واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 مشكلات النقد التأويلي

اذهب الى الأسفل 
+2
أحمد الهاشمي
سارة عمر
6 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سارة عمر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
سارة عمر


عدد المساهمات : 3690
نقاط : 4949
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 03/04/2010
العمر : 41

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالخميس 22 أبريل 2010 - 21:00


مشكلات النقد التأويلي

د. صلاح صالح


1 - مدخل
العمق التاريخي للتأويل في ثقافتنا العربية يؤهله موضوعيا لاستقطاب ما عجزت عن استقطابه مناهج ونظريات نقدية شتى، على مستوى الأداء النقدي، وعلى مستوى القبول واتساع نطاق التصادي لدى القراء والمهتمين، ويدعمه في أهليته الاستقطابية اشتغال الغرب عليه في مراحل تاريخية مختلفة لم يعن بها المثقفون العرب قبل بلوغ المثاقفة مع هذا الغرب حدودها القصوى الراهنة في خواتيم القرن. ومن المستحسن هنا أن نبرز نقطة أراها مهمّة في إطار التثاقف مع الغرب، نقطة مؤداها أن قدرا كثيرا من الأصول الثقافية والمعرفية تعرض لعمليات عنيفة وحادة من البتر والقطيعة المعرفية مع الحاضر بفعل امتداد عصور الركود إلى ما يربو على الألف عام، ولم نتنبه في حاضرنا إلى قيمة تلك الأصول إلا بعد أن منحها الغرب (المتقدم تقنيا وحضاريا ربما) قيمة ما. وقد اتخذ منح القيمة شكلين أساسيين الأول: اكتفاء بعض أوساطه بمجرد التنقيب والحفر والكشف في مطاوي التراب ومطاوي المخطوطات عما أنتجته المنطقة العربية خلال حقبها الحضارية المزدهرة السالفة. وجاء ذلك في سياق بناء معارفهم المختلفة عن العالم بغض النظر عن الأهداف الفعلية الكامنة وراء بناء تلك المعرفة، إذ لا يخفى عن الجميع - وهذا أمر لا تحتاج معرفته إلى فطنة خاصة - أن كثيرا من تلك المعارف استخدمه الغرب على نطاق واسع في إطار مشروعه التاريخي للهيمنة على العالم بما في ذلك المنطقة العربية لجعلها تابعا وملحقا على المستويين الثقافي، ومنجما للنهب وسوقا لتصريف الفائض ومكبا لمزبلته ونفاياته السامة على المستوى الاقتصادي. ولكن بناء المعرفة يظل بناء للمعرفة أيا كانت السبل التي تستثمر فيها المعرفة. وتمثل الشكل الثاني من منح القيمة في أن الغرب أنتج أنساقا ثقافية كان لها أصولها )الساطعة أو المبهمة( في تراثنا الثقافي القديم، كالسرد الروائي والقصصي ونظريات القراءة والتلقي والتأويل على سبيل المثال، لقد قال دعبل بن علي الخزاعي في خاتمة إحدى مفاخره:
إني إذا قلت بيتاً مات قائله
ومن يقال له والبيت لم يمتِ
فقد تضمن بيته العناصر الثلاثة الأساسية في سياق ما يسمى علم النص، أي العمل الأدبي بوصفه رسالة والمؤلف بوصفه مرسلا أو باثّا، والقارئ (بوصفه متلقيا)، وهذا ما دفع بعض المغالين في التموضع حول الذات السلفية المتنفّجة إلى تأكيد تفوقنا الحضاري وأسبقيتنا الشاملة على الغرب في مختلف الميادين بدليل أن الغرب يتناول ما غفلنا عنه أو أهملناه منذ مئات السنين. ولست هنا لأناقش هذه النظرة المزدوجة للذات والآخر، فقد ذكرتها لمجرد إبراز خصوصية التأويل في علاقته المزدوجة بالأصول المعرفية التراثية العربية والمناهج النقدية الغربية المعاصرة، إن بوسعي القول: إن النشاط التأويلي في الثقافة العربية نشاط مستمر ومطرد منذ أن بدأ العرب ينتجون ثقافة بلغتهم العربية، لقد اتخذ التأويل صفته الممنهجة المنظمة مع نشوء علوم القرآن، ولكن من المستحيل نفي النشاط التأويلي أو الممارسات التأويلية عن حركة التذوق الشعري التي واكبت نشوء الشعر الجاهلي، فمن المستحيل قيام ذلك الشعر الرائع وقدرته على البقاء في الذاكرة الجمعية لأبناء المنطقة العربية وقدرته على تجاوز التخوم الزمنية ثم المكانية، من غير وجود عدد كاف من المتذوقين الذين أعجبوا به وتأملوا معانيه الظاهرة والعميقة وألفاظه وأشكاله. لا شك في أن ذلك النشاط التذوقي الذي يتضمن أشكالا من التأويل أو بعض الممارسات التأويلية، إذا صح التعبير، كان قائما بالضرورة، من المؤكد أن الذاكرة التي احتفظت بالشعر الجاهلي عجزت عن الاحتفاظ بالنشاط التذوقي (المتضمن للتأويل) لكن أصداء مختلفة منه، ونتائج مختلفة أيضا تناهت إلى عصر التدوين الذي تحولت فيه عملية تدوين الشعر والعلوم والتصانيف وعمليات انتخاب المجموعات الشعرية والتعليق عليها وشرحها وتأويل بعضها، وتحول ذلك كله إلى عملية علمية ممنهجة لابد لنا من الاعتراف بأننا الآن ننعم بمختلف نتائجها.
التأويل إذن ينفرد بهذه الخصوصية المزدوجة في علاقته المميزة مع التراث والثقافة الغربية على حد سواء، مع ضرورة الإشارة إلى أن علاقته بالثقافة الغربية لا تزال مقتصرة على نطاق النخب الثقافية والمهتمين المختصين، ولكنه في المستوى الموازي في مستوى علاقته بالأنشطة التأويلية التراثية نجد أنه قد تحول في بعض المناطق إلى ممارسة شعبية بكل ما تحمله العبارة من مدلول.

2 - ما التأويل؟
لابد من حصر توجه هذه المساهمة بمفهوم التأويل الأدبي والسعي قدر الإمكان إلى مقاومة الانزلاق صوب إطاره الديني لاتساع ذلك الميدان وخطورة التخويض فيه، ووقوع حيزه خارج ما نحن فيه قبل أي اعتبار آخر. وقد أشرنا في الفقرات السابقة إلى قدم التأويل وعراقته في ثقافتنا العربية القديمة، فالكلمة ببعدها المعجمي والاصطلاحي قارَّة في مختلف المتون القديمة التي أنتجتها خصوبة الحراك الثقافي الذي كان قائما في عصر التفتح والازدهار.
لا نجد اختلافا ذا شأن بين دلالتي الكلمة من الناحيتين المعجمية والاصطلاحية بل يمكن الذهاب إلى وجود قدر من التطابق بين الدلالتين، ففي لسان العرب: )أول الكلام وتأوله دبره وقدّره، وأوّله وتأوله فسّره، والمرد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ. وجاء في لسان العرب أيضا أن )التأويل والمعنى والتفسير واحد)، وينسب اللسان إلى الليث قوله >التأول والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير لفظه((1).
ونجد في معجم مصطلحات الأدب لمجدي وهبه أن (التأويل interpretation هو تفسير ما في نص من غموض بحيث يبدو اضحا جليا ذا دلالة يدركها الناس، ويعني أيضا في المعجم ذاته إعطاء معنى أو دلالة لحدث أو قول لا تبدو فيه هذه الدلالة لأول وهلة)(2). وجاء في مادة >التأويل الجديد< إنه إعادة النظر في نص ما وتفسيره تفسيرا مختلفا عما سبقه من التفسيرات((3).
وجاء في معجم الأثنولوجيا والأنتربولوجيا على سبيل المثال أن )التأويلية( في الأنتربولوجيا يرجع استعمالها إلى ماكس ويبر الذي تشكل أعماله المصدر الفكري لعلم اجتماع تأويلي من المستحسن - وفق المعجم - تسميته بـ )التفهمي(، وانطلقت هذه الأفكار متأثرة بتفسير ديلثي للنصوص القديمة، من التمييز بين )التعليل( الذي هو سائد في العلوم الطبيعية والذي يعمل على تحديد الظروف الموضوعية لظاهرة ما عبر التفكيك والاستقراء، وبين )الفهم( الذي هو الأداة الأولى للبحث في العلوم الإنسانية التي ينجح من خلالها الفكر العارف في التماهي مع الدلالات القصدية التي هي جوهرية في النشاط التاريخي والمادي لموضوع اجتماعي)(4).
ويقدم الدكتور نصر حامد أبو زيد في (إشكاليات القراءة وآليات التأويل) عرضا كافيا لتاريخ مفهوم )التأويل( في الثقافة الغربية بدءا من شليرماخر الذي يقوم تأويله على أساس أن النص )عبارة عن وسيط لغوي ينقل فكر المؤلف إلى القارئ((5) ويؤكد ضرورة )فهم النص كما فهمه مؤلفه، بل حتى أحسن مما فهمه مبدعه((6) ومع هيدجر يتخذ المفهوم بعده الفلسفي العميق حين يرى أن )فهم العمل الفني والأدبي مهمة وجودية تثري الوجود الإنساني في العالم وفهم الإنسان لهذا الوجود، وإن النص الأدبي - والعمل الفني عامة - لا يفصح عن رؤية المبدع لواقع محدد في لحظة تاريخية محددة تتجاوز - في الفن العظيم - إطار الخاص للعام ولكنه يفصح عن الوجود بمعناه الفلسفي((7)، ويؤكد جادامر أن اللغة لا تشير إلى الأشياء بل تفصح عن نفسها من خلال اللغة(Cool، وينتهي البحث النظري للدكتور نصر حامد أبو زيد بشأن مفهوم التأويل في الثقافة الغربية بالتوقف بقدر واضح من الرويّة عند آراء بول ريكور الذي يرى أن )مهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولا إلى المعنى الباطني الصحيح((9)، مشيرا في الآن نفسه إلى أن المعنى الأول الظاهر والحرفي ليس زائفا، لكنه وسليتنا الوحيدة للوصول إلى المعنى الباطن. وعلى هذا فهدف التفسير وغايته ليس تحطيم الرمز، بل البدء به. إن عملية التفسير تقوم على حل شفرة المعنى الباطن في المعنى الظاهر، وفي كشف مستويات المعنى الباطن المتضمنة في المعنى الحرفي((10).
ويرى ريتشارد كيرني في مقالته حول )مشكلة التأويل النقدي للأسطورة (عند ريكور أن التراثية تعني أن )المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الماضي ليست فاصلا ميتا، بل هي بتعبير ريكور )تحول إبداعي للمعنى( (11)، فالتراث ليس مسألة عقائد راسخة، بل جدل متواصل من الاستمرار والانقطاع يتأكد من تقاليد متنافسة مختلفة، وأزمات داخلية، وانقطاعات ومراجعات وانشقاقات، وما أن نقر بذلك حتى نكتشف بأن في قلب التراث بعدا جوهريا للمسافة، وهي مسافة تدعو باستمرار للتأويل النقدي. وتختلف التأويلية النقدية اختلافا جذريا عن التأويلية الرومانسية في هذه القضية(12).
ويرتبط التأويل لدى أمبرتو إيكو بمسألة القارئ وآليات التلقي، فالتأويل ناجم عن أن )النص يمثل آلية كسولة (أو مقتصدة) تحيا من قيمة المعنى الزائدة التي يكون القارئ قد أدخلها إلى النص(، والنص بقدر ما يمضي من وظيفته التعليمية إلى وظيفته الجمالية فإنه يترك للقارئ المبادرة التأويلية، حتى لو غلبت فيه الرغبة بعامة في أن يكون النص مؤوَّلا وفق هامش من الأحادية)(13)، فالقارئ عند إيكو أيضا (يقارب النص انطلاقا من منظور أيديولوجي شخصي يقوّم جزءا من موسوعته حتى وإن كان غير مدرك لذلك((14).
يبدو ما عرضناه آنفا فائضا عن حاجة البحث، ولكنه مناسب - إن لم يكن ضروريا - لمعاينة ما يبدو على صورة مشكلة في المشهد النقدي العربي الراهن، ولي الآن أن أستخلص ما يمكن أن نطلق عليه السمات العامة الكبرى أو التقاطعات لمجمل التعريفات والآراء التي عرضتها بإيجاز شديد، ولكن بدلا من هذه العملية المدرسية التي يتسم إجراؤها بالآلية والحياد والبرود، وربما يقدر من الجبن أيضا - سأقدم تصوري بصفتي قارئ نصوص ومشتغلا على نصوص سردية وشعرية ومسرحية عربية مختلفة. وعلى ذلك فالتأويل طريقة أو منهج للفهم والتفسير والتقويم الجمالي، وليس نظرية نقدية مرتبطة بنظرية فلسفية أو أيديولوجية أو موقف فكري فلسفي متكامل من العالم إذ يمكن أن يمارس التأويل أفراد أو نقاد أو دارسون يلتزمون مشارب ومواقف فكرية متباينة، وكل منهم يمارس عملية تأويله للنصوص بما ينسجم مع موقفه أو توجهه الفلسفي الأيديولوجي.
إن أهم ما يتسم به التأويل في طريقة بنائه أنه نتاج تأمل كالفلسفة لكنه ليس فلسفة، إن إخضاع نص ما لعملية تأويل يعني منحه قيمة فعلية مسبقة إذ لا يمكن تأويل نص سطحي. والتأويل طريقة أفضل للفهم لأنه لا يكتفي بحدود الرؤية السائحة على السطح بل يسعى - لكي يكون تأويلا - إلى الغوص في الأعماق وقراءة ما يختبئ في ظلال الكلمات وما بين السطور وفي الفجوات المتروكة موضوعيا في أي نص أدبي، وهو من هذا الجانب أيضا يمنح النصوص عمقها المناسب وقيمتها الفعلية التي يمكن أن تحجبها عنها القراءة السطحية أو المستعجلة، فالنص في هذا السياق يمكن تشبيهه بخزانات ذات أرفف وأدراج ملأى بالموجودات، فتكتفي القراءة الأولية بفتح الخزانة وتعرف ما تراه العين في الواجهة، ولكن عملية التأويل في هذه الحالة تعني التنقيب والتفتيش في مختلف الزوايا المعتمة الميتة، وفي ثنايا الموجودات المخزنة أيضا، ويحدث كثيرا أن تكون الأشياء الثمينة مخبأة بشكل جيد. إن لم نقل: إن القاعدة في خزن الأشياء الثمينة تقتضي تخبئتها بشكل جيد.
ووفق هذه الرؤية تستطيع عملية التأويل بوصفه تنقيبا وتفتيشا في كل شيء أن تحل مسألتين نظر إليهما كثيرون بوصفهما معضلتين:
تتمثل الأولى في أن الناقد (الدارس المؤول) المنقب في هذه الحالة يعثر على أشياء يراها ذات قيمة في الوقت الذي يعتقد فيه على نطاق واسع أن المؤلف الحقيقي للنص لم يكن يراها كذلك أو ربما كان يقصد خلاف ما يراه المؤول، وهذه المفارقة القائمة بين رؤيتي المؤلف والناقد لا تحلها فقط ما يسمى نسبية النظرة أو زاوية الرؤية ووجهة النظر، فما يراه سواي لا يعني أن على رؤيتي أن تكون مطابقة لرؤيته بالضرورة، فمثل هذه المطابقة مستحيلة حتى في الرؤية البصرية للأشياء الجامدة، ما لم تكن المطابقة كاملة في الموقع أو الزاوية التي تنطلق منهما عملية الرؤية. فبالإضافة إلى اختلاف وجهة النظر بين القارئ (الناقد) والمؤلف يمكن أن يكون المؤلف قد وضع في نصه أمورا لم يستطع عندما وضعها تقدير قيمتها الفعلية فيأتي من يفعل ذلك بكل بساطة، كما في مثال الكيميائي الذي يسعى لإنتاج مركب ثمين ما، ويفشل في مسعاه ويحدث أن ينتج خلال بحوثه مركّبات أخرى، لا تعنيه في حينها، وقد يفشل في إدراك قيمتها الفعلية، إلى أن يأتي من يفعل ذلك في وقت لاحق. وفي تراثنا الثقافي العربي يُؤثر عن المتنبي قوله المشهور في تفسير معاني أبياته، على رغم اعتداده الشديد بنفسه وبشعره: (اسألوا ابن جني فهو أدرى بشعري مني) إدراكا عميقا منه أن الناقد المؤوّل يستطيع أن يرى في النص ما يعجز صاحب النص نفسه عن رؤيته.
وتتمثل الثانية في أن نصوصا عديدة لم تستطع أن تكتسب قيمتها إلا في وقت لاحق، ونصوصا أخرى عجزت عن اكتساب القيمة في مكان ولادتها، ثم اكتسبتها في مكان آخر أو أمكنة أخرى، ويحدث العكس أحيانا أن تتمتع نصوص كثيرة بقيمة مؤقتة مكانيا وزمانيا سرعان ما تتبدد بمجرد تغير أحد الظرفين، أو تغير الظرفين معا.
إن هناك مفارقة مختزنة عبر النصوص الأدبية، فلدينا دائما نصوص مهمة الآن، وكانت غير مهمة فيما مضى، ونصوص لا قيمة لها في موطنها الأصلي، بينما اعتبرت ذات شأن عظيم في أماكن أخرى، ألم يحدث هذا لواحد من أهم المؤلفات في تاريخنا الثقافي، أي )ألف ليلة وليلة( التي بقيت مهملة في ثقافتنا العربية قرونا عديدة إلى أن بدأنا - بعد أن حظيت بإعجاب الغرب - نمنحها بعضا من قيمتها عبر مختلف أنماط القراءة التأويلية؟ ألم يحدث هذا أيضا لرباعيات الخيام؟ وإذا جرينا وراء الأمثلة فسوف ينحرف البحث عن مساره، فالمهم أن النص الذي يشبه الخزانة يستطيع مؤلفه أن يخبئ فيه كثيرا من الأمور التي يعجز أهل زمنه - وربما أهل وطنه - عن اكتناهها واكتشاف قيمتها في وقت إنتاجها، فيأتي من يستطيع ذلك في وقت لاحق ومكان آخر، أو في المكان نفسه دونما فرق، ولا يكون ذلك بغير القراءة التأويلية، إن ما يسمى بالتأويل الجديد، لا يعني أكثر من إعادة فتح للنص - الخزانة أو (الصندوق) ذاته للتعرف على محتوياته في ضوء مستجدات العصر الجديد، وللبحث مرة أخرى ومرات أخرى عما يمكن أن يكون مخبأ فيه، اعتمادا على طرائق جديدة أكثر فاعلية في البحث والكشف.
وفي حال قبول الفرضية الذاهبة إلى أن الأشياء التي يزعم المؤوِّلون أنها كانت مخبأة في النصوص، وأن لهم فضل اكتشافها أو اكتشاف قيمتها، أنها أشياء لم يكن المؤلف قد وضعها أو تقصد شيئا مما يدعيه المؤولون، فالرد التأويلي قائم في أن الزخم الإبداعي الجمعي لعصر ما قادر على أن يبث نفسه في نصوص المبدعين حتى لو لم يكن أولئك المبدعون يعون ما يدسه العصر ويبثه في ثنايا نصهم الإبداعي، لقد قال رامبو مرة: )أنا لا أفكر.. أنا موضع يجري فيه التفكير( وبهذا المعنى نجد أن النص الأدبي بوصفه وجودا لغويا لا يتشكل فقط من مجرد الفعالية الواعية للمبدع، بل نجد أن الطبيعة الموّارة لعصور الإبداع والتفتح متمثلة عبر المحيط الثقافي - الاجتماعي الذي يؤطّر إبداع المبدع ويحتضنه ويرعاه، يستطيع أن يتمثل عبر غير طريقة في نص عظيم حتى لو لم يكن مؤلفه يعي كل الوعي ما اختزنه نصه من دقائق وتفاصيل، من غير أن نذهب إلى إسقاط دور الوعي الفردي إسقاطا كاملا على طريقة رامبو، وسواء أأطلقنا على العملية - أي عملية تمثيل العصر، أو عملية تمثل إبداعات الآخرين عبر العمل الإبداعي المتسم إنتاجه بالفردية - عملية الإبداع الجمعي بحسب تسمية بعض علماء الجمال الماركسي أم أطلقنا عليها أي اسم آخر. وبالإضافة إلى ذلك نجد أن الكلمة عندما تدخل )في نسيج الشعر تصبح دالا لمدلول آخر يختلف عن المدلول المتعارف عليه( بحسب تعبير جاكوبسون(15) وتصبح مهمة التأويل عندئذ مجرد البحث عن هذا المدلول الآخر حتى لو جرى البحث في أمكنة أخرى وأزمنة أخرى. إن لغة الشاعر، والشاعر أديب بطبيعة الحال )لغة تخرج عما ألفه الناس فلغته أصلية أولية، ولغة الناس ليست إلا صدى ساقطا لهذه اللغة الأوّلية. لكن هذا السقوط منغرس في النفس إلى درجة تبدو معها الغرابة أنها تأسيس للغة جديدة((16)، والتأويل في هذه الحالة وسيط مزدوج أو متعدد الأبعاد، بين النص والناس، بين النص وعصره، وبين النص والعصور الأخرى، والأمكنة الأخرى، بالإضافة أيضا إلى مثوله في اللغات الأخرى عبر قنوات الترجمة.

3 - مشكلات التأويل في النقد
ربما كانت الفقرات السابقة ترشح بقدر من التحيز والحماس للتأويل بوصفه مجرد طريقة لمقاربة النصوص وفهمها وتفسيرها تفسيرا عميقا، ويبدو بهذا المعنى مفهوما فضفاضا يفتقر إلى وضوح المعالم ودقة الحدود، بحيث يصبح كل تجاوز للقراءة السطحية المبسطة تأويلا، ولكن ممارسة المواجهة مع النصوص ومحاولة استنطاقها واستبطانها، وعند تأمل الدرس النقدي العربي في سيرورته التاريخية، تبرز قضايا جوهرية على صورة مشكلات تنخر في جسد المفهوم أو تحف به وتنوشه من الخارج.
ويبدو الحديث عن مشكلات جوهرية مُبتلى بها التأويل ضربا من التناقض (الصوري) إذا اقتصر ما ذكرته في الصفحات السابقة على مجرد الحماس والانحياز باتجاه المفهوم. ولكن المنهجية العلمية التي يفترض أن يلتزمها الدارس أو الناقد تقتضي التخويض المزدوج في ما للمفهوم وما هو عليه، إن هناك فرقا جوهريا بين الناقد والمؤلف يقوم على أساس أن الكاتب يعمل بواسطة مفاهيم، في حين يعمل الناقد بواسطة إشارات، والفرق بين المفهوم والإشارة هو أن الأول يحاول أن يكون شفافا تجاه الواقع في حين يتقبل الآخر لا بل يفترض به ألا يكون شفافا، أضف إلى ذلك أن ما كان إشارة عند الكاتب (العمل الأدبي) يصبح معنى عند الناقد، ومن هذا المنظار يعد جاكوبسون النقد الأدبي نشاطا بنيويا(17).
3 - 1: مشكلة تاريخية - عربيا
لعلاقة التأويل مع التراث العربي الإسلامي بأجناسه المعرفية كافة خصوصية شديدة الفرادة قل مثيلها بالنسبة إلى الثقافات الأخرى، فهو من الناحية الدينية التي لم نتطرق إليها إلا على سبيل التمثيل العابر أدى التأويل إلى انشقاقات وشروخ مذهبية حادة لم يمنعها أو يخفف حدتها اتفاق الجميع على حرفية النص القرآني. وقد استطاع الاختلاف في القراءة والتأويل والفهم أن يمد عصور الازدهار الحضاري في القرون الأربعة أو الخمسة الأولى بالثراء والتنوع والغنى بوصفه حراكا فذا للعقل ورفضا لمبدأ السكون والركون، ومحاولة للتجاوز والخلق، وتحريكا ضروريا كان لا بد منه لمقاومة الاستنقاع والركود. ولكن ما كان ثراء وغنى وحراكا ونموا مطردا للبحث عن الحلول، وما كان قبولا للآخر على أرضية الندّية وقاعدة عدم الإلغاء تحوّل في عصور الركود والتخلف إلى التكفير والقتل الجماعي على الهوية. نعم إن كل القتل الفظيع والمجازر الجماعية المروّعة التي نشهدها الآن على أسس مذهبية وطائفية تستند إلى فرق شديد الضآلة والهشاشة في عملية تأويل قام بها مجرد )شخص ما( لا يتمتع بعصمة أو قداسة، منذ ما يقارب أو يزيد على الألف عام.
أما على الصعيد الأدبي الذي نحن بصدده فمن الطبيعي أن الأمور لم تصل يوما إلى ما هو أبعد من الخلاف الذي انحصرت دلالته في الغنى والتنوع والثراء، وهذا هو الفرق الحاسم بين الأدب والفن من جانب أو ما سماه )حنا عبود( علم الاقتصاد الأدبي من جانب والسياسة والمصالح الاقتصادية أو الاقتصاد السياسي من جانب آخر(18).
وعلى رغم ذلك كان التأويل تاريخيا بوصفه قراءة متأنية عميقة غير سطحية للنصوص على قدر واضح من التباين والخلاف مع معظم الموروث الشعري (الأدبي) العربي، وخصوصا في الجاهلية وصدر الإسلام وصولا إلى العصر الأموي ومطلع العصر العباسي، فالبلاغة الشعرية العربية أو بالأحرى مفهوم الشعرية آنذاك كان يرتكز على مبدأ الجلاء والوضوح، والقدرة على إيصال الفكرة والمعنى بأيسر السبل وأكثرها جلاء وسطوعا، لقد كانت الشعرية تعني الإفحام الشديد وعدم ترك أي ثغرة في منطق الخطاب، لا مجرد الإقناع، وتعني الإبهار والإدهاش لا مجرد الإضاءة وتخليق العوالم الجميلة، وهذا ما يعني بالضرورة نفي الحاجة إلى التأويل، وإلغاء مبدأ التأويل من أساسه. فالشعر عندهم مجرد بيان، و)علم البيان( يتصدّر بقية علوم البلاغة التراثية، والبيّن الساطع الجليّ المفحم المدهش لا يحتاج بطبيعته إلى أي نوع من التأويل، لقد قالت العرب قديما )خير الكلام ما قل ودل( وجعل ابن قتيبة شرف المعني ووضوحه وجلاءه مع اقترانه بما حسن لفظه ومعناه )ضربه الأول من ضروب الشعر الأربعة المعروفة(. والأبيات التي وصلنا أنها كانت تستقطب الإعجاب هي تلك الأبيات التي لا يطرح معناها أي لبس، والتي يفهمها القاصي والداني بمجرد الاستماع إليها، سواء تعلق الأمر بمجرد تصوير الطبيعة كما في بيت أوس بن حجر:
دان مسفٌّ فويق الأرض هيدبه
يكاد يدفعه من قام بالراح
أو تعلق الأمر بطرح حكمة أو فكرة ذات طابع فلسفي كالحكم المشهورة في معلقة زهير أو بعض الحكم في معلقة طرفة مثل:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ
نعم هذا الموقف الجمالي من الشعر العربي القديم هو الذي كان سائدا لدى من كان يطلق عليهم اسم العامة ولدى قدر غير قليل ممن كان يطلق عليهم اسم الخاصة )علماء اللغة( على قدر من التخصيص. فقد رفض البلاغيون القدماء على سبيل المثال قول الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملكا
أبو أمه حيّ أبوه يقاربه
فإذا جاوز القول الشعري حدا من الانحراف أفضى به إلى التعقيد والاستغلاق، وأثار عند المتلقي رفضا ونفورا بدلا من أن يثير انتباهه((19).
ولكن، في المقابل ألم يكن لدينا أي شكل من أشكال الاستحسان للشعر الذي يحتاج معناه إلى تأمل وإمعان نظر عميق؟ ومن الصعب أو المستحيل اقتراح إجابة قطعية على مثل هذا التساؤل، لأن كتب الأدب التي ألفت إثر عصر التدوين لم تسلط الضوء الكافي على ما يمكن أن نسميه أنشطة التلقي والذائقة العامة في تلك الآناء، أو الآناء التي سبقت عملية التدوين، ولكن هناك تفاصيل مهمة وسجالا ساخنا دار بمجمله حول مسائل التأويل وطلب التعمق والإمعان في قراءة النص الشعري، انطلاقا من الحركة النقدية التي قامت حول شعر أبي تمام ككتابي الصولي والآمدي على سبيل المثال.
إن عبارة أبي تمام ردا على من اتهم شعره بالاستغلاق على الأفهام حين قيل له )لماذا تقول ما لا يفهم؟ فأجاب ولماذا لا تفهمان ما يقال؟ (هذه العبارة تشكل علاقة فارقة في سياق النشاط التأويلي للمتلقي على مستويي التذوق وإنتاج النصوص المشتغلة على الشعر (20)، ولم يقتصر النشاط التأويلي على ما تلا عصر أبي تمام بل اتسع ذلك النشاط وامتد أماما وخلفا من الناحية الزمنية، فأعاد إلى بؤرة الضوء نصوصا تأسيسية عديدة في الشعر الجاهلي وغير الجاهلي، واستطاعت هذه الدراسات المعاصرة في القرن العشرين أن تنجز فتوحا وكشوفا مهمة للغاية في قراءة شعرنا القديم، لقد أنتجت فروقا معرفية ذهب بعضها في سياق تسويغ (أو تفسير) قدرة تلك النصوص على تجاوز تخوم الزمن والبقاء حية في الذائقة الجمعية لابن المنطقة العربية ما يقارب ألفي عام. وذهب معظمها في إنتاج قيم أو معان يراها البعض فائضة عن واقع النصوص القديمة أو مدسوسة فيها بفعل الإمكانات المنهجية والمعرفية الجديدة التي أتاحها العصر، ومن وجهة نظري: إن هذه القراءات المعمقة في إطار التأويل استطاعت أن تكشف المعاني الخفية المخبأة وأن تستطيع استنباتها وجعلها تتصدر سلم القيم المختزن في تلك القصائد، من غير أن نذهب إلى اتهام الأجيال السالفة بمحدودية الفهم وقصور الرؤية، فلو لم تكن تلك الأجيال، على مر العصور، ترى في تلك النصوص ما يؤهلها للحياة والسير فوق حواجز الزمن لما احتفظت بها كل هذه القرون وأوصلتها إلى زماننا الراهن.
والأمثلة في نتاجنا الثقافي العربي المعاصر عديدة ووافرة، منها على سبيل المثال لا الحصر بحوث يوسف سامي اليوسف في المعلقات ومقالاته حول الشعر الجاهلي وعلى الأخص دراسته عن الذئب في ثلاث قصائد من الشعر العربي في مراحل مختلفة، مقارنة بالذئب في قصيدة ألفرد دوموسيه. الذئب في لامية الشنفرى وفي قصيدة الفرزدق (النونية) ثم في دالية البحتري التي تضم بيته المشهور في وصف الذئب:
يقضقض عصلا في أسرّتها الردى
كقضقضة المقرور أرعده البردُ
ومما خلص الباحث إليه من وجهة النظر التأويلية أن الذئب في لامية الشنفرى كان الشنفرى ذاته بالمعنى العميق للعبارة.
ومنها على سبيل المثال أيضا قراءات أدونيس في التراث العربي القديم واضعا أنساقه النظرية في كتابه )زمن الشعر( ثم )الثابت والمتحول( وواضعا نتائج قراءاته التأويلية الخاصة جدا في منتخباته من الأدب العربي القديم )ديوان الشعر العربي( و)ديوان النثر العربي(.
ومنها أيضا بحوث الدكتور وهب رومية في رحلة القصيدة الجاهلية وقصيدة المدح وعرضه للشعر القديم في ضوء النقد الجديد مبرزا آراء الباحثين الذين تعاملوا مع ذلك الأدب تعاملا معمّقا يسير في إطار التأويل، فيقف عند رأي الدكتور علي البطل في قصة الثور الوحشي وهي القصة أو الصورة الأكثر تواترا في الشعر الجاهلي فيرى )أن الزمن في تلك القصة يرتبط بالعلاقة الأسطورية - والطبيعية - وأيضا بين الشمس والقمر، إذ يبدأ الصراع من الضوء الأول في الصباح حيث يتغلب ضوء الشمس على ضوء القمر((21)، وسوف نعود إلى قصة الثور الوحشي في فقرة لاحقة. ويقول د. وهب رومية معلقا حول خواتيم معلقة امرئ القيس(: )إن هذه القدرة الجبارة على البطش والتدمير والخراب هي صورة رمزية لقدرة الدهر الذي عبث بعقل الشاعر الجاهلي وأشقاه، فكان يراه خصما غاشما جبارا لا قبل لأحد به. فصورة الطوفان هنا هي صورة الدهر التي تتكرر في الشعر الجاهلي، ولاسيما في مواقف الرثاء والتأمل((22)، وهو بذلك يقول خلاف ما يقوله يوسف سامي اليوسف حول المغزى العميق من جعل الأبيات المخصصة لوصف المطر تأتي في خواتيم المعلقة لا في وسطها أو مقدمتها، حيث يربط ذلك بالذاكرة الجمعية العربية المفجوعة بالقحط وموجات التصحر التي كانت تتواتر في مختلف بقاع الجزيرة العربية منذ ما يقارب العشرة آلاف عام، ومع كل موجة قحط كانت موجة بشرية ضخمة تغادر الجزيرة شمالا إلى غير عودة، لينتج عن ذلك حس جماعي فريد بالفجيعة الأبدية استمر مبثوثا في وجدان الأجيال الخالفة التي أرّقها الصراع الأبدي بين القحولة والخصوبة، فكان مجيء أبيات المطر في خواتيم المعلقة - وفق يوسف اليوسف - تجسيدا لذلك الرجاء الضئيل الضئيل المتجذر عميقا في الزمن والمنتشر في كل مساحات المكان. الرجاء بقدوم أزمنة الخصوبة التي لا يمكن أن تأتي إلا عبر المطر(23). لابد من الاكتفاء بهذا القدر من الأمثلة، فهي عديدة وكثيرة كما أشرنا، والمهم أن تاريخ الشعرية العربية لم يكن جميعه محكوما بحصر الشعرية العربية في روعة البيان والسطوع والوضوح والجلاء، وهذه مفاهيم - معان تنفي الحاجة إلى التأويل، بل كان إلى جانب ذلك، ذلك الشعر العظيم الذي يرتكز على أساس أن الشعرية تعني أيضا تخليق مختلف العوالم السرية الغامضة، وتعني رؤية العالم رؤية تنفذ إلى ما يكمن وراء الظاهر الزماني الراهن ووراء المكان أيضا. وتعني في جملة ما تعنيه أيضا روية العالم عبر غلالة من الضباب، أو الغمام، أو الغبار، أو السراب بحيث تستطيع مثل هذه الرؤى أن تلهب المخيلة وتحرضها على المشاركة في إنتاج المرئي، خلافا للمشهد الذي يقتل المخيلة إذا رأيناه فقط في ضوء الشمس الساطعة، من غير أن يغيب عن الذهن في هذا الإطار أيضا ما يمكن أن نسميه شعرية التأمل في بواطن العالم وبواطن الذات بشكل متوازٍ، وجدت خير تمثيل لها في الشعر ذي الطابع الفلسفي لدى أبي نواس والمتنبي والمعري ثم لدى الشعر الصوفي الذي قام على أساس مضاعف من التأويل، فهذا الشعر مارس الرؤية التأويلية للعالم والذات في علاقتها المتشابكة مع العالم ومع الخالق ومع الذات الأخرى، وهو شعر يبدو ناقص القيمة إذا لم يقرأ عبر مختلف آليات التأويل.

3 - 2: حدود التأويل وارتباطه بالكيف والكم
يُمكن النظر إلى هذه المشكلة على أساس أنها تنتاب صميم المفهوم ذاته من الناحية الجوهرية، إذ تنجم عن محاولة الإجابة عن سؤال بسيط بقدر ما هو جوهري، وهو: متى يصير التأويل تأويلا؟ متى يتحول التفسير والفهم والشرح إلى تأويل من ناحية بدء الحد، ومتى يكف التأويل عن أن يكون تأويلا من ناحية نهاية الحد وختامه؟ والإجابة المتمثلة بأن تحديد بداية دقيقة ونهاية دقيقة لحدود مفهوم ما في العلوم الإنسانية هو تحديد متعذر الحصول، بسبب التداخل الشديد على صعيد العلوم الإنسانية كلها بين الـ (ما قبل) والـ (ما بعد)، وبين الـ (هنا) والـ (هناك)، وما شابه ذلك. إن مثل هذه الإجابة تجسيد فعلي للمشكلة وليست حلا أو سعيا باتجاه الحل. وهذا سؤال يطرح ذاته لدى مواجهة أي نص نقرؤه، إلى أي مدى نستطيع الاستمرار في ممارسة عملية التأويل؟ وما النقطة التي يفترض أن نتوقف عندها من أجل ألا يخرج التأويل عن حدوده الفعلية التي يحتملها النص، فلا تشكل نوعا من الافتراء عليه، وتحميله فوق قدرته على الاحتمال؟ وقد تناول أمبرتو إيكو جوانب مهمة من هذه المسألة في سياق ما سماه (التأويل المضاعف للنصوص)، حيث يرى أن )النص ليس مجرد أداة تستعمل للتصديق على تأويل ما، بل هو موضوع يقوم التأويل ببنائه ضمن حركة دائرية تقود إلى التصديق على هذا التأويل من خلال ما تتم صياغته باعتباره نتيجة لهذه الحركة، إن التعرف على قصدية النص هو التعرف على استراتيجية سيميائية((24).
ونجد مسألة الاختلاف في حدود التأويل قائمة على مستويي الفهم النظري والقراءة التطبيقية للنصوص، ففي مستوى الفهم النظري، يرى القاضي الجرجاني في كتاب (التعريفات) أن التأويل في الشرع هو )صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنّة مثل قوله تعالى: )يخرج الحيّ من الميت( إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر، أو العالم من الجاهل كان تأويلا(25). وهو عند ابن رشد )إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوّز من تسمية الشيء بشبيهه((26). ففي حين يدرج ابن رشد أساليب المجاز داخل نطاق التأويل نجد الجرجاني يغفل هذه المسألة من ناحية تسميتها بشكل صريح على رغم أنه يعتمدها في تفسيره لمفهوم التأويل. والتأويل عند ليبنز )مرادف للاستقراء، وهو البحث عن علل الأشياء للارتقاء منها إلى العلة الأولى، وهي الله، وما يسميه الفيلسوف استقراء يسميه اللاهوتي تأويلا. والغرض من الطريقتين معرفة بواطن الأشياء((27). بينما نجد أمبرتو إيكو يضع أربعة معان مختلفة للتأويل: )الحرفي والاستعاري والأخلاقي والأناغوجي((28) الذي يعني التأويل الباطني للنصوص الدينية.
ربما تبدو هذه الفروق الدقيقة على مستوى التعريف النظري مضللة، ولا تسعف القارئ بما يجعله يلمس الفرق بصورة فعلية بين حد للمفهوم وحد آخر للمفهوم نفسه، خلافا لما يحدث عند ضرب بعض الأمثلة التطبيقية لقراءة بعض النصوص، كما نجد في شعر أبي تمام وشعر أبي نواس والمتنبي والمتصوفة على وجه التخصيص، فعلى سبيل المثال يمكن أن تُقرأ هذه الأبيات في الخمرة لأبي نواس على أساس أنها مجرد أبيات في وصف الخمرة، وأنها تندرج ضمن ما وُسم به شعره من فسق ومجون:
معتَّقة صاغ المزاج لرأسها
أكاليل درّ ما لناظمها سلكُ
جرت حركات الدهر فوق سكونها
فذابت كذوب التبر أخلصه السبكُ
وقد خفيتْ من لطفها فكأنها
بقايا يقين كاد يذهبه الشكُّ
ولكن ما تضمه هذه الأبيات من مصطلحات فلسفية، كـ )حركات الدهر، والشك واليقين، والحركة والسكون( وما فيها من إحالات إلى بعض العبارات ذات الطابع اللاهوتي كـ )اللطف الخفي( يستدعي قراءة تأويلية تخرجها بشكل كامل من عدّها مجرد فسق ومجون ومخالفة لحدود الشريعة إلى رحابة النظرة الفلسفية للإنسان وعلاقته بالكون. وعلى ذلك يمكن نفي التأويل عن القراءة التي تأخذ بظاهر النص، وتثبيته للقراءة التي تجعل الأبيات تتجاوز ظاهرها إلى جعل وصف الخمرة مجرد مطية (ملائمة) ركبها الشاعر ليتحدث عن المفارقة بين الحركة والسكون بالمعنى الفلسفي العميق، وكيف يستطيع السكون الظاهري للخمرة المعتقة أن يظل قائما تحت )حركات الدهر(، وسكونها من هذه الناحية يختزن كل ما يمكن أن تختزنه حركات الدهر من زخم وقوة وعنف وتغير، وهذا السكون الباطني العميق، يستطيع من هذه الزاوية بالتحديد أن يحدث التغيير النوعي الحاسم لمن يتناول الخمرة التي تعتّق سكونها، أو تعتّقت ساكنة تحت حركات الدهر العتيق.
لا شك في أن هناك من يرى أن هذه القراءة التأويلية - على رغم سرعتها - ضاعفت عملية التأويل، أو راكمته إلى الدرجة التي جعلته يخرج بالنص عن مساره الفعلي الذي كان يريده الشاعر، أو الذي نظن أن الشاعر كان يريده فعليا. ومن هذه الناحية يمكن أن يتحول (كم) التأويل إلى (كيف) من خلال مراكمة عمليات التأويل. سواء قبلنا بمبدأ المراكمة، أو رفضنا مبدأ التأويل من أساسه.
وإذا تأملنا صورة السيف في مطلع قصيدة أبي تمام المشهورة في فتح عمورية:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهنّ جلاء الشكّ والريبِ
نجده يتجاوز عدّه مجرد سلاح، إلى تحميله بعدد كبير من المداليل كجعله عنوانا أو رمزا لليقين بوصفه قابلا للمسك باليد، وبوصفه مصنوعا من الحديد المقسّى، مقابل هشاشة كتب المنجمين المصنوعة من الورق الهش، ورمزا للوضوح والصراحة والمباشرة مقابل الشكوك التي يمتلكها الجيش على الأرض، ورمزا للصدق والبياض والضوء من خلال توكيد بياضه مقابل سواد كتب المنجمين شكلا بوصفها مسودة بالحبر، وسوادها مضمونا بوصفها لا تضم إلا المستغلق على الأفهام. ويمكن الزعم بأن هذه القراءة (التأويلية) قراءة مقبولة على أساس أنها لم توغل في الابتعاد عن ظاهر النص، وبقيت في حدود ما تشي به مفرداته. ولكن عندما نقارنها بصورة موازية عن السيف لدى شاعر صيني اسمه (لي هي) عاش في الفترة نفسها التي عاش فيها أبو تمام أو قبلها بأقل من خمسين عاما، نجد أحد الباحثين الصينيين يرى في السيف أمورا أخرى كثيرة، فالشاعر الصيني )لا يستخدمه بمجرد روح فروسية، بكل لكي يسبر أغوار سر الأساطير المتعلقة بهذه الصورة، إنه يضحك من أولئك الذين هم قادرون على حمل السيف على غيرهم لكنهم لا يعرفون أبدا كيف يتأملون أنفسهم فيه، يتخذ السيف معاني متعددة فهو رمز قضيي (بحسب التراث التاوي) ورمز للموت (وبحسب التراث التاوي أيضا: السيف يحل محل الجسد الجامد الذي يتركه الميت) ورمز تحدّ لأمر خارق (قتل التنين) ورمز التحول (السيف يتحول هو نفس إلى تنين)((29). وكل هذا قرأه الناقد من ضمن أبيات قليلة جدا تتحدث عن نمط من أنماط الرقص بالسيوف. وفي سياق التمثيل الذي أقامه أمبرتو إيكو على الأنواع الأربعة للتأويل يختار عبارة واحدة من الكتاب المقدس هي: )حرفيا (أبناء إسرائيل خرجوا من مصر زمن موسى) وهي تعبّر استعاريّا عن الخلاص على يد المسيح، ومعناها الأخلاقي هو اهتداء الروح التي تنتقل من حالة الخطيئة إلى حالة العفو، وأخيرا إذا أردنا معناها الأناغوجي فهو يعني تحرر الروح المقدسة التي تنتقل من عبودية الفساد إلى حرية النصر الأبدي((30).
ولا يقتصر الأمر على قراءات الباحثين المتخصصين، بل يتجاوزه إلى مستوى التدريس الجامعي في الحلقات الجامعية الأولى (في الجامعات السورية)، فمن الصور المتواترة كثيرا في الشعر الجاهلي صورة المعركة بين الثور الوحشي وكلاب الصيد، وتأتي الصورة في سياق الحديث عن رحلة الشاعر في الصحراء، وفي سياق امتداحه لناقته وفرط نشاطه وقوتها وقدرتها على التحمل، وما إلى ذلك. فيقرأ الطلبة هذه الصورة المتواترة على ثلاثة مستويات: الأول ينحصر في تصوير مشهد من مشاهد الحياة البرية في بوادي الجزيرة العربية، ومن مهمات الفنان - والشاعر فنان بطبيعة الحال - تصوير العالم الذي يعيش فيه. والثاني: جعل الثور مشبها به للناقة (المشبّه) داخل العلاقة البلاغية المعروفة مدرسيّا بين المشبه والمشبه به، فالشاعر عندما يريد أن يبرز قوة ناقته وفرط نشاطها على رغم كل المسافات الشاسعة التي سلكتها، كان يشببها بالثور الوحشي وهو في أفضل حالاته قوة ونشاطا، ولا تتوافر هذه الحالة بصورتها المثلى إلا عندما تكون حياته مهددة بالخطر الفعلي الذي يتجسد عبر هجوم كلاب الصيد التي يطلقها الصيادون لصيده، فيبذل فوق ما لديه من قوة ومن نشاط ليبقى حيا. والثالث: جعل الثور معادلا رمزيا للشاعر نفسه، فعندما تبدأ قصة الثور الوحشي تختفي الناقة بصورة كاملة على رغم أن القصد الظاهر من ذكر الثور هو مجرد إبراز قوتها ونشاطها، ويتحمس الشاعر حماسا زائدا عن الحدود المألوفة في وصف المعركة المصيرية بين كلاب الصيد والثور، فكأن الثور يمثله فعليا، لا رمزيا فقط، وهذا ما نجده بصورة جلية في معلّقة النابغة الذبياني - ونجده أيضا في مختلف القصائد الطويلة التي يبرز في مقدماتها وصف الرحلة. والكلاب في هذه الحالة تمثل مشاكل الحياة ومصاعبها وأعداء الشاعر، في آن واحد، والشاعر كالثور، أو الثور في هذه الحالة كالشاعر، يحاول الهرب في البداية من مشاكله ومن مواجهة أعدائه، ولكن الهروب يعني الموت المحتم، ولذلك لا يرى مفرا من المواجهة، فيجري المعركة وينتصر الثور، أو ينتصر الشاعر. مع الإشارة إلى أن الثور ينتصر دائما، ولا يموت إلا في قصائد الرثاء، فكأن موته يمثل في هذ الحالة موت الفرح - الناجم عن موت المرثيّ - في قلب الشاعر. هذا ما يدرسه طلبتنا كما أسلفت، ولكن إذا امتددنا بالتأويل مسافة أخرى بحثا عما يعنيه انتصار الشاعر، نستطيع أن نقول: إن تمكن الشاعر من إنجاز قصيدته التي يسير بها عبر الفيافي والمفازات يشكل انتصارا على الذات وعلى الآخر وعلى مختلف مشاكل الحياة، وإذا تأملنا الصورة ذاتها بالمزيد من الإمعان فلن يخفى علينا - في مستوى خامس من التأويل - أن الشاعر يسعى أيضا إلى أن يجعل قصة الثور والكلاب أمثولة يتعظ بها أبناء البوادي العربية الجاهلية، أمثولة الكفاح المرير في سبيل العيش، وضد كافة المصاعب والمشاكل القاتلة التي تكتظ بها حياة أبناء البوادي والصحارى في تلك المرحلة الصعبة من تاريخنا القديم. تلك الحياة التي لا تتسع لغير الأقوى بالمعنى الدقيق للعبارة، ولذلك لا يوجد مفر من بذل أقصى درجات الاستبسال والشراسة في سبيل الحفاظ على موقع يتيح للمرء بقاءه حيا في الحدّ الأدنى. ويمكن أيضا أن نشير إلى فكرة أخرى (مدرسية) تحيل إليها قصة الثور والكلاب، وتندرج ضمن المستوى الثاني (البلاغي) تتمثّل في حرص الشاعر على تبيان مدى الجهد، ومدى قسوة الأخطار التي تعرض لها في رحلته داخل الصحراء، وداخل الحياة أيضا، في سبيل بلوغ هدفه، المتمثل من الناحية الذرائعية، ضمن سياق قصائد المدح، بمجرد الوصول إلى الممدوح، وعلى الممدوح بالتالي، أن يأخذ كل تلك المشاق بعين الاعتبار، لتكون الإثابة عندئذ على قدر المشقة والجهد.
والسؤال الذي نريد طرحه بناء على المثال السابق هو متى بدأ التأويل؟ هل بدأ عند المستوى الثاني في إطار العلاقة بين المشبه والمشبه به، أم أن القراءة في النطاق البلاغي تخرج عن نطاق التأويل؟ وهل القراءة في المستويين الثالث والرابع قراءة يحتملها النص، أم تحرف النص عن مقاصده وغاياته بسبب الإفراط في مضاعفة التأويل والسير به مسافة أبعد؟
ومثل ذلك ينطبق على قراءة تأويلية مطروحة أيضا على المستوى الجامعي في حلقاته الأولى، قراءة ترتيب لوحات ثلاث داخل معلقة امرئ القيس (الليل والحصان والصيد)، ففي حين تذهب قراءات مدرسية إلى نفي الدلالة عن أي ترتيب للأغراض في القصيدة الجاهلية الطويلة تذهب آراء أخرى إلى الزعم بوجود ما يسمونه الوحدة النفسية بين مختلف موضوعات القصيدة التي يمكن أن تكون أحيانا موضوعات متنافرة، على أساس أن النفس البشرية تنتقل من موضوع إلى آخر بشكل اعتباطي متفلّت من أي ضابط عقلي أو منطقي، وهذا ما كان الشاعر الجاهلي يفعله في عمليات انتقاله من غرض إلى غرض ومن لوحة إلى أخرى، ويدعم هذه القراءة أن الشاعر كان ينظم قصيدته على دفعات وخلال فترات زمنية متباعدة. ويمكن بالمقابل في قراءة تأملية تتجاوز ظاهر الأبيات وظاهر ترتيبها، أن تكون اللوحات الثلاث في المعلقة تمثيلا لرحلة الإنسان في الحياة من الناحية الوجودية، بحيث يمثل الليل المرحلة الرحمية من حياة المرء، مرحلة ما قبل الولادة، مرحلة الإرهاص، والتململ، مرحلة السكون المنذر بالعاصفة، مرحلة المخاض المؤلم، فلا ولادة من غير ألم، سواء كانت الولادة ولادة طفل من أحشاء أمه، أم تمثلت الولادة بمرحلة جديدة، أو بمشروع جديد من حياة الإنسان. ويمثل الحصان مرحلة الشباب والفتوة من جانب، ويمكن عده أيضا تجسيدا لجملة الوسائل والأسلحة التي يجب على المرء أن يستعين بها على مواجهة مصيره، فكلما كانت الوسائل والأسلحة جيدة كانت الحصيلة العامة جيدة. ويمثل الصيد بالتالي هذه المحصلة النهائية لحياة المرء، فلو كان الحصان في قصيدة امرئ القيس حصانا مريضا أو عجوزا غير أصيل، لما استطاع الشاعر - الصياد أن يظفر بشيء من كل ذلك الصيد الوفير الذي يأتي على ذكره بصورة احتفالية. وبعد هذه القراءة المقترحة لمجرد عملية ترتيب، لم يُؤثر أن أحدا من الدارسين القدماء ومؤرخي الأدب قد وقف عندها - ضمن حدود معرفتي - هل يمكن اقتراح حد دقيق تبدأ منه عملية التأويل وحد مقابل تنتهي عنده بالضرورة، أم تظل مفتوحة إلى ما بعد حدودها القصوى؟ فهل يمكن عدّ امرئ القيس بناء على هذه القراءة فليسوفا أو صنو الفيلسوف الوجودي، أم يبقى مجرد شاعر رتب أبيات قصيدته - أو رتّبها لها الآخرون - بصورة اعتباطية؟
إن لدى الدارسين العرب ما يشبه الإجماع على رفض )إباحة النص لجميع أنواع القراءة مقيّدين إياها بضوابط نابعة من النص، مستكنّة فيه. فالقول بحسب ما يراه حمادي صمود بأن النص بنية متحولة مهاجرة موضوعة في مفترق الدلالات مفتوحة على المعاني لا يعني أنه قابل لكل معنى مرسوم في أفقه... النص مغلول مسيّج بجملة من الرواسب الدلالية أو المحددات القائمة بالقوة تحفظ (حرمته) ومنع فضائه من الانتهاك((31). وعلى رغم كل هذه التأكيدات القطعية الجازمة بقدرة النص على وضع حدود تأويله بنفسه يظل تأويله متفلتا من إمكانية الضبط المزعومة، حسبما تشي بذلك جملة القراءات التي ضربنا بعض أمثلتها.

3 - 4: ارتباط التأويل بالمواقف الأيديولوجية والمعتقدية المسبقة والذائقة الفردية.
تتجسّد هذه المشكلة أساسا عبر نفي ما يسمى مفهوم (القراءة البريئة)، فالقارئ، أيا كانت سويته المعرفية، يمتلك تكوينا معرفيا ومعتقديا على درجة قريبة من الاكتمال في لحظة ممارسة فعل القراءة، من الطبيعي أن الاكتمال بمعناه الدقيق لايتم إلا بالموت، فالإنسان من الناحية المعرفية على الأقل، يظل مشروعا مفتوحا قابلا للتغير إلى آخر العمر، ولكن هذا المشروع المفتوح تنتابه انغلاقات شتى يمكن تشبيه آليات حدوثها بآليات إغلاق كتاب إثر الانتهاء من قراءته. المهم أن القارئ لايمكن أن يواجه ما يقرأ بشكل معرّى من أي نظرة مسبقة، أو أي سلاح معرفي، فهو يمتلك آلياته المتعددة للفهم والتأويل، وهي آليات ناجمة بطبيعة الحال عن قراءات سابقة، ويمكن - أو لابد من - أن تتدخل القراءة الجديدة في تطويرها أو تغييرها، ولكن هذه القراءات السابقة تتدخل تدخلا مباشرا في رسم مساري الفهم والتأويل، عند مباشرة أي قراءة جديدة، وتتداخل طبيعة التكوين المعرفي للقارئ مع الموقع المعتقدي أو الأيديولوجي الذي يلتزمه، ومن الطبيعي أيضا أن يتأثر مسار التأويل بالموقع الذي يتخذه المؤول تأثرا مباشرا.
والناقد بوصفه قارئا متمتعا بخبرة خاصة بالقراءة، وبوصفه منتج نص مشتغلا على نص آخر، حتى لو كان نصا متعاليا في أحيان كثيرة، يخضع مسار تأويله لمواقفه المتكونة قبل مواجهته للنصوص اللاحقة خضوعا جليا في معظم الأحيان. الحالة المثلى أن يستطيع النص فرض طرق تأويله على قارئه، أيّاً كان القارئ، وأيّاً كان النص. وتقتضي الحالة المثلى للناقد أيضا أن يلتزم الموضوعية القصوى لدى تصديه لأي نص يقرؤه. وعلى رغم ذلك كله نجد شواهد عديدة في تاريخ الثقافة العربية وغير العربية، تشير بوضوح إلى أي مدى لعبت النظرة المسبقة للنص - ولمؤلف النص أحيانا - دورها في حرف التأويل ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالثلاثاء 1 يونيو 2010 - 4:25

مشكلات النقد التأويلي 1268513518
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سارة عمر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
سارة عمر


عدد المساهمات : 3690
نقاط : 4949
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 03/04/2010
العمر : 41

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالإثنين 14 يونيو 2010 - 20:37

مشكلات النقد التأويلي 3rblions-cd6b2b1e54
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زينب بابان
مشرفة عامة
مشرفة عامة
زينب بابان


عدد المساهمات : 10543
نقاط : 16309
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
العمر : 53

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 18:21

بارك الله فيك اختي سارة عمر

امنياتي اليك بالموفقية والتالق

اعتزازي وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شاعر المساء
الأعضاء
الأعضاء



عدد المساهمات : 87
نقاط : 115
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/12/2010
العمر : 56

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالثلاثاء 14 ديسمبر 2010 - 11:21

مشكلات النقد التأويلي 155445 ماشاء الله مجهود اكثر من رائع ومميزمن عضو مشكلات النقد التأويلي 155445
مميزفى تقدم مستمر دائما وننتظر منك كل جديد





مشكلات النقد التأويلي P-yemen1%20%28131%29

تقبل مرورى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جهاد أحمد الهاشمي
إدارة
إدارة
جهاد أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 636
نقاط : 679
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 27/06/2010

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالخميس 16 ديسمبر 2010 - 0:15

شكرا سارة
بارك الله فيكي ولكي مني اجمل تحيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صدام التكريتي
الأعضاء
الأعضاء
صدام التكريتي


عدد المساهمات : 34
نقاط : 50
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/10/2010
العمر : 54

مشكلات النقد التأويلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشكلات النقد التأويلي   مشكلات النقد التأويلي Icon_minitimeالثلاثاء 19 أبريل 2011 - 14:19

كل الشكر لك اختي سارة عمر
لقد افدتينا بما نقلتي
تحية لكي وشكرا لمجهودك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مشكلات النقد التأويلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: قسم العلوم و المكتبة و الفنون :: واحة البحوث والإستطلاعات الأدبية والأكاديمية-
انتقل الى: