واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 من ايات القتال

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
كاتب الموضوعرسالة
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:06

ومن قوله تعالى : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)

نهي شرعي عطف على الأمر بالصبر ، فالشريعة : إيجاب وسلب ، إيجاب للممدوحات فعلا ، سلب للمذمومات كفا ، وأشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، إلى وجه آخر تكون فيه من باب عطف النهي على النهي بقوله : "جملة : { ولا تكونوا } معطوفة على { ولا تنازعوا } [ الأنفال : 46 ] عطف نهي على نهي" .

وأشار إلى وجه ثالث يكون العطف فيه على أمر آخر فقال :
"ويصحّ أن تكون معطوفة على جملة { فاثبتوا } [ الأنفال : 45 ] عطف نهي على أمر ، إكمالاً لأسباب النجاح والفوز عند اللقاء ، بأن يتلبسوا بما يدنيهم من النصر ، وأن يتجنّبوا ما يفسد إخلاصهم في الجهاد"

وأيا كان الأمر فإن ذلك العطف مما يستوجب استجلاب النصر باستكمال أسبابه من ثبات وصبر وخضوع وتواضع وإخلاص لله ، عز وجل ، بالنهي عن ضده من البطر والرياء ، فإن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده ، كما قرر الأصوليون ، وليس النهي بمنزلة الأمر ، فالأخير أشرف منه ، ولذلك كان فعل جنس الطاعات أشرف من ترك جنس المعاصي ، إذ الأول مراد لذاته ، بخلاف الثاني الذي يراد لذاته من جهة امتثال النهي ، ولكنه في حقيقته مراد لغيره ، إذ لازمه التلبس بضده من الطاعة ، فهو كالقيد الاحترازي الذي يحمى به جانب الإيمان ، بخلاف الطاعة التي هي جزء من بنيان الإيمان ، فهي شرط لكماله الواجب للخروج من دائرة الذم الشرعي والوعيد بالعقاب الأخروي ، وليس ما أريد لغيره كما أريد لذاته ، فالثاني كما تقدم أشرف وأعلى رتبة .
وجاء الحال بالمصدر : بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ : مبالغة في الذم ، على وزان : جاء زيد مشيا ، فهو أبلغ في وصف حاله متلبسا بالفعل من جاء زيد ماشيا ، أو جاء زيد : يمشي .
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ : عدول عن الوصف بالاسم إلى الوصف بالفعل إرادة بيان التجدد والحدوث ، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، فذلك دأبهم الدائم فليس وصفا عارضا ، وإنما هم ، كأهل الباطل في كل زمان ، مصرون عليه ساعون فيه ، قد عقدوا العزائم والنوايا على نصرته ، وشمروا السواعد وأنفقوا الأموال وجندوا العقول والأذهان طلبا لغلبته ، فالسنة الكونية مطردة إذ بجلدهم على الكفران تظهر مزية أهل الإيمان ، فيقع التدافع بين الحق القديم والباطل المحدث .

والله بما يعملون محيط : تذييل بصفة علم الإحاطة الكونية ، فقد علم الله ، عز وجل ، ما هم فاعلون أزلا ، وفي ذلك تهديد ووعيد لهم ، وتعريض بكل من زين له شيطانه محادة الله ، عز وجل ، وحرب أوليائه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:07

ومن قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
إيجاز بحذف العامل ، فتقدير الكلام : واذكر إذ ، وتزيين الشيطان لهم ، إنما هو بإرادة الله ، عز وجل ، الكونية ، فهو عقوبة قدرية لمخالفة الأمر الشرعي ، فلا يتسلط الشيطان ذو الكيد الضعيف على الإنسان إلا إذا ابتعد عن الله ، عز وجل ، فسقطت حصون إيمانه تحت وطأة حصار شياطين الإنس والجن لها ، فلم يكن لهم أن يقتحموها إلا فرعا عن تفريطه الشرعي في جناب ربه العلي ، فإرسالهم عليه : عقوبة كونية مقدرة ، وفي التنزيل : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) .
ثم جاء بيان ذلك التزيين بعد إجماله فأطنب في خداعهم فقال : لا غالب لكم اليوم ، و : "أل" في : "اليوم" : للعهد الحضوري أي : يوم بدر ، و : "أل" في الناس : عهدية ذهنية تشير إلى المؤمنين أو على أصلها : جنسية استغراقية إمعانا في التغرير بهم بوعوده الكاذبة التي زادتهم بطرا ورئاء فظنوا أنهم الأعلون ، وهم الأدنون ، وواصل خداعه فقال وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ : ، ثم كانت عاقبة الأمر : أن فر ، وأطنب في الاحتجاج كما أطنب في الاستدراج ، (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ، وإظهار الاسم الكريم في موضع الإضمار في : (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، فيه من بيان العظمة والجلالة الإلهية ما يناسب سياق وعيد من تصدى لحرب جند الرحمن من الملائكة الكرام والصحب الأخيار رضي الله عنهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:08

وقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49))
استحضار لحال المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، وهم صنف سرى الشك إليه ، ولما يدخل الإيمان في قلبه ، وإن حصل له إسلام في الجملة ، وهم بالنسبة لجمهور المؤمنين قلة ، بل إنهم عند التحقيق ، خارجون عنهم ، بائنون منهم ، بدليل إشارة أولئك للمؤمنين بإشارة البعيد : "هؤلاء" فدل ذلك على أنهم لم يكونوا من الطائفة المنصورة آنذاك ، وهذا أمر مشاهد في كل زمان ، فتجد المؤمن الجازم ، وتجد المؤمن المضطرب الشاك فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وإن كان مؤمنا في الجملة إيمانا يخرجه عن حد الكفران ، وتجد المنافق الذي يستخفي بنفاقه فإذا ما واتته أي فرصة أظهر مكنون صدره من غل وحقد على الدين وأهله ، وتأمل حال العلمانيين في زماننا ، وقد حصل لهم نوع تمكين إملاء واستدراجا لهم ، وعقابا وابتلاء للمؤمنين ، ففتنتهم عقاب لمن قصر في الأخذ بأسباب الشرع العاصم ، ابتلاء لأهل الإيمان تجري به سنة التدافع بين الحق والباطل .
والقول في هذا السياق : قول لفظي في حق المنافقين فقد ظهر على ألسنتهم صراحة ، وقول في النفس في حق ضعاف الإيمان فلم تنطق بها ألسنتهم ، وإلا نافقوا بذلك ، بل نزل شك صدورهم منزلة القول بجامع ظهور الحال بكليهما فاللسان لسانان : لسان مقال ولسان حال .
وقد استعار المرض الحسي للمرض المعنوي ، ونص على موضع الداء ، إذ الشبهات والشهوات إنما تصيب القلوب ابتداء فيظهر فسادها على الألسنة والجوارح انتهاء ، فكل فساد عملي ، فإنما هو فرع عن فساد القلب العلمي ، فالحكم فرع عن التصور ، بصلاحه يصلح وبفساده يفسد .
غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ : بأن وعدهم النصر ، ففيه مجاز إسنادي ، عند من يقول بالمجاز إذ نسب الفعل إلى الدين إجمالا ، وإلى نصوص الوعد بالنصر والتمكين تحديدا ، من قبيل : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، وأشير إلى المسلمين إشارة البعيد مع عدم تقدم ذكرهم ، فلا مرجع لاسم الإشارة ، لدلالة السياق عليه ، فكلام المنافقين ومرضى القلوب لن يتناول بالذم والثلب إلا المؤمنين .
وفي المقابل : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
فهو شرط سيق مساق الوعد ، ففيه نوع حض على التوكل على الله ، عز وجل ، بعد الأخذ بأسباب النصر الكونية ، إذ من توكل عليه فإنه : العزيز الذي لا يغلب ولا يغلب من التجأ إلى حماه ، وهو الحكيم فلا يهب النصر لمن لا يستحق ممن عطل الشرع والكون ، فلم يمتثل الأمر شرعا ولم يعد العدة كونا ، فإن في ترك العمل بالشرع شؤما تباد به أعظم الجيوش ، وفي ترك الأخذ بأسباب الكون : نقصا في العقول يستحق أصحابه التعزير إذ عطلوا السنن التي أقام الله ، عز وجل ، عليها كونه .
وكل يبذل السبب في تحصيل مراده ولكن المؤمن يمتاز عن غيره باستحضار النية التي تصير العادة الكونية العامة : عبادة شرعية خاصة .
وقد أظهر الاسم الكريم : "الله" في : "فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ، وحقه الإضمار لتقدم ذكره تربية للمهابة في قلوب الكافرين المغلوبين ، والعزة في قلوب المؤمنين الغالبين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:09

ومن قوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
استحضار لحال الكفار حين الاحتضار ، وقتلاهم في الحرب أولى الناس بالحكم ، إذ هم الأعظم جناية بمباشرة أسباب الحرب لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فضلا عن دلالة السياق على ذلك ، فبعد فرار الشيطان الذي خذلهم ، وقعت فيهم المقتلة والمأسرة ، والتبكيت بالفعل : ضربا للوجوه والأدبار فعم ما أقبل وأدبر ، والقول : ذوقوا عذاب الحريق ، فالأمر : أمر إهانة ، وجيء بالمصدر وصفا كناية عن شدة إحراق العذاب وإيلامه .

وجعله الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، من إضافة الجنس إلى نوعه بيانا ، فنوع العذاب : عذاب الحريق .

ذلك : ما تقدم ، بسبب أعمالكم ، وخصت الأيدي بالذكر لأنها آكد ألات مباشرة الأفعال واكتسابها .
وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ : نفي وصف نقص عن الباري ، عز وجل ، أكد بالناسخ المؤكد : "أن" ، واسمية الجملة ، ودخول الباء على خبر الناسخ ، ونفي النقص في باب الصفات الإلهية : يستلزم إثبات كمال ضده لرب البرية ، جل وعلا ، فليس النفي المحض مدحا حتى يقترن بإثبات كمال ضده ، فمفهوم الكلام : بل هو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين ، فقد حكم عليهم بالكفر بإرادته الكونية النافذة لحكمة جريان سنة المدافعة بين الحق والباطل ، ولم يظلمكم شيئا ، إذ ليس مفتقرا إلى ما في أيديكم من عطاياه التي من بها عليكم ابتداء ، ليس مفتقرا إليها ليظلمكم بسلبه إياها ، فالهدى فيض من عطاياه ، إن كان لكم من دونه فقد ظلمكم إياه ، وليس ذلك بحق ، بل هو محض عطائه يهبه من شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا .

وجيء بصيغة المبالغة إشارة إلى تعدد العبيد ، فلا مفهوم لصيغة المبالغة ليقال ليس بظلام ، ولكنه قد يكون ظالما ، تعالى الملك عن ذلك علوا كبيرا .


وإليه أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله :
"ونفي ظَلاَّم بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي ؛ لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها ، وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأنّ المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيراً في مثل هذا ، ويزاد هنا الجواب باحتمال أنّ الكثرة باعتبار تعلّق الظلم المنفي ، لو قدر ثبوته ، بالعبيد الكثيرين ، فعبّر بالمبالغة عن كثرة أعداد الظلم باعتبار تعدّد أفراد معموله .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:09

ومن قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)
قدم الحكم تنفيرا ممن حاله كذلك ، فذلك أبلغ في مخالفة طريقته ، فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما ، وقد نزل بهم وصف الكفر إلى دركة الدواب ، بل شرها ، وذلك من الدناءة بمكان .
فهم لا يؤمنون : فرع عما تقدم ، في معرض الإطناب في الذم ، فلازم ذلك الوصف : هذا الحكم فلا يتصور إيمان على جهة التكليف من بهيم شرير .
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ :
إجابة عن سؤال مقدر عن حال أولئك لئلا يتلبس المكلف بوصفهم ، فمن أولئك الذين استحقوا ذلك الذم ؟ : الذين ، فيكون في السياق حذف للمبتدأ على تقدير : هم الذين ، أو : يقال بنصب الموصول على جهة الذم ، أو على جهة البدل أو عطف البيان من : "الذين كفروا" ، وكلها مجلية موضحة لحالهم وإن امتاز كلٌ بمعنى لا يوجد في غيره .

فهم : الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ : وصيغة المضارع ، كما يقول أبو السعود ، رحمه الله ، مئنة من التجدد فتلك حالهم المطردة ، فقد انطوت الصدور على نية الغدر سلفا ، وإن تظاهروا بالوفاء حينا ، فإن صارت المصلحة النفعية العاجلة في نقض العهود نقضت ومزقت ، وتأمل حالهم من زمن الرسالة إلى يوم الناس هذا ، فالغدر أصل والوفاء استثناء ، وما ذلك إلا لفساد تصورهم العلمي ، فلو قدروا الله ، عز وجل ، حق قدره ، فعلموا أنه مطلع على سرائرهم لأورثهم ذلك نوع تعظيم للعهود والمواثيق ، على جهة التدين ، ولكنهم أساءوا الأدب معه فوصفوه بأوصاف النقص ، فقل تعظيمه ، جل وعلا ، في نفوسهم ، فتجرءوا على نقض عهده وقتل رسله وحرب أوليائه ، وكل فساد في العمل فإنما مرجعه عند التحقيق لفساد في العلم عريض .

وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ : تذييل منزل منزلة العلة لما قبله ، فهم لا يتقون رهبة ولا يرجون رغبة ليلتزموا أمرا شرعيا ، فغايتهم تحصيل منفعة عاجلة ولو بأدنى الحيل وأخس الطرق .
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ : تفريع عما تقدم . وفي مقام الحث على قتالهم جيء بالتوكيد بالنون المثقلة ، إذ ما تقدم من سوء وصفهم وفساد طريقتهم مظنة التوكيد على استئصالهم إذا جمعتنا بهم ساحة قتال .
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ : فلعل حرارة السيف توقظ قلوبهم من غفوتها ، فتؤتي الشدة من الثمرة ما لا يؤتيه اللين ، ولكل موضع ، فمن الناس من تلائمه الحجة والبرهان ، ومنهم من يلائمه السيف والسنان .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:10

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ :
توكيد يناسب السياق ، فلا يكفي مجرد الظن حتى يترجح ، فيغلب على الظن أنهم خائنون لا محالة فيكون الخوف عندئذ قد صار بمنزلة الواقع الذي يلزم التصدي له .
والسياق عام في كل قوم ، وقل مثل ذلك في الخيانة التي وردت منكرة في سياق الشرط .
فانبذ إليهم : ولا يكون إعداد العدة للقائهم إلا بعد إعلامهم . فيكون نبذك عهدهم على طريق مستو ظاهر لا لبس فيه لئلا يشوبك من ذلك شائبة خيانة كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله .

وعلة ما تقدم : إن الله لا يحب الخائنين ، فهو بمنزلة التذييل اللفظي إذ مادة الخيانة قد وردت في سياق الشرط بصيغة المصدر ، ثم وردت في العلة المؤكدة بــ : "إن" بصيغة اسم الفاعل : "الْخَائِنِينَ"، وحسن الفصل ، كما تقدم مرارا ، لشبه كمال الاتصال بين العلة والعلول فهي بمنزلة جواب لسؤال تولد مما تقدمها من الشرط ، إذ التقدير : وما الموجب لالتزام ذلك الشرط ؟ ، فجاء الجواب بالنص على ما ينفر المكلف من مخالفته ، فأي شؤم أعظم من أن تنتفي محبة الله ، عز وجل ، لعبده ، فرعا عن ذنب خالف به أمره الشرعي ، وإن كان واقعا بأمره الكوني ؟ .

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ :في مقام تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلا يحسبن أعداؤكم من الكفار أنهم سبقوا الله ، أو سبقوكم ، بنجاة مؤقتة ، فمصيرهم الهلاك إما بسيوفكم ، وإنا بعقوبة كونية عاجلة ، فإن تأخرت العقوبة في الدنيا فالنار مثوى لهم .
وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) : تعليل سواء قرئ بالفتح على تقدير : لأنهم ، أو الكسر ، إلا أن الكسر يزيد عليه دلالة الاستئناف ، إذ تكسر همزة إن وجوبا في صدر الكلام ، كما أشار إلى ذلك صاحب الكشاف ، غفر الله له ، فهو على ما تقدم من التذييل المعنوي بورود العلة عقيب معلولها ، فالنهي الذي أريد به التسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتبكيت والمساءة لأعدائه علته : أنهم لن يعجزوا الله ، عز وجل ، هربا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:11

ومن قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)

أمر على أصله للإيجاب ، والقدرة مناط التكليف ، فأعدوا لهم : (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) ، وعطف رباط الخيل على القوة : عطف خاص على عام تنويها بذكره ، إذ كانت الخيل من أعظم العدة في قتال الكفار ، وليس النص عليها تخصيصا لعموم القوة ، بل لكل زمان قوته ، ولكل جيش عدته ، فيقاس عليها من باب القياس المساوي بملاحظة المعنى الكلي الجامع وهو كونها مما يستعان به في الحروب من الآلات يقاس عليها كل سلاح حديث لا سيما ما شاركها الوصف الأخص من المدرعات وناقلات الجنود ، فكل وسيلة لنقل الرجال والمؤن تقاس عليها قياسا مساويا .
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ : نص على علة ذلك الإعداد ، فهو من باب سد الذرائع ، إذ رؤيتهم عدتكم الحقيقية لا الوهمية التي نراها في العروض العسكرية الفلكلورية ! لجيوش العالم الثالث المتهالكة ، رؤيتهم لذلك مع تلمسهم لعقيدة قتالية شرعية لا وطنية تقدس التراب الوطني الذي تطؤه النعال ليل نهار ! ، كل أولئك مما يرهب قلوبهم فيكفوا عن قتالكم ويطلبوا سلمكم ، وما نحن فيه اليوم من طلبهم لنا في كل مكان حتى في بلادنا إنما هو عقوبة كونية نافذة فرعا عن مخالفة هذا الأمر الشرعي .
وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ : طباق بالسلب يزيد المعنى بيانا في معرض بيان كمال علم الرب ، جل وعلا ، في مقابل نقصان علم العباد القاصر . وذلك أصل مطرد في كل صفة اشترك فيها الخالق ، عز وجل ، والمخلوق ، فالاشتراك واقع في المعنى الكلي على سبيل الاشتراك المعنوي ، دون كمال الوصف وحقيقته ، فللرب ، جل وعلا ، منه الكمال المطلق والحقيقة الغيبية التي لا تدركها العقول القاصرات ، وللمربوب منها الكمال المقيد بحاله التي لا تنفك عن النقصان بحكم الجبلة التكوينية ذات القدرات المحدودة ، فليس سمع الباري ، عز وجل ، الذي وسع الأصوات كلها ، كسمع المخلوق المحدود ، وعلى هذا فقس ، إذ لا بد من قدر مشترك لتدرك العقول المعاني ، وقدر فارق يمتاز به الباري ، عز وجل ، المتصف بكل كمال مطلق ورد به الخبر فضلا عما حجب عنا من نعوت جماله وجلاله ، يمتاز به عن المخلوق الناقص .

وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ : إلهاب بشرط سيق مساق الوعد ، وهو تذييل معنوي بديع جار على ما تقدم من سياق إعداد العدة ، إذ لا يكون ذلك إلا بالبذل ، فيكون من باب عطف السبب على مسَبَبه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:16

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ :
أي مالوا : فاستعير فيه الجنوح الحسي للجنوح المعنوي ، فإن طلبوا السلم فرعا عما رأوه من قوتكم المعنوية والمادية التي أدخلت الرهبة في قلوبهم : فاجنح لها : أمر إباحة أو إرشاد ، فيه جناس أو مشاكلة بين : "جنحوا" و : "فاجنح" تزيد المعنى بيانا ، فليس ذلك بواجب ، بل هو منسوخ على قول طائفة من أهل العلم ، منسوء على قول طائفة آخرى ، وهو الراجح ، فيرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية المعتبرة ، فقد تكون المصلحة في المهادنة حينا لتجهيز العدة ، أو لضعف اعترى المسلمين فلا يقدرون على النهوض لقتال أعدائهم ، والأيام دول ، والمرض يعتري الأمم كما يعتري الأبدان ، فتصح تارة وتعتل أخرى ، و : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ، وقد تكون المصلحة الشرعية في نصب القتال لهم جهادَ دفع للذب عن بيضة الدين ، أو طلبٍ لتبليغ رسالة رب العالمين ، فيعمل في كلٍ بحكمه ، إذ ليس حكم الضعيف كحكم القوي ، فالأحكام ثابتة في مناطاتها ، متباينة في تحقيقها تبعا لحال الأمة ، والفقيه من نظر في أحوال زمانه ، فألم بها قبل أن يقضي بفعل أو ترك ، وميزان المصالح والمفاسد ميزان دقيق ، والناس فيه ما بين مضيق وموسع ، فمضيق لا أثر لروح الشريعة في قضائه ، وموسع يتذرع بفقه المصالح والمفاسد لإهدار مصالح شرعية معتبرة باسم : "فقه الواقع" ! ، فيؤول حاله إلى تعطيل الشريعة باسم الشريعة تكلفا لسماحة هي إلى التفريط أقرب ، وحسن النية لا يصلح ما يطرأ على الأقوال والأفعال من فساد بتخطي حاجز الشرع العاصم .

والاستدلال بهذه الآية على عقد المعاهدات الباطلة شرعا التي حُيِدَ فيها قطاع عريض من المسلمين وأقصي من ساحة النزال تحت شعار : التنمية ، وحرب كذا : آخر الحروب ، ومعركة السلام الوهمية التي اصطنع لها أبطال من ورق لا تقل ضراوة عن معركة الحرب التي قادها الأبطال من غرف العمليات المكيفة ! ، ثم تبجحوا بصناعة السلام صناعتهم النصر الذي من الله ، عز وجل ، به على ثلة من الضباط والجنود أخلصت النوايا لرب العالمين فلم تكن على طريقة القادة والزعماء الملهمين ! ، فكانت عاقبة تلك التبجح أن حل العقاب الرباني العاجل ، وبيع النصر بعد ذلك بثمن بخس : دولارات معدودة ، الاستدلال بهذه الآية على تلك المهزلة هو مثال قياسي لما أشار إليه ابن القيم ، رحمه الله ، في "إعلام الموقعين" من جناية التأويل الفاسد على الأديان .
وتوكل على الله : فهو القادر على رد عدوانهم إن أضمروا غدرا ، فأظهروا نية السلم وأبطنوا نية الحرب ، وعلة ذلك التوكل : إنه هو السميع العليم ، فهو السميع لما يتناجون به ، العليم بمكنونات صدورهم ، فالتذييل بهذين الوصفين : تذييل معنوي بديع يناسب السياق ، أيما مناسبة ، وهو مفصول لشبه كمال الاتصال على ما اطرد في آي الكتاب من التلازم بين العلة ومعلولها .

فالسمع والعلم في حق المؤمنين : باعث على الطمأنينة إذ لازمه النصرة والتأييد بفضح مكنون صدور أعدائهم .

وفي حق الكافرين : باعث على الخوف إذ لازمه التهديد بكشف أمرهم وفضح سترهم .

فالألفاظ واحدة والموارد مختلفة تبعا لأحوال أصحابها قربا وبعدا من الإيمان : مناط النصر في الأولى والنجاة في الآخرة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:18

ومن قوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وفي مقام التسلية :
وإن يريدوا الخيانة بعقد الصلح ظاهرا ونية الغدر باطنا فجواب ذلك :
فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ : مؤكدا بــ : "إن" وتعريف الجزأين ، فهو ناصرك وكافيك وحده ، فالقصر هنا : قصر حقيقي .
ودليل ذلك : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، فالفصل على ما اطرد من التعليل بطريق الاستئناف ، لقوة التلازم بين العلة والمعلول ، كما أشار إلى طرف من ذلك أبو السعود رحمه الله .

فأيدك بالفعل الذي يدل على ربوبيته القاهرة ، فالنصر لا يكون إلا بكلمته التكوينية النافذة فرعا عن امتثال كلمته الشرعية الحاكمة وبالمؤمنين : فأعيد حرف الجر توكيدا بالتكرار ، وزيد في المنة الربانية بذكر بالإشارة إلى حالهم قبل البعثة ، والعرب قد جبلوا على اختلاف القلوب وقسوتها فلا ينتظمهم إلا سلك الرسالة التي ألفت بين قلوبهم ، والتأليف بين قلوبٍ هكذا وصفها لا يكون إلا بأمر الرب ، عز وجل ، مصرف القلوب ، فذلك مئنة من كمال ربوبيته إذ جمع من لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولا جمعت بين أبدانهم ، فالجماعة قد تجلت في أبهى صورها في عصر الصدر الأول ، رضي الله عنهم ، قبل ظهور الأهواء ، فكانت جماعة أديان باطنة وأبدان ظاهرة ، فجمعهم عقد القلب ، وجمعتهم المدينة النبوية ، ولما تطاول الزمن ، وظهرت الأهواء ، في الأمصار النائية التي لم تشرق عليها شمس الرسالة إشراقها على مهبط الوحي ، بدأ البنيان في التصدع ، كما اطرد في السنة الكونية الجارية : فليس بعد التمام إلا النقصان ، وإن بقيت طائفة من الأمة على الأمر الأول لا يضرها من خذلها ، ولا ينال منها عدوها ، فإن تطاول عليها بإيصال الأذى إلى الأبدان فلا سبيل له إلى التطاول عليها بتحريف الأديان ، فدينها محفوظ وإجماعها معصوم والسائر على طريقها وإن قل منصور .

وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : طباق بالإيجاب فنفى الفعل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأثبته لنفسه إمعانا في بيان النعمة الربانية بتأليف القلوب على الوحي المنزل ، وعلة ذلك : إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : فإجراء القلوب على مراده من تمام عزته إذ العزيز لا يغلب ، وهو مع ذلك حكيم لا يضع الهدى إلا في محل قابل ، وأي محال قبلت بذرة الإيمان قبول قلوب الأصحاب ، رضي الله عنهم ؟! ، لها ، فهم خير طباق الأمة .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : نداء لبيان علو منزلة المنادى ، فلم ينادَ في الكتاب العزيز إلا بوصف النبوة أو الرسالة ، إجلالا لقدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
حسبك الله : توكيد بتكرار الحسب مقصورا بتعريف الجزأين ، وحسب من اتبعك من المؤمنين ، بتقدير مضاف اقتضاء ، فهو كافيك وكافي أتباعك ، فثبت للفرع حكم الأصل بجامع علة اتباع الرسالة الخاتمة ، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، كما تكرر مرارا ، ففيه نص بالمنطوق على حكم المتابعة كفاية ونصرا ، وإشارة بالمفهوم على حكم المخالفة خذلانا وهزيمة ، فإن السنة جارية طردا بالإيجاب والسلب ، وفي ذلك إلهاب على امتثال أحكام الرسالة وترهيب من مخالفتها ، فتلك النصوص ، عند التحقيق ، أخبار يراد بها الإنشاء بدلالة اللزوم ، فليست إنشاءات صريحة ، وليست أخبارا أريد بها الإنشاء قياسا ، وإنما ورد عليها الإنشاء بطرد لوازمها على التفصيل المتقدم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:19

ومن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
نداء بوصف النبوة الآمر الناهي فرعا عن أمر الشارع ، عز وجل ، ونهيه ، فمقام النبوة مقام التبليغ عن رب العالمين : بلاغا معصوما لا يتطرق إليه الخطأ أو الذهول أو النسيان بخلاف إعلام بقية الموقعين من العلماء والمجتهدين فإنهم ، وإن سمت نفوسهم واتسعت علومهم ليسوا براجي عصمة فيلزمهم أن يردوا قولهم إلى قول الوحي ، فإن وافقه فعنه يصدرون ، وإن خالفه لم يحظ بشرط القبول ، وإن كان القائل أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم : أرشد الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
حرض : إلهابا لحماسهم فللأمر الشرعي أبلغ الأثر في قلوب المؤمنين الذين تعلق بهم الحكم ففيه تعريض بغيرهم ممن لم يستجب لداعي الشرع الآمر ، فانصاع لداعي الطبع الغالب الذي يؤثر الدعة والسلامة ، ولو ناله من ذلك الذل والمهانة ، كحال أمة الإسلام التي أخلدت إلى الأرض فرضيت بالزرع واتبعت أذناب البقر ! .
و : "أل" في "القتال" : عهدية تشير إلى قتال أعداء الدين : أشرس قتال عرفته البشرية وإن رغمت أنوف العلمانيين والشيوعيين والماديين ممن قصروا علل الحروب على الأغراض المادية البحتة ، فالإنسان عندهم لا يتحرك ولا يتعصب إلا لبطنه وفرجه ! . وذلك طابع حيواني غلب على الشيوعية واقتبست العلمانية المعاصرة من شعبه ما اقتبست ! . فقضاء الوطر أسمى أماني الفرد في المجتمع العلماني ، وتأمل حالهم تجدهم كسائر من أعرض عن سلوك طريق النبوات فسار في مسالك الشبهات والشهوات ، فالغالب عليهم الإلحاد ، بلسان الحال أو المقال في كثير من الأحيان ، فلا ترى من النصرانية إلا رسوما يجيد الساسة تفعيلها : "وقت اللزوم" لحشد الرعاع لحرب الإسلام مع أنهم علمانيون ملاحدة فلا تعظيم لأي دين في قلوبهم ، ولكنه أداة فعالة في تحقيق أغراض الساسة ، فقد صار الدين عندهم إما محض ذكريات تعسة تشمئز نفس الأوروبي العصري ! من استحضارها ، لما وقع فيها من كبت وحجر على العقول وتسلط على الأبدان بصنوف الإهانات وإما وسيلة فعالة في تجييش المشاعر ضد الخطر القادم من الشرق المسلم وجنوب المتوسط . وفي حرب البلقان ، كما تقدم في مناسبات عديدة ، كان الشعار : لا لكيان إسلامي في جنوب القارة العجوز ، فتحرك عباد الصليب على ما بينهم من شقاق فرعا عن النزاع التاريخي بين الأرثوذكس والكاثوليك من لدن مجمع نيقية وإلى يوم الناس هذا ، تحركوا تحت غطاء سياسي وعسكري أوروبي لاستئصال تلك الدولة الناشئة ، وبالأمس كان بيندكت زعيم الكاثوليك يعرض بالإسلام ، فانتقد تسييس الدين واستعماله في حشد الأتباع انتصارا لطائفة على أخرى ! ، وهو بذلك لا يعني إلا القضاء على عقيدة الولاء والبراء الإسلامية : أوثق عرى الإيمان فعلى المسلم أن ينسى أنه مسلم ، ويكفيه أنه مصري أو ........ إلخ ، وعلى الجانب الآخر تربى أجيال على كراهية الإسلام والطعن في ثوابته واستحلال محارمه ، وليس ذلك تسييسا للدين ! ، وإنما تسييس الدين هو : امتثال أحكامه القلبية ولاء وبراء ، و : رمتني بدائها وانسلت ! .

وقيل عن الغرب النصراني : إنه علماني الأفراد ، ديني الدولة ، ففساد الأديان والأخلاق على المستوى الفردي فيه أظهر ، وقيل عن الشرق المسلم : إنه ديني الأفراد ، علماني الدولة ، فأفراده مع ما هم عليه من فساد بتنحية الشرع المنزل في كثير من شئونهم أحسن حالا من أفراد المجتمع الأوروبي العلماني ، ففي الشرق تجد تعظيما للدين وشعائره ، وإن لم يلتزم بها المعظمون ، وتجد من الشعائر اليومية التي تربط الناس بالوحي المنزل ما لا تجده هناك ، وتجد من تعظيم الأعراض المصونة ما لا تجده هناك من أعراض صارت كلأ مباحا لكل راع وراتع ، وفي المقابل : تجد دولته علمانية الطابع لا يحركها إلا المصالح السياسية والاقتصادية ، فالمسألة عندها : لعبة توازنات استراتيجية ، والولاء والبراء للتجمعات الدولية والإقليمية التي تخدم مصالحها المادية البحتة ، وحتى في صراعها مع أصحاب المذاهب الهدامة تجدها تتعامل مع الأمر من وجهة سياسية وإن استعانت بالكوادر الدينية كما يحدث الآن في مصر في إطار الحملة على بدعة الغلو في آل البيت ، رضي الله عنهم ، وسب الصحابة ، رضي الله عنهم ، فمنتحلو تلك البدعة من العجم الذين تغلي قلوبهم حقدا على العرب حملة الرسالة يسيسون المذهب فيحشدون الأتباع باسم حب الآل ، رضي الله عنهم ، وهدفهم التمدد السياسي لاستعادة إمبراطوريتهم التي داستها سنابك خيول الفتح في القادسية ونهاوند ، وفي المقابل : الحكومة المصرية تدفع عن كيانها السياسي الضعيف بالحد من انتشار ذلك الفكر المؤذن بوقوع توتر طائفي آخر بالإضافة إلى التوتر الطائفي بين : المسلمين والنصارى ! و : "خبطتين في الراس توجع" كما يقال عندنا في مصر .

الشاهد أن ذلك الإلحاد المتفشي في أوروبا : فساد علمي بتنحية النبوات ، تفرع عنه الفساد العملي في الأخلاق والمعاملات ، وذلك أمر مطرد ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا ، فحيث صلح العلم : صلح العمل ، إذ أدواته تبع لمستودع العلوم : القلب ، وإذا فسد الأول أصلا فسد الثاني تبعا .


إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ : خبر أريد به إنشاء الأمر بمصابرة الواحد العشرةَ ابتداء ، إذ كان المؤمنون قلة فشق التكليف فرعا عن قلة العدد والعتاد ثم جاء التخفيف لما زالت العلة بكثرة العدد وتوافر العدد . وقوله : بأنهم قوم لا يفقهون : تفريع بذكر السبب فيه من الذم لأهل الكفر ما هم له أهل فرعا عن ضلالهم بمخالفة الأمر الشرعي فإن ذلك مئنة من عدم الفقه ، بل صار في أحيان كثيرة مئنة من عدم العقل : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) .
الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ : امتنان من الله ، عز وجل ، بورود التخفيف الشرعي ، فورد الناسخ المخفف على المنسوخ المثقل . و "أل" في : "الآن" : للعهد الحضوري .

وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا : علما أزليا ، صار شهادة بوقوعه في دار التكليف فتعلق به حكم التخفيف إذ الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما كما تقرر في التشريع .
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ : خبر أريد به إنشاء الناسخ المخفف بمصابرة الواحد الاثنين .
بِإِذْنِ اللَّهِ : الكوني فرعا عن التزام أمره الشرعي المتقدم .
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ : على الأمر امتثالا وعلى الألم احتسابا فهي معية خاصة ، أظهر فيها الاسم الجليل وحقه الإضمار عناية بشأنهم ، إذ معية النصرة والتأييد مظنة العناية والرعاية الربانية فرعا عن امتثال الشرعة الإلهية فالترابط بينهما أمر قد اطرد بيانه في نصوص الوحي المنزل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:22

ومن قوله تعالى : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
نفي جحود يقتضي المبالغة في عتاب الرب ، جل وعلا ، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، إذ فعل خلاف الأولى ، فأبقى على أسرى بدر ، ترجيحا لرأي الصديق ، رضي الله عنه ، وهو من هو في الجمال ، على رأي الفاروق الملهم ، رضي الله عنه ، وهو من هو في الجلال ، فكان المشهد : مشهد جلال لا مشهد جمال إذ الأصل في القتال : جلال السيف الناصر ، فللحديد الناصر ميدانه وللكتاب الهادي ميدانه ، ولكل ساحة نزال رجالها ، فأرباب القلم رجال ميادين الذب باللسان ، وأرباب السيف رجال ميادين الذب بالسنان ، ولا غنى لدين الإسلام عن كلا الصنفين ، فصنف يقرر ويؤصل ويدحض شبهات الخصوم ، وصنف يذب وينصر ويريق دماء أعداء الملة في ساحات الوغى ، دفعا وطلبا ، فيدفع العدوان ، ويرفع العوائق التي أقامها طواغيت الأرض لصد الأمم عن الدين الخاتم : دين المنقول الصحيح والمعقول الصريح ، فهو الدين الذي فطر الله ، عز وجل ، الناس عليه مصداق قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) فمن المحال أن يتناقض الدين الذي أنزله الله ، عز وجل ، على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع العقول والفطر التي ذرأها الله ، عز وجل ، فإن المصدر واحد ، وتصور ذلك : إساءة ظن بالباري ، عز وجل ، ما بعدها إساءة ، فهو الذي خلق هذا الإنسان وركب فيه ذلك العقل ، وغرز فيه تلك الفطرة التي تحمله على التأله حملا فإن لم يتأله للمعبود الحق ، جل وعلا ، المتصف بكل كمال ، المنزه عن كل نفص ، الذي أنعم عليه بالخلق ابتداء ، فأوجده من عدم ، ولم يك شيئا ، ثم أعده فزوده بآلات الإدراك ، ثم أمده بمدد النبوات ، وليس له فيه غرض ، فلم يتودد إليه تودد المخلوق الذي يصانع المخلوق لغاية يريدها منه ، فإذا نالها أعرض ونأى بجانبه ، وإنما خلقه ليكرمه في الدنيا باتباع روح : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) ، وفي الآخرة بروح : (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ، فروح الدنيا يستلزم روح الآخرة ، ومن فاز به في الدنيا فاز به في الآخرة ، فهنيئا له ! ، فهو في روح دائم يتنقل في رياض جنان الأرض ، جنان : "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حِلَقُ الذِّكْرِ" ، فيرتع فيها فإذا ما انتقل إلى جوار الرب الكريم ذي الأفضال والمنن ، جل في علاه ، فهو مرتحل من جنان الذكر الأرضية إلى جنان الخلد السماوية حيث جوار الرحمن ، تبارك زتعالى ، والجزاء من جنس العمل ، فإنه استحق الجوار الأخروي فرعا عن الجوار الدنيوي ، فصبر نفسه مع الذين يدعون رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، فكان أهلا لـــ : (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) .

وعودة إلى سياق الآيات :
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ : مفهوم غاية ، فلما بعد الغاية نقيض ما قبلها ، فإن المصلحة الشرعية تقتضي الإثخان في العدو قتلا حتى إذا انهارت قواه ، ووقعت النكاية في صفوفه : ساغ عندئذ اتخاذ الأسرى منه ، إذ قد تحقق الغرض من الإثخان فزال الحكم بزوال علته ، إذ المصلحة الشرعية بعد كسر شوكة العدو قد تكون في اتخاذ الأسرى لفداء أسرى المسلمين ، أو لعل الأسرى من العدو يرون من عدل الإسلام وفضله ما يكون سببا في هدايتهم ، وهذا أمر ظاهر ، إذ المسلمون عموما وأهل السنة خصوصا ، أعلم الناس بالحق وأرحمهم بالخلق ، بشهادة خصومهم ، فليسوا كغيرهم يرون القتل وإراقة الدماء تشفيا : غرضا مرادا لذاته ، بل القتل عندهم مراد لغيره ، فمتى حصل المراد بكسر شوكة العدو وإزالة العوائق أمام انتشار دعوة الحق صار حكم القتل على الجواز ، فللإمام أن يمن ابتداء ، وله أن يقبل الفداء ، كما وقع يوم بدر ، وله أن يقتل إن كانت المصلحة في ذلك ، فإن القتل لم يصر محرما بمقتضى مفهوم الغاية ، وإنما انتقل من مرتبة الوجوب إلى مرتبة الجواز ، وتلك مسائل دقيقة لا يتقنها إلا علماء الشرع وأمراء الحرب ، فالحكم يدور مع المصلحة الشرعية وجودا وعدما ، فالمصلحة الشرعية المعتبرة في مسائل كتلك التي يسوغ الاجتهاد البشري فيها ، إذ هي من باب الأحكام القضائية ، تلك المصلحة هي قطب الرحى .
و : "نبي" : نكرة في سياق النفي تفيد العموم ، والأنبياء مقصودون أصلا بذلك العموم ، ومن وراءهم من أقوامهم مقصودون بالتبع ، إذ النبي المقاتل يجري قتاله مجرى التشريع لأمته ، فمقام العصمة مظنة الاقتداء ، إذ التسليم لأمر المعصوم هو عين العصمة .
وقد يقال في هذا الموضع : إن النفي : خبر أريد به إنشاء النهي ، أو يقال كما قال الطاهر بن عاشور رحمه الله : "وقد يجيء بمعنى أنه لا يصْلح ، كما هُنا ، لأن هذا الكلام جاء تمهيداً للعتاب فتعيّن أن يكون مراداً منه ما لا يصلح من حيث الرأي والسياسة" . اهــ
فقد فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلاف الأولى فعاتبه ، ربه ، عز وجل ، وذلك أليق بمقام النبوة .
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :
علة ما تقدم ، ولذلك حسن الفصل إذ اقتران العلة بالمعلول : اقتران وثيق يسوغ الفصل ، لشبه كمال الاتصال المعنوي بينهما .
وقد يقال بأن في السياق حذفا على تقدير استفهام إنكاري يلائم سياق العتاب ، فيكون تقدير الكلام : أتريدون بذلك عرض الحياة الدنيا ؟! .
وفي السياق طباق بين إرادتهم عرض الدنيا السريع الزوال ، وإرادة الله ، عز وجل ، ثواب الآخرة ، الذي حذف لدلالة المتقدم عليه على ما اطرد في كلام العرب ، فالمتقدم المذكور يدل على المتأخر المحذوف ، فحذف المضاف : "ثواب" وأقيم المضاف إليه : "الآخرة" مقامه ، وقرينة السياق تدل على المحذوف إذ الكلام في معرض المقارنة بين عرض الديا الفاني وثواب الآخرة الباقي ، وحسن ذكر المضاف مع الدنيا ، لدلالة مادته على معنى العروض الطارئ الذي سرعان ما يزول ، فهو يفيد بنفسه معنى زائدا يثري السياق ، فهو وإن كان ثوابا ، إلا أن معنى العروض لا ينفك عنه ، وذلك أدعى إلى الزهد فيه ، ولو كان ذهبا ، وثواب الآخرة : خزفا ، ما عدل العاقل عن الخزف الباقي إلى الذهب الفاني ، إذ منفعة الخزف إن قدر له الدوام أعظم من منفعة الذهب المحكوم عليه بالفناء ، وإن كان جنس الذهب أشرف من جنس الخزف ، فكيف والدنيا هي الخزف الفاني ، فاجتمع لها الجنس والوصف الأدنيان ، والآخرة هي : الذهب الباقي ، فاجتمع لها الوصفان الأعليان ، أيستبدل العاقل الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟!
وأظهر الاسم الكريم في موضع الإضمار في التذييل بقوله : (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، تنويها بذكره ، جل وعلا ، وتربية للمهابة في مقام التعليم والتذييل بوصفي العزة والحكمة يلائم السياق ، إذ العزيز مستغن عن غيره فكذلك شأن عباده أصحاب الهمم العالية ، فالأليق بهم الاستغناء عن عرض الدنيا الزائل ، ووصف : "الحكيم" ، كما يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله : "يقتضي أنّه العالم بالمنافع الحقّ على ما هي عليه ، لأنّ الحكمة العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه" . فالمنفعة الحق فيما شرعه الله ، عز وجل ، في الإثخان في العدو في هذا الموضع خصوصا ، وفي كل مواضع التشريع عموما ، فحيث كان االشرع كانت المصلحة العاجلة والآجلة ، وإن كان ظاهره المشقة ، فهي مشقة غير معتبرة في مقابل المصلحة العظمى الحاصلة من إنفاذ أحكام الشرع المنزل ، والمصلحة الخالصة في دار التكليف عزيزة إن لم تكن محالة ، فالدنيا دار اجتمع فيها الخير والشر ، فحيث غلب أحدهما على الفعل أو العين ترجح حكمه ، وحيث استويا ، إن تصور ذلك ، غلب جانب التحريم احتياطا ، إلا أن يقال بأن الأصل في الأعيان والأفعال الإباحة ، ويرد على ذلك أن الأصل في بعض الأعيان والأفعال الحرمة كالأبضاع والذبائح .
بخلاف الآخرة فإن فيها دارين : دار خير خالص ، و : دار شر خالص ، فمن كان من أهل الخير الخالص كالمؤمن الذي استكمل شروط الإيمان المنجي ، فمآله : دار الخير الخالص ، ومن كان من أهل الشر الخالص كالكافر فمآله : دار الشر الخالص ، ومن كان مخلطا معه أصل التوحيد فقد اجتمع فيه العنصران ، فيدخل النار إلا أن يعفو عنه الباري ، عز وجل ، أو يشفع له شافع كما تقرر في أصول الدين ، فكير النار يذهب خبث روحه فتخلص من الشوائب وتصير أهلا لجوار الباري ، عز وجل ، في دار الخير المحض ، إذ قد طهرت فصارت من صنف الخير المحض الذي تلائمه دار الخير المحض .
وفي ذلك رد على المتكلمين من نفاة التعليل ، وإن أثبتوه في الفروع ، فقد تناقضوا بنفيه في الأصول وإثباته في الفروع ، فجلهم يقول بالقياس ، والقياس يستلزم تنقيح أو تخريج المناط الذي علق عليه حكم الأصل فهو العلة المتعدية إلى الفرع ، فتعدى حكم الأصل إليه بجامع تلك العلة المشتركة ، فالأحكام الشرعية ذات علل وحكم علمها من علمها وجهلها من جهلها ، فلأفعاله ، عز وجل ، حكم ، لا يستلزم إثباتها تعليل الأحكام بالأغراض التي تدل على حاجة الفاعل إليها ، فتلك شبهتهم ، إذ راموا تنزيه الباري ، عز وجل ، عن الافتقار إلى الأغراض ، وما ذلك إلا فرع عن قياسهم أفعال الخالق ، عز وجل ، على أفعال المخلوق ، فهو الذي يصح تعليل أفعاله بالأغراض ، إذ هو مفتقر إليها ، بخلاف الباري ، عز وجل ، الغني في ذاته ، المغني لعباده ، فلا يفتقر إلى ما سواه ، بل كل الأسباب إليه مفتقرة ، فهي عن خلقه صادرة ، فهو الذي خلق السبب وجعله مئنة من وقوع مسببه بمقتضى سنته الكونية الجارية ، فهي ماضية إلا أن يشاء الله ، عز وجل ، خرقها معجزة لنبي أو كرامة لولي أو فتنة بدجال غوي .
فأفعاله ، عز وجل ، أفعال حكيمة في نفسها ، فوصف الحكمة ملازم لها إذ قد بلغت الغاية فيه ، بخلاف ما قرره المتكلمون الذين جعلوا وقوع الحكم عقيبها من باب الاقتران غير المؤثر جريا على طريقتهم في الكسب ، فنزعوا عنها وصف الجكمة ، وتحيلوا في تخريج المنافع المترتبة عليها فجعلوها من باب الاتفاق العارض لا الإتقان المراد ابتداء ، وتلك أقوال في غاية التكلف التزمها من التزمها تنزيها للباري ، عز وجل ، عن مشابهة المخلوق ، فجردوه من كمال الأفعال إذ شبهوه أولا بالمخلوق فأفعاله كأفعال خلقه ! ، فنفرت نفوسهم من لازم ذلك القياس الفاسد ، فاضطرهم ذلك إلى نفي صفة الكمال التي يشترك المخلوق معه فيها اشتراكا معنويا كليا لا يستلزم إثباته تشبيها أو تمثيلا ، إذ هو مما يوجد في الأذهان مطلقا لا في الأعيان مقيدا بعين فلان أو فلان من خلقه ليقال بأن في ذلك الإثبات قياسه ، عز وجل ، أو قياس أسمائه الحسنى أو صفاته العلى أو أفعاله على خلقه ، وهذا أصل مطرد في باب الأسماء التوقيفية والصفات الربانية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:23

ومن قوله تعالى : (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ففيه جواب عن سؤال محذوف دل عليه السياق اقتضاء ، فقد تطلعت أنفسهم رهبة إلى ما بعد قبول الفداء ، فلسان حالهم ، وما جزاء من عدل عن الفاضل بقتل الأسرى إلى المفضول بقبول الفداء منهم ، فجاء الجواب :
امتناع وقوع العذاب فرعا عن وجود الكتاب الذي نكر مئنة من عمومه فهي سنة شرعية سبقت من الله ، عز وجل ، و : "من" : لابتداء الغاية ، فهي كبقية السنن الشرعية : إلهية المصدر ، ولما كان المقام : مقام تشريع ، ناسب أن يذكر متعلقه : اسم : "الله" إذ مقتضى السنة الشرعية : التأله بالتزامها تصديقا بالجنان فذلك حظه منها ، وقولا باللسان فذلك ، أيضا ، حظه منها ، وامتثالا بالفعل أو الترك ، فذلك حظ الجوارح منها ، وتواطؤ القلب واللسان والجوارح مئنة من كمال الإيمان ، فيوافق عقد القلب الباطن ، وهو الأصل لما بعده ، فما سواه فرع عليه استقامة أو اعوجاجا ، يوافق ذلك العقد الباطن ، عقد اللسان الظاهر ، وعقد الجوارح المصدق ، فإنه لا بد للدعوى من دليل ، ودليل دعوى الإيمان : استقامة الظاهر على مقتضى الشريعة الظاهرة ، وفي التنزيل : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) .
لمسكم : أي أصابكم ففيه الكناية عن الفعل بذكر مبادئه فأول الإصابة : المس .
فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ : تعليل بــ : "في" على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) .
ونكر العذاب إمعانا في التحذير فضلا عن وصفه بالعظمة ، فذكره في السياق موطئ لما بعده ، إذ المراد بيان وصفه لا مجرد التنبيه على وقوعه ، فإن وقوع العذاب لا يكون رادعا إلا إذا اقترن بوصف يزعج النفوس فيحملها على اجتناب أسبابه ، فإن من خاف شيئا هجر أسبابه تركا ، ومن رجا شيئا باشر أسبابه فعلا ، ودعوى اللسان لا تكفي في مقام الابتلاء ، فكم من ألسن باشرت القول فلما جاء وقت العمل قعدت الجوارح فخذل الله ، عز وجل ، صاحبها بعدله ، ولو شاء لأقامها على مقتضى دعوتها بفضله ، و : (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) .

ومن قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ففيه بث للطمأنينة في نفوسهم بعد ما انتابهم من اضطراب فرعا عما تقدم من ذكر العتاب .
والأمر في : "كلوا" دائر بين :
الإباحة : بقرينة حظر ذلك على الأمم السابقة ، والأمر بعد الحظر يفيد الإباحة كما قرر الأصوليون ، وعلى القول بأنه يفيد رجوع الشيء إلى ما كان عليه : إباحة أو ندبا أو وجوبا ، فهو ، أيضا ، يفيد الإباحة ، إذ الأكل مباح في أصله
والامتنان : على وزان قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) .
ويرجحه وروده بعد الوعيد بالعذاب ، وكونه مما اختصت به هذه الأمة ، كما في حديث جابر ، رضي الله عنه ، مرفوعا وفيه : (وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي) ، والاختصاص مظنة الامتنان .
وقد رجح الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، معنى الامتنان ، فقال :
"والأمر في { كلوا } مستعمل في المنّة ولا يحمل على الإباحة هنا : لأنّ إباحة المغانم مقرّرة من قبله يوم بدر ، وليكون قوله : { حلالاً } حالاً مؤسسّة لا مؤكّدة لمعنى الإباحة" . اهــ
لأن الأمر لو كان للإباحة لصارت الحال : "حلالا" مؤكدة لمعنى الحلية الذي استفيد من الإباحة المتقدمة الذكر ، بخلاف ما لو حمل الأمر على الامتنان ، فتكون الحال مؤسسة لمعنى لم يتقدم ذكره ، وقد تقرر في الأصول أن الأمر إذا دار بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى ، لإثراء السياق بمعنى جديد .

واتقوا الله : فلا تتعدوا بأكل ما لم يحل لكم ، فإن التذكير بحدود الشرع في مواضع التوسع في تناول المباحات يكبح جماح النفس التي جبلت على التعدي ، والتعدي مذموم ولو في تناول المباح ، إذ الإفراط في تناوله : مظنة الخلل ، ففضول المباحات من طعام وشراب ونوم وخلطة من أسباب فساد القلب وذلك أمر يعاني منه معظمنا فقل من يسلم من أحدها ، وربما اجتمع فيه أكثر من واحدة ، بل ربما اجتمعت فيه كلها ، وإلى الله المشتكى .
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : تذييل يناسب السياق ، إذ الامتنان مظنة غفران الله ، عز وجل ، عدولهم عن الأولى بقتل الأسرى إلى أخذ الفدية ، وهو من جهة أخرى قائم مقام التعليل لما قبله ، ولذلك حسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها ، فيقدر سؤال قد دل عليه السياق اقتضاء كأن يقال : وما علة ما تقدم من الامتنان بإباحة أكل الغنائم ؟ ، فجاء الجواب : إن الله غفور رحيم قد تجاوز عنكم لما علم من ضعفكم فأباح لكم ما لم يبح لبقية الأمم السابقة ، وأظهر الاسم الكريم : "الله" وحقه الإضمار لتقدم ذكره عناية بالشأن ، إذ المغفرة والرحمة من الله ، عز وجل ، لا من غيره ، وعظم شأن الصفة يكون فرعا عن عظم شأن الموصوف بها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:24

ومن قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ : خطاب تشريع فهو خاص باعتبار المواجهة ، عام باعتبار المعنى ، بقرينة عموم التشريع إلا ما خص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو غيره ، وذلك خلاف الأصل .
قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ : جناس بين "خيرا" الأولى والثانية يزيد المعنى بيانا ، فالأولى : نكرة في سياق شرط ، والثانية : من باب أفعل التفضيل . وعلم الله ، عز وجل ، في هذا السياق هو العلم المتعلق بآحاد الأفعال بعد صيرورتها شهادة يؤاخذ فاعلها عليها ، فليس العلم الأزلي بالأعيان والأحوال قبل إيجادها ، فذلك مما لا يؤاخذ الله ، عز وجل ، عباده به ، فمن رحمته ، جل وعلا ، أنه لا يجازي عباده بمعلومه الأزلي فيهم ، فلا يجازون إلا بما قدمت أيديهم من الأفعال في عالم الشهادة .
وَيَغْفِرْ لَكُمْ : إطناب في الوعد ترغيبا في امتثال أمر الشارع ، عز وجل ، بإخلاص عقد القلب ، وفيه تسلية لمن فاته شيء من حظ الدنيا ، فما عند الله خير وأبقى ، ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه .
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : تذييل يناسب السياق إذ المغفرة والرحمة من الباري ، عز وجل ، أعظم عوض ، فلا يعدله فائت من عرض الدنيا الزائل ، وهو ، كما اطرد في التذييل بأوصاف كماله عز وجل ، بمنزلة التعليل لما قبله ، فعلة مغفرته لكم أنه هو : الغفور الرحيم ، فلا يغفر الذنوب إلا هو ، وذلك دال بدلالة اللزوم على قدرته ، عز وجل ، إذ ليست المغفرة لسواه فلا يقدر عليها غيره ، فالمغفرة والحرمان ليست لأصحاب الصكوك ومن ضاهاهم من مبتدعة أهل القبلة ممن غلوا في الأئمة والشيوخ .
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ : فخيانة الرسالة المنزلة لا تكون إلا فرعا عن خيانة منزلها ، عز وجل ، فالجناس الاشتقاقي بين : "خِيَانَتَكَ" و : "خَانُوا" يزيد قبح فعلتهم بيانا .
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ : إذ الخيانة نقص مطلق فلا تحسن مقابلتها بجنسها إذ لا تقبل الانقسام كصفات : المكر والخداع فيكون منها الممدوح الذي يليق بجلال الباري ، عز وجل ، وعظمته والمذموم بل كل صورها مذمومة ، فهي خدعة في مقام الائتمان وذلك من القبح بمكان فلا يمكن معه تصور وجه حسن فيه ، ولذلك قابل خيانتهم بالإمكان منهم .
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ : تذييل يناسب السياق ، فهو العليم بما في صدروهم الحكيم في تدبيره الكوني بالإمكان منهم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:25

ومن قوله تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : آمنوا أصلا ، ثم تفرع عن إيمانهم خصوص أعمال هي من الإيمان ، فالعطف من قبيل : عطف الخاص على العام ، عناية بشأنه ، فإن في الهجرة وترك الأوطان ، من منافرة الطبع امتثالا لأمر الشارع ، عز وجل ، ما يدل على صحة الإيمان ، فضلا عن الابتلاء بالجهاد بالأموال والأنفس ، ففارقوا الأوطان ، وبذلوا الأموال ، بل والمهج في سبيل الله ، جل وعلا ، وذلك برهان صدق ، لا يقوى عليه كثير من المدعين ، فما أسهل الدعوى وأصعب الدليل ، إذ الدليل : عملي ، والأعمال أثقل شيء على النفوس ، فهي الفاضحة التي يعرف بها من بكى ممن تباكى ، والحمد لله على نعمة الستر بالمعافاة من البلايا التي تكشف معادن الرجال وهممهم .
وعلى طريقة الوحي في الإجمال ثم البيان في المواضع التي يحسن فيها التشويق ، جيء بالموصول المجمل ابتداء ، ثم عقب بالصلة المبينة مع ما عطف عليها ، فالصفات التي اشتقت منها تلك المتعاطفات هي علل ما يأتي من الأحكام ، فضلا عما في تقديم المسند إليه : "الذين" في مثل هذا الموضع من تشويق ، فالتشويق داخل من الوجهين .
وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا : القسم الثاني وهم الأنصار ، وما قيل في تعلق الحكم بالأوصاف التي اشتقت منها الصلة في القسم الأول يقال هنا ، أيضا ، فاستوفت القسمة المؤمنين الذين امتازوا بدار الإسلام ، فهم فئة متميزة عن فئة الكفار .
أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ : إشارة البعيد تنويها بشأنهم ، فلهم من علو المنزلة ما لهم . والولاية هنا : ولاية النصرة والتأييد ، وأشار صاحب التحرير والتنوير ، رحمه الله ، إلى أن العبرة بعموم لفظ الولاية ، فذكر ولاية النصرة خاص ، والخاص أحد أفراد العام ، وذكر بعض أفراد العام لا يخصصه ، كما قرر أهل العلم ، واستدل لذلك بحمل ابن عباس ، رضي الله عنهما ، الولاية هنا على صورة أخرى من صور الولاية لا تخرج عن معنى النصرة وهي الميراث الذي نسخ بقوله تعالى : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا : وهذا هو القسم الثالث من المؤمنين وهم فئة آمنت ولم تهاجر فلم يحصل لها التمايز الكامل عن فئة الكفار فليس لها من أحكام الولاية ما للفئة المتميزة بقسيمها : المهاجرين والأنصار ، فتلك قد امتثلت من أمر الشارع ، عز وجل ، ما لم تلتزمه هذه ، فلا يستويان في الحكم ، فقد ثبت لمن امتثل لأمر الهجرة والجهاد من حكم النصرة ما لم يثبت لمن لم يمتثل ، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، وهو ما أفاده مفهوم الغاية في : "حتى يهاجروا" ، فيثبت لهم بعد بلوغ غاية الهجرة من الولاية نقيض ما ثبت لهم من عدم الولاية قبلها . ومن قرأ بفتح الواو فالوَلاية بمعنى النصرة على بابها ، ومن قرأ بالكسر وهو حمزة ، رحمه الله ، فقراءته محمولة على كون الولاية قد استمكنت من نفوسهم حتى صارت بمنزلة الصناعة كالخِياطة والقصارة ، كما نقل ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، عن الزجاج ، رحمه الله ، وهو اختيار صاحب الكشاف غفر الله له وعفا عنه .
وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ :
شرط سيق مساق الإلهاب يشهد لذلك : استدعاء الفعل بالألف والسين والتاء وتعليل ذلك بالدين فهو آكد أسباب النصرة ، فالفاء في : "في الدين" : سببية ، وتقديم ما يفيد الوجوب : "عليكم" وحقه التأخير ، ودلالة : "أل" العهدية في : (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)على النصرة في الدين خصيصا بدلالة ما تقدم .
إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ : ووجه ذلك ، كما ذكر الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، أنّ الميثاق يقتضي عدم قتالهم إلاّ إذا نكثوا عهدهم مع المسلمين ، وعهدهم مع المسلمين لا يتعلّق إلاّ بالمسلمين المتميزين بجماعة ووطن واحد ، وهم يومئذ المهاجرون والأنصار ، فأمّا المسلمون الذين أسلموا ولم يهاجروا من دار الشرك فلا يتحمّل المسلمون تبعاتهم . اهــ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ :
تذييل يناسب السياق فالتنويه بذكر إحاطة الله ، عز وجل ، بأعمالهم إحاطة بصرية علمية بقرينة تعلقها بالأعمال ، مع عدم امتناع الإحاطة البصرية الحقيقية إذ هما من المتلازمات ، فدلالة كل منهما على الآخر دلالة لزوم ، التنويه بذلك ، مع تقديم ما حقه التأخير : "بما تعملون" حصرا وتوكيدا : يحمل المؤمنين على احترام المواثيق فلا يتعدون بنقضها طالما التزم الكفار بها ، فليس من خلق أهل الإسلام الغدر ولو بالكفار أفسد الناس علما وعملا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:26

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ :
في مقابل الذين آمنوا على طريقة القرآن الكريم في ذكر المتقابلات .
فبعضهم أولياء بعض في مقابل ولاية المؤمنين بعضهم البعض . ومن آكد صور الولاية : صورة القتال ، إذ لا تتحرك النفس حمية إلا للمثيل ، فالعقيدة في القتال : عقيدة انتصار للرأي ، وربما كانت للطبع ، فأصحاب الطباع المتشابهة يتداعون إلى نصرة بعضهم البعض باليد واللسان ، ولذلك كانت العقود الوطنية والقومية ............. إلخ أوهى العقود ، إذ الوطن يجمع بشرا من مختلف الأهواء والمشارب ، فلا يكفي اجتماعهم على أرض واحدة لكي يكونوا على قلب رجل واحد .
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ : إن لا تفعلوا قطع ولاية الكفار بقرينة تحزب كل فريق :
تكن فتنة : عظيمة فالتنكير دال على ذلك ، وأي فتنة أعظم من موالاة الكفار ، ولو في الظاهر ، فتمييع الحدود الفاصلة بين الأمم مما يخشاه العقلاء على الهوية الوطنية أو الأممية ، فالأمم ، وإن كانت على غير طريق الهدى ، حريصة على الظهور بما يميزها عن بقية الأمم ، فتراها تتوجس من الغزو الثقافي الخارجي ، ولو كان في صورة نشاط ترفيهي كالسينما ، أو غذائي ، كمطاعم الوجبات السريعة ، أو حتى في الملبس ، فلا يشبه الزي الزي حتى يشبه القلب القلب ، كما أثر عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، بإسناد متكلم فيه ، والأمم الضعيفة مولعة بتقليد الأمم القوية كما ذكر ذلك ابن خلدون ، رحمه الله ، وانظر إلى توجس فرنسا ذات الشخصية القومية المتميزة ، من غزو السينما الأمريكية ومطاعم الوجبات السريعة الأمريكية والمنتجات الأمريكية عموما فهي تخشى على ثقافتها ، وتخشى على اقتصادها ، مع كون الغزو آت من دولة تشاطرها الملة ، وإن خالفتها النحلة ، ولذلك تذمر كثير من الفرنسيين ، من تبعية بلادهم لأمريكا ، وهو أمر أخذ في الازدياد مذ وصل الرئيس الفرنسي ذو الأصول اليهودية : "نيكولا ساركوزي" إلى سدة الحكم ، فتأثره بالإدارة الأمريكية المنصرمة ، وهي من التطرف بما قد علم ، تأثره بها أمر ظاهر جلب عليه كثيرا من انتقادات شعب يعتز بقوميته ، وأهل الإسلام أولى بتلك الأنفة ، فهم أولى الناس بالتميز لا عتصرية ، وإنما صيانة لأركان الشخصية المسلمة من سرقة الطباع بانحلال عرى الاستقلالية والتميز فرعا عن : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) ، والتسمية مظنة التميز ، وإن فرطت الأمة المسلمة في ذلك ، فإن بقية الأمم لا تفرط في تميزها ، وإن كانت على الباطل ، فذلك أمر جبلت عليه النفوس .
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ : عطف لازم على ملزومه ، فلازم الفتنة الفساد ، والفساد : تغير يعتري الصحة ، وهو عند من يقول بالمجاز : حقيقة في الأعيان مجاز في المعاني ، وموالاة الكفار فساد في كليهما ، فهو فساد لمعاني التوحيد والإخلاص والولاء لأولياء الله والبراء من أعدائهم ............. إلخ من عقود القلب المعنوية ، وهو فساد لأبدان المكلفين بحملها على طريقة من فسدت فطرهم ، وبتعريضها للعذاب إن هي والت أعداء الله ، عز وجل ، فذلك مظنة الخسران في دار الجزاء ، وانظر إلى من سار على طريقتهم تجده في فساد حال في قوله وعمله وبدنه ، وإن بدا في أكمل وأنظر صورة ، إذ أولئك قوم قد حادوا عن الفطرة الأولى : فطرة التوحيد فاستتبع ذلك نكوص عن مقتضيات تلك الفطرة في القلوب والأبدان فوقعوا في فساد عريض هو مآل من سار على طريقتهم ، وإن لم يشاركهم فساد فطرة التوحيد ، فالنهي عن مشابهتهم ، إنما هو صيانة لجانب التوحيد وسد لذرائع الخدش فيه ولو بالإعجاب بطريقة الكفار الظاهرة فيما اختصوا به ، وذلك قيد من الأهمية بمكان ، فالاشتراك فيما لا اختصاص فيه من أمور المأكل والمشرب والملبس المباحة لا يدخل في حد التشبه المذموم الذي يولد ولاء خفيا على التفصيل المتقدم ، وتحرير ذلك من أشرف ما عمرت به الأوقات ، إذ به تتميز الأمة المسلمة في كل علومها وأعمالها عن بقية الأمم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:27

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا : إطناب بذكر وجهي القسمة الثنائية لأهل الإيمان أصحاب الولاية الكاملة : المهاجرين والأنصار ، وذكر جزائهم فــ : لَهُمْ مَغْفِرَةٌ : نكرت تعظيما وقدم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا مع ما للام : "لهم" من دلالة الاختصاص فضلا وامتنانا من الله عز وجل . وَرِزْقٌ كَرِيمٌ : فهو من باب عطف المسبب على سببه ، فالمغفرة : سبب الرزق الكريم في جنان الرحمن ، ولقائل أن يقول : بل العطف من عطف الخاص على العام ، فالمغفرة نوع تندرج تحته أفراد من المعاني والمحسوسات ، والرزق الكريم منه أيضا : المعنوي : من العلم بالله ، عز وجل ، برؤيته في دار السلام ، وتلك رأس النعم معنوية كانت أو حسية ، ومنه الحسي المتبادر إلى الذهن من المطعم والمشرب والملبس والمنكح ........... إلخ من رزق الأبدان ، فالجنة دار قد كفل لسكانها أرفع مراتب الرزق معنويا كان أو ماديا مع خلوصه مما ينغصه وذلك مما لا طمع فيه في دار الفناء ، فالنعم محفوفة بالمنغصات ولو خوف زوالها أو الزوال عنها .
وذكر الرزق : موطئ لما بعده من وصف الكرامة إذ هو المقصود بالذكر أصالة ، وفي وصفه بالكرم تعريض برزق الدنيا ، وإن كان نعيما يستوجب شكر المنعم ، جل وعلا ، ولكنه في مقابل رزق الجنان : أسماء ومبان ، فلا يجمعهما إلا الاسم والمعنى الكلي ، بخلاف الحقيقة الخارجية فليس سواء رزق الفانية الذي يسرع إليه الفساد والعطب والتغير بحلول الأجواف التي تخرجه عن طبيعته فيستفيد منه البدن جزءا ويطرد جزءا فليست لذته كاملة ولا فائدته خالصة ، ليس سواء رزق هكذا وصفه ورزق الآخرة الباقي الخالص اللذة والفائدة وبنقص الأولى عرف كمال الآخرة وبضدها تتميز الأشياء .

وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ : فقد حققوا وصف المهاجرين ، فبهجرتهم انتفى عنهم ما كان مانعا من تمام ولايتهم ، فأولئك : إشارة بالبعيد تنويها بشأنهم : منكم فلهم ما لكم وعليهم ما عليكم .
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ : نسخ لتوارث المهاجرين والأنصار ، فالأرحام أولى بالاعتبار في الميراث ، وإنما شرع توارث الفريقين ابتداء تقوية لأواصر المحبة والولاء بينهما ، فالميراث من أعظم الوشائج ، ثم صارت المصلحة بعد ذلك في إرجاع الحكم الشرعي إلى ما كان عليه ، فنسخ توارث ولاية النصرة والمحبة وأحكم توارث ولاية الدم ، وذيلت الآية بإثبات وصف العلم لله ، عز وجل ، فــ : (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فعلم المصلحة في توارث الفريقين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:28

ومن صور التولي والنكوص على الأعقاب :
قصة موسى مع قومه الذي نكصوا عن قتال الجبارين فرعا عن استمرائهم الذلة والمسكنة في قصور فرعون عبيدا وإماء مسخرين .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ : تمهيد يناسب ما هم بصدده من التكليف الشرعي بالقتال ، فناسب أن يذكرهم بنعم الله ، عز وجل ، متعلق ربوبيته الخاصة : ربوبية الإنعام والاصطفاء ، فقد اصطفاهم بأن جعل جنس النبوة فيهم ، وجعل منهم الملوك ، فجمع لهم : القيادة الدينية والقيادة السياسية ، وذلك مظنة الهدى بعلوم الأنبياء والتمكين بسياسات الملوك ، وامتثال الأمر الإلهي بقتال أو نحوه إنما يكون فرعا عن تصور الربوبية تصورا صحيحا بتأمل أسماء الرب ، وجل وعلا ، وصفاته ، وأفعاله ، ففيها يظهر كمال ربوبيته ، وذلك مظنة الاطمئنان لحكمه الشرعي إذ قد صدر عن رب كامل حكيم في أفعاله حالا ومآلا ، فلا يخشى العاقل من امتثال أمر رب هذا وصفه من الكمال بخلاف أمر البشر ، فطاعته إن لم تكن فرعا عن طاعة الرب ، جل وعلا ، مظنة الخسران ، ففي التنزيل : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ، إذ لا يكون سلطان التشريع إلا لمن بيده سلطان التقدير ، فهو الملِك المتصرف بالأمر والنهي فرعا عن كونه المالك المتصرف بالتدبير بمقتضى أحكام ربوبيته النافذة ، بل ذلك مظنة الخسران حتى بأقيسة العقل التي لا تعرف إلا لغة الأرقام ، فطاعة من يتذبذب في رأيه وحكمه تبعا لطروء النوازل فما استقبحه بالأمس بستحسنه اليوم ، وما سنه بالأمس بيطله اليوم .......... إلخ من صور التذبذب ، طاعة من هذا حاله مظنة التذبذب ، فالعقل الناقص الذي يعتريه ما يعتريه من الجهل والغفلة ....... إلخ من العوارض البشرية لا ينتج تصورا وحكما كاملا ، فتراه يفتقر إلى التعديل والتبديل بتوالي الأحداث ، فأين ذلك من اتباع الشرع المعصوم الذي لا يتبدل إذ له من السعة ما يستوعب آحاد النوازل فرعا عن استيعابه أنواعها بقواعده الكلية المجملة ، فمناطاته قد خرجت ومقاصده قد حررت ، وإنما يقوم المجتهد أو الفقيه بإعمال تلك القواعد وتحقيق تلك المناطات ومراعاة تلك المقاصد في النازلة فيستنبط لها من الأحكام ما يلائمها وفق أصول ثابتة مطردة لا تناقض فيها ولا تذبذب ، بخلاف أصول أهل التشريع الوضعي الذين ضاهوا بها التشريع الإلهي ، فأنتجت عقولهم تلك المسوخ التشريعية التي تطفح بها مواد الدساتير الأرضية ، فكيف يسوى بين الطرفين بل يغلب الطرف الخاسر فيصير هو المطرد في عالم اليوم : عالم الديمقراطية التي هي في حقيقتها ديكتاتورية الجماعة التي نصبت نفسها إلها يشرع ، فاستبدلت عبادة بنات أفكارها الكاسدة بعبادة بنات أفكار الكنيسة البالية ، فمن تطرف في تأليه الفرد إلى تطرف في تأليه الجماعة وكلا الإلهين فقير إلى ما يقيم أوده من أسباب الحياة ، فكيف يكون حكمه عادلا وشرعه كاملا ، وهو فقير في نفسه فقرا ذاتيا ، والفقر مظنة الحيف والظلم إذ الفقير يتطلع دوما إلى سد فاقته ، فيقع في قوله وفعله ما يقع من التجاوزات ، وتأمل عظم الثغرات في الدساتير الأرضية كما وكيفا ، فهي دليل دامغ على ذلك الفقر ، إذ هي نتاج عقول ذات أهواء تفتقر إلى تلك الأهواء وإن كان فيها عطبها ، فتزين ما استحسنته ولو كان قبيحا لحاجتها إلى إشباع نهمتها منه ، ولكل شهوته ، ولكل هواه الذي يبغي تحصيله بخلاف الباري ، عز وجل ، الغني عن كل حاجة ، المنزه عن كل نقص أو فاقة أو شهوة ، فحكمه لا يصدر إلا عن كمال استغنائه عن الأسباب ، إذ هو خالقها ومجريها فكيف يفتقر إليها ؟! وحكم غيره إنما يصدر عن كمال افتقاره إلى الأسباب التي تقوم بها حياته وشتان الحكمان ! .
وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ : عموم بعد خصوص نعمتي : النبوة : أعظم النعم عند التحقيق ، فبها صلاح الدين والدنيا ، وعمار الآجلة محط الرحال ، والعاجلة دار الانتقال ، والملك : فبه تصلح أمور الرعية بإقامة الأحكام ، وإدارة شئون الجماعة . فقد أوتوا من النعم عموما بعد تينك النعمتين خصوصا ما لم يؤته أحد من العالمين ، و : "أل" في : "العالمين" : عهدية تشير إلى عالمي زمانهم دون من سواهم ، فقد أعطيت أمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدهم من الخصائص ما لم تعطه أمة سواها فضلا من الله ، عز وجل ، واصطفاء .
يَا قَوْمِ : تكرار النداء بــ : "قوم" تأليفا لهم واستمالة .
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ : فذلك أدعى إلى امتثال الأمر إذ قد كتبها الله ، عز وجل ، لكم ، إما كونا ، وإما شرعا بحصول المشروط إذا امتثل المخاطب مقتضى الشرط من بذل السبب الشرعي بجهاد سكانها من الجبارين ، فالحكم دائر مع علته الشرعية وجودا وعدما ، فمتى وجدت العلة بامتثال أمر الشارع ، عز وجل ، وجد الحكم بالنصرة والتأييد على العدو وتملك أرضه ، إذ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وأولى الناس بوراثتها من التزموا أمره الشرعي فاستحقوا عطاءه الرباني بالظهور على العدو ووراثة أرضه وماله .
وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ : وعيد بعد الوعد اكتمل به شقا التكليف ، فهو أمر يرغب في امتثاله بالوعد ، ونهي ينفر عن ارتكاب منهيه بالوعيد .
فعاقبة التولي :
فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ : فالفاء سببية تفريعية عما تقدم من النكوص والارتداد ، إذ عاقبة السيئة سيئة تتبعها عدلا من الباري ، عز وجل ، وهو ما جرى لهم على ما يأتي بيانه إن شاء الله ، فقد لحقتهم تبعة العقاب الكوني بالتيه فرعا عن مخالفتهم الأمر الشرعي بدخول الأرض المقدسة ، وسنن الله ، عز وجل ، في الثواب والعقاب : مطردة لا تفرق بين شريف ووضيع ، بل تلحق العقوبة أهل العصيان ولو كانوا برفقة الأنبياء والمرسلين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:30

قَالُوا يَا مُوسَى : تعد في الخطاب بقرينة السياق ، فنداء البعيد للقريب مظنة رفع الصوت فضلا عن مخاطبته بالاسم المجرد عن وصف النبوة .
إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ : تقديم للعلة على معلولها .
وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا : المعلول ، وفيه دلالة على كون لن ليست نصا في التأبيد ، بخلاف ما ذهب إليه صاحب الكشاف ، غفر الله له ، إذ حدوا غاية امتناع دخولهم بخروج الجبارين منها .
وأكدوا امتناعهم بتصدير الجملة بــ : "إن" فضلا عن دلالة : "لن" على النفي المؤكد وإن لم يكن مؤبدا كما تقدم .

فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ : توكيد لما تقدم ، فيه إشعار بلزومهم تلك الطريقة ، فنصوا صراحة ، ثم أكدوا بتعليق المشروط المأمور به ، بالشرط الذي وافق هواهم ، وإنما أمروا بالدخول مطلقا ، فقيدوه بما استحسنته عقولهم ، وذلك شأن كل من حاد عن الأمر الإلهي ، فإنه لا بد أن يعارضه بقياس أو ذوق يرى فيه وجه المصلحة وإن ألغاها الشارع ، عز وجل ، فيعتبر ما ألغاه ، ويلغي ما اعتبره ، وذلك مظنة الخذلان ، إذ معارضة الشرع بالعقل أو الذوق من أسباب فساد الأديان .
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ : إيجاز بالحذف على تقدير : يخافون الله ، وفيه تعريض بمن عداهما ، إذ مفهومه أن نكوصهم عن دخول الأرض المقدسة فرع عن نقص الخوف من الله ، عز وجل ، في قلوبهم ، فلو خافوه لسارعوا إلى تنفيذ أمره خشية عقابه ، وفي التنزيل : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا : إطناب في مدحهما بذكر وصف ثان لهما هو بمنزلة العلة لما تقدمه ، فالخوف من الله ، عز وجل ، وهو من العبادات القلبية ، نعمة منه ، جل وعلا ، وفضل ، والتزام الطاعة والدوام على العبادة أعظم كرامة لمن تأملها إذ بها صلاح الدارين ، فذلك الخوف الشرعي إنما هو فرع عن نعمة سابغة بتصريف قلوبهما عليه بمقتضى الأمر الكوني ، وهذا أصل مطرد في باب القدر ، إذ أفعال العباد من طاعات أو معاص لا تقع إلا بأمر كوني نافذ ، فإذا كان الفعل طاعة ، اجتمع له الإرادتان : الشرعية الآمرة والكونية النافذة ، وإن كان معصية كان واقعا بمقتضى الأمر الكوني وإن كان على خلاف الأمر الشرعي لحكمة تفوق مفسدة وقوعه ، فهو شر باعتبار نفسه ، لا باعتبار فعل الله ، عز وجل ، ففعله كله خير ، فالمحنة العاجلة بِشَر تكرهه النفوس : منحة آجلة لمن تدبره وعمل فيه بمقتضى أمر الشرع فاستخرج به من الخير الآجل ما تقر به عينه .
وخرجه بعض أهل العلم على كونه خبرا أريد به إنشاء الدعاء لهما ، بالنعمة الربانية السابغة ، فرعا عن التزامهما الحكم الإلهي الآمر ، ولا إشكال في حمل الآية على ذلك ، إذ الثناء في كلا الحالين متحقق ، إما بالوصف الحسن ، أو بالدعاء لهما بالتلبس بذلك الوصف .
وإلى طرف من ذلك ، أشار أبو السعود ، رحمه الله ، بقوله : "{ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا } أي بالتثبيت وربْطِ الجأش والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده ، أو بالإيمان وهو صفة ثانيةٌ لرجلان ، أو اعتراض ، وقيل : حال من الضمير في يخافون أو من رجلان لتخصّصه بالصفة" . اهــ
فقوله : اعتراض : إشارة إلى الاعتراض بجملة الدعاء الإنشائية في سياق خبري .
وتخريجه على الحالية لا ينافي دلالته الوصفية ، إذ الحال وصف في المعنى ، بدليل كونها مشتقة أو مؤولة بالمشتق ، فالدلالة المعنوية فيها بارزة ، وقد سوغ مجيئها من النكرة : "رجلان" على هذا التخريج : وصفها ، وهو ما أكسبها نوع تخصيص ، فصارت إلى المعرفة أقرب وبها أشبه فجاز مجيء الحال منها .

ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ : أمر تحريض على الامتثال ، وقدم "عليهم" وحقه التأخير إشارة إلى المراد أصالة وهو : دخولكم عليهم حال كونهم في بلدهم ، لا دخولكم البلاد وقد خرجوا منها كما أردتم ، فرعا عما استقر في قلوبكم من جبن وهلع .
وفي السياق إيجاز بحذف الجار على طريقة : "الحذف والإيصال" ، فتقدير الكلام : ادخلوا عليهم من الباب ، وفيه دلالة على معنى التمكن من الفعل ، وذلك أبلغ في حثهم على الامتثال ، وهو من جهة أخرى دليل على تخاذلهم حتى احتاجوا إلى كل تلك المحفزات ، فعالي الهمة لا يحتاج من يحفزه ، إذ همته ، قد بلغت الغاية ، بخلاف ساقط الهمة الذي يحتاج إلى الحث والحض باستمرار : ترغيبا وترهيبا ، فلا يمتثل إلا إذا حمل على الامتثال حملا بوعد أو وعيد ، وغالبا ، ما يكون الوعيد في حقه أليق ، إذ النفوس المعلقة بالدنيا ، المفرطة في أمر الدين لا يناسبها إلا الترهيب بأوصاف الجلال الربانية لترجع إلى جادة الشرع خشية العقاب .
فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ : وعد في مقام التحريض على الفعل يلهب همة الناكص أو المتردد ، وذلك حالهم فناسب أن يرد ذلك الشرط في معرض الأمر ، على طريقة : تقدم ولا تخف فإنك منصور إن شاء الله . وأكد الجواب بــ : "إن" على ما اطرد من الحث والتحريض .

وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : إلهاب آخر لاستنهاض الهمم القاعدة ، على طريقة : إن كنت رجلا فافعل ، وفيه حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير ، فعلى الله وحده توكلوا ، وفيه تعريض بمن نكص ، إذ ذلك مئنة من ضعف توكله على الله ، عز وجل ، فينتفي عنه بدلالة المفهوم : وصف الإيمان بقدر ذلك الضعف ، وتوارد هذا العدد من المحفزات مئنة من خسة همة المخاطب وضعف نفسه إذ كثرة التداوي مئنة من عظم الداء .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:33

قَالُوا يَا مُوسَى : تكرار للنداء المجحف بمقام النبوة إمعانا في التمرد على الأمر الشرعي .
إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا : تكرار مؤكد للعصيان مع ما تقدم من الترغيب والترهيب ، فتلك أمة قد استطابت مرارة الذلة لما فسدت النفوس وسقطت الهمم بمعالجة خسائس الأمور زمن حكم الفراعنة الجائر الذين ، كانوا كبقية طواغيت البشر ، يقتلون العزة في نفوس أتباعهم بالترغيب والترهيب إماتة للهمم وإسكاتا لأي حر يأبى قيد العبودية لبشر ناقص ، وتلك وسيلة الطغاة في كل عصر ومصر ، فمعظم الناس قد صاروا عبيدا لشهواتهم ، فأولئك : يتلهون بما يعرض عليهم من الفتن فيفسد حالهم ابتداء دون كبير معالجة ، فقد كفوا الطغاة مؤنتهم ، ولذلك كان أعداء الإسلام أشد حرصا في الأعصار المتأخرة على الغزو الثقافي ، إذ أثبت الغزو العسكري ، ولا زال ، فشله الذريع ، بل إنه يأتي بنتائج عكسية بإيقاظ الهمم وإحياء روح الجهاد في النفوس الأبية ، وتصحيح المفاهيم القومية والعلمانية لتصير ربانية إسلامية ، ولعل احتلال أرض الرافدين أخيرا وظهور المقاومة ذات الطابع الإسلامي ، على ما وقعت فيه بعض فصائلها من أخطاء وتعرضت له من مؤامرات أثرت على أدائها سلبا ، لعل ذلك المثال الحي خير شاهد على ذلك ، فكان الأولى والأقوى والآمن : بث الشبهات والشهوات في نفوس المسلمين ليتحقق النصر رخيصا بلا ثمن إلا ثمن إنتاج بضاعة مسمومة تروج عبر الأقمار الصناعية ووسائل البث الحديثة لكل فئة عمرية منها نصيب ، فلم يسلم منها حتى الأطفال ، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين ، فلهم منها نصيب ، بل التركيز إنما يكون عليهم أساسا ، إذ بفسادهم وطمس هويتهم : يتم القضاء على أي مستقبل واعد للإسلام ، فإن البذرة إذا فسدت لم يرج منها ، وإن نمت وأثمرت ، ثمرة صالحة .
وذلك حال كثير من سلاطين العصر ، ممن أقاموا رياساتهم على أنقاض ما هدموه من كرامة وأخلاق شعوبهم .
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا : أمر يوحي بالضجر والاستخفاف والسخرية مع ما فيه من سوء الأدب بقصر وصف الربوبية على موسى عليه السلام ، وكأنه ، عز وجل ، ليس ربا لهم يلزمهم امتثال أمره الشرعي فرعا عن عموم ربوبيته القاهرة .
إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ : على ما اطرد من توكيدهم ما ارتضوه لأنفسهم من الذلة والمهانة والنكوص عن أمر الشرع ، فصدروا كلامهم بــ : "إن" ، فضلا عن الإشارة إلى مكان قعودهم بمعزل عن المكان الذي أمروا بدخوله .



قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي : اعتذار إلى الباري ، عز وجل ، بعد بذل السبب ، فالقدرة مناط التكليف ، ولا يقدر أحد على هداية غيره وحمله على الطاعة ، ولو كان نبيا يوحى إليه ، وفي التنزيل : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، فلا يملك الهداية الكونية إلا الرب ، جل وعلا ، ولعل ذلك سبب تصدير الدعاء بالاسم الدال على الربوبية ، إذ القدرة الكونية النافذة من أخص أوصاف الربوبية العامة ، ومنها : ربوبية القلوب تصريفا على الطاعة أو المعصية ، فغاية العبد أن يهدي غيره دلالة البيان والإرشاد وهي وظيفة الرسل عليهم السلام ومن سار على دربهم من الدعاة ، مصداق قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ : فرقانا ينجينا من العقوبة الكونية إذا نزلت ، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير ، رحمه الله ، مصداق قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ، وقد علق الحكم على ما اشتقت منه الصفة المشبهة : "الفاسقين" ، فإن الفسق علة في إظهار البراءة من صاحبه معذرة إلى الله ، عز وجل ، وهو يفيد بمفهومه : ولاء من اتصف بضده من الإيمان والتقوى ، وذلك شأن كل وصف مشتق علق عليه حكم شرعي ، فإنه يدور معه وجودا وعدما ، دوران المعلول مع علته ، والولاء والبراء من أخص أوصاف أهل الإيمان ، فبه يصح عقد القلب ، فيظهر أثر ذلك على الجوارح ولو بإظهار الامتعاض من أهل الكفر والفسوق ، فإن كل إناء بما فيه ينضح ، فإناء القلب الباطن ينضح على الظاهر إقبالا على أهل الإيمان ونفورا من أهل الكفران .
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ : تحريما كونيا فرعا عن مخالفتهم الأمر الإلهي ، فالعقوبة النازلة بالقدر الكوني النافذ ، فرع على مخالفة القدر الشرعي الآمر الناهي ، فلما عصوا استحقوا التيه ، فعوقبوا بالحرمان من دخول الأرض المقدسة التي كتبت لهم ، جزاء وفاقا ، إذ النكوص عن الطاعة سبب في الحرمان ، كما أن مباشرة المعصية سبب فيه ، ومن أعظم صور الحرمان : الحرمان من الطاعة ، فلا يوفق العاصي إلى طاعة ، بل ينتقل من معصية إلى أخرى حتى يحدث توبة ، وعلى النقيض : يوفق الطائع إلى الطاعة ، فينتقل من طاعة إلى طاعة ، والتوفيق والخذلان من صور الربوبية القاهرة ، إذ لا يوفق المطيع إلا بفضل الله ، ولا يخذل العاصي إلا بعدله ، فمن يسر للأول أسباب الطاعة ، ويسر للثاني أسباب المعصية هو الرب المجري للأسباب الكونية وفق قدرته النافذة وحكمته البالغة .
وتصدير التحريم بالتوكيد في مقابل توكيدهم النكول عن امتثال الأمر بدخول الأرض المقدسة .
أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ : فيموت جيل جبان وينشأ جيل يستحق النصر ، فتجري على الأول سنة الاستبدال ، مصداق قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ، وتحري على الثاني : سنة الاصطفاء ، و : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) .
وفي العصر الحاضر استبدلت أجيال ولا تزال من لدن سقطت خلافة آل عثمان الجامعة فتشرذم المسلمون دويلات متنافرة ، ومن لدن سقط بيت المقدس ، والسنة الكونية مطردة لا تعرف المجاملة لتستثني أمما بمجرد حمل الهويات الإسلامية بلا انقياد للتكليفات الشرعية .

فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ :
نهي إرشاد وتسلية فلا تأس عليهم ، وكرر وصفهم بالفسق توكيدا على علة ذمهم التي ذكرها موسى عليه السلام في دعائه .




ومن صور النكوص الأخرى :

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى :
تكرار للتعجب من حالهم استنكارا وتوبيخا ، على القول بتعلقه بما تقدم من قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) . كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله .
و : "من" الأولى : بيانية جنسية ، إذ كان ذلك مراد جمعهم لا بعضهم .
و : "من" الثانية : لابتداء الغاية ، فاستعمل اللفظ الواحد استعمال المشترك الذي دل السياق على المراد من معانيه فزال إجمال اشتراكه ، والسياق ، كما تقدم في أكثر من مناسبة ، أصل في معرفة مراد المتكلم .


إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ : قيد للتعجب والاستنكار المتقدم .
ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : بعثا شرعيا على وزان قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ، وفي السياق إيجاز بالحذف ، إذ حذف الشرط الذي جزم فيه جواب الطلب : "نقاتل" ، وفيه تجوز في السياق وصولا إلى محط الفائدة ، فالقتال مطلب الجمهور ، على مشقته التي لا يعرفها إلا من عالجه ، فما أيسر الكلام ، وأصعب الفعل ، إذ تبلى السرائر والهمم في ساحات الوغى ، وكثير من شجعان السلم ينكلون في أوقات الحرب ، إذ تنفسخ همم كثير عند معاينة الموت ، بل ذلك حال أغلب الناس ، بل قد تنفسخ الهمم فيما دون ذلك من ابتلاءات كونية بمرض أو حبس أو نحوه ، إذ القلوب بيد مقلبها فهو الذي يثبت من شاء فضلا ، ويزيغ من شاء عدلا ، فله من المكر وصف الكمال ، إذ به يستخرج مكنون القلوب في أوقات الشدة ، فكثير قد انطوى باطنه على ما يخالف ظاهره ، فجاء الابتلاء كاشفا ، ولأصحاب الدعاوى فاضحا ، وهو ما وقع بالفعل كما يأتي من سياق القصة ، ومناط الأمر : ربوبية قاهرة تصرف القلوب ، وألوهية شارعة ، فلكل حال حكم ، فحال السلم غير حال الحرب ، والفقيه من يسأل الله ، عز وجل ، السلامة في دينه ودنياه ، فيستعين بالسبب الشرعي على دفع البلاء ابتداء ، فإذا ما وقع بمقتضى الإرادة الكونية النافذة ، استعان بالسبب الشرعي على رفعه ، كجهاد عدو أو درء شبهة ......... إلخ ، فإن لم يمكنه ذلك ، فله في عبودية الصبر عوض ، فواجبه الشرعي إزاء ما عجز عن رده من القضاء الكوني : أن يصبر محتسبا ، ولا يكون ذلك بعد بذل ما يقدر عليه من أسباب ، والتوكل والصبر ، عند التحقيق ، زاد المبتلى سواء باشر السبب في رفع البلاء بقتال أو نحوه ، فإن ذلك يستلزم توكلا وصبرا على مشقة معالجة الأسباب ، وفي التنزيل : (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، أو استنفد الأسباب فالتوكل والصبر في حقه آكد ، والترابط الوثيق بين ربوبية الابتلاء في مقابل عبودية الصبر والاحتساب مما يضبط هذا الباب الذي فرط فيه فريق فقعدوا عن نصرة الدين ابتداء خشية الابتلاء وهو واقع لا محالة فإن لم يكن في سبيل الله ففي سبيل غيره حتى وصل الأمر إلى تعلق الهمم وتشوف النفوس في بعض بلاد المسلمين إلى رغيف خبز تأنف البهائم من أكله ، فلا يتجاوز طموح كثير من المسلمين : قضاء شهوة بطنه بالطعام والشراب وقضاء شهوة فرجه بالنكاح ، وأفرط فيه فريق آخر فتمنوا الابتلاء وليسوا له بأهل ، إذ لما تعد النفوس لتحمله بعد ، فلا يعدو الأمر مجرد عاطفة سريعة الاشتعال سريعة الانطفاء ، فما يأتي جملة يذهب جملة ، والكلام في حال السلامة يسير ، وامتثاله حال الابتلاء عسير ، فليس أحد وكل إلى نفسه إلا خذل ، ولذلك كان سؤال السلامة ، كما تقدم ، مئنة من فقه السائل ، ولنا في ذلك أصل جليل ترد إليه فروع هذه المسألة : أصل : "أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ" . فاسألوا الله العافية ابتداء فذلك شرع السلم ، فإذا لقيتم العدو فاصبروا فذلك شرع الحرب ، فلكل قدر كوني من سلم أو حرب ما يقابله من التكليف الشرعي بدعاء أو صبر ، وتلازم الربوبية والألوهية ، كما تقدم ، أمر مطرد في كل أحوال المكلفين ، فمن الرب : الابتلاء إظهارا لقدرته وحكمته ، ومن العبد : الصبر والامتثال إظهارا لعبوديته .
وقد كان نبيهم عليما بدخائل النفوس فاستفهم محذرا :
قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا : والكتابة في هذا السياق شرعية بدليل مخالفة أكثرهم لمقتضاها لما جد الجد ، ولو كانت كونية ما تخلف أحد منهم عن مقتضاها .
واستفهم عن حال النفي : "ألا تقاتلوا" ولم يستفهم عن حال الإثبات ، فقد ترجح عنده نكوصهم عن القتال إذا فرض عليهم ، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" ، رحمه الله ، وذلك جار على ما تقدم من إفراط في الحماس لفظا فإذا جاء التكليف بالفعل خفتت الأصوات وانحلت العزمات .

قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا : استنكار لسؤال النبي ، مع وجاهته ، علته : "وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا" ، على تقدير محذوف : وأبعدنا عن أبنائنا ، أو يكون الإخراج من الأبناء بتسلط العامل في "ديارنا" على : "أبنائنا" : آكد في البيان ، فالإخراج فيه معنى القهر والظلم وذلك مما يهيج النفوس ويلهب الهمم ، فلا يرفع الظلم إلا بحد السيف ، وما سلب بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، ومن غلب على أرضه وولده ضعف تعلقه بالحياة فصار القتال عليه أهون ، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير ، رحمه الله ، ولذلك اشترط يوشع بن نون ، عليه السلام ، على أتباعه التجرد من علائق الدنيا قبل دخول الأرض المقدسة فقال : (لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا) .
ومع كل تلك الدعاوى العريضة :
لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ : فصار فرضا شرعيا وتكليفا حتميا .
تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ : فوقع ما كان يخشاه نبيهم ، بانفساخ هممهم وتثاقل أبدانهم ، إلا قليلا منهم ، أخلصوا النية لله ، عز وجل ، بتصديق الفعل القولَ ، فثبت الرب ، جل وعلا ، جنانهم بمقتضى إرادته الكونية فرعا عن امتثالهم مقتضى إرادته الشرعية بفرض القتال . والتلازم بين الأمرين قد سبقت الإشارة إليه في أكثر من موضع فهو أصل يفزع إليه في كل تكليف شرعي ، فلا تجتمع الإرادتان : الكونية النافذة والشرعية الآمرة إلا في المؤمن الذي استعان بالرب القادر على امتثال أمر الإله الشارع .

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ : تذييل يناسب السياق فيه من التهديد للقاعدين ما يحملهم على امتثال الأمر فقد علم ، عز وجل ، أزلا من سيقعد ومن سيخرج ، وعلم علما ثانيا يتعلق به الثواب والعقاب من قعد ومن خرج لما صار الغيب شهادة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:37

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا :
بعثا شرعيا ، إذ لو كان كونيا ما وسعهم المخالفة ، وقد خالفوا فدل ذلك على أنه من باب الشرع الآمر ، ولا بد للجهاد من راية شرعية ، فهو أمر لا يقوم به آحاد المكلفين ، إلا في أحوال بعينها كمداهمة العدو أرض المسلمين .
وقد أكد الحكم بــ : "إن" ، وناسب ذكر اسم : "الله" في معرض تقرير الشرع ، على القول باشتقاقه من معنى التأله ، وإنما يتأله العباد لربهم بامتثال أمره الشرعي الحاكم .
وفي اللام معنى الاختصاص ، من باب التأنيس لهم فما بعث إلا لكم لتنتظم صفوفكم تحت قيادته .
قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا : استفهام فيه معنى الإنكار والتعجب ، وذلك سوء أدب مع الملك ، عز وجل ، الذي امتن عليهم ببعث طالوت ، فعارضوا الحكم الشرعي بقياسهم العقلي ، وذلك مسلك إبليسي ، فإبليس أول من عارض الحكم الشرعي بقياسه العقلي الفاسد ، فالنار في قياسه أفضل من الطين ، والفاضل لا يسجد للمفضول ، وهو قياس فاسد المقدمة ، إذ الطين أفضل من النار من جهة كونه مادة نماء لما بذر فيه بخلاف النار فهي مادة فناء لما ألقي فيها ، وفساد النتيجة فرع عن فساد المقدمة .
وجاء الإنكار بــ : "أنى" التي تحتمل : كيف ، ومن أين ، ومتى ، ولا مانع من حملها على كل تلك المعاني على سبيل الاشتراك لعدم التعارض ، بل ذلك آكد في تصوير استنكارهم فرعا عن نتيجة قياسهم الفاسد .
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ : دعوى في مقابل الأمر بتمليك طالوت .
وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ : حال معللة لدعواهم ، فمناط الاستحقاق عندهم : سعة المال ، وذلك قياس عقول أرباب الدنيا .
قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ : اصطفاء شرعيا فرعا عما وهبه من العطية الكونية : عطية العلم والجسم .
عطية : وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ : فذلك منزل منزلة العلة للحكم الشرعي ، وعموم اللفظ فيها معتبر وإن وردت على سبب خاص ، فصحة الجسم ، وسعة العلم ، مما اشترطه الفقهاء في أصحاب الولايات الكبرى ، فليس لجاهل بشرع الله ، عز وجل ، تولي ولاية عظمى ، كما هو حال أغلب أصحاب الولايات من الحكام والوزراء .......... إلخ في عصرنا الحاضر .
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ : يحتمل أن يكون من كلام النبي ، أو هو من التذييل لكلامه ، فيكون من كلام الباري ، عز وجل ، وعلى كل فهو منزل منزلة العلة الجامعة ، فالله ، عز وجل ، لا يسأل عما يفعل من إيتاء وحرمان لتمام قدرته فهو يؤتي ملكه من يشاء ، ولتمام حكمته فهو وَاسِعٌ : له من سعة الذات وسعة الصفات وسعة الملك وسعة التدبير ما يهب به من شاء فضلا ويمنع به من شاء عدلا فرعا عن كونه : عَلِيمٌا بعباده فيعلم من يستحق ممن لا يستحق ، وفي التنزيل : (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ، وفيس على عطاء الرسالة كل عطاء كوني وهبه من شاء من خلقه بمقتضى عموم ربوبيته .



ومن قوله تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) : تكرار لطول العهد ، على وزان :
لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها
وجعله أبو السعود ، رحمه الله ، من باب إيجاز الحذف لما دل عليه السياق اقتضاء ، إذ هو مشعر بانقطاع ما سبق عما لحق ، فكأنهم سألوه آية لملك طالوت ، فوقع الأخذ والرد ، فقال لهم بعده :
إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ : الكونية ، فالآية هنا ليست شرعية إذ لا تكليف فيها ، وإن تعلق بها التكليف من جهة لزوم التصديق والامتثال بعد ورود الآية الكونية ، وإلا وقع العذاب على ما اطرد من سنة الله ، عز وجل ، الجارية بإهلاك من طلب آية بعينها ، فجاءت كما طلب فكفر بعدها ، إذ قد ظهر له من أمارات الصدق ما لم يظهر لمن لم يطلب ، فكان تكذيبه أقبح ، فاستحق العقوبة العاجلة ، إذ عظم العقاب فرع عن عظم الذنب ، فلما أخل بالتكليف الشرعي مع قيام الداعي لامتثاله من الإعجاز الكوني الذي اشترطه صار أهلا للعقوبة الكونية فرعا عن الإرادة النافذة ، فالتكليف فرع عن الإرادة الشرعية ، والعقوبة لمن أخل به فرع عن الإرادة الكونية ، والتكليف فرع من صفة الحكمة الربانية ، وهي صفة جمال ذاتية ، والعقوبة فرع من صفة الشدة في نحو قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، وهي صفة جلال فعلية ، فصفات الجمال القائمة بالذات القدسية تورث في النفس الرغبة في الأجر فرعا عن امتثال مقتضى الشرع ، وصفات الجلال المتعلقة بالمشيئة الكونية تورث في النفس الرهبة خشية وقوع العقاب فرعا عن مخالفة مقتضى الشرع ، وهذا أصل نفيس ، أشار إليه ابن القيم ، رحمه الله ، إذ المحبة مرادة لذاتها فتعلقت بصفات الجمال الذاتية ، والخوف مراد لغيره إذ به تجتنب المعاصي ، فمتعلقه الكف ، والفعل أشرف منه ، فتعلق بصفات الجلال الفعلية .

أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ : في مستقبل أمركم لتمحض الفعل للاستقبال بدخول "أن" عليه ، فضلا عما للمصدر المؤول من دلالة توكيدية تفوق دلالة المصدر الصريح ، ولو من جهة زيادة المبنى فهو مئنة من زيادة المعنى كما اطرد في كلام البلاغيين .
و : "أل" في التابوت : عهدية ذهنية تشير إلى تابوت بعينه له من الأوصاف :
فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ : فالجملة الحالية وصفية في معناها ، وتقديم ما حقه التأخير مئنة من الحصر والتوكيد ، وذلك أبلغ في بث الطمأنينة في نفوسهم بإتيانه ، ففيه يقينا لا في غيره السكينة التي بها يثبت الله ، عز وجل ، عباده المؤمنين في ساحات الوغى في مقابل نزعها من قلوب أعدائه ، مصداق قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ، وفي تنكير السكينة : تعظيم لقدرها ، فضلا عن ابتداء غايتها من الله ، عز وجل ، فليست كأي سكينة من أي أحد ، بل هي سكينة ممن بيده تصريف القلوب إقامة وإزاغة ، فهو الرب الذي تجري الأمور وفق كلماته الكونيات النافذات ، فمن شاء أقامه فضلا ، ومن شاء أزاغه عدلا ، وإنما تستخرج كوامن الصدور في أوقات الشدة ، كما سيأتي إن شاء الله ، فيقع الابتلاء الكوني بلقاء العدو ، فبه تفتضح كثير من النفوس ، بظهور خسة معدنها ، وإن بدا نفيسا في أوقات الدعة ، ولا يأمن مكر الله ، عز وجل ، إلا مغرور ، ولا يتمنى الابتلاء إلا جاهل بعواقبه ، ولا يسأل الله ، عز وجل ، السلامة ، إلا مقر بضعفه مظهر لعجزه في مقابل قوة وقدرة الرب العلي القهار ، جل وعلا ، فمنه وحده التثبيت ، وبه وحده التوفيق .
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ : وفيه دليل على جواز التبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام ، وذلك بمقام الشدة أليق ، ولا يعني ذلك اعتقاد النفع والضر في ذاتها بل هي سبب مشروع ، فلا استقلال له بنفسه في التأثير بل هو تابع لإرادة مجري الأسباب جل وعلا .

تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ : حال ثانية تزيد وصف التابوت بيانا ، وحملان الملائكة له مئنة من عظم شأنه ، وتأنيس للمقاتلين وحفز لهممهم ، إذ الملائكة من آكد أسباب النصر الغيبية .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : توكيد بــ : "إن" واللام المزحلقة في : "لآية" ، في معرض الحض ، والشرط للإلهاب على ما اطرد من طريقة : إن كنت رجلا فافعل ، فإن كنتم مؤمنين حقا فتلك آية كونية أرسلت لكم فامتثلوا أمر نبيكم .



فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ :
إيجاز بحذف مقدرات دل عليها السياق إذ جاء التابوت آية لهم ، فارتضوا طالوت ملكا ، فأعد الجيش ، وانتظم الجند فسار بهم طالوت حتى جاوزوا مساكنهم وفارقوا ديارهم طلبا لعدوهم ، على وزان الحذف في قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) ، أي : فأرسلوه فدخل على يوسف عليه السلام وقال له : يوسف ........... وذلك مما تطمح إليه نفوس البلاغيين دون النحويين ، كما أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله في "المغني" ، إذ الحذف هنا من باب : حذف ما دل عليه السياق اقتضاء فليس له وجه نحوي كحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ........... إلخ من صور الحذف التي قررها النحاة في كتبهم فهي وثيقة الصلة بالمبنى لا بالمعنى ، بخلاف الصورة الأولى فهي إلى المعنى أقرب وبه أليق .
قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ : ابتلاء شرعيا ، نسبه إلى الله ، عز وجل ، ولعل في نسبته إلى لفظ الجلالة : "الله" ، على القول باشتقاقه لغة لا شرعا من التأله بمعنى التعبد ، لعل في نسبته إلى اسم يتضمن معنى التعبد ما يؤكد كون الابتلاء شرعيا لتمحيص القلوب ، فنسب إلى الإله الشارع دون اسم الرب الذي يتضمن معنى السيادة وتلك بالابتلاء الكوني أليق ، وليس الابتلاء هنا كونيا ، إذ لو كان كذلك لوقع لا محالة ، ولكنه تخلف في حق معظم أفراد الجيش الذين رسبوا في أول اختبار شرعي جريا على سنة : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ، فالغالب على العباد : مخالفة الأمر الشرعي دون الأمر الكوني الذي يجري على وجه الحتم والإلزام على كل العباد مؤمنهم وكافرهم ، تقيهم وفاجرهم .
وقد أكد كلامه بتصدير الجملة بــ : "إن" ، وذكر الابتلاء مجملا ، فتشوفت النفوس إلى البيان ، فعقب به مقرونا بالفاء الدالة على التعقيب ، فليس بين الإجمال والبيان في كلامه فسحة ، إذ قد قامت الحاجة إلى بيان الحكم ، لقرب زمان الابتلاء ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي : "من" الأولى لابتداء الغاية ، فابتداء غاية فعل الشرب تكون من النهر فيكون الشرط نصا فيمن كرع الماء بفيه كناية عن نهمه وقلة صبره على العطش ، فذلك المتوعد بجواب الشرط دون من استثناه ممن اغترف غرفة بيده دفعا للضرر ، فيكون فعله من باب الضرورة التي يرخص فيها بقدر ما ترتفع به ، فالضرورات تقدر بقدرها .
و : "من" الثانية : "اتصالية" كما اصطلح بعض النحاة على تسميتها بذلك ، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ، فاستعار انقطاع الاتصال الحسي بين الشارب والقائد لانقطاع الاتصال المعنوي بينهما ، وقد يقال بأن كلا الأمرين مراد ، بل هما متلازمين ، إذ انقطاع الوصلة المعنوية بينهما سبب في انقطاع الوصلة الحسية بفصل العصاة الذين لم يمتثلوا الأمر عن بقية الجيش ، لئلا يناله من شؤم معصيتهم ما يكون سببا في هزيمته ، وهذا أصل في هجر العصاة تأديبا ودفعا لضررهم ، فلا أضر على الجماعة من عصاتها ، فهم سبب في استنزال العذاب ومحق البركة ، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ) ، فكان فعل طالوت عين الحكمة الشرعية ، وفي مقابل الترهيب بنفي العصاة :

جاء الترغيب على سبيل المقابلة بين شطري القسمة العقلية : من عصى فشرب فانتفت صلته بالقائد وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي : فصلته بالقائد باقية إذ قد اجتاز أول ابتلاء شرعي مُمَحِّص بنجاح ، واستثنى مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ : دفعا لضرورته كما تقدم .
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ : الفاء فصيحة على تقدير : فلم يمتثلوا الأمر فشربوا منه ............. ، واستثنى القلة المؤمنة ، وقرئ برفع "قليل" ، إذ في معنى إقدامهم على الشرب انتفاء امتثالهم الأمر بتركه لزوما ، فكأن الاستثناء ورد على كلام تام منفي ، على تقدير فلم يمتثلوا الأمر ، فجاز فيه الوجهان : النصب على الاستثناء والرفع على البدلية من الضمير في : "يمتثلوا" ، فآل المعنى إلى : فلم يمتثلوا الأمر إلا قليلٌ .
فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ : تعريض بمن لم يجاوز بإثبات وصف الإيمان لمن جاوز فهو يفيد بمفهومه نفيه عمن لم يجاوز ، وإن لم يكفر بذلك ، ولكنه لم يحقق الإيمان الواجب لتجاوز هذا الابتلاء فلم يصر أهلا لتلك الكرامة : كرامة التثبيت في أوقات الشدة ، فتلك لا تكون إلا لمن شاء الله ، عز وجل ، له الثبات كونا ، فرعا عن امتثاله الأمر ديانة ، فلا يحظى بعطايا الربوبية ، ومنها تثبيت الجنان وتصريفه على مقتضى الإيمان إلا من حقق تمام الألوهية .
قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ : لما لقيهم من نصب ومشقة .
قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ : أي يوقنون ، فالظن هنا بمعنى اليقين لدلالة السياق على كونهم أرفع طبقات الجيش منزلة ، وأصلبهم عودا ، فرعا عن كمال إيمانهم . و : "أن" وما دخلت عليه قد سدت مسد مفعولي ظن . أو المفعول الأول لها والمفعول الثاني محذوف على تقدير : قال الذين يظنون ملاقاة الله كائنةً ، وهذا اختيار الأخفش رحمه الله ، وعلى كلا القولين يكون الإتيان بالجملة المصدرة بــ : "أن" المصدرية مع ما لها من دلالة توكيدية بأصل الوضع أبلغ في بيان يقينهم من الإتيان بالمصدر الصريح .

أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ : الإضافة للتخفيف .

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ : طباق بين القلة والكثرة في معرض بيان القدرة الإلهية ، والإذن هنا ، كوني ، بخلاف الإذن في نحو قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ، أي : ما لم يشرعه الله عز وجل . وذلك الإذن الكوني فرع عن امتثال الأمر الشرعي كما تقدم في أكثر من موضع .

وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ : إظهار في موضع الإضمار ، لبيان كمال العناية بهم بورود لفظ الجلالة في معرض معيته الخاصة لهم : معية النصرة والتأييد ، وقد علق الحكم على الوصف المشتق من الصفة المشبهة : "الصابرين" التي ذيلت بها الآية فهي مما يلائم ما تقدمها من أحداث جسام تتطلب صبرا على البلاء وثباتا عند اللقاء .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:41

وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ : فتعين القتال على كل حاضر ، وتلك أشد ساعات الابتلاء ، ولا أشق على النفس من الفروض العينية فهي بطبعها تميل إلى التنصل والتملص من التكليف ، فإن لم يقيدها صاحبها بقيد الشرع الحاكم تفلتت ، وهذا حال أغلب المكلفين إلا من رحم الله ، عز وجل ، فالثبات على طريق الهداية أشق من معرفته والسير عليه ، فالحجة الرسالية قائمة ببيان الطريق لكل مكلف ، وتلك أيسر المنازل ، ويليها السير على طريق الهداية ، وتلك أعلى من الأولى فليس كل من علم عمل ، بل لا تكون إرادة العبد في مباشرة الفعل إلا فرعا عن إرادة الله ، عز وجل ، الكونية بخلق تلك الإرادة فيه ، وخلق ذات الفعل .
وأصعبها الثبات على طريق الحق ، فكثير سار وقطع أشواطا إلى الله ، عز وجل ، ثم انقطع عن السير ، إذ الطريق موحش ، والسالكون قلة ، فإن لم يثبت الله ، عز وجل ، العبد في سيره ، زل وانفسخت همته فانقطع عن السير ، وكذلك حال المقاتل ساعة لقاء العدو ، وقد تعين القتال وصارت الأماني حقائق ، مصداق قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) . ولذلك كان تمني ذلك الابتلاء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خشية افتضاح صاحبه حيث لا محيص ، فإن فر المقاتل في الدنيا موليا دبره ، فأنى له الفرار يوم التناد ، فقتال العدو : أمر ندب إليه الشارع ، عز وجل ، ولكنه لا يكون بحماسة يوكل صاحبها إلى نفسه ، بل إظهار الضعف والتضرع كما صنع أولئك ساعة لقاء جالوت وجنوده هو مفتاح النصر .
فكان دعاؤهم :
رَبَّنَا : إذ استمدوه من عطاء ربوبيته : صبرا للجنان ، وتثبيتا للأقدام ، وعطفهما من قبيل عطف المتلازمات ، إذ الجوارح الظاهرة تعكس صورة القلب الباطنة ، فالعلم تصور والعمل حكم ، ولا يصح حكم بلا تصور صحيح ، فإذا صح القلب علما وعملا ، كان ذلك مئنة من استقامة الجوارح على الطاعة ، وصورتها يوم الزحف : الثبات وعدم التولي .
والإفراغ مئنة من الكثرة ، كما ذكر ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فلقائل أن يقول : إن في السياق : استعارة الإفراغ الحسي للإفراغ المعنوي : استعارة مكنية تبعية ، إذ شبه الصبر بالماء المصبوب بكثرة غامرة ، فذلك المعنى المتبادر إلى الذهن من لفظ : "أفرغ" ، وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو فعل الإفراغ ، ويؤيده تنكير الصبر تعظيما ، فذلك مما يرجح مقابلته في الاستعارة بالماء الكثير الذي بلغ حد الصب بالإفراغ صبا غامرا متواليا لا ينقطع ، فيكون مدد الصبر منه ، جل وعلا ، متجددا لا انقطاع له ، فيحصل للمقاتل الصبر في كل مراحل المعركة ، وآكدها الساعة الأخيرة فإنها أحرج ساعات القتال ، والنصر لمن صبر فيها كما علم ذلك من باشر القتال وشدته .
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ : عطف لازم على ملزومه ، فالنصر فرع الصبر ، كما تقدم ، وفي وصفهم بالكافرين تضرع إلى الله ، عز وجل ، بمفهوم السياق ، فهو توسل بإيمانهم في مقابل كفر خصمهم ، وقد وعد الله ، المؤمنين النصر في الأولى والآخرة ، مصداق قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) .



فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ : الفاء للفورية إذ نزل النصر بتحقق أسبابه وشرائطه ، ولو تخلفت الأسباب لتخلف النصر ، فهو حكم كوني يماثل الحكم الشرعي في كونه يدور مع علله وأسبابه وجودا وعدما ، فلما بذلوا الأسباب الشرعية من إعداد عدة وصبر على الابتلاء زمن الورود على النهر ودعاء وتضرع زمن اللقاء ، لما استكملوا تلك الأسباب : نزل النصر بإذن الله ، الكوني ، فمدد الربوبية لا يستجلب إلا بكمال الألوهية ، فلا يتنزل نصر على عصاة لم يستكملوا أسباب النصر الشرعية ، وتلك سنن جارية لا تجامل ولا تداهن أحدا وإن كان الصحب الكرام ، رضي الله عنهم ، خير طباق الأمة ، فقد تخلف الشرط في حقهم يوم أحد ، وإن كانوا متأولين غير عامدين ، فجرت عليهم سنة الابتلاء بما مسهم من القرح .
وفي السياق نوع تناسب وتلاؤم بين إذن الله ، في قولهم : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، في مقام التضرع ، وقوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) ، في مقام الانتصار لأهل الإيمان ، فكلاهما من : الإذن الكوني النافذ ، وذلك من حسن السياق بمكان كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .

وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ : وذلك من الخاص بعد العام ، وفيه مزيد بيان للنعمة الربانية على ذلك الجيش ، إذ كانت الهزيمة ساحقة والضربة قاضية بمقتل رأس العدو ، إذ قتل القائد مظنة انفراط عقد الجيش مهما بلغت قوته ، والتاريخ العسكري شاهد بذلك ، ويوم بلاط الشهداء ، رجحت كفة المسلمين ابتداء حتى قتل الغافقي ، رحمه الله ، أعظم ولاة الأندلس في دورها الأول : دور الولاة ، بل لعله من أعظم من تولى أمر الجماعة في أندلسنا المفقود ، فلا يعادله إلا رجال من أمثال الداخل والناصر والحاجب المنصور ، فلما قتل دبت الفوضى في صفوف المسلمين فكان ما كان من هزيمة البلاط الأليمة التي أوقفت زحف الإسلام نحو باريس ، فكان ذلك سببا في تأخر أوروبا عن ركب الحضارة قرونا أخرى بعد أن تصدت في عنصرية بغيضة لشعاع النور الساطع من قرطبة .
وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ : وذلك ، أيضا ، من الخصوص بعد العموم إطنابا في بيان المنة الربانية على داود ، عليه السلام خصوصا ، فقد أوتي الملك والنبوة ، والإطناب بذكر أفراد النعمة الربانية مما يلائم سياق الامتنان بها ، ولم يجتمع الأمران لأحد قبله من بني إسرائيل إذ كانت النبوة في سبط والملك في سبط آخر .
وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ : من علوم النبوات ، فهو من عطف اللازم على ملزومه ، وهو جار على ما تقدم من الإطناب في معرض الامتنان .
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ : وتلك سنة كونية جارية : سنة التدافع .
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ : باستيلاء أهل الفجور عليها ، ولكن الله قيض لهم من يدحض حجتهم بالبرهان ويكسر شوكتهم بالسنان .
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ : فلم تفسد الأرض ، لما تقدم ، من ظهور حجة الله البالغة ، فلن تخلو الأرض من قائم لله بحجة . والتنكير في : "فضل" : مئنة من التعظيم ، ففضله على عباده عظيم : فضل كوني بأنواع الأسباب الكونية التي تقوم بها الأبدان ، فهو ، جل وعلا ، المقيم المقيت لها بأنواع القوت الحسي ، وفضل شرعي ، وهو أعظم صور الفضل فبأنواع الأسباب الشرعية التي جاءت بها النبوات ، تحيى القلوب بالعلوم النافعة والجوارح بالأعمال الصالحة ، فهي قوت معنوي نافع أجراه الله ، عز وجل ، على القلوب إقامة لها على التوحيد العلمي ، وعلى الأبدان إقامة لها على التوحيد العملي . فثنائية : العلم الذي يصح به التصور والعمل الذي يصدقه : ثنائية مطردة في دين الإسلام ، فلا صلاح إلا بكليهما ، فعلم بلا عمل مسلك الأمة الغضبية من يهود قتلة الرسل والأنبياء ، وعمل بلا علم مسلك الأمة الضالة من النصارى عباد الصليب . وكل خير في مخالفتهما ، وكل شر دخل على هذه الأمة فإنما يرجع عند التحقيق إلا اتباع طرائقهم العلمية والعملية .




تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ :
أي ما تقدم على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا بإشارة البعيد ، أو لبيان علو مكانة تلك الآيات ، فهي آيات شرعية من جهة كونها أخبارا ، وهي آيات كونيات من جهة دلالتها على تأييد الله ، عز وجل ، أنبياءه وأوليائه ، وإن قلت فئتهم ، فلهم من الأسباب الغيبية من تأييد الملائكة ، مصداق قوله تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا) ، فهي عامة في حق كل فئة مؤمنة ، لهم من ذلك النصيب الوافر ، وإن فاقهم عدوهم في الأسباب المشهودة من عدد وعدة وعتاد .
وهي آية على صحة رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، إذ الإخبار بذلك الغيب الذي لا يعلمه إلا نبي مرسل ، أو عالم قد باشر علوم الأولين ، كأحبار يهود وقساوسة النصارى ممن لهم بالنبوات الأولى معرفة ، الإخبار بذلك من قبل من لا علم سابق له به ، بل لا علم له بالقراءة فهو أمي ، إمعانا في تكريمه إذ علمه ربه ، عز وجل ، فلم يجلس إلى معلم من البشر ، وإمعانا في إقامة الحجة على مخالفه بقطع كل أسباب العلم الكسبي عنه ، فلا قراءة ولا كتابة ولا مخالطة لعلماء أهل الكتاب ليتلقى عنهم مشافهة ، فلم يبق إلا القطع بأن علمه وهبي فرعا عن نبوة معصومة لا يتطرق الخطأ إلى خبرها ، ولا البطلان إلى حكمها ، فلا تنال النبوة باكتساب أو اجتهاد وإنما هي فضل وهب وامتنان من الرب الكريم المنان .

يقول ابن تيمية ، رحمه الله ، في "الجواب الصحيح" :
"وقد أتاهم ، (أي : النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، بجلية ما في الصحف الأولى كالتوراة والإنجيل مع علمهم بأنه لم يأخذ عن أهل الكتاب شيئا فإذا أخبرهم بالغيوب التي لا يعلمها إلا نبي أو من أخبره نبي وهم يعلمون أنه لم يعلم ذلك بخبر أحد من الأنبياء تبين لهم أنه نبي وتبين ذلك لسائر الأمم فإنه إذا كان قومه المعادون وغير المعادين له مقرين بأنه لم يجتمع بأحد يعلمه ذلك صار هذا منقولا بالتواتر وكان مما أقر به مخالفوه مع حرصهم على الطعن لو أمكن .
فهذه الأخبار بالغيوب المتقدمة قامت بها الحجة على قومه وعلى جميع من بلغه خبر ذلك وقد أخبر بالغيوب المستقبلة وهذه تقوم بها الحجة على من عرف تصديق ذلك الخبر كما قال تعالى : {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ} .
ثم قال : {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .
وقال تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} .
فأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك في المستقبل وكان كما أخبر وقال تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} .
فأخبر أنه لا يقدر الإنس والجن إلى يوم القيامة أن يأتوا بمثل هذا القرآن وهذا الخبر قد مضى له أكثر من سبعمائة سنة ، (في زمن المؤلف) ، ولم يقدر أحد من الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن .......... وقد أيده تأييدا لا يؤيد به إلا الأنبياء بل لم يؤيد أحد من الأنبياء كما أيد به كما أنه بعث بأفضل الكتب إلى أفضل الأمم بأفضل الشرائع وجعله سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم" . اهــ بتصرف .

والتقييد بالحال في قوله : (نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) : لا مفهوم له إذ هو من الوصف الكاشف ، فلا يكون من الوحي ما يتلى بالباطل ، وإنما هو من باب الإطناب في وصف تلك الآيات بأوصاف الكمال .
وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ : تذييل يلائم السياق بتوكيد الرسالة فرعا عن صحة أخبارها ، ومنها ما تقدم من خبر طالوت وجالوت .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:45

ومن قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) :

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ : إشارة إلى الرسل عليهم السلام بإشارة البعيد مئنة من علو مكانتهم ، مع وقوع التفاضل بينهم ، فإن ذلك لا يعني انتقاص المفضول ، وعلى ذلك خرج النهي عن المفاضلة بينهم ، فالمنهي عنه : التفضيل المفضي إلى التعصب للفاضل وانتقاص المفضول ، وهما أمران متلازمان لا انفكاك لهما ، إذ لا يخلو المتعصب عادة من جهل مركب بحال الفاضل فيظنه على غير ما هو عليه غلوا كمن يعتقد صفات الألوهية في نبي أو إمام أو شيخ ......... إلخ ، كحال غلاة الأمم ، وجهل مركب آخر بحال المفضول فيظنه على غير ما هو عليه جفاء ، وتأمل حال يهود الذين جفوا في حق المسيح عليه السلام حتى طعنوا في نسبه في مقابل غلو النصارى فيه حتى أنزلوه منزلة الألوهية ، فلا الأولون نزهوه عما لا يليق بمقام النبوة ، ولا الآخرون عرفوه بأوصاف النبوة الحقة بل خلعوا عليه من الأوصاف ما لا يجوز في حق بشر أصلا وإن كان من صفوتهم ، بل من أولي العزم منهم ، فكلاهما عند التحقيق لم يعرف مذمومه أو ممدوحه ، فاليهود ذموا مسيحا لا وجود له ، والنصارى أطروا مسيحا آخر لا وجود له ، أيضا ، والمسلمون عرفوا المسيح الحق عليه السلام فأعطوه حقه من أوصاف الكمال إثباتا ، ونزهوه عما لا يليق بمقام النبوة نفيا ، فهو : عبد الله : وتلك أشرف منازل العالمين عموما ، والمرسلين خصوصا ، فليس فيه ولا في غيره من أوصاف الألوهية شيء ، بل هو من جهة أصل الخلقة : بشر كسائر البشر يجري عليه ما يجري عليهم من السنن الكونية من : مرض وموت وابتلاء بالآلام ......... إلخ ، وإنما خص بوصف الرسالة تلقيا وأداء ، وفي التنزيل : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فذلك القدر المشترك بين الرسل وبقية البشر ، و : (يُوحَى إِلَيَّ) فذلك القدر الفارق ، فمن نظر إلى القدر المشترك دون القدر الفارق : مال إلى جفاء يهود في حق الأنبياء فالتسوية بينهم وبين البشر من كل وجه كحال من يجعلهم : ساسة ومصلحين لهم قوى علمية وتأثيرية في العالم ، فمؤدى قوله الحط من مقام النبوات بجعلها من جنس الملكات البشرية ، فتصير قابلة للاكتساب بالدربة ! ، كما زعم غلاة الفلاسفة ومن سار على طريقتهم ممن يعظم الأنبياء تعظيم القادة والساسة ، فيجعلهم من جنس نابليون أو جيفارا أو .......... إلخ ، ومن نظر إلى القدر الفارق : القدر الغيبي الذي اختصوا به من الوحي الإلهي دون نظر إلى القدر المشترك مال إلى غلو النصارى فأطراهم بما ليس فيهم : فأصل خلقتهم من غير الطين الذي خلقت منه السلالة الآدمية ، ولهم من علوم الغيب ما يضارع العلوم الربانية التي اختص بها الله ، عز وجل ........... إلخ من صور الغلو التي تخرج بصاحبها عن جوهر التوحيد الذي بعث الرسل بتقريره إلى عين الشرك الذي بعثوا بإبطاله وتفنيده .


وتأمل حال غلاة المبتدعة الذين غلوا في آل البيت ، رضي الله عنهم ، وقدحوا في الأصحاب ، رضي الله عنهم ، فوقعوا في جنس ما وقعت فيه النصارى من الغلو ، وجنس ما وقع فيه اليهود من الجفاء ، فجمعوا السوأتين ، إذ لا انفكاك لهما ، كما تقدم ، فلا هم ، أيضا ، عرفوا من يظهرون الانتصار له على حقيقته ، ولا هم عرفوا من يقدحون فيه على حقيقته ، بل غلوا في معدوم وجفوا في معدوم ! ، فالجهل المركب كائن في كليهما ، والحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فإذا صح التصور بعلم صحيح صح الحكم ، وإذا فسد بجهل بسيط أو مركب فسد الحكم ، ولذلك كان العلم أول منازل العمل ، إذ به يصح نية وصفة ، فتصحيح النية يكون بالعلم ، وتصحيح العبادة صفة وهيئة يكون ، أيضا ، بالعلم .

وقاعدة القدر المشترك والقدر الفارق ، كما قال المحققون من أهل العلم ، أصل جليل في مثل تلك المضائق ، فإنه لا بد من وجود قدر مشترك بين الموجودات ولو في أصل صفة الوجود ، وقدر فارق يظهر به التباين بينها تبعا للتباين في أعيانها وأوصافها .
فوصف النبوة : قدر مشترك تساوى فيه الأنبياء عليهم السلام . وتفاضلوا في القدر الفارق ، فأولوا العزم عليهم السلام أفضل ممن سواهم ، وموسى عليه السلام ، أفضل من نوح وعيسى ، عليهما السلام ، والخليل ، عليه السلام ، أفضل منهم ، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلهم بل هو أفضل الخلق جميعا .

ووصف الصحبة : قدر مشترك تساوى فيه الصحابة رضي الله عنهم . فتثبت الصحبة لكل من رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طالت الرؤية أو قصرت ، لازمه أو لم يلازمه ، كلمه أو لم يكلمه ، روى عنه أو لم يرو ، تثبت لكل من ذلك وصفه إذا مات على الإسلام ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح من أقوال أهل العلم .
وتفاضلوا في القدر الفارق ، فالخلفاء الأربعة ، رضي الله عنهم ، أفضل ممن سواهم ، وعثمان ، أفضل من علي ، رضي الله عنهما ، وإن ساغ الخلاف في التفضيل لا في التقديم في الخلافة ، فلا يضلل من قال بذلك ما لم يجره ذلك إلى انتقاص عثمان ، رضي الله عنه ، وإن كان قول جماهير أهل السنة ، في هذه المسألة ، أولى بالاتباع فرعا عن كونه ثابتا بإجماع أهل المدينة قبل تفرقهم في الأمصار ، وعمر ، رضي الله عنه ، خير منهما ، وأبو بكر ، خيرهم ، بل هو خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، فهو الصديق الأعظم والولي الأول .

وقل مثل ذلك في مسائل كالإيمان واختلاف الناس في حقيقته :
فإن فيه قدرا مشتركا بين عموم المؤمنين : وهو مطلق التصديق الذي لا يثبت عقد الإسلام إلا به .
وقدرا فارقا : وهو ما يتفاضل فيه الناس من أعمال القلوب والجوارح .
فهو يزيد وينقص تبعا لزيادتها ونقصانها : زيادة الكل باستيفاء أجزائه أو نقصانه بتخلفها دون ذهابه بالكلية إلا إذا وقع في ناقض للأصل ، بخلاف مطلق التصديق ، وإن ذكر بعض أهل العلم أنه ، أيضا ، مما يتفاوت باعتبار النظر والتأمل في الأدلة فليس تصديق النبي أو الصديق كتصديق آحاد المؤمنين .

وفي باب الصفات :
يوجد قدر مشترك في بين أي موصوفين هو الحقائق الكلية المشتركة في الذهن ، وقدر فارق في الحقائق الجزئية في الخارج . فلكل موصوف حقيقة مستقلة باستقلال ذاته تباين حقيقة بقية الموصوفات ، وتباين الصفات فرع عن تباين ذوات الموصوفات .

وفي باب البلاغ : يلزم المبلِغ ، لا سيما في أمور الديانة ، وفي أمور الغيب التي تحار فيها العقول وإن كانت لا تجيلها إلا أنها مظنة الفتنة إذا كان المخاطب ضعيف العقل ، يلزمه أن ينظر بعين الاعتبار إلى القدر المشترك بين أفهام الناس ، فيحدثهم بما لا تستنكره العقول الصريحة والفطر السوية ، ومن رحمة الله ، عز وجل ، أن علق النجاة على تصديق أخبار وامتثال أحكام لا غموض فيها ولا خفاء ، فكل المكلفين يمكنهم إدراك معاني التوحيد ، بل ذلك مما ركز في فطرهم فلا يجدون مشقة في تصديقه إجمالا ، وتصديق بقية الغيبيات على سبيل الإجمال ، أيضا ، وامتثال الأحكام الشرعية من العبادات القولية والبدنية التي لا يجد المؤمن ، وإن لم يكن من أهل العلم ، صعوبة في أدائها بل الإقبال عليها لما يجده من أثرها البارز في صلاح دينه ودنياه ، فهي حافظة للقلب حافظة للبدن ، فبحفظ الدين : الضرورة الأولى : يحفظ القلب ، وبحفظ النفس والعرض والعقل والمال يحفظ البدن : آلة التكليف ، فالقصاص من القاتل يحفظه من التلف ، وتحريم الفواحش يحفظ نسبه من الاختلاط المفضي إلى التشريد والضياع ، وتحريم الخبائث من المسكرات يحفظ عقله من الزوال المفضي إلى فساد الرأي والعمل ، وعقوبات الجنايات المالية من قطع للسارق وتعزير للمختلس والمنتهب ...... إلخ تحفظ المال الذي هو عصب الحياة فبه تحفظ الأديان والأبدان معا .

فذلك القدر المشترك بين عموم المكلفين .

وأما القدر الفارق من دقائق المسائل التي لا يدركها إلا أهل الاختصاص في كل فن ، فتلك لا تنفع حكايتها لعموم المكلفين بل قد تضر إن كان فيها من الشبهات ما قد يعلق بالقلوب الضعيفة لا سيما مع قلة العلم وغلبة الجهل ، إلا إن تعين ذكرها على سبيل التحذير من فتنة قد أثيرت ، فيكون ذكرها من باب البيان الذي قد قامت الحاجة إليه ، فتذكر على سبيل الرد لا على سبيل التقرير والبسط ابتداء دون حاجة .
ومثلها أخبار الفتنة التي وقعت بين الأصحاب ، رضي الله عنهم ، متأولين الحق مجتهدين في طلبه ، فتلك من مراتع الكفار الأصليين وأهل البدعة المغلظة ومن سار على طريقتهم من أفراخ العلمانية المعاصرة ، إذ هي مادة دسمة للطعن في دين الإسلام بالطعن في حملته ، وتشكيك عموم المسلمين في أصل ملتهم ، وذلك منتهى إرادة القوم ، فهو نصر بارد لا عناء فيه سوى جمع القصص المكذوب من كتب كذبة الإخباريين الذين يسيرون على طريقة "ألف ليلة وليلة" التي تصلح لمؤانسة رواد المقاهي الشعبية ! ، فيصير الدين مجرد قصص وأساطير ، وتلقى المصادر الأصلية من نصوص الكتاب والسنة خلف الظهور إذ فيها ما ينقض ذلك الغزل الواهي نقضا . فتلك ، أيضا ، مما لا يشرع الخوض فيه إلا على سبيل التحذير من مقالة فاسدة ، وما أكثر مقالات السوء في الصحب ، رضي الله عنهم ، في هذا الزمن الذي انتفش فيه أهل الباطل من الكفار والمبتدعة ، ولعل ما يتعرض له عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، على سبيل الخصوص ، في مصر من حملات مسعورة من النصارى والعلمانيين الذين يسيرهم الكفار تارة والمبتدعة تارة أخرى ، فهم مع من أظهر الطعن في الإسلام أيا كان شخصه ، لعل تلك الحملات من قبيل مقالة حادثة أظهرها ساذج نعت عمرا ، رضي الله عنه ، بالمكر على طريقة دهاقنة السياسة المعاصرين فهو الذي يلعب بـــ : "البيضة والحجر" كما يقال عندنا في مصر ، والتطهير العرقي على طريقة سفاحي الحروب الحديثة ، والإرهاب الفكري فهو عدو الفكر الإنساني الذي حرق مكتبة الإسكندرية .............. إلخ ، لعل ذلك من أبرز أمثلة تلك الحملة المنظمة ، وهي اتهامات تدل على جهل مركب حتى بالتاريخ المصري من منظور نصراني إذ لم يورد أحد من مؤرخي تلك الحقبة من النصارى شيئا من تلك الافتراءات ، بل المتواتر عند عقلائهم ما نعم به أسلافهم من حرية دينية بعد زوال الاحتلال الروماني الذي يشاركهم الملة وإن خالفهم النحلة ، إذ كانت مصر قبل الفتح الإسلامي نموذجا للاضطهاد الديني ، بل المذهبي ، وكان قبط مصر خير عون لجيش الفتح في الطريق إلى فتح الإسكندرية عاصمة مصر آنذاك ، وكان من شروط اتفاقية الجلاء الروماني ، إن صح التعبير ، ألا يتعرض المسلمون لكنائس النصارى ولا يتدخلوا في شئونهم الدينية ولا تزال كنائسهم الأثرية باقية إلى يوم الناس هذا شاهد عدل آخر على وفاء المسلمين بعهودهم ، ولك أن تقارن بنود تلك الاتفاقية ببنود اتفاقية استسلام غرناطة وكانت تتضمن هي الأخرى وعودا مؤكدة بالأيمان الملكية المغلظة بالحفاظ على حرية المسلمين الدينية ولكنها تبخرت بعد سنوات قليلة وظهرت إلى الوجود مأساة الموريسكيين ومحاكم التفتيش الكنسية التي يخجل أي نصراني ويشمئز أي آدمي من مجرد ذكرها أو تخيل ما نقل من صور التعذيب الوحشي في أقبيتها ، لك أن تقارن بين أولئك وأولئك ، والكل يحظى بلقب الفاتح ، لتدرك الفارق بين فتح المسلمين وفتح غيرهم ، ولكن قلوبا أعماها التعصب فبثت تلك الأراجيف وقلوبا أخرى أعماها الجهل فصدقتها وانتحلتها لا يستغرب منها التعدي على أولئك السادة بل قد تعدوا على من هو أعظم منهم من الرسل عليهم السلام لا سيما خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بل قد تعدوا على رب العالمين بنعته بأوصاف يتنزه عنها آحاد المخلوقين فعلام العجب ؟! .
والشاهد أن أهل الحق قد اضطروا في هذه الأزمنة إلى الخوض في تلك الدقائق مع كونها من القدر الفارق ، لمصلحة تربو على مفسدة ما قد تحدثه من اضطراب لبعض الأفهام ، والضرورة تقدر بقدرها ، وقول علي رضي الله عنه : "حدثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ; أتحبون أن يكذب الله ورسوله" : أصل في هذا الباب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:47

وعودة إلى سياق الآية :

إذ وجه التفاضل في صدرها مجمل على طريقة التنزيل في إيراد المجمل من باب التشويق استحضارا لذهن المخاطب ثم التذييل بالمبين فيقع في النفس أبلغ موقع .
مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ : إشارة إلى الكليم عليه السلام ، وفي السياق التفات من التكلم إلى الغيبة على ما اطرد من تربية المهابة في النفوس إذا كان ذلك في حق الله ، عز وجل ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .

وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ : عالية رفيعة ، فالتنكير للتعظيم ، وقال بعض أهل العلم إن المراد هنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما أبهم ذكره تفخيما لأمره .
وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ : فلفظ الإيتاء أبلغ في بيان المنة الربانية على المسيح عليه السلام ، إذ هو مما لا يقبل المطاوعة ، وما لا يقبل المطاوعة كما قرر اللغويون أقوى دلالة على وقوع الفعل مما يقبل المطاوعة ، فما يقبل من قبيل : كسرته يحتمل وقوع الفعل فيقال : كسرته فانكسر ، أو عدم وقوعه فيقال : كسرته فما انكسر ، بخلاف الإيتاء فهو واقع لا محالة ، إذ النبوة منحة ربانية لا تقبل الرد ، فمن اصطفاه الله ، عز وجل ، لحمل رسالته وتبليغ كلماته الشرعيات أخبارا وأحكاما لا يملك الاستقالة إذ الأمر على جهة اللزوم لا التخيير ، وفي التنزيل : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ) ، والأصل في الأمر الوجوب كما قرر الأصوليون ، وذلك آكد واجب يتصور في حق البشر بعد إخلاص العبودية لله عز وجل .

وجاء التفصيل في مقام الامتنان على عيسى عليه السلام لدحض شبه الغلاة والجفاة فيه ، فأما الجفاة من يهود فبالنص على تأييده بالروح الأمين ، عليه السلام ، وهو الملك الموكل بالوحي ، ففيه النص على نبوته التي أنكروها ، فليس تخصيصه بالذكر في هذا المقام بناف وقوع التأييد لغيره من الرسل بالروح الأمين عليه السلام ، إذ السياق غير حاصر ، وإنما هو من باب إثبات الحكم لفرد من العام فلا يلزم منه نفيه عن بقية الأفراد . وفي التنزيل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) . فضلا عن كونه عليه السلام عدوهم اللدود فذكره في مقام التأييد تبكيت لهم إذ أظهروا العداوة لمن اختصه الله ، عز وجل ، بأشرف الوظائف الملكية ، فهو النازل بأشرف الكلمات على أشرف أفراد النوع الإنساني الذين اصطفاهم الله ، عز وجل ، لأشرف وظيفة بشرية .

وأما الغلاة فبالنص على أن ما جاء به المسيح عليه السلام من البينات لم يكن إلا محض عطية ربانية له ، فلا استقلال له بتكوين الطير أو إبراء الأكمه والأبرص أو إحياء الموتى أو الإخبار بالمغيبات ، وفي التنزيل : (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .
فرد الأمر إلى الإذن التكويني النافذ ، وإنما باشر عليه السلام السبب فصور الطين على هيئة الطير ونفخ فيه كما نفخ الروح الأمين في جيب درع أمه البتول عليها السلام ، فتحققت صورة السبب ، فسرت الحياة إلى الطير بإذن ربه .

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ : إذ مجيئها مظنة ارتفاع الخلاف ، إذ
النقل قاطع لمادة الخلاف ، ولكن الاختلاف في تأويله بالعقل أفسد الأديان ، وصير المحكم متشابها ، فلكل قياس عقله ، فلم ترد المتشابهات إلى المحكمات ليرتفع الخلاف ، بل عزل النص عن ولايته ، وولي العقل مع عدم كفايته ، ولاية المتغلب بسيف التأويل ، فتصدر من حقه التأخير ، ووسد أمر النبوات لغير أهله ، والقتال في ساحات الوغى فرع عن المعركة الأولى : معركة إبليس : أول من قدم العقل على النقل فرجح قياس عقله على أمر ربه ، فاستحق الرد فوسوس لذرية آدم بما وقع فيه ، فلا تجد معارك الأبدان إلا فرعا عن معارك الأديان ، إذ التصور سابق الحكم ، ولا تجد معارك الأديان إلا فرعا عن تقديم الآراء والأذواق المضطربة على أخبار النبوات المطردة . فكل من استحسن مقالة ، ولو كانت عين الباطل تكلف لها من التأويلات ما يرد به محكم الأخبار ، وكلما ازداد بعد مقالته عن دائرة الحق زاد بطلان تأويله حتى يصير في بعض الأحيان لعبا أو جنونا يستحي من له أدنى مسكة من عقل .
َلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ : وذانك وجها القسمة العقلية ، فكان وقوع القتال بالأبدان حتما فرعا عن وقوع الخلاف في الأديان ، كما تقدم ، فليست الحروب : حروب مصالح استراتيجية ، وإن كانت تلك مما يأتي تبعا ، بل هي حروب عقاد دينية فتلك : سنة ربانية جارية إذ التدافع بين الحزبين قائم حتي يأتي أمر الله بظهور الحق .
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا : توكيد بالتكرار على أن ذلك من السنن الربانية المتعلقة بالمشيئة الكونية النافذة ، فلو شاء الله ، كونا ، ائتلاف القلوب على الحق ، لنفذت مشيئته في خلقه ، ولكنه شاء الاختلاف كونا ، لتظهر معاني قدرته في خلق الضدين وحكمته في ابتلاء كل ضد بضده ، فتعمل السنن الربانية في إتقان يظهر حكمته الكونية ، فضلا عن سننه الشرعية التي جاء بها الرسل عليهم السلام فتلك ، أيضا ، مئنة من بلوغ حكمته الغاية في الإتقان فرعا عن علمه المحيط ، فبالسير عليها ، ومدافعة السنن الكونية بها ، يصلح الحال والمآل .

وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ : فهو الفعال لما يريد من الممكنات لا المحالات الذاتية فتلك ليس لها حقائق ابتداء لتتعلق بها الإرادة ، والمضارع مئنة من دوام الاتصاف بأفعال الكمال على الوجه اللائق بجلاله ، وتعلق الفعل بما يريده ، جل وعلا ، كونا ، نص في إبطال مقالة الفلاسفة الذين نفوا صفات الله ، عز وجل ، فزعموا أنه فاعل بالطبع ، لا بالإرادة والعلم ، إذ لا تنفك الإرادة وهي حكم ، عن علم سابق ، فهو تصور ، والحكم ، كما تقدم ، فرع عن التصور ، فإرادته ، عز وجل ، الفعل ، فرع عن علمه المحيط وحكمته البالغة ، فاجتمع له ، عز وجل ، وصف الجلال بنفاذ الإرادة القاهرة ، ووصف الجمال بالحكمة البالغة . فله الكمال : جلالا يحمل على الرهبة من عقابه ، وجمالا يحمل على الرغبة في ثوابه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:49

ومن قوله تعالى : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) :
فهو شرط سيق مساق التحذير من التعدي ، إذ العقاب مظنته ، فإن عاقبتم فاستوفوا الجزاء على قدر الجناية ، ويؤيد ذلك سبب نزول الآية على القول بأنها نزلت في مقتل حمزة ، سيد الشهداء ، رضي الله عنه ، والتمثيل بجثمانه ، إذ أقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يمثل بسبعين من قريش إن أظفره الله بهم ، ولا إشكال في حملها على هذا الوجه ، وإن كانت السورة مكية ، إذ ليس ذلك بمانع من ورود آيات مدنية فيها ، فوصف المكي أو المدني إذا تعلق بالسورة إنما يراد به الوصف الأغلبي لا الشمولي كما قرر ذلك من صنف في علوم القرآن ، وقد جعلها صاحب "الإتقان" ، رحمه الله ، مما تعدد نزوله على القول بوقوع ذلك ، إذ الخلاف بين أهل العلم فيه ، لا سيما من المتأخرين ، معروف ، فتكون قد نزلت في مكة آمرة المسلمين بالصبر على أذى الكفار ، ثم نزلت يوم أحد ، ثم نزلت يوم الفتح ، إذ كان يوم المرحمة كما سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والعلماء يستدلون بهذه الآية على جواز التمثيل بالقاتل إن كان قد مثل بمقتوله ولو حرقا ، فذلك مخصص للنهي عن القتل بالتحريق والتمثيل إذ قد نهي عن ذلك على جهة الابتداء لا على جهة الاقتصاص .

وذلك أمر يعم صورة السبب ويتعداه إلى بقية صور إزهاق الروح ، أو ما دونها من العقوبات البدنية من قطع وضرب وحبس ....... إلخ ، فالقول بعمومه أولى من تخصيصه بعين سبب النزول إذ لا دلالة في اللفظ على اختصاصه بحمزة ، رضي الله عنه ، أو اختصاصه بنوعه ، بقصر العموم على صورة السبب وهي : التمثيل بقتلى المعارك ، فالأولى حمل اللفظ على عمومه اللفظي لئلا تهدر دلالة عمومه على الأفراد التي تندرج تحته ، وهذا أصل في النظر في نصوص الوحي ، فالأصل فيها العموم سواء أكان مطلقا أم واردا على سبب ، فلا يصار إلى التخصيص إلا إذا دلت القرينة المعتبرة على ذلك .

واختار صاحب "التحرير والتنوير" ، رحمه الله ، وهو ممن له عناية كبيرة بعلم المناسبات ، فكثيرا ما يشير إلى مناسبة الآية لما قبلها ، ومناسبة السورة لما قبلها في بيان الوحدة الموضوعية للكتاب العزيز بأكمله ، ووحدة السورة ، بل الآية الواحدة تلمس فيها وحدة بين أولها وآخرها فيكون التذييل لفظيا كان أو معنويا ملائما للتصدير لا سيما في الآيات التي ذيلت بأوصاف الكمال الربانية ، فتكون الآية مذيلة بصفات الجمال في سياق الوعد كما في قوله تعالى : (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، مذيلة بصفات الجلال في مقام الوعيد ، كما في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
اختار ، رحمه الله ، القول بأنها مما نزل بمكة ، إذ السياق قبلها سياق دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكان ذلك واجب الوقت في الفترة المكية ، ولما كانت الدعوة مظنة تعرض صاحبها لصنوف من الأذى ، وإن كان يريد الخير للمدعو ، فتلك سنة كونية جارية ، أمر بالصبر في الآية التالية ، فإن كان معاقبا لا محالة فلا يتعد في استيفاء حقه .
وفي السياق مشاكلة بين : "عَاقَبْتُمْ" ، و : "فَعَاقِبُوا" على حد قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ، وقد يقال بأنها على حقيقتها من جهة أن قتال المشركين نوع عقوبة لهم على إعراضهم عن الدين وتكذيبهم بالوحي ، وقتالهم للمؤمنين نوع عقوبة منهم للمؤمنين لما يظنونه جرما من تسفيه أحلامهم وعيب آلهتهم ، كما أشار إلى طرف من ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ، وهذا أولى من حمل الكلام على المشاكلة ، إذ هي خلاف الأصل ، فالقول بوقوعها في الألفاظ لا أثر له ، وإنما يظهر أثر ذلك في المعنى ، إذ يحمل اللفظ على غير ما جرى به عرف اللسان ، فتحمل العقوبة على معنيين : العقوبة المعهودة ، والمعاملة على تضمين فعل : "عاقبتم" معنى الفعل : "عاملتم" ، وذلك مما توصل به أهل التأويل في بعض المواضع إلى تأويل صفات الباري ، عز وجل ، ففي نحو قوله تعالى : (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ، المشاكلة اللفظية لا أثر لها ، وإنما ظهر الأثر بتأويل : "نفسك" بــ : غيرك ، أو : عندك ........ إلخ ، فتوصلوا بذلك إلى تأويل صفة النفس الثابتة لله ، عز وجل ، بنص التنزيل ، على الوجه اللائق بجلاله ، توصلوا بذلك إلى تأويلها بدعوى المشاكلة اللفظية التي تصير اللفظ المبين : مجملا ، بحمله على معنيين متباينين ، خلاف الأصل ، فتصير دلالته : دلالة المشترك اللفظي المجمل على أحد معنييه ، بعد أن كانت دلالته على معناه بينة لا إشكال فيها .

وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ : وهو مرجح لمن قال بمكية الآية فالأمر بالصبر إنما كان في الفترة المكية ، إذ لا قوة للمسلمين آنذاك ، وهذا أمر جار على كل أزمنة الضعف ، فيكون الصبر خيرا من باب درء المفسدة الكبرى بتحمل المفسدة الصغرى ، فالحكم منسوء لا منسوخ ، كما تقرر في موضع سابق في معرض بيان تدرج الوحي في تشريع الجهاد ، إذ وقوع القتال حال قلة العدد والعدة مظنة فناء الجماعة المسلمة فضلا عن وقوع الفتنة في كل بيت إذا قوتل أهله على الدين فالصبر تأليفا للقلوب خير للصابرين ، وأظهر الوصف وحقه الإضمار على تقدير : "لهو خير لكم" إشارة إلى عموم المعنى الذي تعلق به المدح وهو الصبر ، فليس المراد قوما بعينهم قام بهم هذا الوصف ، وإنما المراد كل من تحلى بالصبر على جهة الديانة ، فالصبر عبودية يعجز عن القيام بها معظم المكلفين لا سيما عند وقوع العدوان عليه .
ولما كان الصبر مرادا بالأصالة في هذا الموضع ، إذ لم يعلق تعليقا شرطيا يحتمل الوقوع أو عدمه ، وإنما سيق مساق الترغيب في التخلق به ، لما كان كذلك ، أكد سياقه بعدد من المؤكدات منها : اللام الموطئة في : "لئن" ، ولام الجواب في : "لهو" ، وهو ضمير مرجعه المصدر المتصيد من السياق ، على تقدير : ولئن صبرتم فالصبر خير للصابرين .
وإليه أشار الطبري ، رحمه الله ، بقوله : "وهو من قوله : (لَهُوَ) كناية عن الصبر ، وحسن ذلك ، وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عليه" . اهـ
فهو على حد قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، أي : اعدلوا العدل ، فمرجع الضمير أيضا : المصدر المتصيد من السياق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 3 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:52

ومن قوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)

وَاصْبِرْ : صبر احتساب لا صبر اضطرار ، والأمر فيه للإرشاد ، ولا يمنع ذلك من حمله على دلالته الأصلية على الوجوب ، فالصبر على المصيبة الكونية واجب ، والصبر على التكليف الشرعي : أمرا ونهيا واجب ، وهو أرفع من الصبر على النوازل الكونية التي لا يملك المكلف ردها ، كما وقع للمؤمنين يوم أحد ، وكما وقع لهم قبل ذلك من سنة الابتلاء الكونية في مكة ، وقد يقال ، كما اختار بعض أهل العلم ، بأن هذا مما تتباين فيه أحوال المكلفين ، فإن منهم من يصبر على الأمر الشرعي ولكنه يجزع عند وقوع الأمر الكوني بما لا يحب ، فله من إياك نعبد نصيب ، وليس له من إياك نستعين نصيب ، ومنهم من يصبر على النوازل ولا يصبر على التكليف الشرعي ، فله من إياك نستعين نصيب ، وليس له من إياك نعبد نصيب ، ومنهم من ليس له صبر على أمر شرعي أو نازلة كونية ، فليس له نصيب من إياك نعبد ولا إياك نستعين وهذا أخبث نوع ، ومهم من جمع بين المقامين : مقام العبودية الشرعية فله من الصبر على التكليف الشرعي نصيب ، ومقام العبودية الكونية فله من الصبر على النوازل الكونية نصيب ، فهو أعلى الأنواع قدرا إذ قد جمع بين الحسنيين : امتثال المأمور والصبر على المقدور ، فله من ثنائية : الشرع والقدر أوفر نصيب ، إذ لا تعارض بينهما عند من فقه سنن الله ، عز وجل ، فهو الذي يبتلي بكلماته الكونيات ليمحص القلوب ، وفي التنزيل : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) ، وهو الذي يبتلي بكلماته الشرعيات ليطهر القلوب ويزكي الأنفس بصنوف العلوم النافعة والأعمال الصالحة ، فالذي قدر هو الذي شرع ، ووقوع التناقض بين سننه التي هي فرع عن كلماته الكونية والشرعية محال إلا عند من لم يقدر الله ، عز وجل ، حق قدره ، فأساء الظن بربه ، لا سيما في أوقات النوازل التي تعظم فيها الظنون ، وتضيق فيها الصدور .
ومَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ : إطناب في مقام الإرشاد إلى الطريقة المثلى ، فالأمر بالصبر ظاهر من جهة المعنى ، مجمل من جهة الكيف ، فكل يعرف معنى الصبر ، فهو حبس النفس عن التسخط والجزع ، ولكن الشأن في ذلك : كيف يصبر الإنسان صبر المؤمن المحتسب ؟ ، فجاء تعليق الصبر بالله ، عز وجل ، استعانة به : بذكره وإخلاص العبودية له في زمن الرخاء ، وزمن الشدة من باب أولى ، وفي حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا : (من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء) ، جاء ذلك من باب البيان بعد الإجمال على تقدير سؤال اضطراري يتولد في ذهن كل مخاطب : وكيف يكون الصبر الإيماني لا الصبر الاضطراري ؟ ، فجاء الجواب بأقوى أساليب القصر : النفي والاستثناء فلا صبر إلا بذلك ، وإن تلهى العبد بصنوف الملهيات كما يقع لكثير من المبتلين فرارا من ألم المصيبة ، وما أشده على النفس التي لا تستحضر المعنى الشرعي له ، ولا تنظر إلى جانب الحكمة الربانية فيه ، فلا ترى إلا جانب القدرة النافذة ، ولا يكتمل الإيمان بالقضاء والقدر إلا بالنظر إلى كلا الوجهين : القدرة الربانية فبها تقع المقدرات والحكمة الربانية فبها يصنع الله ، عز وجل ، لعباده من المصالح العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة ما تعجز عقولهم عن إدراكها ساعة نزول البلاء ، فهي ساعة تضيق فيها العقول عن الفهم والقلوب عن الصبر ، إلا من عصم الله ، عز وجل ، وهذا أمر لا ينفع فيه مقال إلا على جهة الإشارة إلى معان لا تقوم إلا بالنفوس الكبار ، فكل يحسن القول زمن الرخاء ، وقليل من يحسن العمل زمن الشدة ، ولذلك كان الفقه ، كل الفقه ، أن يسأل العبد ربه ، عز وجل ، السلامة في دينه ودنياه إذ لا قبل له بابتلاء الباري ، عز وجل ، فإن وقع الابتلاء فليس ثم إلا الصبر ولو تجلدا للشامتين ، وإلا هلك العبد لدخيلة سوء في نفسه استخرجها الابتلاء بمقتضى عدله ، عز وجل ، إذ ليس له إلى عبده حاجة ليظلمه فيسلبه نعمة هو إليها مفتقر ، فهو واهب النعم ابتداء ، فإن شاء أقر العبد عليها فضلا ، وإن شاء نزعها منه عدلا ، وإن شاء ألهمه الصبر إذا وقع الابتلاء فضلا ، وإن شاء وكله إلى نفسه فسخط وجزع عدلا ، ومن علم ذلك : علم تمام افتقاره إلى ربه ، عز وجل ، في كل وقت : في أوقات السلم وأوقات الحرب ، في أوقات الغنى وأوقات الفقر ، في أوقات الصحة وأوقات المرض فهو ما بين نعمة يصونها بالشكر ، ونقمة يستدفعها بالصبر ، ولكل ابتلاؤه ، ولكل مقامه عند ربه عز وجل .

ومن أهل العلم من اطرد قوله في مثل هذه المواضع فقال بأنها مما نسخ بآيات السيف المدنية ، إذ السورة مكية ، والأمر بالصبر جار على ما كان عليه المؤمنون في مكة ، فكان كف الأيدي والصبر على أذى المشركين واجب الوقت ، وذلك مما يرجح كون الآية مكية ، كما تقدم من اختيار صاحب "التحرير والتنوير" ، رحمه الله ، فالسياق السابق واللاحق شاهد بذلك ، فالدعوة بالحكمة سباقا ، والأمر بالصبر لحاقا من خصائص العهد المكي ، إذ لا قوة لأهل الإسلام يدفعون بها عن أنفسهم ، فصارت الحكمة في التزام السكينة والصبر على الأذى ترويضا للنفوس الأبية التي اعتادت الانتصار من الظالم المتعدي ، وتربية لها على معاني الصبر على الابتلاء في ذات الله عز وجل .
والسياق ، كما تقدم مرارا ، أصل في معرفة مراد المتكلم .


وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ : إذ تولوا عن الإيمان فإنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ما كسبوا ، فذلك من سنة إملائه لأعدائه .
وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ : نفي تسلط على النكرة : "ضيق" فأفاد العموم وذلك في مقام التسلية آكد ، فضلا عن تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل : "تك" ، مع حذف نونه إذ المقام مقام تسلية مصاب فيحسن فيه إيجاز المبنى وإطناب المعنى ، والضيق واقع لا محالة ، فالنهي عنه من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (لا تغضب) ، وليس أحد إلا يغضب ، فهو مما جبلت عليه النفوس في مقام الانتصار من الظالم إذا كان المظلوم يقدر على إنفاذ غضبه ، فإن عجز صار حقدا كامنا في النفس حتى تسنح فرصة لإنفاذه ، وفي مواضع القدرة يظهر معنى النهي المتقدم فهو نهي عما يلي الغضب من التعدي في القول أو العمل وكذلك النهي عن الضيق نهي عما يليه من اليأس والقنوط ، والعجز والقعود .
والنهي عن الحزن والضيق من لوازم الصبر فعطفهما عليه من باب عطف اللازم على ملزومه إمعانا في التوكيد كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .



إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ :
تذييل لما تقدم من الأمر بالصبر ، ومن آكد صوره ، كما تقدم ، الصبر عن شهوة البغي والتعدي في استيفاء الثأر من العدو ، فإنما قوتل ابتداء على سبيل الديانة لا على سبيل الحمية ، على حد حديث أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
فلو أسلم الحربي لصار من جماعة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، ولانقلبت العداوة ولاية ، والبغض محبة ، فتلك معاقد الولاء والبراء التي تناط بها همم الموحدين ، ويوم تبدلت المناطات فصارت قومية بعد أن كانت دينية شرعية ، تخلفت المعية الربانية الخاصة : معية النصرة والتأييد ، فصار القتال : جيشا لجيش ، وعتادا لعتاد ، وجند الباطل أكثر عددا ، وأوفر عدة ، فالسنة الكونية قاضية بظهورهم على أهل الإسلام المفرِّطين ، وليس بين الله ، عز وجل ، وبين عباده أنساب إلا الطاعة : علة التمكين التي يدور معها وجودا وعدما ، وليس التمكين : تمكين أبدان فحسب ، فقد يمكن الإنسان إملاء واستدراجا ، أو عقوبة لمفرِّط فيتسلط عليه بما عنده من القوة ، وإنما التمكين : تمكين أديان ابتداء يلحقه تمكين الأبدان إذ صلاحها بصلاح الأديان ، وصلاح الأديان بالسير على طريق النبوات الهادية ، فهي مادة صلاح هذا الكون ، إذ بها ينعم الموافق ويأمن المخالف ، على حد قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، فبقاء النبوات أمان من نزول عذاب الاستئصال ، والإيمان بها استدفاع له ، فبالسنة الشرعية تدافع السنة الكونية وتلك طريقة أهل الإيمان في مباشرة الأسباب ولا يكون ذلك إلا فرعا عن قلب عمره التوكل ، وهو من أعظم وأعسر العبوديات لا سيما في زمن طغت فيه الأسباب المادية المحسوسة ، فصارت هي المعيار الوحيد في قياس الأمور ، فذلك ، أيضا ، من المقامات التي لا ينفع فيها كثير كلام ، فهي من جهة القول : يسيرة خفيفة على اللسان ، ومن جهة الفعل : عسيرة ثقيلة على النفس ، فلا : (يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، ولو كانت هينة لنالها كل مريد ، ولكنها عزيزة لا تنالها إلا النفوس الكبار ، والكلام عن أصحاب تلك النفوس ذريعة إلى التشبه بهم ، وإن كان اللحاق بركابهم أمرا عسيرا ، فــ : (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) ، وفي ذلك سلوى لمن بطأ به السير ، فحسبه أن يسدد ويقارب ، ويسير على الطريق ولو ثقلت خطواته ، فلا ينقطع لئلا يحرم ما يُنال بالنية إذا قصرت الهمة وضعف العزم ، و : (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) .

ولذلك حسن الفصل بين الآيتين ، إذ العلة والمعلول متلازمان ، كما تقدم مرارا ، فبينهما شبه كمال اتصال يحسن معه الفصل ويقبح الوصل بعاطف أو نحوه ، وصدرت بــ : "إن" المؤكدة ، والتوكيد يحسن في مقام التعليل .

والمعية : معية نصرة وتأييد بقرينة السياق ، فمادة : "مع" : أصل في مطلق المصاحبة ، فلا يلزم منه إثبات الحلول أو الممازجة أو نفيهما ، وإنما القرينة هي التي تدل على مراد المتكلم ، وآكدها في معرفة ذلك لا سيما في نصوص الإلهيات التي لا يدرك العقل حقيقتها الخارجية ، آكدها : القرينة السياقية اللفظية ، إذ السياق أصل في معرفة مراد المتكلم .
فقد يراد بها الممازجة في نحو : مزجت اللبن مع الماء ، وهذا معنى لا يليق في حق الله ، عز وجل ، بل هو في غاية الفساد ، إذ يلزم منه وصف الخالق ، عز وجل ، بأوصاف المخلوق ، وذلك عين الانتقاص ، فإنه لا بد أن يفقد المتمازجان أو المتحدان من أوصافهما ما يقع به الاتحاد بينهما ، كاللبن الذي يفقد من قوامه ما يفقد إذا امتزج بالماء ، والماء الذي يفقد من شفافيته ما يفقد إذا امتزج باللبن ، ليتولد من امتزاجهما وسيط لا يوصف بأوصاف أحدهما على جهة الإطلاق ، وتصور ذلك في حق الرب ، جل وعلا ، وإن قال به بعض مجانين البشر من عباد الصلبان ومن سار على طريقتهم من غلاة أهل الحلول والاتحاد ، تصوره يثير في النفس الاشمئزاز تنزيها للباري ، عز وجل ، أن يعتريه من أوصاف النقص البشري ما يقدح في كماله الذاتي الأزلي الأبدي .

وقد يراد بالمعية :
المعية العامة على حد قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، فلا يستفاد منها مدح أو ذم ، إذ هي لكل حي ، بل لكل كائن ، فالله ، عز وجل ، معه بعلمه المحيط وقدرته النافذة ، معه بجنده الذين يحفظونه من أمره ، وأول الآية : "يَعْلَمُ" وآخرها : "بَصِيرٌ" شاهد بذلك ، على ما تقدم مرارا من كون القرينة السياقية أصلا في معرفة مراد المتكلم .
وكقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت" ، إذ ذلك يورث العبد دوام المراقبة لربه ، جل وعلا ، تصديقا بخبره وامتثالا لأمره ، فرعا عن معيته العامة له فلا يخفى عليه شيء من سكناته أو حركاته .

وقد يراد بها :
معية النصرة والتأييد :
كما في هذا السياق إذ قرينة تعليق حكم المعية على أوصاف التقوى والإحسان ، مئنة من كونها خاصة بعباده المتقين المحسنين ، فعلتها : أوصاف التقوى والإحسان التي اشتقت منها جملة الصلة والمعطوف عليها ، على ما تقرر مرارا ، من كون الإتيان بالموصول في معرض ترتيب الأحكام على الأوصاف مظنة تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه صلته ، فذلك من أبرز أغراضه البلاغية .

وعليه فإن احتراز بعض أهل العلم بحمل المعية في هذا السياق على المجاز في التأييد والنصرة ، قد يرد عليه أن دلالة اللفظ قد ظهرت بملاحظة السياق الذي ورد فيه ، فعموم المصاحبة : ظاهر لفظ : "مع" في لغة العرب ، ولكن ذلك الظاهر البسيط قد اقترنت به دلالة السياق على إرادة النصرة بتعليق الحكم على أوصاف التقوى والإحسان ، وهي أوصاف ثناء يصح تعليق معنى النصرة عليها ، فصار : "ظاهرا مركبا" في معنى النصرة والتأييد ، فزال إجماله بانضمام القرينة إلى اللفظ ، فالقول بأنه في هذا السياق : حقيقة في النصرة لما احتف به من القرائن أولى من القول بأنه مجاز ، إذ الأصل في الكلام حمله على الحقيقة ما أمكن فلا يصار إلى المجاز وهو الفرع إلا بعد تعذر حمله على الأصل .

وقد يراد بها :
معية الثواب : كما تقدم في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"

وحذف معمول التقوى مئنة من عموم الأمر ، وقد ذكره في مواضع أخر ، فيكون ذلك مما أجمل في موضع وبين في موضع آخر من التنزيل ، وذلك من آكد وأسلم طرق تفسير الكتاب العزيز ، إذ المتكلم أعلم بمراده ، ولا تكتمل صورة الاستدلال إلا بمطالعة النصوص على جهة الاستقراء الكلي ، لا الاستقطاع الجزئي ، كما يصنع أهل الأهواء الذين يقتطعون من النصوص : المتشابه الذي يشهد لمقالتهم ، ويعرضون عن المحكم الذي ينقضها نقضا على وزان : (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) ! .

فالتقوى قد تضاف إلى لفظ الجلالة : "الله" : ولفظ الجلالة اسم علم على الذات القدسية المتصفة بأوصاف وأفعال الكمال المطلق ، ومنها أوصاف الجلال متعلق التقوى .
وقد تضاف إلى عقاب الله أو مكانه أو زمانه ، كما في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) ، فالنار : جنس العقاب ومكانه ، فبها يقع التعذيب وهي علم على محله ، و : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا) ، فالتقوى من ذلك اليوم لا فيه ، إذ قد انقطع التكليف في دار الجزاء .

وفي السياق ترقٍ من الأخص إلى الأعم ، فإن التقوى من جهة الحد : أخص من الإحسان الأعم فهو أعلى مراتب الدين ، كما في حديث جبريل عليه السلام ، وإن كانت أعم من جهة الأفراد : فالمتقون أكثر من المحسنين ، كما أن المسلمين أكثر من المتقين .

وتقديم التقوى على الإحسان من باب التخلية قبل التحلية كما ذكر ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، إذ :
الأصل في التقوى الكف عن الرذائل ، ولذلك ترد دوما في سياق الترهيب مما يحذر : فيقال : اتق عذاب الله ، أو : غضبه ، أو : اتق شر من أحسنت إليه .
والأصل في الإحسان التحلي بالفضائل وذلك لا يكون إلا بعد تخلية المحل من المعائب فهو بمعنى الترغيب أليق ، كما أن التقوى بمعنى الترهيب أليق ، وجنس الترغيب في فعل المأمورات أشرف من جنس الترهيب من ارتكاب المحظورات ، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن القيم ، رحمه الله ، إذ الأول مراد لذاته فعلا بينما الثاني مراد لغيره تركا فهو بمنزلة السياج الحامي للأول .

وإيراد التقوى بصيغة الفعل مئنة من الحدوث والتجدد بخلاف إيراد الإحسان بصيغة الاسم فذلك مئنة من الثبوت والاستمرار ، إذ قد صار ملكة راسخة وشيمة أصيلة فيهم ، وذلك مما يشهد ، لما تقدم ، من معنى الترقي من التقوى إلى الإحسان .






ومن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا : نداء يسترعي الانتباه في معرض تقرير المنة الربانية .
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ : ذكر شكر وثناء ، وأجملت النعمة تشويقا ، وأضيفت إلى الله ، عز وجل ، تشريفا ، إن أريد بها ذات النعمة ، أو إضافة وصف إلى موصوفه ، إن أريد بها وصف إنعام الله ، عز وجل ، عليهم ، وهو وصف فعل متعد به تقع النعمة على سبيل التجدد ، فنعم الله ، عز وجل ، لا تنقطع عن عباده ليل نهار ، سواء أكانت نعما كونية عامة تعم المؤمن والكافر ، أم نعما شرعية خاصة يستأثر بها المؤمن ، إذ خص بمزيد فضل من الرب تبارك وتعالى .
وإضافة النعمة إلى الله ، عز وجل ، مئنة من عمومها ، وإن نزلت الآية على سبب خاص ، فإن ورود العام على سبب لا يخصصه ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وإن كان السبب مقدما على بقية أفراد العام من جهة دخوله في حد العام دخولا قطعيا لا يقبل النسخ أو التخصيص بخلاف بقية الصور فدخولها في حده ظني يقبل النسخ أو التخصيص ، فالعام يدل على السبب دلالة قطعية ويدل على بقية أفراده دلالة ظنية ، فتلك مزية السبب ، وهي مزية لازمة له لا تتعدى إلى بقية الأفراد بالإبطال ، فلا يهدر عموم النصوص بتخصيص متوهم ، وهذا أصل في نصوص التنزيل : حملها على العموم ما أمكن ، لئلا تهدر دلالاتها .

ودعوى التخصيص بلا دليل من أبرز سمات مناهج الاستدلال عند أصحاب المقالات الردية ، إذ يتصرف في النصوص بالتأويلات الباطلة التي لا يشهد لها نقل أو عقل أو لسان ، فتخصص عموماتها وتهدر دلالاتها انتصارا لمقالة حادثة أو نحلة فاسدة .

إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ : بدل أريد بالحكم ابتداء فتقديم المبدل منه إنما كان توطئة له ، كما قرر النحاة ، فهو من قبيل البيان الوافي بعد حصول التشويق بإيراد المجمل ، فنعمة الله ، عز وجل ، التي خصت بالذكر بعد العموم الموطئ ، على سبيل التنويه بشأنها ، هي : كَفُّ أَيْدِيَهِمْ عَنْكُمْ .

وقد قيل في سبب نزولها أنه : ما جرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع غَوْرَث بن الحارث ، لما سل سيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعلق ، ثم أقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : "الله" ! قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا : من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "الله" ! قال : فَشَام الأعرابي السيف ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خَبَرَ الأعرابي ، وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه .

واستبعده صاحب "التحرير والتنوير" ، رحمه الله ، من جهة إطلاق القوم في الآية ، والمذكور في القصة واحد .
وقد يجاب عن ذلك بأن ذلك من باب إطلاق الجمع وإرادة الواحد ، فيكون ذلك من المجاز المرسل المفرد الذي علاقته : الكلية ، إذ أطلق الكل وأراد الجزء أو البعض ، على حد قوله تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فهو ، أيضا ، اسم جمع لا مفرد له من لفظه أطلق والمراد به واحد بعينه .


قال ابن كثير ، رحمه الله ، عقب إخراج هذه الرواية : وقال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا ، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي ، وتأول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } الآية .

وذلك مما يشير إلى كون الآية قد نزلت على سبب آخر ، فتأولها في هذا السياق ، إنما هو حملٌ لتلك الحادثة بعينها وهي من : الخاص على عموم لفظها ، فالصورة : صورة دلالة عام على حكم أحد أفراده ، وذلك مما يشهد لما تقدم من كون العام الوارد على سبب يدل على حكم بقية الأفراد فلا يخص بصورة السبب ، إذ حكمه جار عليها وعلى بقية الصور ، وإن كان حكمه عليها أقوى من حكمه على بقية الصور ، فدخولها في حده كما تقدم : قطعي ، ودخول بقية الصور : ظني .

وقد يحمل لفظ التأويل هنا أيضا : على تصديق الخبر على حد قول عائشة ، رضي الله عنها : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) ، فتأويل الخبر : تصديقه ، وتأويل الأمر كما في الحديث السابق : امتثاله ، فكأن تلك الواقعة قد جاءت مصدقة لنص التنزيل ، فيقال على سبيل المثال : يصح تأول قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) بهذة الواقعة ، وإن لم تكن سبب نزوله ، ويقال كذلك : كل آية أو حديث في عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : عصمة البلاغ يصح تأولها بهذه الواقعة إذ عمومها المعنوي يشملها ، وإن لم يكن لفظها دالا عليها بعينها ، فهي حادثة واحدة ، والنصوص الدالة على العصمة : متعددة . فلا يتصور كون تلك الحادثة بعينها سبب نزول خاص لكل تلك النصوص ، وإنما هي ، كما تقدم ، مما يندرج تحت عموماتها .

فتأويل الخبر : حقيقته التي توجد خارج الذهن إذا وقع ، فكأن وقوع تلك الحادثة حقيقة خارجية يصح تأويل الآية بها ، وإن لم تكن سبب نزولها ، فالعبرة ، كما تقدم ، بتحقق معنى الآية فيها على جهة العموم ، لا بدلالة مبناها اللفظي عليها على جهة الخصوص ، وذلك جار على ما سبقت الإشارة إليه من حمل النصوص على العموم ما أمكن لئلا تهدر دلالاتها اللفظية والمعنوية .


ويقال ذلك ، أيضا ، في قول محمد بن إسحاق ، رحمه الله ، في نزول الآية في عمرو بن جحاش الذي أراد قتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإلقاء حجر عليه كما في حادثة إجلاء بني النضير لما نقضوا العهد .
فعمرو بن جحاش واحد فيكون اللفظ في الآية مجازا فيه ، أو حقيقة باعتبار الماهية ، أو حقيقة بالنظر إلى مجموع المتآمرين ، فلم يكن ابن جحاش وحده المتولي لتلك الجناية بل صدر عن رأي جماعة أشراف بني النضير ، فهم في الوزر سواء .

وذكر صاحب التحرير والتنوير ، رحمه الله ، احتمالات في تعيين أولئك القوم ، منها ما تقدم ، ولم يرتض منها شيئا ، بل مال إلى الترجيح بموضع آخر من التنزيل ، على طريقة المحققين من أهل العلم في تفسير آي التنزيل بالتنزيل ما أمكن ، فهو أول ما يفزع إليه في هذا الشأن ، فقال :
"وقد ذكر المفسّرون احتمالات في تعيين القوم المذكورين في هذه الآية . والّذي يبدو لي أنّ المراد قوم يعرفهم المسلمون يومئذٍ ؛ فيتعيّن أن تكون إشارة إلى وقعة مشهورة أو قريبة من تاريخ نزول هذه السورة . ولم أر فيما ذكروه ما تطمئنّ له النّفس . والّذي أحسب أنّها تذكير بيوم الأحْزاب ؛ لأنّها تشبه قوله : { يأيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } [ الأحزاب : 9 ] الآية" . اهــ
فجعل التشابه في المعنى فرعا عن التشابه في اللفظ .

والشاهد مما تقدم : أنها نعمة ربانية جليلة : كفاية الله ، عز وجل ، المسلمين ، شر القتال ابتداء ، كما وقع يوم الأحزاب ، فلا يعدل العاقل بالسلامة شيئا ، كما تقرر في مواضع سابقة ، وإنما أمر المسلمون ببذل الأسباب ، مع كمال التسليم لرب الأسباب ومجريها ، عز وجل ، وفق سننه الكونية النافذة ، فبيده ملكوت كل شيء ، فقلوب الأعداء وأبدانهم تحت مشيئته ، فلو شاء لانتصر منهم ابتداء ، ولكنه قدر القتال إظهارا لمعاني حكمته الباهرة في جريان سنة التدافع الكونية ، وإظهارا لمعاني قدرته النافذة في ظهور الحق وإن قل عدده وعتاده ، على حد قوله تعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) .

وتلك من صور افتقار العباد إلى ربهم ، عز وجل ، وهو افتقار لازم لا ينفك عنهم ، ولكنه يظهر في أوقات الشدة ما لا يظهر في أوقات الرخاء ، ففي ميدان النزال : يفتقر العباد إلى غوث ربهم ، عز وجل ، بإجراء أسباب النصر ، إذ النصر من جملة المولدات التي تحصل بفعل العبد المقدور له ، فهذا حد التكليف الشرعي ، وبأسباب خارجة عن قدرته ، فهذا حد التأييد الكوني ، تأييد : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) ، فلا غنى للعبد عن ربه ، عز وجل ، في إقداره على مباشرة السبب على جهة التكليف ، وحصول المراد على جهة التأييد .
وفي قوله تعالى : (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) :
كناية أولى عن شدة سطوة العدو ، إذ بسط اليد مظنة التمكن من تناول الشيء على جهة القهر ، ولا تمنع تلك الكناية من إرادة المعنى الحقيقي إذ لا يقع العدوان عادة إلا باليد ، فهي أداة العراك الرئيسة ، وإن وقع بغيرها فعلى سبيل التبع ، فذكرها من باب : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ، وإنما تكتسب الذنوب باليد والعين والقدم ........ إلخ ، وإنما ذكرت اليد تغليبا ، فلا مفهوم لها ، بل يعم البسط في الآية كل صور البسط بالسوء على حد قوله تعالى : (ويبسطوا إليكم أيديَهم وألسنتهم بالسوء) ، وفي الإتيان بالمضارع : "أن يبسطوا" : استحضار لصورة منقضية إمعانا في التذكير بالنعمة الربانية وفي مقابل هذه الكناية :
كناية أخرى عن ردعهم وزجرهم عما هموا به من العدوان ، فالكف مظنة الرد بقوة في مقابل البسط على سبيل التعدي والجور ، فالكلام جار على سبيل الطباق بين : البسط والكف ، على وزان : لا يفل الحديد غير الحديد ، وذلك آكد في تقرير ، ما تقدم ، من المنة الربانية ، بزجر أولئك وكفهم في مقابل همهم الجازم بإيقاع الأذى بالمؤمنين .
وَاتَّقُوا اللَّهَ : فذلك لازم النعمة الربانية ، فبعد الامتنان بعطاء الربوبية : ربوبية النصرة والعناية ، جاء النص على لازمها من الأمر بإفراد الرب القادر ، عز وجل ، بالألوهية ، إذ التقوى بفعل المأمور واجتناب المحظور من آكد صورها ، إن لم تكن هي الدين كله ، فمداره على : تصديق الخبر وامتثال الشرع .
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : إظهار في موضع الإضمار تربية للمهابة ، كما اطرد في كلام المفسرين ، فضلا عن دلالة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير ، والتعريض بتعليق الحكم على وصف الإيمان فهو يفيد ذم من لم يقم به ذلك الوصف على حد : وعلى الله فليتوكل المؤمنون وحدهم أما الكافرون فلا حظ لهم في هذه العبودية الجليلة ، فهم بمنأى عنها ، فرعا عن نأي قلوبهم عن التصديق والإقرار الموجب لكمال التسليم والانقياد الظاهر والباطن .
وذكر التوكل في مقام رد العدوان فيه من تناسب المعنى ما يلتئم به السياق ، فالشدة ، كما تقدم ، مظنة استخراج عبوديات التوكل والاستغاثة والاستعانة .......... إلخ من عبوديات القلب المفقودة في الأعصار المتأخرة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من ايات القتال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: القسم الاسلامي :: الواحة الإسلامية-
انتقل الى: