واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 من ايات القتال

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:11


ومن قوله تعالى : (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ : توكيد بإيراد المصدر النائب عن عامله ، فدلالته في الثبوت المؤكد على وجوب الفعل أقوى من دلالة عامله المحذوف الذي يفيد التجدد بمادته ، فكأن الأمر ثابت بداية فلا مجال للتردد أو المناقشة فيه ، فهو : حتم لازم .
وإلى ذلك أشار أبو السعود ، رحمه الله ، بقوله :
"{ فَضَرْبَ الرقاب } أصلُه فاضربُوا الرقابَ ضرباً فحُذفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ وأُنيبَ مُنابَهُ مُضافاً إلى المفعولِ ، وفيِه اختصارٌ وتأكيدٌ بليغٌ" . اهــ
ووجه الاختصار فيه أنه لا يجمع بين البدل والمبدل منه في سياق واحد حذرا من التكرار المعيب ، فيكتفى بإيراد أحدهما دالا على نفسه أصالة وعن الآخر نيابة ، فيتحقق التوكيد معنى والاختصار لفظا .
وضرب الرقاب : كناية عن القتل فإنه يكون بغير ضرب الرقاب ، ولكن الأظهر في ذلك الزمان : زمان القتال بالسيف ، حصول القتل بضرب العنق ، فهو أحق أفراد عموم القتل بالذكر ، آنذاك ، ولكل زمان سيفه ، فلا يعني ذكر فرد من أفراد العموم تخصيصه ، وإنما المراد وقوع النكاية بالقتل المشروع بلا تحريق أو مثلة على تفصيل ليس هذا موضعه .


حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ : فيوقع القتل المنكي فيهم أولا ، ثم يتخذ الأسرى منهم ثانيا ، فكنى بذكر الوثاق عن الموثَق به ، إذ لا ينفك الأسير غالبا عن وثاق يقيده .
فالأمر على ذلك للندب ، إذ ليس اتخاذ الأسرى بواجب ، وإنما هو تبع للمصلحة الشرعية التي تتفاوت تبعا لتفاوت الحال ، فيكون اتخاذهم أسرى أحيانا أولى ، ويكون قتلهم أحيانا أخرى أولى ، ولا ينظر في ذلك إلا أولوا الأمر والعلماء الربانيون الذين يملكون آلة الاجتهاد طلبا للمصلحة العظمى إذا تعارضت المصالح ، فالمصلحة في تلك الصورة مترددة بين : قتلهم لإحداث النكاية في العدو ، وإبقائهم للفداء أو المن عليهم إن كان يرجى إسلامهم ......... إلخ .
ولذلك قال : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) ، وفيه إيجاز بحذف العامل وجوبا لدلالة المصدر النائب عنه عليه فلا يجمع بين البدل والمبدل منه كما تقدم .
فتقدير الكلام : فإما تمنون منا وإما تفدون فداء ، فأما : تفريعية لأوجه القسمة العقلية في شأنهم .

ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ : كونا فالله ، عز وجل ، قادر ابتداء على إفنائهم بقدرته الكونية النافذة .
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ : شرعا فيستخرج بكفر الكافر المراد لغيره : إيمان المؤمن وقيامه إلى جهاد الكافر بالحجة والبرهان والسيف والسنان .......... إلخ من الحكم الشرعية المرادة لذاتها ، فالأمر دائر بين : إرادة كونية نافذة تقع بها الحوادث سواء أكانت طاعات أم معاصٍ ، وإرادة شرعية آمرة لا تتعلق إلا بمحاب الله ، عز وجل ، وقد تقع إن شاء الله ، عز وجل ، ذلك فتكون فضلا في حق الطائع ، فلا يصطفي الله ، عز وجل ، لطاعته ، ومن أعظم صورها : الجهاد ، إلا من تفضل عليه بالهداية وتحمل المشاق طلبا لرضاه ، تبارك وتعالى ، وهو أجل الغايات ، وقد لا تقع ، فتكون عدلا في حق العاصي ، فيخذله الله ، عز وجل ، فيقعد عن الطاعة ، ويقعد عن الجهاد ويركن إلى الدنيا ، كما هو حال أمة الإسلام اليوم .
يقول ابن القيم ، رحمه الله ، في "مدارج السالكين" :
"وقد أجمع العارفون بالله : أن (التوفيق) هو أن لا يكلك الله إلى نفسك وأن (الخذلان) هو أن يخلى بينك وبين نفسك فالعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا فيطيعه ويرضيه ويذكره ويشكره بتوفيقه له ثم يعصيه ويخالفه ويسخطه ويغفل عنه بخذلانه له فهو دائر بين توفيقه وخذلانه فإن وفقه فبفضله ورحمته وإن خذله فبعدله وحكمته وهو المحمود على هذا وهذا له أتم حمد وأكمله ولم يمنع العبد شيئا هو له وإنما منعه ما هو مجرد فضله وعطائه وهو أعلم حيث يضعه وأين يجعله ؟ .
فمتى شهد العبد هذا المشهد وأعطاه حقه علم شدة ضرورته وحاجته إلى التوفيق في كل نفس وكل لحفظ وطرفة عين وأن إيمانه وتوحيده بيده تعالى لو تخلى عنه طرفة عين لثل عرش توحيده ولخرت سماء إيمانه على الأرض وأن الممسك له هو من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فهجيرى قلبه ودأب لسانه : (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) ودعواه : (يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك)" . اهـــ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ : خبر سيق مساق الشرط في معرض الإلهاب والتهييج على الامتثال .
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ : إطناب في مقام الوعد حضا على امتثال الأمر .
والهداية الشرعية في الدنيا موصلة إلى الهداية في الآخرة بمعرفة منازلهم في الجنة فهم أعرف بها من منازلهم في الدنيا .

وقال بعض أهل العلم : عرفها لهم ، أي : طيبها لهم ، من : "العَرْف" وهو : الريح الطيبة ، ولا إشكال في الجمع بين المعنيين لعدم تعارضهما فقد عرفهم مكانها وعرفها لهم فهي طيبة النشر وذلك من تمام النعيم .

وإلى طرف مما سبق أشار أبو السعود ، رحمه الله ، بقوله :
"(وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ) : في الدُّنيا بذكرِ أوصافِها بحيثُ اشتاقُوا إليها أو بيَّنها لهم بحيثُ يعلم كلُّ أحدٍ منزلَه ويهتدي إليهِ كأنه كان ساكنَهُ منذُ خُلقَ وعن مقاتل : أنَّ الملكَ الموكلَ بعملهِ في الدُّنيا يمشي بين يديِه فيعرفُه كلَّ شيءٍ أعطاهُ الله تعالى . أو طيَّبها لهم من العَرْفِ وهو طيبُ الرائحةِ ، أو حدَّدها لهم وأفرزَها ، من عَرفُ الدَّارِ فجنةُ كلَ منهم محددةٌ مفرزةٌ" . اهـــــ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:13


ثم تطرقت الآيات إلى القانون العام والسنة الربانية المطردة في هذا الباب :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ :
فالشرط قد سيق مساق الإلهاب والتهييج ، كما تقدم ، مرارا ، فله منطوق النصر بتحقق الشرط ، ومفهوم الهزيمة ، كما هو واقعنا اليوم ، بتخلف الشرط ، ففي السياق : جناس ومشاكلة بين النصرتين : نصرة العبد ربه بتصديق وحيه واتباع شرعه ، فيصدق العمل العلم ، ونصرة الرب عبده في ساحات الجهاد كافة ، فليس الأمر مقصورا على ساحة الوغى ، فتلك صورة من صور الجهاد ، ولكل ساحة سلاحها ، فالسنان سلاح الأبدان ، والبرهان سلاح الألباب ، فإن قصرت همتك عن نصرة الحق في ساحة ، فلا أقل من ملء ثغرة في ساحة أخرى ، ولكل طاقته ، ولا يكلف الله ، نفسا ، إلا وسعها ، فالقدرة مناط التكليف ، ومن حيل الشيطان قصر أبواب الخير على أبواب بعينها قد يعجز عنها المكلف ، فيصيبه الغم لفواتها ، فينصرف عن غيرها ، ودين الله ، عز وجل ، يتسع لكل المكلفين ، فمنه ما يلائم القوي ، ومنه ما يلائم الضعيف ، ومنه ما يلائم الشجاع ومنه ما يلائم الجبان ......... إلخ .
وعند الطبراني ، رحمه الله ، من حديث : الْحُسَيْنِ بن عَلِيًّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي جَبَانٌ ، وَإِنِّي ضَعِيفٌ ، قَالَ : "هَلُمَّ إِلَى جِهَادٍ لا شَوْكَةَ فِيهِ ، الْحَجُّ" . اهـــ

[b]وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
: فعطفه على عموم النصرة : عطف خاص على عام ، فتثبيت الأقدام صورة من صور النصرة ، وهو كناية عن التأييد ، فقد تكون القدم أيضا : حسية في موضع القتال بالأبدان ، فلا تمتنع إرادة الحقيقة ، كما تقرر في حد الكناية عند البلاغيين ، فيكون التثبيت للقلب كناية ، وللقدم حقيقة ، وخصت القدم بالذكر لأن بثباتها ثبات بقية البدن ، كما خص القلب بأوصاف الجرأة والشجاعة إذ هو محلها ، وقد تكون القدم : معنوية في موضع الجهاد بالحجة والبرهان ، فقد يكون الحق مع المستدل ، ولكن لسانه يعجز عن إفهامه ، فيخذل الحق ، لا لعيب فيه ، وإنما لعيب في صاحبه ، فالحق بلا حجة ، كالسهم بلا رام ، فمهما بلغ من جودة الصناعة ، فإنه لا أثر له ، ولا نكاية له في العدو إذ لم يصبه أصلا ! ، ومن كلام بعض المفكرين المعاصرين من أهل مصر ممن شهد لهم بالفضل وسطوع الحجة ما معناه : الإسلام قضية رابحة ولكن المحامي فاشل ! ، فيخسر أصحاب الدعوى القضية كما خسرها المسلمون اليوم ، لا لأنهم على باطل ، ولكن لأنهم محامون فاشلون ، لا يصلحون للعمل في مهنة المحاماة ولو : تحت التمرين ! .

وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ :
بيان لحال الطرف الثاني من القسمة الثنائية العقلية : مؤمن وكافر ، على ما اطرد في الكتاب العزيز من الجمع بين المتقابلات زيادة في البيان .
والخبر دعائي ، وهو آكد في النكاية من الخبر الصريح ، على مذهب من يجوز وقوع الإنشاء خبرا ، ومن لا يجوز ، فإنه يقدر محذوفا يلائم السياق ، فتكون الصورة عنده صورة : إيجاز بالحذف ، على تقدير : والذين كفروا مقول فيهم : تعسا لهم ، وأطنب في وعيدهم نكاية فيهم فلهم من الله ، عز وجل ، التعاسة ، جزاء وفاقا ، فهي عقوبة كونية فرعا عن مخالفة الأمر الشرعي ، و : أضل أعمالهم ، وحذف الفاعل للعلم به ، ووقع فعل الإضلال على الأعمال ، وإن كان الضال حقيقة هم أصحابها ، على وزان قوله تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ، وهم الضالون .
وفي هذه الآية دليل على أن الله ، عز وجل ، يهدي من يشاء فضلا ، ويضل من يشاء عدلا ، فإضلاله لهم : حقيقة لا مجاز ، فليس إضلاله لهم : تسميتهم ضلالا ، كما زعمت القدرية ، وإنما أضلهم بحجب نور الحق عن قلوبهم وغلق منافذ الهدى إليها ، إذ سبق في علمه الأزلي بمقتضى حكمته البالغة أنهم ليسوا أهلا للإيمان ، وإن خوطبوا به شرعا ، إذ في إيمانهم فوات حكم تفوق حكمة هدايتهم إلى الحق ، وللرب ، جل وعلا ، حكمة تعجز عقول البشر عن إدراكها ، فالسلامة كل السلامة الكف عن الخوض في دقائقها ، ولا يستغني العبد عن توفيق الله ، عز وجل ، بتيسير الخيرات ، وصرف المنكرات ، وفي الحديث : "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ" .
فلا التزام بالأمر الشرعي إلا إذا شاء الله ، عز وجل ، ذلك بإرادته الكونية النافذة تفضلا وتمننا منه على عبده ، فليس للعبد سابقة عند الرب ، وإنما يستعين به كونا : "إياك نستعين" ، ليسدده شرعا : "إياك نعبد" . وكل من وكل إلى نفسه خذل ، فكم من همم فترت وكم من عزائم فسخت ، وذلك أمر مشاهد ومجرب . عافانا الله من سوء الخاتمة .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ :
بيان لعلة ما نالهم من العقاب العظيم ، وأي عقاب أعظم من صد العبد عن سبيل الهدى ؟! ، فذلك : على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا باسم الإشارة المستعمل للبعيد .
كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ : من الكلمات الشرعيات الآمرات .
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ : بقدره الكوني النافذ ، فصدوا عن السبيل جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد .

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا :

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ : استفهام إنكاري توبيخي ، يزداد معنى الإنكار فيه جزالة بتقدير محذوف من قبيل : أقعدوا فلم يسيروا في الأرض ، فيلحقهم الذم من جهة القعود وعدم السير : سير التدبر في الآيات الكونيات الباهرات .
فَيَنْظُرُوا : نظر تأمل واعتبار .
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ : إجمال تلاه البيان : دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ . وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا : طردا على ما اطرد في الكتاب العزيز من الطرد ، فيفيد السياق نجاة المؤمنين عكسا ، فمن آمن فله العمار ، ومن كفر فله الدمار ، سنة كونية جارية لا تتخلف ، مصداق قوله تعالى : (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ :
فما تقدم فرع عن ولاية النصرة والتأييد للمؤمنين في مقابل عدمها للكافرين ، ففي السياق : طباق بالسلب ، إذ أثبت المولى للمؤمنين ، وأعظم به من مولى وناصر ! ، ونفاه عن الكافرين ، وإن كان لهم أولياء غير الله ، عز وجل ، فولايتهم عند التحقيق : كلا ولاية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:16



ومن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ففيه النداء في معرض التنبيه معلقا على وصف الإيمان المستلزم لامتثال الأمر الشرعي على ما اطرد مرارا ، ولا يعني ذلك قصره عليهم بل هو لهم : أصل ، وغيرهم عنهم : فرع ، وإنما خصوا بالذكر إذ هم مظنة الامتثال ، فهم أولى الناس بخطاب التكليف لاستيفائهم شروطه ، وإن كلف به غيرهم ، فرعا عن التكليف الأول : تكليف الإيمان .
لا تَكُونُوا : شرعا ، فالنهي في أفعال العباد الاختيارية يتعلق بالتكليفات الشرعية لا المقدرات الكونية ، فلم يؤمروا بمباينة الكفار في الخلقة البشرية ، أو الخصائص الآدمية ، فإن التكليف إنما يكون بأمثال : لا تكفر لا تقتل .......... إلخ ، لا بأمثال : لا تأكل لا تشرب ........ إلخ من الأمور التي يشترك فيها البشر جبلة .
كَالَّذِينَ كَفَرُوا : فيه طباق بالإيجاب بين الإيمان والكفران يهيج السامع على التحلي بالأول والنفور من الثاني .
وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى :
عطف متلازمين ، أو : عطف خاص على عام فإن فساد القول في مقالة القدر خاصة ، فرع عن فساد القول في مقالة الإيمان عامة ، فالمقالات الفاسدة متلازمة واعتبر بأقوال أهل الملل الباطلة والنحل المبتدعة كيف انتقلوا من باطل إلى باطل ، فحادوا شبرا وانتهوا أميالا ، كما ذكر بعض المحققين من أهل العلم ، ويقال أيضا : فساد العلم والعمل متلازمان ، فإن فساد عملهم بالقعود عن الضرب في الأرض وترك الغزو فرع عن فساد علمهم في باب القدر ، فمبنى الأمر على : الإيمان بالأمر الكوني القدري وامتثال الأمر الشرعي الحكمي ، فلا يغني حذر من قدر ، ولا يحتج بقدر على معصية أو تفريط ، وإنما يحتج به في المصائب الكونية التي لا يملك المكلف لها دفعا ، أو المعايب الشرعية إذا تاب العبد منها وأقلع ، بخلاف من هو قائم على الذنب مصر على المعصية فإن احتجاجه بالقدر احتجاج الذين أشركوا في قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) .

وفي الإتيان بظرف الاستقبال في قوله : "إِذَا ضَرَبُوا" استحضار للصورة ، وذلك مما يقرب المعنى إلى الأذهان .


لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا : لف ونشر مرتبان فمقابل : الضرب في الأرض : مصيبة الموت في سبيل طلب الرزق ، ومقابل الغزو : منحة القتل في سبيل الله ، وليس من مات في سبيل مباح ، وإن لم يلحقه الذم ، كمن مات في سبيل واجب أو مندوب .
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ :
اللام : لام التعليل ، والجعل : كوني قدري ، فقد قدر الله ، عز وجل ، ذلك عليهم لحكمة بالغة ، ونكرت الحسرة تعظيما وخص القلب بها لأنه موضعها ، فهو مستودع الأسرار ومحل الأفراح والأتراح ، فبه تقوم الأمور الوجدانية والمعاني النفسانية .
وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ : إبطال لمقالتهم في نسبة الحوادث إلى غير الله ، عز وجل ، على سبيل الاستقلال ، فهي أسباب قضاها الله ، عز وجل ، عليهم أزلا ، والسبب لا يستقل بإحداث المسبَب حتى يشاء خالقه نفاذه ، فإن شاء أمضاه ، وإن شاء أثناه ، والطباق بالإيجاب بين : الإحياء والإماتة ، مستوف لأوجه القسمة العقلية في ذلك الأمر ، فالرب ، جل وعلا ، هو المتفرد القادر على الشيء وضده ، فهو الذي : يحيي ويميت ، ويعطي ويمنع ، ويعز ويذل ......... إلخ .
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : تذييل معنوي يناسب السياق ، فهو ، عز وجل ، عليم ، بما يعملون ظاهرا ، وما يعتقدون باطنا ، ومناسبة البصر لعمل الجوارح أظهر ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .
وقرئ بالياء : "يعملون" : فيكون تهديدا لهم تحذيرا لغيرهم على سبيل التعريض ، كما أشار إلى ذلك ، أيضا ، أبو السعود رحمه الله .

وأظهر لفظ الجلالة في : "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" في موضع الإضمار ، فالقياس : "وهو بما تعملون ........." تربية للمهابة في مقام الوعيد والتحذير وذلك مما يلائم السياق ويزيده بيانا وجزالة






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:18



ومن قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158))
قسم في معرض التوكيد على بطلان مقالتهم ، فهو منزل منزلة الإضراب المبطل لها ، واللام موطئة لقسم محذوف فاستغني بذكرها عن ذكره إيجازا بالحذف ، كما اطرد في آي الكتاب العزيز فلا يجمع بين أمرين يغني ذكر أحدهما عن ذكر الآخر ، تفاديا للتطويل بتكرار لا طائل من ورائه .
وقد وقع الإيجاز من وجه آخر ، إذ اجتمع في صدر الآية : قسم وشرط يطلب كلاهما جوابا فاستغني بجواب أحدهما عن جواب الآخر ، فجواب القسم : "لمغفرة" : ساد عن نفسه أصالة وعن جواب الشرط نيابة .
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ : استيفاء للقسمة المتقدمة : القتل في سبيل الله ، والموت حال الضرب في الأرض ، وقدم القتل إذ هو أشرف عاقبة من الموت حتف الأنف .
لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ : توكيد بلام الابتداء تنويها بما بعدها ، فأي شيء أعظم من مغفرة الله ، عز وجل ، وقد نكرت تقليلا ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، فأقل مغفرة منه ، جل وعلا ، خير مما يجمع الجامعون ، وأفعل التفضيل : منزوعة الدلالة ، فلا وجه للمقارنة بين مغفرة الله ، عز وجل ، وما يجمعون ، ليقال بأنها على حقيقتها ، و : "من" : لابتداء الغاية ، فهي قيد مراد للمتكلم ، ورد في سياق الامتنان ، فالتنبيه على عطاء الربوبية بالمغفرة مضافة إلى الله ، عز وجل ، فرع عن إتلاف المقاتل نفسه في قتال مضاف إلى الله ، عز وجل ، فكما التزم الأمر الإلهي بالقتال ، استحق العطاء الرباني بالمغفرة : استحقاق تفضل وامتنان من الله ، عز وجل ، فلا حق للعبد على ربه إلا ما كتبه الرب ، جل وعلا ، على نفسه ، تكرما منه على عباده ، ولو شاء لعذبهم غير ظالم لهم ، فهو المعافي فضلا ، المبتلي عدلا .
وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ : وعطفت الرحمة على المغفرة من باب : عطف اللازم على الملزوم ، أو النتيجة على السبب ، فلازم المغفرة وستر الذنوب : الفوز بالرحمة الخاصة : رحمة الرحيم بعباده المؤمنين ، ونكرت للتقليل ، أيضا ، على ما اطرد في سياق المنة الربانية ، فأقل مغفرة منه وأقل رحمة منه ، جل وعلا ، خير مما جمع الجامعون ، وكنز المكتنزون .
وحذف وصف الرحمة اكتفاء بالقيد الأول ، إيجازا بدلالة المتقدم على المتأخر . فتقدير الكلام : لمغفرة من الله ورحمة من الله .

وحذف عائد الصلة ، أيضا ، في : "يجمعون" على ما اطرد من الإيجاز بحذف ما دل عليه السياق أو استقر عند أهل اللسان جواز حذفه ، فشاع بينهم بلا نكير .

وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ : يقال فيه ما قيل في الآية السابقة ، وإنما قدم القتل هناك لكونه مما يتبادر إلى الذهن وقوع المغفرة بعده ، وقد ذيلت الآية بها ، وقدم الموت هنا ، لكونه مما يتبادر إلى الذهن وقوع الحشر بعده ، وقد ذيلت الآية به ، فهو عام لكل الخلائق : مؤمنين أو كافرين ، فليس فيه مزية توجب تقديم القتل في سبيل الله ، بخلاف المغفرة والرحمة التي يختص بها أهل الإيمان ، لا سيما الشهداء ، فذلك مما يوجب تقديم أصحابها .
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله :
"وقُدّم القتل في الأولى والموتُ في الثانية اعتباراً بعطف ما يظنّ أنّه أبْعد عن الحكم فإنّ كون القتل في سبيل الله سبباً للمغفرة أمر قريب ، ولكن كون الموت في غير السبيل مثل ذلك أمر خفي مستبعد ، وكذلك تقديم الموت في الثَّانية لأنّ القتل في سبيل الله قد يظنّ أنَّه بعيد عن أن يعقبه الحشر ، مع ما فيه من التفنّن ، ومن ردّ العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده" . اهـــ
فبدأ بالقتل فالموت فالموت فالقتل ، فانتهى بما بدأ به الكلام .

وقوله : "لإلى الله تحشرون" : فيه من فنون البلاغة : تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا ، فإلى الله ، عز وجل ، وحده ، تحشرون ، ففيه نوع إلهاب وتهييج على إخلاص النية في كل أمر إذ المآل إلى العليم بذات الصدور ، الخبير بمكنونات القلوب ، فلا تخفى عليه خافية من أمركم ، ولا ينفع معه تملق أو مداهنة كملوك الدنيا الذين تحشر لهم الجيوش ، وقد انطوت صدور أفرادها على الغل والحقد لهم ، فلا يطلعون على شيء منها ، وربما ، بل كثيرا ، ما يكون مصرع الملك على أيدي جنده الذين أظهروا الولاء وأبطنوا العداء ! ، وذلك مما اختص به الرب ، جل وعلا ، فلا يعلم ما تخفيه الضمائر إلا هو ، ولك أن تتصور حال البشر لو كانت صفحات قلوبهم مبسوطة للقراء ! . والحمد لله على نعمة الستر .
وتأمل تلك الآيات يقطع بكمال الرب ، عز وجل ، في مقابل نقص العبد ، ففيه من التعريض به بإظهار كمال خالقه ما يحمله على امتثال أمره الشرعي ، فإن من له تمام الربوبية : جلالا وجمالا ، هو المستحق وحده للعبادة تصديقا وامتثالا ، تصديقا بخبر النبوة الصادق ، وامتثالا لأمر الشريعة الحاكم .






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:21



ومن قوله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
فالتوكيد يلائم ما قد يرد في ذهن المخاطب من تعجب ، إذ صورة القتل المادية أمام ناظريه ، فناسب نفي تلك الصورة من ذهنه إيرادها مؤكدة إمعانا في تقرير الخبر ، وإنما يؤتى من يؤتى في هذا الباب من قياس أحكام دار البرزخ الغيبية على دار الدنيا المشهودة ، فليست الحياة كالحياة فرعا عن اختلاف الدارين ، فلكل دار أحكامها ، وقياس الغائب على الشاهد : قياس مع الفارق ، فحياتهم برزخية للروح منها الصدارة ، فهي الأصل والجسد فرع عنها ، بخلاف حياتهم الدنيوية فإن للبدن منها الصدارة ، فهو الأصل في النعيم أو العذاب ، وهي الفرع عنه ، فتنعم بتنعمه وتتألم بتألمه ، بل تفارقه إن فسد فلم يعد محلا قابلا لها .
فالنفي قد تسلط على الموت في دار البرزخ لا الموت المعهود في دار الدنيا ، فذلك حوض كل الناس عليه وارد ، ثم زيد في تقرير ذلك بالإضراب إبطالا : بل أحياء ، مع ما للطباق بالإيجاب بين : أمواتا وأحياء من تقرير للنفي بإيراد ضد المنفي في سياق الإثبات ، وقيد الحياة بقيدي : "عِنْدَ رَبِّهِمْ" و "يُرْزَقُونَ" ، احترازا عن الحياة الأولى ، وشرف المضاف من شرف المضاف إليه ، فحياتهم عند الله ، عز وجل ، أشرف من حياتهم عند غيره ، فرعا عن عظم قدره ، عز وجل ، بالنسبة إلى غيره .
وفي : "يرزقون" : تأكيدٌ لكونهم أحياءً وتحقيقٌ لمعنى حياتِهم ، إذ الرزق لا يجري إلا على حي كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .

وفي السياق أيضا : إيجاز بحذف مبتدأ الخبر : "أحياء" فتقدير الكلام : بل هم أحياء ، وتقديره يزيد المعنى توكيدا فهم لا غيرهم الأحياء عند ربهم ، بمنزلة من يقول : لست جانيا ، فيقول المدعي : بل أنت الجاني ، فهو بمنزلة : أنت لا غيرك الجاني توكيدا على ارتكابه الجناية






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 22:28



ومن قوله تعالى : (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)
فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ : صيغة مبالغة : "فرِح" تناسب سياق البشرى لمن قتل في سبيل الله ، فحالهم : الفرح بسبب ما آتاهم الله من فضله ، فليست الباء : باء عوض ، إذ لا يقدر أحد ، وإن قرض جلده في سبيل الله ، على استيفاء شكر المنعم ، جل وعلا ، بل هو ، عز وجل ، الذي يشكر القليل ، فينميه لصاحبه ، كما في حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا : (مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) ، فحال العبد من الشكر : العجز ، وحال الرب جل وعلا منه : القدرة بفضله وكرمه وكمال صفاته العلية ونفاذ مشيئته الربانية .
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ : إجمال للبشرى فيه نوع تشويق عقب بالبيان :
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : فلا خوف عليهم من حاضر أو آت ، ولا يحزنون على ماض . فاستوفى اللفظ القسمة العقلية لأحوال الإنسان .
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ : إطناب في مقام البشرى ، فيستبشرون بالمسبَب وهو النعمة ، والسبب : وهو فضل الله بإيتائها ، فما قتلوا في سبيله نعمة إلا بعد أن اصطفاهم لنصرة دينه فضلا ، وأي شرف أعظم من شرف الاستعمال في نصرة الحق وملء ثغوره ؟! .

وفيه إيجاز بالحذف من المتأخر : "وفضل" لدلالة المتقدم : "بنعمة من الله" على المحذوف ، فتقدير الكلام : يستبشرون بنعمة من الله وفضل منه .

وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ : تذييل يناسب ما تقدم فالله ، عز وجل ، لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وفي ذلك مزيد إلهاب على تصحيح المعتقد وتحرير النية وتجويد العمل ، إذ لا يخشى العبد ظلم الرب ، تبارك وتعالى ، كما يخشى العامل في الدنيا ظلم مالكه أو مستأجره





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 23:01



ومن قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)

صيغة المضارع فيها استحضار لذلك الموقف ، مع كونه ماضيا قد انقضى ، لما فيه من العبر ، فقد أرادوا شيئا وأراد الله ، عز وجل ، أمرا .

فظاهره محنة بمقارعة ذوي الشوكة ، وحقيقته : منحة بما جرى يوم بدر من ظهور للحق وانكسار للباطل مع ما نالوه من الغنائم ، فالنعمة يوم بدر سابغة : دينية بظهور الحق ، ودنيوية بنيل المغنم .
وقوله : "أنها لكم" : بدل مبين لإجمال ما قبله ، فيه من تقرير الوعد ما يحملهم على امتثال الأمر رجاء تحققه ، فإحدى الطائفتين لكم فلا ينفك الحال عن ظهور على الكفر وأهله .
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله : "وجملة : { أنّها لكم } في تأويل مصدر ، هو بدل اشتمال من إحدى الطائفتين ، أي : يعدكم مصيرَ إحدى الطائفتين لكم ، أي كونها معطاة لكم ، وهو إعطاء النصر والغلبة عليها بين قتل وأسر وغنيمة .
واللام للملك وهو هنا ملك عُرفي ، كما يقولون كان يومُ كذا لبني فلان على بني فلان ، فيعرف أنه كان لهم فيه غلبة حرب وهي بالقتل والأسر والغنيمة" . اهــ
وتودون : بحكم الجبلة البشرية التي تركن إلى السهل ، وفي قوله : "ذَاتِ الشَّوْكَةِ" : استعارة تزيد المعنى بيانا ، فلازم الشوكة المعروفة : الألم إذا غرزت في الجلد ، فكذلك سنان العدو إذا طعن به الجسد ، فالذهن ينتقل من الملزوم المذكور وهو الأداة التي تقع بها النكاية إلى لازمها وهو : الألم الذي تنفر منه النفوس جبلة .
وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ : إرادة كونية نافذة بأن هيأ أسباب اللقاء من غير ميعاد سابق ، وإرادة شرعية آمرة لكم بمناجزة العدو ، وإن كرهت نفوسكم القتال ، فتلك كراهة طبع لا يؤاخذ المكلف عليها ، ولا يتعلق بها الذم إلا إن تمادى صاحبها فصيرها حجة للقعود عن نصرة الدين ، فالعبد يسأل الله ، عز وجل ، السلامة في دينه وبدنه ما أمكن ، ولا يقعده ذلك عن مباشرة أسباب نصرة الدين ، ولا يحمله بذل السبب على استجلاب البلاء ، واستعجال المواجهة بلا تحضير سابق ، واصطناع الأعداء مع إمكان تأليف قلوبهم ، فيبذل السبب الشرعي تعبدا ، ويكل الأمر الكوني إلى مجري الأسباب ، جل وعلا ، فقد بذل وسعه و : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، فإن شاء الله ، عز وجل ، بارك عمله فضلا ، وإن شاء رده وأحبطه عدلا ، فإن أتي المكلف فمن قبل نفسه : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، وإن ظهر فمن قبل ربه : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) .
فأراد الله ، عز وجل ، يوم بدر : أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ : الكونيات النافذة ، ولازم ذلك أن : َيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ بهزيمة كاسحة ، فذيلت الآية بعطف اللازم على ملزومه ، إمعانا في تقرير الحكمة الربانية الباهرة في وقوع ذلك اللقاء بلا ترتيب سابق




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 23:07


ثم أكد الباري ، عز وجل ، تلك الحكمة الباهرة فقال : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)
فعطف بين متلازمين إذ : إحقاق الحق لازمه : إبطال الباطل ، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان سواء أكان ذلك في الجماعات أم الأفراد ، فالجماعة إما أن تحق الحق فترد ما تنازعت فيه من أمر دينها ودنياها إلى حكم الملك ، عز وجل ، وحكم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه صاحب الشريعة الخاتمة ، ففي أمر الدين : يكون الحكم مباشرا فإذا صح النقل سلم العقل ، وفي أمر الدنيا : يكون الحكم مباشرا كسائر أحكام المعاملات التي نص الشارع عز وجل على أحكامها وعليها يقاس ما استحدث من جنسها كصور الربا المعاصرة وما أكثرها ! ، أو غير مباشر كسائر المصالح المرسلة التي أطلقها الشارع ، عز وجل ، فلم يعتبرها ولم يلغها ، وإنما تركها للمكلفين ليجتهدوا في اعتبارها أو إلغائها بما يناسب المصلحة الشرعية فلها الاعتبار الأول في كل أمور الحياة . وإما أن تقر الباطل فتحكم نخالة أذهان فلان أو فلان من مشرعي البشر ، فتتعدد مصادر تلقيها بتعدد مشرعيها !! ، ولكل عقل ولكل هوى ولكل جدل عما شرع ولا فيصل بين تلك العقول المتنافرة إلا نصوص الوحي المنزلة
.

وقل مثل ذلك في الفرد فإنه إما أن يجعل الوحي سلطانا نافذ الحكم على أقواله وأفعاله ، وإما أن يجعله ديكورا يتجمل به أمام أقرانه ، فيصير الوحي آيا تتلى باللسان لا بالفِعال .


وفي طباق الإيجاب بين الحق والباطل ما يزيد المعنى بيانا بإيراد المتضادين في معرض إثبات أحدهما وإقراره ونفي الآخر وإنكاره .
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله :
" وأما قوله : { ويبطل الباطل } فهو ضد معنى قوله : { ليُحق الحق } وهو من لوازم معنى ليُحق الحق ، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل
كما قال تعالى : { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ } [ الأنبياء : 18 ] ، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر . ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعُمر بن أبي ربيعة : كم سِنّك فقال ابن أبي ربيعة وُلدت يوم مات عمر بن الخطاب ، فقال ابن عباس : «أي حق رُفع وأيّ باطل وضع» أي في ذلك اليوم" . اهــ
وفي : "يحق الحق" ، و : "يبطل الباطل" : جناس اشتقاقي إذ اللفظان في كل جملة قد اشتقا من مادة واحدة : "الحق" و : "الباطل" .
ولو كره المجرمون : إيجاز بالحذف دل عليه ما تقدم من قوله : "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ" ، فتقدير الكلام : ولو كره المجرمون إحقاق الحق وإبطال الباطل فإن الله سيقضي بذلك ، أو : ولو كره المجرمون ذلك إشارة إلى ما انقضى من الكلام .
والشرط قائم مقام الاحتراس ، فلا ترد إرادتهم إرادته ، عز وجل ، فلو كرهوا ظهور الحق فأعدوا له الحد والحديد ، فإن الله ، عز وجل ، ناصر دينه ، ولو قعد أتباعه عن ذلك ، فحاصل أمرهم : الذلة والمهانة ثم الاستبدال بقوم لا يكونوا أمثالهم ، وفي التنزيل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، و : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 23:11


ومن قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)

استحضار للصورة المنقضية إمعانا في تقرير المنة الربانية عليهم يوم بدر ، وذلك أمر اطرد في هذا السياق .

والخطاب في : "تستغيثون" : إما أن يكون على حقيقته فيكون الكل قد استغاث ، وذلك الظن بالصحابة ، رضي الله عنهم ، في ذلك الموطن ، فهم أحرص الناس على طلب المدد الرباني بعد استفراغ الجهد ببذل السبب العادي .
وإما أن يكون المستغيث هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرواية المشهورة في دعائه في عريشه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أشفق عليه الصديق رضي الله عنه . فتكون من باب إطلاق الكل وإرادة البعض ، فالصيغة : صيغة جمع والمراد واحد ، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، كما قيل في قوله تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، فــ : "الناس" الأولى : جماعة أريد بها واحد هو أبو سفيان ، رضي الله عنه ، أيام كان على الشرك ، و : "الناس" الثانية : كذلك أيضا ، وإن أريد بها واحد آخر هو نعيم بن مسعود ، رضي الله عنه ، أيام كان هو الآخر على الشرك . فتكون مجازا عند من يقول به بإرادة البعض بصيغة تدل على الكل فعلاقته : الكلية كما قرر مثبتو المجاز .
وهو عكس مجاز الجزئية في نحو قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) ، فالمخاطب واحد والمراد جماعة المؤمنين بقرينة ضمير الجمع في : "طَلَّقْتُمُ" ، وتلك قرينة لفظية سياقية كفيلة بمنع المجاز في ذلك الموضع إذ السياق قيد في فهم المعنى لا يخرجه عن الحقيقة .

والأولى في الاستغاثة أن تكون على حقيقتها لما تقدم من حرص الصحابة ، رضي الله عنهم ، على الاستغاثة بالله ، عز وجل ، في مواضع القتال .

ربكم : علق الاستغاثة على وصف الربوبية ، إذ تلك من أفعال الربوبية فلا يغيث المضطر إلا الرب ذو القدرة التامة والإرادة النافذة .
وفي إضافة اسم الرب إلى ضميرهم : مزيد إيناس لهم فهي ربوبية خاصة : ربوبية الحفظ والعناية . فليست الربوبيةَ العامة التي يصل عطاءها إلى المؤمن والكافر ، البر والفاجر ، بل تلك ربوبية لازمها النصر والتمكين ، فعطاؤها أجل ، عطاء : (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، و : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، و : (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) .
فاستجاب : الفاء تفيد السببية والفورية ، فاستجابته بقدره الكوني النافذ فرع عن امتثالكم الأمر الشرعي بالدعاء ، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى بذل السبب الشرعي ، كما يبذل السبب العادي من إعداد الجيوش وتجهيز السلاح ، بل الأول آكد ، إذ الأمر بيد الله ، عز وجل ، لا بيد فلان أو فلان من : صناع النصر ! الذين أضاعوا النصر الرباني بشؤم مقالاتهم فنسبوا عطاء الربوبية بالظهور على العدو إلى أنفسهم ، فسلب المسلمون ما أعطوا عدلا منه جل وعلا .
أَنِّي مُمِدُّكُمْ : بيان إجمال ما تقدمه على اختيار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، من كونها : تفسيرية توكيدية ، فهي مزيلة لإجمال ما تقدمها مؤكدة لما بعدها ، وذلك في معرض الامتنان بالإمداد الرباني أبلغ ، فدلالتها أقوى من قولك في غير القرآن : فاستجاب لكم بإمدادكم ......... ، وإن كان المصدر المؤول يؤول في نهاية الأمر من جهة المعنى الكلي إلى معنى المصدر الصريح ، ولكن يبقى أنه يمتاز عنه بالدلالة التوكيدية للحرف المصدري الذي أول منه ومن مدخوله .

وذلك الإمداد ، على ما تقدم ، إمداد رباني يتعلق بالإرادة الكونية النافذة ، فرعا عن التزام الأمر الشرعي الحاكم ، فهو إمداد مخصوص لا يجري مجرى العموم .

بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ : لتتحقق صورة السبب ، وإن كان الله ، عز وجل ، قادرا على نصرهم بكلمته التكوينية النافذة : "كن" ولكنه ، جل وعلا ، أقام شريعته على بذل الأسباب ويبقى النصر معلقا بإرادته النافذة : إن شاء نصر فضلا وإن شاء خذل عدلا





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالسبت 1 مايو 2010 - 23:17



ومن قوله تعالى : (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
قصر بأقوى أساليبه : النفي والاستثناء يناسب مقام الامتنان بالبشرى التي نكرت تعظيما فهي بشرى عظيمة الشأن جليلة القدر ، أيما جلال ، وقد يقال من جهة أخرى : إن القصر إضافي إذ لم يكن ذلك الإنزال لتلك العلة فقط فقد تعددت علله فهو : بشرى للمؤمنين ، وسبب في نصرهم ، وعذاب لعدوهم ، وجريان لسنة الله ، عز وجل ، الشرعية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ............... إلخ .
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ : إطناب في معرض الامتنان ، وهو ما يؤكد أن القصر إضافي إذ تلك علة جديدة ، وقدم المطمئِن ، بالكسر ، على المطمئَن ، بالفتح ، عناية بشأنه تقريرا لنعمة الله ، عز وجل ، أن تفضل به على الجيش الذي أخذ بالأسباب الشرعية فكوفئ بتصريف قلوب جنوده على الثبات ، في حين صرفت قلوب خصومه على الرعب ، فالتلازم مطرد بين تحقيق الأسباب الشرعية الآمرة والنصرة بالأسباب الكونية النافذة ، واسأل الكافر والعاصي عن سبب رهبته من المؤمن والطائع ، وإن كان أقل منه عددا وأضعف منه عدة ، فلا تجد إلا السنة الكونية التي يعجز عن تفسيرها من يقيم أمره على الأسباب المادية فقط ، فجماع الأمر : [b]شرع بأخذ أسباب المادة ، وقدر باستجلاب النصر ممن بيده مقادير الكون
، فكلمته التكوينية النافذة فيصل بين المتنازعين ، فينصر من شاء فضلا ويخذل من شاء عدلا .
وخص الطمأنينة بالقلوب إذ هي محلها .
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ : قصر حقيقي بأقوى أساليبه مؤكد لما تقدم من نفاذ أمره الكوني ، فلا نصر إلا بإذنه .
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : تذييل معنوي يناسب ما تقدم فهو بمنزلة الجواب المبين لعلة ما تقدمه ، فكأن المخاطب لما سمع قوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ، تولد في ذهنه السؤال عن سبب ذلك ، فجاء الجواب مفصولا بلا عاطف لشبه كمال الاتصال بينه وبين السؤال إذ هو علته ، والتلازم بين العلة والمعلول تلازم قوي يحسن معه الفصل ، فجواب سؤالك : لأن الله عزيز حكيم ، والتذييل بصفة العزة وهي من صفات الجلال يناسب سياق النصرة ، فلا ينصر إلا العزيز الذي لا ينال جانبه ولا جانب من التجأ إليه ، وهو الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها ، فينصر من يستحق فضلا ، ويخذل من لا يستحق عدلا ، فأفعاله جارية على مقتضى : قدرته النافذة وحكمته الباهرة ، وذلك فقه قدره ، عز وجل ، فالجمع بين : الحكمة ومتعلقها من الشرع ، والقدرة ومتعلقها من القدر من أنفع ما يحصله المكلف من العلم .





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 2 مايو 2010 - 2:02

نعم الجهاد هو الفريضة الغائبة


بارك الله فيكِ يااغالية

همسات الروح

جعله الله بميزانكِ

مودتي والتحيات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:39

أحمد الهاشمي كتب:
نعم الجهاد هو الفريضة الغائبة


بارك الله فيكِ يااغالية

همسات الروح

جعله الله بميزانكِ

مودتي والتحيات


احمد الهاشمي

اشرقت الأنوار بقدومك العطر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:50

ومن قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)
جريا على ما اطرد من استحضار الصورة بإيراد المضارع في بيان صورة منقضية استحضارا للمنة الربانية .
أمنة منه : فالنعاس في مواضع القتال من علامات الإيمان ، و : "من" لابتداء الغاية ، وابتداء غايته من الله ، عز وجل ، جار مجرى التشريف ، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، وذلك على وزان قوله تعالى : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ) ، فليس النصر من غير الله ، عز وجل ، كالنصر من عنده ، فذاك : غلبة مادية ، وهذا : ظهور حجة وبرهان بسيف وسنان الحق .


ومن جرب الغفوة اليسيرة التي تجدد النشاط عرف عظم امتنان الله ، عز وجل ، على أولئك النفر الكرام ، رضي الله عنهم ، بأن منحهم تلك الراحة القصيرة في زمنها العظيمة في نفعها في ذلك الموقف العصيب الذي يذهل فيه اللبيب ، فتجدد نشاطهم وصاروا أقدر على بذل السبب الشرعي في نزال عدوهم .

وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ : أي من السحاب ، فيكون في الكلام مجاز عند من يقول به ، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه ، ومن ينكر المجاز يقول : السماء كل ما علاك ، والسحاب يعلوك فهو سماء بالنسبة لك ، فقد نزل المطر من العلو حقيقة لا مجازا .

مَاءً : نكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق الذي يستدل به الفقهاء في أحكام المياه .
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ : حسا .
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ : معنى .
والعطف بينهما : عطف متلازمين ، فالغسل من الجنابة لازمه ذهاب الرجز والكسل الذي يعتري الإنسان إذا أجنب ، فيزول عن نفسه خبثها ، ويتجدد لها نشاطها ، وذلك مما يقطع طرق الشيطان إليها ، إذ بذل السبب الشرعي بالغل الواجب : طهارة للجسد موطئة لطهارة الروح ، ولا أدل على ذلك من نوم المتوضئ إذا بدل السبب الشرعي بالحرص على الطهارة البدنية بالوضوء والطهارة الروحية بالأذكار وتخلية القلب من الأحقاد والضغائن التي تنغص على صاحبها نومه . والشرع خير كله : خير للروح والبدن ، خير للمعاش والمعاد .......... إلخ .

وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ : معنى .
وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ : حسا .
وهما أيضا متلازمان : فإن الملك إذا ثبت ، فثباته تثبت الأجناد ، وإذا زاع انهزمت عساكره واستبيحت دساكره .

فقد عمت النعمة السابغة القلوب والأبدان لما التزمت الأمر الشرعي فصارت أهلا للمدد الرباني ، وفي الإطناب بذكر موارد النفع من ذلك الماء المبارك تقرير بديع لتلك المنة الربانية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:51

ومن قوله تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)

اطراد لما تقدم من استحضار الصورة .

والوحي هنا : الأمر ، وهو أمر نافذ إذ الملائكة : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وفي ذكر الآمر ، جل وعلا ، بلفظ الربوبية الخاصة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مزيد عناية وتلطف به ، فهو أولى الناس بذلك المقام ، فقد بلغ أعلى مراتب العبودية بتحقيق مراد الله ، عز وجل ، الشرعي ، فما وطئ الثرى عبد أكمل في عبوديته منه ، وما نصر دين الله عز وجل وقام به نصرته وقيامه ، فاستحق أعلى مراتب الربوبية : ربوبية العناية بالنعمة الربانية السابغة ، وذلك أصل مطرد ، وفي التنزيل : (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) ، فإذا حصل الذل بالسجود حصل القرب من الرب المعبود .
أَنِّي مَعَكُمْ : معية خاصة : معية النصرة والتأييد ، فتلك لا تكون إلا لمن نصر الله ، عز وجل ، والسياق شاهد لها .
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا : تعليق للحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة فلا يكون ذلك إلا للمؤمنين .
وعلى سبيل المقابلة أو طباق السلب :
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ : تفصيل يناسب سياق الامتنان بقطع دابر الكافرين .
وخص الأعناق والبنان بالذكر لكونها مناط القوة ، فالعنق : مناط قوة الحياة ، والبنان : مناط قوة الضرب بالسيف ، فتعطل كلاهما بضرب الملائكة كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله .

وفي ذلك اطراد لصورة السبب جريا على السنن التي أقام الله ، عز وجل ، عليها شريعته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:52

ومن قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)
ذَلِكَ : على ما اطرد من كلام العرب من الإشارة إلى المنقضي قريبا بإشارة البعيد ، أو يقال هو من باب الإشارة ببعد مكانته على جهة التحقير إمعانا في النكاية فيهم على وزان قوله تعالى : (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، أي : بعدا .

بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ : الباء سببية في معرض بيان استحقاقهم لما تقدم من النكال .
وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ : شرط فيه معنى الوعيد ، ذيل بما يناسب السياق ، من شدة العقاب ، فذلك أبلغ في الزجر ، فعظم العقوبة من عظم صاحبها ، وعظم الجناية التي تسببت فيها من عظم حق من وقعت في حقه ، وأي جناية أعظم من الجناية في حق الله ورسوله بحرب دينه وأوليائه ؟! .
والعموم في الآية محفوظ لا مخصص له إلا التوبة في نحو قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) . وللآية كسائر آيات الوعيد : طرد في حق من قام به وصفها ، عكس لمن قام به ضدها من نصرة الله ورسوله فله ضد العقاب الشديد من النعيم المقيم .


ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ : تكرار في معرض الوعيد إمعانا في النكاية فذوقوه في الدنيا وفي الآخرة : لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ، فعم العذاب الدارين ، واستوفى السياق شطري القسمة العقلية : دار الفناء ودار البقاء ، فترتيب النكاية في هذا السياق من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، كما في قوله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، على القول بأن العذاب الأدنى هو مصائب الدنيا أو عذاب القبر ، والعذاب الأكبر هو عذاب النار .

وفي الآية إيجاز بحذف خبر المبتدأ ، فتقدير الكلام : ذلكم العذاب فذوقوه ، والفاء تفريعية لإظهار الشماتة ، كما ذكر ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، فالأمر للإهانة والشماتة على وزان قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) .

والشماتة بأعداء الله إذا نزل بهم العقاب حق بخلاف الشماتة بأولياء الله ، فالفعل واحد ولكن اختلاف متعلقه غير حكمه من حظر إلى إباحة ، بل هو مما يرضاه الله عز وجل من عباده المؤمنين إذا شاهدوا أعدائه يعذبون في ناره بمقتضى عدله وحكمته البالغة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:52

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :

نداء للتنبيه خص به المؤمنون مواجهة ، وعم غيرهم لزوما على ما اطرد من عموم التكليف فيكون من الخاص الذي أريد به العام ، فالوصف الذي اشتقت من الصلة فرض على كل مكلف .
إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : على جهة المقابلة في سنة التدافع الكونية فالمؤمن في مواجهة الكافر : سنة جارية لا تتخلف وإن تهادنا حينا ، فكل ينصر حجته ، ويذب عن مقالته بلسانه حينا وبيده حينا ، والعاقبة للمتقين ، ولا تنال المطالب الدينية إلا بصبر ويقين ، بهما تظهر أعلام الدين ، وتحكم شريعة رب العالمين : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) .
زَحْفًا : حال جاءت على وزان المصدر ، تقريرا للمعنى على وزان : طلع زيد بغتة ، فذلك آكد في الدلالة من : طلع زيد مباغتا .
فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ : فاء رابطة لا تخلو من معنى السببية ، فما قبلها من وقوع اللقاء كونا سبب لما بعدها من وجوب الثبات شرعا ، فلقاء العدو ابتلاء كوني ، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه : (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) ، يستعان فيه بالتزام الأمر الشرعي ، وخصت الأدبار بالذكر تقبيحا لصورة المنهزم في الأذهان ، فليس ذلك وصف أهل الإيمان .

ومن يولهم : شرط سيق مساق التهديد .
إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ : استثناء مخرج لصور المستثنى من عموم الذم الذي أفاده الشرط .
فقد باء : رجع تحقيقا أفادته : "قد" ، وكأنه قصد الرجوع بروحه سالمة فجاء الجزاء من جنس العمل فرجع ولكن بــــ : .
بغضب : عظيم فالتنوين للتنكير ، وازداد وصفه عظمة بابتداء غايته من الله ، عز وجل ، فليس كأي غضب صادر من غيره .
وَمَأْوَاهُ : على سبيل المقابلة ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فقد ابتغى لنفسه مأوى فهرب ولكن إلى :

جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ : وفيه إطناب في أوصاف الذم في معرض التبكيت لمن خالف الأمر الشرعي .

وأخطر ما في الأمر أن تختل الموازين بحجة : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، فيوضع القرآن على غير ما أريد به .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:53

وعن حال القوم الكافرين :

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ :
ففي بيان حالهم تهكما :
إن تستفتحوا بطلب الفتح : فقد جاءكم ، وتسمية ما حل بهم فتحا : من صور التهكم ، فهو فتح لأعدائهم مصيبة في أبدانهم وأموالهم .
وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ : مزيج من التهديد والترغيب في آن واحد ، فإن تتوبوا فهو خير لكم ترغيبا ، ومفهومه : وإن لم تتوبوا فويل لكم ترهيبا .
و : "خير" منزوعة الدلالة ، فلا خير فيما هم فيه من الكفر ليقال بأن الإيمان خير منه .
وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ : تهديد آخر فيه جناس اشتقاقي بين الشرط وجوابه أفاد المعنى مزيد بيان فالجزاء من جنس العمل ، فإن تعودوا للمعصية بمخالفة الأمر الشرعي وحرب الدين وأهله نعد بالعقوبة الكونية والهزيمة في الحرب .
وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا : نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم الذي أكد بــ : "شيئا" فلن تغني عنكم أي إغناء .
وَلَوْ كَثُرَتْ : تقييد بالحال احتراسا ، فقد يظن الكافر لعدده وعتاده أنه ظاهر على المؤمن ، فلا نصيب له ، عند التحقيق ، إلا في بذل الأسباب الكونية التي قام عليها ناموس الكون ، دون التفات إلى الأسباب الشرعية التي يستجلب بها النصر ، فإن ظهر فإنما ذلك لتقصير المؤمن في بذل السبب الشرعي ، أو تواكله بعدم استفراغ الجهد في تحصيل السبب الكوني ، وذلك عند التحقيق يرجع إلى التقصير الشرعي ، إذ الشريعة قائمة على بذل السبب رجاء وقوع المسبب بإذن الله ، فمن عطل الأسباب الظاهرة فقد عطل الشريعة الظاهرة ، وتلك في حد ذاتها معصية تستوجب الانكسار عند اللقاء ، واعتبر بحال من قعد في المساجد يقرأ صحيح البخاري لما دهم العدو أرضه رجاء دحره ، فهل جعل الله ، عز وجل ، قراءة الصحيح سببا كونيا مؤثرا في إحداث النكاية في الأعداء أو هو سبب شرعي في تحصيل العلم ، وواجب الوقت آنذاك : القتال لا طلب العلم ، فمن اشتغل بأسباب عبادة في غير وقتها فقد قصر بإعراضه عن أسباب عبادة أخرى حل أوانها ، ولكل مقام مقال ، والواجبات تختلف تبعا لاختلاف الأعصار والأمصار وأعيان المكلفين ، فلا يجب في حق زيد الفقير ما يجب في حق عمرو الغني من فرض الزكاة ........... إلخ .

وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ : إيجاز بحذف لام كي المعللة ، فما تقدم لكون الله ، عز وجل ، مع عباده المؤمنين : معية نصرة وتأييد ، فأنى لكم بالظفر بهم والظهور عليهم ؟! .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:54

ومن نصرتهم لباطلهم على طريقة : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ :
توكيد بالناسخ ودخول اللام على الخبر الذي يفيد التجدد ، فصدهم عن سبيل الله دائم دائب ، فلهم في ذلك همة هي فرع عن قدر الله ، عز وجل ، الكوني ، إضلالا لهم ، وفتنة لغيرهم ، على مقتضى حكمته ، عز وجل ، بإجراء سنة التدافع بين الحق والباطل ، فإن حكم عليهم بالضلال فبعدله ، وإن هداهم إلى شرعه فبفضله ، وإن فتن بهم ضعاف النفوس كونا ، فبتقصيرهم في الأخذ بأسباب النجاة شرعا ، فلا يستميلون إلا الهمل ، برياسة أو مال أو شهوة ......... إلخ ، وانظر إلى حال المنصرين إذ ليس لهم من الحجج الشرعية أو البراهين العقلية نصيب ، فلا نقل عن النبوات الصحيحات ولا أقيسة توافق العقول الصريحات ، وإنما محض خرافات تشبعت أنفس معتنقيها بالحقد ، فتولد من الخرافة والحقد : تعصب أعمى حمل صاحبه على ظلم المخالف واستحلال دمه وعرضه وماله ، واعتبر بحال أعداء الملة وأعداء السنة من الكفار الأصليين والمبتدعة تجد عجبا ! . فقوم عادوا من لم يعرفوه أصلا ، وأعملوا السيف في خصومهم تقليدا لمقالة درجوا عليها ، فلا عقل ليزن الأمور ، ومع ذلك يدعون : العقلانية والموضوعية ، مع أنهم لم يعملوا عقولهم في مقالة مخالفهم إلا على سبيل القدح بإثارة شبهة أو التقاط زلة لا تنسب إلى الملة ، فتعمل آلات الدعاية زورا ، على وزان : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) ، و : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) ، فلسان حالكم : (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ، ومن أوتي أداة التكليف فعطلها ، فلا يلومن إلا نفسه التي أهلكها .

فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ : إطناب في معرض النكاية ، والتنكير في : "حسرة" للتعظيم ، فحسرتهم على ما فرطوا عظيمة يوم لا تنفع حسرة ، و : (لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) . فقد طبع على قلوبهم من الأزل كونا ، فحرموا الفضل وعوملوا بالعدل ، و : (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

واعتبر بحسرتهم العاجلة بفشل مخططاتهم ، مع تخاذل أهل الحق عن نصرته ، فضلا عن حسرتهم الآجلة ، وهي أشد وأنكى .
وما ذلك إلا لقوة الحق الذاتية فلو وكل إلينا حفظه لزال من الوجود أثره ، ولانتهى من قديم أمره ! ، فالحمد لله أن تكفل بحفظ دينه ، فقيض له رجالا حملوا أمانته ونصروا رسالته .



وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ : مزيد إطناب للنكاية ، وقدم المصير على فعل الحشر تعجيلا بالمساءة ، فضلا عما اطرد من الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير .

لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ :
متعلق الحشر فبه يحصل التمايز بين أهل الإيمان وأهل الأوثان .
أو الإنفاق ، فمن مؤمن عوفي بالإنفاق في سبيل الرحمن ، ومن كافر عوقب بالإنفاق في سبيل الشيطان ، فاستعمل النعمة الكونية في حرب الطريقة الشرعية ، ففيه يصدق وصف الخبث ، فما وقع ذلك إلا ابتلاء وتمحيصا ، وما كان ذلك على الله ، عز وجل ، خفيا ، بل قد علمه علما أزليا ، وإنما حصل التمايز في عالم الشهادة بعد رقمه في الكتاب الأول : إقامة للحجة ، فبه يتعلق الثواب فضلا والعقاب عدلا ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى .
فصار ذلك الابتلاء الكوني بأهل الكفر : علة ظهور أهل الإيمان ، ولو غلبوا حينا ، فمآلهم إلى التمكين يقينا ، فاستخرج به من الحكم الشرعية والمطالب الإلهية ما فاق مفسدة وقوعه ، وتلك عين الحكمة الربانية ، ولولا ظلمة الباطل ما علم العباد عظم المنة بإشراق شمس الحق المبين على عقول المكلفين ، ببعث النبيين مبشرين ومنذرين ، فالنبوات أعظم ما امتن به رب البريات ، عز وجل ، فبها صلاح كل الكائنات .

وذلك مما يثلج الصدر ويقوي القلب على السير في طريق الحق وإن قل سالكوه ، فمن كان الله أنيسه فلا يستوحش ، ومن كان الله ناصره فلن يغلب .

وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ :

ويجعل الخبيث حسا ومعنى فهما متلازمان ، إذ خبث الأرواح مئنة من خبث الأبدان ، وإن كانت الصورة في أصلها مليحة فإن للمعصية شؤما يصيرها قبيحة .

ومن فوائد هذا الركم ما أشار إليه الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله :
"لزيادة تمييزه عن الطيب ، ولتشهير من كانوا يُسرون الكفر ويظهرون الإيمان ، وفي جمعه بهذه الكيفية تذليل لهم وإيلام ، إذ يجعل بعضهم على بعض حتى يصيروا رُكاماً" . اهــــ

أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ : توكيد على ما اطرد من تعريف الجزأين ووقع ضمير الفصل بين الركنين ، وأشير إليهم بالبعيد على يقتضيه السياق من ذم وتحقير .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:54

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ : ترغيب واستمالة لهم بشرط يلهب المخاطب ويحمله على التزامه رجاء تحقق المشروط ، وحذف الفاعل للعلم به فلا يغفر الذنوب إلا الله .
وعلى ما اطرد في التنزيل من الجمع بين الترغيب والترهيب :
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ : جارية لا تتخلف ، فالنصرة للأنبياء وأتباعهم ، والخسران للطواغيت وأذنابهم وإن مكنوا حينا تمحيصا للمؤمنين واستدراجا للكافرين .
وفي العدول عن خطاب المواجهة : "إن تنتهوا" إلى خطاب الغيبة : (إِنْ يَنْتَهُوا) نكتة لطيفة ، إذ نزل الأمر منزلة الواقع المقرر عندهم ، فصاروا كأنهم الرسل إلى من وراءهم من الكفار ، ولن يكون ذلك إلا إن صدقوا الخبر وامتثلوا الأمر ، فصاروا كأنهم هم المخاطبون بأمر الإبلاغ إلى غيرهم ، فلم يعد في الصورة من يصح توجه الخطاب إليه إذ هو خطاب للكفار ، فتوجه الخطاب إلى من غاب منهم ، إذ الحاضرون ملزمون به إلزاما صح معه تنزيلهم منزلة المقرين ، وإن لم يقع الإقرار منهم بعد ، وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله : "وأسند الفعل في الجملة المحكية بالقول إلى ضمير الغائبين لأنه حكاية بالمعنى روعي فيها جانب المخاطب بالأمر تنبيهاً على أنه ليس حَظه مجرد تبليغ مقالة ، فجُعل حَظه حظ لمخبر بالقضية الذي يُراد تقررها لديه قبل تبليغها ، وهو إذا بلغ إليهم يبلغ إليهم ما أعلم به وبُلغ إليه ، فيكون مخبراً بخبر وليس مجرد حامل لرسالة" . اهـــ

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ : بيان لعلة قتالهم عطف فيها إفراد الله ، عز وجل بالدين ، على نفي الفتنة عطف متلازمين ، فلازم انتفاء الفتنة في الدين : ظهور أعلامه ، والتزام أحكامه فيكون كله لله .
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : تذييل فيه معنى الترغيب ، فإن انتهوا فالله عليم بصدق نواياهم إن صدقوا ، فلن يترهم أعمالهم ، وقد يقال بأن فيه نوع تهديد يناسب سياق القتال ، فإن انتهوا ، فالله ، عز وجل ، بصير بمكنون صدورهم أكفوا عن القتال وانتحلوا مقالة أهل الإيمان أم أضمروا الغدر وثبتوا على مقالة أهل الكفران .

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ : بشرى للمؤمنين تحملهم امتثال الأمر الشرعي بمناجزة من كفر علما وتولى عملا ، فما تولى عن العمل إلا لفساد علمه ، وقد صدرت البشرى بالأمر الذي أريد به إظهار الاهتمام والعناية بما بعده ، والتوكيد بــ : "إن" ، والولاية المثبتتة : ولاية النصرة بالتأييد الكوني فرعا عن التزام الأمر الشرعي ، وذيلت الآية بما يناسب السياق بالإطناب في مقام المدح بكمال الولاية وكمال ما تفرع عنها من النصرة فهما متلازمان أيضا فمن كان الله ، عز وجل ، وليه ، فهو المنصور قطعا ، ولا ينال التأييد بالآيات الكونية إلا فرعا عن التزام الآيات الشرعية .

والله أعلى وأعلم .

مهاجرمشاهدة ملفه الشخصيالبحث عن المشاركات التي كتبها مهاجر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:56

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ : ترغيب واستمالة لهم بشرط يلهب المخاطب ويحمله على التزامه رجاء تحقق المشروط ، وحذف الفاعل للعلم به فلا يغفر الذنوب إلا الله .
وعلى ما اطرد في التنزيل من الجمع بين الترغيب والترهيب :
وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ : جارية لا تتخلف ، فالنصرة للأنبياء وأتباعهم ، والخسران للطواغيت وأذنابهم وإن مكنوا حينا تمحيصا للمؤمنين واستدراجا للكافرين .
وفي العدول عن خطاب المواجهة : "إن تنتهوا" إلى خطاب الغيبة : (إِنْ يَنْتَهُوا) نكتة لطيفة ، إذ نزل الأمر منزلة الواقع المقرر عندهم ، فصاروا كأنهم الرسل إلى من وراءهم من الكفار ، ولن يكون ذلك إلا إن صدقوا الخبر وامتثلوا الأمر ، فصاروا كأنهم هم المخاطبون بأمر الإبلاغ إلى غيرهم ، فلم يعد في الصورة من يصح توجه الخطاب إليه إذ هو خطاب للكفار ، فتوجه الخطاب إلى من غاب منهم ، إذ الحاضرون ملزمون به إلزاما صح معه تنزيلهم منزلة المقرين ، وإن لم يقع الإقرار منهم بعد ، وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، بقوله : "وأسند الفعل في الجملة المحكية بالقول إلى ضمير الغائبين لأنه حكاية بالمعنى روعي فيها جانب المخاطب بالأمر تنبيهاً على أنه ليس حَظه مجرد تبليغ مقالة ، فجُعل حَظه حظ لمخبر بالقضية الذي يُراد تقررها لديه قبل تبليغها ، وهو إذا بلغ إليهم يبلغ إليهم ما أعلم به وبُلغ إليه ، فيكون مخبراً بخبر وليس مجرد حامل لرسالة" . اهـــ

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ : بيان لعلة قتالهم عطف فيها إفراد الله ، عز وجل بالدين ، على نفي الفتنة عطف متلازمين ، فلازم انتفاء الفتنة في الدين : ظهور أعلامه ، والتزام أحكامه فيكون كله لله .
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : تذييل فيه معنى الترغيب ، فإن انتهوا فالله عليم بصدق نواياهم إن صدقوا ، فلن يترهم أعمالهم ، وقد يقال بأن فيه نوع تهديد يناسب سياق القتال ، فإن انتهوا ، فالله ، عز وجل ، بصير بمكنون صدورهم أكفوا عن القتال وانتحلوا مقالة أهل الإيمان أم أضمروا الغدر وثبتوا على مقالة أهل الكفران .

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ : بشرى للمؤمنين تحملهم امتثال الأمر الشرعي بمناجزة من كفر علما وتولى عملا ، فما تولى عن العمل إلا لفساد علمه ، وقد صدرت البشرى بالأمر الذي أريد به إظهار الاهتمام والعناية بما بعده ، والتوكيد بــ : "إن" ، والولاية المثبتتة : ولاية النصرة بالتأييد الكوني فرعا عن التزام الأمر الشرعي ، وذيلت الآية بما يناسب السياق بالإطناب في مقام المدح بكمال الولاية وكمال ما تفرع عنها من النصرة فهما متلازمان أيضا فمن كان الله ، عز وجل ، وليه ، فهو المنصور قطعا ، ولا ينال التأييد بالآيات الكونية إلا فرعا عن التزام الآيات الشرعية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:57

ومن قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .

أمر يفيد عناية المتكلم بما يليه ، فنبه المخاطب بما يحمله على الإصغاء ، فالنفوس بطبعا تسمو إلى الكمال ، والأمر بالعلم مظنته ، ففيه نوع شحذ للهمم لتحسن تلقي الخبر بالتصديق أو الامتثال .
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ : "ما" : موصولة مجملة بيانها : "من شيء" إرادة التوكيد على العموم ، فأي شيء غنمتموه فحقه الذي ورد في الآية .
وقوله تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) : بيان لمصارف الخمس الذي يؤخذ من غنائم الكفار لا من أموال المسلمين كما يصنع بعض رؤوس الضلالة من سدنة المشاهد والأضرحة ، وهو أمر فاش في كل ملة أو نحلة أسست على شفا جرف تقديس الرجال من دون الله ، فعند قبر كل قديس أو إمام أو ولي : إن كانوا كذلك فعلا ، عند قبورهم : طواغيت أسست رياساتها وملأت خزائنها من ذلك الوهم ، فعبدت فئاما من البشر لغير الله ، بسلطان الخلاص في الآخرة واستجابة الدعاء وقضاء الحاجات ........... إلخ في الدنيا ، فالإرهاب الفكري بقرارات الحرمان الكنسي الظالم وغضب الإمام والولي الطالب الغالب يحمل الأتباع على الرضوخ وتقبيل العتبات .......... إلخ من مظاهر الغلو ، ولكل قديس سر لا يعرفه إلا كاهنه ، ولكل إمام أو ولي سادن يعلم الناس فنون الإشراك بالله ! رجاء حصول النجاة ، مع أن ما يدعون إليه آكد أسباب الهلاك ! ، فيدعون الناس إلى النار باسم الجنة ، ويدعونهم إلى البدعة باسم السنة ، ويسوغون الغلو والشرك باسم التعظيم والمحبة ! ، والغلو في الأفاضل آفة أصيبت بها البشرية من لدن قوم نوح عليه السلام وإلى يوم الناس هذا .

وقد بعث الأنبياء عليهم السلام لتحرير عقول وأبدان المكلفين من ذلك القيد ، بإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فأبى المبطلون إلا حرب الرسل عليهم السلام إذ ما بعثوا بتقريره : ناقض لرياساتهم مزيل لطغيانهم فلا بقاء لظلام الشرك إذا سطعت شمس الرسالة .

وفي السياق إيجاز بحذف مبتدأ أو خبر للمصدر المؤول من : "أن لله خمسه" ، على تقدير : فحقه لله خمسه ، والإتيان بالمصدر المؤول في مثل ذلك الموضع آكد في الدلالة التوكيدية في مقام يقتضي التوكيد من المصدر الصريح ، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور ، رحمه الله ، كما في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، فهو آكد في بيان معية الله ، عز وجل ، الخاصة للمؤمنين من قولك في غير القرآن : واعلموا معية الله للمتقين .

إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ : شرط سيق مساق الإلهاب والتهييج .
والإضافة في : "يوم الفرقان" : إضافة تشريف ، بنسبة اليوم إلى ذلك الفرقان الذي وقع فيه بين معسكر الحق ومعسكر الباطل ، و : "يوم التقى الجمعان" : بدل جيء به زيادة في البيان ، وقد يرد على ذلك أن المبدل منه على نية الطرح ، فليس مراد ابتداء ، وإنما جيء به توطئة لما بعده ، والسياق يشهد بأن وصف الفرقان معتبر ، فلا يليق أن يكون على نية الطرح إذ فيه من التشريف ما تقدم ، فيحسن بناء على ذلك جعل : "يوم التقى الجمعان" : عطف بيان ، فيكون المعطوف عليه والمعطوف كلاهما مرادان للمتكلم .
والله على كل شيء قدير : تذييل يناسب السياق ، ففي معرض ذكر ذلك اليوم الذي نصر الله ، عز وجل ، فيه الفئة القليلة على الفئة الكثيرة التي أقبلت بحدها وحديدها ، في معرض ذلك تظهر آثار قدرة الله ، عز وجل ، الكونية ، إذ قضى للمؤمنين بقدره الكوني النافذ نصرا وفتحا ، فرعا عن امتثالهم قدره الشرعي الحاكم ، فالسنة ، كما تقرر مرارا ، مطردة ، فمتى كان شرع فثم نصر ، وإن ديل على المؤمنين ابتداء فتمحيص وابتلاء يعقبه النصر والتمكين في الأرض ، ومتى لم يكن شرع فذلة ومهانة ، واستعلاء لأراذل الخلق عقوبة ربانية على مخالفة الإرادة الشرعية فليس ثم بين الله ، عز وجل ، وعباده من نسب إلا الطاعة ، فطرد في الإيجاب والسلب : نصر لدين لله عز وجل يستلزم نصرا للمؤمنين إيجابا ، وخذلان للشرع وأهله يستلزم خذلانا وانكسارا في ساحة الحرب سلبا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 19:59

ومن قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)
إذ أنتم : عطف بيان ثان لمشهد من مشاهد ذلك اليوم الجليل استحضارا للمنة الربانية السابغة فيه . وفيه تفصيل لحال أطراف النزاع ، إن صح التعبير ، فأنتم بالعدوة الدنيا ، و "هم" : كناية بضمير الغائب كراهة ذكرهم صراحة ، فهم أحقر من أن يذكروا باسم أو وصف إلا وصف الذم القادح ، أو ضمير البعيد الغائب ، والركب أسفل منكم .
وفي ذلك العرض مزيد امتنان من الله ، عز وجل ، على عباده المؤمنين ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، إذ العدوة الدنيا لينة تسيخ فيها الأقدام ، فنزل المطر فصلبت وبنى المسلمون حوضا يستقون منه وغوروا ما سواه ، وهم بالعدوة القصوى قد جمعوا العدة والعتاد ، وخرجوا دفاعا عن الأموال والتجارات ، فنزل المطر فكان في حقهم عائقا ، فالفعل واحد ولكنه : نعمة في حق أقوام نقمة في حق آخرين .

ولو قيس الأمر بميزان الدنيا ابتداء : لرجحت كفتهم ، ولكن الشأن : شأن الإيمان الذي يثبت الله به قلوب أوليائه في مقابل الرعب الذي تطير منه أفئدة أعدائه إذا التقت الجيوش والتحمت الصفوف .


وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور رحمه الله :
"وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها ، وتنبيههم للطف عظيم حفّهم من الله تعالى ، وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين ، وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد ، ووجَد المسلمون أنفسهم أمام عدوّ قوي العِدّة والعُدّة والمَكانة من حسن الموقع . ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة لما كان من داع لهذا الإطناب إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة" . اهـــ

وذلك بخلاف الكتب الأخرى التي دخلها التبديل وزيد فيها ونقص منها تبعا لأهواء كُتابِها ، فصارت أشبه بكتب السير ، بل كتب السير أحسن حالا منها من جهة النقل سندا ومتنا ، فضلا عن إسهاب مؤلفيها في سرد أسماء الأماكن بصورة جعلتها كتبا جغرافية ! على ما فيها من ثغرات مكنت بعض النقاد من القدح في نسبتها إلى أصحابها ، وجعلتها محل تندر بعض آخر كفولتير أحد مبشري العلمانية قبل ظهورها رسميا بميلاد الجمهورية الفرنسية .

وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا : قضاء كونيا نافذا لا مرد له ، وإن لم يقع الترتيب منكم أو منهم ، ولذلك حكمة ربانية بالغة أجملها بقوله : (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) ، ثم بين هذا الإجنال ببدل تلا مبدله تلاوة المبين مجمله ، فبعد استثارة الأذهان بالأول جاء البيان الشافي بالثاني :
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ : مقابلة بين الفريقين : الهالك والناجي ، فقد قامت الحجة الرسالية عليهما فلا عذر بعد حصول البيان ، إذ ذلك مظنة الامتثال ، فلا يستوي من علم ، ومن جهل ، وإن كان الجهل مظنة الذم ، إذ لا يخلو صاحبه من نوع تقصير في طلب الحق فإن الله ، عز وجل ، قد أقام على الحق ، لمن هدي فتأمل ، البينات الواضحات الموضِحات ، فمن تجرد في طلبه فإن الله ، عز وجل ، يهديه إليه فضلا ، ولو شاء لأضله عدلا ، ولا يظلم ربك أحدا .
والهلاك : معنوي للأديان ، مادي للأبدان ، ولا إشكال في الجمع بينهما ، إذ الكافر : هالك في دينه هالك في بدنه إذا تصدى له مؤمن قد جمع أسباب القوة الروحية والمادية امتثال قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ، وإن ظهر الكافر فبرهة ، فمآله : الهلاك ، بينما المؤمن : ناج في كليهما فعقد قلبه سليم وبدنه صحيح ، إن ظفر بعدوه ، وإن أصيب ، فإلى دار خير من الدار ، وإلى حال أكمل من الحال ، فيبدله الله ، عز وجل ، بدنا أكمل من بدنه ، وأهلا خيرا من أهله ، ودارا خير من داره ، ورزقا خيرا من رزقه ، وفي التنزيل : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) .

وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ : تذييل بصفة السمع لأقوال الألسنة ، والعلم بمكنونات الصدور ، فعم أحوال المكلفين : ظاهرا وباطنا ، علانية وسرا ، وتحت ظلال السيوف تظهر الحقائق وتنكشف المعائب ، فيظهر معلوم الله ، عز وجل ، الأزلي ، على ألسنة وجوارح المقاتلين ، فيسمعها ربنا ، جل وعلا ، سمع إحاطة ، وسمع إجابة لخواصه المؤمنين الذين تلهج ألسنتهم بالذكر والدعاء تأويلَ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، فله ، جل وعلا ، في ذلك الموطن ، وفي كل موطن ، كمال الصفات : ذاتا وأفعالا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:00

ومن قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)

استحضار للصورة على ما اطرد من تقرير المنة الربانية ، فهون الخطب عليك ابتداء برؤيتهم قليلا في المنام ، ومفهومه أنه لو رآهم كثيرا لحصل بذلك ما لا تحمد عقباه ، وقد نص على ذلك المفهوم إمعانا في تقرير المنة ، مع أنه متبادر إلى الذهن بالنظر في المنطوق ، فحكم المنطوق يثبت عكسه للمفهوم بداهة ، فلو رأيتهم كثيرا : وفي الكثرة مقابل القلة : طباق إيجاب استوفى القسمة العقلية لأحوال الجيوش عددا وعدة ، فلو رأيتهم كذلك لوقع الفشل والنزاع ، وعطف النزاع على الفشل : عطف لازم على ملزومه ، فإن النفوس إذا جبنت عن اللقاء وقع بينها النزاع فتتضارب الأقوال ، وتضطرب الأحوال ، واعتبر بحال الجيوش المنهزمة كيف يقع الاضطراب في صفوفها فرعا عن فشلها ، والثبات في الميدان نعمة ربانية لا تكون إلا لمن التزم الشرعة الإلهية ، والأمر مطرد سلبا اطراده في الإيجاب فإن الفشل والتنازع عقوبة ربانية فرعا عن مخالفة الشرعة الإلهية .
وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ : فلطف بكم فضلا منه ومنة .
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ : فصل لشبه كمال الاتصال ، فهو بمنزلة العلة لما قبله ، والترابط بين العلة والمعلول وثيق كما تقدم في أكثر من مناسبة ، فالتذييل بتلك العلة مما يناسب السياق ، إذ الله ، عز وجل ، أعلم بما تكنه الصدور من أمور وجدانية جبل عليها البشر من صبر وجزع ، وجرأة ونكول ............. إلخ ، فدبر لكم أسباب النصر فضلا ودبر لعدوكم أسباب الهزيمة عدلا .

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ :
رؤية حقيقة للجيش كله عيانا بعد رؤية قائده لها مناما لتعم الطمأنينة ، وفي المقابل : قللكم في أعينهم استدراجا لهم ، فصار الفعل واحدا ، ولكنه في حق فئة : نعمة جرأتهم ، وفي حق أخرى : نقمة غرتهم فاستخفوا بعدوهم وتلك أولى خطوات الهزيمة ، فما وكل أحد إلى نفسه إلا خذل . وفي التنزيل : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا : قضاء كونيا كما تقدم .
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ : تذييل يناسب ما تقدم من القضاء الكوني النافذ ، فإليه ترجع المقادير فيحكم لا معقب لحكمه ، فينصر من شاء فضلا ، ويخذل من شاء عدلا ، وقد يقال بعموم : "أل" الجنسية في الأمور : فتعم الأمر الشرعي فلا حق إلا ما شرعه ، والأمر القدري فلا نافذ إلا ما قدره .
وفي السياق تقديم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا على ما اطرد مرارا فليس ذلك إلا لله عز وجل .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:02

وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
شرط للإلهاب والتهييج لا مفهوم له فالأمر بالثبات في الدين وذكر رب العالمين مطرد في كل حين إلا المواضع التي استثناها الشارع ، عز وجل ، من خلاء ونحوه .
وعطف ذكر الله على الثبات : عطف سبب على مسببه ، فالذكر الدائم سبب في التثبيت ، لا سيما في أزمنة الفتن التي تطيش فيها العقول تحت وطأة الشبهات والشهوات فلا يدفع ذلك البلاء إلا بالعلم النافع والعمل الصالح ، فبالعلم تصان القلوب من الشبهات ، وبالعمل تصان الجوارح من الشهوات ، والذكر يشمل الأمرين فمنه العلم الذي يجري على الألسنة ، ومنه الاشتغال بالتسبيح والتهليل ........ إلخ الذي تطمئن به القلوب ، فهذا عمل مراد لذاته ، إذ هو من جنس العبادات المحضة ، ولا غنى لأي عبد في رحلته إلى الدار الباقية عن كلا الدرعين فبهما يتقي وساوس الثقلين ، فشياطين الجن والإنس قد عقدوا العزم على إضلال عباد الرحمن ، وفي التنزيل : (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً) ، و : (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) ، فلهم من الهمة ما تقصر عنه نفوس كثير من أهل الحق ، وأعمالهم ، مع ذلك ، زبد وإن علا ، ولا محيص من وقوع الصدام بين الفريقين ، وإن تهادنا حينا ، فتلك من السنن الكونية الجارية ولعل ما نراه في زماننا من تدافع بين الحق والباطل في ميادين القتال بالأبدان ، وميادين الحجاج بالأفكار ......... إلخ ، ولعل تلك الهجمة الشرسة من سائر ملل ونحل الباطل على ملة الإسلام ونحلة أهل السنة خير شاهد على تلك السنة الكونية التي يستخرج بها الله ، عز وجل ، مكنون الصدور ، و : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) .

وفي الكلام حذف لصفة الفئة لدلالة السياق عليها فهي مقابل الفئة المؤمنة ومقابل الإيمان : الكفر بداهة فلا حاجة إلى ذكرها ، إذ القسمة العقلية في هذا الموضع ثنائية لا ثالث لها كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله .

وقوله : لعلكم تفلحون : معلول آخر للذكر هو أعم من المعلول الأول ، إذ الفلاح أعم من الثبات في مواطن القتال ، فلكل موطن أمر إلهي وتكليف شرعي ، فمن هدي إلى مقال كل مقام فهو الموفق الفالح ، فللحلم مواضع ، وللانتصار مواضع ، وللسان مواضع ، ولليد مواضع كما أن لكل جارحة ما يليق بها من الأفعال .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

من ايات القتال - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: من ايات القتال   من ايات القتال - صفحة 2 Icon_minitimeالأحد 9 مايو 2010 - 20:04

ومن قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ : إيجابا ، فطاعة الرسول من طاعة مرسله ، فلا يستقل أحد من البشر بالطاعة المطلقة إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وليس ذلك بموجب بشريتهم ، إذ ذلك مما استووا فيه مع بقية البشر ، وإن فاقوهم في بعض القوى ، (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) ، وإنما تكون تلك الطاعة لاصطفاء الله ، عز وجل ، لهم بالرسالة ، وفي التنزيل : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ، فهو من جهة التكوين : بشر ، ومن جهة التشريع : يوحى إليه ، فليس كلامه في معرض تقرير أو بيان الشريعة ككلام غيره ، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا من أوتي الوحي الرحماني ، ولما كان الأمر : صحة دليل وصحة استدلال ، وضع المحققون من أهل العلم مقدمتين لقبول أي خبر من أخبار النبوات : صحة النقل ، وذلك مما انفرد به أهل الإسلام ، فليس لأمة من الأمم إسناد إلى النبي الذي تنتسب إليه ، أو حتى المفكر أو المصلح الذي تنتحل مقالته إن كانت ممن لم تنعم بجنس النبوات ، ليس لكل أولئك ولو سند واحد صحيح إلى معظميهم ، بخلاف أمة الإسلام : أمة الإسناد .
ومعرفة مراد القائل : فإن كان قوله مترجما كأناجيل النصارى ، لو سلم بأن المسيح عليه السلام قد نطق بكل ما فيها فهي أشبه إلى كتب السير منها إلى الوحي المنزل ، إن كان كذلك فلا بد من التأكد من دقة الترجمة حتى لا تحمل الألفاظ المتشابهة من المعاني الباطلة ما تحمل ، فقد تفسد الترجمة المعنى ، وقد تصيره متشابها بعد أن كان محكما لاختلاف أعراف اللغات ، فما تواتر في عصر فصار محكما معلوم المعنى قد يخفى معناه في عصر آخر حتى يصير مجملا يفتقر إلى البيان .

وإن كان قوله منقولا بلغته فلا بد من ملاحظة عرف الخطاب في عصره ، فلا يفسر كلامه باصطلاح حادث بعده ، ولذلك كان الصدر الأول ، خير طباق الأمة ، أعلم الناس بمراد الشارع ، عز وجل ، فرعا عن كونهم أهل اللسان الذي نزل به الوحي ، فكانت لغة الوحي لغتهم قبل طروء العجمة ، وقصر الألفاظ على معان اصطلاحية حادثة تعارف عليها أصحاب الفنون بعد تدوين العلوم .

وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا : عطف لازم على ملزومه ، فإن لازم الطاعة لله ورسوله : عدم التنازع في الأمر ، إذ لا مجال للتقدم بين يدي الله ورسوله ، فتطرد الأقوال والأفعال ، فلا يقع فيها ما يقع في الأقوال والأعمال المحدثة من تفاوت واضطراب تبعا لأهواء القائلين وعقول المفتين ، فكل يستحسن ويستقبح بعقله ، والوحي قد عزل عن منصب البيان . والفاء تفريعية سببية تفيد الفورية ، فالفشل فرع عن التنازع ، مسبب عنه ، تال له .
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ : استعارة جريان الريح واطرادها لجريان أمر الجيش وظهوره إذا استقام على الطريقة النبوية فهو غالب منصور ، ولكنه مبتلى بالثبات على الأمر الشرعي والرضا والتسليم بالأمر الكوني ، وذلك يستلزم صبرا نص على الأمر به فقال :
وَاصْبِرُوا ، وعلة ذلك : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وحسن الفصل ، كما تقدم مرارا ، لشبه كمال الاتصال بين المعلول وعلته وهي قائمة مقام : التذييل اللفظي المشتق من مادة الأمر : "الصبر" ، التي علق عليها حكم المعية الربانية الخاصة لأهل الصبر : معية النصرة والتأييد والتثبيت في مواضع الزلزلة ففي السياق إيماء إلى منفعة الصبر بدلالة منطوقه ، وتعريض بمن لم يلتزمه بدلالة مفهومه ، فقد علق الحكم إيجابا على وجود المعنى الذي اشتق منه وصف : "الصابرين" ، وسلبا على زوال ذلك المعنى فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما كما قرر أهل العلم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من ايات القتال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» ايات قرانية .. صوررائعة
» ايات قرانية .. صوررائعة
» ايات واعجاز علمى...قمرالزمان
» ثلاث ايات تحميك يووم كااامل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: القسم الاسلامي :: الواحة الإسلامية-
انتقل الى: