كم تُقْتُ للأقصى
محمود أسد
القدسُ شَهْدُ النّورِ للمقلِ
ترنو إلينا الآنَ في وَجَلِ
و المسجدُ الأقصى نأى زَمَناً
فالأهلُ دونَ القولِ و العَمَلِ
القولُ في أفواهِهِمْ مِزَقٌ
لم تأتِ بالجدوى و بالأملِ
يا قدسُ ، إنَّ القومَ ، مُذْ غفلوا ،
في ورطةِ التّمزيق و الزَّلَلِ
يا قدْسُ ، هَدْيُ الأنبياء ذوى
و الزّارعونَ النّورَ في العُقَلِ
أبْدى فصيحُ الحزنِ غُصَّتَهُ
و الجهلُ أبدى عورةَ العِلَلِ
و الشّعرُ أمسى مفلساً ، فمضى
في حلكة التّهريج و الدَّجلِ
القبَّةُ الخضراءُ قد شحبتْ
لم يأثموا من سوءَةِ الجدَلِ
صُنّاعُ أقوالٍ لها صعدوا
مُذْ عكَّروا قارورةَ العَسَلِ
هذا جدارٌ هدَّموهُ ، و لم
نغضبْ ، و لم نأسَفْ على المُثُلِ
كم تُقْتُ للأقصى و صخرتِهِ
و المرتجى في عُهْدَةِ الحَمَلِ
يا ليتني أحنو على وجعي
أسقيهِ شوقَ القدسِ للرَّجُلِ
أسقيهِ حزناً لم يجدْ وطناً
يأوي إليه اليومَ كالمُقَلِ
القدسُ مَهْدٌ للمسيحِ ، و مَنْ
جاءَ المسيحَ اليومَ لم يَصِلِ
معراجُ خيرِ النّاسِ مُعْتَقَلٌ
تبكي عليهِ كعبةُ الرُّسُلِ
إنّي أرى الفاروق مُنْقبضاً
لمَّا رأى الأقوامَ في شُغُلِ
دارتْ عليهمْ محْنَةٌ هتكتْ
عرضاً, وداسَتْ ذِرْوَةَ الجَبَلِ
نشكو من الأوغَادِ يا وجعي
و الذّلُّ داءٌ مُغْلِقُ السُّبُلِ
لولاكِ يا قدسَ السَّناء نَأَتْ
أحلامُ من يجري إلى المَلَلِ
دبَّجْتُ قلبي ، أرتضي سَفَراً
عمَّنْ أضاعوا هيبَةَ المِلَلِ
يا قسوة الأخبارِ من وطني
إنّي أتوقُ اليومَ للبَطَلِ
صِهْيونُ أزكى حقدَهُ ، فمضى
في الدَّسِّ و التّدميرِ و الشُّعلِ
صهيونُ في القدسِ الجريحِ رمى
ناراً ، و عَيْنُ الكونِ في الوَحِلِ
يا قبلَةً تاق النّبيُ لها؛
ماذا يقولُ الشّعرُ للطَّلَلِ
يا قدسَنا ، كنَّا على خُطَبٍ
نشدو ، فلم نطربْ وَلَمْ نَنَلِ
كنَّا نجافي عقلَنا ، بَلْ قلْ
نجني على الأفكارِ بالقُفُلِ
يا قدسُ عفواً لو رميتُ غداً
في وجهِ مَنْ أحْبَبْتُهُم خجلي
إنَّ المنايا أزْهَرَتْ أملاً
و العمرُ دونَ الزّرعِ كالخَبَلِ
و القدسُ من غيرِ الفدا هَمَلٌ
و القدسُ عينُ اللهِ في النِّحَلِ
أرجوكَ ربّي أن تكونَ لنا
عوناً. و ليسَ الحَلُّ بالغَزَلِ
إنَّ الأماني دَرْبُها وَعِرٌ
و النَّصْرُ لا يُؤْتى مِنَ الكسلِ