واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فتحية إبراهيم صرصور
الأعضاء
الأعضاء



عدد المساهمات : 137
نقاط : 381
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/11/2010
العمر : 71

صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Empty
مُساهمةموضوع: صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب   صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Icon_minitimeالجمعة 16 مايو 2014 - 9:02

                                   بسم الله الرحمن الرحيم
عند الخامسة من بعد عصر يوم الثلاثاء الموافق الخامس عشر من مايو 2014م تنادى رواد صالون نون الأدبي وجماعته لإحياء ذكرى النكبة، وكعادة صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بطريقته الإبداعية
افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء بقولها:
الحضور الكريم أدباء ومثقفين ... رواد صالون نون الأدبي  ...  أهلا بكم جميعا
لأننا شعب لا يستكين ولا يهين، لأننا لازلنا نبدع، لازلنا نَعمل رغم كل الصعاب، فإننا نتحدى النكبات بإبداعاتنا
فأهلا بكم ومرحباا، ونحن نفتح للإبداع نافذة ونشرعاا، لا ننسى نكبتنا، لكننا نسعد بإبداعاتنا، ... نستضيفكم اليوم لنحكي لكم قصة إصدار جديد مُتألقاا
جميعهم لبس في هذا اليوم السواد، وأبيت إلا أن ألبس لون أرض بلدي والتراب
وقالت: أهداني المؤلف كتابه، ولمّا كنت منهمكة بإنجاز كتابي، وضعته أمامي، أنظر إليه بين الفينة والأخرى، وأعده بأن أستكشف في لحظة ما ذاك (الحي الذي يسرق)
وما أن وضعت كلمتي الأخيرة في كتابي السادس من سلسلة حكايات الأجداد للأحفاد حتى يممت له نظرة سريعة/ أمسكت به، تأملت غلافه ولونه، دلالاته الخارجية، عنوانه/ فجذبني منذ اللحظة الأولى
وبدقائق معدودة قلبت صفحاته لا استقراء، وإنما قراءة سريعة، وقبل أن أقرأه توجهت له على الفور بطلب لاستضافته في صالون نون الأدبي
فكم نسعد هنا لكل إبداع، ولكل إصدار جديد، وتزيد سعادتنا عندما يكون الكاتب نعيم الخطيب، فهو كاتب ومسرحي فلسطيني مقيم في غزة ومن مواليد رفح عام 1968، حاصل على ماجستير في علوم الحاسوب وتخصص فرعي في المسرح،
صدر كتابه الأول "على الغارب": في سرد الذات، عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان في إبريل 2010.
وصدر كتابه الثاني"حيّا يُسرق"، - موضوع حديثنا لهذا اليوم - عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمّان 2013.
عندما طلبت منه أن يزودني بذاتية أقدمه من خلالها، كانت كلماته أشبه بالمقطوعة الشعرية فقال: حين ولد نعيم الخطيب في مخيم ما في مدينة رفح، لم تكن لديه فكرة؛ ككل الأطفال قديمهم وحديثهم، عما ينتظره في مستقبل تداخلت فيه السياسات والأحزاب والمواقف، ففلسطيني تعني أن تدخل هذا كله شئت أم أبيت.
وعندما أنهى دراسته في مدارس المدينة عام 1986 وانتقل للدراسة في جامعة بير زيت، تم إغلاق الجامعة بعد عام ونصف بقرار إسرائيلي، ليتوجه إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة ويحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، مع تخصص فرعي في المسرح، ويكمل دراسته بعد زمن في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة ليحصل على درجة الماجستير في نفس تخصص علوم الحاسوب ويعود إلى قطاع غزة.
الغريب في الأمر، أن نعيم الخطيب رغم قربه من عالم الثقافة والمسرح طوال سنوات عمره، إلا أنه لم يمارس الكتابة بشكل عملي إلا في وقت متأخر.
بعد أن فلت منه الزمام على غاربه، أخذ يبحث عن حيّ يُسرق
وفيما كان كتابه على الغارب يتضمن ثلاثين نصا، فإن في كتابه (حيّا يُسرق) زادت شهيته تفتحا فزادت لثلاثة وأربعين نصا
**
كلمات على كلماته:
لن أتخذ هنا موقع الناقد الأدبي، لأنني أود أن أرسل فلاشات تُضيء بعضا من نصوصه لمن لم يطلع عليها، رغم أننا أرسلناها لجميع الرواد
كعادتي أرى لابد من دخول النصوص من عتباتها، وعتبة النصوص هنا هو العنوان: حيّا يُسرق... هذا هو اسم الكتاب بحثت عن نص يحمل ذات الاسم كما يفعل الكثيرون فلم أجد، فقط وردت هذه العبارة في النص الثاني (وتاسعهم صمتهم) إذ قال: كان بيت جدي حيّا يُسرق
وهذا نبه في ذهني ما تشي إليه من طبيعة الكاتب الذي يبحث عن أشياءه الصغيرة بإبرة، فيخرجها من بين الركام لتصبح عنوانا بارزا
رغم أن بيت جده سُرق، إلا أنه لازال حيّا، ورغم أنه حيّا، فإنه لازال يُسرق، في إشارة لحالنا موت كالحياة وحياة هي الموت
الغلاف: صورة للعائلة، كبير العائلة وحتى أصغرهم، في إشارة إلى أن الكبار لا يموتون موت ذاكرة، والصغار لا ينسون
المحتوى: لا هي قصائد موزونة، ولا قصص مرصودة، أسماها نصوصا ليخرج من قيود ومعايير القصة والقصيدة، فتضمنت ثلاثة وأربعين نصّا
الإهداء: الأمانة ومحبتي لها تقضي بأن أشي لزوجته بأن هناك حبّا آخر في حياته، من يقرأ الإهداء وهو لا يعرف من هي رغدة، يجد نفسه أمام بوح سافر وجريء
لن أشي لزوجته بأنه جعل إهداءه لمحبوبته رغدة، لأنها إن كانت هي المحبوبة الأولى، فإن حبه الآخر أيضا لها
إنه يهدي عمله لزوجته، مظهرا بذلك مكنونات صدق وعلاقة ودّ، لم يستطع الإفلات منها فأطلت منذ الصفحة الأولى لكتابه

لهذا الكتاب نكهة خاصة، وطريقة مميزة في بناء جملته، أسلوبه سهل ممتنع وممتع، يخوض عباب اللغة، ليسجل لنا الفكرة

يعمد لتوجيه الصدمات واحدة تلو الأخرى: يقول (الكتابة فعل خيانة) هي لا تصدقه، وهو لا يصق نفسه، وعندما يصل المرء لفكرة عدم تصديق نفسه فهذا هو الصدمة الكبرى
المقولة (اكذب حتى تصدق نفسك، وإلا كيف سنتعامل مع كذبتك وكيف نقنع بها الآخرون؟

ثقافته المنفتحة على الأدبين العربي والغربي جعلته يضمن العديد من التناصات، إلا أنه لم يوردها بنص صاحبها، بل يحورها فمن الشعر العربي: أصدق انباء (مع أبي تمام)
درويش (حبيبتي والبارود) جعل فيها حبيبته والبارود وجهان للحظة حياة
ومن القرآن: سورة الزلزلة: (تُحدث أم أحمد أخبارها) و (ستحدثك أخبارها) والحب ثامن أطرافه – تاسعهم صمتهم) وقوله: (نفر أسراب من المصلين خفافا وثقالا)
ومن الأغاني (خرجت من فلسطين جنازة) – يشدون الرحال لمكة الحديد في نص (أبو حسن ص 111)
وله علاقة بالأرقام: أم أربع وأربعين – لا تملك مئة قدم – الساعة الثالثة قبل النوم – الدور السابع – لا تموتين في التاسعة عشر من عمرنا – والحب ثامن أطرافه – تاسعهم صمتهم- على مرمى ثلاثين عاما – ثمانين مثقلين – وبخمسة قوالب – منذ عشرين عاما – ذكرى ثانية – ست قدور... الخ
ويعمد أحيانا للجمل المسجوعة (لم يؤنس أحد سواد بيوضها، حرير خيوطها، ظلام شرنقتها، زيت جناحيها... الخ
لأن نصوصه كتبت بعد الحرب الأولى 2008/ 2009م فإننا نشتم فيها رائحة البارود وتفاصيل التفاصيل، وقد أتى على وصف ما حدث لبيته من تدمير، ولمصاغ امرأته من شتات، وذاكرة التراث لضياع/ حتى أنه أتى على ذكر أسماء حقيقية كما في (ثوابت غير وطنية ص 33) حيث يهاتف ابنته ويطلب منها الهبوط لبيت عمو فريد
كذلك كان في (استطلاع للرأي) جسد لنا قلقه، وتلعثم مشاعره، وهو يطلب من السفارة الأمريكية حماية رعاياها، وفي الوقت ذاته لا يريد الخروج من بلده، فقط يريد وقف القصف والدمار، ويطلب منهم إجراء استطلاعا للرأي ليعبر من خلاله عن رفضه لتسليحهم الصهاينة ليقتلوا أبرياء عزل وأطفال، شيوخ، ونساء، حتى أصحاب الجنسية الأمريكية
في (دمى، قصاصات، صور) يتحدث عن الحرب ذاتها لكن بلسان ابنته يارا

تنوعت موضوعاته، فكتب عن الشهداء ولهم، فكانت النصوص (أما أخته للشهيد أبو جلالة) (البحر للشهداء من عائلة هدى غالية) (عسقلان تمر وقهوة للشهيد رائد) وأيضا لمحمد الدرة كان نصا معبرا بعنوان مشهد)

لون آخر من نصوصه (يا وردي يا معلمتي) يوثق فيها لسيرة ومسيرة مربية الأجيال الأستاذة فاطمة الخطيب - عمته- وأنا أقرأ نصه ذو الصياغة السردية شعرت بأنه جلس طويلا مع عمته ليسألها في دقائق عملها، والتركيبة السحرية في بنائها لجدول الحصص(قد أكون بفعل كوني مديرة أكثر تفهما لما تعنيه) كتب تفاصيل التفاصيل

في (وهبط كهلا، ويا وردي يا معلمتي) مال للسرد القصصي، إلا أنه في(وهبط كهلا) كان يقطع السرد في نقطة ما ليعود لنفسه القصير وجمله اللاهثة

لديه نصوص قصيرة جدا كــ: (أوتو ستوب) – فرحتان - (مرت كبرق) والتي يربط فيها الحاضر بالماضي فيعلن عن حقيقة وجود الفيسبوك تمشيا مع قانون تحديث بيانات نصه -
الكاتب مطلع على النصوص الغربية، متأثرا بتلك الثقافة
لديه ألفاظا غير عربية:
(تي شيرت) (ستاند أب كوميدي) (الميل فوي) (أوتو ستوب)
وحروف انجليزية: (KLM) – Still image - Stillborn

في ستاند أب كوميدي) اختير ليقدم صديقه في أمسية وبعد أن تحدث 25 دقيقة لم يقدم زميله
ويوهمك بفعل يجعلك تتهمه، ثم يوضح أن ليس كما ظننت كما في حكايته مع الإسهال و(وهو وهي في المصعد، ثم يُعلن عن وجود صديقه ثالثهم

(دليل المشاهد) يضع للمشاهد دليلا، أو قل وصايا، في هذا النص كما غيره اكتنز صورا عديدة (كغبار الموسيقى –
اختتم نصه بقوله (فالمتجولون مثلنا يقومون بأشياء لا يتقنونها) ممثلا لحالنا الفعلي خاصة في غزة

في نص (الشيخ) رسم خريطة لجده ونسائه الست، واصلا بين بدايات زواجه بالواحدة منهن، انتهاء بوفاتها، أو طلاقها بعد زواج ابنها وتأمين مسكنا لها معه

وله نص مشترك مع الشاعر خالد جمعة (حارتنا دون موعد سابق) أو هما نصان من الحارة (كيف كانت الكتابة المشتركة – أنا أكتب هذا النوع جملة وجملة – لكن كيف تكتبه أنت؟
هل كانت عبارة عن رصد لذكريات الطفولة من كليكما ثم سطرتها فحفظت له حق الذاكرة؟

ويوظف تخصصه بالمسرح في نص (انتظار السيدة أو قفا نحك..) (نص لا يصلح للمسرح) فيما رسمه بخط درامي مسرحي، جعل المرأة ذات رداء أسود على غرار (ذات الرداء الأبيض)، لكنها الحرب السوداء
وفي نص (لميلاد أو قيامة) عبارة عن جمل مكتنزة بالمعاني، وجميعها يحمل رقم (1) في إشارة إلى أنها جميعا في ذات الأهمية، وفي إشارة لغياب المواطن السعودي وانتشار الآسيويين يقول: (عجم مكة أدرى بشعابها)

بعد أن أنهت الأستاذة فتحية إضاءاتها أحالت الكلمة للكاتب نعيم الخطيب ليتحدث عن نفسه وكتابه فقال: أنا أبسط من أن أضع نفسي بثوب الكاتب، أشعر بالفخر لأنني أُكرم عن كتابي، وعندما يأتي التكريم من مؤسسة نسوية وصالون نون الأدبي فهذا وسام أضعه على صدري
الكتابة بالنسبة لي فعل فردي، المسرح قناع، لأن المسرح الحقيقي هو ما يكون على خشبة المسرح، وما عدا ذلك يكون جامدا.
ونحن اليوم نحيي ذكرى النكبة العامة ونكبتي الخاصة، أود أن أقرأ مقتطفات من نص بعنوان (عصي نصك) كتبته بدم روحي لوالدي:
عصيٌّ على الكتابةِ نَصُّك
وكيفَ لي أن أكتبَك؟
فأيُّ نصٍّ سُينْصِفُك؟
صحيحٌ أنتَ
وكلُّ نَصٍّ يُنَصِّفُك
فنِصْفٌ يُلَخُّصُني
ونِصْفٌ يَخْذُلُك
كيف لي أن أكتبك، يا أبي، وقد عز جميل قصصك؛ لم أسمعه منك، سمعتُه عنك فقط يا أبي. ليتك سمعت والدك يلهب حماس الجماهير خطيباً، هكذا قالوا لي. لم أسمعك ولم تخبرني. كنتُ أقرأ اسمك على جدران المخيم طفلاً: (انتخبوا محمود الخطيب). أي انتخابات كانت؟ حتى هذه لم تخبرني عنها يا أبي. ثم ما قصة أول زيارة لك لبيت جدي، بعد الهجرة؟ هل صحيح أنك قمت بكشط طلاءٍ كان يخفي معالم حريق الحرب والقلب في غرفتك، لتجد بقايا اسمك مخطوطاً بيدك، كما تركته يا أبي؟ هل كان ذلك الصك كافياً حتى يصدقوك يا أبي؟ أي عبق عانق روحك يومها، أي ذكرى أسقطتك مغشياً عليك؟ لماذا لم تخبرني عن حكاياتك في النجّادة؟ هل صحيح أنك كنت في جنوب فلسطين تؤمّن الذخائر، حين كان عميَّ الأكبر يمتشق (البرين) فوق السطح، ورجال العائلة يجندلون جحافل الهاجاناه الزاحفين من البيارات المجاورة، فيردونهم مرتين قبل أن يحترق البيت وتحترق القرية؟ وهل صحيح أن الملك عبدالله كان خصم جدي في لعبة النرد؟ لماذا تركت أولاد الشوارع يقرعونني ويتهمون جدي، الذي لم أره، ببيع فلسطين. لقد كبرت لأعي أنه مات وحيداً في بيت قديم في شارع فقير في حي بائس في شبرا، ودفن في قرية المنيّر المنسية في محافظة الشرقية. هل فلسطين رخيصة إلى هذا الحد يا أبي؟
وقال:
سأحدّثك عن أخباري يا أبي. فما زلتُ أحمل اسمين: اسم رسميّ أسميتنيه تيمّنًا بأخٍ لك حديث الوفاة، واسم قديم يعرفه المقرّبون فقط، كنتَ قد أطلقته علىّ كي لا تعيد على مسامع جدّتي في سرير المرض ذكرى ابن لا تعلم بوفاته. ما زلتُ كسولاً في حلاقة ذقني مثلك. قد غزا الشّيب رأسي مثلك أيضًا. جميلاً كان الشّيب في أوائل العشرينيّات يا أبي، أمّا في أوائل الأربعينيّات فلم يعد كذلك. ما زلتُ أرى ملامحك في المرآة وفي بعض بناتي. لم أدخّن (كاميل) كما نصحتني ـ فقط بعد أن أكسب رزقي بيدي ـ فلا أدخّن من مصروف حدّدتَ مصارفه. ما زلتُ أحفظ سامي صفاتك، ما زلت كاتمًا للسّرّ يا أبي. سامحني لأنّني لم أُسمِّ ابنتي باسم ابنتك الرّاحلة ـ  كما تمنيت ـ لكنّني اسميت ابني باسمك، وتوأمه باسم أخ لك. ربّما قد أخبرتك أمّي بهذا. صدقت نبوءتك عندما أخبرت زوجتي في المنام أنّها سترزق بولد وولد. مكانك في الصّفّ الأوّل في مسجد العودة بجوار المنبر لا يزال خاليًا. أحاول جاهدًا أن أفي بعهدٍ كي أحفظ ودّك؛ ما زلتُ أقوم بجولةٍ طويلةٍ ورّثتنيها في عيد الفطر وعيد الأضحى، أسقطتُ فقط امرأتين عجوزين العام الماضي لضعف ذاكرتهما، فما فائدة الزّيارة يا أبي. أتذكر خطاباتِك، مجلّداتِ الصّور، بطاقاتك، أوتوغرافك، أوراق حياتك، أوراق تقسيم أراضي جدّي بخطّ يده، مفكرة كنت تكتب فيها عباراتٍ تعجبك وتسجّل فيها المشتريات أحيانًا؟ كلّ هذا قمتُ بتجميعه يا أبي. فكان هدفًا سائغًا لأحفاد وحفيدات رفيقاتك اليهوديّات، في (كُبّانيّة) البنات القريبة من قريتنا في الرّملة. جاحدات رفيقاتك يا أبي؛ لم يستأهلن زياراتك ونزهاتٍ تكرّمت بها عليهن في سيارة جدّي الأولدزموبيل، فكم سيارة أولدزموبيل كانت في فلسطين وقتها يا أبي؟ لقد تنكّرن حتّى لدعوتك لهنّ للرّقص في ليلة عرسك، وحتّى لدموع أمّي على إثرها. احترق بيتي مع ذكرياتك يومها يا أبي. لا تحزن؛ فأنا لست حزينًا. عباءتك السّوداء سلمت من الحرب، فأرسلتها إلى أخي البكر في عمّان. نعم لقد قمتُ بنفيها يا أبي؛ فالذّكريات أكثر أمانًا هناك في المنفى. ما زلت مخلصًا لك. فقط لم أزر قبرك؛ كبر فيّ الخجل أن أسأل عن مكانه. فمن لا يعرف قبر أبيه يا أبي؟
هلاّ أخبرتني، أكنت تمازحني عندما اخترت ذكرى نكبتنا يومًا لرحيلك؟ يا لثقيل مزاحك يا أبا الفتوح!  يا لنكبتنا يا أبي! يا لنكبتي!
أعتذر عن كتابتك...
أعتذر من كتابتك...

ثم كانت الكلمة للأستاذ رزق المزعنن قال فيها: في البداية أجد نفسي ملزما بتقديم الاعتذار الشديد، مع محبتي وتقديري لكل الأخوة والأصدقاء الذين تجشموا عناء الحضور لهذا اللقاء، ليستمعوا لكلماتي، أو تقديمي للكاتب والمبدع نعيم الخطيب
ثم اعتذاري مقدما للأخ نعيم كوني لن أستطيع أن أفيه حقه، وأنا القارئ العادي والمتذوق، فهو يستحق من المبدعين والنقاد أن يلتفتوا لنصوصه الجميلة، ليستخلصوا مكامن الجمال والإبداع، جسدها الكاتب في سرده لذاته عبر كتابيه: الأول بعنوان (على الغارب)، والثاني الذي نحن بصدد تقديمه بين أيديكم (حيّا يُسرق)
صدفة: الصدفة الجميلة فقط هي ما عرفنّي على الأستاذ نعيم الخطيب كاتبا، حيث التقيته كما أشار في ترحيبه بي - في بيت الشاعر ناصر رباح – بأننا نرى بعضنا كثيرا في المناسبات الثقافية، وبحيائه الجميل، وابتسامته الودودة المرحبة، والتي أزالت منذ الوهلة الأولى التكلّف الذي يصاحب المرء عند زيارته لأول مرة بيت شخص يعتقد أنه لا يعرفه
قدم نعيم إهداء كتابه الأول لي: (هذا قليلٌ من فرحي ودموعي)
فأرد: (هذا كثير وكثير جدا من إبداعك، وجمال روحك التي تصوغ هذه التجارب أدبا ونصا جماليا..
وأستطيع دون مجافاة الحقيقة القول بأن الكاتب في كتابه الأول والذي أسماه نصوصا، قد صاغ تجاربه/ فرحه ودموعه / لتكون لائقة لتُقدم لجمهور من المهتمين والمبدعين فضلا عن الشغوفين بالأدب والثقافة والمعرفة من الشباب المتلقين
فهو بدءا من عنوان الكتاب الأول: (على الغارب)، يُظهر احتفاءه باللغة، دقيق الملاحظة، يعتمد المفارقات وجماليات اللغة العربية، قديمها وحديثها، ويتكئ كثيرا على ذائقة لغوية فصيحة تجلت في عدم الوقوع في أخطاء لغوية، بل واستخدام دقيق للمفردة والجملة، ليوصلك إلى آفاق يريد أن يصطحبك إليها.. من المتعة الفكرية والإبداعية؛ بدءا من جمالية الإيقاع / السمع  إلى جمالية الفكر والتأمل إلى جمالية الشكل عند استخدامه علامات الترقيم والفواصل والأقواس والمعترضتين
لذلك يقحمك في عالمه مقدما نفسه في سرد ذاته كحصان جامح/ حبله على غاربه/ متمردا على الصور النمطية في الكتابة الأدبية النثرية، فكان كتابه نصوصا، تقارب القصة القصيرة، وبقليل من التجاوز، يمكنك أن تراها رواية
فهو يروي دموعه وفرحه، حياته وحياتنا في مقالة أدبية، وسرد / شعر حداثي (قصيدة النثر)
يترك للقارئ المتخصص التصنيف، لكنه أبدا يعدك بالجمال والاستمتاع في هذه الرحلة التي تصاحبه فيها
لقد ترك الأستاذ نعيم بكثافة مفرداته وتركيزها المحمل بالدلالات، وبعمق المعرفة اللغوية، بجزالة المفردات، هذا في الشكل فضلا عن ثقافته العميقة والمتجذرة؛ عربية إنجليزية تتضح من خلال تناص وتورية وتقاطع للتراكيب تستفز فيك معرفتك، ثقافتك، خبرتك
فالكلمة في موقعها، والجملة تنبني على ما سبقها، فإذا اختصر لا يمكن أبدا أن تشعر أن هناك حاجة للإطالة، وإذا أطال فلا يمكن أن تشعر بأن هناك تزيُّد لا حاجة إليه
وإذا ما أبحرنا في مناحي نصه الأدبي الرفيع المستوى، فهو يقارب السرد، لكنه يبقى على ضفاف الشعر، ويقارب الشعر وهو على ضفاف السرد
يمكنك أن تلقي الضوء على كل نص أبدعه؛ فمنها ما كان تجربة وطنية، أو لغوية، ثقافية، معرفية ... الخ
باحتصار لك أن تقول إن الغوص في بحر الكاتب نعيم هو سياحة يخرج منها القارئ مزودا بالمتعة والجمال والمعرفة والإبداع، يتلاعب ويلعب بالمفردة والفكرة، يعمل على إدخالك في مدارات روحه المتدفقة الحالمة المبدعة ليدهشك منذ البداية، يشدك، تلهث وراءه، تحاول سبر أغواره لكنه دوما يحلق في فضاءات رحبة من الفكر، اللغة، الصورة، الموضوع، المشهد، المتعة والامتاع، هذا هو الكاتب نعيم الخطيب الذي عشنا في رحاب إبداعه
باختصار شديد: نعيم يقدم لكم؛ نفسه ، تجربته، عطاءه، ثقافته، لغته، مكامن الوعي والجمال في روحه الشفافة والعميقة معا
وأنا أعترف بأنني لم أستطع الإحاطة بنعيم الكاتب فهذا الذي أمامكم هو نعيم الإنسان، الكاتب، المثقف، ذو الخلق الفلسطيني الوطني من قطاع غزة - رفح
هنيئا لكم في صالون نون الأدبي تقديمه، هنيئا لغزة، رفح، فلسطين بكاتب كبير

بعد أن أنهى الأستاذ رزق كلمته قرأ الأستاذ نعيم نصا آخر بعنوان عن الحرب والخراء
أسكن حيّ تلّ الهوا [أي الهواء] في مدينة غزّة ، وكم يغيظني البعض عندما يخطئون في تهجئة عنواني فيبدلون الألف الممدوة بألف مقصورة، والّذي في تقديري قد استفزّ البعض لتغيير اسم الحيّ إلى (تلّ الإسلام العظيم)، والّذي تستفزّني بدورها لفظة (العظيم) فيه: فهي إن عادت صفةً للإسلام أكّدت مؤكّداً ولم تضف إلى المعنى، وإن عادت صفةً للتّلّ فقد خالفت واقعًا.
ليلتها ـ أو يومها على رأي ابنتي الصّغيرة ـ أطبقت الحرب حلقاتها على خناق حيّنا [العظيم].
دينا تسألني: "بابا همّه ليش خلّوه كلّه نهار؟". الحقّ أنّ ذكائي لم يسعفني لفهم سؤالها، وعند استفساري أوضحت: "أصلهم ما خلّونا ننام".
تجمّعنا في أحدى زوايا المطبخ المعتم بعد مسح أمني عاجل للمكان، وتحت ضربات القذائف وأزيز الرّصاص واهتزاز المبنى، تم اختزال وجودنا في فكرتين مترابطتين: الخوف من الموت، والحاجة لدخول الحمّام. الكثير منّا يعرف أنّ الماء يشكّل ثلاثة أرباع جسم الإنسان ولكنّ القليل منّا يعي أنّ تلك الأرباع جميعها تتدفّق إلى المثانة في لحظات كتلك.
لم تتوقّف المهام الانتحاريّة لاصطحاب الأطفال ذهابًا وإيابًا إلى ومن الحمّام بالرّغم من أنّ الرّحلة تستوجب قطع منطقة في مرمى النّيران مواجهة لشرفة زجاجيّة كبيرة مطلّة على الشّارع. يقف الشّخص ممسكًا بصغيره آخذاً ساتره ومتحيّناً الفرصة للانطلاق كالسّهم، وفي الحمّام كان صوت آليات الجيش كفيلاً باختصار كلّ البروتوكولات، فالجيش على بعد نافذة زجاجيّة نصف مفتوحة. أمّا العودة فكانت رحلة عكسيّة لا تخلو من النّشوة والتّحفيز لشخص ينتظر دوره.
لماذا تخذلنا مبادئ الهندسة المعماريّة، وأصول التّصميم الدّاخليّ، وقواعد الصّحة العامّة، وتوصيات صحّة البيئة، عند حاجة وظيفيّة أساسيّة ببساطة الحاجة لوجود حمّام في المطبخ في موقف كهذا؟ لم يتوقّف نداء الطّبيعة بل تحوّل صراخًا متواصلاً، وعندها قرّرت أخذ المبادرة وقبول مسؤوليتي الجديدة كمهندس الخراء في المجموعة. بحثت في خزانات المطبخ عن وعاء مناسب فأفرغت دلوًا ووضعته خلف طاولة المطبخ وقمت بإسدال غطاء الطّاولة على الأرض كساترٍ وأعلنت للجميع بفخر عن افتتاح الحمّام الجديد في المطبخ. أبدى الأطفال دون العاشرة سعادتهم بالفكرة وأخذوا يمارسون مهامهم واقفين وجالسين وحتّى بدون مرافق.


بعدها فتح باب الحوار والمداخلات، فكانت المداخلة الأولى للأديب أبو هاني شحادة، قال فيها: تتحدثون عن المرأة وأنا أقول: زرت معظم الدول لم أجد أشجع وأجرأ من المرأة الفلسطينية، فتحية لصالون نون الأدبي برائدتيه فتحية ومي، وشكرا لمركز عبدالله الحوراني الذي يرعى هذا النشاط الإبداعي
ثم قال: من يراجع كتابات الشاعر والأديب الهندي طاغور، وكتابات أوسكار الأسباني، يجد نفس الأسلوب الذي كتبه الخطيب، فهي حالات وصفية لما عايشه من أحداث، أجاد في كتابته وأبدع.
الأديب محمد نصار قال: أنا سعيد جدا بهذا اللقاء، ومعرفتي بالخطيب، شكرا لصالون نون الأدبي لجهوده في إقامة هذه الجلسة القيمة، شكرا للأستاذ رزق الذي قدّم فأبدع
أضاف نصار: عندما سمعت نصه فوجئت، رأيت عالما يتحرك أمامي، ربطت بين عمله هذا، ودراسته للمسرح، فرأيت في نصه شخوصا بكامل هيئتها تتحرك، يغلب عليها الكوميديا السوداء، التي هي مفقودة في أدبنا، وهو أعاد هذه التجربة من جديد، لديه بعض العبارات الجارحة لكنها في محلها
الدكتور خالد صافي بدأ مداخلته بتقديم الشكر لصالون نون الأدبي، ثم قال: قبل أسبوع استضافتني جماعة صالون نون الأدبي هنا في ذات المكان احتفاء بصدور ديواني الأول (جداريات أنثوية) وفي مداخلة للأديب خلوصي عويضة تساءل عن علاقة التاريخ بالأدب، وهنا أقول أنني وجدت في نصوص الخطيب رواية شفوية، ووصف لواقع تاريخي بأسلوب أدبي، وهنا يصلح ما كتبه من نصوص لأن تكون نصوصا أدبية تاريخية، ومصدر للتاريخ الشفهي، علينا أن ندخل لهذا الباب كمؤرخين وأدباء، وأعتقد أنني سأستفيد منها كثيرا في كتابة التاريخ، لأنها نصوص نستطيع أن ننتقي منها الأحداث ونوثقها.
الحكاءة جيهان أبو لاشين، جعلت مداخلتها بلون آخر فقرأت نصين قصيرين من نصوص الخطيب (عصي – حزين) بطريقة الحكاية، فأضفت عليها نكهة طيبة
أما المختار سيف أبو رمضان فقال في مداخلته: ونحن نسمع ونستمع لما قرأه نعيم حرك شجوننا، كنّا اليوم نحيي ذكرى النكبة عبر فعاليات تمتد من بيت حانون وحتى المعبر، لم أحس بالنكبة وآلامها وآثارها لأنها في مجملها عبارة عن فعاليات إعلامية متكررة، هنا وجدت مشهدا مختلفا، تجسدت فيه النكبة بكل مفرداتها، قراءته حركت شجوننا وآلام نكبتنا
اختتم المختار حديثه بالثناء على كتابات الخطيب قائلا: كتبك تستحق أن تُدرس في المدارس
الصحفي أبو نادر الترك قال: شكرا لنعيم على هذا الأدب المفقود في وطننا، أنا جد متألم لأننا في الذكرى 66 للنكبة ولازالت مجرد يافطات، أنا أطالب جميع الشعراء والأدباء أن يُلحوا على وزارة التربية والتعليم ليعملوا على إدخال هذه النصوص في المساقات الجامعية لتدرس للطلاب، كي يحمل أطفالنا من بعدنا الراية، فيحملونها على أساس سليم
الأديب غريب عسقلاني كانت مداخلته التي قال فيها: أعتقد أن نعيم ضحك علينا جميعا لأنه أزاحنا معه بفعل تداعيات الآخرين لمنطقة التذكر والحزن السابق، لكنه إنسانا وفي ثنايا نصوصه مثقف عميق الرؤية، لديه الكثير من التجارب وفي بيئات متعددة
يعرف الخطيب نفسه بأن لديه دراسة في الحاسوب، وأخرى موازية في المسرح، وفي غمرة الحديث نسينا أنه فنان يشتغل على نفسه، يعرف فنون الكتابة، يجيد تصنيف نفسه فقال: أنا أكتب نصوصا
في تقديري أن ما كتبه كان نصا عابرا للنوعية، يتجاوز النوعيات ليصنع شكلا جديدا، فيشكل شخصيته التعبيرية من خلال نصه
إضافة إلى أنه اعتمد على الدهشة التي ليست هي نتيجة النص، إنما هي أحد مكونات النص
الخطيب مبدع لئيم لأننا دائما مع مقولة: إن النص الجيد هو ما يحقق المتعة والدهشة، وهو يأخذ الدهشة، ويصنع من نصه دهشة جديدة، يأخذ الخاص بالعام ويلقي أمامنا متفجرة جديدة.
وللدكتور خضر محجز مداخلة قال فيها: التاريخ سير الأمة، وسير أحداث الأمة، والأدب سير الأفراد والمشاعر، والنص الأدبي سيرة الضعف الإنساني وهشاشة البشرية، فهي سيرة البطل الغائب

اختتم الخطيب الجلسة بقراءة نص بعنوان (أبو حسن
كانت حارتنا [بلوك P] في مخيم رفح تستيقظ فجرًا على أنغام أدواته، وتضع أحمالها فقط حينما يسكن واللّيل. هو جارنا، العمّ أبو حسن البلعاوي. و (البلعاوي) ليس فقط اسم عائلةٍ يعود أصلها لبلعا قضاء طولكرم، بل هي مفردة مستحدثة في القاموس المعاصر تعني الحدّاد لجميع سكان قطاع غزّة، ولمعظم أهالي قرى ومدن فلسطين، ولقاطني بعض الأقطار العربيّة.
تقع ورشة أبو حسن ـ الّتي تكبرني سنًّا ـ في مدخل حارتنا، ويفصلها عن بيتنا شارعٌ، تسدّه محتوياتٌ تفيض بها الورشة [فأبو حسن يلتقط خردوات الحديد كمغناطيسٍ ويكدّسها لغرضٍ قد يقدّره أحد أحفاده]، ويتوسّطه جذع شجرة كينا يطيب حطبها لإحماء الكير.
كان المواطنون والفلاحون والبدو يشدّون الرّحال إلى مكّة الحديد من جميع أنحاء قطاع غزّة وسيناء، وكان يأتيها الزّبائن اليهود أيضًا من داخل الخطّ الأخضر. وكانت الحارة تعجّ بعربات الحمير والجرارات وسيارات البيجو نصف النّقل والشّاحنات، وتتحوّل لمهرجانٍ خاصّةً يوم السّبت [يوم السّوق في المدينة]. ربّما كان هذا كلّه بسبب طيبة قلب أبو حسن أو قليل أجرته أو دعوات ـ أمّه ـ أمّ ربحي، ولكنّه في الأغلب عائدٌ إلى حقيقة أنّ أبو حسن (بيطلع) بيده كلّ شيء؛ فهو أوّل من أدخل المخرطة إلى جنوب قطاع غزّة، وآخر من سيخرج منه الكير.
لم تكن ورشة أبو حسن محطّةً انتقاليّةً في حياة أبنائه ـ ومنهم المدرّس والنّقابيّ والمهندس والطّبيب ـ فقط، بل كانت كذلك بالنّسبة لكثيرٍ من تاركي المدرسة وخريجي معهد الأونروا للتّأهيل المهنيّ وآخرين. فأبو حسن يؤمن بأنّ عابر السّبيل، أو الطّامع في كوب شاي على الفحم، أو المستجير من المطر، أو حتّى المتسكّع ساعة خروج بنات المدرسة الإعداديّة المجاورة، قادرٌ على إعمال فأسٍ أو إزميلٍ في جذع الكينا الميّت، أو حمل مطرقةٍ بوزنه يهوي بها على رأس مقصّ الحديد في يد أبو حسن الواثقة. وهكذا تعلّمنا جميعنا الحدادة في سنٍ مبكّرة.
كان أبو حسن مصدرًا لسوء فهمٍ دائمٍ بيني وبين مدرّس التّربية الدّينيّة في الصّفّ الثّالث الابتدائيّ؛ فالأخير كان لا يرى فيه مثلًا للجليس الصّالح. فيما يختلف معه في ذلك حتّى من كان قد قضى ليلته بصحبة عينين كجمرٍ ونظّارةٍ من شرائح البطاطاس، بسبب لحام الأوكسجين، أو من قضى ليلته في رفع المتاريس من الشّوارع ـ بأمرٍ من جنديٍّ أهوجٍ لا يعرف إلاّ لغتَه ـ وقد خانته كلمة (كافيد) [أي ثقيل بالعبريّة].
تجتمع في أبو حسن ـ على حدّ تعبير البعض ـ صفاتٌ غريبةٌ  ترتقي لعيوبٍ خَلْقيّة، فطيبته مدعاةٌ للتّندّر، وهو دائم الابتسام، مهووسٌ بعدّته، لا يقاوم بائعًا متجوّلًا، عديم الانفعال، كثير الهمس، يخلط المحكيّ بالحكمة [حتّى في غير مواضعها]: نصح أحد أبنائه ـ وقد كان زميل دراستي ـ المحتار في أمره، بعد حصوله على منحة للدّراسة في الاتّحاد السّوفيتيّ في حينه: "يا بنيّه الدّكتور بيعمّر [أي يصلح] بني آدمين". وقد كان البعض يراه غريب الأطوار، فعندما كان ميكروفون الجيش يرفع حظر التّجوّل مؤقّتًا لكي يتمكّن سكان المخيم من قضاء احتياجاتهم، كان أبو حسن يسارع لفتح ورشته، يلملم ما تناثر منها في الشّوارع المجاورة، و(يدَوْزِن) مفاتيحه ومقصّاته وكمّاشاته ومطارقه وأزاميله وسنابكه.
لأنّه لا يتقن صنع النّهايات كما يتقن صنعته، فإنّني سأزوره يومَ غدٍ في عامٍ ما، لا لأهيل عليه برادة الحديد، فهو لم يوصِ أحدًا بذلك، بل لأشرب شايه الغامق الحلو من ركوةٍ متفحّمةٍ، وأرتشف ابتسامته المحايدة ودخان الحديد الأحمر المنطفئ. سيظلّ أبو حسن قائمًا على رأس حارتنا. ربّما قد تنشغل كفّه الغليظة بمغنطة كلّ ما يلامسها، ولكنّه سيظلّ دومًا حارسًا لفلزّاته المتأكسدة وجذع شجرة.

بعدها رفعت الأستاذة فتحية الجلسة فقالت: تُرفع الجلسة لجلسة أخرى نحتفل بها كما احتفلنا اليوم بإبداع جديد، سنحتفل في جلستنا القادمة بإذن الله بإضاءة شمعة جديد إنها الشمعة الثالثة عشرة من عمر الصالون الأدبي الذي هو منكم وإليكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب   صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Icon_minitimeالأحد 29 يونيو 2014 - 15:53

تحياتي وكل عام وانتم بخير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فتحية إبراهيم صرصور
الأعضاء
الأعضاء



عدد المساهمات : 137
نقاط : 381
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 26/11/2010
العمر : 71

صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Empty
مُساهمةموضوع: رد: صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب   صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب Icon_minitimeالإثنين 30 يونيو 2014 - 1:13

بارك الله بكم، ودمتم منارة علم وإعلام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صالون نون الأدبي يحيي ذكرى النكبة بإبداع لنعيم الخطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: الأقسام الأدبية :: واحة المقهى الادبي-
انتقل الى: