للعيدفرحة فلا تقتلوها ! للعيدفرحة، فرحة بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، ووافر عطائه، فرحة بالهداية يوم ضلتفئام من البشر عن صراط الله المستقيم، يجمع العيدُ المسلم بإخوانه المسلمين، فيحسبعمق انتمائه لهذه الأمة ولهذا الدين، فيفرح بفضل الله الذي هداه يوم ضل غيره {وَلِتُكْمِلُواالْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. أيُّنعمةٍ أعظم! وأيّ منٍّ أمنُّ وأفضل من أن الله هدانا للإسلام فلم يجعلنا مشركيننجثو عند أصنام، ولا يهود نغدو إلى بيعة، ولا نصارى نروح إلى كنيسة، وإنما اجتباناعلى ملة أبينا إبراهيم ودين نبينا محمد {هُوَاجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْإِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78]. وللعيدفرحة ببلوغ شهر رمضان يوم تصرّمت أعمارٌ عن بلوغه، وفرحٌ بتوفيق الله وعونه على مايسر من طاعته، فقد كانت تلك الأيام الغرّ والليالي الزُّهْر متنزل الرحماتوالنفحات، اصطفت فيها جموع المسلمين في سبْحٍ طويل تُقطعُ الليل تسبيحًا وقرآنًا، فكمتلجلجت الدعوات في الحناجر! وترقرقت الدموع في المحاجر! وشفت النفوس ورقت حتىكأنما يعرج بها إلى السماء تعيش مع الملائكة، وتنظر إلى الجنة والنار رأي عين، فينعمة ونعيم لا يعرف مذاقها إلا من ذاقها. فحُقَّ لتلك النفوس أن تفرح بعدُ بنعمةالله بهذا الفيض الإيماني الغامر. وللعيدفرحة بإكمال العدة واستيفاء الشهر، وبلوغ يوم الفطر بعد إتمام شهر الصوم، فللهالحمد على ما وهب وأعطى، وامتن وأكرم، ولله الحمد على فضله العميم ورحمته الواسعة {قُلْبِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّايَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. فهذاالعيد موسم الفضل والرحمة، وبهما يكون الفرح ويظهر السرور، قال العلماء: "إظهارالسرور في الأعياد من شعار الدين". وشرع النبي وتقريره إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد، قال أنس :"قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إنالله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر". فـ"فيهدليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب، وأن ذلك من الشريعة التي شرعها اللهلعباده؛ إذ في إبدال عيد الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدينالمشروعين ما يفعله أهل الجاهلية في أعيادهم من اللعب مما ليس بمحظور؛ لأن النبي إنما خالفهم في تعيين الوقتين"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ويبينهذا خبر عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وتسجّى بثوبه، وحولوجهه إلى الجدار، وجاء أبو بكر فانتهرهما، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي ،فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: دعهما، ياأبا بكر إن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا". ومنمشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي ما فعله الحبشة، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب، واجتمعمعهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي فنظر إليهم، ثم قال لعائشة: "ياحُمَيْراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟" قالت: نعم. فأقامها وراءه خدها على خده يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول يغريهم، ويقول: "دونكم يا بني أرفدة، لتعلميهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بالحنيفية السمحة". فهذهمشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي فيقرها، ويحتفي بها. ولكنكتعجب لتجاوز هذا الهدي النبوي المنير عند من يحاولون قتل أفراح العيد، والتضييقعلى مشاعر الناس، وكان ذلك يصدر في السابق من بعض الزُهَّاد والعُبَّاد، فروي عنبعضهم أنه رأى قومًا يضحكون في يوم عيد، فقال: "إن كان هؤلاء تُقُبِّلَ منهمصيامهم فما هو فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يُتَقَبَّلْ منهم فما هذا فعل الخائفين".وكان بعضهم يظهر عليه الحزن يوم العيد، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور. فيقول: إنهلا يدري هل قُبِلَ صومه أم لا؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ولئنصدر هذا من عُبّاد وزُهّاد عن حسن نية، فإن مثله يصدر اليوم من بعض الغيورين وعنحسن نيةٍ أيضًا، فيجعلون الأعياد مواسم لفتح الجراحات، والنُّواح على مآسيالمسلمين، وتعداد مصائبهم، والتوجُّع لما يحل بهم، ويذكرونك بأن صلاح الدين لميبتسم حتى فُتِحتْ بيت المقدس، وينسون قوله ممتنًا على عباده: {وَأَنَّهُهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43]، ويتناسون أن لكلمقام مقالاً، ولكل مناسبة حالاً، وأن مآسي المسلمين ثمار مُرَّة لخطايانا وأخطائنا{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، ولن يكونعلاجها بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، والشجاعة أمام الخطأ،ولو أنا قتلنا كل فرحة، وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفّعنا بالغم، وتدرعنابالهمّ، ما حرّرنا بذلك شبرًا، ولا أشبعنا جوْعة، ولا أغثنا لهفة، وإنما وضعناضغثًا على إبالة. وإنخير الهدي هدي محمد ، وقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن، يعجبه الفأل، دائم البشر،كثير التبسم. إننابحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لدفق الأمل في قلوبٍ أحبطها اليأس، وأحاط بهاالقنوط، وتبدّت مظاهر اليأس في صور شتى، منها: سرعة تصديق كواذب الأخبار، وروايةأضغاث الأحلام، وقتل الأوقات في رواية الإشاعات، والتي هي أمانٍ تُروى على شكلأخبار من مصادر موهومة تسمى موثوقة. وهكذا في سلسلة من الإشكالات التي تدل علىالتخبُّط بحثًا عن بصيص أمل في ظلمة اليأس. فياأمة الإسلام، أبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا، وآفاقالإسلام أوسع من أوطاننا، وليست المصائب ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، فقد حصرالمسلمون في الخندق، وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة، وسقطت بغداد، ثم بعد نحو قرنينفُتِحت القسطنطينية، والله لا يعجل لعجلتنا، ولا تتحوّل سننه لأهوائنا؛ فسنن الله لا تحابيأحدًا. ولنتذكرفي هذا العيد ما أبقى الله لنا من خير، وما تطول به علينا من فضل، قُطعت رجل عروةبن الزبير ومات ولده فقال: "اللهم إنك أخذت عضوًا وأبقيت أعضاءً، وأخذت ابنًاوأبقيت أبناءً، فلك الحمد". ونحن نقول: لئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنامنحًا، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعمًا، {وَإِنْتَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. ونحنأحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، وفأل ينتج إنجازًا، أما المهموم المحزون فهوغارق في آلامه، متعثر في أحزانه، مدفون في هموم يومه، لا يرجو خيرًا ولا يأتي بخير،والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.