واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
مرحبا بكم في واحة الأرواح
واحة الأرواح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

واحة الأرواح

أحمد الهاشمي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولeahmea@yahoo.com

 

 مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سارة عمر
كبار الشخصياتvip
كبار الشخصياتvip
سارة عمر


عدد المساهمات : 3690
نقاط : 4949
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 03/04/2010
العمر : 40

مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر   مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Icon_minitimeالخميس 22 أبريل 2010 - 20:27


مركزية التأويل

في محاورة النص الشعري المعاصر

عبد القادر عبو

نتوسل التأويل كنقطة مركزية بالمقاربات النقدية الجديدة بل تنطلق منه هذه المقاربات وتتفرع عنه كقراءات لمستويات النص الشعري المعاصر، ذلك لسببين: أولهما: "أن اللغة هي رحم مختبر الشعر المعاصر[1]. فهي ممارسات نصية متعددة لا نهائية، بها تعددت طرق البحث عن حداثة شعرية مغايرة ومتميزة. لغة هذا الشعر المعاصر تحولت إلى حقل التأمل بتصاعد الدوال في بناء النص، إذ كلما اتسعت تجربة الشاعر المعاصر أخذ الدال ينقش مجراه في بناء القصيدة، وأعاد إلى الألفاظ التي رثت لكثرة ما تداولتها الألسن والأقلام اعتبارها، وخلع عليها جدة، ونفخ فيها روح الشباب. حتى اللغة اليومية أضحت مادة جمالية يصنع منها الشاعر المعاصر شعره ويضيف تجربة من نوع آخر.

وهذا ما حدث بالفعل وما ألح على حقيقته (ت.س – إليوت): "فمن الكلام الذي يتحدث به الناس في مواقع تجاربهم يأخذ الشاعر مادته الغفل التي يشكلها ومن الأصوات التي تسمعها أذناه يأخذ أصواته التي ينظمها "[2].

غير أن مقياس الحداثة الشعرية ركز على الفرق بين اللغة الشعرية واللغة غير الشعرية خصوصا عند الشاعر والناقد أدونيس الذي قدم تعريفا للغة الشعرية حينما قال: "إذا كان الشعر تجاوزا للظواهر ومواجهة للحقيقة الباطنة في شيء ما أو في العالم كله، فإن على اللغة أن تحيد عن معناها العادي.. إن لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن اللغة العادية هي لغة الإيضاح.."[3] هنا تبرز رؤية أدونيس للغة، فالمشكلة ليست هي استبدال معجم بآخر أو استبدال لغة فصحى بأخرى محكية أو عامية في خلق النص الشعري بل العملية الجوهرية تكمن في نقل اللغة من حالة الوضوح إلى حال الإشارة والغموض.

إن النص الشعري المعاصر أول ما واجه في بداية تشكله وارتسامه –خروجا عن مألوف الشعر العربي- مسألة اللغة عندما اصطدم بقوانينها المتوارثة وبتقاليدها الممتدة في مسار القول الشعري بدءا بالنظرة الجديدة للغة الشعرية بوصفها لغة لازمة، وظيفتها الخلق أي أنها لغة تكتفي بذاتها، وبعناصرها تبني عالما شعريا جديدا لم تعهده من قبل عناصره الأولية. تمارس لعبتها اللغوية من وحدة الأضداد هذا من جهة، ومن جهة أخرى وظيفتها تكمن بالدرجة الأولى في السحر والإشارة. فهي لغة لا تبوح ولا تصرح، لغة الغموض والتأويل. أي أن وظيفة الشعر هي الخلق لا التعبير. وإذا كانت اللغة هي مسكن الوجود على حد تعبير هيدغر فإنها انفتاح على الكائن وإمكان الوجود، بها يرتحل الإنسان من العجمة إلى الفصاحة، ومن المألوف إلى الجمالي، ومن الدال إلى المدلول وبها يعدو النص الشعري إمكانا ينفتح على أكثر من تأويل. ينتج التعدد والاختلاف، ولهذا فإن التأويل ليس العودة إلى الأوليات بل هو اختلاف راجع بالدرجة الأولى إلى طبيعة الشعر نفسه الذي هو دلالة لا تحصر ومعنى لا يضبط. ثانيهما: إن حقيقة النص تكمن في قراءته وهذا ما قدمته البنيوية، وما بعد البنيوية عندما شكلت قطيعة على مستوى النظر إلى بنائية النص الأدبي بانتقالها من الحديث عن ثنائية الشكل المضمون/اللفظ والمعنى، إلى النظر إلى دلالات النص، والعلامات التي تؤلفها بنيته، وبدل القراءة المعيارية أصبح النقد الحداثي قراءة تكشف مستويات الدلالة وتفتحها على احتمالاتها، وتكمن مساهمة البنيوية في أنها أمدت النقد بأداء منهجي يقف على جمالية النص ويقبض على مكوناته وعلائقه الداخلية.

إن النص يرتبط بواقعه الثقافي اللغوي ويخلق رموزه الخاصة التي يشكل منها الواقع واللغة ويساهم القارئ/الملتقي في إنتاج دلالات النص وفي توليد المعاني بتلقي رؤية النص للعالم، فهو يقوم بدور المشارك والمحاور. وهنا تضحى القراءة بعدا من أبعاد النص واحتمالا من احتمالاته الكثيرة. إذ يحتل التأويل كمقترب نقدي موقعا مهما في التعامل مع النص الشعري في تفاعل متداخل بين مقارباته الجمالية وبين مستويات الدلالة في النص التي تخلقها طبيعة المجاز، لأن الإطار المرجعي للتأويل هو اللغة التي تفك شفرات رموزها وتحدد مستويات الدلالة اللغوية فيها وتتحدد علاقة المجاز بالتأويل. قد يبدو ذلك جليا عندما نقف على مستوى الدلالة التي لا تمثل إلا شاهدا تاريخيا، التأويل المجازي، أو عند مستوى الدلالة التي يدرك مغزاها بعد اكتشاف إطارها المرجعي أو سياقها الثقافي والاجتماعي الذي تتحرك فيه وانتقلت منه إلى النص.

نصل إلى مستوى الدلالة القابلة للتأويل ونذكر أن التأويل يمتلك حساسية المسؤولية التي تجعلنا نميز بين تعمق النص واقتحامه، لأن النص الشعري يجعل اللغة ملكا له وبالتالي يحيل الكلمات إلى تساؤل خصب، أي يعيد تكوين الكلمات، هذه الكلمات التي تمتلك تاريخها وفي الوقت نفسه علوها مما جعلها تتمتع بالقدرة على التفتح لأنها تدخل ضمن الفهم الجمالي المشترك للوقوف على الفرق البين بين إخضاع الكلمة والخضوع لها. وفي نطاق هذا الامتداد والاتساع الذي تمتلكه اللغة الشعرية داخل النص الشعري فإن المقاربة النقدية التراثية التمست نوعا من العلاقات الافتراضية بين أسرة الكلمة بحثا عن الترجيح والاحتمال وقوفا عند الحد النهائي، إذ لا حدود للكلمة وكل عمل من هذا القبيل ينحو لاستنباط معنى جامع يعد تكلفا. وهذا ما قامت به فعلا المباحث النقدية القديمة التي اعتمدت التفسير كأداة لفهم النص الديني ثم النص الشعري.

لا يوجد هناك نص إلا داخل وبواسطة القراءة والتأويل، يبدأ مع اقتحام القارئ النص الذي يتشكل من خلال هذا الاقتحام نص القراءة ونص القارئ، وهذا ما أشار إليه الناقد رولان بارت: "هذا الأنا الذي يقترب من النص، إنه الآن هو نفسه جمع من نصوص أخرى، من سنن لا متناهية أو بالضبط ضائعة.."[4] ويبقى التأويل سلطان القراءات، "فأي قراءة إلى يومنا هذا يجوز لها أن تند عن الخضوع لسلطان التأويل، وإلا فلا كانت قراءة.."[5]. إذ تبرز الخصوصية التأويلية التي لا ترتبط بالما حدث كإطار مرجعي ثابت وإنما نزوعها إلى شبكة الاحتمالات صفة متداولة لما يحدث لاستكشاف البعد التأملي[6]. وإشارتنا إلى مسألة القراءة المتصلة بالنص الشعري المعاصر والتركيز عليها ينطوي على دلالة أساسية تشكل التجربة النقدية الحداثية التي تضع النص مقابلا للقارئ للكشف عن طبيعة المقاربة الجمالية بواسطة طرائقية التأويل التي أضحت فلسفة للقراءة المعاصرة حتى وإن سايرت القراءة التأويلية النص منذ نشأته بدءا بالنص المقدس. إذ أن "التأويل أزلي عرفه الإغريق منذ زهاء خمسة وعشرين قرنا وعرفه العرب منذ أربعة عشر قرنا.."[7] وبهذه الرؤية لا يتحقق السؤال خارج النص بقدر ما يعدو النص أمام التأويل إثارة للسؤال عن طريق تحريك التراكم المعرفي والباطني فيه وأيضا يخلق الجديد في فهم القارئ بإزاحة الثوابت في لحظات الكشف والرؤيا.

إن النقطة الأساسية في إثارة سؤال الشعر ليس البحث عن إجابات مقنعة محدودة تضيف إلى سكونية القراءة الكلاسيكية سكونا آخر وفق ما تطرحه النظرة الأحادية من أحكام قيمة وما تصدره من إجابات جاهزة تشكل إسقاطات مسبقة غلبت عليها العقدة الإيديولوجية..

إن سؤال الشعر يبقى سؤال الاحتمالات والتأويلات البعيدة عن نظام الأدلة والحجج.. البعيدة عن التوضيح والإبانة.. وبعيدا أيضا عن التبرير والتفسير. إنه هيرمينوطيقا الشعر، الذي يفتح للقارئ حرية التحرك بين مقصود المعنى وافتراضات التصور التي اقتربت منها التجربة الصوفية في سفرها العلوي داخل النص من أجل الكشف عن جوهر المعنى أو المعرفة، هذه التجربة الثرية في تراثنا العربي اتسعت آفاقها مع الدراسات الحديثة التي بلورت التأويل في منهجية التقعيد، وعلى رأس هذه التيارات، نجد التيار التفكيكي الذي أعطى العنان لمبدأ القراءات المتعددة التي تظل بدورها نسبية وفي حاجة إلى تفكيك لاحق. وتبقى مهمة القارئ في هذا المجال هي "تحليل النص ابتداء من سطحه ثم اختراق أعماقه بشكل يبرز تعدد معانيه لا تحديد معناه"[8].

ووفق هذا المنظور التأويلي الذي يدخل مع سؤال الشعر في محاورة وجدل، تبرز القراءة كفاعلية إبداعية متميزة، ويتحول القارئ من تابع لشفرات النص إلى منتج حقيقي للنص، أمام سؤال علامات الشعر السيميائية والتناصية التي تنتظم في طرائقية التأويل الشعري والتي تؤسس مع القارئ علاقة تفاعل تمنحه حق فك أسرار سؤال الشعر بوصفه منتجا للنص.

ونصل إلى اللاحق بالشعر من صفته بالعربي، إذ يظل السؤال قلقا باحثا عن علاقة الشعر كرؤيا باللغة العربية، ولا نقبض على إجابات الدالة إلا عندما نسقط السؤال تلو السؤال، هل إشكالية النقد العربي قديمة وحديثة كانت مع الشعر لكونه شعرا أم مع الشعر كونه عربيا، تشكل في بنية لغوية عربية؟؟

إن اللغة التي تجسد فيها هيكل الشعر هي اللغة التي نتكلم والتي هي "لغة مجاز بامتياز، مفتاح ذواتنا على الحقيقة"[9]. تحددت بها هويتنا نحن العرب ومهما نظرنا إليها بوصفها معتقدا، أو إيديولوجيا، أو عصبية، غير أنها تبقى في المقام الأول لغة، تمثل أخص خصوصيات كينونتنا، تؤكد على حضور ذواتنا فينا، وبها نتميز عن غيرنا. فهي الذاكرة والحلم وهي أهم عنصر في حياتنا وتاريخنا، إذ بها نزل الوحي الذي خلع عليها من قداسته شيئا ساهم في تعزيزها. وبدأت أول رحلة مع النص، الرحلة التي افتتحها التأويل في محاولته إدراك سر النص، بدءا بالنص القرآني الذي اكتسب مصداقيته عند الفصحاء الجاهليين من كونه معجزة البلاغة العربية، إعجاز بلاغي ولغوي قبل أن يكون إعجازا معرفيا. فهو خطاب قوامه المجاز، وكما يقول الجرجاني "المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة". المجاز اجتياز دلالي، اجتياز من الشاهد إلى الغائب ومن الواقعي إلى الرمزي ومن الدال إلى المدلول، هجرة من "الغفل إلى المرسوم ومن المرسوم إلى المعلوم"[10] كما يقول الجاحظ.

