ما تُقدِّم دراسة (المسجد في
أمريكا: صورة وطنية) الصادرة عن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كير في
عام 2001م، أوَّلَ وأشمل مسحٍ من نوعه لأهم المؤسسات المسلمة في أمريكا
وأكثرها انتشارًا، ألا وهي المساجد.
وتشير الدراسة إلى أن 2% من المساجد في أمريكا تم تأسيسها
قبل عام 1950م، في حين تم تأسيس نصف المساجد بعد عام 1980م، كما أن 87% من
المساجد في أمريكا تم تأسيسها بعد التسعينيات.
كما أوضحت الدراسة أنَّ أحد أهمّ الأسباب لنمو أعداد
المسلمين في أمريكا يعود إلى ارتفاع معدلات اعتناق الإسلام بين الأمريكيين؛
إذ يعتنق الإسلام كل عام 20 ألف أمريكي، 70% منهم من الأفارقة الأمريكيين[5]؛
حيث تشير التقديرات إلى أن مقابل كل أمريكي أبيض يتحول إلى الإسلام، يوجد
عشرة من الأمريكيين السود يعتنقون الإسلام. ولا ننكر أن أعظم الوسائل التي
استخدمها الأمريكيون الأفارقة المسلمون للدعوة إلى الإسلام والتي حققت
نجاحًا كبيرًا، هي تقديم الإسلام إلى السجناء الأمريكيين؛ فقد تحول العديد
من هؤلاء السجناء إلى أعظم المدافعين عن الإسلام والعاملين في سبيله في
أمريكا. ولم تقتصر المنظمات الإسلامية على الدخول إلى السجون فقط، بل أقامت
المساجد داخل بعض السجون، مع تخصيص أماكن لإقامة شعائر الصلاة وأخرى
لتلاوة القرآن الكريم ودراسته. كما تفاوضت مع السلطات لتوفير الاحتياجات
الدينية الأخرى للسجناء المسلمين مثل: الطعام الخالي من لحم الخنزير،
وتمكينهم من إقامة شعائر صلاة الجمعة، وتعديل مواعيد تناول الوجبات خلال
شهر رمضان المبارك. وقد شهدت السلطات بأن السجناء المسلمين من أكثر السجناء
ميلاً للمسالمة، وأعظمهم نشاطًا وقدرةً على العمل، والنظافة الأخلاقية[6].
أيضًا يطلق البعض على المرحلة الحالية من مراحل تطور
المسلمين في أمريكا، والتي تمتد منذ تسعينيات القرن العشرين اسم (مرحلة
المسلمين الأمريكيين)؛ حيث تميَّزت هذه المرحلة بظهور عدد من
المؤسسات الإسلامية الأمريكية التي أُسِّست لتعالج بعض مشكلات المراحل
السابقة في قصة الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل قلَّة
التركيز على النشاط السياسي، وضعف المشاركة في فعاليات الحياة العامة
الأمريكية، والانقسام لأسباب عرقية، واختلاف المذاهب الدينية. ومن أمثلة
هذه المؤسسات: مجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC)
الذي أُسِّس في عام 1988م، والمجلس الإسلامي الأمريكي (AMC)
الذي أسس في عام 1990م، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) الذي أسس في عام 1994م، والتحالف الإسلامي الأمريكي
(AMA) الذي أسس في عام 1994م[7].
أمَّا في عام 2002م، فقد بلغ عدد المسلمين في المجتمع
الأمريكي حوالي 7.5 ملايين مسلم، يمكن تقسيمهم بحسب أصولهم على النحو
التالي:
م | المسلمون
| العدد (بالمليون) | النسبة |
1 | أصحاب الأصول الإفريقية
| 3,61 | 48.2 % |
2 | أصحاب الأصول الآسيوية
| 1,8 | 24 % |
3 | أصحاب الأصول الشرق أوسطية
| 1,4 | 18.5 % |
4 | أصحاب الأصول الأوربية والأمريكية وغيرها
| 0,69 | 9.3 % |
| المجموع
| 7,5 | 100 % |
وتعتبر قضية الوجود وتكوين الهوية المتميزة من أهم القضايا
التي واجهت المسلمين في المجتمع الأمريكي، فلقد كانت أهم مشكلة واجهت
المسلمين الأوائل في المجتمع الأمريكي، هي العقبات النفسية والدينية
والثقافية والاجتماعية التي تتعلق بمصيرهم ومصير أبنائهم، وتراثهم وعقيدتهم
في مجتمع جديد عليهم في قيمه وفي عاداته، وفي النظم والقوانين التي يسير
عليها، وفي الاعتبارات التي تحكم التفاعلات بين أفراده؛ هذه العقبات
وغيرها كان لها العديد من الانعكاسات على موقف المسلمين ونظرتهم إلى أنفسهم
وإلى المجتمع المحيط بهم، وكانت بمنزلة الأساس الذي قامت عليه هوية
المسلمين في المجتمع الأمريكي[8].
هناك نوعان مختلفان من القضايا الإسلامية بالنسبة للمسلمين
في الولايات المتحدة، الأول ما يمكن التفكير فيه بوصفه قضايا تقليدية
بالنسبة للأقليات المسلمة في كل مكان، وفي هذه القضايا يكون الهمُّ الرئيسي
هو كيف يعيش المسلم حياة إسلامية في بلد غير مسلم، والمطلب الرئيسي هنا هو
المحافظة على الإسلام كطريقة للحياة في مجتمع يصعب فيه ذلك. أمَّا
النوع الثاني من القضايا الإسلامية فيتصل بالتطورات والتحولات الكبرى التي
جرت في العقود الماضية، وقد وصف البعض هذه التغيرات بأنها ولادة مجتمع ما
بعد الصناعة.
ينظر الكثيرون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدين على
أنه شأن خاص وفردي وليس شأنًا عامًّا، والإطار الاجتماعي الأساسي الذي
يعيش فيه المسلمون في الولايات المتحدة هو إطار علماني من أغلب النواحي،
وبذلك أصبحت إحدى القضايا الرئيسية بالنسبة للمسلمين هي كيف يمكن للإسلام
أن يؤدِّي دوره - وهو الذي يمثل طريقة شاملة للحياة - في مثل هذا السياق
العلماني، ومن خلال إطار قانوني واجتماعي أقرَّ الفصل الكامل ما بين الدين
والدولة.
يمكن أخذ قضية الصلاة في المدارس الحكومية الأمريكية كمثال
للمشاكل الناتجة عن إقرار سياسة فصل الدين عن الدولة في المجتمع الأمريكي؛
حيث يدور جدل محموم حول موضوع ما إذا كان ينبغي السماح بأداء الصلاة في
المدارس الحكومية الأمريكية أم لا، وذلك بالنسبة للصلاة عمومًا سواء
للمسلمين أو للنصارى، إضافةً إلى ما يحتاجه المسلم لأداء صلاته وبانتظام من
اقتطاع أوقات من ساعات عمله، بجانب احتياجه إلى مكان مناسب للصلاة لا
يتوافر بسهولة في المدارس الأمريكية أو في المكاتب والمصانع، كذلك يحتاج
المسلم لمرافق من أجل الوضوء
[9].
أيضًا ارتبطت عملية التكيف مع المجتمع الأمريكي من جانب
المهاجرين المسلمين بالعديد من القضايا الداخلية، مثل قضية التعليم
الإسلامي، وقضايا العنف والمخدرات والتفكك الأسري، وقضايا التمييز العرقي
ضد المسلمين، وذلك بجانب القضايا الخارجية النابعة من الدول والمجتمعات
الإسلامية التي تنتمي إليها الجماعات الكبرى التي تتكون منها الأقليات
الإسلامية في المجتمع الأمريكي، والتي يمكن أن تؤثِّر في طبيعة دور هذه
الأقليات في المجتمع الأمريكي، مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية
البوسنة والهرسك، وكوسوفا، وكشمير، والشيشان، وغير ذلك من القضايا التي
تؤثر في دور الأقليات المسلمة في المجتمع الأمريكي.
[1]
دراسة بعنوان الدروس السياسية للأقليات الإسلامية في المجتمع، منشورة على
موقع الإسلام اليوم الإلكتروني، بتاريخ 7/ 4/ 2003، الرابط الإلكتروني:
http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=71&catid=75&artid=2042[2]
د.رضا عبد الحكيم رضوان، دراسة بعنوان كيف ساهمت الأقلية الإفريقية في
انتشار الدين الإسلامي، مجلة المستقبل الإسلامي - العدد 182 - جمادى الآخرة
1427هـ.
[3]
إيفون يزبك حداد: المسلمون في أمريكا، مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة
الأهرام، الطبعة الأولى 1994م، ص43- 45.
[4]
إيفون يزبك حداد: المسلمون في أمريكا، ص45- 48.
[5]
د.رضا عبد الحكيم رضوان، مجلة المستقبل الإسلامي - العدد 182 - جمادى
الآخرة 1427هـ.
[6]
الأقليات المسلمة في العالم، دار الندوة العالمية، 1999م، 3/1253.
[7]
د.رضا عبد الحكيم رضوان، مجلة المستقبل الإسلامي - العدد 182 - جمادى
الآخرة 1427هـ.
[8]
علاء بيومي، مدير الشئون العربية في منظمة كير الإسلامية، مقال بعنوان
صورة الإسلام في أمريكا: الجذور والحاضر، جريدة الوطن المصرية، 9/6/2004م.
[9]
إيفون يزبك حداد: المسلمون في أمريكا ص252- 254.
مسلمو أمريكا.. والفاعلية المطلوبةما زال الوجود السياسي الفعَّال للأقليات الإسلامية على
الساحة الأمريكية يتطلب مزيدًا من الوعي والاقتناع من هذه الأقليات بأهمية
دورها وقدرتها على التأثير في القرار السياسي الأمريكي؛ ليستجيب
لمطالبها واحتياجاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، داخليًّا
وخارجيًّا، وبما يسهم في تحقيق أهدافها السياسية، مثل إثبات الوجود
للمسلمين كجماعة من الجماعات التي يتكوَّن منها الشعب الأمريكي، وتأمين
حقوقهم في المجتمع الأمريكي، وتمكينهم من العيش بصورة تجعل ممارساتهم
لحياتهم وشئونهم الإسلامية أمرًا يحميه القانون، وتحترمه مختلف طوائف الشعب
الأمريكي. وكذلك إثبات الفاعلية والتأثير في المجتمع الأمريكي، وذلك بطرح
الرؤية وتقديم الحلول الإسلامية للقضايا ذات التأثير والأهمية في مختلف
المجالات الحياتية التي يمر بها هذا المجتمع، هذا إضافةً إلى التأثير في
أجهزة ومؤسسات صنع القرار الأمريكي بما يخدم قضايا وتطلعات المسلمين داخل
المجتمع الأمريكي وخارجه.
وتتوقف فاعلية الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع
الأمريكي على ثلاث نقاط أساسية: أولى هذه النقاط هي تلك النابعة من
الأقليات الإسلامية ذاتها من حيث موقفها من المشاركة السياسية في المجتمع
الأمريكي بصفة عامة، ومدى قدرتها على بناء المؤسسات السياسية ذات الطابع
الإسلامي، ومدى توافر القيادة الإسلامية القادرة على توجيه وترشيد العمل
السياسي للمسلمين في المجتمع الأمريكي. وثاني النقاط التي تؤثر في
فاعلية الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي نابعة من
المجتمع الأمريكي نفسه من حيث رؤيته لهذا الدور، وموقف النظام السياسي
الأمريكي من هذا الدور، وكذلك موقف جماعات المصالح القائمة في المجتمع
الأمريكي، إضافةً إلى القواعد والتشريعات القانونية التي تحكم العمل
السياسي، ليس للمسلمين فقط ولكن لمختلف الأقليات والجماعات التي يتكون منها
المجتمع الأمريكي. أمَّا عن النقطة الثالثة والأخيرة التي تؤثر في فاعلية
الدور السياسي للأقليات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي
نابعة من البيئة الإقليمية والدولية المحيطة، والمتمثلة في التأثيرات
المختلفة للأحداث الدولية والإقليمية، وخاصةً تلك التي ترتبط بالدول أو
بالمصالح الإسلامية في مختلف دول العالم، وانعكاساتها على الدور السياسي
للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي.
كما يواجه الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع
الأمريكي العديد من التحديات التي يأتي في مقدمتها التناقض وعدم القدرة على
الفهم السليم للإسلام والتراث الإسلامي، وأيضًا ضعف الوعي بأهمية العمل
السياسي لدى المسلمين، وذلك إضافةً إلى التحديات التي تواجه العمل الإسلامي
في الولايات المتحدة الأمريكية من غياب التنسيق بين التنظيمات الإسلامية،
وقلة الموارد المالية، ونقص الخبرات السياسية، هذا بجانب التحديات النابعة
من البيئة السياسية الأمريكية الداخلية والتي من بينها الصورة السلبية
للإسلام والمسلمين، وقوة اللوبي الصهيوني، وتشدُّد التيارات المسيحية
الأصولية، وعنف الميليشيات المسيحية المسلحة.
التحديات الخارجية.. والحادي عشر من سبتمبرأمَّا عن التحديات النابعة من البيئة السياسية الخارجية
فترتبط هذه التحديات بدرجة كبيرة بالقضايا والأحداث والتحولات التي تشهدها
الساحة العربية والإسلامية، والتي ينتمي إليها معظم المسلمين في المجتمع
الأمريكي، وتؤثر في دورهم وممارساتهم داخل المجتمع الأمريكي. ولعل من
أبرز هذه الأحداث التي تركت تأثيرًا سلبيًّا في الدور السياسي للأقليات
الإسلامية داخل المجتمع الأمريكي الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988م)،
والغزو العراقي لدولة الكويت في عام 1990م، وتطورات الصراع العربي
الإسرائيلي، واستغلال ذلك لتشويه صورة الإسلام في المجتمع الأمريكي.
بنظرة واقعية نجد أنَّ الصورة الراهنة للإسلام والمسلمين في
الولايات المتحدة هي نتاج تراكمات ثقافية وحضارية تكوَّنت عبر قرون تعود -
كما يرى بعض المؤرِّخين - إلى فترة الحروب الصليبية ذاتها، مرورًا بعصور
الاستعمار الأوربي ونشأة أمريكا، ووصولاً إلى الفترة التالية للحرب
العالمية الثانية، ثم المرحلة الراهنة وتبعات أحداث الحادي عشر من
سبتمبر عام 2001م الخطيرة على صورة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة[1].
تمثِّل أزمة الحادي عشر من سبتمبر مرحلة فاصلة في تاريخ
الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي؛ وذلك لما ترتب عليها من آثار
في الأقليات الإسلامية ودورها السياسي الذي تقوم به داخل المجتمع الأمريكي.
فقد كان للأزمة آثارٌ سلبية جسيمة من الصعب حصرها،
مثل: تزايد حالات الاعتداء على الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي،
وترسيخ الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في أذهان الأمريكيين، وتهديد
حقوق المسلمين في الولايات المتحدة، وأيضًا التأثيرات السلبية في النشاط
السياسي للأقليات الإسلامية.
وقد أصدر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) أكثر من
تقرير واستطلاع للرأي عمَّا تعرضت له حقوق المسلمين الأمريكيين المدنية بعد
أزمة سبتمبر، وجاءت نتيجة هذه الاستطلاعات لآراء المسلمين في أمريكا موضحة
لمدى الضرر الذي حاق بالمسلمين؛ حيث كشفت أنَّ عدد المسلمين الذين
تضرروا بصورة مباشرة من موجة الاعتداءات على المسلمين خلال عام بعد الأزمة
بلغ 2250 اعتداء، بينما قُدِّر عدد المسلمين المتضررين من أحداث سبتمبر
بستين ألف مسلم، وأكثر من خمسة آلاف مسلم تم استجوابهم في التحقيقات بشأن
أحداث سبتمبر[2].
ورغم عِظَم الضرر الذي وقع على المسلمين من جرَّاء هذا
الحادث الأهوج إلاَّ أنه تم رصد بعض المظاهر الإيجابية التي ظهرت على
الأقليات الإسلامية بعد هذا الحادث؛ فقد حدث تزايد ملحوظ في عدد
الفتيات المسلمات اللاتي قرَّرن ارتداء الحجاب فيما وصف بأنه ردُّ فعل عكسي
للمضايقات التي تعرض لها المسلمون، ورغبةً منهن لإظهار اعتزازهنَّ
بدينهنَّ. كما فتحت الأزمة أمام المنظمات الإسلامية الأمريكية الطريق
للتحاور مع أكبر المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، إضافةً إلى مشاعر
الوحدة والتحدي التي شاعت داخل المجتمع المسلم الأمريكي بعد هذه الأزمة،
فزاد إقبالهم على المساجد لتعلُّم دينهم، وزاد حرصهم على التمسك بتعاليمه.
كما أنَّ أحداث سبتمبر من عام 2001م مثَّلت لحظة انقطاع في
القضايا التي تمثل محورًا لاهتمام المسلمين في المجتمع الأمريكي، حيث
وضعتهم في موقع انتظار وترقب لما ستسفر عنه الأزمة وردِّ الفعل الأمريكي
الرسمي والشعبي عليها؛ ولذلك حاولت التنظيمات السياسية ذات التوجهات
الإسلامية العاملة في المجتمع الأمريكي، إعادةَ صياغة قضاياها وتزويدها
بمجموعة من القضايا القادرة على جذب اهتمام جماهير المسلمين الأمريكيين،
وتفعيل دورهم في المجتمع.
[1]
علاء بيومي، مدير الشئون العربية في منظمة كير الإسلامية، مقال بعنوان
صورة الإسلام في أمريكا: الجذور والحاضر، جريدة الوطن المصرية، 9/6/2004م.
[2]
الموقع الرسمي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) على شبكة
الإنترنت، الرابط الإلكتروني
http://www.cair.com/صلابة الوجود الإسلاميلم تستطع هذه الأزمة أن توقف عجلة تطور الوجود الإسلامي في
المجتمع الأمريكي، وذلك لطبيعة هذا الوجود من حيث استناده إلى
الهويَّة الإسلامية كمصدر للقيم والتوجهات، مما يجعل المسلمين أقل تعرضًا
لضغوط الذوبان السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأمريكي، وكذلك طبيعة تطور
هذا الوجود كتطور طبيعي، ليس وليد فترة زمنية محدودة، ولا يرتكز على مؤسسة
بعينها أو فرد بذاته أو جماعة سياسية بعينها، إنما هو تطور طبيعي نتج على
مدار فترات تاريخية ممتدة بدأت مع اكتشاف أمريكا ذاتها، كما يعتمد هذا
التطور على قاعدة عريضة تمدُّه بقدرات بشرية وفنية هائلة من أبناء المسلمين
الأكثر قابلية وقدرة على الانخراط في المؤسسات السياسية والإعلامية
الأمريكية، كما يرتكز على مئات المساجد والمراكز الإسلامية، بجانب العديد
من التنظيمات والمؤسسات التي نشأت للدفاع عن حقوق ومصالح المسلمين في
الولايات المتحدة الأمريكية، وبيان وجهة النظر الإسلامية في مختلف القضايا.
ولكن في ختام هذه الدراسة الموجزة عن الإسلام في الولايات
المتحدة الأمريكية نودُّ الإشارة إلى أنَّ الوضع الإسلامي في أمريكا إلى
تحسُّنٍ، وأعداد معتنقي الديانة الإسلامية في ازدياد، كما أنَّ العمل
الإسلامي الدعوي أصبح لديه من العلم ومن تراكم الخبرات ما يؤهِّله لمرحلة
جديدة ومشرقة في مجال الدعوة الإسلامية. ولعلَّ من أبرز ما يوضح هذا
التطور الذي يشهده العمل الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، احتكاكه
المباشر بمشاكل المجتمع الأمريكي، وتقديم الحل الإسلامي كبديل عملي.
فعلى سبيل المثال نجد أنَّ تكاليف الرعاية الطبية بالولايات
المتحدة مرتفعة للغاية، وتبلغ مصروفات الأَسِرَّة بالمستشفيات ضعف
أجر الإقامة بفندق فاخر، ويعجز كثير من الأمريكيين عن دفع تكاليف الرعاية
الطبيَّة، وعلى الفور نجد بعض الأطباء المسلمين في ولاية لوس أنجلوس يقومون
بإنشاء عيادات طبيَّة توفِّر علاجًا بتكاليف منخفضة، كما توفر العلاج
المجاني للذين يترددون على المساجد. وقد لاقى هذا البرنامج نجاحًا عظيمًا
إلى الحد الذي بدأ معه تنفيذ برامج مماثلة في مناطق أخرى بالولايات
المتحدة.
إن من شأن هذه البرامج أن تؤثر تأثيرًا هائلاً في الرأي
العالم الأمريكي فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين.
وهناك أمثلة أخرى لوضع الرسالة الإسلامية موضع التنفيذ
العملي تتمثل في قيام المسلمين بزيارة دور رعاية المسنين؛ حيث إنَّه من
التقاليد الأمريكية أن يدخل المسنُّ إحدى دور الرعاية، وبطبيعة الحال
أصبح هناك العديد من دور الرعاية التي تضم آلاف المسنين الذين يحتاجون
للحديث مع إنسان ما، ونحمد الله أن بعض المسلمين قد شرعوا في أداء هذا
العمل، ومشاركة رسالة الإسلام مع أكبر الشخصيات علمًا ومعرفة في المجتمع
الأمريكي.
وهناك أمثلة أخرى لممارسة العمل الإسلامي على مستوى راسخ
تتمثل في تطوع المسلمين في الجمعيات الخيرية مثل الهلال الأحمر ومراكز
المستشفيات.
غير أن أكثر الموضوعات إلحاحًا في الآونة الحالية هي
المشاركة النشطة في استخدام وسائل الإعلام؛ فهناك برنامج (إسلام إن
فوكس) الذي يذاع في عديد من مدن أمريكا الشمالية على أساس أسئلة وأجوبة،
كذلك فإن إذاعة الجمعية الإسلامية الأمريكية تبث برامجها لما يربو على مائة
مدينة أمريكية، وهناك عدة محطات إسلامية محلية[1].
كما نوَدُّ أن ننقل صورة حية لواقع المسلمين الآن في
الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال محاولة رصد مظاهر الحياة التي
يعيشها المسلمون في أمريكا خلال شهر رمضان؛ حيث يقيم كثير من المساجد
خلال شهر رمضان موائد إفطار جماعية تتبعها بصلاة التراويح، وتعتبرها
مناسبة مهمة للتقارب الاجتماعي بين المسلمين، كما يلمس المراقب لحياة
المسلمين في المجتمع الأمريكي نشاطًا ملحوظًا، ويزداد وضوح هذا النشاط خلال
شهر رمضان من كل عام، من حيث كثرة التردد على المساجد، والاهتمام بأداء
صلاة التراويح، في علامة واضحة على انتشار الإسلام والمسلمين ووجودهم
بالمدن والقرى الأمريكية المختلفة، وعلى أن التجمعات المسلمة أصبحت واقعًا
ملموسًا في حياة الأمريكيين، وهي في طريقها إلى أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من
النسيج الديني للمجتمع الأمريكي.
وكنتيجة للزيادة الملموسة في أعداد المسلمين وتدفق
المهاجرين المسلمين على العاصمة الأمريكية وضواحيها، أصبح الطلاب المسلمون
يشعرون بحرية أكبر في التعبير عن دينهم بعكس الأجيال السابقة التي اضطُرَّ
بعضها لإخفاء صيامهم رغبةً منهم في التوافق مع البيئة المحيطة بهم.
ودَفَع أيضًا كثيرًا من المدارس للتكيف مع حاجات طلابها المسلمين خلال شهر
رمضان المبارك، وقد ظهر ذلك جليًّا وواضحًا في تخصيص بعض المدارس قاعات
خاصة لطلابها المسلمين خلال فترات الاستراحة بعيدة عن غرف تناول الطعام،
كما أن الطلاب المسلمين استخدموا هذه القاعات للقيام بأنشطة مختلفة مثل
دراسة التاريخ، كما قامت بعض المدارس بتعديل مواعيد برامجها الليلية لتعطي
فرصة لطلابها المسلمين لتناول طعام الإفطار قبل اللحاق بالأنشطة الليلية.
أمَّا بالنسبة لطلاب الجامعات الأمريكية من المسلمين فإن
الصيام يمثل تحدِّيًا كبيرًا لهم بسبب تزامنه أحيانًا مع مواعيد الامتحانات؛
ولذا تنشط اتحادات الطلاب المسلمين بالجامعات لمساعدة الطلاب المسلمين
بأساليب شتى منها توفير وجبات إفطار مجانية، وفي تنظيم صلاة التراويح التي
يحضرها أعداد كبيرة من الطلاب؛ مما يعطي الطلاب المسلمين شعورًا بالوحدة
والتقارب الاجتماعي خلال الشهر الكريم[2].
[1]
الأقليات المسلمة في العالم، دار الندوة العالمية 1999م،
3/1255.
[2]
شهر رمضان المبارك بالولايات المتحدة، موقع مفكرة الإسلام الإلكتروني،
13/10/ 2005م، الرابط
http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=7527.