إن تجمّع شعراء بلا حدود يتابع بحرْقةٍ وأسىً ما يجري في سوريا الحبيبة ، على يد ذلك النظام الجائر المستبد ، من قتلٍ وتنكيلٍ وإبادة جماعيّة مما لا يمكن تصنيفه إلا كواحدة من أبشع وأشنع جرائم الحرب النكراء التي تتنافى مع كل الأعراف والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان المعتبرة والمقررة في كل الشرائع السماوية والإنسانية ، وإنّنا ، ونحن نتابع المشهد .. ونستقرِئ التاريخ جيّداً لندركُ أنّ هذه السياسة القمعيّة الاستبدادية ليست وليدة اليوم .. وإنّما هي امتدادٌ طبيعي لسياسة هذا النظام الظالم منذ نحو أربعين عاما ، ابتداءً من مجزرة جسر الشغور إلى مجزرة سجن تدمر .. إلى مجازر حلب المتعددة ..إلى المجزرة الكبرى في مدينة حماة عام 1982م ، والتي تعدّ من أكبر مجازر النظام السوري بحقّ شعبه ، والتي لن ينساها التاريخ أبداً ، مروراً بمجزرة سجن صيدنايا ومجزرة القامشلي ، مع ما تزامن مع كل تلك المجازر من قتلٍ فردي وجماعي وانتهاكٍ لحقوق الأطفال و حقوق المرأة واعتداءٍ على الأعراض ، إلى بَقْرِ بُطونِ الأمّهاتِ واستخراج الأجنّة التي لا ذنب لها ، هذا وما يضاف إليه من ملفات المفقودين منذ ثلاثة عقودٍ من الزمن إلى يومنا هذا .. ومن قضوا في الفرّامات البشرية ، هذا غير المبعدين عن سوريا الذين حُرِمُوا أرضهم وأهلهم ووطنهم فلم يستنشقوا هواء الوطن منذ مطلع الثمانينات .. عدا أولئك الذين قضوا تحت سياط التعذيب في السجون ومكاتب الأمن السياسي ، إلى الذين تمّت تصفيتهم جسدياً في أكثر من بلدٍ بواسطة أذرع هذا النظام التي امتدّت لملاحقة معارضي النظام حيث وجدوا ، وقتلهم في عقر دارهم حتى لو كانوا من النساء أو الأطفال ، هذا إلى الذي لم يعلمه إلا الله مما قد يكون أفظع مما ظهر وسجّله التاريخ ممهوراً بلعنته لهذا النظام الفاشي الأرعن. وإننا في تجمع شعراء بلا حدود لنؤمن تمام الإيمان أنه قد حان وقت الخلاص والقصاص ، وقد آنَ للشعب السوري أن يقول كلمتَهُ ، وأنْ ينالَ حريّته التي سُلِبَهَا طوال العقود الماضية ، وإننا ، ونحن نسترجع تاريخ الأمم وتعاقبها ؛ لنثق تمام الثقة بأن زوال هذا النظام قد اقترب ، بإذن الله تعالى ، كيف لا ، وقد جثم هذا النظام على صدر هذا البلد طوال هذه السنين ؟! وتربّع الحزب الأوحد على عرش الحكم ظلماً وقسراً _ بلا شرعية _ بعيدا عن الديمقراطية والعدالة الإنسانية ؟! فنهب ثروات سورية ، واستولى على خيراتها ، واحتكر مواردها ، باسم العروبة تارةً ، وباسم الممانعة تارةً أخرى ، وثالثة بالتمترس خلف دعوى حماية المقاومة الفلسطينية وإيوائها ، ولكنّ هذا النظام ظهر على حقيقته ، وانكشفت سوءَتُه .. والذين كانوا يراهنون على أنّ بشّار الأسد يختلف عن أبيه تبيّن لهم أنّ كل تلك الشعارات التي كان يرفعها هذا النظام ويلوّح بها في كل محفلٍ وقمّةٍ ومؤتمرٍ ، ليست سوى شعاراتٍ جوفاء منزوعة المضامين .. لا تستند إلى أي أساسٍ من الصدقِ ولا النزاهة ولا الشجاعة ولا الحكمةِ ولا الأمانة ولا المسؤولية ، وإلاّ فما معنى أن تدكّ الدبابات خدور النساء ومهاد الأطفال ، ومهاجع الشيوخ ، بعتادها الثقيل ورصاصاتها الطائشة العمياء التي لا تميز بين كبير وصغير ولا امرأة ورجل .. في حين لمْ تُطلق رصاصة واحدةٌ ، ولم تُرْسَل قذيفةٌ ( ولو بالخطأ ) إلى المحتل الجاثم على صدر الجولان منذ ما يقرب من أربعين عاما ، حتى يومنا هذا .
هذا وإنّ تجمّع شعراء بلا حدود ـ الذي يضمّ في عضويته مئات الشعراء من مختلف أقطار الوطن العربي الكبير إلى المهجر البعيد ـ ليؤكّد على ما يأتي :
أولاً : على الشعب السوري أن يعتصم بحبل الله المتين ، وأن يتوحد تحت راية الحق والعدالة الاجتماعية والمساواة بين كل فئات المجتمع ومكوناته السياسية والفئوية ، وليحذر من المتربصين بالوطن الدوائر والمريدين به السوء أو اختراق الصفوف ، أو إحداث شرخٍ في الوحدة الوطنية ، فلتنتظم المعارضة في صف واحد ، وليكن الهدف واحداً ومتمثلاً في : زوال النظام القائم ونيل الحريّة المسلوبة والكرامة المهدورة .
ثانياً : نناشد جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن يضطلعا بدورهما تجاه ثورة الشعب السوري ، وذلك بمقاطعة هذا النظام الجائر وطرد ممثله في كلا المنظمتين ، كما كان الحال مع نظام معمر القذافي من قبل ، والوقوف إلى جانب الشعب السوري الأعزل الذي يمارسُ عليه النظامُ أبشع أنواع القتل والتنكيل بلا ذنبٍ ولا جريرة إلا أنه يطالب بالطرق السلمية بحريّته وكرامته
ثالثاً : وجوب نهوض جميع مثقفي الأمة ومفكريها وشعرائها وأدبائها وكتّابها و قيامهم بالدور المنتظر منهم بإعْمَالِ أقلامهم وعقولهم وأفكارهم وحناجرهم عبر كل وسيلة إعلامية متاحةٍ في كل ما من شأنه دعم الثورة السوريّة وتقوية شوكتها وإعلاء شأنها ، وتعريَة أكاذيب النظام وأباطيله وتلفيقاته الإعلامية الدنيئة التي لا تنطلي على أحد .
رابعاً : في حال لم يصدر من جامعة الدول العربية موقفٌ واضح وعاجل بهذا الشأن ، وإذا كانت الجامعة ما تزال مرتهنةً بحكم القوانين البائدة التي تحكم أداءها منذ تأسيسها عام 1945 ، فإننا نطالب كل دولة عربية على حدة أن توضح موقفها تجاه ما يحدث ، أسوة بما كان من تركيا التي أخذت على عاتقها استضافة المشردين والهاربين من وجه نيران الظلم والإجرام ، وقالت كلمتها بجرأة ووضوح . وأقل ما يمكن لهذه الأنظمة فعله : عدم الانحياز لصفّ الجلاّد على حساب الضحيّة ، وعدم التكتّم على جرائمه النكراء .. مهما كان المبرر والمسوغ لذلك ، لأن الدبلوماسيّة لمْ تعُدْ مجديَةً في زمن الثورات التي يكون الشعب هو المتحدث الرسمي باسمها ولا غير؛ بشرعية جراحه النازفة ، وأحلامِه القابعةِ على رصيف التهميش من عشرات السنين .
خامساً: نظرا للتعتيم الإعلامي والفبركة الفلمية التي يمارسها النظام السوري ؛ فإننا ندعو جميع القنوات الفضائية التي تحترم نفسها أن تقف من الثورة موقفاً مشرّفاً في نقل المشاهد والصور إلى العالم أجمع ليدرك الجميع فداحة الأمر ، وخطورة الأوضاع ، وذلك بابتكار مختلف الوسائل التي يمكن عبرها رصد الحدث من موقعه ، وهو ما تحاول فعله بعض القنوات التي تعمل بمهنية ومصداقية ، علماً أننا سنكون عقب هذه المرحلة أمام ميلادٍ إعلامي جديد لبعض القنوات ، في حين سيكون ثمة انتحار إعلامي لقنواتٍ أخرى ، والميلاد الإعلامي المشهود ربما يكون عبر كلمة أو رسالة أو تغطية أو مقابلة أو صورة ساهمت فيها هذه القناة أو تلك في كشف مستور ، أو نقل معاناة ، أو تطبيب جرحٍ ، أو صناعة فكرٍ ، أو توعية جيل ، في ربيع الثورات العربية المجيدة .
سادسا : إن جميع منتسبي تجمع شعراء بلا حدود بمختلف أوصافهم الاعتبارية ليحيّون جميع الشعراء العرب الذين أسهموا في إثراء شعر الثورة والحرية ، وكتبوا أهازيج العزّة والإباء التي بات بعضها يردد في كثير من الميادين ، مما يؤكد على أهمية ما يمكن أن يفعله الشاعر ، وأن يقدمّه الشعر في مرحلة من أهمّ المراحل التي تمرّ بها أمتنا العربية في العصر الحاضر .. وندعو الله تعالى أن يعجّل بنصر إخواننا في سوريا وأن تُحقق الثورة أهدافها المشروعة عاجلاً غير آجل.
وختاما : نحيي ثورة الشعب السوري البطل ، ونشد على يده ، وندعوه إلى الاستمرار في ثورته السلمية ، غير آبه ببطش هذا النظام الدموي الوحشي . وثقتنا بالله أولا ، ثم بهذا الشعب كبيرة بأنه سينتصر أخيرا ، ليعيد لسوريا وجهها الحضاري الراقي ، وما ذلك على الله بعزيز ..
تجمع شعراء بلا حدود
الثلاثاء 21 يونيو 2011م