أردت أن أتطرق في حديثي هذا عن المناهج النقدية التي مست أدبنا العربي محاولة بذلك رصد أهم ماجاءت به من معطيات و آراء نقدية ، و بهكذا مقاربة حوارية أرجوا التفاعل مع هذا الموضوع لنرى الإيجابيات و السلبيات التي وقع فيها نقادنا بأخذهم لهكذا مناهج.
المنهج الإنطباعي:
في أصله مدرسة فنية تشكيلية ظهرت بين 1874-1886 و هي تحصر وظيفة الفنان في اقتناص انطباعاته البصرية أو العقلية بخصوص موضوع ما ، و ليس في تصوير ذلك الواقع الموضوعي.
تنسب اإنطباعية إلى لوحة فنية تشكيلية و الموسومة ب(انطباعImpression) نسجتها ريشة الرسام الفرنسي كلود موني سنة 1872 .
من أقطابها : بيرث موريس،إدوارد دوغاس،ألفريد سيسلي، أوغست رونوار،كاميل بيسارو.......
ثم انتقلت الإنطباعية إلى النقد الأدبي على أنها منهج ذاتي حريسعى الناقد من خلاله إلى أن ينقل للقارئ ما يشعر به تجاه النص الأدبي تبعا لتأثره الآني و الآتي.
و انتقلت إلى النقد العربي بتسميات مختلفة ( كالمنهج التأثري أو الذاتي أو الذوقي أو الإنفعالي...)و كان ممن تبنوا هذا المنهج الأديب طه حسين فاعتبر بحق زعيم النقد الإنطباعي ، كذلك نجد محمد مندور الذي تظل الإنطباعية الثابت الأساسي في منهجيته .و قد مشاحنات بينه و بين زكي نجيب محمود هذا الأخير الذي يرفض الإنطباعية باتخاذها منهجا أساسيا في تحليل النصوص الأدبية إذ يستند في تحليله إلى العقل، ونجد كذلك إيليا الحاوي و يحيى حقيو غيرهم كثير ممن تأثروا بهذا المنهج.
و عموما فقد تظافرالنقد الإنطباعي مع النقد الصحفي في شكل قراءة حرة و عابرةلنص عمادها الذوقو من جملة خصائصه مايلي:
- محاربة القواعد العلميةو المعايير النقدية الأكاديمية.
- التوسل بثنائية (الحب و الكره) كما سماها جابر عصفور، في الحمك على الأعمال الأدبية تبعا للحالة المزاجية.
- الذوبان في النصوص المعجب بها و التماهي في أصحابها.
- الإسراف في استعمال الغة الإنشائية الشاعرية.
[i]المنهج التاريخي:
ساهمت عوامل عدة في ظهوره :
النقد العلمي الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر،إلى جانب تطور الوعي التاريخي و ظهور الرومانسية في ذات القرن،و لاشك أن كارل ماركس قد لعب دورا رئيسيا في تطور هذا المنهج من خلال فكرة البنى التي اتى بها (البنية الفوقية و التحتية)و قد تلاه جورج لوكاتش و هيجل ، ما يهمني هنا هو ناقدين أساسيين هما:
1 - تين: الناقد الفرنسي و نظريته التي ربط الأدب من خلالها بثلاثة عوامل و هي :
* البيئة: بمعنى الفضاء الجغرافي و انعكاساته الإجتماعية في النص الأدبي
*الجنس أوالعرق: بمعنى الخصائص الفطرية الوراثية المشتركة بين أفراد المة الواحدة المنحدرة من جنس معين.
*الزمان أو العصر: أي مجموع الظروف السياسية و الثقافية و الدينية التي من شأنها أن تمارس تأثيرا على النص.
2 -لانسون: هو الأكثر تأثيرا على تطور هذا المنهج في بدايات القرن العشرين من خلال كتابه "منهج البحث في الأدب" و قد سيطر التقد اللانسوني على النقد الأكاديمي حتى منتصف القرن العشرين حيث بدأ الانفلات من أسر الإنغلاق في التاريخ و العصر و الالتفات إلى النص.
و من النقاد العرب الذين تبنوا هذا المنهج نجد :شوقي ضيف من مصر ، شكري فيصل من سوريا، محمد الصالح الجابري من تونس، عباس الجراري من المغرب، و بلقاسم سعد الله و صالح خرفي و عبد الله ركيبي و محمد ناصر و عبد الملك مرتاض من الجزائرو غيرهم كثير.
من خصائص هذا المنهج:
- الازدهار في أحضان البحوث الأكاديمية المتخصصة التي بالغت في ارتضائه منهجا واحدا لا يرتضي بدلا.
- الربط بين النص الأدبي و محيطه السياقي ،و اعتبار الأول وثيقة للثاني.
- الاهتمام بدراسة المدونات الأدبية العريضة تاريخيا .
- المبالغة في التعميم و الاستقراء الناقص.
- الاهتمام بالمبدع و البيئة الإبداعية على حساب النص الأدبي.
- التركيز على المضمون و سياقاته الخارجية مع تغييب واضح للخصوصية الأدبية للنص.
المنهج النفسي:
كان لنظريات فرويد و استخدام الفن بشكل عام كل الأثر في بلورة هذا المنهج ، حيث استخدم الفنان الذي عُدّ مريضا نفسيا لبرهنة النظريات المتعلقة بالوعي و اللاوعي و العقد ،تطور هذا المنهج بعد ذلك على يد "يونغ" حيث وضع المنهج في إطار الوعي الجمعي. أما "لاكان" فقد أسس ما سمي ب" علم النفس اللغوي".
من النقاد العرب الذين تبنوا هذا المنهج:الدكتور مصطفى سويف و الذي يعد الرائد الحقيقي لهذا الإتجاه و نجد كذلك تلميذه شاكر عبد الحميد ، عباس محمود العقاد ، إبراهيم عبد القادر المازني و محمد النويهي وخريستو نجم و أمين الخولي ........
من جملة خصائص هذا المنهج:
- ربط النص بلاشعور صاحبه.
- النظر إلى الشخصيات في النصوص على أنهم شخوص حقيقيون بدوافعهم و رغباتهم.
- النظر إلى المبدع صاحب النص على أنه شخص عُصابي Névrosé)و أن نصه الإبداعي هو عرض عصابي ،يتسامى بالرغبة المكبوتة في شكل رمزي اجتماعي.
و لهذا المنهج عيوب و مساوئ أوردها في هذه العجالة:
*أهتم بالمبدع على حساب الإبداع(الموضوع الحقيقي لفعل النقدي)
* الربط بين النص و نفسية صاحبه مع الاهتمام المبالغ فيه بمنطقة اللاوعي.
*التسوية بين النصوص الرديئة و النصوص الجيدة .
*الإفراط في التفسير الجنسي للرموز الفنية.
* الاهتمام بالمضمون النفسي للنص (السلوكات و العقد)على حساب الشكل الفني.
المنهج التكاملي:
تختلف تسمياته من ناقد إلى آخر ،فهو المنهج "التكاملي" أو"المتكامل"أو"التركيبي"أو"المركب"أو"المتعدد"أوالت كثر"أومنهج اللامنهج"أو"منهج من لا منهج له"و قد قيل أن الناقد ستانلي هايمن هو رائد هذا المنهجو ذلك في دعوته إلى نقد (تكاملي) ديمقراطي مفتوح من خلال كتابه "الرؤية المسلحة". ولقد بدأت الدعوة العربية واضحة إلى هذا النقد في نهاية الأربعينيات سنة 1948تحديدا على يد سيد قطب و شكري فيصل، كل في مساره النقدي المستقل،و في بداية التسعينات ظهرت قائمة جديدة من رواد هذا المنهج كشوقي ضيف الذي انزاح إليه و الدكتور محمد الصادق عفيفي و الدكتور حسام الخطيب و الدكتور أحمد هيكل........
و هذا المهج يزعم جمعه لجميع المناهج السالفة الذكر ، و لكن هذا مالم نجده عند نقادنا في نصوصهم النقدية.[/i]
موضوع: مناهج النقد الأدبي * دراسة مختصرة * 
الخميس 22 أبريل 2010 - 20:20
