المسرحية الشعرية "بحيرة الظمأ " لعزت الطيرى
تشخيص أدبي لواقع مريض
يوجد صنفان في العالم الثالث من أصحاب العقول ، التي تخرج ما فيها ، عن طريق الأقلام ، لكي تضيء هذا العالم المظلم ؛ الصنف الأول منهما : هم الأصلاء، العقلاء الذين يشعرون ويكابدون ما تعانيه مجتمعاتهم ، فيشخصونه ؛ من اجل علاجه وإصلاحه ، أما الصنف الثاني : فهو النوع الذي يجلب لنفسه العار ، ولقرنائه وزملاءه غيظ الشبهة ، فتصبح أقلامهم موضوعة خلف أذان صخور ، ولهم صوت الثعالب ؛ من اجل فتات ولقيمات، ويالها من دناءة وتدنى شرف ، ومذلة كرامة وقلم !!! ؟
يدخل ضمن نطاق الصنف الأول ، الأديب الشاعر الجنوبي عزت الطيرى ، الذي يقول عن مجتمعه " أهل الجنوب إذا فرحوا بكوا غير مصدقين أن هناك فرحا" يمكن أن يطرق أبوابهم " [1] وفى تفصيل وتفسير لهذا القول ، جاءت مسرحيته الشعرية " بحيرة الظمأ " الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في العام 2010 ، وتشكلت في حوالي 157صفحة .
وقد تضمنت المسرحية رصد للتغيرات التي حدثت في المجتمع القروي الريفي وأفرزت العديد من الظواهر غير المألوفة في حياة الريف ، ويمكن رصد هذه التغيرات في محورين رئيسين هما : المحور الاقتصادي ، والمحور السياسي ، وقد أثر هذان المحوران في تغير الحياة الاجتماعية في المجتمع الريف الجنوبي وفى حياة الجنوب بصفة عامة .
فالقرية أم المدينة ، والتي لا تمدها بالغذاء فقط ، ولكن تمدها بالبشر أيضا" ، فبسبب هذه التغيرات أصبحت القرية طاردة لأبنائها إلى المدينة ، والى دول الخليج بوجه خاص ، وهذا لأسباب اقتصادية من البداية كما يراها النص الذي يقول :
" المال ضنين
الماء ضنين
الرزق ضنين
وحنان الأم على فلزات الكبد ضنين !!" ص 91
وبسبب ذلك التغير الإقتصادى الذي طرا على المجتمع وتطلعا ت أفراده بصفة عامة وتحوله إلى مجتمع يتنافس على الثراء المادي ، تحول إلى مجتمع مادي لا يهتم بالقيم أو الأخلاق ، فتحول إلى مجتمع لصوصي ، ولا استثناء ، فيقول الناص على لسان احد الفلاحين في النص :
" زوجتك تسرق منك
والولد كذلك!!
وشريكك في الأرض
أخوك وصراف القرية
والتاجر وشيخ الخفراء
وشيخ المسجد
حتى شيخ المسجد يسرق في ركعات صلاته " ص 90
وبسبب هذا التغير إلى لمادة في المجتمع واهتزاز القيم والأخلاق والأعراف الجيدة المتوارثة ، ووجود الفقر والأزمات يلجأ الناس إلى التشدد في الدين كرد فعل وحيلة تعويض
اجتماعية وسياسية واقتصادية ، وبذلك يضع الناص ( عزت الطيرى ) بوعي شديد في مسرحيته السر وراء التشدد في الدين والمغالاة فيه ، أو بيع القيم والنفس والجسد ؛ فكلا الأمرين واحد ، فسيان التشدد في الدين وبيع الجسد ؛ كلاهما تطرف ، فيعلن النص على لسان احد أبطاله مستغربا" مستنكرا"في أن :
" ومن سيصدق أن سميرا" يتدروش
هربا" من جوع وبطالة
أو أن أخاه يبيع النفس البشرية
والجسد الفتان من اجل المال "
ويرجع هذا التردي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى السياسة الاقتصادية غير الحكيمة في هذه الأنحاء فقصب السكر هو المحصول الرئيس الذي يعتمد عليه أهل الجنوب ، والذي يصنع منه السكر ، والسكر سلعة مطلوبة ، وسعره في ازدياد ، ولكن لا يأًخذ من الفلاحين وذلك راجع إلى ما يقوله النص :
" حتى ينفذ سكر تجار المستورد
حتى تنتعش وتنتفخ كروش التجار
ومن خلف التجار" ص94
ولا يصمت النص عند ذلك بل يبين السبب وراء هذا الأمر ، فاضحا" الوضع السياسي الاقتصادي بجرأة يفتقدها العقل الصعيدي فيقول :
إذ أن النواب الأحرار الشرفاء أصحاب البركات
أعضاء في تلك الشركات !!
ولهم فيها أبناء وحوافز وجوائز ومكاسب ومحاسيب ومجاذيب " ص96
وأمام هذا الواقع المريض سياسيا" وإقتصادبأ في الصعيد الجنوبي لا يكون أمام الناس غير التخلص من الأرض ببيعها ؛ فأحمد الذي تسأله خطيبته سلوى الذي باع الأرض ليسافر إلى دول الخليج فيكون رده عليها :
" يا بنت الناس
وماذا اعطتنى الأرض العاقر
غير الذل وغير الدين " ص 141
تعتبر مسرحية (بحيرة الظمأ ) لعزت الطيرى دخولا" في ريف الصعيد الجنوبي وخروجا" منه بنص شعري يمتع النفس ويثير العقل ، ولكن قد سقط منه سهوا" بعض الملاحظات التي يمكن أجمالها في الأتي :
1 - لم يظهر في المسرحية انه حتى الذين يذهبون إلى دول الخليج ويعودون بالمال ، فإنهم لا يستخدمونه في تطوير وتنمية الصعيد في صورة مشاريع أو شركات ، بل غالبا يستخدم في شراء السلاح الألى ، ليستخدم في عادة الثأر واضطراب حركة المجتمع ، أو يُجمد في شراء العمارات في القاهرة و الإسكندرية .
2 - السياسيون في صعيد مصر يخدعون المواطنين ويستغلون العاطفة العرقية والقبلية والدينية فيهم ، وهذا يثبت ويزيد التنافر العرقي و القبلي والديني في الصعيد ، ويعيق بشده حركة تطور المجتمع الصعيدي ،وبعد الفوز في الانتخابات مثلا" لا يعثر للنائب على اثر !!!
3 - كما يؤخذ على الناص عزت الطيرى : انه لم يهمش المفردات ذات البيئة الصعيدية مثل : سلاع ( الشوك في النخيل والأشجار ) وكلمة حراز ( الأفرع الصغيرة في شجر السنط المليئة بالأشواك ) ، وقواديس ( جرار كانت تربط في نوع من السواقي لري الزرع ) ، فالقارىء للعمل ليس حتما" أن يكون صعيديا" بل انه محتمل أن يكون قاهريا" ، أو خليجيا" ، أو مغربيا" وليست في مفردات لهجتهم هذه الألفاظ .
ما يميز هذه المسرحية الشعرية اللغة الشعرية العالية البسيطة الفهم ، التي تجذب النفس ، كما لم يحرمنا الناص من لفتا ته الطريفة والظريفة ، فجاء النص يحمل مضمون قيم وطرافة تناسب عمل مسرحي جيد .
كما يُحمد لعزت الطيرى تقديم إضاءة لأماكن في الجنوب ، من المحتمل انه لم يسمع عنها غير أهلوها ومن جاورهم قبل ذلك مثل ؛ مدينة دشنا ، ومدينة إسنا ، وقرية نجع الحلة .
يتبقى لنا ن نقول بعد هذه الدراسة المختصرة للمسرحية الشعرية ( بحيرة الظمأ ) لعزت الطيرى ) أن نقول : إننا نتطلع ونطمح أن يقدم هذا النص كعمل مسرحي مشاهد ، فسيكون أفضل بكثير جدا" من عروض الكباريهات التي نشاهدها على مسارحنا .
ولنا أن نقول في ختام هذه الدراسة المختصرة ، وليس خروجا" منها ، ولكن دخولا" فيها والخروج منها بسؤال وهو : كيف أن شاعرا" كعزت الطيرى ، بصوته الشعري الممتد إلى جميع أرجاء العالم العربي ، لم يحصل حتى الآن في وطنه ، على أية جوائز من جوائز الدولة ، ذات القيمة المادية والأدبية ...اقلها مثلا" التشجيعية ؟ !!
المفكر والأديب / فؤاد سلطان
نشرت هذه الدراسة فى جريدة خط احمر المصرية بتاريخ 1- /12 / 2010
[1] - من حوار مع صحيفة المصري اليوم عدد 23/ 9 / 2010 ، أجرى الحوار : هبه مجدي وغادة محمد الشريف