هذه الرحلة التأويلية التي افتتح بها العقل العربي مساره في فهم النص الديني في شبكة من العلاقات اللغوية الممكنة في لغة لا ينضبط فيها المعنى ولا تنحصر الدلالة، إنها لغة "تتسع"[11] كما يقول الفراء. ظل النص الديني (القرآني) إشكالا قائما أمام العقل العربي الإسلامي فكان ابتداع مفهوم التأويل من قبل أهل الكلام مفتاحا لولوج مغاليق هذا النص بلغته البيانية التي تحتمل تأويلات مختلفة وذلك لرفض التناقض بين النص والعقل. إذ أن لغة النص مجازية يجوز استخدام اللفظ لغير ما وضح له أصلا، فإن التأويل يستعيد الدلالة المفقودة وبالتالي لن ينتج سوى التعدد والاختلاف. إذ أن النص البياني عامة إمكان ينفتح على أكثر من تأويل ويميل إلى إنتاج التعدد والاختلاف، لأن التأويل احتمال قائم في القول وإمكان تقتضيه اللغة، أي يقتضيه الدال والمدلول. ومن ثمة تأتي التجربة الصوفية في تجربتها الثرية الخصبة متجلية في العقل الصوفي الذي هو تأويل بامتياز فيه تجسدت الفتوحات العقلية في الفكر العربي الإسلامي، إذ أن أساس المعرفة "الرؤيا" والرؤيا خيال خلاق.

العقل التأويلي يرى أن النص لا يمكن احتواؤه، فهو الملتقى الذي تتقاطع عنده التأويلات وتتفجر منه الدلالات. ويضحى التأويل فعل تعدد وتشتت. إذ ليس ثمة تأويل يفضي إلى دلالة وحيدة أمام لغة قوامها المجاز، لغة لا يمكن أن تستنفذها علائق الإسناد، فهي لغة الدين كما هي لغة الشعر، لغة تفوض من هوية المعنى كما تقول "كريستفا".

إن اللغة الشعرية لا تنقل العالم بحرفيته، بل تساهم في إعادة صياغة الحياة وتشكلها، أي لغة نافرة من المألوف والعادي. يصبح النص الشعري معجزة لغوية وبيانية من المستحيل الإحاطة بالمعنى أو اختزال منطوقه ومضمونه، فهو بحاجة إلى التأويل وإعادة التأويل. هذا التأويل الذي يفهمه ابن رشد أنه "إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، من غير أن يخل ذلك بعادة اللسان العربي في التجوز من تسمية الشيء بشبيهه، أو سببه أو لاحقه.."[12] هذا هو فعل اللغة في نظر ابن رشد أي التأويل الذي يعتمد على انفتاح البنية اللغوية العربية لجميع الأسئلة. ويعتبر ابن حزم التأويل انحرافا عن النص وعن صورته الحقيقية ويؤكد على الوجه الواحد للنص الديني، لأن رؤيته من جوانب أخرى ستبتعد به عن حقيقته الفعلية.

ولكن السهروردي يفرق بين التفسير والتأويل، فالتفسير علم نزول الآية وشأنها وقصتها وأسبابها.. أما التأويل فصرف الآية إلى معنى تحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه يوافق الكتاب والسنة، فالتأويل يختلف باختلاف حال المؤول.. من صفاء الفهم ورتبة المعرفة. إن الإشكالية المطروحة أمام قراءة النص لا ترتبط فقط بمحمول النص في حد ذاته وإنما ترتبط أيضا ببنية اللغة، هذه البنية المفتوحة على الدوام للأسئلة. لأن اللغة بإنسانيتها قاصرة عن الاتحاد النهائي بماهية الأشياء والإنسان، مما يفتح أثناء قراءتها مشكل التأويل الذي يعد محاولة فهم الملتقي لخطاب ما في إطار لحظته التاريخية في ارتباطها بلغته. اللغة تتجاوز وظيفتها كونها أداة تواصل اجتماعية أو كونها تعبيرا بيولوجيا وإنما تتموضع كوجود خاص لأنه إذا اختلت وظيفة اللغة اختلت طاقة الإنسان. وقد أشار رولان بارت إلى تنوع الأشكال اللغوية عن موضوع ما باعتبار أن اللغة –الموضوع تمتلك أبعاد متعددة. إن جميع العمليات اللسانية بطرقها المنهجية عبر تفكيك اللغة أو إعادة بنائها على حد تعبير جاك دريدا ليست هناك نصوص منهكة أبدا، ولا هناك نصوص قتلت بحثا.. "ذلك أن اللغة مضللة بتأثيراتها بين الدال والمدلول نظرا لتعددية أبعاد الدلالة. التي جعلت من اللغة حالة أشبه بالحالة الهلامية القابلة لأي تشكل أو إلى تشكلات متنوعة أي القابلة للتأويل، إذ ليست هناك لغة بريئة ولا لغة محايدة. يجرنا الكلام إذن إلى لغة الشعر العربي المعاصر والبحث فيها والتساؤل عن طبيعتها المتطورة المستحدثة في نوعية التواصل بين دوالها ومدلولاتها، فانتقال القصيدة العربية من مملكة الصورة، هذا الانتقال الذي زاد من فتح هوة القراءة والابتعاد من الفهم إلى التأويل. إن الاستعارة التي كانت تتأسس على التشابه المنطقي بين شيئين متباينين وبما أن التشبيه هو أكثر كلام العرب بل هو قوام البيان العربي: "والاستعارة ضرب من التشبيه والتشبيه قياس"[13]. هنا تسلل المنطق الذي قابله التأويل. غير أن الجرجاني يميز بين التشبيه البياني والتشبيه المنطقي بكون الأول يجمع بين المتنافرات ويؤلف بين المختلفات في الجنس. غير أن المنحى الذي غلب على البحث البلاغي العربي هو النظر إلى اللغة المجازية من خلال مصطلحات المنطق ومقولاته وبالتالي أضحى النظر إلى الظاهرة البيانية من زاوية المنطق خواء دلاليا وكثيرا ما نبه إلى ضرورة إعادة النظر في الموروث الشعري والنقدي البلاغي وفق قراءة جديدة له أكثر من ناقد أمثال د.مصطفى ناصف في كتابه نظرية المعنى في النقد العربي –والدكتور وهب أحمد روميه في شعرنا القديم والنقد الجديد- وفي كتابات أدونيس.. وغيرهم. وحلت الصورة في الشعر المعاصر محل التشبيه والاستعارة وبالتالي انفلتت من قبضة المنطق ودخلت عالم المجاز ومن ثم إلى سلطة التأويل الذي يلج مملكة الاحتمال والغرابة. ومما سبق يعني أن الصورة القديمة في الشعر العربي "قريبة المنال، بسيطة التركيب تخضع للحيازة، أما المعجم الشعري المستحدث فقد أخذ يجنح نحو تعالق بعيد المنال غير راضخ للامتلاك بكامل ثروته، وذلك لأن شذراته تفر من قطاع الذهني باتجاه مملكة اللامألوف"[14].

أي أن لغة الشعر المعاصر انفلتت من الوضعية والخارجي وإلى الداخلي والذاتي الخالص وبالتالي تغير استعمال اللغة واكتسبت هوية جديدة، ذلك أن: "لغة الشعر ليست وسيلة لحمل الأفكار بل هي والأفكار في حالة هوية موحدة، وهنا يقضي الشاعر المعاصر على التفارق بين الفكرة وجسدها الصوتي"[15]. وهذا ما يؤكده أدونيس: "اللغة في الشعر العربي القديم لغة تعبير، أعني لغة تكتفي من الواقع ومن العالم من أن تمسهما مسا عابرا رفيقا، ويجهد الشعر الحديث في أن يستبدل لغة التعبير بلغة الخلق، فليس الشاعر الشخص الذي لديه شيء ليعبر عنه، بل الشخص الذي يخلق أشياءه بطريقة جديدة"[16].

في الشعر المعاصر "لا بد للكلمة من أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعد به وأن تشير إلى أكثر مما نقول، فليس الكلمة في الشعر تقديما دقيقا أو عرضا محكما لفكرة أو موضوع ما، ولكنها رحم لخصب جديد"[17].

قيمة النص الشعري تكمن في فعاليته الفنية، أي يكون النص فعالا عندما يكون قادرا على أن يتوالد بنفسه خالقا بين كلماته أو بين عناصره شبكة من العلاقات يطلق عليها اسم الوسائط. اللغة في النص الشعري المعاصر في هذا الوضع الجديد هي انعكاس لوضع الإنسان المعاصر. وبالتالي كان الطرح الجديد الذي دار حول تعريف ماهية الشعر المعاصر انطلاقا من لغته. فبدلا من أن يؤرخ لهذا الشعر أعاد النظر في ماهية اللغة الشعرية أي تحديد الشعر بلغته لا بفكرته. وهذا يجرنا إلى الحديث عن اللغة الشعرية التي تكشف عن الاحتمال والتي أضحت ثورة جمالية تتناقص الرؤية السكونية النازعة إلى الوضوح والشرح، عن طريق اكتساب دلالات جديدة في الوعي النقدي الحداثي وخصوصا بعدما طور هذا المفهوم رومان جاكبسون بعد دراسته لوظائف اللغة الشعرية هيمنة على ما عداها من الوظائف الأخرى في كل نص إبداعي. وعناية تودوروف بهذا المصطلح بالغة الأهمية إذ يوظفه بكثرة في جميع كتاباته حتى أنه رسم مؤلفا له باسم الشعرية وله كتاب آخر شعرية النثر. فكان له الفضل الكبير في تحديد المصطلح وخصوصا في المعجم الموسوعي لعلوم اللغة. غير أن الدارس لأطروحات تودوروف يدرك خلفها المنطلقات الأساسية للشكلانيين الروس، ولجاكبسون حول مفهوم الأدبية. فقد بين أن الشعرية جاءت لتضع حدا للتوازي القائم بين الشعرية والتأويل وأكد على أن العلاقة بين الشعرية والتأويل هي بامتياز علاقة تكامل. ويرى أنها -أي الشعرية- نظرية عامة للخطاب الأدبي. ويفرق هذا الناقد بين البنيوية والشعرية، فهو يرى أنه إذا كانت البنيوية منهجا فإن الشعرية هي طريقة للنظر إلى الحقائق. لقد راح مفهوم الشعرية يتسع ليشمل العديد من الدلالات في الدراسات النقدية الحديثة وهذا نظرا لكونها تعني عند بعض الدارسين نظرية للأدب وعند الآخر هدفا لدراسة الوظيفة الشعرية للنص الأدبي. إن النقد العربي القديم تحدث عن شعرية عربية انطلاقا من المبادئ السبعة التي اتفق عليها النقاد العرب أمثال الأمدي والقاضي الجرجاني والمرزوقي لمفهوم عمود الشعر. ثم تعددت التجارب الشعرية بدءا بشعر المحدثين وشعرية مرحلة الإحياء وشعرية التجربة الرومانسية العربية ثم النظريات الحداثية وبعد ذلك يمكن الحديث عن شعرية للقراءة وأخرى للتأويل. أمام السيرورة التاريخية لتطور الشعرية العربية سينصرف البحث إلى النظر في شرفات النصوص وأنساقها وبناها الداخلية ودلالاتها ومعانيها شأن الشعرية الحديثة في النقد العالمي الحديث. إن الشعرية العربية الحداثية تجاوزت الموقف البلاغي بوصفه موقفا معياريا تقيميا. فهي تلتحم بين الأسلوبية والأدبية وبالتالي تنفي عن نفسها كل معيارية. ولا يعني ذلك أن النقد ينفي عن النص الأدبي بعده التاريخي، فهي شعرية عربية تاريخية تواجه خطابا محملا بمحمولات معرفية ودلالية متجهة نحو متلق ما في مجتمع ما.

فهي لا تقتصر على الوصف الموضوعي وإنما تغوص في معرفة وكشف مخزون الذاكرة ومكنونات الخطاب. فهي ليست "قضية شكلية أو لعبة تمنح جواز السفر لدخول عالم الشعر لقصائد أو عصور تحولت اللغة فيها إلى زخرف.."[18].

وليس من وراء الشعرية عزل الشعر عن المصير الإنساني وعن الرؤيا وعن مشكلات الإنسان. إن الناقد كمال أبو ديب يؤمن بأن الشعرية والشعر هما جوهريا نهج في طريقة رؤيا العالم واختراق قشرته إلى لباب التناقضات الحادة التي تنسج نفسها في لحمته وسداه وتمنح الوجود الإنساني طبيعته الضدية العميقة: مأساة الولادة وبهجة الموت[19].

إن اللغة الشعرية في النص الشعري المعاصر هي لغة علامات ذات محمولات جديدة، وبالتالي فالنص كله يصبح علامة من العلامات الدالة، فمن حيث الشكل في بنائه الجديد المنطوي على التجربة الباطنية المرتبطة بالوجدان الإنساني وبالرؤية التأملية ذات الاقتداءات الفكرية والفلسفية مما جعل النص الشعري المعاصر نصا توالديا لا يبدأ من بداية محددة وينتهي عند نقطة محددة، فهو نص الانفتاح على توالي النصوص الغائبة وعلى نصوص القراءة المتعددة، فهو نص التأويل.

وقد يشكل السؤال الأكثر إلحاحا في الوعي النقدي الحداثي وهو يلامس ويستبطن النص الشعري المعاصر محاولا اختراق حدوده لا للقبض على المعنى الواحدي فيه بل تحقيق اختبارات الروح والحدس والتأمل عن طريقة ملامسة شفافية المعنى وجماليته وإيقاعه والولوج إلى منعرجاته، ذلك أن النص هو المبدع في كينونة الذات وما القارئ إلا ذات أخرى تبحث عن وجهها إلى النص الشعري مما يفتح المجال الأوسع أمام منهج فيه الكثير من الانفتاح يتبلور من خلال سؤال القلق والكشف هو سؤال التأويلية: كيف نفهم النص الشعري جماليا؟g





--------------------------------------------------------------------------------

[1] - محمد بنس، الشعر العربي الحديث – الشعر المعاصر، ج3، ص80.

[2] - أدونيس، مقدمة للشعر العربي، ص125-126.

[3] - د.عبد الملك مرتاض، (تجليات الحداثة)، مجلة، ع4/96، ص..

[4] - د.عبد الملك مرتاض، القراءة بين القيود النظرية وحرية التلقي، ص26.

[5] - د.عبد القادر فيدوح، دلائلية النص الأدبي، ص30.

[6] - د.عبد الملك مرتاض، (تجليات الحداثة)، مجلة، ع4/96، ص20.

[7] - فاضل ثامر، اللغة الثانية، ص46.

[8] - علي حرب، الحقيقة والمجاز نظرة لغوية في العقل والدولة، ص6.

[9] - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، دار المعرفة، 1981، ص55.

[10] - علي حرب، الحقيقة والمجاز، نظرة لغوية في العقل والدولة، ص7.

[11] - ابن رشد، فصل المقال، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1978، ص22.

[12] - عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص10.

[13] - يوسف سامي اليوسف، الشعر العربي المعاصر، دمشق، 1980، ص13.

[14] - المرجع نفسه، ص15.

[15] - أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط2، 1978، ص16-17.

[16] - أدونيس، زمن الشعر، ص17.

[17] - تزيفيطان تودوروف، الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، ط2/1980، ص24.

[18] - المرجع نفسه، ص23.

[19] - كمال أبو ديب، في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1987، ص143.

م/
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد الهاشمي
مدير عام
مدير عام
أحمد الهاشمي


عدد المساهمات : 10896
نقاط : 13569
السٌّمعَة : 7
تاريخ التسجيل : 03/04/2010

مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر   مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Icon_minitimeالأحد 23 مايو 2010 - 15:11

رائع أديبتنا العظيمة


سارة عمر


تقديري وتحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسات الروح
الأعضاء
الأعضاء
همسات الروح


عدد المساهمات : 1392
نقاط : 1674
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/04/2010
العمر : 41

مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر   مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Icon_minitimeالإثنين 24 مايو 2010 - 19:38

سارة عمر

سلمتِ للطرح المفيد

لا حرمناااكِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زينب بابان
مشرفة عامة
مشرفة عامة
زينب بابان


عدد المساهمات : 10543
نقاط : 16309
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
العمر : 52

مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر   مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر Icon_minitimeالأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 18:17

بارك الله فيك اختي سارة عمر

امنياتي اليك بالموفقية والتالق

اعتزازي وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مركزية التأويل في محاورة النص الشعري المعاصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
واحة الأرواح  :: قسم العلوم و المكتبة و الفنون :: واحة البحوث والإستطلاعات الأدبية والأكاديمية-
انتقل الى: