايكل سكوت " M . Scott" أحد تلاميذ مدرسة طليطلة الذي ترجم أعمال أرسطو وشروح ابن رشد عليها. ومن المحتمل أنه تعرف على الإمبراطور فردريك الثاني الذي ازدهرت مدرسة بلرمو في عهده.
هذا، ومن المعروف أن معاني القرآن الكريم ترجمت إلى اللاتينية في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي أو السادس الهجري. كذلك، ترجمت قصة الإسراء والمعراج، بأمر من الملك الإسباني الفونسو العالم، إلى اللغات القشتالية والفرنسية واللاتينية، وانتشرت في أسبانيا وإيطاليا منذ القرن الثالث عشر الميلادي (7 هـ) واستفاد منها الشاعر الإيطالي دانتي كما سبق أن أسلفنا، ولم تلبث هذه الترجمات أن انتقلت إلى جامعات باريس ونابولي وبولونيا.
على أنه يلاحظ أن حركة الترجمة في مدرسة بلرمو، اتجهت في معظمها- على غرار مدرسة طليطلة- إلى العلوم الرياضية والفلسفية والطبيعية. وكان من أهم ما ترجم فيها على سبيل المثال كتب ابن سيناء " Avicenne" (ت1037م)(مثل كتاب القانون في الطب، وكتاب الشفاء في الفلسفة، وكتب أبي بكر محمد الرازي " Razes " (ت 932 م) مثل كتاب الحاوي في الطب... الخ.
وكان من، أعلام المترجمين فيها أوجين البلرمي " Eugeniusوليوناردو البيزاني " Leonardo pisano". ولعل من مظاهر هذه النهضة العلمية ، آلاف المخطوطات العربية المحفوظة في مكتبة الفاتيكان بروما إلى الآن.
وهذا كانت جزيرة صقلية في العصر الوسيط، هي المعبر الثاني الذي عن طريقه انتقلت الحضارة الإسلامية إلى الفكر"لأوروبي. وينبغي أن نكرر ما قلناه دائماً من أن الباحثين ورجال العلم المسلمين لم يكونوا مجرد نقلة أو مترجمين، ولكنهم عدلوا التراث الكلاسيكي، وأعادوا خلقه وأخرجوا منه ثقافة جديدة عليها طابع الإسلام. وعلى هذه الصورة نقلوها إلى عقول أوروبا التي جاءت تطلب العلم في أسبانيا وصقلية. الشام
كانت بلاد الشام هي منطقة اللقاء الثالث بين الشرق والغرب في العصر الوسيط إبان الحروب الصليبية وإذا ذكرنا الحروب الصلبية، فينبغي أن نذكر في الوقت نفسه أن الرسالات السماوية هي في الأساس رسالات محبة وأخاء وسلام بين البشر جميعاً .
لقد كانت التحولات الدينية في أوروبا سببا رئيسيا لقيام الحروب الصليبية، ذلك أن كنيسة روما بعد اعتناق الفرنجة للنصرانية غدت ندا للكرسي البطريركي في القسطنطينية، واختصت كنيسة روما دون غيرها بلقب البابا، ولعبت البابوية دورا مهما في إقامة دولة الفرنجة الكارو لنجية كمنافسة لإمبراطورية بيزنطة، ومن ثم أخذت البابوية تطمح إلى توحيد كنيستي الشرق والغرب تحت نفوذها،ولا حت الفرصة حين استنجد ميخائيل السابع بارابنيسز " Michael vll parapinaces" ملك بيزنطة 1 7 0 1- 78 0 1 م، بالبابا جريجوري السابع " Gregory vll"73 0 1- 85 0 1 م، يدعوه لإرسال حملة لإنقاذ آسيا الصغرى من الترك، فأسرع جريجوري السابع لتأليب ملوك الكاثوليك وأمرائهم، غير أن عجلة الصراع بين المسلمين والفرنجة قد توقفت بسبب النزاع بين الكنيسة وملوك أوروبا، حتى إذا ما عادت للبابوية قوتها بعد موت هنري الرابع " Henri iv"، تطلعت البابوية إلى تأسيس حكومة في الشرق تجمع بين السلطتين الزمنية والدينية، ولذا كانت الحروب الصليبية من تدبير البابوية، حيث اتخذ البابا أربانوس الثاني " urbanus ll. 1088 م ـ 1099 م ، المعروف بتعصبه ضد المسلمين، عندما كان راهبا لدير كلوني، والذي غذى حرب المسلمين في الأندلس، من شكوى الحجاج إلى بيت المقدس، ذريعة لحرب المسلمين، وكان هذا البابا يرى بأن وظيفة البابوية الأساسية هي القيادة العليا للحرب المقدسة، ثم أن الحروب الصليبية هي بمثابة سياسة البابوية الخارجية، فهي التي تديرها وتتحرك وفقها، والبابوات هم الذين نظموا الحرب ووجهوها.
ولا شك أن هناك عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية، أقوى من العامل الديني، وراء هذه الحركة الصليبية، ولكن الزعماء والقادة عمدوا إخفاءها وراء هذا الستار الديني البراق لإثارة الشعوب وجذب الأنصار.
ثم توالت الحملات الصليبية الأوروبية على الشام ومصر منذ أواخر القرن الخامس الهجري (11 م)، واستطاعت الحملة الأولى أن تنشب أظفارها في الشرق العربي، وتؤسس أربع إمارات صليبية: الأولى في إنطاكية التي تتحكم في شمال الشام، والثانية في الرها التي فصلت العراق عن الشام وهددت بغداد قاعدة الخلافة العباسية، والثالثة في طرابلس المنفذ الاستراتيجي الهام على ساحل البحر المتوسط، والرابعة في مدينة القدس حيث قامت مملكة بيت المقدس سنة 492 هـ/1099 م أقوى الإمارات نفوذاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:51

3- الشام

كانت بلاد الشام هي منطقة اللقاء الثالث بين الشرق والغرب في العصر الوسيط إبان الحروب الصليبية وإذا ذكرنا الحروب الصلبية، فينبغي أن نذكر في الوقت نفسه أن الرسالات السماوية هي في الأساس رسالات محبة وأخاء وسلام بين البشر جميعاً .
لقد كانت التحولات الدينية في أوروبا سببا رئيسيا لقيام الحروب الصليبية، ذلك أن كنيسة روما بعد اعتناق الفرنجة للنصرانية غدت ندا للكرسي البطريركي في القسطنطينية، واختصت كنيسة روما دون غيرها بلقب البابا، ولعبت البابوية دورا مهما في إقامة دولة الفرنجة الكارو لنجية كمنافسة لإمبراطورية بيزنطة، ومن ثم أخذت البابوية تطمح إلى توحيد كنيستي الشرق والغرب تحت نفوذها،ولا حت الفرصة حين استنجد ميخائيل السابع بارابنيسز " Michael vll parapinaces" ملك بيزنطة 1 7 0 1- 78 0 1 م، بالبابا جريجوري السابع " Gregory vll"73 0 1- 85 0 1 م، يدعوه لإرسال حملة لإنقاذ آسيا الصغرى من الترك، فأسرع جريجوري السابع لتأليب ملوك الكاثوليك وأمرائهم، غير أن عجلة الصراع بين المسلمين والفرنجة قد توقفت بسبب النزاع بين الكنيسة وملوك أوروبا، حتى إذا ما عادت للبابوية قوتها بعد موت هنري الرابع " Henri iv"، تطلعت البابوية إلى تأسيس حكومة في الشرق تجمع بين السلطتين الزمنية والدينية، ولذا كانت الحروب الصليبية من تدبير البابوية، حيث اتخذ البابا أربانوس الثاني " urbanus ll. 1088 م ـ 1099 م ، المعروف بتعصبه ضد المسلمين، عندما كان راهبا لدير كلوني، والذي غذى حرب المسلمين في الأندلس، من شكوى الحجاج إلى بيت المقدس، ذريعة لحرب المسلمين، وكان هذا البابا يرى بأن وظيفة البابوية الأساسية هي القيادة العليا للحرب المقدسة، ثم أن الحروب الصليبية هي بمثابة سياسة البابوية الخارجية، فهي التي تديرها وتتحرك وفقها، والبابوات هم الذين نظموا الحرب ووجهوها.
ولا شك أن هناك عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية، أقوى من العامل الديني، وراء هذه الحركة الصليبية، ولكن الزعماء والقادة عمدوا إخفاءها وراء هذا الستار الديني البراق لإثارة الشعوب وجذب الأنصار.
ثم توالت الحملات الصليبية الأوروبية على الشام ومصر منذ أواخر القرن الخامس الهجري (11 م)، واستطاعت الحملة الأولى أن تنشب أظفارها في الشرق العربي، وتؤسس أربع إمارات صليبية: الأولى في إنطاكية التي تتحكم في شمال الشام، والثانية في الرها التي فصلت العراق عن الشام وهددت بغداد قاعدة الخلافة العباسية، والثالثة في طرابلس المنفذ الاستراتيجي الهام على ساحل البحر المتوسط، والرابعة في مدينة القدس حيث قامت مملكة بيت المقدس سنة 492 هـ/1099 م أقوى الإمارات نفوذاً.
ولقد اثار هذا الاستعمار الصليبي البغيض غضب المسلمين وأيقظهم من غفوتهم ، فقاموا بزعامة قادة مخلصين منهم لرد هذا العدوان ودخلوا مع الصليبين فى صراع طويل استغرق مايزيد على المائتي عام حتى تمكنوا من طردهم من ديارهم .
كانت بداية الصحوة الاسلامية على يد القائد التركي عماد الدين زنكي صاحب الموصل وحلب الذى حرر الرها من براثنهم سنة 538 ÷ت / 1144 م وفتح الطريق بين شمال العراق والشام ثم جاء ابنه نور الدين محمود صاحب حلب ( ت 596 هـ /1174 م ) فعمل على توحيد الجبهة الاسلامية بضم دمشق ومصر فى وحدة شامية - مصرية ، أحاطت بمملكة بيت المقدس من الشمال والجنوب تمهيدا للقضاء عليها . وأخيرا يأتي القائد ومتم الرسالة الملك الناصر يوسف صلاح الدين ( 565 هـ / 589 هـ / = 1169 - 1193 م ) فيحقق هذا الهدف المنشود بالانتصار على الصليبين فى حطين ( 583 هـ /1187 م ) ودخول بيت المقدس فى ليلة الاسراء والمعراج 27 رجب من نفس السنة ولم يحاول صلاح الدين التمثيل باعدائه كما فعلوا هم من قبل بالمسلمين وقت دخلوهم المدينة ، بل اكتفى باعادة المساجد التى حولت الى كنائس ولا سيما المسجد الاقصى كما سمح لهم بمغادرة المدينة بأموالهم وأمتعتهم ، وسمح لنصاري المشرق بالبقاء مع المسلمين ، وكل هذا يدل على ان صلاح الدين لم يحارب الديانة المسيحية بل حارب السياسة الأوربية الاستعمارية لقد كان صلاح الدين ينشد تحقيق السلام الذى عبر عنه فى احدى رسائلة لأخيه تورانشاه باليمن بقوله : " إن بلاد الشام ، لاتسمع فيها لغوا ولا تأثيما الا قيلا سلاما سلاما " ولكن الاستعمار الاوربي لم يشأ أن يحقق السلام الذى ينشده بسبب الانتصارات الى أحرزها على الصليبين ، فجاؤوها هذه المرة بقضهم وقضيضهم بجيوشهم وأساطيلهم يقودهم كبار ملوكهم أمثال فردريك بربروسا أمبراطور المانيا ، وريتشارد قلب الاسد ملك انجلترا ، وفيليب أوجست ملك فرنسا ، فاستولوا على سواحل الشام بغيه الوصول منها الى بيت المقدس .
لقد دامت هذه الحملة المعروفة بالصليبية الثالثة مدة ثلاث سنوات ( 585 - 588 هـ /1198-1192 م ) ولكنها انتهت بالفشل الذريع بعد غرق الامبراطور الالماني ، وعودة الملك الفرنسي ، وفشل الملك الانجليزي فى استعادة بيت المقدس وعودته الى بلاده خائب السعي بعد عقد صلح الرملة مع صلاح الدين .
ثم رأي المستعمر الصليبي ، بعد فشل خطوط سير حملاته عن طريق أسيا الصغري والشام ضرورة تغيير اتجاهها نحو مصر أولا ثم الوصول منها الى بيت المقدس ، اعتقاده منه بأن مصر بقوتها ومواردها هى السبب فى فشل مشاريعة الصليبية ، وانه لابد من حرمان الجبهه الاسلامية من هذه القاعدة الهامة ، فمن يريد قتل الثعبان فليحطم راسه أولا "
وهكذا تحولت الحملات الصليبية الى مصر بقيادة جان دي بريين ( سنة 615 هـ /1218م ) ملك بيت المقدس ثم بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ( 647 هـ /1246 م ) ولكن الحملتين منيتا بالفشل الذريع بفضل المقاومة الاسلامية من ناحية وبسبب جهل الصليبين بجغرافية البلاد المصرية من ناحية أخرى اذا كان عليهم عبور النيل بفروعة وقنواته المتعددة وقت فيضانه فحاصرتهم مياهه وعاقتهم أوحاله ، فتساقطوا صرعي وأسرى وفى مقدمتهم ملكهم القديس لويس الذى وقع فى الاسر ايضا فكان النيل مقبرة للغزاه . -
وبعد انتهاء دولة الايوبيين ، واصل خلفاؤهم سلاطين المماليك جهاد الصليبين فالسالطان الظاهر بيبرس ( 658 - 676هـ / 126- 1277م ) استولى على عدد كبير من قلاعهم ومدنهم مثل يافا وقيسارية فى الجنوب ، وانطاكية فى الشمال وتبعه السلطان المنصور قلاوون ( 678 - 689 هـ / 1279 -1290 م ) فاستولى على اللاذقية وطرابلس ثم جاء بعده ابنه الاشراف خليل ( 689 - 693 هـ / 190 - 1293 م ) ليقضي على الامارة الباقية من دولتهم فى الشام وهى عكا ( سنة 690 هـ / 1291 م ) .
ولم يكتف المسلمون بطرد الصليبين من الشام بل تعقبوا فلولهم فى جزر البحر المتوسط ، فاستولى السلطان الناصر محمد بن قلاوون على جزيرة أوراد ( سنة 702 هـ / 1302 م ) . كما استولى السلطان الاشراف برسباي على جزيرة قبرص ( سنة 829 هـ / 1426 م ) هذا الى جانب الحملات البحرية التى شنها السلطان سيف الدين جقمق على جزيرة ردوس وغيرها فى شرق حوض البحر المتوسط ( 843 - 847 هـ / 1440-1444 م ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قمرالواحة
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
قمرالواحة


عدد المساهمات : 9221
نقاط : 12107
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 14/04/2010
العمر : 53

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 15:53

الشام
اللقاء الحضاري في الشام خلال الحروب الصليبية


لم يكن الامتزاج الحضاري بين المسيحية والإسلام في الشام من حيث العمق والاستمرار على نفس المستوى الذي كان عليه في الأندلس وصقلية. وقد يرجع ذلك إلى أن المملكة اللاتينية في القدس كانت تفتقر إلى مركز علمي كبير للمعارف الإسلامية التي يستطيع المسيحيون أن يستمدوها منه على غرار طليطلة وبلرمو.
ولكن على الرغم من ذلك فإن بعض العلماء والتجار ومحاربي الحروب الصليبية ، استطاعوا عن طريق المشاهدة العينية والتفاهم والاندماج، أن ينقلوا بعض المعارف عن الزراعة والملاحة والصناعة.. الخ من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.
وأهم ما نلاحظه في هذا الصدد هو أن العلاقات التي سادت عصر الحروب الصليبية لم تكن كلها علاقات عدائية قائمة على الحرب والقتال بين المسلمين والصليبيين، بل قامت بينهم أيضاً علاقات ود وصداقة، ولا سيما في فترات الهدنة والسلام. ومما ساعد على توثيق هذه العلاقات، أن المستعمرات الصليبية في الشام كانت تعيش وسط إمارات إسلامية داخل الشام مثل حلب ودمشق وحمص وحماة إلى جانب القلاع والحصون مثل حصن شيزر الذي ما زالت أطلاله باقية على نهر العاصي في شمال الشام.
لهذا، كان لزاماً، على الصليبيين، لكي يحتفظوا بمستعمراتهم في الشرق العربي، أن يعتمدوا على سكان البلاد الأصليين من المسلمين والمسيحيين في الأعمال المحلية مثل زراعة الأرض وبناء الحصون والكنائس وترميمها، إلى غير ذلك من الأعمال الصناعية والمعاملات التجارية المختلفة.
حقيقة أن هذه الإمارات الصليبية كانت تتلقى من الغرب أموالا ومساعدات مختلفة، إلا أن هذه المساعدات كانت غير كافية ولا تفيدهم كثيراً على مر السنين. لهذا كان يتحتم على الصليبيين الاعتماد على أهالي المنطقة من الصناع والفلاحين وغيرهم. ومن هنا نشأت علاقات سلمية بين المسلمين والمسيحيين وأخذ كل فريق يعمل على فهم الفريق الآخر والتعرف عليه.

وإذا تتبعنا بحض المؤشرات الحضارية التي تأثر بها الفرنج خلال الحروب الصليبية، نجد أنها كثيرة ومتنوعة:-
فمن الناحية الاجتماعية، نجد أن الصليبيين، نظراً لقلة عدد النساء الفرنجيات اللاتي صحبن المقاتلين، أقبلوا على الزواج من المواطنات المسيحيات من الموارنة والأرمن وبعض الأسيرات المسلمات. وقد نشأ عن هذه الزيجات جيل من المولدين عرفوا باسم بولاني Pullani وقد غلب على هؤلاء في طبائعهم وعاداتهم الطابع الشرقي. ولم يتردد الصليبيون مع مرور الزمن في الاستعانة بهؤلاء المولدين في تشكيل فرق من الخيالة الخفيفة عرفت باسم التركبوليTurcopoles. كذلك أخذ الصليبيون يكيفون حياتهم في الشرق حسب مقتضيات الحال والمناخ، فارتدوا الملابس الشرقية الفضفاضة واسعة الأكمام، وأطلقوا لحاهم، وجلسوا: على الزرابي ، وأكلوا الأطعمة الشرقية، وسكنوا القصور والبيوت ذات الطراز الشرقي حيث الأحواش أو الأفنية الداخلية التي تتوسطها النافورات والورود والأزهار، وتحيط بها الغرف والقاعات ذات المشربيات المحلاة بالزخارف المخرمة المفرغة المنوعة. كذلك استخدموا في ولائمهم وحفلاتهم الراقصات والمهـرجين كما يفعل المسلمون.
أما من الناحية الاقتصادية، فنجد أن الصليبيين، استفادوا من المشرق الإسلامي استفادة كبيرة لدرجة أن بعض المؤرخين اعتبر الحركة الصليبية حروبا اقتصادية. ففي ميدان الزراعة نقل الصليبيون عن المسلمين إلى أوروبا، زراعة بعض أنواع النباتات والثمار والفواكه الني لم يعرفوها من قبل وسموها بأسمائها العربية مثل السكر والأزر والليمون والقطن و لسمسم.. الخ.
وفي ميدان الصناعة، عرفوا كثيرا من المصنوعات الإسلامية ونقلوها إلى بلادهم مثل المنسوجات الحريرية الموشاة التي اشتهرت بها الشام وتعرف باسم البروكار Brocare ، والأقمشة القطنية التي كانت تصنع بدمشق سيميت باسمها "الدمشقيات Damask " وأقمشة الموصل، Musilin ومنسوجات العتابية في بغداد "Taois"، هذا إلى جانب صناعة الورق والصابون والخزف والزجاج والحلي والعقاقير... الخ.
أما التحارة ، فقد انتعشت بين الشرق والغرب بشكل لم يعرف من قبل. فكانت قوافل المسلمين ترد إلى الموانىء الصليبية على ساحل الشاام نحمل سلع الشرق كاللؤلؤ والأحجار الكريمة والعاج والعطور والبهار (SPICES)، وكان على تجار المسلمين عند دخولهم ولقد أثار هذا الاستعمار الصليبي البغيض غضب المسلمين وأيقظهم من غفوتهم، فقاموا بزعامة قادة مخلصين منهم لرد هذا العدوان، ودخلوا مع الصليبيين في صراع طويل استغرق ما يزيد على المائتي عام حتى تمكنوا من طردهم من ديارهم.
كانت بداية الصحوة الإسلامية على يد القائد التركي عماد الدين زنكي صاحب الموصل وحلب الذي حرر الرها من براثنهم سنة 538 هـ/ 1144م وفتح الطريق بين شمال العراق والشام. ثم جاء ابنه نور الدين محمود صاحب حلب (ت 569 هـ/1174 م) فعمل على توحيد الجبهة الإسلامية بضم دمشق ومصر في وحدة شامية- مصرية، أحاطت بمملكة بيت المقدس من الشمال والجنوب تمهيدا للقضاء عليها. وأخيرا يأتي القائد ومتمم الرسالة الملك الناصر يوسف صلاح الدين (565 هـ/589 هـ/- 169 1- 1193 م ) فيحقق هذا الهدف المنشود بالانتصار على الصليبيين في حطين (583 هـ/187 1 م) ودخول ، بيت المقدس في ليلة الإسراء والمعراج 27 (-جب من نفس السنة. ولم يحاول صلاح الدين التمثيل بأعدائه كما فعلو (هم من قبل بالمسلمين وقت دخلوهم المدينة، بل اكتفى بإعادة المساجد التي حولت إلى كنائس ولا سيما المسجد الأقصى، كما سمح لهم بمغادرة المدينة بأموالهم وأمتعتهم ، وسمح لنصارى المشرق بالبقاء مع المسلمين. وكل هذا يدل على أن صلاح الدين لم يحارب الديانة المسيحية بل حارب السياسة الأوروبية الاستعمارية. لقد كان صلاح الدين ينشد تحقيق السلام الذي عبر عنه في إحدى رسائله لأخيه تورا نشاه باليمن بقوله: "إن بلاد الشام، لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما". ولكن الاستعمار الأوروبي لم يشأ أن يحقق له هذا السلام الذي ينشده بسبب الانتصارات ، التي أحرزها على الصليبيين، فجاؤوه هذه المرة بقضهم وقضيضهم، بجيوشهم وأساطيلهم. يقودهم كبار ملوكهم أمثال فردريك بربروسا امبراطور ألمانيا، وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، وفيليب أوجست ملك فرنسا، فاستولوا على سواحل الشام بغية الوصول منها إلى بيت المقدس.
لقد دامت هذه الحملة المعروفة بالصليبية الثالثة مدة ثلاث سنوات (585- 588 هـ/189 1- 1193 م)، ولكنها انتهت بالفشل الذريع بعد غم سق الامبراطور الألماني، وعودة الملك الفرنسي، وفشل الملك الإنجليزي في استعادة بيت المقدس وعودته إلى بلاده خائب السعي بعد عقد صلح الرملة مع صلاح الدين.
ثم رأى المستعمر الصليبي ، بعد فشل خطوط سير حملاته عن طريق آسيا الصغرى والشام ، ضرورة تغيير اتجاهها نحو مصر أولا ثم الوصول منها إلى بيت المقدس، اعتقادا منه بأن مصربقوتها ومواردها هي السبب في فشل مشار يعه الصليبية وأنه لا بد من حرمان الجبهة الإسلامية من هذه القاعدة الهامة، "فمن يريد قتل الثعبان فليحطم رأسه أولاً".
وهكذا تحولت الحملات الصليبية إلى مصر بقيادة جان دي بريين Jean de Brienne (سنة 615 هـ بر 1318 م)، ملك بيت المقدس،ثم بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا (647 هـ/1246 م). ولكن الحملتين منيتا بالفشل الذريع بفضل المقاومة الإسلامية من ناحية، وبسبب جهل الصليبيين بجغرافية البلاد المصرية من ناحية أخرى ، إذ كان عليهم عبور النيل بفروعه وقنواته المتعددة وقت فيضانه فحاصرتهم مياهه، وعاقتهم أوحاله، فتساقطوا صرعى وأسرى، وفي مقدمتهم ملكهم القديس لويس الذي وقع في الأسر أيضا، فكان النيل مقبرة للغزاة.
وبعد انتهاء دولة الأيوبيين، واصل خلفاؤهم سلاطين المماليك جهاد الصليبيين: فالسلطان الظاهر بيبرس (658- 676 هـ/ 0 26 1- 277 1 م) استولى على عدد كبير من قلاعهم ومدنهم مثل يافا وقيسارية في الجنوب، وأنطاكية في الشمال وتبعه السلطان المنصور قلاوون 6781- 689 هـ/ !37 1- 0 29 1 م) فاستولى على اللاذقية وطرابلس. ثم جاء بعده ابنه الأشرف خليل (689- 693 هـ/ 0 139- 1293 م) ليقضي على الإمارة الباقية من دولتهم في الشام وهي عكا (سنة 0 69 هـ/1291 م).
ولم يكتف المسلمون بطرد الصليبيين من الشام بل تعقبوا فلولهم في جزر البحر المتوسط، فاستولى، السلطان التاصرمحمد بن قلاوون على!جزيرة أرواد (سنة 3 70 هـ/2 130 م)، كما استولى السلطان الأشرف برسباي على جزيرة قبرص (سنة 839 هـ/ 1436 م). هذا إلى جانب الحملات البحرية التي شنها السلطان سيف الدين جقمق على جزيرة رودس وغيرها في شرق حوض البحر المتوسط (843-847 هـ/1440-1444 م).
تلك الموانىء أن يدفعوا ضريبة على بضائعهم مقدارها قيراط على كل سلعة ثمنها دينار واحد (الدينار 34 قيراطاً). وكانوا يعاملون في تلك الموانىء معاملة طيبة، ولهم فيها خانات أو فنادق ينزلون فيها ببضائعهم ودوابهم. ومن الطريف في هذا الصدد، أن حركة التجارة بين الجانبين ظلت مستمرة ولم تتوقف حتى في أوقات الحروب بينهم، وقد نص على ذلك الرحالة المعاصر. ابن جبير عند قوله "ختلاف القوافل من مصر إلى دمشق على بلاد الفرنج غير منقطع، وأهل الحرب مشتغلون في حربهم، أما الرعايا والتجار فالأمن لا يفارقهم في جميع الأحول سلماً أو حرباً".
وكان من نتائج ازدياد النشاط التجاري بين الشرق والغرب، أن ظهرت المدن التجارية في أنحاء أوروبا ، وهي ظاهرة جديدة أدت إلى اجتذاب الفلاحين إلى المدن وانهيار النظام الإقطاعي.. كذلك ظهر نظام المصارف في تلك المدن التجارية، وكثيراً ما عاونت هذه البنوك الطبقات الحاكمة بالقروض المالية وتحالفت معها ضد رجال الإقطاع. وقد نتج عن هذه المعاملات المالية إصدار صرف يعرف بالصك أو الشيك وكذلك ، السفاتج جمع بستاجة بمعنى الحوالة، وهي أنظمة مشرقية الأصل.
ومن الناحية المعمارية العسكرية، نلاحظ أن العمارة الإسلامية أضافت إلى التراث الفني العالمي نظماً لم تكن معروفة من قبل مما جعل لها في العصور الإسلامية طابعا مميزا. ومن أمثلة ذلك أشكال العقود، وأنظمة المساجد والمدارس والقصور والحمامات والأضرحة. كذلك ابتكر المسلمون المداخل ذات المرافق أو المنعطفات المتعددة في المدن والحصون الإسلامية. والغرض من ذلك التحكم في العدو المهاجم من باب الحصن عبر هذه الممرات الضيقة الطويلة الملتوية. ويلاحظ أن الرومان والبيزنطيين لم يستخدموا هذا الأسلوب في حصونهم، بل استخدموا المدخل المستقيم الذي يؤدي مباشرة إلى فناء الحصن. ومن أمثلة هذه المداخل عند المسلمين مدينة بغداد التي كانت أبواب أسوارها الخارجية لا تقع في سمت واحد مع أبواب أسوارها الداخلية، بل مزورة عنها ويفصل بينهما دهاليز ومنعطفات ملتوية لأغراض دفاعية، ولذا أطلق على بغداد اسم "الزوراء".
وقد طبق هذا الأسلوب الحربي بشكل أفضل في قلعة الجبل (المقطم) بالقاهرة في عهد صلاح الدين الأيوبي، في القرن السادس الهجري، وفي قلعة حلب في القرن السابع الهجري، وفي قلاع المرابطين والموحدين بالمغرب.
ولقد انعكس هذا الأسلوب المعماري العسكري على الحصون والقلاع التي شيدها الصليبيون في الشام أو في أوروبا بعد ذلك. مثال ذلك حصن الأكراد Crac de chevalliero في شمال شرق طرابلس الذي أعاد فرسان الاسبتارية شييد قلعته على مثل هذا النظام الرائع الذي مازالت أثاره باقية إلى اليوم. كذلك ابتكر المسلمون نظام "السقاطة" التي انتقلت إلى الغرب باسم ماتشيكولي Machicoli وهي عبارة عن شرفة صغيرة من الحجارة أو الخشب تبرز من الحائط ولها فتحات من أسفل، وتقام ف حق أسوار الحصن، فيستطيع المدافعون هـ ن خلال هذه الفتحات إلقاء المقذوفات أو السائل الحار أو العذرة على المهاجمين، وقد استعار الصليبيون نظام هذه السقاطات، وطبقوه في قلاعهم في شمال الشام وفي أوروبا. ومن أمثلة ذلك قلعة جابار التي شيدها رييتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، على نهر الخشن عقب عودته من الأراضي المقدسة.
أما من ناحية التأثير الثقافي، فإنه يبدأ منذ أن أخذ كل فريق يتعرف على الفريق الآخر-، ويحاول أن يكنب عنه حاضره وماضيه. و(قد أنجب عصر الحروب الصليبية نخبة من المؤرخين المعاصرين شرقيين وغربيين، كل يمثل وجهة نظره في تلك الحروب، فتوفرت من هذه الحقبة الصليبية مادة خصبة لم يتوفر مثلها من قبل.
وقد عكف المؤرخون الأوروبيون في العصر الحديث على جمع هذه المادة الوفيرة في موسوعة علمية باسم "مجموعة مؤزخي الحروب الصليبية"RECUEIL DES HISTORIRNS CROISADES (PARIS 1841 - 1906 ) ( 1841 ـ 1906 ) ، وهي تضم ما كتبه المؤرخون المشارقة في خمسة مجلدات تحت عنوان:Historiens Orientaux وما كتبه المؤرخون الغربيون في خمسة مجلدات أيضاً تحت عنوان: Historiens Orientaux ومن بين كتاب المسلمين الذين أمدونا بمعلومات قيمة عن العلاقات بين المسلمين والصليبيين نذكر الرحالة الأندلسي السالف الذكر محمد بن جبير الذي زار الشام في أواخر القرن السادس الهجري (12 م) ووصف التعاون المشترك بين المسلمين والمسيحيين في الامارات الصليبية، وقال. ان حالة المسلمين هناك كانت أحسن من. حالة اخوانهم الذين يعملون قي الإقطاعات الإسلامية، وأن الصليبيين تعمدوا اصطناع المسلمين بحسن المعاملة كي يحببوا لهم العمل معهم. ولا شك أن ابن جرو صادق في كلامه، لأن الصليبيين أدركوا أن استمرار بقائهم في إماراتهم يتوقف على التعاون مع أهالي المنطقة والذوبان فيها وقد مات ابن جبير في مدينة الإسكندرية ودفن بها (613 هـ). ويذهب البعض أن موضع دفنه مقام سيدي جابر الحالي .
وهناك كاتب آخر عاصر ابن جبير وأمدنا بمعلومات هامة عن علاقات المسلمين بالصليبيين بالشام، وهو الأمير الشاعر أسامة بن منقذ (ت 583 هـ/1188م) أحد فرسان بني منقذ أصحاب حصن شيزر الذي لازالت أطلاله باقية باسم سيجر على بعد خمسة عشر أميال إلى الشمال من حماة على الضفة الغربية لنهر العاصي. وبحكم جواره للصليبيين، كان لأسامة معهم مشاكل وحروب وصداقات ونوادر أوردها في كتابه على شكل مذكرات خاصة تحت عنوان "كتاب الاعتبار" وتتضمن صورا مقارنة بين عادات المسلمين والفرنجة، شاهدها أو عاينها بنفسه. لقد كان أسامة موضع إطراء معاصريه وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي الذي كان معجبا بشجاعته وشعره ويحتفظ بديوان من شعره.
أما المؤرخ الحموي جمال الديون بن واصل (ت 691 هـ/1397 م)، فقد أورد في كتابه "مفرج الكروب في أخبار بني أيوب " بعض المعلومات الهامة عن لويس التاسع ملك فرنسا أثناء حملته على مصر، وعن الامبراطور منفرد بن فردريك الثاني حينما قابله كسفير للسلطان الظاهر بيبرس في مدينة بولتا الإيطالية.
وهناك مؤرخ حموي آخر اسمه محمد بن علي بن نظيف قدم لنا في كتابه "التاريخ المنصوري ، صوراً لبعض الخطابات المرسلة من الامبراطور فردريك الثاني إلى الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ قائد جيوش الدولة الأيوبية يروي له فيها بعض أخبار دولته وما جرى فيها من أحداث عقب رجوعه من حملته في فلسطين (636 هـ/1239 م).
أما المؤرخون الأوروبيون الذين وصفوا حروبهم ني المشرق وكتبوا عن المسلمين وبلادهم فهم عديدون أيضاً نذكر منهم وليم الصوري William of thyre (1130- 184 أم) الذي ولد في بيت المقدس من أبوين فرنسيين وتعلم في فلسطين العربية واليونانية ثم اتصل بالملك عموري الأول وصار مربيا لأولاده، وظل يتدرج في المناصب حتى صار كبيرا لأساقفة صورة. ومن أهم مؤلفاته كتاب قي تاريخ الحروب الصليبية منذ قيامها سنة 1096 م حتى أخر أيامه 1184م بعنوان "تاريخ الأعمال التي تمت في بلاد ما وراء البحر" Histonia reum in partibus transmarinis gestarum، والكتاب يتضمن معلومات مفيدة عن مصر وأحوالها الداخلية في أواخر العصر الفاطمي، وكذلك ط عن تجارتها في البحر الأحمر مع بلاد الهند".
ولا يفوتنا أخيرا أن نشير إلى المؤرخ الفرنسي دي جوانفيلDe joinville (القرن 7 هـ/13 م)، الذي، صحب الملك لويس التاسع في حملته على مصر. وأسر معه فيها ، وكتب عنه كتابا بعنوان، القديس لويس " وأورد فيه معلومات هامة عن مصر والمماليك.
وهكذا نر ى مما تقدم أن الحروب الصليبية، وإن كانت قد سفكت فيها دماء غزيرة، إلا أن هذه التضحيات قد قابلها تعويض في هذا اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب، إذ انمحت الصورة القديمة التي كانت في مخيلة الصليبيين عن المسلمين، فلم يعودوا يرونهم جنودا جبناء، أو قساة غلاظ القلوب أو كفرة عباد أوثان، بل شهدوا من حضارتهم الراقية وشجاعتهم في القتال وورعهم في الصلاة، وسماحتهم في معاملة أهل الأديان الأخرى، ما أطلق ألسنتهم بالإعجاب والتقدير. وقد صدق المؤرخ الإنجليزي هرنشو Heamshaw حينما عبر عن هذا الإعجاب بقوله: "فكما أن بلعام خرج ليدعو على بني إسرائيل، فإذا به يدعو لهم، فكذلك الصليبيون خرجوا من ديارهم لقتال السلمين، فإذا هم جلوس عند أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم والمعرفة. لقد بهت أشباه، الهمج من مقاتلة الصليبيين عندما رأوا المسلمين على حضارة دنيوية ترجح وحضارتهم رجحانا لا تصح معه المقارنة بينهما".
وعلى الجانب الآخر من العالم الإسلامي مشرقا، فقد ربطت العلاقات الثقافية والتجارية بين المسلمين وأوروبا، انعكست على التواصل الحضاري بين الحضارتين الإسلامية والغربية، إذ كانت القسطنطينية نقطة الالتقاء والمعبر لذ اك التواصل والتفاعل، فحين كان المسلمون يواصلون ضغطهم على القسطنطينية باعتبارها مفتاح الطريق إلى أوروبا الشرقية، هجر قسم من علماء بيزنطة، المدينة مزودين بكتابهم الكلاسيكية وبحصيلتهم الثقافية نتيجة الاتصالات الثقافية مع العالم الإسلامي، وخاصة" مع الأندلس وبلاد الشام وانساحوا في أوروبا، وعلى الأخص منطقة البحر المتوسط، فأسهموا في التعجيل بالنهضة الأوروبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن العالم البيزنطيGemston pletton أسس الأكاديمية الأفلاطونية في مدينة فلورنس على النسق الإسلامي، وصنفه كتابي القانون، وفلسفة أفلاطون وأرسطو.
والعالم البيزنطي مانويل خرايسولوراس M. Chreysolaras حاضر في جامعتي فلورنس وملان و بافيا واعتبر أمير الفصاحة والفلسفة اليونا نية، والعالم البيزنطي بيصاريون النيقي وميلانBessarion of Nicaea ، ساهم في النهضة الإيطالية بشعره وبما جمعه من مخطوطات الشرق، شكلت أول مكتبة لمدينة البندقية ثم تحولت فيما بعد نواة لمكتبة القديس مارك.
وحين نجح المسلمون العثمانيون في فتح القسطنطينية، وغدت إسلامبول بؤرة الإسلام انتقل العديد من الصناع والنجارين والبنائين ومهرة عمال البناء والزخرف وخبراء صناعة السجاد والجلود بأنواعها إضافة إلى العديد من العلماء والأدباء والشعراء والتجار إلى المدينة الجديدة، وأبدعوا في العاصمة زخرفة وتنميقا، وأقيمت فيها عشرات المؤسسات العلمية، كالمد ارس والمساجد والجوامع والزوايا والتكايا والبيمارستانات، ومن ثم وفد إليها أبناء الشعوب الأوروبية للدراسة أو الزيإرة أو التجارة، فأفادوا مما تعلموه وما شاهدوه. ونقلوه إلى بلدانهم. ويبدو أن العلاقات التجارية قد أصابها بعض الارتباك بعد سنة 857 هـ/453 ام، على أثر فتح القسطنطينية، وانهارت بعض الطرق البرية والبحرية في آسيا وأوروبا عبر البحر الأسود والمضائق ، ويلاحظ بأن هذا الارتباك كان مقرونا بمدى نجاح العثمانيين في تثبيت الإسلام في مناطقه لجديدة، إذ أن بواعث الفتح واستمرار الأعمال الحربية حالت دون استمرار التجارة ولكن بصورة ؤقتة، غير أن أوروبا عوضت ذلك بزيادة وتقوية اتصالاتها التجارية مع الموانىء المملوكية في مصر النشام، فشهدت علاقات الجمهورية الإيطالية ، جنوة وبيزا والبندقية تقدما ملحوظا، حتى إذا ما استقرت أوضاع الدولة العثمانية عاودت التجارة إلى نشاطها عبر الخط الواصل من الصين والهند والخليج شمالا وغربا إلى حلب وآسيا الصغرى ليلتقي مع القوافل القادمة بر اً من وسط آسيا، ويتحد معها بالقسطنطيتية ثم إلى أوروبا، وكان هذا الطريق يعتبر الطريق الاحتياطي للتجارة الشرقية.
وثمة طريق بري من وسط آسيا والهند عبر جبالها وممراتها إلى نهر الأثيل ، حيث يتقابل مع القوافل الوافدة من الصين، !". ويسيران معا حتى بخاري إلى موانىء البحر الأسود وأوروبا، ومنه فروع جانبية إلى حلب وساحل البحر المتوسط.
لقد حمل تجار الشرق إلى أوروبا الشرقية عبر القسطنطينية وأدرنة ، الأنسجة المطرزة والسجاد والجلود والفراء والحنطة والشموع والأحجار الكريمة والصابون وغيرها، ولما كانت المراكز التجارية هي بالضرورة مراكز حضارية " يتم منها التبادل الثقافي إلى جانب التبادل التجاري، وكانت "اسلامبول " بوابة أوروبا الشرقية على العالم الإسلامي، عملت على نقل العناصر الحضارية تواصلا وتفاعلا وتمازجا وتلاحقا، فأثرت بصورة ملموسة ني تكوين الفكر الأوروبي، ومهدت الطريق لعوامل النهضة الأوروبية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

موسوعة العالم الإسلامى Empty
مُساهمةموضوع: رد: موسوعة العالم الإسلامى   موسوعة العالم الإسلامى Icon_minitimeالسبت 6 نوفمبر 2010 - 20:10

الله الله الله

تسلمين قمر

تميز

جهد راقي

لك تحياتي وتقديري

وخالص مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موسوعة العالم الإسلامى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: الأقسام العامة :: واحة الشخصيات الدينية والتاريخية والأدبية والسياسية :: واحة التاريخ والأحداث الهامة-
انتقل الى: