واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 من ايات القتال

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:21

</FONT></B></I>
من آيات القتال
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

كُتِبَ : لفظ يوحي بالوجوب ، بل هو من ألفاظ الوجوب الصريحة ، و : "عليكم" : قرينة أخرى تؤكد معنى الوجوب إذ "على" مئنة من الإلزام .
وحذف الفاعل للعلم به ، ففي الشرعيات لا موجب إلا الله ، عز وجل ، بوحي متلو أو على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام بوحي غير متلو ، فمرجع التشريع كله إليه ، عز وجل ، فهو الرب المشرع الحاكم الآمر الناهي .
وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ : حال مقيدة تزيد التكليف مشقة ، وإن كانت المشقة في الشرعيات غير مرادة لذاتها فالرب ، جل وعلا ، غني عن تعذيب عباده أنفسهم ، وإنما تطرأ المشقة عرضا ، لا أصلا ، فالملة حنيفية سمحة لا تعسفية فجة .
وفي استعمال : "كره" : وهو مصدر ، في الإخبار عن القتال : نوع مبالغة ، إذ القتل مكروه للنفوس حتى صح الإخبار عنه بأنه نفس الكره ، فهو من باب : محمد عدل ، فقد بلغ من العدل منزلة صح الإخبار به عنه .
فــ : "كره" بمعنى : "مكروه" ، وذلك مما اصطلح على تسميته بــ : "تبادل الصيغ" ، وهو باب واسع في لغة العرب .

وإلى طرف من ذلك أشار أبو السعود ، رحمه الله ، بقوله :"{ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } حالية أي والحال أنه مكروهٌ لكم طبعاً على أن الكُرهَ مصدرٌ وُصف به المفعولُ مبالغة ، أو بمعنى المفعولِ كالخُبز بمعنى المخبوز" . اهــــ

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ : "عسى" في القرآن واجبة ، وفي الجملة نوع مقابلة بين : "تكرهوا" و "تحبوا" ، و : "خير" و "شر" .
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ : مقابلة أخرى ، وإن شئت قلت : طباق بالسلب بين : "يعلم" و "لا تعلمون" تزيد المعنى بيانا ، ففي مقابل إثبات العلم للرب ، عز وجل ، العليم بما يصلح عباده : عدم علم العباد بالمصلحة الدينية بل والدنيوية المعتبرة ، فرؤيتهم قاصرة ، إذ جل همهم تحصيل المصلحة العاجلة ، وإن أدت إلى مفسدة آجلة ، فالقعود عن القتال ، كما هو حالنا في العصر الحاضر : مصلحة مؤقتة بحفظ نفوس مآلها البلى ، تفضي إلى مفسدة عظيمة ، مفسدة : (سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) ، ولله در أبي الطيب إذ يقول :
عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ ******* بين طعنِ القنا وخفقِ البنُدِ

ولله دره إذ يقول أيضا :
إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ******* فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ******* كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

وحذف معمول : "يعلم" و "تعلمون" لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : والله يعلم ما يصلح شأنكم في الأولى والآخرة إما في شأن القتال خاصة ، أو في كل شأن عامة ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، وحمل السياق على عموم المصلحة أولى ، فالله ، عز وجل ، عليم بالكليات والجزئيات ، حكيم فلا يشرع لعباده إلا ما فيه خير الدارين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:24


ومن قوله تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
فليقاتل : أمر يفيد الوجوب أو الاستحباب تبعا لطبيعة القتال هل هو من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات ، ولا أقل من حمله على الاستحباب ، فهو طاعة ، والطاعة لا تنفك عن كونها واجبة أو مستحبة على اقل تقدير ، وفي تقديم الحكم الشرعي وإردافه بوصف المقاتلين ، وهو وصف يبعث الهمم من سباتها ، في ذلك : نوع تهييج وإلهاب للمخاطب على طريقة : إن كنتم رجالا فهلم إلى قتل وحرب تتمايز به أقدار الرجال وتظهر فيه معادنهم ، فالقتال للرجال فقط ، الذين من صفتهم أنهم :
يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ : فذكر الموصول مجملا ثم أردفه بالصلة المبينة ، كما تقدم مرارا ، وقيد القتال بأنه في سبيله ، عز وجل ، احترازا من أي راية أخرى ، وفي حديث أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، مرفوعا : (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، وفي الشراء استعارة مبادلة العين بثمنها لمبادلة الروح بنعيمها ، والباء إنما تدخل على الثمن ، فثمن الدنيا الفانية : الآخرة الباقية . وقد يقال بأنها استعارة تصريحية في الفعل : "يشرون" إذ ناب عن الفعل : "يستبدلون" ، وهي تبعية في نفس الوقت إذ وقعت في الفعل وهو مشتق من مصدره ، وذلك حد الاستعارة التبعية التي تقع في المشتقات لا الجوامد .

ثم أردف بذكر جزاء ذلك على سبيل الشرط حفزا للهمم ، فهو خبري المبنى طلبي المعنى ، فلن تنال النفس المشروط من الجزاء إلا بامتثال شرطه ، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر :
وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا :
فــ : "من" اسم شرط وهو نص في العموم ، وهو محفوظ لا مخصص له ، إذا استوفى المقاتل شرط القبول وانتفت عنه موانعه من قبيل الدَيْن ، وما حكي عن أهل الأعراف في قول بأنهم الشهداء الذين خرجوا بلا إذن آبائهم في غير الفرض الواجب إذ لا استئذان في فروض الأعيان .

فيقتل أو يغلب : استيفاء لأوجه القسمة العقلية طمأنة للنفوس ، فالمقاتل في سبيل الله رابح على كل حال ، فإما شهادة وإما نصر ، وقدم القتل إذ هو أسمى غايات المقاتل ، والجزاء : أجر موطئ لما بعده من وصف العظمة ، وتنكيره مئنة من عظمه فلا يعلم قدره إلا الله عز وجل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:37


ومن قوله تعالى : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)

التفات من الغيبة في : (وَمَنْ يُقَاتِلْ) ، إلى الحضور في مقام المخاطبة في : (وما لكم) ، والاستفهام إنكاري فيه معنى الحض والإلهاب والتهييج بذكر حال المستضعفين أولى الناس بالنصرة إن كان في القلب إيمان وإسلام ، وفصل أعيان المستضعفين إمعانا في البيان فالإطناب في بيان أحوال من تجب نصرتهم في موضع تجيش فيه همم الرجال أمر مراد .
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا : أمر يفيد الدعاء ، ودعاء المستضعف المظلوم مظنة الإطناب ، أيضا ، ولذلك أردفوا بقولهم : وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ، فوقع التكرار في العامل : "اجعل" مع التباين في المعمول : "وليا" و "نصيرا" ، وإلى ذلك أشار أبو السعود ، رحمه الله ، بقوله : "وتكريرُ الفعلِ ومتعلِّقَيْه للمبالغة في التضرع والابتهال" . اهــــ

وما تكرره قناة الجزيرة في فواصل برامجها من تسجيلات لأطفال غزة أصل في : "وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ" ، وفي المقابل تستولي سلطات دول الجوار المساعدات الإنسانية المرسلة إليهم كما حدث بالأمس من الاستيلاء على 2000 طن من المعونات الإنسانية على معبر رفح فضلا عن إحباط محاولة تهريب آثمة لمعونات إنسانية إلى غزة !!!! . وليس للموحدين في غزة إلا التضرع بآخر هذه الآية ، فثم ذكور ولا رجال لينجدوهم .

وإلى الله المشتكى .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:40


ومن قوله تعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)

في الموصول مئنة من تعليق حكم الخبر على الوصف الذي اشتقت منه صلته وهو وصف : "الإيمان" ، فمن اتصف به هو الذي يقاتل فعلا في سبيل الله ، وكذا الحال في الشطر الثاني من القسمة العقلية الثنائية : قسمة الحق والباطل ، قسمة الإيمان والكفر ، فمن قام به وصف الكفر الذي اشتقت منه صلة الموصول الثاني : "وَالَّذِينَ كَفَرُوا" هم الذين يقاتلون فعلا في سبيل الطاغوت .
ففي الكلام مقابلة بين الشطرين تزيد المعنى بيانا باستيفاء احتمالات القسمة العقلية كما تقدم وبضدها تتميز الأشياء .

فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ : أمر على بابه يفيد الوجوب العيني أو الكفائي ، وقتالهم يكون في كل ميدان فتارة يكون بالحجة والبرهان وأخرى يكون بالسيف والسنان ، ولكل حلبة سلاحها .

إن كيد الشيطان كان ضعيفا : علة ما قبله ، وفيه من الإلهاب والتهييج للمقاتلين ما فيه إذ يزيل عنهم رهبة نزال أولياء عدو ضعيف ، فهم بوصف الضعف أحق ، إذ ليسوا سوى أذناب له ، فإذا كان الأصل ضعيفا ، فالفرع أضعف وأضعف .

وفي السياق : شبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها ، مما سوغ الفصل ، وقد أكدت العلة بــ : "إن" واسمية الجملة : "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:43


ومن قوله تعالى : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) :
فقاتل : فيه إيجاز بحذف شرط مقدر ، إذ تقدير الكلام : إذا كان الأمر كذلك فلتقاتل في سبيل الله ، وفيه أيضا ، تلوين في الخطاب بالالتفات من مخاطبة الجميع في قوله تعالى : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) إلى مخاطبة الفرد ، وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإلى ما سبق أشار أبو السعود ، رحمه الله ، وقد يقال بأن العموم مستفاد من جهة أن الأصل في خطابات الشارع ، عز وجل ، العموم ، فخطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه فيتوجه إليه الأمر والنهي أول ما يتوجه وأمته تبع له في ذلك .
وقوله تعالى : (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) : تخفيف عن المكلف ، فلا يتحمل وزر غيره على وزان قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، فلو كفر أهل الأرض جميعا ما ضر المؤمن من ذلك شيء إذا قام بواجب التكليف في نفسه والبلاغ والإرشاد لغيره ، وليس عليه أن يؤمن غيره ، إذ ذلك ليس له أصلا ، فتكليفه به : تكليف بما لا يطاق .


وقوله تعالى : (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) : فلا يملك حملهم على الامتثال ، إذ خلق إرادة الطاعة الجازمة والقدرة التامة في العباد مما اختص به الله ، عز وجل ، فليست هداية التوفيق إلا له ، وإنما بعثت الرسل عليهم السلام بهداية الإرشاد .

وقوله : (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : عدة من الله ، عز وجل ، وهي واجبة ، إذ لا يجوز في حقه ، جل وعلا ، إخلاف الوعد مصداق قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) ، وإن جاز إخلاف الوعيد في حقه ، جل وعلا ، تكرما ، فالكريم إذا وعد أوفى وإذا توعد صفح .

(وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) : إظهار الاسم الجليل : اسم الرب الكريم : لفظ الجلالة : "الله" في موضع الإضمار تربية للمهابة ، كما ذكر ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، وفي إعادة الخبر : "وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" مزيد توكيد ، فالإطناب في مقام الإلهاب للمؤمنين لحملهم على القتال والتهديد للكفار لحملهم على الإيمان مظنة البسط في العبارة .

وفي الآية : جناس بين "بأس" و : "بأسا" فمقابل بأسهم بأس الباري ، عز وجل ، وشتان !!! .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:45


ومن قوله تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .

لا يستوي : نفي تسلط على المصدر الكامن في : "يستوي" فأفاد العموم وفي الخبر تعريض يلهب همة القاعد القادر ليقوم ذبا عن الملة .
من المؤمنين : احتراس ، فهم مع نقصهم بالقعود : مؤمنون ، فدل ذلك على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاوت أهله فيه مع اشتراكهم في قدر كلي مجزئ في إثبات اسم الإيمان .
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ : احتراس آخر ، فالقدرة مناط التكليف .

فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً :إظهار في موضع الإضمار تأكيدا على المظهر فيصح في غير القرآن : فضل الله الآخرين على الأولين ، ولكنه أظهر عناية ببيان الفارق بينهما ، وتنكير درجة مئنة من التعظيم .
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى : احتراس لئلا يقنط القاعدون فهم من أهل الوعد وإن قصروا في هذا الباب ، فأبواب الدين كثيرة فمن قصر في باب أو حيل بينه وبين الولوج منه فليعدل إلى باب آخر يسره الله ، عز وجل ، له ، فلن يعدم باب خير يليق بحاله ، وذلك من فضل الله عز وجل . فمن فتح له باب من الصلاة فليلج منه ، ومن فتح له باب من الزكاة فليلج منه ..... إلخ .

وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا : إطناب في معرض الوعد على غرار ما تقدم من إلهاب الهمم .
و "أجرا عظيما" ينزل منزلة البيان لإبهام : "درجة" .
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً : بيان بعد بيان ، وفيه إطناب في معرض الوعد كما تقدم .
و : "من" في : "منه" : لابتداء الغاية تشريفا لتلك الدرجات بإضافتها إلى خالقها ، عز وجل ، على وزان قوله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ) ، فشرف روح المسيح عليه السلام بنسبتها إلى خالقها على جهة الاختصاص وإن كانت كل الأرواح منه خلقا ، وشرف درجات الجنان المخلوقة بنسبتها إلى خالقها ، عز وجل ، إذ شرف الدرجة من شرف مانحها ، وأي درجة أعظم من درجة أعدها الله ، عز وجل ، لعباده المؤمنين في دار المقامة ؟!! .


وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا : تذييل لفظي يناسب ما تقدم من الوعد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:48


قوله تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
أمر بصيغة المفاعلة ، فيه زيادة معنى بزيادة المبنى بألف المفاعلة على وزان قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
في سبيل الله : قيد فارق بين جهاد أهل الدين وجهاد أهل الدنيا .
الذين يقاتلونكم : قيد آخر ، على القول بأن هذه الآية نص في الأمر بقتال الدفع ذبا عن الملة ، إذ الأمر فيها مظنة الوجوب ولا صارف له ، فتكون تالية في التشريع لقوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، على القول بأن الإذن فيها يعني الإباحة دون إلزام ، كما أثر عن الصديق رضي الله عنه .
وفي السياق جناس بين : "وَقَاتِلُوا" ، و "يُقَاتِلُونَكُمْ" ، فمادة الاشتقاق : "القتل" واحدة ، وهي علة الأمر ، إذ دل عليها لفظ الحكم : "قاتلوا" وجملة الصلة : "يقاتلونكم" التي سيقت لبيان العلة إذ علق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه .

وتكون المرحلة التالية : الأمر بجهاد الطلب ، إن تيسرت أسبابه حملا للرسالة ، وإزاحة للطواغيت التي تحول بين نور الوحي وأمم الأرض ، وهي التي جاء بها قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، وقوله تعالى : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) .

وتكون المراحل على قول بعض أهل العلم : ناسخة لبعضها البعض ، فتحريم في مكة ، فإذن ، فجهاد دفع ، فجهاد طلب .
والنسخ في عرف المتقدمين يطلق على كل زيادة ، وإن لم تكن ناسخة بالمعنى الاصطلاحي المعروف الذي يلزم منه رفع الحكم المتقدم بالحكم المتأخر ، فزيادة الحكم في مسألة لا يلزم منها نسخ بقية الأحكام ، إذ قد يكون في المسألة أكثر من صورة ، ولكل صورة حكم ، [size=16]فلا تتعارض الأحكام ، وإنما تتكامل ، وإعمال النصوص أولى من إهمالها ، كما قرر ذلك أهل العلم . فتكون آيات القتال على الصحيح من أقوال المحققين من أهل العلم : منسوءة لا منسوخة ، فلكل حال حكم ، فليست صورة القتال : قتال طلب فقط باعتبار كونه ناسخا لما قبله ، فيؤمر المسلمون بغزو عدوهم وإن كانوا قلة مستضعفة يخشى فناؤها في قتال غير متكافئ ، وإنما لكل صورة حكم
، فأحيانا تكون المصلحة الشرعية في كف الأيدي وتحريم القتال ، كما كان حال الفئة المستضعفة في مكة ، إذ لو حملوا على قريش ، لأفنتهم ، والشريعة إنما يقام بنيانها على ملاحظة الأسباب ، فليس من الحكمة إقحام المسلمين ابتداء في معارك غير متكافئة ، بخلاف ما لو دهم العدو أرضهم ، كما حدث في نازلة غزة الماضية ، فلا مناص حينئذ من حمل السلاح دفعا للعدو عن محلة المسلمين .
وأحيانا يكون الأمر : أمر دفع ، فيؤمر أهل المحلة كلهم بدفع عدوهم إن دهم أرضهم كل حسب استطاعته .
فإذا قويت شوكة المسلمين وصارت لهم الدولة وجب عليهم تجييش الجيوش وبدء العدو بالقتال ، وجوبا كفائيا ، فصار الحكم منوطا بعلله المختلفة التي تختلف باختلاف صوره ، فمتى وجدت علة نوع من القتال وجد حكمه ، ومتى تخلفت تخلف حكمه .
وإلى طرف مما سبق أشار القرطبي ، رحمه الله ، بقوله :
"وقال الجمهور من الأمة : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته ............... قال ابن عطية : والذى استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية ، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين ، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين" . اهـــ
بتصرف من : "الجامع لأحكام القرآن" ، (3/35) .

وذلك التفاوت يقع أيضا في حكم الجهاد فإنه قد يكون محرما في حق بعض المكلفين ، كجهاد التطوع بلا إذن الأبوين ، وقد يكون مستحبا باعتبار الأفراد واجبا كفائيا باعتبار الجماعة ، في أزمنة القوة والتمكين ، وقد يكون واجبا عينيا ، كجهاد الدفع إذا دهم العدو المحلة ، كما تقدم ، وكتعيين الإمام ، إن كان للمسلمين إمام ، لمكلف بعينه ، فإنه يصير حينئذ واجبا في حقه ، وإن لم يجب على غيره ، فالأحكام تتفاوت تبعا لتفاوت أحوال المكلفين ، وكحضور القتال فيحرم التولي إلا انحيازا إلى فئة .

وقوله : "ولا تعتدوا" : احتراس لئلا يقع من الدافع تعد ، فيكون القتال حينئذ كدفع الصائل الذي يرد عدوانه بما يردعه دون زيادة تعد ، فإن دفع بالأدنى فقد حصل المطلوب فلا يصار إلى الأعلى ابتداء ، وإنما الضرورة تقدر بقدرها ، وهذا على القول بأن الآية في نص جهاد الدفع على التفصيل المتقدم .

وقد تسلط النهي على المصدر الكامن في : "تعتدوا" : فأفاد العموم ، وقد ذيلت الآية تذييلا لفظيا من جنس مادة : "العدوان" التي وقعت في حيز النهي بصيغة التعليل لما قبله بلا وصل ، فصارت الصورة من صور : شبه كمال الاتصال ، لقوة الرباط المعنوي بين المعلول المتقدم والعلة المتأخرة التي تولدت من السؤال المقدر بـــ : وما علة ذلك النهي ؟ ، فجاء الجواب مصدرا بـــ : "إن" التوكيدية فأفاد معنى التعليل وإن لم يكن نصا صريحا فيه ، وإنما جاز ذلك لدلالة القرينة السياقية عليه ، وهي قرينة معتبرة في تحديد المعنى المراد .
وأكدت جملة التعليل أيضا بــــ : اسمية الجملة ، والفاعل المستتر في عامله : "يحب" ، وجيء به مضارعا مئنة من التجدد ، وذلك أدعى إلى دوام المراقبة لئلا يقع التعدي الذي لا يحبه الله ، عز وجل ، وقد علق الحكم على مادة العدوان التي اشتق منها النهي : "ولا تعتدوا" والصفة المشبهة : "المعتدين" فبينهما جناس اشتقاقي لاتحاد مادتهما ، وذلك أبلغ في تقرير الحكم .

وقد يقال بأن في الآية : إيجازا بالحذف دل عليه السياق اقتضاء ، على قول من قال بأن هذه الآية محكمة عامة في كل أحوال القتال ، فيؤول المعنى إلى : وقاتلوا في سبيل الله الذين من شأنهم أن يقاتلوكم ، وذلك عام في كل الأحوال : إذنا ودفعا وطلبا ، فالمقاتِل من شأنه أن يقاتل المقاتََل بداهة ، وإلا لم يقع قتال أصلا !! ، ولا تعتدوا في رده إن كان الجهاد دفعا ، ولا تعتدوا بقتل من نهيتم عن قتله من النساء والشيوخ والأطفال والرهبان ، وقد يترجح هذا المعنى من جهة عمومه لكل صور القتال بخلاف المعنى الأول الذي اقتصر على صورة بعينها ، وحمل النصوص على العموم أولى وأبلغ في تقرير جملة من الأحكام بلفظ واحد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:50


ومن قوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
قتال فيه : بدل اشتمال ، أورد مورد الخاص بعد العام ، أو المبين بعد المجمل تنويها بشأنه ، فهو محط الفائدة المرادة بالحكم ابتداء ، فالمبدل منه : "الشهر الحرام" على نية الطرح ، وإنما جيء به توطئة لما بعده ، ونكر القتال : إرادة العموم ، فالسؤال عن حكم القتال في الشهر الحرام مطلقا ، لا عن قتال بعينه ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، إذ الأصل في النصوص : العموم لتشمل كل الصور فتفيد أحكاما متكاثرة بألفاظ يسيرة المبنى عظيمة المعنى ، والتنكير مظنته ، والعبرة كما يقول الأصوليون بــ : عموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فلا يخصص سبب النزول ، وهو سرية ابن جحش رضي الله عنه ، عموم النكرة : "قتال" ، وإن كان قطعي الدخول فيها ، فإن دخوله لا يمنع دخول غيره من صور القتال في الشهر الحرام ، وإنما الشأن : شأن فرد من أفراد العام ذكر لكونه أولها وأولاها بالحكم ، لنزول الوحي بيانا له ، فلا يخصص ذكره العموم كما قرر أهل الأصول .
و : "أل" في : "الشهر الحرام" : جنسية استغراقية تفيد عموم ما دخلت عليه ، فالسؤال عن القتال في الأشهر الحرم ، لا شهر بعينه ، وتلك جهة عموم أخرى ، فليس السؤال عن القتال في رجب الفرد الذي وقعت في أول أيامه تلك الحادثة ، فهي على وزان "أل" في قوله تعالى : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) ، أي : الأطفال .
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ : مبتدأ خص بمتعلقه فساغ الابتداء به لما في التخصيص من نوع توضيح يرفع الإبهام ويسوغ الابتداء ، وإن لم يحصل به التعريف ، فهو كبير ولكن ما ارتكبتموه في حق الموحدين من الصد عن سبيل الله ، والإخراج من المسجد الحرام ، أكبر عند الله ، فأفاد الجناس بين : "كبير" ، و : "أكبر" مع الاستدراك عليهم بالإبطال لدعواهم بمعارضتها بدعوى أعظم ، أفاد بيانا للمعنى المراد ، فإن كل شر في المسلمين فهو في غيرهم أعظم ، وكل خير في غيرهم ، فهو فيهم أعظم ، فلم تضمن العصمة لآحادهم ، وإن ضمنت لجماعتهم ، فلا يخرج الحق عنها .
وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ : "أل" عهدية تشير إلى فتنة الدين خصوصا ، فتلك أعظم من القتل ، إذ هلاك الأرواح أعظم من هلاك الأبدان .
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا : سنة كونية جارية ، نشهد في كل زمان صورا لها ، ذات معنى واحد ، وإن اختلفت مبانيها ، فبالسلاح تارة ، وبالشُبَهِ أخرى ، وبالقمح ثالثة !!!! .
وأضاف الدين إليهم حضا على التمسك به في وجه تلك الغارة الشرسة على وزان : (لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ) ، فذلك أبلغ في العناية ، يقول ابن دقيق العيد رحمه الله :
"فإن فيه زيادة ، أي قوله : "صَلَاتِكُمْ" ، ألا ترى أن لو قلنا : لا تغلبن على مالك : كان أشد تنفيرا من قولنا : لا تغلبن على مال أو على المال ؟ لدلالة الإضافة على الاختصاص به" . اهـــ
"إحكام الأحكام" ، ص182 .
إذ النفس تغار لمملوكها فتحوطه بالعناية وتذب عنه الجناية .

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ : شرط سيق مساق الوعيد مقيدا بحال الموت على الكفران ، عياذا بالرحمن ، ففيه بدلالة المفهوم من الحض على الاستمساك بالوحي المنزل والشرع المسطر ما فيه .
فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ :
إطناب في الوعيد زجرا ، فأشار إليهم بإشارة البعيد تحقيرا ، وأخبر عن بطلان أعمالهم في الدارين تعميما ، وفي ذلك من النكاية والمساءة ما فيه ، فلا أولى ولا آخرة : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ، فعيش نكد ومصير أنكد ثم فرع على ذلك : الخلود في النار نتيجة ، وأعاد المسند إليه زيادة في المساءة على ما تقرر ، فهم المخصوصون بذلك الوعيد تحقيقا لا غيرهم ، وأكد ذلك بنسبتهم إلى دار العذاب نسبة الصاحب الملازم ، واسمية الجملة وتعريف جزأيها ، وضمير الفصل المؤكد وتقديم ما حقه التأخير : فيها" ، فأي نكاية بعد ذلك ؟!! .
فيكون عطف الجزاء الأخروي على فساد العمل الدنيوي من باب : عطف المسَبَب على سببه ، وفي ذلك إقامة للحجة ببرهان عقلي دامغ ، كما استعمل قياس الأولى في صدر الآية ، فإن ما ارتكبوه في حق الموحدين أولى بالشجب والاستنكار !!! ، مما ارتكبه الموحدون ، فإذا صح توجه الإنكار إلى الآخرين ، فللأولين منه أوفر نصيب .
والحبوط معنى كلي يفيد بمادته ا: لفساد ، كما ذكر القرطبي ، رحمه الله ، فيتفرع عنه :
الحبوط المادي : كما تفسد الدابة إذا أسرفت في الطعام .
والحبوط المعنوي : حبوط الأعمال بالردة والكفران ، ولكل مقام مقال ، ولكل سياق دلالته . فهو من قبيل : "المشترك المعنوي" ذي الدلالة الكلية الجامعة : التي تتفرع عنها معان جزئية تبعا لمراد المتكلم ، وذلك مئنة من الثراء المعنوي للسان العرب : لسان التنزيل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:53


ومن قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
أمر على جهة الوجوب وفيه مزيد حض بدلالة سبب النزول ، إذ مال بعض الأنصار ، رضي الله عنهم ، إلى إصلاح الأموال بعد نصرة الدين ، وذلك مظنة التعلق بها ، والتعلق بالمال سبب في الإمساك ، فجاء الأمر حاسما لذلك ، وإن لم يقع بعد .
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ : الباء زائدة في المبنى زيادةً في المعنى ، وقد أطلق الأيدي ، وهي بعض ، وأراد الأنفس ، وهي كل ، على وزان قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، كما نقل ذلك القرطبي ، رحمه الله ، عن المبرد ، رحمه الله ، فتكون المسألة من باب : المجاز المرسل ذي العلاقة الجزئية ، وقد نص على اليد لكونها آلة الاكتساب المعهودة ، فبها يقع غالب كسب الإنسان الخير واكتسابه الشر .
وسبب النزول هنا ، أيضا ، فيصل في إزالة الإلباس الذي قد يرد على المتبادر إلى الذهن من هذه الآية ، فإن المتكاسل يجدها حجة في القعود حفظا للنفس من التهلكة ، فيحملها على غير ما نزلت فيه ، فقد نزلت في ضد ذلك ، إذ التهلكة في القعود عن نصرة الدين ، فحفظ الأبدان من الضرورات ، ولكن حفظ الأديان مقدم عليه ، فإذا كان صلاح الدين بإتلاف البدن ، فهي النجاة ، وإن كان صلاح البدن بإتلاف الدين فهي الهلكة ، فالأديان عمارة للقلوب بالإيمان ، وللأبدان بصنوف الطاعات ، وتلك الحياة حقيقة مصداق قوله تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) ، وكم من أبدان تلفت فجعل الله لها لسان صدق في الآخرين ، وكم من أبدان سلمت وقد تخللتها أرواح ميتة ، فهي أرطال من الطين الفاني بلا نور من الوحي الهادي .
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ : جناس اشتقاقي بين : "أحسنوا" و : "المحسنين" يزيد المعنى بيانا إذ علق الحكم في جملة التعليل التي سيقت بلا وصل بمعلولها لشبه كمال الاتصال بينهما ، علق الحكم على المعنى الذي اشتق منه الأمر : "أحسنوا" ، فكان ذلك أدعى إلى امتثاله ، وقد أكدت العلة بــ : "إن" ، واسمية الجملة والمضارع وهو مئنة من تجدد الفعل بتجدد الإحسان ، وإن كان قديم النوع ، فهو من صفات الباري ، عز وجل ، الفعلية المتعلقة بمشيئته ، فنوعه قديم أزلي بأزلية الذات القدسية ، وآحاده حادثة بتجدد المشيئة الربانية ، فمن وافق المشيئة الشرعية استحق المحبة الإلهية ، ومن لا فلا ، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، والكلام دال بمنطوقه مدحا ، ومفهومه ذما .

وقد أورد المفسرون كالقرطبي ، رحمه الله ، في تفسير الإحسان معان مختلفة المبنى متحدة المعنى ، فكلها من صور الإحسان ، فلا إشكال في حمل الآية عليها إذ هي بمنزلة الأفراد لعموم يشملها ، وتوسيع دائرة العموم المعنوي ليشمل صورا عديدة أمر مراد في بيان بلاغة الكتاب العزيز الذي تحوي ألفاظه الموجزة معان مطنبة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 20:57


ومن قوله تعالى : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)
إن قيل بأن أصل وضع النكث للمحسوسات كالحبال المجدولات صار في الكلام : استعارة مكنية تبعية ، إذ شبه اليمين المعنوية بالحبل المادي المحسوس ، وحذف المشبه به ، وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو النقض ، وقد وقعت الاستعارة في الفعل المشتق : "نكث" فكانت تبعية من هذا الوجه .
وقد يقال بالعكس ، فيكون الوضع الأول للمعاني والثاني للمحسوسات .
وقد يقال بالتوقف ، وقد يقال على مذهب منكري المجاز : النكث معنى كلي مشترك يدل على النقض ماديا كان أو معنويا ، ومن ثم قيدت أفراده بالمحسوسات الظاهرة أو المعلومات الباطنة تبعا للسياق الذي ترد فيه ، فهي تندرج تحت المعنى العام اندراج الأفراد تحت عموماتها .
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ : إطناب ببيان مجمل النكث ، فهو من عطف المبين على المجمل ، وقد يقال هو من عطف اللازم على ملزومه ، أو هو من عطف المتغايرات ، فيكون النكث سببا ، والطعن سببا آخر ، وذلك أدعى لقتالهم ، وأيا كان فإن الإطناب في بيان علة الحكم أمر مراد لذاته لتقرر الأحكام بأدلتها فذلك أدعى إلى الامتثال ، وإن كانت الطاعة ابتداء : فرضا لازما ، مصداق قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) .

فقاتلوا : أمر فرع عما قبله ، إذ قامت العلة بنكثهم فوجد الحكم تبعا لها ، فيفيد الشرط بمنطوقه : وجود الحكم بوجود العلة ، ويفيد بمفهومه : عدمه بعدمها ، فلا يحل قتالهم ما التزموا العهد فلم يأتوا بناقض يحل قتالهم . وقد استدل بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ، رحمه الله ، في "الصارم المسلول" بهذه الآية على نقض عهد من تعرض لمقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسب أو الانتقاص ، وقد وقع ذلك من يهود ، أعداء الرسل عليهم السلام ، مؤخرا ، ولم يتحرك أحد من زبائن موائد المفاوضات التي تحتسى عليها أنخاب السلام : الخيار الاستراتيجي الأول ، ولو سب أحدهم لأقام الدنيا انتصارا لنفسه !! .

أئمة الكفر : تجريد ، فالقياس : فقاتلوهم ، وإنما عدل عنه بيانا لعلة قتالهم ، فوصفهم بالإمامة في الكفر جار مجرى التعليل للأمر بقتالهم ، أو يقال هو من باب الخاص الذي أريد به العام ، فالأمر بقتال رؤسائهم أمر بقتال آحادهم من باب أولى ، ولا يتوصل غالبا إلى قتال الرؤساء دون قتال الآحاد ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، في تفسيره .

إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ : مزيد إطناب في بيان علة الأمر بقتالهم ، إذ انتفت أيمانهم نفيا عاما أفاده ورود النكرة : "أيمان" في سياق النفي ، فقد نقضوا كل يمين بالطعن في دينكم ، ولذلك حسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين جملة العلة المصدرة بالتوكيد بـــ : "إن" الذي رجح جانب العلية فيها ، وجملة المعلول التي تقدمتها .
لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ : علة ثانية فقتالهم في هذه الصورة ، لينتهوا عن غيهم ، فإن انتهوا فقد زالت العلة فيزول الحكم تبعا لزوالها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:01


ومن قوله تعالى : (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
ألا تقاتلون : حض على قتال أولئك الناكثين ، و : "قوما" : نكرة في سياق الاستفهام الذي سيق مساق الإلهاب والتهييج فيفيد العموم المعنوي ، فليس أي قوم يقاتلون ، وإنما يعم الحكم من تحققت فيه صورة السبب المبيح لذلك من الأوصاف التي خصت بها النكرة : "نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ" ، و : "وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ" ، و : "وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ، وفي الإطناب في وصفهم مزيد بيان لإجمال عموم "قوما" اللفظي ، فإن الأوصاف تقيد الألفاظ ، فتدل على معان بعينها ، تصلح لأن تعلق عليها الأحكام ، فضلا عما في تعداد جرائمهم من مزيد إلهاب لمشاعر المسلمين ، وهو ما يتلاءم مع الاستفهام التحضيضي الذي صدرت به الآية .
أتخشونهم : استفهام إنكاري ، فيه معنى العتاب ، فإذا كان الأمر كذلك ، فالله أحق أن تخشوه ، فعطفها على ما تقدم بمنزلة الإبطال له ، إذ خشية الله ، عز وجل ، مبطلة لخشية من سواه إلا إن كانت الخشية فيه ، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والخشية من مخالفة أمره ، مما يحمد صاحبه إذ ما فعله إلا خشية من الله ، عز وجل ، فخشية المرسَل فرع عن خشية مرسِله ، وفي التنزيل : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
وبين : "أتخشونهم" ، و : "أن تخشوه" : جناس اشتقاقي فمادتهما واحدة ، وذلك مما يزيد المعنى بيانا .
والإتيان بفعل الخشية في صورة المصدر المؤول من : "أن" وما دخلت عليه مئنة من الدوام والاستمرار ، فذلك مما يحمد به العبد ، إذ مراقبة الباري ، عز وجل ، واجبة في كل حال ، في : السر والعلن ، في الليل والنهار ، في السراء والضراء .............. إلخ ، فلا يخلو المكلف في كل أحواله من عبادة أو ذكر ، فــ : للطعام ذكر ، وللنوم ذكر ، وللنكاح ذكر ............... إلخ . ومثله في التنزيل : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ، فاستحضار معنى الصيام طوال نهاره ، مما يحمد فاعله ، إذ هو أدعى إلى اجتناب ما يبطله أو يخدشه .
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : شرط سيق مساق الإلهاب الذي اطرد في هذه الآية ، على وزان : إن كنت رجلا فافعل ، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا) ، فليس للشرط في مثل هذا السياق مفهوم ، ليقال : وإن لم تكونوا مؤمنين فلا حرج عليكم ألا تقاتلوهم ، أو : إن لم تستطع ألا يرينها منك أحد ، فلا جناح عليك في ترك الستر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:09


ومن قوله تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
فــ : "قاتلوهم" : أمر سيق مساق الوجوب بقرينة ما تقدم من نكث الأيمان .
وفي السياق إيجاز بالحذف انتقالا إلى محط الفائدة التي يتلهف المخاطب في معرض الأمر إليها ، فكل مأمور متلهف إلى معرفة جزائه إن امتثل ، فحذف الشرط المقدر الذي جزم جواب الأمر فيه ، وقد يقال من جهة أخرى : لا حذف إذ الأصل عدمه ، وقد اطرد في كلام العرب جزم المضارع في جواب الأمر .
ثم أطنب في بيان الثواب حملا لنفوس المخاطبين على الامتثال ، ففي القتال من المصالح :
تعذيب الكافرين عدلا ، وخصت الأيدي بالذكر ، وإن لم تكن آلة القتال الوحيدة : تغليبا ، فالعراك مظنة استعمال الأيدي طلبا ودفعا .
وخزيهم : وهو فرع عن قهرهم بالسلاح .
وفي مقابل ذلك : وينصركم عليهم ويشفي صدوركم بإذهاب غيظها ، فعطف إذهاب الغيظ على شفاء الصدور عطف سب على مسببه ، فشفاء الصدور ، كما تقدم ، يكون بإذهاب غيظها ، أو يقال بأنه من عطف اللازم على ملزومه فإذهاب الغيظ لازم شفاء الصدور .
وفي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة تنبيها على المعنى الذي علقت عليه تلك المصالح ، وهو الإيمان .
ويتوب : استئناف ، إذ ما بعده لا يتعلق بما قبله ، فما قبله في حق المؤمنين ، وما بعده في حق الكافرين فلن يخلو الأمر من مصلحة للكافرين ، فإن منهم من يكون قهره بالسلاح ووقوعه في الأسر سببا في هدايته ، على وزان حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ("كنتم خير أمة أخرجت للناس" ، قال : كنتم خير الناس للناس ، تجيئون بهم في السلاسل ، تدخلونهم في الإسلام) .
وليس في ذلك مظنة إكراه ، إذ إكراه الأسير على الإسلام غير مشروع إجماعا ، وإنما يكون الأسر ، كما تقدم ، سببا في إسلامه ، وتلك من حسنات الرق في دين الإسلام ، إذ فيه نوع استصلاح للأسير ، فيرى من دين المسلمين وأخلاقهم ما ينير بصيرته ، ويذهب شبهات المبطلين من أعداء الملة الذين ملئوا قلبه غلا لدين الإرهابيين وكتابهم الذي يحض على الإرهاب والتطرف !!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:12


ومن قوله تعالى : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
قاتلوا : أمر بجهاد الطلب لما توافرت أسبابه ، فبلغ المسلمون من القوة الدينية والدنيوية ما يؤهلهم لحمل الرسالة إلى بقية الأمم ، واقتضت سنة التدافع الكونية بوقوع الصدام الحتمي بين الحق والباطل ، فلن يرضى رؤساء الباطل أن يصل الحق إلى الأتباع طواعية إذ في ذلك زوال رياساتهم .
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ : إطناب في بيان إجمال الموصول : "الذين" إذ تعلق الحكم بالأوصاف التي اشتقت منها جملة صلته وما عطف عليها ، وكرر النفي مع كل وصف إمعانا في التوكيد ، وتلك أوصاف تفيد بمنطوقها وجوب قتال من قامت به ، وبمفهومها وجوب الكف عمن لم تقم به ، ولا يكون ذلك إلى بالإسلام أو دفع الجزية حال الصغار .
وقد استوعبت الأوصاف أوجه الفساد : العلمي ، والعملي ، ثم جاء الوصف الأخير جامعا لهما ، فدين الحق : عقيدة وشريعة ، أخبار وأحكام ، علم وعمل .
فإن قيل : أهل الكتاب مؤمنون بالله ، إذ ليسوا كبقية الأمم ذات الآلهة الأرضية ، فهم أصحاب شريعة سماوية ، وإن بدلوا فيها ما بدلوا ، فالجواب : أنهم حرفوا الرسالة : أخبارا وأحكاما ، فمقالتهم في الإلهيات من أفسد المقالات ، فصح نفي الإيمان بالله ، عنهم ، وإن أقروا باللفظ الدال على ذاته القدسية المتصفة بصفات الكمال الإلهية : "الله" ، إذ ليس "الله" ، عز وجل ، هو من اعتقدوه إلها ، ولفظ : "الله" كما يقول أحد الفضلاء المعاصرين : لفظ مشترك في جميع اللغات إذ لا تنفك أمة عن إله تعبده ، ولا يلزم من ذلك الاشتراك اللفظي : الاشتراك في المعنى ، فلا يلزم من الاشتراك في الاسم : الاشتراك في المسمى ، بل لفظ : "الله" عند المسلمين دال على مسمى لا يدل عليه لفظ : "الله" عند النصارى أو اليهود أو ........... إلخ من أمم الأرض ، فــ : "الله" : عز وجل ، عند المسلمين : إله كامل قد اتصف بصفات الكمال المطلق أزلا وأبدا ، و "الله" : عند النصارى قد اتصف بصفات نقص مطلق التزموها بل قرروها في أمانتهم ، وهي أوصاف ، كما تقدم في أكثر من مناسبة ، تغني حكايتها عن إبطالها ، فهي أظهر من أن ينقدها ناقد ، فلا يرضاها إلا من ختم الله ، عز وجل ، على قلبه وبصيرته ، فإنه لا يرى فسادها المناقض لصحائح المنقول من الرسالات وصرائح المعقول من البينات ، وهكذا بتتبع آلهة بقية الأمم تظهر مزية مقالة المسلمين في هذا الباب فهي مقالة مستندها الوحي المعصوم ابتداء المحفوظ انتهاء وليس ذلك لأحد سوانا .
وهذا ضابط في الحكم على أي قول سواء أكان في العلم أو العمل ، إذ لا يكفي الوقوف عند مبناه اللفظي دون النظر في معناه ، فالمتكلم قد يريد باللفظ ما لا يريده المخاطب ، واعتبر بألفاظ من قبيل : "الإرهاب" و "التطرف" ........... إلخ التي يتشدق بها الغرب فيتذرع بها لغزو الشرق المسلم ، فإن حد الإرهاب في قاموسه الفكري ليس حده بالتأكيد في قاموس المسلمين الفكري ، إذ لا يعني بتلك الألفاظ المنفرة إلا حرب دين الإسلام نفسه ، لا حرب مظاهر الغلو والتطرف فيه ، وإنما تلك الحجة الظاهرة لستر النية الباطنة .
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ : "من" جنسية بيانية .
و : "أل" في "الكتاب" عهدية : فالمراد الكتابان الأولان : التوراة والإنجيل .
حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ : غاية القتال ، فتفيد بمفهومها وجوب نصب القتال ما امتنعوا عن دفع الجزية ، وفي السياق إيجاز بحذف المفعول الأول ، إذ دل السياق عليه ، فتقدير الكلام : حتى يعطوكم ، وقد دلت النصوص الأخرى من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) ، على الغاية الأخرى فإما الإسلام ، وإما الجزية ، وإما السيف ،
ولو كان المراد مجرد القتل والسلب ، ما كان لغاية الإسلام فائدة ، فإن الإسلام يحقن الدم ويعصم المال ، فلا يزال الملاك عن أراضيهم ، بل لا يزال الملوك عن عروشهم إذا ارتضوا الإسلام دينا ، فحكموا به أممهم ، وكانت تلك سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع من أسلم من الملوك ورؤساء القبائل والعشائر ، فلم يكن يولي عليهم إلا من ارتضوه منهم .
ولو كان القتل والسلب غاية ما كان للجزية فائدة فهي لا ترد طامعا ، إذ ليست كمكوس الروم وفارس
التي ضربوها على الزراع ، الذين عرفوا صدق الرسالة من أخلاق الفاتحين ، فكان إسلام أحدهم أحب إليهم من ماله وأرضه ، وقد استاء خالد ، رضي الله عنه ، من أهل الحيرة لما اختاروا الجزية على الإسلام فقال : "تبا لكم ، إن الكفر فلاة مضلة ، فأحمق العرب من سلكها" ، ولما فتحت دمشق : عنوة من جهة ، وصلحا من جهة أخرى ، أجروها صلحا ، وقياس المصلحة الدنيوية العاجلة : جعلها عنوة ليغنمها الغزاة كاملة ، أو على أقل تقدير : جعل النصف منها عنوة لئلا تضيع جهود المقتحمين ، وليست تلك بأخلاق لصوص طامعين ، وإنما تلك أخلاق غزاة فاتحين . والأمثلة على ذلك أكثر من أن تسرد في هذه العجالة .

وسيف الإسلام كان سيف رحمة باعتراف كل منصف من أبناء البلاد المفتوحة ، أزاح عن كواهل أهل الشام ومصر عبء قيصر ، وأزاح عن كواهل أهل العراق وفارس عبء كسرى ، ولم تعرف بلاد كمصر معنى الحرية الدينية التي يتشدق بها الغرب اليوم إلا على يد عمرو ، رضي الله عنه ، فتخلص نصارى مصر الأرثوذكس من طغيان الروم الكاثوليك ، فانشرحت الصدور لدين التوحيد ، فنبذ جل أهلها ديانة التثليث ، وتلك صورة جديدة من صور فتح البلاد والقلوب بسيوف الحق الهادية ، فكتاب هاد يبصر ، وحديد ماضٍ ينصر ، مصداق قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:15

ومن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

يا أيها : نداء للبعيد مئنة من علو منزلة المخاطِب واسترعاء لانتباه المخاطَب .
الذين آمنوا : تعليق للحكم على وصف الإيمان الذي اشتقت منه الصلة .
قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ : جهاد طلب لا يقوم به آحاد المكلفين ، وإلا فهم منه وجوب قتال كل مسلم من جاوره من أهل الذمة !! .
و : "من" : لبيان الجنس ، فليس المراد نوعا بعينه من الكفار ، وإنما المراد جنس الكفار ، وفي ذلك ترجيح لمذهب أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله ، في علة قتال الكفار ، فليست علة قتالهم : اعتداؤهم على المسلمين ، فإنهم قد لا يعتدون ، وإن كان ذلك نادرا ، فالسنة الكونية ، كما تقدم ، جارية بوقوع الصدام بين الحق والباطل ، فلو هادن أهل الحق ، لتجرأ أهل الباطل فعقدوا ألوية غزو المسلمين في دورهم كما هو واقع الآن ، وإنما علة قتالهم : وصف الكفر ، فذلك مما شرع لأجله قتالهم قتال طلب إن وجد المسلمون في أنفسهم قوة ، إظهارا لشعار الدين ، وتبليغا لرسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً : أي شدة في القتال ، ونكرها : تعظيما ، فإن القتال من مواطن : الجلال التي يحسن فيها إظهار الشدة ، فلا يحسن فيها إظهار اللين ، إذ اللين بمواضع الجمال أليق ، ولكل مقام مقال ، فلجهاد الكلمة ما يناسبه من جمال القول ، ولجهاد السيف ما يناسبه من جلال الفعل .
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ : إن قصد بهم المخاطبون ، فهو إظهار في موضع الإضمار تنبيها على الوصف الذي استحقوا به معية الله ، عز وجل ، الخاصة : معية النصرة والتأييد ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فالقياس في غير القرآن على توجه الخطاب إليهم : واعلموا أن الله معكم .
وإن قصد به جنس المتقين ، فالأمر ظاهر ، إذ علق الباري ، عز وجل ، حكم معيته الخاصة على وصف التقوى الذي اشتق منه اسم الفاعل : "المتقين" ، فأفاد بمنطوقه : ثبوتها لمن اتقى ، وبمفهومه : انتفاءها عمن لم يتق ، فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:19


ومن قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
أذن : شرعا ، وقد حذف الفاعل للعلم به فلا يأذن في الشرعيات إلا رب البريات جل وعلا .
للذين يقاتلون : علة الإذن مشتقة من صلة الموصول .
وفي السياق إيجاز بالحذف لدلالة السياق عليه ، فتقدير الكلام : أذن لهم في القتال فرعا عن قتال الكفار لهم ، فبين العلة المذكورة والمعلول المقدر : جناس اشتقاقي يزيد المعنى بيانا ، فقتال مقابل قتال .
بأنهم ظلموا : لأنهم ظلموا ، فأشربت الباء معنى السببية .
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ : تذييل معنوي يلائم السياق ، فالقتال مظنة طلب النصرة من الرب ، جل وعلا ، إذ النصرة لا تكون إلا من قدير .

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
بيان لأحوال المقاتلين ، فقد أخرجوا من ديارهم لا لشيء ، وإنما كان ذنبهم : أنهم آمنوا بالله ، عز وجل ، ففي الكلام إيراد للمدح في صورة الذم على طريقة : فلان ما فيه عيب إلا أنه كريم .
وجيء بالمصدر مؤولا من : "أن" وما دخلت عليه توكيدا على علة إخراجهم فهو آكد من جهة الدلالة المعنوية من المصدر الصريح .
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا : بيان لسنة التدافع بين الحق والباطل ، وهي سنة كونية جارية . وخصت المساجد بوصف : "يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا" ، إذ الأصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور تشريفا لها ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله ، لا سيما بعد نسخ شريعة اليهودية ذات الصلوات وشريعة النصرانية ذات البيع والصوامع .
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ : توكيد بقسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة فضلا عن دخول نون التوكيد المثقلة ، وعلق الحكم على وصف النصرة على جهة المقابلة ، فمن نصر الله نصره الله ، ومن خذل الله خذله الله ، فالقسم حاض بمنطوقه على نصرة الحق وأهله ، زاجر بمفهومه عن خذلان الحق وأهله ، فهو أحد صور قياس الطرد والعكس في الكتاب العزيز ، والحكم عام لا يتعلق بشخص بعينه ، ولذلك علق على : "من" الموصولة وهي نص في العموم .
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ : تذييل معنوي يلائم السياق ، فالنصرة لا تكون إلى من قوي عزيز لا يغلب ولا يقهر . ومن أحق من الرب ، جل وعلا ، بذلك الوصف الأحمد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:22


ومن قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم :
طباق بالسلب ، يبين حقيقة عقيدة أهل الإسلام في القضاء والقدر ، فلم تقتلوهم كونا ، وإن باشرتم سبب ذلك شرعا ، برميهم ، فإن السبب ، وإن كان مؤثرا في وقوع المسبب ، إلا أن تأثيره لا يكون إلا بعد إذن الله ، عز وجل ، الكوني ، بنفاذه ، فلا بد له من شروط يستوفيها وموانع تنتفي ، وفي ذلك من الحث على بذل الأسباب في القتال دون الركون إليها ما فيه ، فيعد المجاهد عدته ، ويستفرغ وسعه وطاقته ، فيمتثل أمر الشرع ، والله ، عز وجل ، هو الذي يجري النصر فضلا ، أو الهزيمة عدلا .
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى : طباق آخر بالسلب يزيد المعنى المتقدم بيانا ، فهو بمنزلة التكرار المؤكد ، فما رميت : رمي الإصابة ، فذلك لا يكون إلا بإذن الله الكوني النافذ ، إذ رميت : باذلا وسعك ممتثلا الأمر الشرعي بقتالهم ، ولكن الله رمى : فيسر الأسباب ونفى الموانع ، فأصاب رميك من العدو مقتله ، فالرمي الكوني لا يعارض الرمي الشرعي ، إذ رميت شرعا أولا ، فرمى الله ، عز وجل ، لك كونا ثانيا ، وتلك عقيدة أهل الإسلام : أخذ بالأسباب الشرعية مع تمام التوكل على مجري الأسباب الكونية .

وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا : أي نعمة ، فالبلاء على ذلك من المتضادات إذ يدل على النعمة والنقمة معا ، والسياق الذي يرد فيه اللفظ هو الذي يعين المعنى المراد ، والسياق هنا : سياق امتنان على المؤمنين يشهد لمعنى النعمة ، فضلا عن وصف البلاء بالحسن ، فتلك قرينة لفظية تقطع بإرادة معنى النعمة ، وتعليق البلاء الحسن على وصف الإيمان الذي اشتق منه وصف : "المؤمنين" مئنة من الحض على التزام ذلك الوصف لينال صاحبه تلك النعمة الربانية السابغة .

والله سميع عليم : تذييل معنوي يناسب السياق إذ سمع الله ، عز وجل ، دعاؤهم في أرض المعركة ، وعلم صدق ما في قلوبهم ، فرمى لهم ، فكان نصر بدر الذي جرت بذكره الركبان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:27


ومن قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
توكيد في مقام الوعد ، تعلق من جهة الفاعلية ، بالرب ، جل وعلا ، إذ مقام الربوبية في الآية ظاهر من جهة : الابتلاء الكوني بالإخراج من الديار والأموال ، وبمشقة الجهاد ، وهي غير مرادة لذاتها ، وإنما لزمت القتال لزوم المشقة أي تكليف ، فلا يخلو التكليف من مشقة ، وإن دقت ، وذلك ، أيضا ، من السنن الكونية المتعلقة بربوبية الله ، عز وجل ، الذي قضى بحكمه الكوني النافذ بتلازم الفعل والمشقة .
ومن جهة : الوعد بالمغفرة والرحمة ، فذلك لا يكون إلا من الرب الذي بيده مقاليد الكون : تدبيرا وتصريفا ، يغفر لمن يشاء فضلا ويعذب من يشاء عدلا .
لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا :
تعلق آخر للوعد من جهة فعل العباد ، فالتعلق الأول من جهة فعل رب العباد ، فعلق الحكم على الأوصاف التي اشتقت منها الصلة ومتبوعاتها : الهجرة والجهاد والصبر ، وعطف الصبر على الجهاد : عطف متلازمين فلا يكون جهاد إلا بصبر ، بل لا تكون طاعة مطلقا إلا بصبر ، وإنما نص على الصبر هنا ، لكونه أظهر في تلك العبادة الشاقة من بقية العبادات .
تماما كما نص على الاستطاعة في عبادة الحج في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ، إذ هي في الحج تزيد عن الاستطاعة التي تجب لكل عبادة ، فقد فسرت في أحاديث لا تخلو أسانيدها من مقال بالزاد والراحلة ، وذلك قدر زائد عن الاستطاعة التي يتعلق بها التكليف ببقية العبادات .
إن ربك : إطناب بالتكرار توكيدا ، ولطول الفصل على وزان :
لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها.
لغفور رحيم : توكيد باللام في خبر الناسخ المؤكد ، والتذييل بصفتي المغفرة والرحمة الخاصة : الرحمة بالمؤمنين : رحمة : "الرحيم" : فيه من التناسب بينهما ، إذ كلاهما لا يكون إلا بالمؤمنين ، بخلاف الرحمة العامة : رحمة : "الرحمن" فهي بالغة المؤمن والكافر ، فضلا عن التناسب مع بقية الآية ، إذ الوعد بهما مقابل ما لقيه المؤمنون من ابتلاء يحمل المكلف على الصبر ، بل الرضا ، طمعا في عطاء المغفرة والرحمة ، وذلك عطاء تفرد به الرب جل وعلا ، فلا يكون لملك مقرب أو نبي مرسل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:30


ومن قوله تعالى : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
وقاتلوا : أمر يفيد الوجوب على بابه ، وقد علق الحكم على وصف الإشراك بالله ، عز وجل ، وهو شاهد لمذهب الشافعي ، رحمه الله ، بأن علة قتال المشركين : الشرك ، لا اعتداؤهم على المسلمين ابتداء ، فيجب على المسلمين متى ما توفرت لديهم أسباب جهاد الطلب أن يقاتلوا المشركين فلا يقبلوا إلا الإسلام أو الجزية عن يد صاغرة أو السيف ، وسبقت الإشارة إلى ذلك في مداخلة سابقة على نفس النافذة .


كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً : مشاكلة في اللفظ والمعنى فكما يقاتلونكم كافة فالواجب عليكم قتالهم كافة ، فإن السنة الكونية جارية بحتمية الصدام بين الحق والباطل ، وإن تهادنا حينا ، فكما قاتلوكم ويقاتلونكم وسيقاتلونكم على قلب رجل واحد ، وإن اختلفت مللهم ونحلهم ، فالواجب عليكم قتالهم أيضا مجتمعين على قلب رجل واحد .

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ : توكيد بـــ : "إن" وما دخلت عليه ، فقد سدت مسد مفعولي : "اعلموا" ، في مقام النصرة والتأييد يناسب السياق ، فهو أبلغ من قولك في غير القرآن : واعلموا كينونة معية الله ، عز وجل ، المعية الخاصة مع عباده المتقين ، في قتالهم المشركين كائنةً ، والتذييل المعنوي بتلك المعية الخاصة : معية النصرة والتأييد ، مما يلائم السياق كما تقدم ، إذ المقاتل بحاجة إلى معونة الرب القاهر ، جل وعلا ، فإن الله ، عز وجل ، ناصر عباده الموحدين على أعدائهم من المشركين بصفات جلاله القاهرة ، فلا يؤيد بنصره إلا من حقق وصف التقوى الذي علق عليه حكم المعية ، وفي الآية : إظهار في موضع الإضمار ، إذ القياس في غير التنزيل : واعلموا أن الله معكم ، ولكنه عدل عن الإضمار إلى الإظهار بمشتق : "المتقين" ، بيانا لتعلق الحكم بالوصف الذي اشتق منه ، وهو وصف التقوى ، كما تقدم ، وذلك ، كما تقرر في الأصول ، قائم مقام التعليل للحكم ، إذ علق على وصف بعينه ، فلزم أن يكون ذلك الوصف مناطه ، وإلا كان الكلام معيبا ، وذلك مما يتنزه عنه الرب جل وعلا .

[size=16]والكلام ترغيب بمنطوقه فالله ، عز وجل ، ناصر المتقين ، ترهيب بمفهومه فهو خاذل الفجار المارقين ، ففيه من الطرد والعكس ما اطرد في آي الكتاب العزيز ، فمن اتصف بالتقوى اطردت معية النصرة الخاصة في حقه ، ومن اتصف بضدها اطرد ضدها من الخذلان في حقه ، وكل ميسر لما خلق له
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:33


ومن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
جاء المبتدأ على صيغة الموصول مئنة من تعلق حكم الخبر على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة ، وهو : "الجهاد" ، كما تقرر مرارا ، وفيه بيان بعد إجمال يسترعي انتباه السامع ، وهو أعم من جهة المعنى من القتال ، فكل قتال في سبيل الله ، جهاد ، ولا عكس ، وإن كان الجهاد بالمال والنفس من آكد أنواع الجهاد ، حتى صار هو المتبادر إلى الذهن عند إطلاق الجهاد حتى ترد قرينة تصرفه إلى غيره ، أو لا تمنع دخول غيره معه ، كما هو الحال في هذه الآية ، إذ السياق لا يمنع دخول كل صور الجهاد في سبيل الله ، في حكم الآية من جهاد النفس بطلب العلم الشرعي والعمل به وتعليمه ، وجهاد الغير بالصبر على أذاهم حال نشر الحق وتعليم الخير ، فإن شياطين الإنس لن يدعوا داعيا إلى الحق دون أن يناله من أذاهم ما يناله ، سنة كونية جارية ، مصداق قوله تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) ، وذلك من آكد المواضع التي ينبغي سؤال الله ، عز وجل ، فيها العافية في الأديان والأبدان .
فِينَا : مجاز بالحذف عند من يقول بالمجاز ، أو إيجاز بالحذف إذ تقدير الكلام : في سبيلنا ، ومنكر المجاز يرى ذلك تكلفا إذ قد أبان السياق عن المراد بداهة .
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا : توكيد الحكم بإيراده جملة قسمية إنشائية ، على مذهب من يجوز وقوع الخبر قسما ، والمقام مقام : تثبيت للمجاهدين ليلزموا الصبر على مشقة الجهاد ، فناسب أن يؤكد بالقسم الذي دلت عليه اللام الموطئة في : "لنهدينهم" ، فضلا عن دخول نون التوكيد المثقلة عليه ، ومن يمنع وقوع الخبر قسما ، لا يماري فيما أورد من مؤكدات ، ولكنه يقدر محذوفا يصح وقوعه خبرا قولا واحدا ، فتصير المسألة عنده من مجاز الحذف ، أيضا ، بتقدير ما يلائم السياق على مذهبه ، نحو : والذين جاهدوا فينا مقول فيهم : لنهدينهم سبلنا .
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ : معية نصرة وتأييد ، وردت في سياق مؤكد بــ : "إن" واللام المزحلقة في خبر الناسخ المؤكد معلقة على وصف الإحسان ، الذي أظهر في موضع الإضمار عناية بشأنه ، كما تقدم ، في المداخلة السابقة ، في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:47


ومن قوله تعالى : (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)
حذف الفاعل للعلم به فإن الآيات الشرعيات لا ينزلها إلا رب البريات جل وعلا ، والآيات الكونيات لا تجري إلا بكلماته التكوينيات النافذات ، فهو مدبر الكون مقرر الشرع تبارك وتعالى .
و : "أن" : تفسيرية ، إذ مجمل ما قبلها قد فسره ما بعدها ، فالآية الشرعية قد نزلت بالتكليف الإلهي فرعا عن التدبير الرباني ، فإن من له ملك هذا الكون ، وفيه تنفذ أحكامه القدرية ، هو الذي يقرر ما شاء من الشرائع الحكمية ، لتحفظ بها الأديان ، وتساس بها الأبدان .
آمنوا بالله : أمر على بابه يفيد الوجوب والتكرار المستغرق لحياة المكلف بقرينة تعلق النجاة بامتثاله ، فلا ينفك العبد عن تحصيل أسبابه ، بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام .
وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ : عطف خاص على عام تنويها بذكره ، وهو في نفس الوقت من التلازم بمكان ، إذ لا ينفك الإيمان عن جهاد في سبيل نصرته ، وإعلاء كلمته ، ولا يكون ذلك إلا مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال حياته ، وعلى سنته بعد وفاته ، فالمعية : معية لذاته الشريفة حال حياته ، ومعية لشرعه بعد وفاته ، نصرة لدينه ، وذبا عن عرضه ، فبذلك يكون علو الذكر ، فلكل مجاهد في سبيل نشر دينه وتقرير شرعه نصيب من قوله تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ، كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله .
وأما المنافقون فلهم ضد ذلك من خمول الذكر ، وسوء المنقلب في الأولى والآخرة ، فمع سعتهم وقدرتهم : (قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) ، وقد حذف متعلق الاستئذان ، لدلالة العطف التفسيري بــ : "و" عليه ، إذ تقدير الكلام : استأذنوك في القعود ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فلما وردت مادة القعود في الجملة المفسرة : "قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ" ، دل المتأخر على المتقدم ، فحذف إيجازا ، والحذف بالإيجاز مئنة من بلاغة المتكلم كما قد علم من كلام البلاغيين .
وفي السياق حذف آخر ، إذ حذف الشرط الذي جزم الفعل : "نكن" في جوابه ، انتقالا إلى مرادهم ، وفي ذلك تعريض بهم لظهور تعجلهم في الطلب ، وما أخسه من طلب ، فالنفوس قد ارتضت المهانة بالكينونة مع النساء والذريات وأصحاب الأعذار والحاجات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:51


ومن قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)

ففيه إطناب في ذمهم بإيراد وصف السوء الذي قام بهم ، إذ رضوا بالكينونة مع الخوالف ، وهن النساء الجالسات في الخيام ، وإنما أطلق عليهم ذلك من باب المجاز ، عند من يقول به ، فالعرب ، قد سمت الخيام باسم الخوالف ، وهي الأوتاد التي تقوم عليها ، ففيه مجاز الجزئية ، إذ أطلق الجزء وأراد الكل ، وإنما خص الوتد بذلك ، لكونه عند التحقيق ، الجزء الذي يقوم به الكل ، فنزل منزلته ، ومن ثم أطلقت الخوالف على ساكنيها ، من باب المجاز المرسل الذي علاقته المحلية ، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه ، كما سمت العرب المرأة بالظعينة ، فأطلقت المحل ، وهو الهودج ، وأرادت الحال فيه . ففي الكلام على هذا القول : مجاز بعد مجاز .
ومنكر المجاز يرد الأمر إلى استعمال العرب للكلمة لا لأصل وضعها ، فقد صار إطلاق الخوالف على النساء مشتهرا ، فلو سلم بأنه مجاز ، فهو مجاز مشتهر نزل منزلة الحقيقة العرفية المتداولة وهي مقدمة بالإجماع على الحقيقة اللغوية ، فآل الأمر إلى تعارض بين حقيقتين قدم أشهرهما وأكثرهما جريانا على لسان العرب ، وطالما اشتهر اللفظ وجرت به الألسنة ، فهو حقيقة إذ يتبادر منه معنى تدركه الأذهان ابتداء دون تكلف المجاز بعلاقاته المتشعبة وقرائنه العقلية .

وهذه محاججة مطردة بين الفريقين في كل موضع يقع الخلاف في وقوع المجاز فيه من عدمه .

وهذا ، أيضا ، من المواضع التي تصلح لأن تكون مثالا على الألفاظ التي استعملها العرب لغير ما وضعت له ، على التسليم بالوضع الأول ، حتى هجرت الحقيقة فلا يكاد يعرفها أحد ، واشتهر المجاز ، فنزل ، كما تقدم ، منزلة الحقيقة العرفية العامة التي يعرفها أكثر المتكلمين بلغة الضاد .

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك :

لفظ المراء : فقد نقل من مراء الحالب اللبن من الضرع ، أي استخراجه إلى المراء في الجدال لأن المماري يحتال لاستخراج ما عند صاحبه ، فالمعنى الأصلي مهجور والمعنى الفرعي هو المشهور .

والعذل : فقد نقل من الإحراق إلى اللوم ، وكأن فيه استعارة الإحراق الحسي للإحراق المعنوي .

والإملاء : وهو يكون للدابة بإرخاء القيد ، كما ذكر صاحب اللسان ، رحمه الله ، فنقل إلى إرخاء الأجل للكافرين استدراجا في نحو قوله تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) ، فكأن فيه ، أيضا ، استعارة الإرخاء الحسي للإرخاء المعنوي .

والغائط : وأصله المكان المنخفض ، ثم صار يطلق على الخارج لأن العرب كانت ترتاد الأماكن المنخفضة لقضاء حوائجها .

والعذرة : وأصلها فناء الدار ، لأن العرب كانت تلقي المخلفات فيها ، فصارت مجازا مشتهرا على الخارج وكاد الوضع الأول أن يندثر .

والمسألة تستحق إفرادها بالجمع والتحرير ، ومن مظانها مبحث : الحقيقة والمجاز ، لا سيما الحقيقة العرفية والمجاز المشتهر في كتب البلاغة وأصول الفقه .

وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ : كونا ، فالله ، عز وجل ، أراد منهم الإيمان شرعا ، ولكنه طبع على قلوبهم فحرمهم الهدى كونا ، فحصل لهم من البيان الشرعي ما حصل للمؤمنين ، مع سلامة أبدانهم وصحة آلاتهم ، ولكنهم لم يوقفوا بخلق إرادة الخير في قلوبهم ، فلم يعنهم الله ، عز وجل ، على الطاعة ، كما أعان المؤمنين ، وفي التنزيل : (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) ، فجرى على الكافرين والمنافقين عدله ، وجرى على المؤمنين فضله ، وهو أعلم بحكمته البالغة بالمحال التي تقبل الهدى ، فيضعه في قلوب أوليائه ، ويحرمه قلوب أعدائه ، فيصرف قلوب الأولين على الطاعة بمقتضى كلماته الشرعية ، ويصرف قلوب الآخرين على المعصية بمقتضى كلماته الكونية ، ولا استقلال لكليهما بفعله خلقا ، وإن صح قيامه بهما وصفا ، فالرب : خالق بكلماته التكوينية ، والعبد فاعل بإرادته التأثيرية ، فهي سبب خلقه الله ، عز وجل ، في عبده ، والسبب المخلوق لا يخرج في عمله عن إرادة خالقه ، فلا تخرج إرادة العبد المخلوقة عن إرادة الرب الخالقة .

فالجهة منفكة : جهة الرب خلقا وجهة العبد فعلا .

وفي الكلام : إيجاز بالحذف ، إذ حذف فاعل الطبع للعلم به ، وهو الله ، عز وجل ، على التفصيل المتقدم .
فهم لا يفقهون : في الفاء معنى الفورية والسببية كما اطرد من معانيها ، فمسبَب الطبع الكوني : عدم الفقه الشرعي ، فلا ينتفعون بما يبلغهم من الكلمات الشرعيات ، لانسداد طرق الهدى إلى قلوبهم بموجب الكلمات الكونيات .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:54


ومن قوله تعالى : (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
استدراك ببيان الضد ، على طريقة القرآن من الجمع بين المتقابلات إمعانا في بيان المتضادات ، فمقابل تخاذلهم الصادر عن نفاقهم : (الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، ومعيتهم له : معية نصرة وتأييد ، وإن استغنى بنصر الله ، عز وجل ، وتأييده ، عن نصرة وتأييد سواه ، مصداق قوله تعالى : (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، فهم معه بالانقياد الباطني ، مشفوعا بالانقياد الظاهري جهادا بالنفس والمال ، فدعواهم الإيمان مشفوعة بجهاد المال والأبدان ، فهو ذروة سنام الملة ، وبه يصان الدين وترتفع ألوية السنة .

وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ : إشارة بالبعيد تشريفا ، فلهم من المنازل أعلاها ، وقدم متعلق الخبر : "لهم" حصرا وتوكيدا ، و : "أل" في الخيرات : جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه ، فعموم الخيرات كثرة : كيفا وكما ، استفيد منها ، وإن دخلت على جمع مؤنث سالم يفيد بأصل الوضع القلة .
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : إطناب بتكرار ذكر المسند إليه : "أولئك" في معرض الثناء بالوعد الحسن ، فذلك مظنته ، مع توكيد وصفهم بالفلاح بضمير الفصل : "هم" : ففيه نوع قصر واختصاص ، فهم ، ومن سار على طريقتهم : المفلحون لا غير ، فالعموم مستفاد من المعنى ، وإن تعلق اللفظ بهم ابتداء ، فهم أولى الناس بخطاب المواجهة لأنهم أشد الناس امتثالا لمضمونه ، فلا يمنع ذلك من دخول غيرهم معهم فيه ، إن امتثلوا مضمونه امتثالهم ، أو قريبا من امتثالهم ، إن شئت الدقة ، فهم ذروة سنام طباق الأمة ، فلا مطمع في درك منزلتهم ، ولا مطمح في نيل رتبتهم ، فهم السابقون الأولون ، ومن بعدهم : (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) ، فاتباعهم بإحسان شرط في حصول النجاة ، والمتبعون لهم المقتفون لآثارهم على تفاوت في ذلك لا يعلمه إلا الله ، فمن مقل معرض ومن مستكثر مقبل . والسير على الطريقة المثلى : عطاء من الله ، عز وجل ، يؤتيه من شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا .

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ : إطناب اطرد في سياق الوعد على ما تقدم في الآية السابقة ، وحسن الفصل فلا عاطف لشبه كمال الاتصال بين السياقين ، فكلاهما في بيان ثواب الممدوحين بوصف الصحبة ، والإيمان ، والجهاد بالسيف والسنان وكرائم الأموال ، وفيه دليل على خلق الجنات ، إذ أعدت لساكنيها ، وتزينت لمستحقيها ، فأنهارها جارية ونعيمها خالد لا ينقطع ، وداخلها خالد لا يفنى ولا يبيد ، فلا يلحقه هرم ولا مرض . و : ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وقد أشير إليه بإشارة البعيد على ما اطرد من علو المرتبة الحسية والمعنوية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 21:57


ومن قوله تعالى : (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)
نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل ، فالاستئذان المنفي هو الاستئذان في الخروج إلى الجهاد ، فأهل الإيمان لا ينتظرون الإذن في الطاعة بل يبادرون إلى الفعل ، وقال بعض أهل العلم ، كما ذكر أبو السعود ، رحمه الله ، بوقوع الإيجاز بالحذف لدلالة السياق على المحذوف ، فالاستئذان يكون في التخلف والقعود عن الخروج ، فيكون تقدير الكلام : لَا يَسْتَأْذِنُكَ المؤمنون في التخلف والقعود ، فإن ذلك ليس من شيمهم . وذلك بخلاف الاستئذان في نحو قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فهو ممدوح ، إذ المناط مختلف ، فالأولون يستأذنون نكوصا عن الطاعة ، والآخرون يستأذنون من المجلس أدبا ، فلا ينصرفون من تلقاء أنفسهم ، ولو كانت لهم حاجة تقتضي الانصراف ، فلا يكون ذلك إلا بإذن صاحب المجلس صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا أكمل ما يكون في الطاعة والانضباط الذي تصلح به أمور الدين والدنيا ، فالصلاة لا ينصرف المصلي منها حتى ينصرف الإمام يمينا أو يسارا ، ومجالس السياسة والحرب لا ينصرف الإنسان منها حتى يأذن القائد .
وعلى التقدير الأول يكون في الكلام حذف ، أيضا ، بتقدير : لا يستأذنك المؤمنون في أن يجاهدوا ، فحذف الجار الذي دخل على المصدر المؤول من : "أن" ومدخولها ، والإتيان به مؤولا لا صريحا ، مطرد في المواضع التي تستلزم التوكيد والتجدد ، إذ دلالة : "إن" عليهما أقوى من دلالة المصدر الصريح ، والجهاد عبادة تتكرر بتكرار دواعيها طلبا أو دفعا .
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ : تذييل معنوي يناسب السياق ، فالله ، عز وجل ، عليم بالمتقين الذين صدقت نواياهم فلا يستأذنون في القيام بالطاعة الواجبة ، ولا يتعللون بالحجج الواهيات إيثارا لسلامة عاجلة . وتعلق العلم بوصف التقوى إشارة لطيفة إلى علة الامتثال فإنه لا يبادر به إلا من اتصف بكمال التقوى .
وعلى الجانب الآخر ، وعلى طريقة القرآن المطردة في بيان المتقابلات بإيرادها متعاقبة :
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ : فيقال فيه ، أيضا ، بإيجاز الحذف على تقدير إنما يستأذنك في القعود الذين لا يؤمنون بالآخرة ....... ، فتتحقق صورة المقابلة أو طباق السلب بين الآيتين : فالأولون : يؤمنون إيجابا ، والآخرون : لا يؤمنون سلبا . والأولون : لا يستأذنون في القعود سلبا ، والآخرون : يستأذنون في القعود إيجابا ، فللمؤمنين من أوصاف المدح : الإيجاب ، ومن أوصاف الذم : السلب ، وللآخرين العكس ، وهذا من أبلغ ما يكون في بيان الأمر بضده .

وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ : أي أنفسهم ، فأسند الريبة إلى القلب لكونه محل المعاني والعقود ، فبه تعقد الهمم طاعة أو معصية ، وبه تنفسخ ، فهو مناط التوفيق والخذلان ، فمن شاء الله ، عز وجل ، وفقه إلى عقد الإيمان فضلا ، ومن شاء خذله فانفسخ عقد إيمانه عدلا ، فتصريف القلوب إقامة وإزاغة بين أصبعيه ، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، مرفوعا : (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) .
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ : فمتى فسخ عقد الإيمان زال اليقين وحلت الريبة محله فصاحبها في أمر مريج ، يتردد بين الإرادات المتعارضة ، واعتبر بحال من أعرض عن الوحي في زماننا ، فهو اليوم شيوعي وغدا رأسمالي وبعد غد ليبرالي .......... إلخ ، فيتلون تلون الحرباء تبعا لتغير المصالح والأهواء .

وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ : فلو أرادوا الخروج امتثالا للأمر الشرعي لبذلوا السبب ، فإن الفعل يصدق القول ، والعلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل ، كما أثر عن بعض أهل العلم ، ولكن الله ، كره انبعاثهم لما علم ما في قلوبهم ، فأراد منهم الخروج شرعا ، ولكنه منعهم إياه كونا ، فكرهه إلى نفوسهم بإرادته الكونية النافذة ، لما علم أنهم ليسوا أهلا له ، بل هم أهل للعقاب بالحرمان من الطاعة ، فخذلهم وثبطهم عدلا ،
وقيل : اقعدوا مع القاعدين : فالأمر فيه إهانة لهم ، على وزان :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ******* واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وحذف الفاعل في : "وقيل" للعلم به ، وقد يقال بأن فيه مزيد إهانة لهم بعدم ذكر اسم الله ، عز وجل ، فحرموا حتى جوار اسمه الكريم ولو في معرض الذم والتوبيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:00


ومن قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
استفهام إنكاري توبيخي على طريقة الالتفات من الغائب في الآية السابقة : "فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" ، إلى المخاطب في قوله تعالى : "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" إمعانا في التوبيخ بتوجهه إليهم مباشرة .
وفي الآية تشبيه فعل : "سِقَايَةَ الْحَاجِّ" ، بعين : "مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ" ، فوجب تقدير مضاف هنا أو هنا ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فيؤول الكلام إلى : أجعلتم من يسقي كمن يغزو ، أو : أجعلتم فعل السقاية كفعل الجهاد .
آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : عطف الجهاد على الإيمان : عطف خاص على عام ، كما تقدم مرارا ، وأظهر لفظ الجلالة : "الله" في مقام الإضمار لسبق ذكره ، فتقدير الكلام : وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِه ، أظهره على التفصيل السابق تنويها بالجهاد المعتبر بتعظيم سبيله ، فالجهاد وسيلة للنصرة ، وعظمة النصرة من عظمة المنصور ، وعظمة الجهاد من عظمة سبيله ، فلا يستوي من جاهد في سبيل الله ، ومن جاهد في سبيل الحرية والمساواة والإخاء والإنسانية والحب أحيانا ! ......... إلخ .
لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ : فصل لانتقال السياق من الإنشاء بالتوبيخ إلى الإخبار عن حال الفريقين ، وهو لا يخلو مع كونه خبرا محضا من جهة المبنى عن توبيخ بالتعريض من جهة المعنى ، ويقويه في هذا الباب : التعريض بعدم هداية الظالمين ، هداية التوفيق الكونية ، وإن هدوا هداية البيان الشرعية كما تقدم مرارا .
فالتعريض بعدم التسوية بين :
القاعد عن الجهاد مكتفيا بزخرفة المساجد ، كما هو حال كثير من حكام المسلمين اليوم ، فكل ملك وأمير ورئيس يتفنن في بناء مسجد يخلد ذكراه وإن قصر العبودية على الصلاة فيه إن كان يصلي أصلا ! .
والقائم في سبيل الله ، فيه نوع توبيخ للقاعد شفع بتعريض آخر ، أظهر فيه لفظ الجلالة في مقام الإضمار ، مبالغة في الزجر ، فعظم العقوبة من عظم من يوقعها ، وأي عقوبة أعظم من سد منافذ الهداية عن قلوب الظالمين عدلا منه ، عز وجل ، جزاء وفاقا لمن ظلم بتكذيب الشرع أو مخالفة أحكامه .

وفي المقابل وعلى طريقة الكتاب العزيز في التثنية بذكر المتقابلات إمعانا في البيان :
الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ : استئناف ببيان حال الضد فيه إطناب على طريقة العام المشفوع بالخاص ، تنويها بالهجرة والجهاد ، والترتيب بينهما : ترتيب وجودي فالهجرة تسبق الجهاد غالبا كما وقع للصدر الأول ، رضي الله عنهم ، وفي ذكر محاسنهم تنويه بها وحض على الاتصاف بها ، على طريقة التعريض ، فأولئك هم : أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ، فقدم المسند إليه الذي جاء بصيغة الموصول تنبيها على علية ما اشتقت منه صلته والمعطوف عليها : الإيمان والهجرة والجهاد ، للمسند : "أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" ، وأخر المسند تشويقا إليه ، فإن النفوس لما علمت أوصاف أولئك السادة الممدوحين اشتاقت إلى معرفة جزائهم ، وفي ذلك مزيد حض على امتثال طريقتهم .
وقد أطنب في الجزاء فذكره مجملا : "درجة" ، وأثنى على أصحابه بوصف الفوز محصورا عليهم بدلالة ضمير الفصل : "هم" ، ثم أتبع ذلك ببيان واف :
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ :
فالبشرى على حقيقتها بخلاف بشرى المشركين تهكما في نحو قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) .
وأسند البشرى إلى الرب ، جل وعلا ، وخص المبشَرين بوصف الربوبية : تخصيصا في مقام الثناء ، فهو ربهم ورب غيرهم : الربوبية العامة : ربوبية الخلق والتدبير ، ولكنه ربهم هم وحدهم : الربوبية الخاصة : ربوبية الثواب فرعا عن الرضا عنهم والمحبة لهم .

والرحمة منه جل وعلا ، وفي نسبتها إليه تعظيم لشأنها إن كانت صفة ، فعظم الصفة من عظم الموصوف بها ، فأي رحمة أعظم من رحمته ، جل وعلا ؟! .

وتشريف لها لا يخلو من تعظيم ، إن قصد بها الجنة ، الرحمة المخلوقة ، فتكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفا ، ويؤيد معنى العظمة : ورودها منكرة تفيد التقليل ، فقليل الرحمة منه ، جل وعلا ، عظيم ، على وزان :
قليل منك يكفيني و لكن ******* قليلك لا يقال له قليل
وقل مثل ذلك في الرضوان فأقل رضوان منه ، جل وعلا ، هو الفوز المبين ، وأي فوز أعظم من الفوز برضا رب العالمين .
ويؤيد كون الرحمة هي الصفة لا الجنة المخلوقة ، ورود ذكر الجنة بعد ذلك في سياق بيان جزائهم :
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ : إذ الأصل في الكلام : عدم التكرار ، فلو فسرت الرحمة بالجنة ابتداء ، ثم ثني بذكرها انتهاء ، كان الكلام من باب التوكيد ، بخلاف ما لو فسرت بصفة الجمال الإلهية : الرحمة الخاصة : رحمة الرحيم بعباده المؤمنين وحدهم ، فإن الكلام يكون من باب التأسيس ، وإذا دار الكلام بين التوكيد والتأسيس فحمله على التأسيس أولى ، إذ يفيد معنى جديدا ، وفي ذلك إثراء للسياق بتعدد مدلولاته .
وقدم : "لهم" : حصرا وتوكيدا على ما اطرد في كلام البلاغيين ، واستعار وصف الإقامة للنعيم ، وفيه مزيد بشرى ، إذ نعيم الدنيا مهما عظم مفارَق ، فإما أن يرحل وإما أن يرحل صاحبه ، بخلاف النعيم المقيم ، وأكد على ذلك إمعانا في البشرى : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا : فهو مقيم لا يفارقهم ، وهم خالدون لا يفارقونه .
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ : تذييل معنوي يناسب ما اطرد في سياق أجر المؤمنين المجاهدين ، وقد استغرق بيان ذلك الأجر آيتين وبضع آية ، وهو لمن اعتبر باعث على امتثال التكليف الإلهي طمعا في الثواب الرباني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:03


ومن قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
إن كان آباؤكم : شرط في سياق التهديد وقد استغرق المحبوبات التي تقعد المكلفين عن الجهاد من الأرحام : الآباء والإخوان والزوجات والعشائر ، فقدمها إذ تعلق النفوس بها أعظم من تعلقها بالأموال ، ثم ثنى بالأموال عموما ، وعطف عليها التجارة خصوصا ، إذ التجارة مما يستلزم المتابعة الدائمة التي تستهلك الأوقات والأعصاب كما هو مشاهد من أحوال كثير من التجار فيكاد الواحد منهم يقضي عمره بين دفاتر الأرباح والخسائر ، إلا من رحم الله ، ثم ثلث بالدور ، فهي آخر متعلقات النفس ، فإن كان كل ذلك :
أحب : وفيه شفقة بالمكلفين ، بمراعاة ما جبلوا عليه من حب تلك المتعلقات ، فتكليفهم بالإعراض عنها بالكلية : تكليف بما لا يطاق لم ترد به شريعتنا السمحة .
وفي تقديم المتعلقات السابقة على الخبر : "أحب" : تشويق إذ تعددت أفراد المسند إليه فتطلعت النفس إلى معرفة الحكم الذي أسند إليها في معرض التهديد الذي يستلزم الحذر والترقب .
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ : فعطفُ ذكرِ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذكر مرسِله ، عز وجل ، كالعطف بينهما في الشهادة ، التي هي ، عند التحقيق ، إيجاز للملة ففيها أقسام التوحيد الثلاثة : فإفراده بالألوهية إنما يكون فرعا عن الشهادة له بكمال الربوبية ، والشهادة له بكمال الربوبية إنما تكون فرعا عن الشهادة له بكمال الذات القدسية والأسماء الحسنى والصفات العلية ، والشهادة لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة داخلة في حد إفراده بالألوهية ، إذ قد بعث عليه الصلاة والسلام ، بالرسالة المتضمنة أحكام التأله له ، عز وجل ، تصديقا لخبره وامتثالا لأمره ، ففيها كل العلوم الإلهية النافعة والأعمال الحكمية الصالحة في العبادات والمعاملات والأخلاق والسياسات .
وهي من جهة أخرى تستوفي القسمة الثنائية للتوحيد : توحيد المرسِل ، وهو الله ، عز وجل ، المحبوب المراد لذاته ، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسير على طريقته وحده في العلم والعمل ، فهي معقد النجاة ، إذ لا رسالة بعد رسالته الخاتمة ، وذلك أعظم ما يتقرب به إلى مرسِله ، فمن أحب الرسول فقد أحب مرسِله ، فتوسل بحب الأول إلى رضا الثاني ، وعلامة المحبة : الاتباع لا محض الدعوى مع الابتداع ، وفي التنزيل : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

وعطف الجهاد عليهما : عطف خاص على عام تنويها بذكره ، فهو مما ندب إليه الوحي المنزل من عند الله ، والسنة الصادرة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بل هو الوسيلة إلى نشرهما طلبا ، والذب عنهما دفعا ، فبه تصان الملة ، وترفع ألوية السنة ، وإفراده بالذكر مما يتواءم مع سياق التهديد لمن قعد عن نصرة الدين اشتغالا بعرض الدنيا الزائل .

والضمير في : "سبيله" : عائد على غير أقرب مذكور ، على خلاف الأصل ، فهو عائد على الله ، عز وجل ، وقد يقال بعودته على المذكورين : الله ورسوله من جهة كون الجهاد ، في حقيقته ، إعلاء لمنهاج النبوة ، ومنهاج النبوة عند التحقيق هو سيبل الله المنصور ، وفي التنزيل : (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، فقرن بينهما في سياق الغلبة والظهور .
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ : أمر يفيد التهديد على وزان قوله تعالى : (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، وأبهم المصير : فلم يذكر كنه ذلك الأمر الكوني الآتي إمعانا في الزجر والتهديد ، وأظهر اسم الجلالة في مقام الإضمار تربية للمهابة ، كما اطرد في سياقات التهديد ، وعرض بهم بالنص على عدم هداية الفاسقين ، فأولى لكم ألا توافقوهم لئلا تجري عليكم أحكامهم طردا ، وإنما السلامة أن تخالفوهم فيجري عليكم ضد أحكامهم عكسا ، على ما اطرد في الكتاب العزيز من الطرد والعكس ، فإن الكلام يفيد بمنطوقه : ذم الفاسقين وذم من سار على طريقتهم طردا ، ويفيد بمفهومه : مدح المؤمنين ومدح من سار على طريقتهم طردا ، ولا يكون ذلك بداهة إلا بعدم السير على طريقة الفاسقين عكسا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من ايات القتال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» ايات قرانية .. صوررائعة
» ايات قرانية .. صوررائعة
» ايات واعجاز علمى...قمرالزمان
» ثلاث ايات تحميك يووم كااامل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: القسم الاسلامي :: الواحة الإسلامية-
انتقل الى: