واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
قصي المعتصم-1
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip



عدد المساهمات : 21
نقاط : 45
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2010
العمر : 68

الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Empty
مُساهمةموضوع: الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)   الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Icon_minitimeالأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 0:49

الوفاء....لزمن الحب والحرب( 9 )

(نجم في السماء )
قصي المعتصم


زحفت السنين وتوالت ، وهي تنتظر من يتقدم لها..حتى نسيت أو بدأت تتناسى أنها امرأة ، ولا بد أن تتزوج يوماً ما كوالدتها..وجدتها..وكذا هي سنّة الحياة..تجاوز عمرها منتصف الثلاثينات ..كانت تحب الأطفال ، وكل أطفال أقربائها وجيرانها يحبونها..لأنها تغدق عليهم بالهدايا في كل مناسبة، كان كل من حولها يكنّ لها كل الاحترام والتقدير، كونها امرأة طيبة القلب، ملتزمةً بدينهاً وتؤدي الفرائض وذات خلق عالي.
شاءت الصدف أن يعود شقيق أحد جاراتها من غربة طويلة ، بقي طوال تلك السنين من دون زواج، كان عمره قد تجاوز الخمسين بقليل، والتقيا عند بيت أخته، ثم حصل النصيب ، وتزوجت من ذلك الرجل.....
مرّت سنة... وسنتين ولم يرزقا بطفل، ثم حدث ما تمنته طوال حياتها، أصبحت حاملاً وهي في الحادية والأربعين من عمرها .... ثم أنجبت صبياً جميلاً..
ولما كانت تحلم دائماً بصبي يملأ عليها حياتها فقد أسمته (نجم) لأنها كانت دائماً ترنو إلى السماء تدعو الله أن يحقق حلمها، وكانت تتطلع إلى النجوم لترى فيها عظمة الخالق....
وكان أحد النجوم بريقه يختلف عن باقي النجوم ، أحبته وسمّت ابنها (نجم) ......
نشأ (نجم) وبدأ خطواته الأولى، وكلماته الأولى بعمر السنتين، وفجأةً يتعرض والده لأزمة قلبية ويفارق الحياة، ليبقى هذا الطفل كل ما لديها في الدنيا.
بدأ (نجم) يكبر ودخل المدرسة..كانت تذهب معه إلى المدرسة لإيصاله وتنتظره حين خروجه لتعود به إلى البيت ، ولمرات كثيرة ، كانت تذهب إلى مدرسته قبل انتهاء الحصص الدراسية بساعة أو ساعتين وتبقى جالسةً عند الباب لحين خروجه.
كان الجميع يعجبون لحب هذه المرأة وتعلقها بطفلها، كيف لا ! ..وهي التي حرمت نفسها من كل شيء في الدنيا ولم يبق لها لتعيش لأجله إلا هذا الصبي.
توالت السنين..ونجم يكبر وينتقل من الابتدائية إلى المتوسطة والثانوية..وهي لم تغير من طبعها ولكن تغير الأمر بعض الشيء ، لأنه بات يخجل من اصطحاب أمه له، كون كل من معه يذهب منفرداً إلى مدرسته أو بصحبة أصدقاءه ، فبدلاً من السير برفقته، باتت تسير خلفه ، بمسافة لا تتيح للشبان الذين معه ملاحظتها..حتى يدخل باب المدرسة ، وهكذا تنتظر خروجه من مسافة بعيدة وحتى وصوله الى البيت، هذا الوضع أراح نجم وأرضى عاطفتها ، وله الحق في ذلك، لأن الصبية الذين معه باتوا يسمعونه كلاماً يشعره بأنه ما زال طفلاً..وكذا بعض كلمات السخرية، ولكن الوضع الجديد أنهى ذلك الأمر، تحرر هو من ملازمة أمه، وهي مطمئنة عليه على البعد..هكذا كانت تلك الأم.. لا تتخيل أنه ممكن أن يغيب عن عينها لحظةً واحدةً.
كان عندما ينام تجلس عند رأسه وتتطلع إليه وتذهب وتعود خشيةً من تحرك الغطاء عن جسده لتعيده إلى مكانه.
لم تكن ترمي أياً من أغرضه وملابسه التي تضيق عليه سنةً بعد سنة، كانت لديها غرفةً ثانية تحتفظ فيها بكل ما ارتداه نجم منذ ولادته..سريره..لعبه..رضاعته...حتى الحفّاضات التي كان يرتديها، تحتفظ بها حيث كانت آنذاك من القماش وليس كما هي الآن ترمى بعد الاستخدام..فترى كل شيء مرتب وكأنه يحكي تاريخه ، من الأحذية الصغيرة إلى الجوارب إلى اللّعب والدمى، كذلك الصور المختلفة منذ يوم ولادته..
سهرت الليالي معه وهو يطالع دروسه، تجلس بجانبه خشية أن يحتاج لشيء..لم يكن لها في الدنيا ما يشغلها غير فروضها الدينية، ثم هذا الشاب الذي وهبها الله إياه.
تمر الأيام وينهي نجم دراسته الثانوية ويحصل على معدل ٍيؤهله لدخول أية جامعة يرغب..
وكان قد دار نقاش بينه وبين والدته حول ما سيختار، فقد كانت داخلها تتمنى أن يكون طبيباً، لأنها مهنة إنسانية يستطيع من خلالها أن يخدم الناس..
سألته: " ماذا ستختار؟"
أجابها: "سأختار ما ترغبين به يا أمي"
- لكن هذا مستقبلك ولا أريد أن تختار شيء لا ترغب به لأجلي......
- لكن لك الفضل فيما وصلت إليه ، وأنت أحق بتحديد الاختيار.
- كل ما يقدمه الله أنا راضية فيه .
- نعم ولكن أردت فقط معرفة رأيك ؟
- إن كنت مصراً..كنت أتمنى أن تكون طبيباً.
ـ وهذه كانت رغبتي أيضاً وسعيت لأن أحصل على معدل يؤهلني لدخول الطب، وأنت تعرفين، وكما قلت دائماً..لو كان هناك طبيب قريب منا حينما أصيب والدي بأزمته القلبية لما كان توفى..ولو أنها إرادة الله ..ولكن أحببت أن أكون طبيباً لأقدم للناس الخدمة التي حرم منها والدي وكانت سبباً لوفاته..لذا سأتوكل على الله، ومن بعده موافقتك وسأقدم لكلية الطب.
فرحت الأم باختيار ولدها، فرحت لأن تربيتها وتعبها وسهر الليالي لم يذهب سدىً..قبّلت جبينه..وباركت اختياره..وكان له ذلك.
مرت سنوات الطب والأم كعادتها تسهر كل ليلة لتلبي طلبات (نجم) وهو يتابع دروسه وازدادت أعبائها المادية ومتطلبات الحياة، ولم يعد الدخل الذي يأتيها من إيجار بعض المحلات وبيت تركه لهم والدهم يكفي ..فبدأت تبيع شيئاً فشيئاً قطعةً تلو الأخرى من ذهبها مما كان لديها من أيام عرسها لكي لا يشعرولدها بالعوز، ولتغطي العجز في ما يردهم من دخل لكي ينهي نجم دراسته.
لم يبق سوى سنةً واحدةً على تخرجه، حين آندلعت الحرب العراقية الإيرانية..وتلك السنة ، ذهب بعض من زملاءه المتخرجين حديثاً إلى جبهات القتال، وبدأت أعداد الشهداء تصل إلى مسامع الأم ، وتبكي لبكاء أمهاتهم..والبعض منهم وصل إلى منطقتهم، فكانت تذهب للعزاء وتبكي على هؤلاء الشباب، وتتذكر زوجها الذي تركها وحيدةً مع ابنها ، وتتمنى من الله أن يحفظ أبناء الوطن وينصرهم.
لم تكن قد خلعت ثيابها السوداء منذ توفي زوجها....
أنهى نجم السنة الأخيرة من دراسته وأصبح طبيباً، كانت الأم تأمل في أن يعفى نجم من الخدمة العسكرية أو يؤجل كونه المعيل الوحيد للعائلة (الأم) حسب ما كان سائداً حينها.
جاء نجم ذات مساء لأمه وأخبرها أنه تبلّغ بالالتحاق بالجيش بعد عدة أيام، كان وقع الخبر عليها كالصاعقة لا خوفاً من العسكرية ..ولكن..كيف ستعيش من دونه يوماً واحداً، منذ ولد وهو أمام عينيها لم تفارقه لحظةً واحدةً وتسمع أن الجنود يغيبون مدةً طويلةً عن أهلهم تصل إلى الشهرين أحياناً، فكيف لها أن تعيش كل تلك الأيام من دون رؤيته؟ والمكان الذي سيذهب إليه كيف ستذهب إليه ؟ وأين ستنتظره؟ وهل سيسمحون لها برؤيته؟..عدا أنّ عمرها قد تجاوز الستّين والسفر ينهكها..
قالت لنجم: "ولكن يا ولدي لماذا لا تقدم إعفاء من الخدمة لأنك المعيل الوحيد لي لأني فعلاً كبرت وبحاجة لك، فلم أعد كما كنت سابقاً، وسأكون وحيدةً وفراقك يؤلمني".
أجابها نجم: "لقد فكرت بذلك يا أمي ..وأنت تعرفين ، عندما آخترت مهنة الطب، لأعالج من يحتاجني، واليوم إخوتي في الجبهة يصابون بجروح وعندما أكون قريباً منهم أستطيع أن أعالجهم وأنقذ حياتهم، وهذا ما سعيت لأكون لأجله عدا أن وجودي هو جزء من واجبي تجاه الوطن، فكيف أتخلف عن هذا الواجب؟..لا أريد أن تثلم رجولتي ويقال عني أنني تهربت من الواجب و جلست بجانب والدتي وغيري يدافع عن وطنه..هل تقبلين أن يقال عني ذلك؟".
لم تستطع أن تواري دموعها وهي ترى ولدها ينطق بالحقيقة التي هي أيضاً تؤمن بها، ولكن قلب الأم على وحيدها تائه بين ما تتمنى والحقيقة.
لم تشأ أن تضغط عليه أكثر وهي تعرف أن ذلك من شأنه أن يؤلمه ، وكان له ما أراد.
جاءها عصر أحد الأيام وهو يرتدي الملابس العسكرية ، كان يزهو بها ، فلأول مرة تجد ولدها قد أصبح رجلاً، كانت الملابس قد زادته وسامةً وهيبةً، وبقدر ما فرحت لهيئة ولدها بقدر الحزن الذي كان ينمو عميقاً في داخلها لما قد يصيبها إذا ما تقرر نقله بعيداً عنها ولا تستطيع رؤيته لفترةً طويلةً.
جاءت بعض النسوة من جيرانها ليهنئوها بتخرج ابنها وبهيئته الجديدة الجميلة، والبعض منهن كنّ يأملن بأن يكون من نصيب إحدى بناتهن خاصةً وهو شاب وسيم ، ومستقبله ممتاز..الأم تعرف ذلك، ولكن الوقت لم يحن بعد، وكانت قد قررت أنه حالما ينهي مدة العسكرية تباشر بتزويجه حيث كانت منذ فترة ، تبحث له عن عروس مناسبة، ووضعت في حسبانها عدداً منهن ليختار لاحقاً، دون علمه، خاصةً وأنه لم يشغل باله في تلك الأمور سابقاً، لأن أمه ودراسته كانت تأخذ كل وقته وحياته وليس له غيرهما.
مرت ثلاثة شهور، كان (نجم) قد بدأ التدريب بعد أن رفض موضوع تقديم طلب بالإعفاء من الخدمة، بعض الأحيان كان يغيب عن البيت ليوم واحد أو يومين لمتطلبات التدريب، وهذا ما تعودت عليه الأم مرغمةً، وتمنت أن يمضي مدة خدمته العسكرية هكذا ، فهي أفضل من غيابه لفترات طويلة.
ذات يوم جاء إلى البيت وهو يجلس مع أمه إلى مائدة الطعام، لاحظت شرود ذهنه وقلّة كلامه، أحسّت بأنّ هناك شيء يقلقه، لم تشأ أن تكلمه بذلك، أنهوا عشاءهم وجلست إلى جانبه وقالت له: "ألاحظ عليك اليوم أمراً غريباً !.. هل هناك شيء يقلقك؟! هل لديك مشكلة ما؟"
أجابها: "الحقيقة يا أمي لا أريد أن أقلقك، ولكن حتى لو أخفيت الأمر فستعرفيه لاحقاً، وهو أننا قد أنهينا تدريباتنا، وغداً يتم توزيعنا على الوحدات في جبهات القتال ولا أدري أين سيكون مكاني، ولكن على الأغلب سيكون بعيداً عن بغداد ولن أستطيع الرجوع إلى البيت كما كنت سابقاً بل قد تطول مدة غيابي لشهر أو أكثر في كل مرة وحسب الظروف هناك".
فوجئت الأم بهذا الخبر ولو أنها كانت تعرف منذ بداية التحاقه بالجيش أن الأمر لا بد أن يكون هكذا بعد إنهاء التدريب، ولكنها أم وبصعوبة تعودت على غيابه البسيط عن البيت ليوم أو يومين ولا تعرف كيف سيكون عليه الأمر حينما تطول المدة.
شعر نجم بأن صمت أمه يدل على قلقها، فبادر ممازحاً: "ألم أقل لك اجلبي لي زوجة حتى يكون لي ولد ..هاهاهاها.. لو كنت فعلت لبقيت مع زوجتي وولدي ولا تشعرين بالوحدة".
أجابته: "كانت تلك أمنيتي وستبقى، وإنشاء الله حالما تنهي مدة العسكرية ستكون عروسك جاهزة".
ـ هل هذا يعني أنك اخترت لي واحدة ؟!...
ـ كثيرات ، وما عليك إلا أن تختار....
ـ من هي؟!..هل أعرفها؟!
ـ اسكت ...اسكت.. لا أريد أن تزوغ عينك هنا وهناك ، أنهي العسكرية وخلال شهر بعدها ، ستكون متزوجاً وحينها قد تنسى أمك....
أمسك يد أمّه وقبّلها وقبّل رأسها وقال: "أنت الأصل وأنت الكل، ولن يكون لي أعزّ منك في الدنيا..فلولاك ما كنت".
أجابته: "أنا أمزح معك..هذه سنّة الحياة وسأحب أولادك وأرعاهم كما أحببتك ورعيتك..وسيكونوا امتداداً لك".
قبّل رأسها مرةً ثانيةً وقال لها: "هيا لتنامي وأنا كذلك لأنه كما تعلمين يجب أن أنهض غداً باكراً للذهاب إلى وحدتي".
جاء اليوم التالي وتم اختيار وحدته الجديدة في منطقة خانقين وكانت تبعد حوالي ساعتين عن بغداد أو أكثر بقليل..كان الموقع جيداً بالنسبة له فالبعض نقلوا إلى البصرة والبعض الآخر إلى أقصى شمال العراق حيث توزعوا على طول جبهة القتال، ومكانه قد يريحه في الذهاب والعودة أثناء الإجازة.
ودّع نجم أمه وذهب إلى وحدته..كانت معاناة الأم قاسيةً لفراق ولدها، كل مساء تخرج إلى سطح الدار وتنظر إلى السماء وتبتهل إلى الله أن يحميه..تنظر إلى النجم الأكثر سطوعاً في السماء، والذي ألهمها بأن تسمي ولدها (نجم) لأنها أحبت ضياءه ، وانه حسبما يقال هو كوكب الزهرة الذي يبدو كنجمة ساطعةً في السماء عندما تكون صافيةً وأول ما يظهر بعد المغيب وآخر ما يبقى من نجوم قبل طلوع الشمس.
تعودت الأم شهراً بعد شهر على فراق ولدها، لإيمانه بواجبه نحو إخوته المقاتلين وتحمّلت ذاك الفراق لأجل عزّة الوطن..
قبل شهرين من انهائه الخدمة العسكرية ، يبدو أن نجم قد تأثر بمن حوله، وبات يفكر بالجنس الآخر!.. وحينما جاء بإجازته إلى البيت، بادر بالحديث مع والدته: "ألم تقولي لي أنني وجدت لك زوجة؟ أين هي اذاً ولم لا نذهب لأراها؟".
ضحكت الأم ضحكةً ممزوجةً بالحب والحنان والدهشة بعض الشيء، وهي ترى ولدها قد آن الأوان لزواجه، لا بل هو من طلب ذلك!...
شعرت أن الوقت قد حان لتعرفه على اثنين أو ثلاث من بنات العوائل القريبة منها والتي تأمل أن يختار إحداها.
صدفةً طرقت الباب، نهض وفتح، وإذا بفتاة غايةً في الجمال ، فوجئت به يفتح لها الباب، كانت إحدى الفتيات اللواتي قررت الأم أن تريها لولدها.
بادرت الفتاة: "عفواً، آسفة ، كنت أظن أن أم نجم لوحدها، كانت تحمل بيدها طبقاً مغطى فيه بعض الطعام، وتلك عادة أهل بغداد في المناطق الشعبية حيث يقوم الجيران بإرسال صحن من بعض الأكلات الشائعة لجيرانهم عربوناً للحب والود الذي كان يسود سابقاً.
قال لها: "تفضلي".
أجابت: "آسفة ، فقط أعطي هذا الصحن لأم نجم".
سمعت الأم الحوار وعرفت من القادم حيث تعودت خلال غياب نجم أن يزورها الجيران كل يوم للاطمئنان عليها ومساعدتها ببعض الأمور المنزلية لمحبتهم لها، وعرفاناً بالجميل لولدها الغائب الذي لم يقصر طوال سنوات دراسته للطب أن يقدم المشورة الطبية لجيرانه وأصدقائه ويزور مرضاهم في بيوتهم، مما أكسبه احترامهم وتقديرهم.
نادت على نجم:" من على الباب؟"
أجابها: "ابنة جيراننا"
بادرت الفتاة: "أنا نادية يا خالة أم نجم"
"أهلاً يا نادية، ادخلي يا ابنتي، أنت تعرفين نجم ولا أحد في البيت غيرنا".
باتت الفتاة مترددة حتى جاءت الأم لتدخلها مع ضحكة جميلة وتقول: "أصبحت امرأة وتخجلين من الشباب هذا (نجم) جاء بإجازته..."
سحبت الأم الفتاة إلى المطبخ وذهب هو إلى الصالة، كان مبهوراً بنادية، قبل سنوات لم يفكر بها، لم تكن بعد قد نضجت !...كيف لم ينتبه لها !...
كان ينظر إليها كنظرته لكل بنات المنطقة كأخوات واحترام الجار واجب، وهو أيضاً لم يكن من الشبّان الذين يقضون وقتهم بمطاردة الفتيات أو ما يخصهم من أحاديث فالدراسة أخذت كل وقته، ولكن يبدو أنه قد آن الأوان ليتطلع لمثل هذه الأمور، خاصةً بعد الأحاديث التي يسمعها من رفاقه في الجبهة في أوقات الفراغ.
ويبدو أن الفتاة قد راقت له..... دقائق وخرجت بعدها الفتاة..
جاءت الأم وجلست بقربه لتبادر:
ـ هل ما زلت على رأيك بأن تختار زوجة؟
ـ والله يا أمي لا أخفيك سراً، ولو أنت الأولى والأخيرة في حياتي ولكن تجاوز عمري السابعة والعشرون وأنت هنا وحيدة، وبعد شهرين أنهي خدمتي وسيكون دوامي في المستشفى لفترات طويلة وبعض الأحيان أغيب عن البيت وأنت تحتاجين لمن يرعاك
ـ يعني أنت تريد الزواج لكي تأتي من ترعاني؟
ـ أقصد ترعانا نحن الاثنين.
تضحك ضحكةً طويلةً ..ثم تتنهد:
ـ حقك يا ولدي وهذه سنّة الحياة وأنا أريد أن أفرح بأولادك، وكنت قد قررت أن أفاتحك بالموضوع حالما تنتهي خدمتك العسكرية ولكن ، لم يبق الكثير وممكن أن تختار الفتاة المناسبة ونقوم بالخطبة في إجازتك القادمة، وبعد إنهاءك الخدمة نتمم إجراءات الزواج، وبالمناسبة، نادية التي شاهدتها قبل قليل هي واحدة ممن وددت إخبارك عنهن، هي معلمة في المدرسة الثانوية القريبة من منطقتنا وذات خلق ومؤدبة، إضافة إلى أنها لا يمضي يوم إلا وتزورني مرة أو مرتان، وتقوم بكل أعمال البيت حتى غرفتك تقوم بتنظيفها وترتيب فراشها، وأحيانا كثيرةً لا تدعني أطبخ شيئاً على الغداء بل تجلب لي ولها الغداء ونأكل معاً، وبيني وبينك، أنا أحبها كثيراً، ولكن هذا زواج وأنت من يختار ولن أتدخل باختيارك.
صمت نجم قليلاً ثم بادر:
ـ أتعرفي يا أمي؟! لقد رأيت هذه الفتاة مرات عديدة لكن رؤيتي لها اليوم اختلفت عن السابق، لا أعرف لماذا!! هل لأنها كبرت ونضجت؟! هل أن شخصيتها تغيرت؟! وتريدين الحقيقة..أنا أعجبت بها حقاً، خاصةً أنت تعرفينها جيداً وهي متعلمة ومثقفة، والأهم من كل ذلك محبتها ومراعاتها لك.
قالت له الأم:
ـ هل هذا يعني أنك اخترت وقررت أن تكون نادية هي من سترتبط بها؟!
أجابها بحياء:
ـ بعد موافقتك ومباركتك.
لم تعرف الأم بماذا تجيب..انهمرت دموع الفرحة من عينيها..ثم قالت:
ـ هل سيأتي اليوم الذي أرى فيه أولادك؟
أجابها:
ـ لك طول العمر يا أمي..وسترين أولادي وأولاد أولادي أنت البركة..
مر يومان ولم تأت نادية إلى بيتهم، استغرب الأمر، سأل والدته:
ـ تقولين أن نادية تأتي أكثر من مرة في اليوم لرؤيتك!!
ضحكت الأم:
ـ لا تكن شقياً يا ولد، هي تعرف أنك هنا وبالتأكيد مجيئها يحرجها، ويجوز أنها انتبهت إلى نظراتك إليها عندما جاءت أول أمس، أنت لا تعرف الفتيات ، بالتأكيد تخجل من أن تراك، ثم قد تشعر وكأنها تحاول فرض وجودها عليك..
أجابها:
ـ ألا يمكن أن تكون مريضة! أو قد جاء أحد لخطبتها؟
ضحكت الأم ثم قالت:
ـ يجوز هذا وذاك لا تقلق سأقوم بزيارتها للاطمئنان عليها، لخاطرك ..ها....
كانت فرحةً في داخلها من اهتمام ولدها بهذه الفتاة فلطالما تمنّتها له لكثرة طيبتها وعلوّ همتها وخلقها، وذهبت الأم إلى بيت نادية، استقبلتها بالودّ والترحاب، حيث بادرت الأم بالقول:
ـ أقلقني غيابك عني..وكنت أريد أن اكلّمك بموضوع.
ـ تفضّلي خالتي، البيت بيتك..
ـ لا.. أريد محادثتك على انفراد..هل تستطيعين المجيء لي بعض الوقت؟ نجم لن يكون في البيت سيخرج لقضاء بعض الأعمال.
ـ تحت أمرك خالتي ، اريحي نفسك ،عودي للبيت وبعد عشر دقائق أكون عندك.
عادت الأم إلى البيت وطلبت من نجم أن يغادر لأن نادية ستأتي وتريد التكلم معها بموضوع الخطبة.
إلاّ أنّ نجم أجابها:
ـ ولم أخرج !.. أبقى في غرفتي!
ـ لا ، قلت لها أن نجم سيخرج لقضاء بعض الأعمال ولا أريد أن أكون كاذبة، ثم لا يجوز أن تستمع لأحاديث النساء في هكذا مواضيع، والله يقدم ما فيه الخير.
خرج نجم على عجل وأمه تبتسم لوضعه..يبدو عليه الارتباك وهو بهذا الموقف.
ثم جاءت نادية ، استقبلتها الأم استقبالاً يختلف عن السابق، فوجئت بوضع الأم وبكلماتها غير المألوفة لها.
جلسوا في الصالة وبادرت نادية:
ـ هل تحتاجين لأقضي لك بعض الأعمال ياخالتي؟
أجابتها:
ـ اجلسي واسمعي.. لا أحتاج أي شيء هذا اليوم فقط أردت محادثتك بأمر مهم فاستمعي لي جيداً..
تعرفين أن نجم ولدي الوحيد ، تعرفين خلقه وكيف ربيته وآن الأوان ليتزوج..وأنا لم أجد أحد غيرك أنسب له ، ولكن ، نحن نريد والله يفعل ما يريد، وقررت أن أفاتحك بالموضوع فقد تكوني مرتبطة، أو هناك كلام مع أهلك بشأنك من أحد أقاربك أو أي أمر آخر، فإذا وافقت أن تكوني زوجة نجم سأكون أسعد أم في الدنيا، لأنك تعرفين مقدار محبتي لك ...
احمر وجه الفتاة خجلاً، ولا تعرف ما تقول، فقد فوجئت بهذا الطلب، بالرغم من أنّها في داخلها كانت تتمنّاه من مدّة طويلة.
بادرت الأم:
ـ ها....لم تتكلمي..هل هذا معناه الموافقة؟!
ـ أنت تعرفين يا خالتي منذ طفولتي ولم أفكر بشاب يوماً ، اقسم لك ، نجم فقط ما تمنيته، وأقول لك بصدق، بعد أن طرحت هذا الموضوع ، أنني أحببت نجم منذ صغري ولكن حين كبرت شعرت أنه ليس من حقي أن أفرض نفسي عليه..فغالباً ما يتزوج الأطباء طبيبات مثلهم. وذلك جعلني اخفي مشاعري ولا أبوح بها حتى لك وأنت مثل أمي واقرب الناس لي بعدها..ولكن هل (نجم) هو من طلب منك ذلك؟ أم هو اختيارك وفرضتيه عليه.
أجابت الأم:
ـ أقسم لك بالله ، وبرحمة والد نجم ، لم أطرح عليه الأمر ولم أفرض عليه أيآ مما تظنين بل هو من بادر بذلك، وخاصةً بعد أن رآك قبل أيام، وهو ينتظر ردك.
أجابت بكل حياء:
ـ وهل أجد اماً أفضل منك بعد أمي، أنا مثل ابنتك وما تقرريه ، أنا طوع أمرك.
فرحت الأم لسماع ذلك وبادرت :
ـ ومع ذلك أريد رأيك بصراحة.
أخفت ناديا وجهها من خجلها وقالت:
ـ أنت عرفت ردي ، سأذهب....
ونهضت ، أمسكت بيدها وقالت لها: سيكون خيرآ انشاءالله...
خرجت ناديا مسرعةً من فرط سعادتها، وخجلها من هذا الموقف ....
جاء نجم بعد ساعة، سأل أمه:
ـ ها يا أمي مالذي حصل؟..بشّريني.
ـ مبروك....
قالتها وهي تبتسم فرحةً بما جرى..
ـ سأكلم أمّها لنحدّد موعد لزيارتهم.
ـ وماذا تنتظرين؟ اذهبي الآن.
ـ عيب يا ولد ، لم تمض سوى ساعة على كلامي معها ، عند المساء سأذهب ونحدّد موعد لزيارتنا لخطبتها.
ـ متى هذا الموعد؟
ـ لم لا تصبر قليلاً ؟
وهي تضحك وفرحةً في داخلها،فولدها الصغير، صار رجلاً، ويريد الزواج، لم تصدّق ما يحدث فهي تراه حتى الآن وكأنه طفل رضيع بحفّاظته ، ورضّاعته...
هكذا هن الأمهات، مهما كبر أولادهم ، يبقون صغاراً في نظرهم...
ـ تناول غداءك وفي المساء سأذهب إلى أمها لنتحدث بالموضوع.
ذهبت الأم عند المساء، وتحدثت مع والدة نادية، وتم تحديد مساء اليوم التالي لزيارة نجم ووالدته وبحضور والد وشقيق نادية ووالدتها وأقربائهم.
جاء اليوم التالي، تأنق نجم وذهب مع والدته حسب الموعد لغرض الخطبة وتم كل شيء وسط فرحة العائلتين ومباركتهم لهذا الزواج، وقرّروا إقامة حفل بسيط دون مباهج واضحة في المنطقة احتراماً لاستشهاد أحد أبناء المنطقة الذي لم يمض على استشهاده سوى شهر أو أكثر بقليل، على أن يتم بعد مجيء نجم في إجازته القادمة.
غادر نجم بيته صبيحة اليوم التالي إلى وحدته..
صارت العلاقة بين الأم وناديه غير ما كانت عليه سابقآ ، فقد كثر تواجدها في بيت أم نجم بل وأعطتها مفتاح البيت تدخل بأي وقت تشاء ، فهي ستكون سيدة البيت القادمة، والأم اعتبرتها كأبنتها...
مرّ شهر تقريباً، حتى جاء نجم بإجازته وحال وصوله استقبلته والدته بالأحضان والقبل وهو يقبّل يدها ورأسها وهكذا كانت تستقبله في كل مرة، وصلت ناديا لتسلم عليه وجلسوا قليلاً في الصالة، قالت لهم الأم:
ـ سأعمل لكم شاياً.
وحين أتت بالشاي انتبهت إلى أن نجم كان يسحب يده من يد ناديا خجلاً من والدته..يبدو كأنّ هناك شيئاً ما!!
صاحت الأم:
لك ..ولد..لا تلعب..لم يبق شيء، شهر والعب على كيفك .
وضحك الجميع للتعليق الأم..
اتفقوا على شراء حلقتي الزواج لنجم وناديا وتمّ ذلك وعملوا جلسة عائلية فقط في بيت ناديه وألبس كل منهما الثاني حلقة الخطبة للآخر ودار حديث حول التخطيط للمستقبل، حيث اتفقوا أن تقوم ناديه ومعها من تختار لشراء الملابس اللازمة بعد ذهابه وسيذهب معها غداً لنجّارموبيليا قريب من منطقتهم لاختيار غرفة النوم، كما أعلمهم أنّ هذه هي إجازته الأخيرة ولم يتبق من خدمته العسكرية سوى شهر واحد حيث ستكون الإجازة القادمة هي لإكمال معاملة إنهاء الخدمة وسيلتحق بعدها في عمله بإحدى المستشفيات القريبة وخلال ذلك سيكملون مستلزمات الزواج الأخرى.
غادر نجم إلى وحدته وهو مسرور جداً لما أنجز خلال الأيام الماضية وكان فكره مشغول بكثير من الأمور، إنهاءه الخدمة، دوامه في المستشفى، مستلزمات الزواج...ووو..كانت تلك أول مرة ينشغل باله في أمور كثيرة معاً، فلم يتعود في حياته أن يشغل نفسه بشيء غير دراسته ، وكانت الأم متكفلة بكل شيء.
ضحك في داخله "أعانك الله يا أمي" كيف كنت تديرين أمورنا الحياتية طوال تلك السنين؟ مهما أوفيت معك فلن أستطيع أن أوفيك حق قدرك.
انشغلت الأم ونادية بتحضير مستلزمات الزواج واختيار الملابس والفراش وغيرها من الأمور..وذات مساء طلبت من نادية أن تصعد معها للسطح كي تريها شيء، استغربت نادية من هذا الطلب، ولكنها صعدت معها، كانت السماء صافيةً والقمر هلالاً مما زاد ذلك من بريق النجوم.
ـ أترين تلك النجمة الساطعة في السماء..تلك التي أسميت نجم باسمها، كنت أناجي الله سبحانه وتعالى أن يرزقني بصبي يملأ علي حياتي وكانت تلك النجمة تسحرني بريقها، وعندما رزقني الله بصبي أسميته (نجم)..
فأجابتها:
ـ على هذا الحال إذا أتتنا بنت سوف نسميها نجوم فالنجوم الجميلة تحيط بالنجمة التي أسميت نجم تيمناً بها.
ـ وهذا ما وددت أن أقوله ولكنك سبقتني ..لقد أحببت الأطفال وإنشاء الله تملؤون البيت بهم لكي يكونوا امتداداً لنجم وأن يسعدكم ويهنئكم بحياتكم.
ـ بوجودك يا خالتي وبمباركتك فأنت الخير والبركة وأنت أم الجميع.
أكملت نادية مستلزمات عرسها واشترت لأم نجم ملابس فيها بعض الألوان لأول مرة لترتديها بزفاف ولدها، وقالت لها:
ـ يا خالتي آن الأوان أن تتخلصي من الملابس السوداء..فنحن مقبلين على حياة سعيدة وأريدك أن تكوني جزءاً من تلك السعادة ولكي يفرح (نجم) برؤيتك وأنت ترتدين غير السواد في عرسه.
أجابتها:
ـ نعم يا ابنتي إنشاء الله ينتهي الحزن وأبدأ معكم من جديد.
تمر الأيام على نادية بانتظار عريسها (نجم) ، ذلك الذي أحبته منذ طفولتها، وأخفت حبها، ستفاجئه حين مجيئه بأنها تحتفظ بنسخ من صوره حينما كان طفلاً، كانت تستعير بعض الصور من أمه بحجة أن تريها لوالدتها، ولكنها كانت تطبع عليها نسخاً وتحتفظ بها والبعض رسمت نسخاً منها بخط يدها، كيف لا وهو الشاب الوسيم، ذو الخلق العالي، الذي تمنّته طوال حياتها...
وأخيراً تحقق حلمها وصار من نصيبها، أفلا يحق لها أن تكون أسعد النساء.
لم يتبق لمجيئه سوى أيام قليلة ، تسارعت وتيرة إكمال تجهيزات العرس، كانت نادية تحاول إكمال كل شيء قبل قدومه ، حتى بدلة العرس استلمتها ووضعتها في دولابها لتلبسها يوم فرحها.
الأيام تتناقص خمسة...أربعة... ثلاثة... يومان وسيأتي نجم .
هكذا كان حسابهم للأيام ، اتصلت بالنجار لتستعلم عما جرى بشأن غرفة النوم أخبرها أنها غداً ستكون جاهزة وباستطاعتهم القدوم لاستلامها.
سارعت منذ الصباح لجلب غرفة عرسها، وصلت بها إلى البيت تعالت الزغاريد، تم فرش الغرفة وكانت في غاية الجمال، لم يبق سوى قدوم العريس.
جلست الأم مع نادية في غرفة عرس ولدها، اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول لنادية:
ـ أكثر من سبعاً وعشرين عاماً وأنا أنتظر هذه اللحظات، منذ ولادته حلمت بهذا اليوم ، أحمد الله أن أعطاني العمر لأرى هذا اليوم، قبّلت نادية رأسها ثم يدها وقالت:
ـ سترين إنشاء الله أولادنا وأولاد أولادنا، فأنت أم الكل، وبارك الله فيك، أنجبت وربيت وأحسنت، وغدآ سيأتي (نجم) وخلال أيام سأكون معك لأخدمك بعيني..ولن أسمح لك أن تلمسي شيئاً، كل شيء سيصل إليك ، فقط عليك أن تأمري..
ضحكت الأم وقالت:
ـ عليك بزوجك وأنا أتدبر أمري،
ـ لا يا خالتي، أنت كنت وستبقين سيدة هذه الدار.
خرجت نادية إلى مدرستها في اليوم التالي، وحصلت على إجازة لغرض إتمام زواجها، عادت بعد الظهر لتطمئن على أم نجم وكانت الفرحة تملأ البيت فاليوم يصل حبيبها وستتحقق أحلاماً كثيرة بقدومه.
قبل الغروب بقليل..هبت عاصفة قوية..وتلبدت السماء بالغيوم، بدأت قطرات المطر تنزل على شكل رذاذ خفيف، جاءت نادية إلى أم نجم لتطمئن عليها فيما إذا كانت تحتاج شيء قبل هطول المطر بشدة.
أشعلت لها المدفأة وجلسوا في الصالة يتبادلون الحديث عما سيفعلون غداً والأيام القادمة ، اخبرتها الأم انها قلقة بعض الشيء لتأخر نجم ، فهو غالبآ يأتي قبل ساعتين من الآن !.. احابتها ناديه : اعتقد ان الأمطار سبب تأخيره ، وقد تكون اشدّ عندهم ، لم يبق شيء ياخالتي ، الفرح قادم انشاء الله.....
فجأةً سمعوا طرقاً على الباب، ألم أقل لك ، أكيد هذا نجم ، "قالت لامه" ، ونهضت لتفتح، فوجئت بمجموعة كبيرة من الناس مجتمعين عند الباب يتقدمهم رجل بملابس عسكرية، استغربت هذه الحالة، بادر بالسلام عليها:
ـ أختي هل هذا بيت أهل الدكتور نجم؟
ـ نعم. وأنا خطيبته..هل أنادي لك أمه؟
ـ لو سمحت..
نادت الأم، التي وصلت إلى الباب:
ـ أهلاً ابني أنا أم الدكتور نجم هل هناك شيْ؟
أجابها بنبرة ملؤها الألم والحسرة :
ـ البقية في حياتك..أنت أم البطل..لقد استشهد نجم وهو يؤدي واجبه في خدمة الوطن..أنقل لك تعازي كل أفراد وحدته.
صرخت الأم صرخةً هزّت كل أرجاء البيت، وضربت على عينيها بكلتا يديها ونادت:
نجم.....ولدي....لا......لا.......لا تتركني وحيدة ...ولدي نجم .....كيف أعيش من دونك ؟ .....نادية.....غير صحيح..........أكيد هناك خطأ ........ولدي يأتي اليوم ...غداً نزفه على عروسه..هذه عروسه....مستحيل....
وأغمي عليها وسط بكاء نادية التي سارعت مع والدتها لحمل الأم إلى سريرها.
كان الشخص الذي جلب جثمان الشهيد (نجم) قد أوقف النعش في بداية الشارع، حينها سارع أبناء الحي وخرجت النسوة إلى الأبواب بعد أن عرفوا أن منطقتهم جاءها شهيد من أبناءها، لم يمض شهرين عندما جاء احدهم قبله، ركض الشباب والصبية إلى السيارة ليعرفوا من هو الشهيد !... سمعوا باسمه، بكت كل نساء الحي على (نجم)، كل أبناءهم كساهم الحزن، كيف لا وهو زينة أبناء منطقتهم ولا يوجد بيت لم يدخله، ليفحص مريضاً أو ليزور من شفى..
كانت النكبة الكبرى على أمه وخطيبته.
بدأ المطر ينهمر بشدة..تجمعت النسوة في بيت أم نجم، لتواسيها بمصابها، سبعة أيام مرت لم تذق أم نجم شيئاً من الطعام ، وشعر كلّ من حولها أن نظرها بات ضعيفاً جداً، ويبدو أن الضربة التي وجهتها إلى عينيها عندما سمعت باستشهاد ولدها قد أثرت على بصرها.
في اليوم الثامن طلبت من نادية أن يصعدوا إلى السطح لتناجي النجم الذي سمّت ابنها باسمه.
ـ لكن يا خالتي الغيوم تغطي السماء....
ـ أرجوك.
صعدتا إلى السطح وكانت السماء مازالت ملبدة بالغيوم وقطرات مطر خفيفة تنهال من السماء.
نظرت الأم إلى الأعلى:
ـ الله ..ربي..أنت من رزقتني بنجم.. وهو الآن بين يديك ..أنت أرحم الراحمين.
ظلت شاخصة ببصرها نحو السماء:
ـ أين أنت أيها النجم الذي يسطع كل يوم؟ أين النجوم التي كانت حولك؟ هل عرفتم بما جرى لولدي نجم..هل اصطفيته لنفسك..
بدأ المطر يتساقط بغزارة ومعه دموع الأم الثكلى..توجهت بالكلام صوب نادية:
ـ ذهب (نجم) يا نادية..لن أرى النجوم بعد اليوم..ولن تريه أنت..أعاننا الله يا ابنتي..كل النجوم حزينة لفقدان ولدي..هذا الماء النازل من السماء ليس سوى دموعها.
ألحّت نادية على أم نجم أن تنزل بعد أن تزايد سقوط المطر، نزلوا من السطح، اتجهت بها إلى سريرها، مازال الدمع ينهمر من عينيها، توسلت بها أن تأكل شيء إلا أنها رفضت وطلبت أن تنام.
تمددت على سريرها، سحبت نادية الغطاء وغطتها، وذهبت لفراشها على الأرض جانب سرير الأم لتنام هي أيضاً.
هكذا قضّت الأيام الماضية منذ استشهاد من أحبّت.
استيقظت قبل الفجر بقليل ، لم تجد الأم في فراشها، نهضت مذعورة ، فهي لم تغادر سريرها لوحدها منذ أيام، ولم يطلع النهار بعد، ركضت إلى الصالة ، لم تجدها،انتبهت لضوء السلم المؤدي الى السطح مضاءآ ، ورأت باب السطح مفتوحاً..صعدت مسرعةً.... لتجد أم نجم... ممددة على الأرض ودموع النجوم تبلل جسدها.....فقد فارقت الحياة وهي تناجي تلك النجوم.....وما زال المطر ينهمر....فقد ارتأت ان تموت في المكان الذي طالما وقفت فيه لتناجي الله ان يرزقها بصبي ، وعسى ان تظهر النجوم ، لتأخذها الى حيث اخذت ولدها ....
السماء حجبت نجومها ... والنجوم أدمعت عينها... على من سمّي باسمها..
غضبت السماء.. وزمجرت .......برق.......ورعد........وبكاء..
استمر هطول الأمطار ، منذ يوم استشهاد ( نجم ) ....ولحين لحظة لحاق امه به .....
السماء حزنت ....ونجومها.....بكت ...
فهل فعلنا بعضآ....... مما فعلت ؟...
هل نعرف اليوم..أين يرقد..نجم ؟......
هل نعرف ما حل بمن أحب ؟.......
رحمك الله يا شهيد الوطن الجريح.....
فبالأمس ...تناسوك !....
واليوم ....جرّموك !.....
ولو بقيت حيآ الى الآن .......لقتلوك !!!....
ولكن ......(لابد للّيل ان ينجلي ....ولابد للقيد ان ينكسر) ..
فما زلت... وستبقى... في قلوب الشرفاء ...انت ...ومن ضحّى معك...ليحيا العراق

(أمّة لا تكرّم من ضحى لأجل عزتها ... لن تجد اليوم ، من يضحي لأجلها....
وهكذا........... تموت الأوطان......)


[center]قصي المعتصم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)   الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Icon_minitimeالأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 1:13

رحم الله شهداء العروبة

والتراب الوطني

اخي الحبيب

الاديب قصي المعتصم

كم يسعدني متابعة مقالاتك الشيقة

واقع نعيش به مع كل حرف

لروحك بتلات الجوري

وتحياتي لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قصي المعتصم-1
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip



عدد المساهمات : 21
نقاط : 45
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2010
العمر : 68

الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)   الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Icon_minitimeالإثنين 27 ديسمبر 2010 - 0:40

شكراً استاذ أحمد الهاشمي على مشاعرك الفياضة والتي تدل على وفاءك للوطن ...القادم انشاءالله أوفى وأشمل ...مع تقديري العميق لشخصك الكريم ..
قصي المعتصم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جهاد أحمد الهاشمي
إدارة
إدارة
جهاد أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 636
نقاط : 679
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 27/06/2010

الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)   الوفاء...لزمن الحب والحرب _9) Icon_minitimeالجمعة 31 ديسمبر 2010 - 22:15

جميل جدا

سلمت يداك

لك مني اجمل تحيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوفاء...لزمن الحب والحرب _9)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوفاء...لزمن الحب والحرب(6)
» الوفاء...لزمن الحب والحرب(7)
» الوفاء...لزمن الحب والحرب (10 )
» الوفاء...لزمن الحب والحرب (2)
» الوفاء ...لزمن الحب والحرب (3)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: أقسام الكتاب و الأدباء و الشعراء :: واحة الأديب قصي المعتصم-
انتقل الى: